الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل العاشرالمبحث الأول أنواع الصلاة صلاة الجماعة وأحكامها الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزُّحَيْلِيّ

الفصل العاشر: أنواع الصلاة   صلاة الجماعة وأحكامها  علي المذاهب الأربعة الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزُّحَيْلِيّ

اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات

  1. الفصل العاشر: أنواع الصلاة
  2. المبحث الأول ـ صلاة الجماعة وأحكامها (الإمامة والاقتداء)
  3. المطلب الأول ـ الجماعة
  4. أولا ـ تعريف الجماعة
  5. ثانيا ـ مشروعية الجماعة وفضلها وحكمتها
  6. فضلها
  7. آكد الجماعات في غير الجمعة
  8. حكمتها
  9. ثالثا ـ حكم صلاة الجماعة
  10. رابعا ـ أقل الجماعة أو من تنعقد به الجماعة
  11. خامسا ـ أفضل الجماعة، وحضور النساء المساجد
  12. رتب الفقهاء أفضلية المساجد التي تقام فيها الجماعة
  13. حضور النساء إلى المساجد
  14. سادسا ـ إدراك ثواب الجماعة
  15. سابعا ـ إدراك الفريضة مع الإمام
  16. هل يركع من أدرك الإمام راكعا دون الصف؟
  17. ثامنا - المشي للجماعة
  18. المشي للجماعة
  19. المبادرة للاقتداء مع الإمام
  20. تاسعا ـ تكرار الجماعة في المسجد
  21. عاشرا ـ إعادة المنفرد الصلاة جماعة
  22. الحادي عشر ـ وقت استحباب القيام للجماعة أو الصلاة
  23. الثاني عشر ـ أعذار ترك الجماعة والجمعة
  24. المطلب الثاني ـ الإمامة
  25. أولا ـ تعريف الإمامة ونوعاها
  26. ثانيا ـ شروط صحة الإمامة أو الجماعة
  27. ١ - الإسلام
  28. ٢ - العقل
  29. ٣ - البلوغ
  30. ٤ - الذكورة المحققة إذا كان المقتدي به رجلا أو خنثى
  31. ٥ - الطهارة من الحدث والخبث
  32. ٦ - إحسان القراءة والأركان
  33. ٧ - كونه غير مأموم
  34. الاقتداء بمن كان مقتديا بالإمام (وهو المسبوق) بعد انقطاع القدوة
  35. اشتراط الحنفية والحنابلة: السلامة من الأعذار
  36. ٩ - أن يكون الإمام صحيح اللسان، بحيث ينطق بالحروف على وجهها
  37. الصلاة وراء المخالف في المذهب
  38. ١٠ - اشتراط الحنفية والشافعية: أن تكون صلاة الإمام صحيحة في مذهب المأموم
  39. ١١ - اشتراط الحنابلة أن يكون الإمام عدلا
  40. ١٢ - اشتراط المالكية والحنفية والحنابلة: ألا يكون الإمام معيدا صلاته لتحصيل فضيلة الجماعة،
  41. ثالثا - الأحق بالإمامة
  42. أحق الناس بالإمامة في ظروفنا الحاضرة
  43. مذهب الحنفية
  44. مذهب المالكية
  45. مذهب الشافعية
  46. مذهب الحنابلة
  47. رابعا ـ من تكره إمامته ومكروهات الإمامة
  48. مكروهات الإمامة في المذاهب
  49. مذهب الحنفية
  50. مذهب المالكية
  51. تكره إمامة بعض الأشخاص في حالة دون حالة
  52. مذهب الشافعية
  53. مذهب الحنابلة
  54. خامسا ـ متى تفسد صلاة الإمام دون المؤتم؟
  55. سادسا ـ ما تفسد به صلاة الإمام والمأمومين
  56. سابعا ـ ما يحمله الإمام عن المأموم
  57. ما ذكره الحنابلة فيما يتحمله الإمام عن المأموم
  58. ثامنا ـ الأحكام الخاصة بالإمام
  59. المسألة الأولى ـ هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة الفاتحة، أو المأموم هو الذي يؤمن فقط؟
  60. المسألة الثانية ـ متى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام؟
  61. المسألة الثالثة ـ هل يفتح على الإمام إذا أرتج عليه أو لا؟
  62. المسألة الرابعة ـ ارتفاع الإمام عن المأمومين
  63. مسألة خامسة ملحقة ـ هل يجب على الإمام أن ينوي الإمامة أو لا؟
  64. المطلب الثالث ـ القدوة
  65. أولا ـ شروط صحة القدوة
  66. ثانيا ـ نية مفارقة الإمام وقطع القدوة
  67. ثالثا ـ أحوال المقتدي (المدرك
  68. المدرك
  69. مذهب الحنفية
  70. واللاحق
  71. والمسبوق
  72. مذهب المالكية
  73. معنى قضاء القول
  74. معنى البناء على الفعل
  75. الشافعية
  76. الحنابلة
  77. رابعا: ما يفعله المقتدي بعد فراغ إمامه من واجب وغيره
  78. المطلب الرابع ـ الأمور المشتركة بين الإمام والمأموم
  79. أولا ـ شروط الاقتداء بالإمام
  80. ١ - نية المؤتم الاقتداء باتفاق المذاهب
  81. ٢ ـ اتحاد صلاتي الإمام والمأموم
  82. ٣ - ألا يتقدم المأموم على إمامه بعقبه (مؤخر قدمه)، أو بأليته (عجزه) إن صلى قاعدا أو بجنبه إن صلى مضطجعا.
  83. ٤ ـ اتحاد مكان صلاة الإمام والمقتدي برؤية أو سماع ولو بمبلغ،
  84. المالكية
  85. رأي الحنفية
  86. الشافعية
  87. الحنابلة
  88. ٥ - متابعة المأموم إمامه
  89. قال الحنفية
  90. قال المالكية
  91. قال الشافعية
  92. قال الحنابلة
  93. ٦ - اشترط الشافعية أيضا: الموافقة للإمام في سنة تفحش المخالفة بها،
  94. ٧ - اشترط الحنفية أيضا عدم محاذاة المرأة ولو كانت محرما في الصف،
  95. قال الجمهور غير الحنفية
  96. اشترط الحنابلة أن يقف المأموم إن كان واحدا عن يمين الإمام،
  97. ثانيا: موقف الإمام والمأموم
  98. فضل الصف الأول
  99. ثالثا ـ أمر الإمام بتسوية الصفوف وسد الثغرات
  100. رابعا ـ صلاة المنفرد عن الصف
  101. المطلب الخامس ـ الاستخلاف
  102. الاستخلاف
  103. طريقته
  104. سببه
  105. أحكامه وأسبابه وشروطه
  106. قال الحنفية
  107. قال المالكية
  108. قال الشافعية
  109. قال الحنابلة
  110. المبحث الثاني ـ صلاة الجمعة
  111. المبحث الثالث ـ صلاة المسافر (القصر والجمع)
  112. المبحث الرابع ـ صلاة العيدين
  113. المبحث الخامس ـ صلاة الكسوف والخسوف
  114. المبحث السادس ـ صلاة الاستسقاء
  115. المبحث السابع ـ صلاة الخوف
  116. المبحث الثامن ـ صلاة الجنازة، وأحكام الجنائز والشهداء والقبور
  117. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 

 
 الفَصْلُ العَاشِر: أَنْواعُ الصَّلاة وفيه مباحث ثمانية:
 
المبحث الأول - صلاة الجماعة وأحكامها (الإمامة والاقتداء):
وفيه بحث صلاة المسبوق، والاستخلاف والبناء على الصلاة. الكلام في هذا المبحث يتناول المطالب الخمسة الآتية:
الجماعة، الإمامة، القدوة، الأمور المشتركة بين الإمام والمأموم، الاستخلاف في الصلاة.

المطلب الأول - الجماعة:
تعريفها، مشروعيتها وفضلها وحكمتها، حكمها، أقل الجماعة أو من تنعقد به الجماعة، أفضل الجماعة، إدراك ثوابها، إدراك الفريضة، المشي للجماعة والمبادرة إليها مع الإمام، تكرار الجماعة في المسجد، الإعادة مع الجماعة، وقت استحباب القيام للصلاة، أعذار ترك الجماعة والجمعة.
 
أولًا - تعريف الجماعة:
  الجماعة: هي الارتباط الحاصل بين صلاة الإمام والمأموم. وقد شرع الإسلام عدة مناسبات ولقاءات اجتماعية بين المسلمين لأداء العبادة في أوقات معلومة، منها أداء الصلوات الخمس في اليوم والليلة، ومنها صلاة الجمعة في الأسبوع، ومنها صلاة العيدين في السنة مرة لأهل كل بلد، ومنها عام للبلاد كلها وهو الوقوف بعرفة في السنة مرة، لأجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع.

ثانيًا - مشروعية الجماعة وفضلها وحكمتها: 
 الجماعة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ..﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] الآية. أمر الله بالجماعة في حالة الخوف أثناء الجهاد، ففي الأمن أولى، ولو لم تكن مطلوبة لرخص فيها حالة الخوف، ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها.
وأما السنة: فقوله ﷺ: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ، بسبع وعشرين درجة» (١) وفي رواية: «بخمس وعشرين درجة» (٢)
وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة على مشروعيتها بعد الهجرة. جاء في الإحياء للغزالي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: لا يفوِّت أحد صلاة الجماعة إلا بذنب أذنبه، وكان السلف يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، وسبعة أيام إذا فاتتهم الجماعة.
(١) رواه الجماعة إلا النسائي وأبا داود عن ابن عمر، والفذ: الفرد (جامع الأصول: ١٠/ ٢٥٠).
(٢) هذه رواية أبي هريرة. ورواه البخاري أيضًا عن أبي سعيد الخدري، وأحمد عن ابن مسعود (نيل الأوطار: ٣/ ١٢٦ وما بعدها) قال في المجموع: ولا منافاة لأن القليل لاينفي الكثير، أو أنه أخبر أولًا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل، فأخبر بها، أو أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين كثرة وقلة. قال الشوكاني: والراجح عندي أولها لدخول مفهوم الخمس تحت مفهوم السبع.
 
وفضلها: 
كما ذكر في الحديث السابق أنها أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، وأن بكل خطوة إليها حسنة ورفع درجة، كما في حديث ابن مسعود ﵁: «من سره أن يلقى الله تعالى غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم ﷺ سنن الهدى، وأنهن من سُنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم ﷺ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطُّهور، ثم يَعْمَد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» (١).
وأنها أيضًا نور المسلم يوم القيامة، كما في قوله ﷺ: «بشر المشاءين في الظُلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» (٢).

وآكد الجماعات في غير الجمعة: 
جماعة الصبح ثم العشاء (٣) ثم العصر، للحديثين الآتيين: عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير، لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتَمة والصبح لأتوهما، ولو حَبْوا» (٤).
(١) رواه مسلم وأبو داود (نصب الراية: ٢/ ٢١ - ٢٢، جامع الأصول: ٦/ ٣٧٠)، ويهادى: يرفد أو يعان من جانبيه. وفي رواية: «ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم».
(٢) رواه أبو داود والترمذي عن بريدة، وابن ماجه والحاكم عن أنس وعن سهل بن سعد، وهو صحيح.
(٣) المجموع: ٤/ ٩١.
(٤) رواه البخاري ومسلم. والاستهام: الاقتراع، والتهجير: التبكير إلى الصلاة، والعتمة: العشاء.
 
وعن عثمان بن عفان ﵁، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح جماعة، فكأنما صلى الليل كله» (١). أما العصر فلأنها الصلاة الوسطى.

وحكمتها: تحقيق التآلف والتعارف والتعاون بين المسلمين، 
 وغرس أصول المحبة والود في قلوبهم، وإشعارهم بأنهم إخوة متساوون متضامنون في السراء والضراء، دون فارق بينهم في الدرجة أو الرتبة أو الحرفة أو الثروة والجاه، أو الغنى والفقر.
وفيها تعويد على النظام والانضباط وحب الطاعة في البر والمعروف، وتنعكس آثار ذلك كله على الحياة العامة والخاصة، فتثمر الصلاة جماعة أطيب الثمرات، وتحقق أبعد الأهداف، وتربي الناس على أفضل أصول التربية، وتربط أبناء المجتمع بأقوى الروابط؛ لأن ربهم واحد، وإمامهم واحد، وغايتهم واحدة، وسبيلهم واحدة.
قال في الدر المختار: ومن حِكَمها: نظام الألفة وتعلم الجاهل من العالم. والألفة بتحصيل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران.

ثالثًا - حكم صلاة الجماعة: صلاة الجماعة إما سنة مؤكدة أو فرض.
فقال الحنفية والمالكية (٢): الجماعة في الفرائض غير الجمعة سنة
(١) رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، وفي رواية الترمذي: «ومن صلى العشاء والفجر في جماعة».
(٢) وهو رأي أيضًا لبعض الشافعية. فتح القدير:٢٤٣/ ١، الدر المختار:٥١٥/ ١، اللباب: ٨٠/ ١، تبيين الحقائق: ١٣٢/ ١، الشرح الصغير: ٤٢٤/ ١، بداية المجتهد: ١٣٦/ ١، المهذب: ٩٣/ ١.
 
مؤكدة، للرجال العاقلين القادرين عليها من غير حرج، فلا تجب على النساء والصبيان والمجانين والعبيد والمقعد والمريض والشيخ الهرم ومقطوع اليد والرجل من خلاف.
وكونها سنة؛ لأن ظاهر الحديث السابق «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، أو بسبع وعشرين درجة» يدل على أن الصلاة في الجماعات من جنس المندوب إليه، وكأنها كمال زائد على الصلاة الواجبة، فكأنه قال ﵊: صلاة الجماعة أكمل من صلاة المنفرد، والكمال إنما هو شيء زائد على الإجزاء. ويؤكده ما روي من حديث آخر: «الجماعة من سنن الهدى، لا يتخلف عنها إلا منافق» (١). وهذا الرأي ليسره أولى من غيره، خصوصًا في وقتنا الحاضر، حيث ازدحمت الأشغال والارتباط بمواعيد عمل معينة، فإن تيسر لواحد المشاركة في الجماعة، وجب تحقيقًا لشعائر الإسلام.
وقال الشافعية في الأصح المنصوص (٢): الجماعة فرض كفاية، لرجال أحرار مقيمين، لا عراة، في أداء مكتوبة، بحيث يظهر الشعار أي شعار الجماعة بإقامتها، في كل بلد صغير أو كبير. فإن امتنعوا كلُّهم من إقامتها قوتلوا (أي قاتلهم الإمام أو نائبه دون آحاد الناس)، ولا يتأكد الند ب للنساء تأكده للرجال في الأصح. بدليل قوله ﷺ: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان (٣)، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» (٤).
(١) قال عنه الزيلعي: غريب بهذا اللفظ، وفي معناه حديث مسلم السابق عن ابن مسعود (نصب الراية: ٢١/ ١).
(٢) مغني المحتاج: ٢٢٩/ ١ وما بعدها، المهذب: ٩٣/ ١، المجموع: ٨٨/ ٤ وما بعدها.
(٣) أي غلب.
(٤) رواه أبو داود والنسائى وصححه ابن حبان والحاكم.
 
وقال الحنابلة (١): الجماعة واجبة وجوب عين، للآية السابقة: ﴿وإذا كنت فيهم ..﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] ويؤكده قوله تعالى: ﴿واركعوا مع الراكعين﴾ [البقرة:٤٣/ ٢]، وحديث أبي هريرة: «أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر ...»، وفي حديثه أي أبي هريرة أيضًا: أن رسول الله ﷺ قال: «والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب ليحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا، فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم» (٢)، وحديث الأعمى المشهور: وهو «أن رجلًا أعمى، قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد!! فسأل النبي ﷺ أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء؟ فقال: نعم، قال: فأجب» (٣)، وحديث ابن مسعود السابق: «لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ..» وحديث جابر وأبي هريرة: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (٤).
ويعضد وجوب الجماعة: أن الشارع شرعها حال الخوف على صفة لا تجوز إلا في الأمن، وأباح الجمع لأجل المطر، وليس ذلك إلا محافظة على الجماعة، ولو كانت سنة لما جاز ذلك.
لكن ليست الجماعة شرطًا لصحة الصلاة، كما نص الإمام أحمد.
(١) المغني: ١٧٦/ ٢ وما بعدها، كشاف القناع: ٥٣٢/ ١ وما بعدها.
(٢) متفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم، ورواه أيضًا مالك وأبو داود والترمذي والنسائي (جامع الأصول: ٣٦٩/ ٦).
(٣) رواه مسلم، وروى مثله أبو داود بإسناد صحيح أو حسن عن ابن أم مكتوم.
(٤) رواه الدارقطني، وهو حديث ضعيف، ورواه البيهقي عن علي موقوفًا عليه.
 
رابعًا - أقل الجماعة أو من تنعقد به الجماعة: 
أقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم ولو مع صبي عند الشافعية والحنفية (١)، ولا تنعقد الجماعة مع صبي مميز عند المالكية والحنابلة (٢)؛ لكن عند الحنابلة في فرض لانفل فتصح به؛ لأن الصبي لا يصلح إمامًا في الفرض، ويصح أن يؤم صغيرًا في نفل؛ لأن النبي ﷺ أمَّ ابن عباس، وهو صبي في التهجد.
ودليلهم على أقل الجماعة: قوله ﷺ: «الاثنان فما فوقها جماعة» (٣).

خامسًا - أفضل الجماعة، وحضور النساء المساجد: 
 الجماعة في المسجد لغير المرأة أو الخنثى أفضل منها في غير المسجد، كالبيت وجماعة المرأة (٤)، لخبر الصحيحين: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» أي فهي في المسجد أفضل؛ لأن المسجد مشتمل على الشرف والطهارة وإظهار الشعائر وكثرة الجماعة.

وقد رتب الفقهاء أفضلية المساجد التي تقام فيها الجماعة:
فقال الحنابلة (٥): إن كان البلد ثغرًا؛ وهو المكان المخوف، فالأفضل لأهله
(١) الدر المختار: ٥١٧/ ١، المجموع: ٩٣/ ٤ وما بعدها، مغني المحتاج: ٢٢٩/ ١، ٢٣٣، البدائع: ١٥٦/ ١.
(٢) كشاف القناع: ٥٣٢/ ١، المغني: ١٧٨/ ١، الشرح الكبير: ٣٢١/ ١، الشرح الصغير: ٤٢٧/ ١ وما بعدها.
(٣) رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي والعقيلي عن أبي موسى الأشعري. وأخرجه البيهقي عن أنس، وأخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه ابن عدي من حديث الحكم بن عميرة، وكلها ضعيفة (نصب الراية: ١٩٨/ ٢).
(٤) مغني المحتاج: ٢٣٠/ ١، المغني: ١٧٩/ ٢.
(٥) كشاف القناع: ٥٣٦/ ١، المغني: ١٧٩/ ١.
 
الاجتماع في مسجد واحد؛ لأنه أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة. والأفضل لغيرهم: الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره؛ لأن فيه تحصيل ثواب عمارة المسجد، وتحصيل الجماعة لمن يصلي فيه، وذلك معدوم في غيره، أو تقام فيه الجماعة بدون حضوره، لكن فيه جبر قلوب الإمام أو الجماعة. ثم المسجد العتيق؛ لأن الطاعة فيه أسبق.
ثم الأفضل من المساجد: ما كان أكثر جماعة، لقوله ﷺ: «صلاة الرجل مع الرجل أولى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أولى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله» (١).
ثم المسجد الأبعد أفضل من الصلاة في الأقرب، لقوله ﷺ: «إن أعظم الناس في الصلاة أجرًا أبعدهم فأبعدهم ممشى» (٢) ولكثرة حسناته بكثرة خطاه.
وفضيلة أول الوقت أفضل من انتظار كثرة الجمع. وتقدم الجماعة مطلقًا على أول الوقت؛ لأنها واجبة، وأول الوقت سنة، ولا تعارض بين واجب ومسنون.
وقال الشافعية (٣): الجماعة للرجال في المساجد أفضل إلا إذا كانت الجماعة في البيت أكثر. وما كثرت جماعته أفضل، إلا إذا تعطل عن الجماعة مسجد قريب، فالجماعة القليلة أفضل.
وقال المالكية (٤): لا نزاع في أن الصلاة مع العلماء والصلحاء والكثير من أهل الخير أفضل من غيرها، لشمول الدعاء وسرعة الإجابة وكثرة الرحمة وقبول الشفاعة.
(١) رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان عن أبي بن كعب.
(٢) رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا.
(٣) الحضرمية: ص ٦٤، مغني المحتاج: ٢٦٢/ ١.
(٤) الشرح الكبير: ٣٢٠/ ١.
 
حضور النساء إلى المساجد:
أما حضور النساء إلى المساجد: فيجوز للعجوز، ويكره للشابة خوفًا من الفتنة والأولى للمرأة مطلقًا الصلاة في بيتها، وتتلخص آراء الفقهاء فيما يأتي:
قال أبو حنيفة وصاحباه (١): يكره للنساء الشوابّ حضور الجماعة مطلقًا، لما فيه من خوف الفتنة، وقال أبو حنيفة: ولا بأس بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء؛ لأن فرط الشبق حامل (باعث) فتقع الفتنة، وفي غير هذه الأوقات الفساق نائمون في الفجر والعشاء، ومشغولون بالطعام في المغرب، وأجاز الصاحبان لها أن تخرج في الصلوات كلها؛ لأنه لا فتنة، لقلة الرغبة فيهن.
والمذهب المفتى به لدى المتأخرين: أنه يكره للنساء حضور الجماعة ولو لجمعة وعيد ووعظ، مطلقًا، ولو عجوزًا ليلًا، لفساد الزمان، وظهور الفسق.
وقال المالكية (٢): يجوز خلافًا للأولى خروج امرأة متجالَّة لا أرب للرجال فيها للمسجد ولجماعة العيد والجنازة والاستسقاء والكسوف، كما يجوز خروج شابة غير مُفتنة لمسجد وجنازة قريب من أهلها، أما مخشية الفتنة فلا يجوز لها الخروج مطلقًا. قال ابن رشد: تحقيق القول في هذه المسألة عندي: أن النساء أربع:
أـ عجوز انقطعت حاجة الرجال منها: فهذه كالرجل، فتخرج للمسجد للفرض، ولمجالس الذكر والعلم، وتخرج للصحراء للعيدين والاستسقاء ولجنازة أهلها وأقاربها ولقضاء حوائجها.
(١) الكتاب مع اللباب:٨٣/ ١، فتح القدير:٥٢٩/ ١، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: ٥٢٩/ ١.
(٢) الشرح الكبير مع الدسوقي:٣٣٥/ ١، الشرح الصغير:٤٤٦/ ١ وما بعدها.
 
ب - ومتجالة لم تنقطع حاجة الرجال منها بالجملة: فهذه تخرج للمسجد للفرائض ومجالس العلم والذكر، ولا تكثر التردد في قضاء حوائجها، فيكره لها ذلك. وكلام العلامة خليل: أن هذه كالأولى.
جـ - وشابة غير فارهة في الشباب والنجابة: تخرج للمسجد لصلاة الفرض جماعة، وفي جنازة أهلها وأقاربها، ولا تخرج لعيد ولا استسقاء ولا لمجالس ذكر أو علم.
د - وشابة فارهة في الشباب والنجابة: فهذه لها الاختيار، فلها ألا تخرج أصلًا.
وقال الشافعية والحنابلة (١): يكره للحسناء أو ذات الهيئة شابة أو غيرها حضور جماعة الرجال؛ لأنها مظنة الفتنة، وتصلي في بيتها. ويباح الحضور لغير الحسناء إذا خرجت تَفِلة (غير متطيبة) بإذن زوجها، وبيتها خير لها، لقوله ﷺ: «لاتمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن» وفي لفظ «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد، فأذنوا لهن» (٢) أي إذا أمن المفسدة. ولقوله ﷺ في هيئة خروجها: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تَفِلات» (٣) أي غير متطيبات. وعن أم سلمة: أن رسول الله ﷺ قال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» (٤).
والخلاصة: لاتخرج المرأة الجميلة للمساجد، وتخرج العجوز.
(١) مغني المحتاج:٢٣٠/ ١، كشاف القناع:٥٣٥/ ١،٥٥١،٥٦٩، المغني:٢٠٢/ ٢ ومابعدها.
(٢) رواه الجماعة إلا ابن ماجه. والرواية الأولى لأحمد وأبي داود عن ابن عمر (نيل الأوطار: ١٣٠/ ٣).
(٣) رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة (المصدر السابق).
(٤) رواه أحمد (نيل الأوطار:١٣١/ ٣).
 
سادسًا - إدراك ثواب الجماعة:
  الثواب الأكمل يحصل لمن أدرك الصلاة مع الإمام من أولها إلى آخرها، فإن إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، لحديث رواه الترمذي عن أنس: أن النبي ﷺ قال: «من صلى لله أربعين يومًا في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» (١)، وروي: «لكل شيء صفوة، وصفوة الصلاة: التكبيرة الأولى، فحافظوا عليها» (٢) ولحديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا» (٣) إذ الفاء للتعقيب.
والصحيح عند الشافعية: إدراك فضيلة الجماعة ما لم يسلِّم الإمام، وإن لم يقعد معه، بأن انتهى سلامه عقب تحرّمه، وإن بدأ بالسلام قبله، لإدراكه ركنًا معه، لكنه دون فضل من يدركها من أولها. واستثنوا صلاة الجمعة فإن جماعتها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة مع الإمام.
وقال الحنابلة والحنفية (٤): من كبر قبل سلام الإمام التسليمة الأولى، أدرك الجماعة، ولو لم يجلس معه؛ لأنه أدرك جزءًا من صلاة الإمام، فأشبه ما لو أدرك ركعة.
وقال المالكية (٥): إنما يحصل فضل الجماعة الوارد به الخبر المتضمن كون ثوابها بخمس أو بسبع وعشرين درجة، بإدراك ركعة كاملة يدركها مع الإمام، بأن يمكّن يديه من ركبتيه أو مما قاربهما قبل رفع الإمام وإن لم يطمئن إلا بعد رفعه. أما
(١) حديث منقطع، قالوا: لكنه من الفضائل فيتسامح فيه.
(٢) رواه البزار من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء مرفوعًا.
(٣) مغني المحتاج:٢٣١/ ١.
(٤) المغني:٥٤٠/ ٢،٥٤٦.
(٥) الشرح الكبير:٣٢٠/ ١.
 
مدرك ما دون الركعة فلا يحصل له فضل الجماعة، وإن كان مأمورًا بالدخول مع الإمام، وأنه مأجور بلا نزاع.
والخلاصة: تدرك صلاة الجماعة عند الجمهور بالتحريمة، وبركعة عند المالكية.

سابعًا - إدراك الفريضة مع الإمام: 
اتفق أئمة المذاهب (١) على أن من أدرك الإمام راكعًا في ركوعه، فإنه يدرك الركعة مع الإمام، وتسقط عنه القراءة كما بينا سابقًا، لقوله ﷺ: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام، فقد أدرك الصلاة» (٢) فإن ركع بعد رفع الإمام رأسه من الركوع، لم تحسب الركعة. لكن المالكية قالوا: إنما تدرك الركعة مع الإمام بانحناء المأموم في أول ركعة له مع الإمام قبل اعتدال الإمام من ركوعه، ولو حال رفعه، ولو لم يطمئن المأموم في ركوعه إلا بعد اعتدال الإمام مطمئنًا، ثم يكبر لركوع أو سجود بعد تكبيرة الإحرام، ولايؤخر الدخول مع الإمام في أي حالة من الحالات حتى يقوم للركعة التي تليها، وإن شك هل ركع قبل اعتدال الإمام أو بعده لم تحسب له الركعة.
وقال الحنابلة: من أدرك الإمام راكعًا، أجزأته تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع نصًا، لأنه فعل زيد بن ثابت وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة، ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد، فأجزأ الركن عن الواجب، كطواف الزيارة والوداع.
(١) فتح القدير:٣٤٤/ ١، تبيين الحقائق:١٨٤/ ١، مراقي الفلاح: ص٧٨، الشرح الصغير:٤٢٦/ ١،٤٦٣، كشاف القناع:٥٤٠/ ١.
(٢) رواه البخاري ومسلم (نيل الأوطار:١٥١/ ٣).
 
واشترط الشافعية كالمالكية تكبيرة الركوع عدا تكبيرة الإحرام ليدرك جزءًا من القيام.

وهل يركع من أدرك الإمام راكعًا دون الصف؟ 
 قال المالكية (١): يحرم (أي يكبر تكبيرة الإحرام) من خشي فوات ركعة برفع الإمام من ركوعه إن لم يحرم، دون الصف، إن ظن إدراكه قبل رفع رأس الإمام من الركوع. فإن لم يظن إدراك الصف قبل رفع الإمام، تابع مشيه بلا خَبَب (هرولة)، إلا أن تكون الركعة الأخيرة من صلاة الإمام، فإنه يحرم في مكانه دون الصف، لئلا تفوته الصلاة، ثم مشى، حتى يدخل في الصف.
وقال الحنابلة وغيرهم من بقية الفقهاء (٢): لا يركع دون الصف إلا إذا مشى ودخل في الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، أو يأتي آخر فيقف معه. وجملة ذلك: أن من ركع دون الصف ثم دخل فيه لايخلو من ثلاثة أحوال:
آـ إذا صلى ركعة كاملة، فلا تصح صلاته، لقول النبي ﷺ: «لا صلاة لفرد خلف الصف» (٢).
ب - أن يمشي راكعًا حتى يدخل في الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، أو أن يأتي آخر، فيقف معه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، فإن صلاته تصح، لأنه أدرك مع الإمام في الصف ما يدرك به الركعة.
جـ - إذا دخل في الصف بعد رفع رأسه من الركوع: فمتى كان جاهلًا بتحريم ذلك، صحت صلاته، وإن علم لم تصح، بدليل ما روى البخاري وغيره: «أن
(١) الشرح الصغير: ٤٦١/ ١ وما بعدها.
(٢) المغني:٢٣٤/ ٢ وما بعدها.
 
أبا بكرة انتهى إلى النبي ﷺ، وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي ﷺ، فقال: زادك الله حرصًا، ولا تعد» (١)، فلم يأمره بإعادة الصلاة ونهاه عن العود.

ثامنًا - المشي للجماعة والمبادرة إليها مع الإمام:
 
المشي للجماعة:
يستحب لمن قصد الجماعة أن يمشي إليها، وعليه السكينة والوقار (٢)، لقوله ﷺ: «إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة، وعليكم السكينة والوقار، ولاتسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا» (٣).
وذكر المالكية (٤): أنه يجوز الإسراع لإدراك الصلاة مع الجماعة، بلا خَبَب (أي هرولة: وهي ما دون الجري) وتكره الهرولة؛ لأنها تذهب الخشوع، والجري أول ى

المبادرة للاقتداء مع الإمام:
يبادر المصلي للاقتداء بالإمام، سواء أكان قائمًا أم راكعًا أم ساجدًا أم نحوه.
وهل له أن يصلي النافلة؟
(١) رواه أحمد وابن ماجه عن علي بن شيبان (نيل الأوطار:١٨٤/ ٣).
(٢) رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائى، ورواية أبي داود بلفظ: «أن أبا بكرة جاء، ورسول الله ﷺ راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي ﷺ الصلاة، قال: أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي ﷺ: زادك الله حرصًا، ولا تعد» (نيل الأوطار: ١٨٤/ ٣). (٢) المهذب:٩٤/ ١، كشاف القناع:٣٧٨/ ١ وما بعدها.
(٣) رواه الجماعة إلا الترمذي عن أبي هريرة، وروى أحمد والشيخان في معناه عن أبي قتادة (نيل الأوطار:١٣٤/ ٣).
(٤) الشرح الصغير:٤٤٥/ ١.
 
قال المالكية (١): يحرم على المتخلف ابتداء صلاة، فرضًا أو نفلًا بجماعة أو لا، بعد إقامة الصلاة لإمام راتب. وإن أقيمت تلك الصلاة بمسجد، والمصلي في صلاة فريضة أو نافلة بالمسجد أو رحبته: فإن خشي فوات ركعة مع الإمام، قطع صلاته، ودخل مع الإمام مطلقًا، سواء أكانت نافلة أم فرضًا غير الصلاة المقامة، وسواء عقد ركعة أم لا، ويقطع صلاته بسلام أو مناف للصلاة ككلام ونية إبطال.
وإن لم يخش فوات ركعة: فإن كانت الصلاة نافلة أتمها ركعتين، ويندب أن يتمها جالسًا. وإن كانت الصلاة التي هو بها هي المقامة نفسها - بأن كان في العصر، فأقيمت للإمام - انصرف عن شفع ولا يتمها، فلو صلى ركعة ضم لها أخرى، وإن كان في الثانية كملها، وإن كان في الثالثة قبل كمالها بسجودها، رجع للجلوس فتشهد، وسلم. هذا إن كان في صلاة رباعية.
فإن كان في صلاة صبح أو مغرب، فأقيمت، قطع صلاته، ودخل مع الإمام، لئلا يصير متنفلًا بوقت نهي. وإن أتم ثانية المغرب، أو الثالثة، أو ثانية الصبح، كملها بنية الفريضة.
وقال الشافعية (٢): إن كان المصلي في صلاة نافلة، ثم أقيمت الجماعة: فإن لم يخش فوات الجماعة، أتم النافلة، ثم دخل في الجماعة.
وإن خشي فوات الجماعة، قطع النافلة؛ لأن الجماعة أفضل.
وإن دخل في فرض الوقت ثم أقيمت الجماعة: فالأفضل أن يقطع، ويدخل في الجماعة. وفي المذهب الجديد وهو الأصح: له أن ينوي الدخول في الجماعة من غير أن يقطع صلاته؛ لأنه لما جاز أن يصلي بعض صلاته منفردًا، ثم يصير إمامًا،
(١) الشرح الصغير: ٤٣١/ ١، القوانين الفقهية: ص٦٨.
(٢) المهذب: ٩٤/ ١، المجموع: ١٠٥/ ٤ - ١١٠.
 
بأن يجيء من يأتم به، جاز أن يصلي بعض صلاته منفردًا، ثم يصير مأمومًا، ومن المقرر عندهم أنه يجوز أن يغير ترتيب صلاته بالمتابعة، كالمسبوق بركعة.
وإن حضر وقد أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، لقوله ﷺ: «إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة» (١).
وقال الحنابلة (٢): إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة التي يريد الصلاة مع إمامها، عملًا برواية ابن حبان بلفظ «إذا أخذ المؤذن في الإقامة»، فلا صلاة إلا المكتوبة، فلا يشرع في نفل مطلق ولا سنة راتبه من سنة فجر أو غيرها، في المسجد أو غيره ولو ببيته، لعموم الحديث السابق: «إذا أقيمت الصلاة ...»، فإذاشرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة، لم تنعقد، لما روي عن أبي هريرة «وكان عمر يضرب على كل صلاة بعد الإقامة».
وإن أقيمت الصلاة، وهو في النافلة، ولو كان خارج المسجد، أتمها خفيفة، ولو فاتته ركعة، لقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ [محمد:٣٣/ ٤٧] ولا يزيد على ركعتين، فإن كان شرع في الركعة الثالثة، أتمها أربعًا، لأنها أفضل من الثلاث. فإن سلَّم من ثلاث ركعات، جاز نصًا في المسألتين، إلا أن يخشى المتنفل فوات ما تدرك به الجماعة، فيقطعها؛ لأن الفرض أهم.
وللحنفية تفصيل خاص، يشبه في قطع الفريضة مذهبي المالكية والشافعية في الجملة، ويستقل في ضرورة صلاة سنة الفجر، وهو ما يأتي (٣):
(١) متفق عليه بين الشيخين عن أبي هريرة.
(٢) كشاف القناع:٥٣٩/ ١ وما بعدها.
(٣) فتح القدير:٣٣٥/ ١ - ٣٤٢، تبيين الحقائق:١٨٠/ ١ - ١٨٤. مراقي الفلاح: ص٧٧ ومابعدها.
 
إذا شرع المصلي في أداء فرض أو قضائه منفردًا، ثم أقيمت الجماعة: فإن شرع في صلاة الفجر أو المغرب: فإن كان في الركعة الأولى، ولو بعد السجود، فعليه أن يقطع صلاته بتسليمة، ثم يدخل في الجماعة. وإن كان في الركعة الثانية، قطعها أيضًا إن كان قبل السجود، وأتمهامنفردًا إن كان بعد السجود.
وإن شرع في صلاة رباعية كالظهر أو العصر: فإن كان المنفرد قبل السجود في الركعتين الأولى (١)، قطع صلاته ولحق الإمام. وإن كان بعد السجود أتم الركعتين أي صلى شفعًا وسلم، ودخل مع الجماعة إحرازًا لفضيلة الجماعة، وصار ما صلاه نفلًا، صيانة للمؤدى عن البطلان.
وإن قام للثالثة، فأقيمت الجماعة قبل سجوده، قطع قائمًا بتسليمة واحدة. أما إن أتم الركعة الثالثة من الرباعية أو من المغرب، فإنه يتم صلاته منفردًا؛ لأن للأكثر حكم الكل. ثم يصلي مع الجماعة نافلة؛ لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد، بدليل ما قال يزيد بن الأسود: شهدت مع النبي ﷺ حَجَّتَه، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته، انحرف، فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا، فقال: عليَّ بهما، فجيء بهما تُرعَد فرائصُهما (٢)، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصلِّيا معهم، فإنها لكما نافلة (٣).
(١) عبارتهم في ذلك: ثم لم يقيد الركعة الأولى بالسجدة، يقطع ويشرع مع الإمام، وهو الصحيح.
(٢) الفرائص: جمع فريصة: وهي اللحمة من الجنب والكتف التي لا تزال ترعد أي تتحرك من الدابة، واستعير للإنسان؛ لأن له فريصة، وهي ترجف عند الخوف. وسبب ارتعاد فرائصهما: ما اجتمع في رسول الله ﷺ من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة، لكل من رآه، مع كثرة تواضعه.
(٣) رواه الخمسة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:٩٢/ ٣).
 
ومن دخل المسجد، والصلاة تقام، اشترك مع الجماعة ويترك السنة، لأنه يؤديها بعد الفرض والسنة البعدية، إلا سنة الفجر، فإنه يصليها عند باب المسجد، ثم يدخل، إذا لم يخف فوت الجماعة، لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين. فإن خشي فوت الجماعة، دخل مع الإمام في الفريضة؛ لأن ثواب الجماعة أعظم، والوعيد بالترك ألزم.
وإذا فاتته ركعتا الفجر، لا يقضيهما قبل طلوع الشمس؛ لأنه يبقى نفلًا مطلقًا، وهو مكروه بعد الصبح، ولا بعد ارتفاع الشمس عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الأصل في السنة ألا تقضى، لاختصاص القضاء بالواجب، والرسول ﷺ إنما قضى السنة تبعًا للفرض غداة طلوع الشمس عليه ليلة التعريس (١) في الوادي، فبقي ما عداه على الأصل: وهو عدم القضاء، وعلى هذا فلا تقضى سنة الفجر إلا تبعًا للفرض إذا فاتت مع الفرض.
وقال محمد: أحب إلي أن يقضيهما (أي ركعتي الفجر) إلى وقت الزوال، لأنه ﵇ قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس.
وإن شرع في سنة الظهر القبلية، فأقيمت الجماعة، أو في سنة الجمعة فصعد الخطيب المنبر، سلم بعد ركعتين وهو الأوجه، ثم قضى السنة أربعًا بعد أداء الفرض والسنة البعدية، حتى لا يفوت فرض الاستماع والأداء على وجه أكمل. وهذا رأي أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد: تقضى قبل السنة البعدية. قال الشلبي (٢): والأولى تقديم الركعتين أي السنة البعدية؛ لأن الأربع أي السنة القبلية فاتت عن الموضع المسنون، فلا تفوت الركعتان أيضًا عن موضعهما قصدًا بلا ضرورة.
(١) التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل يقعون فيه وقعة للاستراحة ثم يرتحلون.
(٢) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق:١٨٣/ ١.
 
تاسعًا - تكرار الجماعة في المسجد: 
عرفنا في مكروهات الصلاة سابقًا أن الحنفية (١) قالوا: يكره تكرار الجماعة بأذان وإقامة في مسجد مَحِلِّة، إلا إذا صلى بهما فيه أولًا غير أهله، أو أهله لكن بمخافته الأذان، أو كرر أهله الجماعة بدون الأذان والإقامة، أو كان مسجد طريق، أو مسجدًا لا إمام له ولا مؤذن، ويصلي الناس فيه فوجًا فوجًا، والأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة.
والمراد بمسجد المحلة: ما له إمام وجماعة معلومون. والكراهة إذا تكرر الأذان، فلو صلى جماعة في مسجد المحلة بغير أذان أبيح، لكن ظاهر الرواية عند الحنفية أنه مكروه، فما يفعل في بعض المساجد من الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة مكروه عندهم.
ودليلهم: أنه ﵊ كان قد خرج، ليصلح بين قوم، فعاد إلى المسجد، وقد صلى أهل المسجد، فرجع إلى منزله، فجمع أهله وصلى. ولو جاز ذلك لما اختار الصلاة في بيته على الجماعة في المسجد. ولأن ذلك حامل على تكثير الجماعة، فلو أبيح التكرار بدون كراهة لا يجتمع الناس، لعلمهم أن الجماعة لا تفوتهم.
أما مسجد الشارع، فالناس فيه سواء، لا اختصاص له بفريق دون فريق. وعلى هذا لا يكره تكرار الجماعة في مساجد الطرق: وهي ما ليس لها إمام وجماعة معينون.
وقال المالكية (٢): يكره تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب، وكذلك
(١) الدر المختار ورد المحتار:٥١٦/ ١.
(٢) الشرح الصغير:٤٣٢/ ١،٤٤٢ وما بعدها.
 
يكره إقامة الجماعة قبل الإمام الراتب، ويحرم إقامة جماعة مع جماعة الإمام الراتب. والقاعدة عندهم: أنه متى أقيمت الصلاة مع الإمام الراتب، فلا يجوز إقامة صلاة أخرى فرضًا أو نفلًا، لا جماعة ولا فرادى. ومن صلى جماعة مع الإمام الراتب، وجب عليه الخروج من المسجد، لئلا يؤدي إلى الطعن في الإمام. وإذا دخل جماعة مسجدًا، فوجدوا الإمام الراتب قد صلى، ندب لهم الخروج ليصلوا جماعة خارج المسجد، إلا المساجد الثلاثة (المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى)، فيصلون فيها فرادى، إن دخلوها؛ لأن الصلاة المنفردة فيها أفضل من جماعة غيرها.
وإذا تعدد الأئمة الراتبون، بأن يصلي أحدهم بعد الآخر، كره على الراجح. ويكره تعدد الجماعات في وقت واحد، لما فيه من التشويش.
ولا يكره تكرار الجماعة في المساجد التي ليس لها إمام راتب.
وقال الشافعية (١): يكره إقامة الجماعة في مسجد بغير إذن من الإمام الراتب مطلقًا قبله أو بعده أو معه، ولا يكره تكرار الجماعة في المسجد المطروق في ممر الناس، أو في السوق، أو فيما ليس له إمام راتب، أو له وضاق المسجد عن الجميع، أو خيف خروج الوقت؛ لأنه لا يحمل التكرار على المكيدة.
وقال الحنابلة (٢): يحرم إقامة جماعة في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه، لأنه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بها، لقوله ﷺ: «لا يؤمَّنَّ الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه» (٣)، ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه، وكذلك يحرم إقامة جماعة أخرى
(١) مغني المحتاج:٢٣٤/ ١، المهذب:٩٥/ ١.
(٢) كشاف القناع:٥٣٦/ ١ - ٥٣٩، المغني:١٨٠/ ١.
(٣) رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قومًا إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم» (نيل الأوطار:١٥٩/ ٣).
 
أثناء صلاة الإمام الراتب، ولا تصح الصلاة في كلتا الحالتين. وعلى هذا فلا يحرم ولا تكره الجماعة بإذن الإمام الراتب؛ لأنه مع الإذن يكون المأذون نائبًا عن الراتب، ولا تحرم ولا تكره أيضًا إذا تأخر الإمام الراتب لعذر، أو ظن عدم حضوره، أو ظن حضوره ولم يكن يكره أن يصلي غيره في حال غيبته.
ولا يكره تكرار الجماعة بإمامة غير الراتب بعد انتهاء الإمام الراتب، إلا في مسجدي مكة والمدينة فقط، فإنه تكره إعادة الجماعة فيهما، رغبة في توفير الجماعة، أي لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الراتب في المسجدين إذا أمكنهم الصلاة في جماعة أخرى، وذلك إلا لعذر كنوم ونحوه عن الجماعة، فلا يكره لمن فاتته إعادتها بالمسجدين.
ويكره تعدد الأئمة الراتبين بالمسجدين المذكورين، لفوات فضيلة أول الوقت لمن يتأخر، وفوات كثرة الجمع، وإن اختلفت المذاهب.
ويكره للإمام إعادة الصلاة مرتين، بأن يؤم بالناس مرتين في صلاة واحدة، بأن ينوي بالثانية عن فائتة أو غيرها، وبالأولى فرض الوقت. والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة.

عاشرًا - إعادة المنفرد الصلاة جماعة:
 
 اتفق الفقهاء على أنه يجوز لمن صلى منفردًا أن يعيد الصلاة في جماعة وتكون الثانية نفلًا، عملًا بما ثبت في السنة في حديث يزيد بن الأسود السابق، وفي حديث آخر: أن رجلًا جاء إلى المسجد بعد صلاة النبي ﷺ العصر، فقال: «من يتصدق على هذا، فيصلي معه؟ فصلى معه رجل من القوم» (١).
(١) رواه أحمد وأبو داود، والترمذي وحسنه، من حديث أبي سعيد الخدري، وإسناده جيد.
 
ولكن للفقهاء تفصيل في إعادة الصلاة:
قال الحنفية (١): يجوز للمنفرد إعادة الصلاة مع إمام جماعة، وتكون صلاته الثانية نفلًا بدليل حديث يزيد بن الأسود السابق في بحث إدراك الفريضة. والذي قال فيه النبي ﷺ لرجلين في أخريات الصفوف، لم يصليا معه صلاة الظهر: «إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم فإنها لكما نافلة». وإذا كانت نفلًا، أعطيت حكم النافلة، فتكره إعادة صلاة العصر؛ لأن النفل ممنوع بعد العصر، وتكره صلاة النفل خلف النفل إذا كانت الجماعة أكثر من ثلاثة، وإلا فلا تكره إن أعادوها بدون أذان، وتكره مطقًا إن أعادوها بأذان. وتجوز إذا كان إمامه يصلي فرضًا، لا نفلًا؛ لأن صلاة النافلة خلف الفرض غير مكروهة.
وقال المالكية (٢): من صلى في جماعة لم يعد في أخرى إلا إذا دخل أحد المساجد الثلاثة فيندب له الإعادة. ومن صلى منفردًا جازت له الإعادة في جماعة: اثنين فأكثر، لا مع واحد، إلا إذا كان إمامًا راتبًا بمسجد، فيعيد معه؛ لأن الراتب كالجماعة، ويعيد كل الصلوات غير المغرب، والعشاء بعد الوتر، فتحرم إعادتها لتحصيل فضل الجماعة، أما المغرب فلا تعاد؛ لأنها تصير مع الأول شفعًا؛ لأن المعادة في حكم النفل، والعشاء تعاد قبل الوتر، ولا تعاد بعده؛ لأنه إن أعاد الوتر يلزم مخالفة قوله ﷺ: «لا وتران في ليلة»، وإن لم يعد، لزم مخالفة: «اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا».
ولكل منفرد إعادة الصلاة إلا من صلى منفردًا في أحد المساجد الثلاثة، فلا يندب له إعادتها جماعة خارجها، ويندب إعادتها جماعة فيها.
(١) فتح القدير:٣٣٧/ ١.
(٢) بداية المجتهد:١٣٧/ ١ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص٦٨، الشرح الصغير: ٤٢٧/ ١ وما بعدها.
 
ويعيد إذا كان مأمومًا، ولا يصح أن يكون إمامًا، كما قال الحنفية. وينوي المعيد الفرض، مفوضًا لله تعالى في قبول أي الصلاتين.
وقال الشافعية (١): يسن للمصلي وحده، وكذا للجماعة في الأصح: إعادة الفرض بنية الفرض في الأصح مع منفرد أو جماعة يدركها في الوقت ولو ركعة فيه على الراجح، ولو كان الوقت وقت كراهة، وتكون الإعادة مرة واحدة على الراجح، ولا يندب أن يعيد الصلاة المنذروة ولا صلاة الجنازة، إذ لا يتنفل بها، ويشترط أن تكون الصلاة الثانية صحيحة وإن لم تغن عن القضاء، وألا ينفرد وقت الإحرام بالصلاة الثانية من قيام لقادر، وأن تكون الجماعة مطلوبة في حق من يعيدها، فإن كان عاريًا فلا يعيدها في غير ظلام. ويصح أن يكون المعيد إمامًا.
وإذا صلى وأعاد مع الجماعة، فالفرض هو الأول في المذهب الجديد، لخبر يزيد بن الأسود السابق، إذ اعتبر النبي فيه الصلاة الثانية نافلة، ولأنه أسقط الفرض بالصلاة الأولى، فوجب أن تكون الثانية نفلًا. وينوي إعادة الصلاة المفروضة، حتى لا تكون نفلًا مبتدءًا.
وقال الحنابلة (٢): يستحب لمن صلى فرضه منفردًا أو في جماعة أن يعيد الصلاة إذا أقيمت الجماعة وهو في المسجد، ولو كان وقت الإعادة وقت نهي، سواء أكانت الإعادة مع الإمام الراتب أو غيره، إلا المغرب، فلا تسن إعادتها؛ لأن المعادة تطوع، وهو لا يكون بوتر. وتكون صلاته الأولى فرضه، لحديث يزيد ابن الأسود السابق. وينوي بالثانية كونها معادة؛ لأن الأولى أسقطت الفرض. وإن نوى المعادة نفلًا صح، لمطابقته الواقع، وإن نواها ظهرًا مثلًا، صحت، وكانت نفلًا.
(١) مغني المحتاج:٢٣٣/ ١ وما بعدها، المهذب:٩٥/ ١.
(٢) كشاف القناع:٥٣٧/ ١ وما بعدها.
 
أما من كان خارج المسجد، فوجد جماعة تقام: فإن كان الوقت وقت نهي، لم يستحب له الدخول، حتى تفرغ الصلاة، وتحرم عليه الإعادة ولم تصح، سواء قصد بدخوله المسجد تحصيل الجماعة أم لا. وأما إذا لم يكن الوقت وقت نهي، وقصد المسجد للإعادة، فلا تسن له الإعادة، وإن لم يقصد ذلك، كانت الإعادة مسنونة.

الحادي عشر - وقت استحباب القيام للجماعة أو الصلاة:
عرفنا في بحث أحكام الإقامة للصلاة أن للفقهاء آراء أربعة في وقت استحباب القيام لصلاة الجماعة، نوجزها هنا:
ذهب الحنفية: إلى أن المصلي يقوم عند «حي على الفلاح» وبعد قيام الإمام.
وذهب الحنابلة: إلى أنه يقوم عند «قد قامت الصلاة».
ورأي الشافعية: أنه يقوم بعد انتهاء المقيم من الإقامة.
وقال المالكية: ذلك موكول إلى قدر طاقة الناس، حال الإقامة أو أولها أو بعدها، إذ ليس في هذا شرع مسموع إلا حديث أبي قتادة السابق: أنه ﵊ قال: «إذ أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني» قال ابن رشد: فإن صح هذا - وقد بينا أنه حديث متفق عليه - وجب العمل به، وإلا فالمسألة باقية على أصلها المعفو عنه، أعني أنه ليس فيها شرع، وأنه متى قام كل واحد، فحسن (١).

الثاني عشر - أعذار ترك الجماعة والجمعة:
يعذر المرء بترك الجمعة والجماعة، فلا تجبان للأسباب الآتية (٢):
(١) بداية المجتهد: ١٤٥/ ١.
(٢) الدر المختار:٥١٩/ ١ وما بعدها، مراقي الفلاح: ص٤٨، البدائع:١٥٥/ ١، مغني المحتاج:٢٣٤ - ٢٣٦، المهذب:٩٤/ ١، المجموع:١٠٠/ ٤ - ١٠٢، كشاف القناع:٥٨٣/ ١ - ٥٨٧، المغني٦٢٩/ ١ - ٦٣٠، القوانين الفقهية: ص٦٩ ومابعدها، الشرح الصغير:٥١٤/ ١ - ٥١٦.
 
١ً - المرض الذي يشق معه الحضور كمشقة المطر، وإن لم يبلغ حدًا يسقط القيام في الفرض، بخلاف المرض الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر. ومثله تمريض من لا متعهد له ولو غير قريب ونحوه؛ لأن دفع الضرر عن الآدمي من المهمات، ولأنه يتألم على القريب أكثر مما يتألم بذهاب المال. وغير القريب كالزوجة والصهر والصديق والأستاذ.
ودليل عذر المرض: قوله تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ [الحج:٧٨/ ٢٢] وأنه ﷺ لما مرض تخلف عن المسجد، وقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» (١) ويعذر في ذلك خائف حدوث المرض، لما روى ابن عباس: أن النبي ﷺ فسر العذر: بالخوف والمرض (٢). فلا تجب الجماعة على مريض ومقعد وزمِن ومقطوع يد ورجل من خلاف أو رجل فقط، ومفلوج وشيخ كبير عاجز وأعمى وإن وجد قائدًا في رأي الحنفية، ولا يعذر حينئذ عند الحنابلة والمالكية والشافعية في ترك الجمعة دون الجماعة كما سيأتي.
٢ً - أن يخاف ضررًا في نفسه أو ماله أو عرضه أو مريضًا يشق معه الذهاب كما ذكر، بدليل ما روى ابن عباس ﵁: أن النبي ﷺ قال: «من سمع النداء، فلم يجبه، فلا صلاة له إلا من عذر، قالوا: يارسول الله، وما العذر؟ قال: خوف أو مرض».
فلا تجب الجماعة والجمعة بسبب خوف ظالم، وحبس معسر، أو ملازمة غريم معسر، وعُرْي، وخوف عقوبة يرجى تركها كتعزير لله تعالى، أو لآدمي، وقَوَد (قصاص) وحد قذف مما يقبل العفو إن تغيب أيامًا، وخوف زيادة المرض أو
(١) متفق عليه.
(٢) رواه أبو داود وغيره، وفي إسناده رجل مدلس، ولم يضعفه أبو داود.
 
تباطئه. فإن لم يتضرر المريض بإتيانه المسجد راكبًا أو محمولًا أو تبرع أحد بأن يركبه أو يحمله أو يقوده إن كان أعمى، لزمته عند الحنابلة والمالكية والشافعية الجمعة لعدم تكررها دون الجماعة. ولا تجب الجماعة والجمعة بسبب الخوف عن الانقطاع عن الرفقة في السفر ولو سفر نزهة. أو بسبب الخوف من تلف مال كخبز في تنور، وطبيخ على نار ونحوه، أو الخوف من فوات فرصة كالخوف من ذهاب شخص يدله على ضائع في مكان ما.
٣ً - المطر، والوَحَل (الطين) والبرد الشديد، والحر ظهرًا، والريح الشديدة في الليل لا في النهار، والظلمة الشديدة، بدليل ما روى ابن عمر ﵁، قال: «كنا إذا كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، وكانت ليلة مظلمة أو مطيرة، نادى مناديه: أن صلوا في رحالكم» (١)، والثلج والجليد كالمطر.
٤ً - مدافعة الأخبثين (البول والغائط) أو أحدهما، لأن ذلك يمنعه من إكمال الصلاة وخشوعها. وحضور طعام تتوقه نفسه، أي جوع وعطش شديدان، لخبر أنس في الصحيحين: «لا تعجلن حتى تفرغ منه»، وإرادة سفر، ويخشى أن تفوته القافلة أي تأهب لسفر مع رفقة ترحل، أما السفر نفسه فليس بعذر، وغلبة نعاس ومشقة؛ لأن رجلًا صلى مع معاذ، ثم انفرد، فصلى وحده عند تطويل معاذ، فلم ينكر عليه النبي ﷺ حين أخبره. لكن الصبر والتجلد على دفع النعاس، والصلاة جماعة أفضل، لما فيه من نيل فضل الجماعة. وأضاف الحنفية: واشتغاله بالفقه لابغيره.
(١) رواه البخاري ومسلم، ولفظهما: «ألا صلوا في الرحال» والرحال: المنازل، سواء أكانت من مدر (طين) أو شعر أو وبر أو غير ذلك. ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح، ولم يقل: في السفر. وهناك أحاديث أخرى في الموضوع (نيل الأوطار:١٥٥/ ٣).
 
٥ً - أكل منتن نيء إن لم يمكنه إزالته، ويكره حضور المسجد لمن أكل ثومًا أو بصلًا أو فجلًا ونحوه، حتى يذهب ريحه، لتأذي الملائكة بريحه، ولحديث: «من أكل ثومًا أو بصلًا، فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته» (١). ومثله جزار له رائحة منتنة، ونحوه من كل ذي رائحة منتنة، لأن العلة الأذى. وكذا من به برص أو جذام يتأذى به قياسًا على أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى.
٦ً - الحبس في مكان، لقوله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها﴾ [البقرة:٢٨٦/ ٢].
٧ً - أضاف الشافعية: تقطير سقوف الأسواق والزلزلة، والسموم: وهي ريح حارة ليلًا أو نهارًا، والبحث عن ضالة يرجوها، والسعي في استرداد مغصوب، والسمن المفرط، والهم المانع من الخشوع، والاشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه أو في المسجد، وزفاف زوجته إليه في الصلاة الليلية، وتطويل الإمام على المشروع، وترك سنة مقصودة، وكونه سريع القراءة والمأموم بطيئًا، أو ممن يكره الاقتداء به، وكونه يخشى وقوع فتنة له أو به.
وأيدهم الحنابلة في عذر تطويل الإمام، وزفاف الزوجة أو العرس. وتسقط الجمعة والجماعة عند المالكية لمدة ستة أيام بسبب الزفاف، ولا تسقط عن العروس في السابع على المشهور. وأضافوا كالشافعية: يعذر من عليه قصاص (قَوَد) إن رجا العفو عنه، ومن عليه حد القذف، إن رجا العفو أيضًا؛ لأنه حق آدم. أما من عليه حد لله تعالى كحد الزنا وشرب الخمر وقطع السرقة، فلا يعذر في ترك الجمعة ولا الجماعة؛ لأن الحدود لا يدخلها المصالحة، بخلاف القصاص.
(١) رواه البخاري ومسلم عن جابر، وفي لفظ: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا».
 
وخلاصة ما يسقط به حضور الجماعة عند الحنفية: واحد من ثمانية عشر أمرًا: مطر، وبرد، وخوف، وظلمة، وحبس، وعمى، وفلج، وقطع يد ورجل، وسقام، وإقعاد، ووحل، وزمانة، وشيخوخة، وتكرار فقه بجماعة تفوته، وحضور طعام تتوقه نفسه، وإرادة سفر، وقيامه بمريض، وشدة ريح ليلًا لا نهارًا. وإذا انقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها المبيحة للتخلف يحصل له ثوابها.

المطلب الثاني - الإمامة:
تعريفها، نوعاها، شروط الأئمة أو من تصح إمامته، الأحق بالإمامة، مكروهات الإمامة ومن تكره إمامته، متى تفسد صلاة الإمام دون المؤتم، ما تفسد به صلاة الإمام والمأمومين، ما يحمله الإمام عن المأموم، الأحكام الخاصة بالإمام.

أولًا - تعريف الإمامة ونوعاها: 
كل من يقتدى به ويتبع في خير أو شر، فهو إمام، قال الله تعالى: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا﴾ [الأنبياء:٧٣/ ٢١]، وقال: ﴿وجعلناهم أئمة يَدْعون إلى النار﴾ [القصص:٤١/ ٢٨].
والإمامة نوعان (١): كبرى وصغرى.
فالكبرى: استحقاق تصرف عام على الأنام أي على الخلق، والمقصود بالتصرف العام: طاعة الإمام. أو هي رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي ﷺ. قال الماوردي (٢): الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
(١) الدر المختار ورد المحتار:٥١١/ ١ - ٥١٣.
(٢) الأحكام السلطانية: ص٣.
 
وتعيين الإمام واجب شرعي من أهم الواجبات باتفاق العلماء (١)، ويشترط كونه مسلمًا حرًا ذكرًا عاقلًا بالغًا، قادرًا، قرشيًا، ولا يشترط كونه هاشميًا علويًا (أي من أولاد علي كما قال به بعض الشيعة) معصومًا كما قالت الإمامية والإسماعيلية. ويكره تقليد الفاسق، ويعزل بالفسق إلا لفتنة، ويجب أن يدعى له بالصلاح. وتصح الإمامة بأحد أمور ثلاثة:
اختيار أهل الحل والعقد، والوراثة (الإمامة بالعهد)، والغلبة والقهر للضرورة، بلا مبايعة أهل الحل والعقد (٢).
والإمامة الصغرى: هي إمامة الصلاة، وهي ارتباط صلاة المؤتم بالإمام.

ث انيًا - شروط صحة الإمامة أو الجماعة: تصح إمامة الإمام بالشروط التالية (٣):
 
١ - الإسلام: 
فلا تصح إمامة الكافر بالاتفاق. وذكر الحنابلة (٤): إذا صلى خلف من شك في إسلامه، أو كونه خنثى، فصلاته صحيحة، ما لم يبن كفره، وكونه خنثى مشكلًا؛ لأن الظاهر من المصلين الإسلام، لاسيما إذا كان إمامًا، والظاهر السلامة من كونه خنثى، لاسيما من يؤم الرجال. فإن تبين بعد الصلاة أنه كان كافرًا أو خنثى مشكلًا فعليه الإعادة. ويحكم بإسلام الشخص
(١) المرجعان السابقان، الأحكام السلطانية لأبي يعلى: ص٣.
(٢) المراجع السابقة.
(٣) الدر المختار: ٥١٣/ ١ وما بعدها، و٥٣٩ - ٥٥٤، اللباب:٨٢/ ١، البدائع:١٥٦/ ١ومابعدها، الشرح الصغير:٤٣٣/ ١ - ٤٣٦، القوانين الفقهية: ص٦٧، المهذب:٩٧/ ١، مغني المحتاج:٢٣٨/ ١، ٢٤١، كشاف القناع:٥٥٩/ ١ - ٥٦٠، ٥٦٤ - ٥٦٨، ٥٧٠، المغني:١٩٢/ ١، ١٩٤ - ١٩٥، ١٩٧ - ٢٠١، ٢٢٨، المجموع:١٤٧/ ٤ - ١٦٢.
(٤) المغني: ٢٠٠/ ١ وما بعدها.
 
بالصلاة، سواء أكان في دار الحرب أم في دار الإسلام، وسواء صلى جماعة أو منفردًا، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام، فلا كلام، وإن لم يقم عليه، فهو مرتد، يجري عليه أحكام المرتدين.
وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام فهو مسلم، يرثه ورثته المسلمون دون الكافرين.
وكذلك قال الشافعية (١): لو بان كون الإمام كافرًا أو امرأة، وجبت إعادة الصلاة.

٢ - العقل: 
فلا تصح الصلاة خلف مجنون؛ لأن صلاته لنفسه باطلة. فإن كان جنونه متقطعًا، صحت الصلاة وراءه حال إفاقته، ولكن يكره الاقتداء به، لئلا يعرض الصلاة للإبطال في أثنائها، لوجود الجنون فيها، والصلاة صحيحة؛ لأن الأصل السلامة، فلا تفسد بالاحتمال. ويلاحظ أن عدَّ هذين الشرطين من شروط الإمام مسامحة، إذ هما شرطان في الصلاة مطلقًا. والمعتوه والسكران مثل المجنون لاتصح الصلاة خلفهما، كما لاتصح صلاتهما.

٣ - البلوغ:  
فلا تصح إمامة المميز عند الجمهور للبالغ، في فرض أو نفل عند الحنفية، وفي فرض فقط عند المالكية والحنابلة، أما في النفل ككسوف وتراويح فتصح إمامته لمثله، لأنه متنفل يؤم متنفلًا، ودليلهم ما روى الأثرم عن ابن مسعود وابن عباس: «لا يؤم الغلام حتى يحتلم» ولأن الإمامة حال كمال، والصبي ليس من أهل الكمال، ولأنه لا يؤمن الصبي لإخلاله بشروط الصلاة أو القراءة.
وقال الشافعية: يجوز اقتداء البالغ بالصبي المميز، لما روي عن عمرو بن
(١) مغني المحتاج:٢٤١/ ١.
 
سلمة قال: «أممت على عهد رسول الله ﷺ وأنا غلام ابن سبع سنين» (١) والأصح صحة إمامة الصبي عندهم في الجمعة أيضًا، مع الكراهة.

٤ - الذكورة المحققة إذا كان المقتدي به رجلًا أو خنثى: 
فلا تصح إمامة المرأة والخنثى للرجال، لا في فرض ولا في نفل. أما إن كان المقتدي نساء فلا تشترط الذكورة في إمامهن عند الشافعية والحنابلة، فتصح إمامة المرأة للنساء عندهم، بدليل ما روي عن عائشة وأم سلمة وعطاء: أن المرأة تؤم النساء، وروى الدارقطني عن أم ورقة: أنه ﷺ «أذن لها أن تؤم نساء دارها».
ولا تكره عند الشافعية جماعة النساء، بل تستحب وتقف وسطهن (٢)، وروي عن أحمد روايتان (٣): رواية أن ذلك مستحب، ورواية أن ذلك غير مستحب.
ولا تصح إمامة النساء عند المالكية، وتشترط الذكورة في الإمام (٤).
وقال الحنفية (٥): يكره تحريمًا جماعة النساء وحدهن بغير رجال ولو في التراويح، في غير صلاة الجنازة، فلاتكره فيها؛ لأنها فريضة غير مكررة، فإن فعلن وقفت الإمام وسطهن كما يصلى للعراة. ودليل الكراهة: قوله ﷺ: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» (٦)، ولأنه يلزمهن أحد محظورين: إما قيام الإمام وسط
(١) رواه البخاري في صحيحه عن جابر، ورواه البخاري والنسائي بنحوه عن عمرو بن سلمة (نيل الأوطار:١٦٥/ ٣).
(٢) المجموع: ٩٦/ ٤.
(٣) المغني:٢٠٢/ ١، كشاف القناع:٥٦٤/ ١.
(٤) الشرح الصغير:٤٣٣/ ١.
(٥) تبيين الحقائق:١٣/ ١، الدر المختار:٥٢٨/ ١ وما بعدها، اللباب:٨٢/ ١.
(٦) أخرجه أبو داود عن ابن مسعود، وأخرج أحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية نحوه (نيل الأوطار:١٣٢/ ٣).
 
الصف، وهو مكروه، أو تقدم الإمام، وهو أيضًا مكروه في حقهن، فصرن كالعراة لم يشرع في حقهن الجماعة أصلًا، ولهذا لم يشرع لهن الأذان، وهو دعاء إلى الجماعة، ولولا كراهية جماعتهن لشرع.
كما يكره عندهم حضورهن الجماعة مطلقًا ولو الجمعة والعيد والوعظ ليلًا، أما نهارًا فجائز إن أمنت الفتنة، على المذهب المفتى به كما بينا سابقًا، وتكره أيضًا إمامة الرجل لهن في بيت ليس معهن رجل غيره، ولا محرم منه كأخته أو زوجته، فإذا كان معهن واحد ممن ذكر، أو أمهن في المسجد، لا يكره، وهذا موافق لمذهب الحنابلة؛ لأنه ﷺ «نهى أن يخلو الرجل بالأجنبية» ولما فيه من مخالطة الوسواس.

٥ - الطهارة من الحدث والخبث: 
فلا تصح إمامة المحدث، أو من عليه نجاسة لبطلان صلاته، سواء عند الجمهور أكان عالمًا بذلك أم ناسيًا. وقال المالكية: الشرط: عدم تعمد الحدث، وإن لم يعلم الإمام بذلك إلا بعد الفراغ من الصلاة، فإن تعمد الإمام الحدث، بطلت صلاته وصلاة من اقتدى به، وإن كان ناسيًا، فصلاته صحيحة إن لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة؛ لأن الطهارة من الخبث شرط لصحة الصلاة مع العلم فقط عندهم، ولا يصح الاقتداء بالمحدث أو الجنب إن علم ذلك، وتصح صلاة المقتدين، ولهم ثواب الجماعة باتفاق المذاهب الأربعة إلا في الجمعة عند الشافعية والحنابلة إذا كان المصلون بالإمام أربعين مع المحدث أو المتنجس، إن علموا بحدث الإمام أو بوجود نجاسة عليه، بعد الفراغ من الصلاة، لقوله ﷺ: «إذا صلى الجنب بالقوم، أعاد صلاته، وتمت للقوم صلاتهم» (١).
(١) رواه محمد بن الحسين الحراني عن البراء بن عازب، وروي مثله عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر (كشاف القناع:٥٦٥/ ١)
 
وقال الشافعية: لا يصح الاقتداء بمن تلزمه إعادة الصلاة كمقيم تيمم لفقد الماء، ومن على بدنه نجاسة يخاف من غسلها، ومحدث صلى لفقد الطهورين.

٦ - إحسان القراءة والأركان:
  أي أن يحسن الإمام قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، وأن يقوم بالأركان، فلا يصح اقتداء قارئ بأمي (١) عند الجمهور، وتجب الإعادة على القارئ المؤتم به، كما لاتصح الصلاة خلف أخرس ولو بأخرس مثله، ولا خلف عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو استقبال القبلة، أو اجتناب النجاسة، إلا بمثله، فتصح الصلاة خلف المماثل، إلا ثلاثة عند الحنفية: الخنثى المشكل والمستحاضة والمتحيرة (٢) لاحتمال الحيض.
وقال المالكية: يشترط في الإمام القدرة على الأركان، فإن عجز عن ركن منها، قولي كالفاتحة أوفعلي كالركوع أو السجود أو القيام، لم يصح الاقتداء به، إلا إذا تساوى الإمام والمأموم في العجز، فيصح اقتداء أمي بمثله إن لم يوجد قارئ على الأصح، ويصح اقتداء أخرس بمثله، وعاجز عن القيام صلى جالسًا بمثله، إلا المومئ أي الذي فرضه الإيماء من قيام أو جلوس أو اضطجاع، فلا يصح له على المشهور الاقتداء بمثله.

٧ - كونه غير مأموم: 
فلا يصح الاقتداء بمأموم (مقتد) بغيره، في حال قدرته؛ لأنه تابع لغيره يلحقه سهوه، ومن شأن الإمام الاستقلال، وأن يتحمل هو سهو غيره، فلا يجتمعان، وهذا إجماع.

أما الاقتداء بمن كان مقتديًا بالإمام (وهو المسبوق) بعد انقطاع القدوة: ففيه آراء.
(١) الأمي: هو من لا يحسن الفاتحة أو بعضها، أو يخل بحرف منها، وإن كان يحسن غيرها. فلا يجوز لمن يحسنها أن يأتم به، ويصح لمثله أن يأتم به.
(٢) وتسمى الضالة والمضلة: وهي من نسيت عادتها.
 
قال الحنفية (١): لا يجوز اقتداء المسبوق بغيره ولا الاقتداء به، لأنه في الأصل تبع لغيره، فهو في موضع الاقتداء، والاقتداء بناء التحريمة على التحريمة، فالمقتدي عقد تحريمته لما انعقدت له تحريمة الإمام، فكلما انعقدت له تحريمة الإمام، جاز البناء من المقتدي، وما لا فلا.
وكذلك قال المالكية (٢): لا يجوز الاقتداء بمسبوق قام لقضاء ما عليه، فاقتدى به غيره، ولو لم يعلم بأن إمامه مأموم، إلا بعد الفراغ من صلاته. أما المدرك: وهو من أدرك مع الإمام ما دون ركعة، فيصح الاقتداء به إذا قام لصلاته، وينوي المدرك الإمامية بعد أن كان ناويًا المأمومية؛ لأنه منفرد لم يثبت له حكم المأمومية.
وقال الحنابلة (٣): إن سلم الإمام، فائتم أحد المصلين بصاحبه في قضاء ما فاتهما، صح، أو ائتم مقيم بمثله فيما بقي من صلاتهما إذا سلم إمام مسافر، صح ذلك؛ لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى، لعذر، فجاز كالاستخلاف، بدليل قصة أبي بكر: وهي أن النبي ﷺ جاء وأبو بكر في الصلاة، فتأخر أبو بكر، وتقدم النبي ﷺ، فأتم بهم الصلاة وفعل هذا مرة أخرى، وكلا الحديثين صحيح متفق عليهما.
كما يصح الاقتداء بمن كان مسبوقًا بعد أن سلم إمامه، أو بعد أن نوى مفارقة الإمام، وتصح عندهم نية المفارقة، في غير الجمعة، أما فيها فلا يصح الاقتداء.
وقال الشافعية (٤): تنقطع القدوة بمجرد خروج الإمام من صلاته بسلام من
حدث أو غيره، لزوال الرابطة، وحينئذ فيسجد لسهو نفسه، ويقتدي بغيره، وغيره به.
والخلاصة: إن الحنفية والمالكية لا يجيزون الاقتداء بمن كان مقتديًا بعد سلام إمامه، ويصح عند الشافعية والحنابلة، وهو أولى.

(١) فتح القدير:٢٧٧/ ١.
(٢) الشرح الصغير:٤٣٤/ ١.
(٣) المغني:١٠٥/ ٢، ٢٣٣، كشاف القناع:٣٧٦/ ١ وما بعدها.
(٤) مغني المحتاج: ٢٥٩/ ١.

٨ - اشتراط الحنفية والحنابلة (١): السلامة من الأعذار: 
كالرعاف الدائم، وانفلات الريح، وسلس البول، ونحوها، فلا تصح إمامة من قام به عذر من هذه الأعذار إلا لمعذور مثله، بشرط أن يتحد عذرهما؛ لأنه ﷺ «صلى بأصحابه في المطر بالإيماء»، فإن اختلف العذر لم يجز، فيصلي من به سلس البول خلف مثله، أما إذا صلى خلف من به السلس وانفلات الريح، لا يجوز؛ لأن الإمام صاحب عذرين، والمؤتم صاحب عذر واحد. والذي يصح هو اقتداء ذي عذرين بذي عذر، ولا عكسه.
ولم يشترط المالكية هذا الشرط، وإنما يكره أن يؤم صاحب العذر من ليس به عذر، لأنه يصح عندهم إمامة من به سلس البول إذا لازمه ولو نصف الزمن، وكذا من به انفلات ريح أو غير ذلك مما لا ينقض الوضوء عندهم.
وكذلك لم يشترط الشافعية هذا الشرط، فتصح إمامة صاحب العذر الذي لاتجب معه إعادة الصلاة لمقتد سليم.

٩ - أن يكون الإمام صحيح اللسان، بحيث ينطق بالحروف على وجهها،  
فلا تصح إمامة الألثغ وهو من يبدل الراء غينًا، أو السين ثاء، أو الذال زايًا، لعدم المساواة، إلا إذا كان المقتدي مثله في الحال.
(١) كشاف القناع: ٥٦٠/ ٢ وما بعدها، ٥٧٠، الدر المختار ورد المحتار: ٥٤١/ ١.
 
ويعد كالألثغ عند الحنفية: التمتام: وهو الذي يكرر التاء في كلامه، والفأفاء وهو الذي يكرر الفاء، لا تصح إمامتهما عندهم إلا لمن يماثلهما.
واستثنى الحنابلة: من يبدل ضاد المغضوب والضالين بظاء، فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء، لأنه لا يصير أميًا بهذا الإبدال.
والأرت: وهو من يدغم في غير موضع الإدغام، كقارئ المستقيم بتاء أو سين مشددة فيقول: المتقيم، ومن يخل بحرف أو تشديدة من الفاتحة، يعدان كالألثغ عند الشافعية، لا تصح إمامتهما إلا للمثل.
وقال الجمهور غير الحنفية: تصح إمامة التمتام والفأفاء ولو لغير المماثل مع الكراهة.

الصلاة وراء المخالف في المذهب:
 
١٠ - اشتراط الحنفية والشافعية: 
 أن تكون صلاة الإمام صحيحة في مذهب المأموم: فلو صلى حنفي خلف شافعي سال منه دم، ولم يتوضأ بعده، أو صلى شافعي خلف حنفي لمس امرأة مثلًا، فصلاة المأموم باطلة؛ لأنه يرى بطلان صلاة إمامه.
وزاد الحنفية (١) أنه تكره الصلاة خلف شافعي. وقال الشافعية (٢): الأفضل الصلاة خلف إمام شافعي، لا حنفي أو غيره ممن لا يعتقد وجوب بعض الأركان والشروط، وإن علم الإتيان بها؛ لأنه مع ذلك لا يعتقد وجوب بعض الأركان.
وقال المالكية والحنابلة (٣): ما كان شرطًا في صحة الصلاة، فالعبرة فيه
(١) الدر المختار: ٥٢٦/ ١.
(٢) الحضرمية: ص ٦٤.
(٣) الشرح الصغير: ٤٤٤/ ١، المغني: ١٩٠/ ٢، كشاف القناع: ٥٥٧/ ١، ٥٦٣.
 
بمذهب الإمام فقط، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي بحنفي أو شافعي لم يمسح جميع الرأس في الوضوء، لأنه شرط عند الأولين، فصلاته صحيحة، لصحة صلاة الإمام في مذهبه.
وأما ما كان شرطًا في صحة الاقتداء، فالعبرة فيه بمذهب المأموم، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي في صلاة فرض بشافعي يصلي نفلًا، فصلاته باطلة، لأن صلاة المفترض بالمتنفل باطلة عند المالكية والحنابلة، وشرط الاقتداء: اتحاد صلاة الإمام والمأموم.
وأرى لزوم الأخذ بمذهبي المالكية والحنابلة في الشق الأول، لأنه الأصح منطقًا، وتكون الصلاة خلف المخالفين في الفروع المذهبية صحيحة غير مكروهة؛ إذ العبرة بمذهب الإمام؛ لأن الصحابة والتابعين ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتمّ ببعض مع اختلافهم في الفروع، فكان ذلك إجماعًا، وبه تنتهي آثار العصبية المذهبية.

١١ - اشتراط الحنابلة أن يكون الإمام عدلا ً، 
فلا تصح إمامة الفاسق (١) ولو بمثله، فلو صلى شخص خلف الفاسق، ثم علم بفسقه، وجبت عليه إعادة الصلاة، إلا في صلاة الجمعة والعيدين، فإنهما تصحان خلف الفاسق إن لم تتيسر الصلاة خلف عدل.
واشتراط المالكية: أن يكون الإمام سليمًا من الفسق المتعلق بالصلاة، كأن يتهاون في شرائطها أو فرائضها، كمن يصلي بلا وضوء أو يترك قراءة الفاتحة. أما إن كان الفسق لا يتعلق بالصلاة كالزاني، أو شارب الخمر، فتصح إمامته مع الكراهة على الراجح.
(١) الفاسق: هو من اقترف كبيرة، أو داوم على صغيرة.
 
١٢ - اشتراط المالكية والحنفية والحنابلة: ألا يكون الإمام معيدًا صلاته لتحصيل فضيلة الجماعة،
 فلا يصح اقتداء مفترض بمعيد؛ لأن صلاة المعيد نفل، ولا يصح فرض وراء نفل، وأن يكون الإمام عالمًا بكيفية الصلاة على الوجه الذي تصح به، وعالمًا بكيفية شرائطها، كالوضوء والغسل على الوجه الصحيح، وإنه لم يميز الأركان من غيرها.

ثالثًا - الأحق بالإمامة:
 
أحق الناس بالإمامة في ظروفنا الحاضرة:
هو الأفقه الأعلم بأحكام الصلاة، وهذا هو المفهوم فقهًا، إلا أن الفقهاء ذكروا ترتيبًا يحسن بيانه في كل مذهب على حدة.

مذهب الحنفية (١): 
 الأحق بالإمامة: الأعلم بأحكام الصلاة فقط صحة وفسادًا بشرط اجتنابه الفواحش الظاهرة، وحفظه من القرآن قدر فرض: أي ما تجوز به الصلاة.
ثم الأحسن تلاوة وتجويدًا للقراءة، لقوله ﷺ: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة ..» (٢).
ثم الأورع أي الأكثر اتقاء للشبهات، والتقوى: اتقاء المحرمات، لقوله ﵇: «إن سركم أن تقبل صلاتكم، فليؤمكم علماؤكم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» (٣).
(١) الدر المختار: ٥٢٠/ ١ - ٥٢٢، فتح القدير: ٢٤٥/ ١ - ٢٤٨، الكتاب مع اللباب: ٨١/ ١ ومابعدها، البدائع:١٥٧/ ١ ومابعدها.
(٢) رواه الجماعة إلا البخاري من حديث أبي مسعود الأنصاري (نصب الراية: ٢٤/ ٢).
(٣) رواه الطبراني في معجمه، والحاكم إلا أنه قال: «فليؤمكم خياركم» وسكت عنه، من حديث أبي مرثد الغنوي (المصدر السابق: ص ٢٦).
 
ثم الأسن: أي أكبرهم سنًا؛ لأنه أكثر خشوعًا ولأن في تقديمه تكثير الجماعة، لقوله ﵇ لابن أبي مليكة: «وليؤمكما أكبركما» (١).
ثم الأحسن خلُقًا (إلفة بالناس)، ثم الأحسن وجهًا (أي أكثرهم تهجدًا)، ثم الأشرف نسبًا، ثم الأنظف ثوبًا.
فإن استووا في ذلك كله يُقْرَع بينهم، أو الخيار إلى القوم، وإن اختلفوا اعتبر الأكثر.
فإن كان بينهم سلطان، فالسلطان مقدَّم، ثم الأمير، ثم القاضي، ثم صاحب المنزل، ولو مستأجرًا، لقوله ﷺ: «من زار قومًا فلا يؤمهم، وليؤمَّهم رجل منهم» (٢). ويقدم القاضي على إمام المسجد.
وعلى هذا يقدم السلطان أو القاضي، فإن لم يوجد أحدهما يقدم صاحب البيت، ومثله إمام المسجد الراتب، فهذا أولى بالإمامة من غيره مطلقًا.

مذهب المالكية (٣): 
يندب تقديم سلطان أو نائبه ولو بمسجد له إمام راتب، ثم الإمام الراتب في المسجد، ثم رب المنزل فيه، ويقدم المستأجر على المالك؛ لأنه مالك لمنافعه. وإن كان صاحب المنزل امرأة أنابت من يصلح للإمامة؛ لأن إمامتها لا تصح، والأولى لها استخلاف الأفضل.
ثم الأفقه (الأعلم بأحكام الصلاة)، ثم الأعلم بالسنة أو الحديث حفظًا ورواية، ثم الأقرأ، أي الأدرى بطرق القرآن أو بالقراءة والأمكن من غيره في
(١) أخرجه الأئمة الستة عن مالك بن الحويرث (المصدر السابق: ص ٢٦).
(٢) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن مالك بن الحويرث (نيل الأوطار: ١٥٩/ ٣).
(٣) الشرح الصغير: ٤٥٤/ ١ - ٤٥٧، بداية المجتهد: ١٣٩/ ١، القوانين الفقهية: ص ٦٨، الشرح الكبير: ٣٤٢/ ١ - ٣٤٥.
 
مخارج الحروف، ثم الأعبد، أي الأكثر عبادة من صوم وصلاة وغيرهما، ثم الأقدم إسلامًا، ثم الأرقى نسبًا كالقرشي، ومعلوم النسب يقدم على مجهوله، ثم الأحسن خلقًا، ثم الأحسن لباسًا، أي الأجمل وهو لابس الجديد المباح غير الحرير، واللباس الحسن شرعًا: هو البياض خاصة، جديدًا أو لا. فإن تساووا قدم الأورع (١) والزاهد والحر على غيرهم، ويقدم الأعدل على مجهول الحال، والأب على الابن، والعم على ابن أخيه، فإن تساووا في كل شيء، أقرع بينهم، إلا إذا رضوا بتقديم أحدهم.

مذهب الشافعية (٢):
 أحق الناس بالإمامة: الوالي في محل ولايته، لقوله ﷺ: «لا يُؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» (٣). قال الشوكاني: والظاهر أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس لاصاحب البيت ونحوه. فيتقدم أو يقدم غيره ولو في ملك غيره، ولو كان غيره أكثر منه قرآنًا وفقهًا وورعًا وفضلًا، فالوالي في محل ولايته أولى من الأفقه والمالك.
ثم الإمام الراتب، ثم الساكن بحق إن كان أهلًا لها (ومالك المنفعة أولى بالإمامة من الأفقه، والأصح تقديم المكتري على المكري، والمعير على المستعير)، فإن لم يكن أهلًا فله التقديم.
ثم يقدم الأفقه، فالأقرأ، فالأورع، فالأقدم هجرة، ثم الأسبق إسلامًا، فالأفضل نسبًا، فالأحسن سيرة، فالأنظف ثوبًا، ثم نظيف البدن، ثم طيّب الصَّنْعة، ثم الأحسن صوتًا، فالأحسن صورة، أي وجهًا، فالمتزوج.
(١) هو التارك للشبهات خوف الوقوع في المحرمات.
(٢) المهذب: ٩٨/ ١ - ٩٩، مغني المحتاج: ٢٤٢/ ١ - ٢٤٤، الحضرمية: ص ٧٢ - ٧٣.
(٣) رواه أحمد ومسلم، وفي رواية أبي داود: «ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه» ورواية سعيد ابن منصور «لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه ..» (نيل الأوطار:١٥٧/ ٣).
 
فإن استووا في جميع ما ذكر وتنازعوا، أقرع بينهم، والعدل أولى من الفاسق (وإن كان أفقه أو أقرأ)، والبالغ أولى من الصبي (وإن كان أفقه أو أقرأ)، والحر أولى من العبد، والمقيم أولى من المسافر، وولد الحلال أولى من ولد الزنا، والأعمى مثل البصير؛ لأن الأعمى لا ينظر إلى ما يشغله فهو أخشع، والبصير ينظر إلى الخبث فهو أحفظ لتجنبه، أي أبعد عن النجاسة.

مذهب الحنابلة (١): 
 الأولى بالإمامة الأجود قراءة الأفقه، لحديث أبي سعيد الخدري: «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» (٢)، وقدم النبي ﷺ أبا بكر لأنه كان حافظًا للقرآن وكان مع ذلك من أفقه الصحابة ﵃. ومذهب أحمد تقديم القارئ على الفقيه، لحديث أبي مسعود السابق: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، وهذا خلاف مذاهب الأئمة الآخرين، فإنه يقدم عندهم الأفقه كما بينا، لأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ضرورة، بخلاف ما عليه الناس اليوم، ولأن الحاجة إلى الفقه في الإمامة أمس من الحاجة إلى القراءة.
ثم الأجود قراءة الفقيه، ثم الأجود قراءة فقط، وإن لم يكن فقيهًا، إذا كان يعلم أحكام الصلاة وما يحتاجه فيها، ثم الأفقه والأعلم بأحكام الصلاة، ويقدم قارئ لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي لا يحسن الفاتحة؛ لأنها ركن في الصلاة، بخلاف معرفة أحكامها، فإن استووا في عدم القراءة قدم الأعلم بأحكام الصلاة.
فإن استووا في القراءة والفقه، قدم أكبرهم سنًا، لحديث مالك بن الحويرث المتقدم: «وليؤمكم أكبركم»، ثم الأشرف نسبًا: وهو من كان قرشيًا، قياسًا على
(١) المغني: ١٨١/ ٢ - ١٨٥، كشاف القناع: ٥٥٤/ ١ - ٥٥٦.
(٢) رواه مسلم، وروى أبو داود عن ابن عباس مرفوعًا: «ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم أقرؤكم».
 
الإمامة الكبرى، لقوله ﷺ «الأئمة من قريش» (١)، ثم الأقدم هجرة بسبقه إلى دار الإسلام مسلمًا (٢)، ومثله الأسبق إسلامًا، لحديث أبي مسعود المتقدم: «فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم مسلمًا» أي إسلامًا.
ثم الأتقى لقوله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ [الحجرات:١٣/ ٤٩].
فإن استووا فيما تقدم أقرع بينهم.
ويقدم السلطان مطلقًا على غيره، كما يقدم في المسجد الإمام الراتب، وفي البيت صاحبه إن كان صالحًا للإمامة.

رابعًا - من تكره إمامته ومكروهات الإمامة:
 تكره إمامة بعض الأشخاص الآتية (٣) وهم:
١ً - الفاسق العالم، ولو لمثله عند المالكية والشافعية والحنابلة، لعدم اهتمامه بالدين. واستثنى الحنابلة صلاة الجمعة والعيد، فتصح إمامته للضرورة، وأجاز الحنفية إمامته لمثله. ودليل الكراهة ما روى ابن ماجه عن جابر عن النبي ﷺ قال: «لاتؤمَّنَّ امرأة رجلًا، ولا أعرابي مهاجرًا، ولا يؤمن فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه أو سوطه».
(١) رواه أحمد والنسائي والضياء عن أنس (الفتح الكبير: ٥٠٤/ ١) ويؤيده حديث «قدموا قريشًا ولاتقدموها» رواه الشافعي والبيهقي عن الزهري بلاغًا، وابن عدي عن أبي هريرة، والبزار عن علي، والطبراني عن عبد الله بن السائب، بأسانيد صحيحة (الجامع الصغير).
(٢) وعلم منه بقاء الهجرة.
(٣) الدر المختار: ٥٢٢/ ١ - ٥٣١، مراقي الفلاح: ص ٤٩، فتح القدير: ٣٤٧/ ١ - ٢٤٩، البدائع: ١٥٦/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير: ٤٣٩/ ١ - ٤٤٩، القوانين الفقهية: ص٦٧، ٦٩، مغني المحتاج: ٢٣٢/ ١، ٢٤٢، المغني: ١٩٣/ ٢ - ١٩٨، ٢٠٩ - ٢١١، كشاف القناع: ٥٤٩/ ١، و٥٦٦ - ٥٧١، ٥٨١، الحضرمية: ص٧٠.
 
وإنما صحت إمامته، لما روى الشيخان: أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج، وروي «صلوا خلف كل بر وفاجر» (١).
٢ً - المبتدع الذي لا يكفر ببدعته: كالفاسق، بل أولى. والمبتدع: صاحب البدعة: وهي اعتقاد خلاف المعروف عن الرسول ﷺ، لا بمعاندة، بل بنوع شبهة، كمسح الشيعة على الرجلين، وإنكارهم المسح على الخفين ونحو ذلك.
ويلاحظ: أن كل من كان من أهل قبلتنا لا يكفر بالبدعة المبنية على شبهة، حتى الخوارج الذين يستحلون دماءنا وأموالنا وسب الرسول ﷺ، وينكرون صفاته تعالى، وجواز رؤيته، لكونه عن تأويل وشبهة، بدليل قبول شهادتهم.
فإن أنكر المبتدع بعض ما علم من الدين بالضرورة (البداهة) كفر، كقوله: إن الله تعالى جسم كالأجسام، وإنكاره صحبة الرسول ﵇ الصديق، لما فيه من تكذيب قوله تعالى: ﴿إذ يقول لصاحبه﴾ [التوبة:٤٠/ ٩]، فلا يصح الاقتداء به أصلًا.
٣ً - الأعمى: تكره إمامته تنزيهًا عند الحنفية والمالكية والحنابلة، لأنه لا يتوقى النجاسة، واستثنى الحنفية حالة كونه أعلم القوم، فهو أولى.
وأجاز الشافعية إمامته بدون كراهة، فهو كالبصير، إذ الأعمى أخشع، والبصير يتجنب النجاسة، ففي كلٍ مزية ليست في الآخر، وتصح إمامته عند الكل؛ لأن الصحيح عن ابن عباس: أنه كان يؤم وهو أعمى.
وقال أنس: «إن
(١) أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة، وهو حديث منقطع، ولله الحمد، وروى ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع: «لا تكفروا أهل ملتكم، وإن عملوا الكبائر، وصلوا مع كل إمام، وجاهدوا مع كل أمير، وصلوا على كل ميت من أهل القبلة» وفيه مجهول (نصب الراية: ٢٦/ ٢ - ٢٧، نيل الأوطار: ١٦٢/ ٣).
 
النبي ﷺ استخلف ابن أم مكتوم، يؤم الناس، وهو أعمى» (١)، ولأن العمى فقد حاسة لايخل بشيء من أفعال الصلاة ولا بشروطها، فأشبه فقد الشم. والأعشى وهو سيء البصر ليلًا ونهارًا كالأعمى، والأصم كالأعمى عند الحنابلة والشافعية، الأولى صحة إمامته. وكذلك أقطع اليدين تصح إمامته في رواية اختارها القاضي أبو يعلى، وفي رواية مرجوحة: لاتصح إمامته. ولا يصح الائتمام بأقطع الرجلين.
٤ً - أن يؤم قومًا هم له كارهون: والكراهة تحريمية عند الحنفية، لحديث: «لايقبل الله صلاة من تقدم قومًا، وهم له كارهون» (٢).
٥ً - يكره تطويل الصلاة على القوم تطويلًا زائدًا على قدر السنة في قراءة وأذكار، والكراهة تحريمية عند الحنفية، سواء رضي القوم أم لا.
واستثنى الشافعية والحنابلة: حالة الرضا بالتطويل من جماعة محصورين فإنه تستحب الإطالة، لزوال علة الكراهة، وهي التنفير.
ودليل كراهة التطويل: أحاديث: منها حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، فإذا صلى لنفسه، فليطوِّل ما شاء» (٣) وعن أبي مسعود الأنصاري وعقبة بن عامر قالا: «جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما
(١) رواه أبو أداود وأحمد (نيل الأوطار: ١٦٠/ ٣) وروى البخاري والنسائي أن عتبة بن مالك كان يؤم قومه، وهو أعمى (المصدر السابق).
(٢) رواه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو، وروى الترمي عن أبي أمامة: «ثلاثة لاتجاوز صلاتهم آذانهم، منهم: وإمام قوم وهم له كارهون» (نيل الأوطار: ١٧٦/ ٣).
(٣) رواه الجماعة، وروى أحمد والشيخان عن أنس حديثين في تخفيف النبي ﷺ صلاته (نيل الأوطار: ٣/ ٧٣١، نصب الراية: ٢٩/ ٢).
 
يطيل بنا، قال: فما رأيت النبي ﷺ غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: ياأيها الناس، إن منكم منفِّرين، فأيكم أم بالناس فليوجز، فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة» (١) ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة.
٦ً - انتظار الداخل: قال الجمهور غير الشافعية (٢): يكره للإمام انتظار الداخل لأن انتظاره تشريك في العبادة، فلا يشرع كالرياء، ودفعًا للمشقة عن المصلين؛ لأنه يبعد أن يكون فيهم من لا يشق عليه، والذين مع الإمام أعظم حرمة من الداخل، فلا يشق على من معه لنفع الداخل.
وقال الشافعية (٣): يستحب على المذهب للإمام والمنفرد انتظار الداخل لمحل الصلاة مريدًا الاقتداء به في الركوع غير الثاني من صلاة الكسوف، وفي التشهد الأخيرمن صلاة تشرع فيها الجماعة، بشرط ألا يطول الانتظار بحيث لو وزع على جميع الصلاة لظهر أثره، ولا يميز بين الداخلين لصداقة أو شرف أو سيادة ونحو ذلك، للإعانة على إدراك الركعة، أو إدراك فضل الجماعة. وقد ثبت أن النبي ﷺ كان يطيل الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم، ولأن منتظر الصلاة في صلاة، وقد كان النبي ﷺ ينتظر الجماعة، وشرع الانتظار في صلاة الخوف لتدركه الطائفة الثانية.
ووافق ابن قدامة الحنبلي الشافعية، وقال القاضي من الحنابلة: الانتظار جائز غير مستحب، وإنما ينتظر من كان ذا حرمة، كأهل العلم ونظرائهم من أهل الفضل.
(١) متفق عليه، وروى البخاري ومسلم مثله عن معاذ، لاتكن فتانًا، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر» (نصب الراية: ٢٩/ ٢ - ٣٠).
(٢) الشرح الصغير: ٤٣٢/ ١، القوانين الفقهية: ص ٦٩، كشاف القناع: ٥٥/ ١، المغني: ٢٣٦/ ٢.
(٣) الحضرمية: ص٦٥، المغني، المكان السابق، مغني المحتاج: ٢٣٢/ ١.
 
٧ً - تكره إمامة اللّحّان (كثير اللحن) الذي لا يحيل المعنى كجر دال (الحمد) ونصب هاء (الله) ونصب ياء (الرب) ونحوه من الفاتحة، وتصح صلاته بمن لا يلحن؛ لأنه أتى بفرض القراءة.
٨ً - تكره إمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف، وتصح إمامته، سواء أكان أعجميًا أم عربيًا. وتكره عند الجمهور غير الحنفية كما بينا: إمامة التمتام (وهو من يكرر التاء) والفأفاء (وهو من يكرر الفاء)، وتصح الصلاة خلفهما؛ لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال، ويزيدان زيادة، وهما مغلوبان عليها، فعفي عنها، ويكره تقديمهما لهذه الزيادة.
٩ً - تكره إمامة الأعرابي (وهو ساكن البادية) لغيره من أهل الحاضرة ولو بسفر لا لمثله. وذكر الحنفية أن التركمان والأكراد والعامي كالأعرابي، لما فيه من الجفاء والإمام شافع، فينبغي أن يكون ذا لين ورحمة، وبسبب الجهل، وإمامة الجاهل سواء أكان بدويًا أم حضريًا مكروهة مع وجود العالم. وقال الحنابلة: لا بأس بالصلاة وراء الأعرابي إذا صلح دينه.
١٠ً - يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين بقدر ذراع فأكثر، سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد، لحديث حذيفة وأبي مسعود أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أم الرجل القوم، فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم» (١) وكان ابن مسعود ينهى عن ذلك. ويكره أيضًا عند الحنفية والمالكية والشافعية ارتفاع المقتدين عن مكان الإمام بقدر ذراع أيضًا، وتتقيد الكراهة عندهم بما إذا لم يكن في الحالتين مع الإمام في موقفه واحد على الأقل من المقتدين، فإ ن وجد معه واحد فأكثر لم يكره، واستثنى المالكية من ذلك صلاة الجمعة فإنها على سطح المسجد باطلة، كما
(١) رواهما أبو داود (نيل الأوطار: ١٩٣/ ٣).
 
استثنوا مع الشافعية العلو لأجل ضرورة أو حاجة أو قصد تعليم للمأمومين كيفية الصلاة، فيجوز، وبطلت صلاة الإمام والمأموم إن قصد بعلوه الكبر، لمنافاته الصلاة.
وتختص الكراهة عند الحنابلة بمن هو أسفل من الإمام، لا بمن يساويه أو هو أعلى منه؛ لأن المعنى وجد بمن هو أسفل دون غيرهم.
ولا بأس عند الحنابلة والمالكية بالعلو اليسير مثل درجة المنبر، أي حوالي الشبر أو الذراع، كما استثنى المالكية العلو لضرورة كتعليم الناس الصلاة، لحديث سهل أن النبي ﷺ صلَّى على الدرجة السفلى من المنبر (١).
١١ً - تكره الصلاة عند غير الحنابلة خلف ولد الزنا إن وجد غيره يؤم الناس؛ إذ ليس له أب يربيه ويؤدبه ويعلمه، فيغلب عليه الجهل، ولنفرة الناس عنه. وقيد الحنفية كراهة إمامته بحالة كونه جاهلًا، إذ لو كان عالمًا تقيًا لا تكره إمامته؛ لأن الكراهة للنقائص لا لذاته، كما قيد المالكية كراهة إمامته فيما إذا جعل إمامًا راتبًا، وأجاز الشافعية إمامته لمثله.

مكروهات الإمامة في المذاهب:
 
مذهب الحنفية (٢):
يكره تنزيهًا إمامة الأمرد الصبيح الوجه، وإن كان أعلم القوم، إن كان يخشى من إمامته الفتنة والشهوة، وإلا فلا كراهة على الأظهر. وتكره إمامة السفيه (وهو الذي لا يحسن التصرف على مقتضى الشرع أو العقل) والمفلوج، والأبرص الذي
(١) متفق عليه (المصدر السابق).
(٢) الدر المختار ورد المحتار: ٥٢٥/ ١ ومابعدها، و٥٣١.
 
انتشر برصه، والمجذوم، والمجبوب، والحاقن بالبول، والأعرج الذي يقوم ببعض قدمه، ومقطوع اليد، وشارب الخمر (١)، وآكل الربا، والنمام: (وهو من ينقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، والنميمة من الكبائر، ويحرم على الإنسان قبولها)، والمرائي: (وهو من يقصد أن يراه الناس، سواء تكلف تحسين الطاعات أو لا) والمتصنع: (من يتكلف تحسين الطاعات). ومن أمَّ الناس بأجر إلا إذا شرط الواقف له أجرًا، فلا تكره إمامته؛ لأنه يأخذه كصدقة ومعونة. ويكره تنزيهًا قيام الإمام الراتب في غير المحراب إذا أم جماعة كثيرة، لئلا يلزم عدم قيامه في الوسط، فلو لم يلزم ذلك لا يكره.
ويكره تحريمًا جماعة النساء، كما بينا سابقًا.

مذهب المالكية (٢):
تكره إمامة ذي سلس كبول ونحوه، وذي قَرْح أي دمل سائل لصحيح، ومثلهما كل من تلبس بنجاسة معفو عنها لسالم منها، لا لمثله.
وكره إمامة أقلف أو أغلف (غير المختون)، ومجهول أي لم يعلم حاله أهو عدل أو فاسق، ومثله مجهول النسب.

وتكره إمامة بعض الأشخاص في حالة دون حالة:
يكره جعل الخصي ومن يتكسر في كلامه كالنساء وولد الزنا إمامًا راتبًا في فرض أو سنة كعيد، ولا يكره إذا لم يجعل إمامًا راتبًا.
وتكره الصلاة بين الأساطين أي الأعمدة، وصلا ة المأموم أمام أو قُدَّام الإمام بلا ضرورة، وإلا لم تكره.
(١) هذا ومن ذكر بعده إلى المتصنع يدخل في صفة الفاسق.
(٢) الشرح الصغير: ٤٣٩/ ١ - ٤٤٩.
 
ويكره اقتداء من بأسفل السفينة بمن بأعلاها، لعدم تمكنهم من ملاحظة الإمام، وقد تدور، فيختل عليهم أمر الصلاة، بخلاف العكس، أي اقتداء الأعلى بالأسفل. كما يكره اقتداء من بأبي قبيس بمن يصلي بالمسجد الحرام، وهو جبل عال تجاه ركن الحجر الأسود، لعدم تمام التمكن من أفعال الإمام.
وكره صلاة رجل بين نساء وعكسه أي امرأة بين رجال.
وكره إمامة بمسجد بلا رِداء يلقيه الإمام على كتفيه، بخلاف المأموم والمنفرد، فلا يكره لهما عدم الرداء، بل هو خلاف الأولى، مما يدل على أن الرداء يندب لكل مصل، والندب للإمام أوكد.
وكره تنفل الإمام بالمحراب؛ لأنه لا يستحقه إلا حال كونه إمامًا، ولأنه قد يوهم غيره أنه في صلاة فرض، فيقتدي به.
وكره صلاة جماعة في المسجد قبل الإمام الراتب، وحرم معه، كما يكره صلاة جماعة بعد صلاة الإمام الراتب، وإن أذن لغيره في ذلك، كما بينا سابقًا في تكرار الجماعة.
وتجوز إمامة بعض الأشخاص مع كونها خلاف الأولى في كل ما يأتي:
فتجوز كما بينا إمامة الأعمى، وإمامة مخالف في الفروع، وإمامة ألكن: وهو من لايكاد يخرج بعض الحروف من مخارجها لعجمة أو غيرها، مثل أن يقلب الحاء هاء، أو الراء لامًا، أو الضاد دالًا.
وإمامة محدود لقذف أو شرب أو غيرها، وإمامة عنِّين (١)، وإمامة أقطع يدًا
(١) وهو من له ذكر صغير لايتأتى به الجماع، أو من لاينتشر ذكره.
 
أو رجلًا، وأشل، على الراجح فيهما، ومجذوم (أي من قام به داء الجذام) لكن إن اشتد جذامه، وجب تنحيته عن الإمامة، بل عن الاجتماع بالناس. وجاز إمامة صبي بمثله، وجاز إسراع لإدراك الصلاة جماعة بلا خبب (هرولة) كما بينا.
وجاز بمسجد قتل عقرب وحية وفأرة. وجاز إحضار صبي شأنه لا يعبث، أو ينكف إذا نهي، وإلا منع إحضاره.
وجاز البصق القليل في مسجد فيه حصباء أو تراب أو تحت حصيرة، ويمنع الكثير أو البصق في المسجد المبلَّط، أو فوق الحصيرة، أو على حائط المسجد لتقذيره. ويندب البصق في الثوب، وجهة اليسار أو تحت القدم اليسرى، فإن تعسر عليه ذلك بصق جهة يمينه، فإن تعسر بصق أمامه.
وجاز كما بينا خروج امرأة متجالَّة (لا أرب للرجال فيها) لمسجد الجماعة والعيد ونحوه، على التفصيل السابق في خروج النساء للمساجد.
وجاز فصل مأموم عن إمامه بنهر صغير أو طريق أو زرع، لا يمنع من رؤية أفعال الإمام أو سماعه، للأمن من الخلل في صلاته.
وجاز مع خلاف الأولى كما بينا علو مأموم على إمامه ولو بسطح في غير جمعة، لأن الجمعة لا تصح بسطح المسجد. ويكره علو إمام على المأموم إلا العلو اليسير أو لضرورة أو لقصد تعليم المأمومين كيفية الصلاة، وبطلت الصلاة إن قصد بالعلو الكبر.
وجاز التبليغ خلف الإمام واقتداء الناس بسبب سماع المبلِّغ.
وجاز اقتداء برؤية الإمام أو المأموم، وإن كان المأموم بدار مثلًا، والإمام بمسجد، ولا يشترط إمكان التوصل إليه.
 
مذهب الشافعية (١):
تكره إمامة المتغلب على الإمامة ولايستحقها، ومن لا يتحرز عن النجاسة، ومن يحترف حرفة دنيئة كالحجام، ومن يكرهه أكثر القوم لأمر مذموم كإكثار الضحك، ومجهول الأب وولد الزنا إلا لمثله، كما بينا، وتكره إمامة الأقلف ولو بالغًا، كما تكره إمامة الصبي ولو أفقه من البالغ، كما ذكرنا، وإمامة الفأفاء والوأواء والتمتام واللاحن بما لم يغير المعنى كضم هاء (لله)، وضم صاد الصراط، وهمزة ﴿اهدنا﴾ [الفاتحة:٦/ ١] ونحوه، فإن لحن لحنًا غيَّر المعنى كضم تاء ﴿أنعمت﴾ [الفاتحة:٧/ ١] أو كسرها أبطل صلاة من أمكنه التعلم، فإن عجز لسانه أو لم يمض زمن إمكان تعلمه: فإن كان في الفاتحة فهو كالأمي ولا تصح قدوة قارئ بأمي في الجديد، أما في غير الفاتحة، كما إذا قرأ بجر اللام لرسوله في قوله تعالى: ﴿أنَّ الله بريء من المشركين ورسولُه﴾ [التوبة:٣/ ٩] فتصح صلاته والقدوة به إذا كان عاجزًا، أو جاهلًا لم يمض زمن إمكان تعلمه، أو ناسيًا؛ لأن الكلام اليسير بهذه الشروط لا يقدح في الصلاة.
وتكره كما بينا إمامة مخالف في الفروع، وارتفاع مكان الإمام عن مكان المأموم وعكسه من غير حاجة كضيق المسجد. ولا تكره إمامة الأعمى.

مذهب الحنابلة (٢):
بينا أنه تكره عندهم إمامة الأعمى والأعشى والأصم، والأقلف ولو بالغًا (٣)،ومقطوع اليدين أو إحداهما، ولا تصح إمامة مقطوع الرجلين إلا بمثله؛
(١) مغني المحتاج:٢٣٩/ ١ - ٢٤١، الحضرمية: ص٧٣.
(٢) المغني:١٩٣/ ٢،١٩٨،٢٠٠،٢٠٩،٢٣٠ ومابعدها، كشاف القناع:٥٥٦/ ١،٥٦٨،٥٧٠،٥٨١.
(٣) للاختلاف في صحة إمامته، والنجاسة تحت القلفة بمحل لاتمكنه إزالتها منه: معفو عنها، لعدم إمكان إزالتها، ومثل هذه النجاسة لاتؤثر في صحة الصلاة.
 
لأنه ميؤوس من قيامه، فلم تصح إمامته كالمريض الزمِن، وتصح على الأصح مع الكراهة إمامة مقطوع الرجلين أو إحداهما الذي يمكنه القيام؛ لأنه يسجد على الباقي من رجله أو حائلها، بأن يتخذ له رجلين من خشب أو نحوه.
وتكره إمامة مقطوع الأنف ومن تُضحك رؤيته أو صورته، ومن اختلف في صحة إمامته، والموسوس في رأي لئلا يقتدي به عامي، وظاهر كلامهم: لا يكره.
وتكره كما ذكرنا إمامة الفأفاء والتمتام، ومن لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف، واللحان الذي يلحن ولا يغير المعنى كجر دال ﴿الحمد لله﴾ [الفاتحة:٢/ ١]، وتصح صلاته بمن لا يلحن؛ لأنه أتى بفرض القراءة.
ويكره كما بينا أيضًا ارتفاع مكان الإمام عن المأموم ذراعًا فأكثر، لا العكس فلا كراهة في ارتفاع مكان المأموم، ولا يعيد الجمعة من يصليها فوق سطح المسجد، روى الشافعي عن أبي هريرة: «أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام» ورواه سعيد بن منصور عن أنس. ويكره أن يؤم قومًا أكثرهم يكرهه بحق، لخلل في دينه أو فضله، فإن كرهه نصفهم لم يكره، والأولى ألا يؤمهم، إزالة لذلك الاختلاف، ولا يكره الائتمام به؛ لأن الكراهة في حقه دونهم.
وتكره إمامة الرجل للنساء الأجنبيات، ولا رجل معهن، لأنه ﷺ «نهى أن يخلو الرجل بالأجنبية» (١) ولما فيه من مخالطة الوسواس. ولا بأس أن يؤم بذوات محارمه، أو أجنبيات معهن رجل فأكثر؛ لأن النساء كن يشهدن مع النبي ﷺ الصلاة.
(١) روى البخاري ومسلم عن ابن عباس: «لايخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم، ولاتسافر المرأة إلا مع ذي محرم» (سبل السلام:١٨٣/ ٢).
 
وتكره إمامة المفضول مع وجود الأفضل، لقوله ﷺ: «إذا أمَّ الرجل القوم، وفيهم من هو خير منه، لم يزالوا في سَفال» (١).
ولا بأس بإمامة ولد زنا ولقيط، ومنفي بلعان، وخصي، وجندي، وأعرابي إذا سلم دينهم وصلحوا للإمامة، لعموم قوله ﷺ: «يؤم القوم أقرؤهم»، وصلى السابقون خلف ابن زياد، وهو ممن في نسبته نظر، وقالت عائشة: «ليس عليه من وزر أبويه شيء» قالت: قال تعالى: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ [الإسراء:١٧/ ١٥]، ولأن كلًا منهم حر مرضي في دينه، يصلح لها كغيره.

خامسًا - متى تفسد صلاة الإمام دون المؤتم؟ 
قال الحنفية (٢): إن كان بالإمام حدث أو جنابة أو مفسد للصلاة سابق على تكبيرة الإمام، أو مقارن لتكبيرة المقتدي، أو سابق عليها بعد تكبيرة الإمام، بطلت صلاة الإمام والمقتدي، لتضمن صلاة الإمام صلاة المؤتم صحة وفسادًا، أي أن صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي، فإذا صحت صلاة الإمام صحت صلاة المقتدي، إلا لمانع آخر، وإذا فسدت صلاته فسدت صلاة المقتدي؛ لأنه متى فسد الشيء فسد ما في ضمنه. فمن اقتدى بإمام ثم علم المقتدي أن الإمام على غير وضوء، أعاد الصلاة اتفاقًا، لظهور بطلانها.
أما لو طرأ المفسد أو خلل الشرط أو الركن، فإن الصلاة تنعقد أولًا ثم تبطل صلاة الإمام عند وجود الخلل أو الحدث مثلًا، ولا يعيد المقتدي صلاته، كما لو ارتد الإمام، أو سعى إلى الجمعة بعد ما صلى الظهر بجماعة فسدت صلاته فقط. وكذا لو عاد إلى سجود التلاوة بعد ما تفرق المقتدون، ولو سلم القوم قبل الإمام، بعدما قعد قدر التشهد، ثم عرض له الحدث، فإنها تبطل صلاته وحده.
(١) ذكره أحمد في رسالته، والسفال: ضد العلو.
(٢) الدر المختار ورد المحتار:٥٥٣/ ١ ومابعدها،٥٦٧، الكتاب بشرح اللباب:٨٤/ ١.
 
ففي هذه المسائل تفسد صلاة الإمام، وتصح صلاة المؤتم، ولاتنتقض القاعدة السابقة (صلاة الإمام متضمنة لصلاة المؤتم) بذلك؛ لأن هذا الفساد طارئ على صلاة الإمام بعد فراغ الإمامة، فلا إمام ولا مؤتم في الحقيقة.
وقال المالكية (١): إذا صلى الإمام بجنابة أو على غير وضوء، بطلت صلاته اتفاقًا في العمد والنسيان. وتبطل صلاة المأموم في العمد دون النسيان.
وقال الشافعية (٢): إذا بان الإمام امرأة أو كافرًا، وجب على المقتدي إعادة الصلاة، لأنه مقصر بترك البحث عن الإمام الصالح، ولعدم أهلية الإمام للإمامة.
أما لو بان كون الإمام جنبًا أو محدثًا أو ذا نجاسة خفية في ثوبه أو بدنه، فلا تجب على المقتدي إعادة الصلاة لانتفاء التقصير، إلا في الجمعة إذا كان المصلون مع الإمام أربعين فقط مع المحدث أو ذي النجاسة. وتجب الإعادة على المقتدي إذا كانت النجاسة ظاهرة، لتقصيره في هذه الحالة. والنجاسة الظاهرة: ما تكون بحيث لو تأمَّلها المأموم لرآها. والخفية بخلافها.
وقال الحنابلة (٣): إذا بان الإمام امرأة أو كافرًا، وجبت إعادة الصلاة على المؤتم كما قال الشافعية، إذ تمتاز المرأة بالصوت والهيئة وغيرهما، والكفر لا يخفى غالبًا، فالجاهل بذلك مفرط.
ولا تصح إمامة محدث أو متنجس يعلم ذلك؛ لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة، فأشبه المتلاعب، ويجب على المقتدي في حال علم الإمام بحدثه أو نجسه أن يعيد صلاته، وإن كان جاهلًا بحال الإمام.
أما لو كان الإمام جاهلًا بالحدث أو
(١) القوانين الفقهية: ص٦٩.
(٢) مغني المحتاج:٢٤١/ ١، المهذب:٩٧/ ١.
(٣) كشاف القناع:٥٥٩/ ١،٥٦٤، ٥٦٥، المغني:٩٩/ ٣.
 
النجس، وكذلك المأمومون يجهلون ذلك، حتى قضوا الصلاة، فتصح صلاة المأموم وحده، دون الإمام، للحديث السابق: «إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته، وتمت للقوم صلاتهم».
وعليه إذا صلى الإمام بالجماعة محدثًا أو جنبًا غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون، حتى فرغوا من الصلاة، فصلاتهم صحيحة اتفاقًا وصلاة الإمام باطلة.

سادسًا - ما تفسد به صلاة الإمام والمأمومين: 
 تبين من الفقرة السابقة: أن العلماء اتفقوا على أنه إذا طرأ الحدث في الصلاة على الإمام، فتفسد صلاته، وتظل صلاة المأمومين صحيحة.
أما لو صلى الإمام بالناس وهو جنب أو محدث، وعلم بذلك المأمومون بعد الصلاة، فهل تفسد صلاتهم أم لا؟ أجيب عنه في الفقرة السابقة (١) وموجزه ما يأتي: فقال الحنفية: صلاتهم فاسدة مطلقًا.
وقال المالكية: تبطل صلاتهم في حال العمد دون النسيان.
وقال الشافعية والحنابلة: صلاتهم صحيحة، إلا في الجمعة إذا كان المصلون مع الإمام أربعين فقط، فتفسد حينئذ.
وسبب الاختلاف: هل صحة انعقاد صلاة المأموم مرتبطة بصحة صلاة الإمام، أم ليست مرتبطة؟
فمن رآها مرتبطة وهم الحنفية، قال: صلاتهم فاسدة.
ومن رآها غير مرتبطة وهم الشافعية والحنابلة، قال: صلاتهم صحيحة.
ومن فرق بين السهو والعمد، وهم المالكية، أخذ بظاهر الأثر الآتي: عن أبي
(١) بداية المجتهد:١٥٠/ ١ وما بعدها.
 
بكرة: «أن النبي ﷺ استفتح، فكبَّر ثم أومأ إليهم: أن مكانكم، ثم دخل، ثم خرج ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة، قال: إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جُنُبًا» (١) فظاهر هذا أنهم بنوا على صلاتهم.
ورأى الشافعية والحنابلة أنه لو كانت الصلاة مرتبطة، للزم أن يبدؤوا بالصلاة مرة ثانية.

سابعًا - ما يحمله الإمام عن المأموم: 
 يتحمل الإمام سهو المأموم، واتفق الفقهاء على أنه لا يحمل الإمام من فرائض الصلاة شيئًا عن المأموم ما عدا القراءة، فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال (٢):
أحدها - للمالكية والحنابلة: أن المأموم يقرأ مع الإمام فيما أسر فيه، ولا يقرأ معه فيما جهر به. وكذلك يقرأ عند الحنابلة في الجهرية إذا لم يسمع، ولا يقرأ إذا سمع (٣).
والثاني - للحنفية: أنه لا يقرأ معه أصلًا.
والثالث - للشافعية: أنه يقرأ فيما أسر أم الكتاب (الفاتحة) وغيرها، وفيما جهر أم الكتاب فقط.
(١) نيل الأوطار:١٧٥/ ٣.
(٢) بداية المجتهد:١٤٩/ ١ ومابعدها.
(٣) قالوا: تسن قراءة المأموم الفاتحة في سكتات الإمام، ولو كان سكوته لتنفس، ولا يضر تفريقها أي الفاتحة، وتسن قراءته فيما لا يجهر الإمام فيه، لما روى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله قال: «كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» (كشاف القناع:٥٤٤/ ١).
 
والسبب في اختلافهم اختلاف الأحاديث في هذا الموضوع، وهي أربعة أحاديث سبق ذكرها في أركان الصلاة وهي:
١ - حديث «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب».
٢ - حديث مالك عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي منكم أحد آنفًا؟ فقال رجل: نعم، أنا يا رسول الله، فقال رسول الله: إني أقول ما لي أنازع القرآن؟ فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله ﷺ.
٣ - حديث عبادة بن الصامت، قال: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الغداة، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف، قال: إني لأراكم تقرؤون وراء الإمام؟ قلنا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن (١).
٤ - حديث جابر عن النبي ﷺ قال: «من كان له إمام، فقراءته له قراءة» وفي معناه حديث خامس صححه أحمد بن حنبل وهو: «إذا قرأ الإمام فأنصتوا».
اختلف الفقهاء في الجمع بين هذه الأحاديث، فالشافعية استثنوا من النهي عن القراءة فيما جهر فيه الإمام قراءة أم القرآن فقط عملًا بحديث ابن الصامت.
والمالكية والحنابلة: استثنوا من عموم حديث «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» المأموم فقط في صلاة الجهر، للنهي الوارد عن القراءة فيما جهر فيه الإمام في حديث أبي هريرة، وأكد ذلك بظاهر قوله تعالى: ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون﴾ [الأعراف:٢٠٤/ ٧] قا لوا: وهذا إنما ورد في الصلاة.
والحنفية: استثنوا القراءة الواجبة على المصلي المأموم فقط، سرًا كانت
(١) قال ابن عبد البر: حديث عبادة هنا من رواية مكحول وغيره، متصل السند، صحيح.
 
الصلاة أو جهرًا، وجعلوا الوجوب الوارد في القراءة في حق الإمام والمنفرد فقط، عملًا بحديث جابر، فصار حديث جابر مخصصًا لقوله ﵊: «واقرأ ما تيسر معك فقط» لأنهم لا يرون وجوب قراءة أم القرآن في الصلاة، وإنما يرون وجوب القراءة مطلقًا، لقوله تعالى: ﴿فاقرؤوا ما تيسر من القرآن﴾ [المزمل:٢٠/ ٧٣].

ما ذكره الحنابلة فيما يتحمله الإمام عن المأموم:
قال الحنابلة (١): يتحمل الإمام عن المأموم ثمانية أشياء:
الفاتحة، وسجود السهو إذا دخل معه في الركعة الأولى (وهو اللاحق)، والسترة قدَّامه، لما تقدم «سترة الإمام سترة لمن خلفه»، والتشهد الأول إذا سبقه بركعة من رباعية لوجوب المتابعة، وسجود تلاوة أتى بها المأموم في الصلاة خلف الإمام، وفيما إذا سجد الإمام لتلاوة سجدة قرأها في صلاة سرية، وقول: سمع الله لمن حمده، وقول: ملء السموات وملء الأرض ... الخ بعد التحميد، ودعاء القنوت إن كان يسمع المأموم، فيؤمن فقط، وإلا قنت.
ويوافقهم الحنفية والمالكية في الفاتحة وقول سمع الله لمن حمده، وقول: ملء السموات كما يوافقهم سائر المذاهب في الباقي.

ثامنًا - الأحكام الخاصة بالإمام: 
هناك أربع مسائل خاصة بالإمام وهي: هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة الفاتحة، أو المأموم هو الذي يؤمن فقط، ومتى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام، وهل يفتح على الإمام إذا أرتج عليه أو لا، وهل يجوز أن يكون موضعه أرفع من موضع المأمومين؟
 
قد عرفنا أحكام هذه المسائل في المذاهب ما عدا الثانية منها، ونوجز هنا الكلام فيها (١).

المسألة الأولى - هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة الفاتحة، أو المأموم هو الذي يؤمن فقط؟ 
ذهب مالك إلى أنه لا يؤمن.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء.
وسبب اختلافهم حديثان متعارضان في الظاهر:
أحدهما - حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (٢).
والثاني - حديث أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله ﷺ إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين (٣).
فالحديث الأول نص في تأمين الإمام. والحديث الثاني: يستدل منه على أن الإمام لا يؤمن؛ لأنه لو كان يؤمن، لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من الفاتحة قبل أن يؤمن الإمام؛ لأن الإمام، كما قال ﵊ إنما جعل ليؤتم به.
فرجح مالك الحديث الثاني الذي رواه، لكون السامع هو المؤمن، لا القارئ الداعي.
ورجح الجمهور الحديث الأول لكونه نصًا في الموضوع؛ لأنه ليس فيه شيء
(١) بداية المجتهد:١٤١/ ١ - ١٤٣.
(٢) رواه الجماعة (تيل الأوطار:٢٢٢/ ٢).
(٣) رواه مالك، وفي رواية أبي داود وابن ماجه: قال: آمين (نيل الأوطار:٢٢٤/ ٢).
 
من حكم الإمام، وإنما الخلاف بينه وبين الحديث الآخر في موضع تأمين المأموم فقط، لا في: هل يؤمن الإمام أو لا يؤمن.

المسألة الثانية - متى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام؟ 
قال الجمهور: لا يكبر الإمام إلا بعد تمام الإقامة واستواء الصفوف.
وقال الحنفية: إن موضع التكبير هو قبل أن يتم الإقامة، واستحسنوا تكبيره عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة.
وسبب الخلاف تعارض ظاهر حديث أنس وحديث بلال.
أما حديث أنس: فقال: أقبل علينا رسول الله ﷺ قبل أن يكبر في الصلاة، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من راء ظهري (١). وظاهر هذا أن الكلام منه كان بعد الفراغ من الإقامة، مثلما روي عن عمر: أنه كان إذا تمت الإقامة، واستوت الصفوف، حينئذ يكبر.
وأما حديث بلال: فإنه روى أنه كان يقيم للنبي ﷺ، فكان يقول له: يا رسول الله، لا تسبقني بآمين (٢). فهذا يدل على أن رسول الله ﷺ كان يكبر، والإقامة لم تتم.

المسألة الثالثة - هل يفتح على الإمام إذا أرتج عليه أو لا؟ 
ذكر البحث فيها في مبطلات الصلاة، وقد عرفنا أن المذاهب الأربعة وغيرها
(١) رواه البخاري ومسلم (المجموع:١٢٤/ ٤).
(٢) أخرجه الطحاوي.
 
أجازوا الفتح على الإمام إذا أرتج عليه وهو مشهور عن ابن عمر.
ومنعه بعض العلماء وهو مشهور عن علي. وسبب الخلاف: اختلاف الآثار، فقد روي أنه «صلى رسول الله ﷺ، فترك آية، فقال له رجل: يا رسول الله، آية كذا وكذا، قال: فهلا ذكرتنيها؟!» (١)، وروي عنه ﵊ أنه قال: «يا علي، لاتفتح على الإمام في الصلاة» (٢). والرأي الأول أصح رواية وعملًا.

المسألة الرابعة - ارتفاع الإمام عن المأمومين:
بينا سابقًا أنه يجوز في المذاهب الأربعة ارتفاع الإمام عن المأمومين مع الكراهة، إلا الارتفاع اليسير فلا كراهة فيه عند المالكية والحنابلة، وإلا حالة الضرورة أو قصد التعليم عند الشافعية. ومنع قوم ذلك.
وسبب الخلاف فيه حديثان متعارضان:
أحدهما - الحديث الثابت أنه ﵊ أمَّ الناس على المنبر ليعلمهم الصلاة، وأنه كان إذا أراد أن يسجد نزل من على المنبر (٣).
والثاني - ما رواه أبو داود أن حذيفة أمَّ الناس على دكَّان (٤) فأخذ ابن مسعود بقميصه، فجذبه، فلما فرغ من صلاته، قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك (٥).
(١) رواه أبو داود وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن مُسوَّر بن يزيد المالكي (نيل الأوطار:٣٢٢/ ٢) وروي أن رسول الله ﷺ تردد في آية، فلما انصرف، قال: أين أُبيّ، ألم يكن في القوم، أي يريد الفتح عليه.
(٢) أخرجه أبو داود عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي، لكن لم يثبت سماع السبيعي عن الأعور، ورواه عبد الرزاق بلفظ «لا تفتحن على الإمام وأنت في الصلاة».
(٣) هذا حديث سهل بن سعد، وهو متفق عليه (نيل الأوطار:١٩٣/ ٣).
(٤) الدكان: الحانوت، وأصله الدَّكة: وهو المكان المرتفع يجلس عليه.
(٥) رواه أبو داود عن هَمَّام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان ... الحديث (نيل الأوطار:١٩٣/ ٣).
 
مسألة خامسة ملحقة - هل يجب على الإمام أن ينوي الإمامة أو لا؟ 
ذهب قوم إلى أنه ليس ذلك بواجب عليه، لحديث ابن عباس أنه قام إلى جنب رسول الله ﷺ بعد دخوله في الصلاة.
ورأى قوم أن هذا محتمل، وأنه لا بد من ذلك؛ إذ كان يحمل بعض أفعال الصلاة عن المأمومين. وسنعود لهذا البحث.

المطلب الثالث - القدوة:
شروط القدوة، نية مقارنة الإمام وقطع القدوة، أحوال المقتدي (المدرك، اللاحق، المسبوق)، ما يفعله المقتدي بعد فراغ إمامه من واجب وغيره.

أولًا - شروط صحة القدوة: 
ذكر الشافعية (١) سبعة شروط لصحة القدوة يمكن فهمها من فروع المطلب الثاني السابق وهي ما يأتي:
١ً - ألا يعلم المقتدي بطلان صلاة إمامه بحدث أو غيره، وألا يعتقد بطلانها من حيث الاجتهاد في غير اختلاف المذاهب في الفروع: كمجتهدين اختلفا في القبلة أو في إناءين من الماء: طاهر ونجس، بأن أدى اجتهاد أحدهما إلى غير ما أدى إليه اجتهاد الآخر في المسألتين.
فإن تعدد الطاهر من الآنية: كأن كانت الأواني ثلاثة، والطاهر منها اثنان والمجتهدون ثلاثة، وظن كل منهم طهارة إنائه فقط، فالأصح صحة اقتداء بعضهم ببعض، ما لم يتعين إناء الإمام للنجاسة.
(١) مغني المحتاج:٢٣٧/ ١ - ٢٤٠، الحضرمية: ص٦٧.
 
فإن ظن واحد باجتهاده طهارة إناء غيره، جاز له الاقتداء به قطعًا.
أما اختلاف المذاهب في الفروع: فلو اقتدى شافعي بحنفي مسَّ فرجه، أو افتصد، فالأصح الصحة في الفصد، دون المس، اعتبارًا باعتقاد المقتدي لأنه محدث عنده بالمس، دون الفصد.
٢ً - ألا يعتقد وجوب قضاء الصلاة: كمقيم تيمم، لفقد ماء بمحل يغلب فيه وجوده.
٣ً - ألا يكون مأمومًا، فلا تصح قدوة بمقتد في حال قدوته؛ لأنه تابع لغيره يلحقه سهوه، ومن شأن الإمام الاستقلال، وأن يتحمل هو سهو غيره، فلا يجتمعان، وهذا إجماع.
٤ً - ألا يكون مشكوكًا في كونه إمامًا أو مأمومًا: فإن شك لم يصح اقتداؤه به.
٥ً - ألا يكون أميًا: وهو من لا يحسن حرفًا من الفاتحة، أو يخل بتشديدة منها، إلا إذا اقتدى به مثله.
٦ً - ألا يقتدي الرجل بالمرأة. فلو صلى خلفه ثم تبين كفره أو جنونه أو كونه امرأة أو مأمومًا أو أميًا، أعادها، إلا إن بان محدثًا أو جنبًا أو عليه نجاسة خفية، أو قائمًا بركعة زائدة فاقتدى به، فلا إعادة عليه.
ولو نسي حدث إمامه، ثم تذكره، أعاد.

ثانيًا - نية مفارقة الإمام وقطع القدوة: 
عرفنا سابقًا أنه عند الشافعية: تنقطع القدوة بمجرد خروج الإمام من صلاته، بحدث أو غيره.
 
وقال الشافعية والحنابلة (١): إن أحرم الشخص مأمومًا، ثم نوى مفارقة الإمام وإتمام صلاته منفردًا، جاز عند الشافعية سواء أكان لعذر، أم لغير عذر مع الكراهة، لمفارقته للجماعة المطلوبة وجوبًا أو ندبًا مؤكدًا. وجاز لعذر فقط عند الحنابلة، أما لغير عذر ففيه روايتان: إحداهما: تفسد صلاته وهي الأصح والثانية: تصح. واستثنى الشافعية الجمعة فلا تصح نية المفارقة في الركعة الأولى منها، والصلاة التي يريد إعادتها جماعة، فلا تصح نية المفارقة في شيء منها، وكذا الصلاة المجموعة تقديمًا.
ومن العذر: تطويل الإمام، أو تركه سنة مقصودة، كتشهد أول وقنوت، فله فراقه ليأتي بتلك السنة، أو المرض، أو خشية غلبة النعاس أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوات ماله أو تلفه، أو فوت رفقته، أو من يخرج من الصف ثم لا يجد من يقف معه.
ودليلهم مافي الصحيحين: «أن معاذًا صلى بأصحابه العشاء، فطوَّل عليهم، فانصرف رجل، فصلى، ثم أتى النبي ﷺ، فأخبره بالقصة، فغضب وأنكر على معاذ، ولم ينكر على الرجل، ولم يأمره بالإعادة».
وأجاز الحنفية (٢) فقط مع الكراهة سلام المقتدي قبل الإمام، ولا تجوز المفارقة. وقال المالكية (٣): من اقتدى بإمام لم يجز له مفارقته.

ثالثًا - أحوال المقتدي 
 
(المدرك، اللاحق، المسبوق):
للمقتدي أحوال ثلاثة: مدرك، ولاحق، ومسبوق، ولأحكامهم تفصيل في المذاهب.
(١) مغني المحتاج:٢٥٩/ ١، المغني:٢٣٣/ ٢، كشاف القناع:٣٧٢/ ١ ومابعدها. المهذب:٩٧/ ١.
(٢) الدر المختار:٥٦٠/ ١.
(٣) الشرح الصغير:٤٤٩/ ١.
 
 
مذهب الحنفية (١):
المدرك: من صلى جميع الصلاة كاملة مع الإمام. وهذا صلاته تامة لا شيء فيها.

واللاحق: 
 من فاتته الركعات كلها أو بعضها مع الإمام، على الرغم من ابتدائه الصلاة معه، كأن عرض له عذر كغفلة أو نوم أو زحمة (٢) أو سبق حدث، أو صلاة خوف (أي في الطائفة الأولى، وأما الثانية فمسبوقة) أو كان مقيمًا ائتم بمسافر، أو بلا عذر: كأن سبق إمامه في ركوع وسجود، فإنه يقضي ركعة.
وحكمه: أنه كمؤتم حقيقة فيما فاته، فلا تنقطع تبعيته للإمام، فلا يقرأ في قضاء مافاته من الركعات، ولا يسجد للسهو لأنه لا سجود على المأموم فيما يسهو به خلف إمامه، ولا يتغير فرضه، فيصير أربعًا، بنية الإقامة إن كان مسافرًا، ويبدأ بقضاء ما فاته أثناء صلاة الإمام، ثم يتابعه فيما بقي إن أدركه ويسلم معه، فإن لم يدركه، مضى في صلاته إلى النهاية.
وإذا كان اللاحق مسبوقًا بأن بدأ مع الإمام في الركعة الثانية، ثم فاتته ركعة فأكثر خلف الإمام، فعليه القراءة في قضاء ما سبق به.

والمسبوق: 
من سبقه الإمام بكل الصلاة أو ببعضها (٣). وحكمه أنه كالمنفرد بعد البدء بقضاء ما فاته، فيأتي بدعاء الثناء، والتعوذ لأنه للقراءة، ويقرأ؛ لأنه
(١) الدر المختار:٥٥٥/ ١ - ٥٦٠، فتح القدير:٢٧٧/ ١ ومابعدها، تبيين الحقائق:١٣٧/ ٣ ومابعدها.
(٢) بأن زحمه الناس في الجمعة مثلًا، فلم يقدر على أداء الركعة الأولى مع الإمام، وقدر على الباقي، فيصليها، ثم يتابعه.
(٣) أن يُسبق بكل الركعات: بأن اقتدى بالإمام بعد ركوع الركعة الأخيرة. وسبقه ببعضها: بأن يفوته بعض الركعات.
 
يقضي أول صلاته في حق القراءة، فلو ترك القراءة، فسدت صلاته، كما يقضي آخر صلاته في حق التشهد.
ومحل إتيانه بالثناء: إن كان في ركعة سرية أتى بالثناء بعد تكبيرة الإحرام، وإن أدرك الإمام في ركعة جهرية، لا يأتي به مع الإمام على الصحيح، بل يأتي به عند قضاء ما فاته، وعندئذ يتعوذ ويبسمل للقراءة كالمنفرد.
والمسبوق: إن أدرك الإمام وهو راكع، كبر للإحرام قائمًا، ثم ركع معه، وتحسب له هذه الركعة.
وإن أدركه بعد الركوع، كبر للإحرام قائمًا، ثم تابعه فيما هو فيه من أعمال الصلاة، ولا تحسب الركعة، ثم يقضي ما فاته بعد سلام الإمام، ويقرأ الفاتحة وسورة بعدها في قضاء كل من الركعتين الأولى والثانية من صلاته، فلو فاتته هاتان الركعتان قرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة، ولو فاته ركعة مثلًا قضى ركعة وقرأ فيها الفاتحة والسورة.
والمسبوق كالمنفرد إلا في أربع مسائل فهو كمقتد:
إحداها - لا يجوز اقتداؤه بغيره ولا الاقتداء به.
ثانيها - لو كبَّر ناويًا استئناف صلاة جديدة وقطعها، صار مستأنفًا وقاطعًا للصلاة الأولى، بخلاف المنفرد.
ثالثها - لو قام إلى قضاء ما سبق به، وعلى الإمام سجدتا سهو، ولو قبل اقتدائه، فعليه أن يعود فيسجد معه، ما لم يقيد الركعة التي قام لقضائها بسجدة، فإن لم يعد حتى سجد، يمضي في صلاته، وعليه إن يسجد في آخر صلاته، بخلاف المنفرد، فإنه لا يلزمه السجود لسهو غيره.
كذلك يلزمه متابعة الإمام في قضاء سجدة التلاوة، على التفصيل المذكور.
 
رابعها - يأتي بتكبيرات التشريق (١) اتفاقًا بين الحنفية، بخلاف المنفرد، حيث لا يأتي بها عند أبي حنيفة.
ومن أحكام المسبوق:
أنه يكره تحريمًا أن يقوم المسبوق لقضاء ما فاته قبل سلام إمامه إذا قعد قدر التشهد، إلا في مواضع تعتبر عذرًا:
الأول: إذا خاف المسبوق الماسح زوال مدته إذا انتظر سلام الإمام.
الثاني: إذا خاف خروج الوقت، وكان صاحب عذر، حتى لا ينتقض وضوءه.
الثالث: إذا خاف في الجمعة دخول وقت العصر، إذا انتظر سلام الإمام.
الرابع: إذا خاف المسبوق دخول وقت الظهر في العيدين، أو خاف طلوع الشمس في الفجر، إذا انتظر سلام الإمام.
الخامس: إذا خاف المسبوق أن يسبقه الحدث.
السادس: إذا خاف أن يمر الناس بين يديه إذا انتظر سلام الإمام، ففي هذه المواضع كلها للمسبوق أن يقوم فيها لإكمال صلاته قبل سلام إمامه.

مذهب المالكية (٢):
المدرك: الذي أدرك جميع الصلاة مع الإمام، صلاته تامة، ولاقضاء عليه بعد سلام إمامه؛ لأنه لم يفته شيء من الصلاة.
(١) يجب عند الحنفية: تكبير التشريق في عيد الأضحى من بعد فجر عرفة إلى عصر العيد مرة، فور كل فرض، أدي بجماعة مستحبة، على إمام مقيم.
(٢) الشرح الصغير:٤٥٨/ ١ - ٤٦١، الشرح الكبير:٣٤٥/ ١ - ٣٤٩، القوانين الفقهية: ص٧٠ ومابعدها، بداية المجتهد:١٨١/ ١ - ١٨٢.
 
واللاحق: الذي فاته شيء من الصلاة بعد الدخول مع الإمام لعذر كزحمة أو نعاس لا ينقض الوضوء، له أحوال ثلاثة: أن يفوته ركوع أو اعتدال منه، أن تفوته سجدة أو سجدتان، أن تفوته ركعة فأكثر.
الحالة الأولى - وهي أن يفوت المأموم الركوع أو الرفع منه مع الإمام، فإما أن يكون ذلك في الركعة الأولى أو غيرها. فإن كان في الركعة الأولى اتبع الإمام فيما هو فيه من الصلاة، وألغى هذه الركعة، وقضى ركعة بعد سلام الإمام.
وإن كان ذلك الفوات في غير الركعة الأولى: فإن أمكنه تدارك الإمام في السجود ولو في السجدة الثانية، فعل مافاته ليدرك الإمام، وإن لم يتمكن من تدارك الإمام في السجود، فإنه يلغي هذه الركعة، ويقضيها بعد سلام الإمام.
الحالة الثانية - أن يفوته سجدة أو سجدتان: فإن أمكنه السجود وإدراك الإمام في ركوع الركعة التالية، فعل ما فاته ولحق الإمام وتحسب له الركعة. وإن لم يمكنه السجود على النحو المذكور، ألغى الركعة واتبع الإمام فيما هو فيه، وأتى بركعة بعد سلام الإمام، ولا يسجد للسهو، لأن الإمام يتحمل عنه سهوه.
الحالة الثالثة - أن تفوته ركعة أو أكثر بعد الدخول مع الإمام: فيقضي مافاته بعد سلام الإمام، على النحو الذي فاته بالنسبة للقراءة والقنوت.
أما المسبوق: الذي فاته ركعة أو أكثر قبل الدخول مع الإمام، فحكمه أنه يجب عليه أن يقضي بعد سلام الإمام ما فاته من الصلاة. والمشهور أنه يقضي القول، ويبني على الأفعال، علمًا بأن المراد بالقول هو القراءة، والمراد بالفعل هو ماعدا القراءة، فيشمل التسميع والتحميد والقنوت.

ومعنى قضاء القول:  
أن يجعل ما فاته المسبوق قبل دخوله مع الإمام بالنسبة
 
إليه هو أول صلاته، وما أدركه معه هو آخرها، فيأتي بالقراءة على صفتها من سر أو جهر.

ومعنى البناء على الفعل (١): 
 أن يجعل ما أدركه مع الإمام أول صلاته، ومافاته آخر صلاته، فيكون كالمصلي وحده. فهو عكس البناء على القول.
وتوضيح ذلك: إن أدرك المسبوق الركعة الرابعة فقط من العشاء، فإذا سلم الإمام، أتى بركعة يقرأ فيها جهرًا بالفاتحة والسورة؛ لأنها أولى صلاته بالنسبة للقراءة، ثم يجلس بعدها للتشهد؛ لأنها ثانية له بالنسبة للجلوس. ثم يقوم فيأتي بركعة، يقرأ فيها جهرًا بالفاتحة والسورة؛ لأنها ثانية له بالنسبة للقراءة، ولا يجلس بعدها للتشهد لأنها ثالثة له بالنسبة للجلوس. ثم يأتي بركعة ثالثة يقرأ فيها سرًا، ثم يجلس للتشهد الأخير؛ لأنها رابعة بالنسبة للأفعال، ثم يسلم.
ومدرك الركعة الثانية في صلاة الصبح مع الإمام، يقنت في ركعة القضاء؛ لأنها الثانية بالنسبة للفعل، الذي منه القنوت، ويجمع بين التسميع والتحميد؛ لأن الركعة الثانية آخرته، وهو فيها كالمصلي وحده.
أما إن سجد الإمام سجود سهو: فإن كان قبليًا سجد معه، وإن كان بعديًا أخره حتى يفرغ من قضاء ما عليه.
وأما التكبير أثناء نهوض المسبوق لقضاء ما عليه: فإن أدرك مع الإمام ركعتين أو أقل من ركعة، كبر حال القيام؛ لأن جلوسه في محله، فيقوم بتكبير، وإلا فلا يكبر حال القيام، بل يقوم ساكتًا؛ لأن جلوسه في غير محله، وإنما هو لموافقة الإمام.
(١) الفعل: هو ماعدا القراءة بصفتها، فيشمل التسميع والتحميد والقنوت كما تقدم.
 
وإن أدرك المسبوق ركوع الإمام، فمكن من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، فقد أدرك الركعة. وإن لم يدرك المسبوق ركوع الركعة الأخيرة، فدخل في السجود أو الجلوس، فقد فاتته الصلاة كلها، فيقوم فيصليها كاملة؛ فإن جرى له ذلك في صلاة الجمعة، صلاها ظهرًا أربعًا.

الشافعية (١):

المقتدي: إما موافق أو مسبوق. والموافق: هو من أدرك مع الإمام قدر الفاتحة، سواء الركعة الأولى وغيرها. والمسبوق: هو من لم يدرك مع الإمام من الركعة الأولى أو غيرها قدرًا يسع الفاتحة.
والموافق: إن تخلف عن الإمام بركن فعلي عامدًا بلا عذر، بأن فرغ الإمام منه، وهو فيما قبله، لم تبطل صلاته في الأصح؛ لأنه تخلف يسير، سواء أكان طويلًا، كأن ابتدأ الإمام رفع الاعتدال، والمأموم في قيام القراءة، أم قصيرًا، كأن رفع الإمام رأسه من السجدة الأولى، وهوى من الجلسة بعدها للسجود، والمأموم في السجدة الأولى.
وإن تخلف بركنين فعليين، بأن فرغ الإمام منهما، وهو فيما قبلهما، كأن ابتدأ الإمام هويّ السجود، والمأموم في قيام القراءة.
أ - فإن لم يكن عذر، كأن تخلف لقراءة السورة أو لتسبيحات الركوع والسجود، بطلت صلاته، لكثرة المخالفة.
ب - وإن كان عذر: بأن اشتغل بدعاء الافتتاح، أو ركع إمامه فشك في
(١) مغني المحتاج:٢٥٦/ ١ - ٢٥٨، المهذب:٩٥/ ١، حاشية الباجوري:٢٠٤/ ١، الحضرمية: ص٧١ ومابعدها.
 
الفاتحة، أو تذكر تركها أو أسرع الإمام قراءته مثلًا، أو كان المأموم بطيء القراءة لعجز، لا لوسوسة، وركع أي الإمام قبل إتمام المأموم الفاتحة، فالصحيح أن المأموم يتم فاتحته، ويسعى خلف إمامه على نظم صلاة نفسه، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان مقصودة في نفسها، طويلة أي ما لم يسبق بثلاثة فما دونها، وهي الركوع والسجودان، أخذًا من صلاته ﷺ بعُسْفان، فلا يعد منها القصير: وهو الاعتدال والجلوس بين السجدتين.
فإن سبق بأكثر من الأركان الثلاثة، بأن لم يفرغ من الفاتحة إلا والإمام قائم عن السجود، أو جالس للتشهد، فالأصح أنه لا تلزمه المفارقة، بل يتبع الإمام فيما هو فيه، ثم يتدارك بعد سلام الإمام ما فاته، كالمسبوق، لما في مراعاة نظم صلاته في هذه الحالة من المخالفة الفاحشة. وهذا كله مفرع على شرط متابعة المقتدي للإمام.
أما المسبوق: فيسن له ألا يشتغل بسنة بعد التحرم، بل بالفاتحة، إلا أن يظن إدراكها مع اشتغاله بالسنة. فإن لم يشتغل بسنة، تبع إمامه في الركوع وجوبًا، وسقط عنه ما بقي من الفاتحة، فإن تخلف لإتمام قراءته، حتى رفع الإمام من الركوع، فاتته الركعة، ولا تبطل صلاته، إلا إذا تخلف عنه بركنين فعليين بلا عذر.
وإن اشتغل المسبوق بسنة كدعاء الافتتاح أو التعوذ، قرأ بقدرها من الفاتحة وجوبًا، ثم إن فرغ مما عليه، وأدرك الركوع مطمئنًا يقينًا مع الإمام أدرك الركعة. وإن فرغ مما عليه، والإمام في الاعتدال، وافقه فيه وفاتته الركعة. وإن لم يفرغ مما عليه واستمر في القراءة وأراد الإمام الهويّ للسجود، تعينت نية المفارقة؛ لأنه إن هوى الإمام للسجود، ولم ينو المفارقة، بطلت صلاته، وإن هوى معه، بطلت صلاته أيضًا.
 
وإن لم يشتغل بسنة، قطع القراءة، وركع مع الإمام.
ولو علم المأموم في ركوعه أنه ترك الفاتحة، لم يعد إليها، بل يصلي ركعة بعد سلام الإمام.
ولو علم المأموم ترك الفاتحة أو شك فيه، وقد ركع الإمام، ولم يركع هو، قرأها وجوبًا لبقاء محلها، ويعد متخلفًا بعذر، ويطبَّق عليه حكم بطيء القراءة، في الموافق.
والمسبوق الذي فاته بعض ركعات الصلاة مع الإمام: إن أدرك مع الإمام مقدار الركوع الجائز بأن أدركه راكعًا واطمأن معه، فقد أدرك الركعة، وإن لم يدرك ذلك أو أدركه في ركوع زائد أو في الثاني من صلاة الكسوفين، لم يدرك الركعة، لما روى أبو هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: «من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة، فليضف إليها أخرى، ومن لم يدرك الركوع، فليصل الظهر أربعًا» (١).
وإن أدركه ساجدًا، كبر للإحرام، ثم سجد من غير تكبير، على المذهب.
وإن أدركه في آخر الصلاة، كبر للإحرام، وقعد، وحصل له فضيلة الجماعة، فإن أدرك معه الركعة الأخيرة، كان ذلك أول صلاته، لما روي عن علي ﵁ أنه قال: «ما أدركت فهو أول صلاتك» وعن ابن عمر أنه قال: «يكبر، فإذا سلم الإمام قام إلى ما بقي من صلاته» وبه تقررت قاعدة المذهب وهي: ما أدركه المسبوق أول صلاته، وما يتداركه آخرها، لقوله ﷺ: «ما أدركتم
(١) هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، ورواه الدارقطني بإسناد ضعيف ولفظه: «من أدرك من الجمعة ركعة، فليصل إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسًا، صلى الظهر أربعًا» (المجموع:١١٣/ ٤).
 
فصلوا، وما فاتكم فأتموا» (١). وهذا بخلاف مذاهب الأئمة الآخرين فعندهم: ما أدركه آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته، لقوله ﷺ: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» (٢).
وإن كانت الصلاة فيها قنوت، فقنت مع الإمام أعاد القنوت في آخر صلاته؛ لأن مافعله مع الإمام فعله للمتابعة، فإذا بلغ إلى موضعه، أعاد كما لو تشهد مع الإمام، ثم قام إلى ما بقي، فإنه يعيد التشهد.
ويسن للمسبوق الذي فاتته الركعتان الأوليان أو إحداهما أن يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخيرتين أو الأولى منهما، لئلا تخلو صلاته من سورة.

الحنابلة (٣):
المسبوق يشمل عندهم (اللاحق) عند الحنفية والمالكية، فمن اقتدى بالإمام من أول الصلاة، أو بعد ركعة فأكثر وفاته شيء منها فهو في الحالتين مسبوق. أما اللاحق الذي بدأ صلاته مع الإمام من أولها، وتخلف عنه بركن أو ركنين لعذر من نوم لا ينقض الوضوء أوغفلة أو سهو أوعجلة ونحوه كزحام، فيجب عليه أن يفعله ويلحق به إذا لم يخش فوت الركعة التالية؛ لأنه أمكنه استدراكه من غير محذور، فلزمه، وتصح الركعة التي أتى بها. وإن لم يأت بها أو خشي فوت الركعة التالية مع الإمام، وجب عليه متابعة إمامه، ولغت الركعة، ووجب عليه قضاؤها على صفتها بعد سلام الإمام.
(١) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة من طرق كثيرة، فهذه الرواية أولى، كما قال البيهقي (المجموع:١٢٠/ ٤).
(٢) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي (المصدر السابق).
(٣) كشاف القناع:٥٤٠/ ١ - ٥٤٣،٥٤٦ - ٥٤٩.
 
والإتيان بها على صفتها معناه: أنه لو فاتته الركعة الأولى، أتى بها بالاستفتاح والتعوذ وقراءة سورة بعد الفاتحة. وإن كانت الثانية قرأ سورة بعد الفاتحة، وإن كانت الثالثة أو الرابعة قرأ الفاتحة فقط.
وإن تخلف عن السجود مع الإمام لعذر، تابع إمامه في السجود الثاني وتمت له الركعة، على أن يقضي ما فاته على صفته بعد سلام الإمام.
وإن تخلف عن إمامه بركعة فأكثر، لعذر من نوم أو غفلة أو نحوه، تابعه فيما بقي من صلاته، وقضى المأموم ما تخلف به بعد سلام إمامه، كمسبوق.
وأما إن تخلف المقتدي عن إمامه بركن بلا عذر، فهو كسبق الإمام بركن: إن فعل ذلك عامدًا عالمًا، بطلت صلاته، لأنه ترك فرض المتابعة متعمدًا. وإن فعل ذلك جاهلًا أو ناسيًا، بطلت تلك الركعة إذا لم يأت بما فاته مع إمامه؛ لأنه لم يقتد بإمامه في الركوع، وتصح صلاته، لحديث «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
وأما المسبوق: فإن سبق بالركوع أو بركنين عمدًا بطلت صلاته مطلقًا، وإن سبقه بغير ركوع كالهوي للسجود، أو سبقه سهوًا لم تبطل صلاته، لكن يجب إعادة ما أتى به بعد إمامه، فإن لم يأت به، ألغيت الركعة.
وما أدرك المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته، كما بينا، فإن أدركه فيما بعد الركعة الأولى كالثانية أو الثالثة، لم يستفتح ولم يستعذ، ومايقضيه المسبوق هو أول صلاته، فيستفتح له، ويتعوذ، ويقرأ السورة، لحديث أبي هريرة السابق أن النبي ﷺ قال: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا» (١).
(١) رواه الشيخان وأحمد والنسائي من طريق ابن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة: «فاقضوا» ولا أعلم رواها عن الزهري غيره.
 
ويتورك المسبوق مع إمامه في موضع توركه؛ لأنه آخر صلاته، وإن لم يعتد به، كما يتورك المسبوق فيما يقضيه للتشهد الثاني، فلو أدرك ركعتين من رباعية، جلس مع الإمام متوركًا متابعة له للتشهد الأول، وجلس بعد قضاء الركعتين أيضًا متوركًا؛ لأنه يعقبه سلامه. ويندب أن يكرر التشهد الأول، حتى يسلم إمامه التسليمتين؛ لأنه تشهد واقع في وسط الصلاة، فلم تشرع فيه الزيادة على الأول.
وإذا سلم المسبوق مع إمامه سهوًا، وجب عليه أن يسجد للسهو في آخر صلاته. وكذا يسجد للسهو إن سها فيما يصليه مع الإمام، وفيما انفرد بقضائه، ولو شارك الإمام في سجوده لسهوه. وإذا لم يسجد الإمام لسهو، وجب على المسبوق سجود السهو بعد قضاء ما فاته.
ويعتبر المسبوق مدركًا للجماعة متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى، ولا يكون مدركًا للركعة إلا إذا ركع مع الإمام قبل رفع رأسه من الركوع، غير شاكّ في إدراك الإمام راكعًا، ولو لم يدرك معه الطمأنينة إذا اطمأن هو، ثم لحق إمامه، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا جئتم إلى الصلاة، ونحن سجود، فاسجدوا، ولا تعدوها شيئًا، ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة» (١).

رابعًا: ما يفعله المقتدي بعد فراغ إمامه من واجب وغيره:
 ذكر الحنفية (٢) بعض الأحكام الفرعية المتعلقة بالمقتدي بعد فراغ إمامه وهي:
أـ لو سلم الإمام قبل فراغ المقتدي من قراءة التشهد، فعليه أن يتمه، ثم يسلم.
(١) رواه أبو داود بإسناد حسن.
(٢) مراقي الفلاح: ص٥٠، الدر المختار:٥٦٠/ ١.
 
ب - لو سلم الإمام قبل فراغ المقتدي من الصلوات الإبراهيمية أو الدعاء، يتركها، ويسلم مع الإمام.
جـ - إذا قام الإمام قبل فراغ المقتدي من قراءة التشهد الأول، أتمه ثم تابع إمامه.
د - إذا رفع الإمام رأسه من الركوع أو السجود قبل فراغ المقتدي من إتمام ثلاث تسبيحات، تابعه، وتركها.
هـ - إذا زاد الإمام سجدة، أو قام بعد القعود الأخير ساهيًا، لا يتبعه المقتدي ولو تابعه فسدت صلاته، بل ينتظره، ويسبح لتنبيه الإمام لخطئه، فإن عاد الإمام قبل تقييده الزائدة بسجدة، سجد الإمام للسهو، وسلم المقتدي معه، فإن أتى بسجدة بعد الزائد، سلم المقتدي وحده، لخروج الإمام إلى غير صلاته.
وإن سلم المقتدي قبل أن يقيد الإمام ما زاده بسجدة، فسد فرضه.
وـ يكره سلام المقتدي بعد تشهد الإمام قبل سلامه، لتركه المتابعة، وصحت صلاته، كما صحت صلاة الإمام على الصحيح.
ز - يكره تحريمًا الخروج من مسجد بعد الأذان، حتى يصلي الشخص، إلا إذا كان إمامًا أو مؤذنًا لمسجد آخر، أو خرج بعد صلاته منفردًا.
ح - لو ظن الإمام السهو، فسجد له، فتابعه المقتدي، فبان أن لا سهو، فالأشبه الفساد لصلاة المقتدي، لاقتدائه في موضع الانفراد.

المطلب الرابع - الأمور المشتركة بين الإمام والمأموم:
شروط الاقتداء بالإمام، موقف الإمام والمأموم، أمر الإمام بتسوية الصفوف، صلاة المنفرد عن الصف.
 
أولًا - شروط الاقتداء بالإمام: 
عرفنا شروط كل من الإمام والمقتدي الخاصة بهما، ونبحث هنا شروط ارتباط المقتدي بالإمام أو شروط صحة الجماعة وهي ما يأتي (١):
١ - نية المؤتم الاقتداء باتفاق المذاهب:
أي ينوي المأموم مع تكبيرة الإحرام الاقتداء أو الجماعة أو المأمومية، فلو ترك هذه النية أو مع الشك فيها، وتابعه في الأفعال، بطلت صلاة المقتدي، ولا يجب تعيين الإمام باسمه، فإن عينه وأخطأ بطلت صلاته عند الشافعية.
لكن لابد من تعيين إمام معين بصفة الإمامة، فلو نوى الائتمام بأحد رجلين يصليان، لا بعينه، لم يصح، حتى يعين الإمام بوصفه، لأن تعيينه شرط، ولا يجوز الائتمام بأكثر من واحد، فلو نوى الائتمام بإمامين لم يجز؛ لأنه لا يمكن اتباعهما معًا.
وشرط النية: أن تكون مقارنة للتحريمة عند الشافعية، وأجاز الحنفية أن تكون متقدمة على التحريمة بشرط ألا يفصل بينها وبين التحريمة فاصل أجنبي (٢)، والأفضل عندهم وعند الحنابلة: أن تكون مقارنة خروجًا من الخلاف. واشترط المالكية المقارنة للتحريمة أو قبلها بزمن يسير، كما تقدم في بحث اشتراط النية في الصلاة.
وبناء على هذا الشرط: لو شرع امرؤ في الصلاة منفردًا، لم يجز له الانتقال
(١) الدر المختار:٥١٣/ ١، ٥١٥،٥٥٢، البدائع:١٣٨/ ١،١٤٦، الكتاب مع اللباب:٨٤/ ١، الشرح الصغير:٤٤٩/ ١،٤٥٣، الشرح الكبير:٣٣٧/ ١ - ٣٤١، القوانين الفقهية: ص٦٨ومابعدها، مغني المحتاج:٢٥٢/ ١ - ٢٥٨، الحضرمية: ص٦٨،٧١، المغني:٢١٣/ ٢ ومابعدها،٢٣١ - ٢٣٤، كشاف القناع:٥٦٥/ ١،٥٧١،٥٧٩ ومابعدها.
(٢) قال الحنفية: من أراد الدخول في صلاة غيره، يحتاج إلى نيتين: نية نفس الصلاة، ونية المتابعة للإمام بأن ينوي فرض الوقت، والاقتداء بالإمام فيه.
 
للجماعة إلا في حالة الاستخلاف، كما سيأتي، كما لا يجوز عكسه عند الحنفية والمالكية، وهو أن ينتقل للانفراد، بأن ينوي مفارقة الإمام، وأجاز الشافعية والحنابلة كما بينا نية مفارقة الإمام، وإتمام الصلاة منفردًا، لعذر عند الحنابلة، أو لغير عذر مع الكراهة عند الشافعية، كما بينا سابقًا.
أما نية الإمام الإمامة: فلا تشترط عند الجمهور غير الحنابلة، بل تستحب ليحوز فضيلة الجماعة، فإن لم ينو لم تحصل له، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نوى.
واستثنى الشافعية والمالكية الصلاة التي تتوقف صحتها على الجماعة، كالجمعة، والمجموعة للمطر، والمعادة، وصلاة الخوف، فلا بد فيها من نية الإمام الإمامة.
واستثنى الحنفية اقتداء النساء بالرجل، فإنه يشترط نية الرجل الإمامة لصحة اقتداء النساء به.
وقال الحنابلة: تشترط أيضًا نية الإمامة، فينوي الإمام أنه إمام، والمأموم أنه مأموم، وإلا فسدت الصلاة. لكن لو أحرم الشخص منفردًا، ثم جاء آخر، فصلى معه، فنوى إمامته، صح في النفل، عملًا بحديث ابن عباس، وهو أنه قال: «بتُ عند خالتي ميمونة، فقام النبي ﷺ متطوعًا من الليل، فقام إلى القربة، فتوضأ، فقام، فصلى، فقمت لما رأيته صنع ذلك، فتوضأت من القربة، ثم قمت إلى شقه الأيسر، فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك إلى الشق الأيمن» (١).
أما في الفريضة: فإن كان المصلي ينتظر أحدًا، كإمام المسجد، فإنه يُحرم
(١) متفق عليه.
 
وحده، وينتظر من يأتي، فيصلي معه، فيجوز ذلك أيضًا عند الحنابلة؛ لأن النبيصلّى الله عليه وسلم أحرم وحده، ثم جاء جابر وجبارة، فأحرما معه، فصلى بهما، ولم ينكر فعلهما. والظاهر أنها كانت صلاة مفروضة؛ لأنهم كانوا مسافرين. أما في غير هذه الحالة، فلا يصح الاقتداء لمن لم ينو الإمامة.

٢ - اتحاد صلاتي الإمام والمأموم:

للفقهاء آراء في تحديد هذا الاتحاد، فقال الحنفية (١): الاتحاد أن يمكنه (أي المقتدي) الدخول في صلاة بنية صلاة الإمام، فتكون صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي. فلا يصلي المفترض خلف المتنفل؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم، ولا من يصلي فرضًا خلف من يصلي فرضًا آخر؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة، فلا بد من الاتحاد سببًا وفعلًا ووصفًا. لأن الاقتداء بناء التحريمة على التحريمة، كما بينا أي أن الاتحاد في الفرضية ونوع الفريضة.
ويصلي المتنفل خلف المفترض؛ لأن فيه بناء الضعيف على القوي، وهو جائز، إلا التراويح في الصحيح؛ فلا يصح الاقتداء فيها بالمفترض لأنها سنة على هيئة مخصوصة، فيراعى وضعها الخاص للخروج عن العهدة أي التبعة أو المسؤولية.
ويصح اقتداء متنفل بمتنفل ومنه ناذر نفل بناذر آخر، ومن يرى الوتر واجبًا (وهم الحنفية) بمن يراه سنة، ومن اقتدى في العصر، وهو مقيم، بعد الغروب، بمن أحرم قبله، لاتحاد صلاة الإمام مع صلاة المقتدي في الصور الثلاث.
(١) الكتاب بشرح اللباب:٨٤/ ١، الدر المختار ورد المحتار:٥١٤/ ١،٥٥٠ - ٥٥٢، فتح القدير:٢٦١/ ١ - ٢٦٥.
 
ويصح اقتداء متوضئ بمتيمم، وغاسل بماسح على خف أو جبيرة، وقائم بقاعد يركع ويسجد، لا مومئ؛ فالمومئ يصلي خلف مثله، إلا أن يومئ المؤتم قاعدًا، والإمام مضطجعًا؛ لأن القعود معتبر، فتثبت به القعدة، أما صلاة القائم بالقاعد فلأنه ﷺ صلى آخر صلاته قاعدًا، والناس قيام (١)، وأبو بكر يبلغهم تكبيره، كما يصح اقتداء قائم بأحدب الظهر، وإن بلغ حدبه الركوع على المعتمد، وكذا الاقتداء بأعرج. ويصح اقتداء مومئ بمثله إلا أن يومئ الإمام مضطجعًا، والمؤتم قاعدًا أو قائمًا فإنه لا يجوز، على المختار، لقوة حال المأموم.
وقال المالكية (٢): يشترط الاتحاد في ذات الصلاة، فلا يصح اقتداء بصلاة ظهر خلف عصر مثلًا، وفي صفة الصلاة أداء وقضاء، فلا يصح أداء خلف قضاء ولا عكسه، وفي زمن الصلاة، وإن اتفقا في القضاء، فلا يصح ظهر يوم السبت خلف ظهر يوم الأحد، ولا عكسه، ولا يصح اقتداء في صلاة صبح بعد طلوع شمس بمن أدرك ركعة قبل طلوع الشمس؛ لأنها للإمام أداء، وللمأموم قضاء.
ويصح اقتداء نفل خلف فرض كركعتي الضحى، خلف صبح بعد الشمس، وركعتي نفل خلف صلاة سفرية، أو أربع خلف صلاة حضرية.
وقال الحنابلة (٣): الاتحاد في نوع الفرض وقتًا واسمًا، فلا يصح ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، أو غيرهما كالعشاء، وعكسه، كما لا تصح صلاة مفترض خلف مفترض بفرض غيره وقتًا واسمًا؛ لقوله ﷺ: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه»،ولا يصح اقتداء مفترض بمتنفل، لهذا الحديث، ولأن
(١) أخرجه البخاري ومسلم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعو د (نصب الراية:٤١/ ٢).
(٢) الشرح الصغير:٤٥١/ ١.
(٣) كشاف القناع:٥٦١/ ١ ومابعدها،٥٧٠ ومابعدها، المغني:٢٢٠/ ٢ - ٢٢٧.
 
صلاة المأموم لا تؤدى بنية الإمام، فأشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر. ولا يصح أن يؤم من عدم الماء والتراب، أو به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بأحدهما بمن تطهر بأحدهما.
ولا يصح الاقتداء في صلاة تخالف الأخرى في الأفعال، كصلاة الكسوف أو الجمعة خلف من يصلي غيرهما، وصلاة غيرهما وراء من يصليهما؛ لأنه يفضي إلى مخالفة إمامه في الأفعال، وهو منهي عنه.
ويصح اقتداء متنفل بمفترض، بدليل قوله ﷺ في إعادة الصلاة جماعة: «من يتصدق على هذا؟ فقام رجل فصلى معه» ويصح ائتمام متوضئ بمتيمم؛ لأنه أتى بالطهارة على الوجه الذي يلزمه، والعكس أولى. ويصح ائتمام ما سح على حائل بغاسل، لأن الغسل رافع للحدث.
ويصح ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها، وعكسه؛ لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت.
ويصح ائتمام قاضي ظهر يوم، بقاضي ظهر يوم آخر، لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت. ويلاحظ أن هاتين الحالتين خلاف مذهب المالكية.
ويجوز للعاجز عن القيام أن يؤم مثله.
ولا يؤم القاعد من يقدر على القيام إلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون إمام الحي؛ لأنه لا حاجة بالناس إلى تقديم عاجز عن القيام إذا لم يكن الإمام الراتب، فلا يتحمل إسقاط ركن في الصلاة لغير حاجة، والنبي ﷺ حيث فعل ذلك، كان هو الإمام الراتب.
الثاني: أن يكون مرضه يرجى زواله، لأن النبي ﷺ كان يرجى برؤه، ولأن
 
اتخاذ الزَّمِن ومن لا يرجى قدرته على القيام إمامًا راتبًا، يفضي إلى تركهم القيام، ولا حاجة إليه.
وعليه لا تصح الصلاة خلف عاجز عن القيام؛ لأنه عجز عن ركن من أركان الصلاة، فلم يصح الاقتداء به، كالعاجز عن القراءة إلا بمثله، إلا إمام الحي، المرجو زوال علته: وهو كل إمام مسجد راتب.
وإذا صلى إمام الحي جالسًا، صلى من وراءه جلوسًا، لحديث أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون» (١)، وعن عائشة ﵂ قالت: «صلى بنا رسول الله ﷺ في بيته، وهو شاكٍ، فصلى جالسًا، وصلى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم: أن اجلسوا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا أجمعون» (٢)، ولأنها حالة قعود الإمام، فكان على المأمومين متابعته كحال التشهد.
فإن صلوا قيامًا خلف إمام الحي المرجو زوال علته، صحت صلاتهم؛ لأنه ﷺ لم يأمر من صلى خلفه قائمًا بالإعادة، ولأن القيام هو الأصل.
والأفضل لهذا الإمام إذا مرض أن يستخلف؛ لأن الناس اختلفوا في صحة إمامته، فيخرج من الخلاف، ولأن صلاة القائم أكمل، فيستحب أن يكون الإمام كامل الصلاة.
(١) متفق عليه قال ابن عبد البر: روي هذا مرفوعًا من طرق متواترة.
(٢) وروى أنس ونحوه، أخرجهما البخاري ومسلم، وروى جابر عن النبي ص مثله، أخرجه مسلم، ورواه أسيد بن حضير، وعمل به. قال ابن عبد البر: روي هذا الحديث عن النبي ص من طرق متواترة، من حديث أنس، وجابر، وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، كلها بأسانيد صحاح.
 
واكتفى الشافعية (١) باشتراط توافق نظم صلاتي الإمام والمقتدي، فإن اختلف نظم صلاتيهما كصلاة مكتوبة وصلاة كسوف، أو مكتوبة وصلاة جنازة، لم تصح القدوة فيها على الصحيح؛ لتعذر المتابعة باختلاف فعلهما.
وتصح قدوة المؤدي بالقاضي (الأداء خلف القضاء) وعكسه، والمفترض بالمتنفل، وعكسه، والظهر خلف العصر وعكسه، وكذا الظهر بالصبح والمغرب، ويكون المقتدي حينئذ كالمسبوق، يتم صلاته بعد سلام إمامه، ولا تضر في هذه الحالة متابعة الإمام في القنوت والجلوس الأخير في المغرب، وللمقتدي فراق الإمام إذا اشتغل بالقنوت والجلوس، مراعاة لنظم صلاته.
وتجوز صلاة الصبح خلف الظهر في الأظهر، فإذا قام الإمام للركعة الثالثة، فإن شاء فارقه وسلم، وإن شاء انتظره ليسلِّم معه، وانتظاره أفضل. وإن أمكنه أي المقتدي القنوت في الركعة الثانية قنت وإلا تركه، وله فراق الإمام ليقنت.
والخلاصة: إن أشد المذاهب في شرط اتحاد صلاتي الإمام والمؤتم هو المالكي، ثم الحنفي، ثم الحنبلي، ثم الشافعي، ولايجيز المالكية خلافًا للجمهور صلاة القائم خلف القاعد، ويصلي المأموم قاعدًا عند الحنابلة خلف الجالس.

٣ - ألا يتقدم المأموم على إمامه بعقبه (مؤخر قدمه)، 
أو بأليته (عجزه) إن صلى قاعدًا أو بجنبه إن صلى مضطجعًا. فإن ساواه جاز وكره، ويندب تخلفه عنه قليلًا، وإن تقدم عليه لم تصح صلاته، وهذا شرط عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) (٢)، لقوله ﵊: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» ولأنه يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات إلى ورائه، ولأن ذلك لم ينقل عن النبي ﷺ ولا هو في معنى المنقول.
(١) مغني المحتاج:٢٥٣/ ١ ومابعدها، الحضرمية: ص٧٠.
(٢) المجموع:١٩٤/ ١.
 
والعبرة في ذلك التقدم بالعقب، فإن تقدمت أصابع المقتدي لكبر قدمه على قدم الإمام، ما لم يتقدم أكثر القدم، صحت صلاته.
وأجاز الحنفية والحنابلة التقدم على الإمام في الصلاة حول الكعبة. وكذلك أجاز الشافعية التقدم على الإمام إذا كان المأموم في غير جهة إمامه، فإن كان المأموم والإمام في جهة واحدة، لم يصح تقدمه عليه، ويكره التقدم لغير ضرورة كضيق المسجد، وإلا فلا كراهة. وتبطل الصلاة في الجديد إن تقدم المأموم على إمامه؛ لأنه وقف في موضع ليس بموقف مؤتم بحال، فأشبه إذا وقف في موضع نجس.

وقال المالكية: لا يشترط هذا الشرط، فلو تقدم المأموم على إمامه ولو كان المتقدم جميع المأمومين، صحت الصلاة على المعتمد، لكن يكره التقدم لغير ضرورة، لأن ذلك لايمنع الاقتداء به، فأشبه من خلفه.

٤ - اتحاد مكان صلاة الإمام والمقتدي برؤية أو سماع ولو بمبلِّغ
فلو اختلف مكانهما لم يصح الاقتداء، على تفصيل بين المذاهب. وهذا شرط عند الجمهور غير المالكية؛ لأن الاقتداء يقتضي التبعية في الصلاة، والمكان من لوازم الصلاة، فيقتضي التبعية في المكان ضرورة، وعند اختلاف المكان تنعدم التبعية في المكان، فتنعدم التبعية في الصلاة، لانعدام لازمها.

أما المالكية فقالوا
لا يشترط هذا الشرط، فاختلاف مكان الإمام والمأموم لا يمنع صحة الاقتداء، ووجود حائل من نهر أو طريق أو جدار لا يمنع الاقتداء، متى أمكن ضبط أفعال الإمام برؤية أو سماع، ولا يشترط إمكان التوصل إليه، إلا الجمعة، فلو صلى المأموم في بيت مجاور للمسجد مقتديًا بإمامه، فصلاته باطلة؛ لأن الجامع شرط في صحة الجمعة.
 
وأما تفصيل رأي الحنفية (١):
 فهو أن اختلاف المكان بين الإمام والمأموم مفسد للاقتداء، سواء اشتبه على المأموم حال إمامه أو لم يشتبه على الصحيح. فلو اقتدى راجل براكب، أو بالعكس، أو راكب براكب دابة أخرى، لم يصح الاقتداء لاختلاف المكان، فلو كانا على دابة واحدة صح الاقتداء لاتحاد المكان.
ومن كان بينه وبين الإمام طريق عام يمر فيه الناس، أو نهر عظيم، أو خلاء (أي فضاء) في الصحراء، أو في مسجد كبير جدًا كمسجد القدس يسع صفين فأكثر، أوصف من النساء بلا حائل قدر ذراع أو بغير ارتفاعهن قدر قامة الرجل، لا يصح الاقتداء؛ لأن ذلك يوجب اختلاف المكانين عرفًا، مع اختلافهما حقيقة، فيمنع صحة الاقتداء، لقول عمر ﵁: «من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء، فلا صلاة له».
ومقدار الطريق العام الذي يمنع صحة الاقتداء: هو مقدار ما تمر فيه العجلة (العربة) أو تمر فيه الأحمال على الدواب. والمراد بالنهر: ما يسع زورقًا يمر فيه.
فإن كانت الصفوف متصلة على الطريق، كما يحصل في الحرمين أو في المساجد المزدحمة بالمصلين، جاز الاقتداء؛ لأن اتصال الصفوف أخرجه من أن يكون ممر الناس، فلم يبق طريقًا، بل صار مصلى في حق هذه الصلاة. وكذلك إن كان على النهر جسر وعليه صف متصل.
والحائل كجدار كبير لا يمنع الاقتداء إن لم يشتبه حال إمامه بسماع من الإمام أو مبلِّغ عنه أو رؤية ولو لأحد المقتدين ولو من باب مشبك يمنع الوصول، ولم يختلف المكان حقيقة كمسجد، وبيت، فإن المسجد مكان واحد، إلا إذا كان المسجد كبيرًا جدًا، وكذا البيت حكمه حكم المسجد في ذلك لاحكم الصحراء.
(١) البدائع:١٤٥/ ١ ومابعدها، الدر المختار ورد المحتار:٥١٤/ ١،٥٤٧ - ٥٤٩.
 
وبه تبين أن الحائل لا يمنع الاقتداء بشرط عدم الاشتباه وعدم اختلاف المكان، ولا يشترط إمكان الوصول إلى الإمام وعدمه.
فالاقتداء بالإمام في أقصى المسجد، والإمام في المحراب، يجوز؛ لأن المسجد على تباعد أطرافه، جعل في الحكم كمكان واحد. ولو قصد المبلِّغ بتكبيرة الإحرام مجرد التبليغ، فتبطل صلاة من يقتدي بتبليغه.
ولو وقف المقتدي على سطح المسجد أو على سطح بناء بجنب المسجد متصل به ليس بينهما طريق، واقتدى بالإمام: فإن كان وقوفه خلف الإمام أو بحذائه، أجزأه؛ لأن أبا هريرة ﵁ وقف على سطح، واقتدى بالإمام، وهو في جوفه، ولأن سطح المسجد تبع للمسجد، وحكم التبع حكم الأصل، فكأنه في جوف المسجد. وهذا إذا كان لا يشتبه عليه حال إمامه، فإن كان يشتبه لا يجوز.
وإن كان وقوفه متقدمًا على الإمام لا يجزئه، لانعدام معنى التبعية.
أما لو اقتدى رجل في داره بإمام المسجد، وكانت داره منفصلة عن المسجد بطريق ونحوه، فلا يصح الاقتداء لاختلاف المكان.
والخلاصة: إن اختلاف المكان يمنع صحة الاقتداء، سواء اشتبه على المأموم حال إمامه أو لم يشتبه، واتحاد المكان في المسجد أو البيت مع وجود حائل فاصل يمنع الاقتداء إن اشتبه حال الإمام. أما وجود فاصل يسع صفين أو أكثر في الصحراء أو في المسجد الكبير جدًا، فيمنع الاقتداء.

وأما الشافعية (١) فقالوا: 
يشترط لصحة القدوة أن يعلم المتقدي بانتقالات إمامه، بأن يراه أو يرى بعض صف، أو يسمعه، ولو من مبلِّغ، وإن لم يكن مصليًا.
(١) مغني المحتاج:٢٤٨/ ١ - ٢٥١، الحضرمية: ص٦٩ومابعدها.
 
أـ فإن كان الإمام والمأموم مجتمعين في مسجد، صح الاقتداء، وإن بعدت المسافة بينهما فيه أكثر من ثلاث مئة ذراع، أو حالت بينهما أبنية كبئر وسطح ومنارة، أو أغلق الباب أثناء الصلاة، فلو صلى شخص في آخر المسجد والإمام في أوله، صح الاقتداء بشرط إمكان المرور بأن لا يوجد بينهما حائل يمنع وصول المأموم إلى الإمام كباب مسمَّر قبل الدخول في الصلاة. ولا فرق في إمكان الوصول إلى الإمام بين أن يكون الشخص مستقبلًا القبلة أو مستدبرًا لها.
ويعد سطح المسجد ورحبته ونحوهما في حكم المسجد.
ب - أما إن كان الإمام والمأموم في غير مسجد، كصحراء: فتصح الصلاة بشرط ألا يكون بينهما، وبين كل صفين، أكثر من ثلاث مئة ذراع تقريبًا (١)، فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع مثلًا، وألا يكون بينهما جدار أو باب مغلق أو مردود أو شباك. ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه، فالثلاث مئة ذراع محسوبة من آخر المسجد. ولا يضر على الصحيح وجود فاصل أو تخلل الشارع، أو النهر الكبير الذي تجري فيه السفن ويسبح فيه السباحون، ولا تخلل البحر بين سفينتين.
وإن كان الإمام والمأموم في بناءين كغرف المدارس، أو العمارتين، صح الاقتداء في أصح الطريقين على النحو التالي: فإن كان بناء المأموم يمينًا أو شمالًا، وجب اتصال صف من أحد البناءين بالآخر، ولا تضر في الأصح فُرجة لا تسع واقفًا. وإن كان بناء المأموم خلف بناء الإمام، فالصحيح صحة القدوة بشرط ألا يكون بين الصفين أكثر من ثلاث مئة ذراع.
وإن صح اقتداء الشخص في بناء آخر، صح اقتداء من خلفه أو بجنبه، وإن حال بينه وبين الإمام جدار.
(١) بذراع الآدمي المعتدل وهو شبران.
 
ولو وقف المقتدي في علو في غير المسجد، كالشرفة في وسط دار مثلًا، وإمامه في سفل، كصحن تلك الدار، أو عكسه أي كان الوقوف عكس الوقوف المذكور، يشترط بالإضافة لشرط اتصال صف من أحدهما بالآخر، محاذاة (موازاة) بعض بدن المأموم بعض بدن الإمام، بأن يحاذي رأس الأسفل قدم الأعلى، مع اعتدال قامة الأسفل.

وأما الحنابلة (١) فلهم تفصيل آخر مستقل قالوا فيه:
  اختلاف مكان الإمام والمأموم يمنع صحة الاقتداء على النحو التالي:
أـ إن كان الإمام والمأموم في المسجد، صح الاقتداء، ولو كان بينهما حائل أو لم ير الإمام، متى سمع تكبيرة الإحرام، ولو لم تتصل الصفوف عرفًا؛ لأن المسجد بني للجماعة، فكل من حصل فيه حصل في محل الجماعة، بخلاف خارج المسجد، فإنه ليس معدًا للاجتماع فيه، فلذلك اشترط الاتصال فيه.
ب - وإن كانا خارج المسجد، فيصح الاقتداء بشرط رؤية الإمام أو مشاهدة من وراء الإمام، ولو في بعض أحوال الصلاة كحال القيام أو الركوع، ولو كان بينهما أكثر من ثلاث مئة ذراع، ولو كانت الرؤية مما لا يمكن النفاذ منه كشباك ونحوه، فإن لم ير المأموم الإمام أو بعض من وراءه، لم يصح اقتداؤه به، ولو سمع التكبير، لقول عائشة لنساء كن يصلين في حجرتها: «لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب»، ولأنه لا يمكن الاقتداء به في الغالب. ودليل اشتراط الرؤية حديث عائشة قالت: «كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص رسول الله ﷺ، فقام أناس يصلون بصلاته، وأصبحوا يتحدثون بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته» (٢) والظاهر أنهم كانوا يرونه في حال قيامه.
(١) كشاف القناع:٥٧٩/ ١ - ٥٨٠، المغني:٢٠٦/ ٢ - ٢٠٩.
(٢) رواه البخاري.
 
ولا يشترط اتصال الصفوف خارج المسجد، لعدم الفارق بين المسجد وخارجه، إذا حصلت الرؤية المعتبرة وأمكن الاقتداء أي المتابعة.
جـ - إن كان بينهما نهر تجري فيه السفن، لم تصح القدوة، كما لا تصح إن كان بينهما طريق، ولم تتصل فيه الصفوف عرفًا، وكان الصلاة مما لا تصح في الطريق كصلاة الجمعة والعيد والاستسقاء والكسوف والجنازة.
فإن اتصلت الصفوف في الطريق، صحت القدوة وصلاة المأموم. أما إن انقطعت الصفوف في الطريق مطلقًا، سواء أكانت تلك الصلاة مما تصح في الطريق أم لا، لم تصح صلاة المأموم؛ لأن الطريق ليست محلًا للصلاة، فصار ذلك كوجود النهر.
ولا تصح أيضًا صلاة من بسفينة وإمامه في أخرى غير مقرونة بها؛ لأن الماء طريق، وليست الصفوف متصلة، إلا في شدة الخوف، فلا يمنع ذلك الاقتداء للحاجة.
ويأتم بالإمام من في أعلى المسجد وغير المسجد إذا اتصلت الصفوف، فالعلو لا يمنع الاقتداء بالإمام.

٥ - متابعة المأموم إمامه:
هذا شرط لصحة القدوة؛ لأن الاقتداء يقتضي التبعية في أفعال الصلاة، وتتحقق التبعية بأن يصير المقتدي مصلِّيًا ما صلاَّه الإمام. لخبر الصحيحين: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا».
وللمذاهب آراء في تحقيق معنى هذا الشرط، الذي لولاه لفسدت صلاة المقتدي، ويتصور تنفيذ المتابعة بإحدى صور ثلاث: المقارنة، بأن يقارن
 
فعل المأموم فعل إمامه، كأن يقارنه في التحريمة أو الركوع ونحوه، والتعقيب: بأن يكون فعل المأموم الفعل عقب فعل إمامه مباشرة، والتراخي في الفعل: بأن يأتي به بعد إتيان الإمام بفعله متراخيًا عنه، ويدركه قبل الدخول في ركن آخر بعده.

قال الحنفية:
المتابعة بإحدى صورها الثلاث المذكورة تكون فرضًا في فروض الصلاة، وواجبة في الواجب، وسنة في السنة. فلو ترك الركوع مع الإمام بأن ركع قبله أو بعده، ولم يشاركه فيه، أو سجد قبل الإمام أو بعده ولم يشاركه في السجود، تلغى الركعة التي لم تتحقق فيها المتابعة، ويجب عليه قضاؤها بعد سلام الإمام وإلا بطلت صلاته. ولو ترك المتابعة في القنوت أثم؛ لأنه ترك واجبًا، ولو ترك المتابعة في تسبيح الركوع مثلًا فقد ترك السنة.
ولا تلزم المتابعة في أمور أربعة:
الأول: إذا زاد الإمام عمدًا في صلاته سجدة.
الثاني: إذا زاد في تكبيرات العيد.
الثالث: إذا زاد في تكبيرات الجنازة، كأن كبر خمسًا.
الرابع: أن يقوم الإمام سهوًا إلى ركعة زائدة عن الفرض بعد القعود الأخير، فإن عاد بعد تنبيه المقتدي له، صحت الصلاة، ووجب سجود السهو، وإن قيّد ركعته الزائدة بسجدة، سلم المقتدي وحده. وإن قام الإمام قبل القعود الأخير وقيد ركعته الزائدة بسجدة، بطلت صلاتهم جميعًا.
وللمقتدي أن يأتي بأمور تسعة ولا يتابع في تركها وهي:
 
رفع اليدين في التحريمة، وقراءة الثناء، وتكبيرات الركوع، وتكبيرات السجود، والتسبيح فيهما، والتسميع، وقراءة التشهد، والسلام، وتكبير التشريق.
ويتابع المقتدي الإمام في ترك أمور خمسة وهي:
تكبيرات العيد، والقعدة الأولى، وسجدة التلاوة، وسجود السهو، والقنوت إذا خاف فوت الركوع، فإن لم يخف ذلك فعليه القنوت.
والمتابعة في تكبيرة الإحرام أفضل، فإن كبر قبل الإمام فلا تصح صلاته، وإن تراخى في التكبير، فقد فاته إدراك وقت فضيلة التحريمة، وإن كبر مع تكبيرة الإمام جاز، فإن فرغ قبله لم يجزه.
وكذلك المتابعة في السلام أفضل: بأن يسلم المأموم مع إمامه، إن أتم تشهده، لا قبله، ولا بعده، فإن سلم قبله بعد أن أتم تشهده صحت صلاته مع الكراهة إن كان بغير عذر، وإن سلم بعده فقد ترك الأفضل.
وإن لم يتم المقتدي تشهده، أتمه، ثم سلم.

وقال المالكية (١):
المتابعة: أن يكون فعل المأموم عقب فعل الإمام، فلا يسبقه ولا يساويه ولا يتأخر عنه. والمتابعة للإمام بهذا المعنى شرط في الإحرام والسلام فقط، بأن يكبر للإحرام بعده، ويسلم بعده. فلو ساواه بطلت صلاته، ويصح أن يبتدئ بعد الإمام ويختم بعده قطعًا أو معه على الصحيح، ولا يصح أن يختم قبله.
(١) الشرح الصغير:٤٥٢/ ١ - ٤٥٤، الشرح الكبير:٣٤٠/ ١ومابعدها، بداية المجتهد:١٤٨/ ١
 
وأما المتابعة في غير الإحرام والسلام، فليست بشرط، فلو ساوى المأموم إمامه في الركوع أو السجود مثلًا، صحت صلاته مع الكراهة، وحرم عليه أن يسبق الإمام في غير الإحرام والسلام من سائر الأركان، لكن إن سبقه لا تبطل به الصلاة إن اشترك مع الإمام.
فإن سبقه في الركوع أو السجود وانتظر الإمام فيه حتى ركع أو سجد صحت صلاته، وأثم إن كان متعمدًا لهذا السبق.
وإن لم ينتظره، بل رفع قبله، بطلت صلاته. وإن رفع ساهيًا، عاد إليه وصحت صلاته.
وإذا تأخر عن إمامه، كأن ركع بعد أن رفع الإمام من الركوع، فإن حصل ذلك في الركعة الأولى عمدًا، بطلت صلاته، لإعراضه عن المأمومية. وإن حصل ذلك سهوًا، ألغى هذه الركعة، وقضاها بعد سلام إمامه.
أما إن رفع قبل إمامه في غير الركعة الأولى، فلا تبطل الصلاة، وأثم إن كان عامدًا.
وإن ترك المأموم القنوت في الصبح، مع إتيان الإمام به، فلا إثم عليه، لأن القنوت مندوب.
ولا يتابع المأموم الإمام في أمور هي:
أن يزيد الإمام في تكبيرات العيد، ولو كانت الزيادة بحسب مذهب الإمام.
وأن يزيد في تكبير الجنازة عن أربع.
وأن يقوم الإمام لركعة زائدة سهوًا، فعلى المأموم أن يجلس، وإن تابعه فيها عمدًا بطلت صلاته.
 
وللمقتدي أن يفعل أمورًا ولو تركها الإمام وهي:
رفع اليدين في تكبيرة الإحرام لأنه مندوب، وتكبيرات الصلاة، لأنها سنة، وتكبيرات التشريق عقب الصلاة، لأنها مندوبة، وسجود السهو عن إمامه بشرط أن يدرك معه ركعة وإلا بطلت صلاته، لأنه سنة، وتكبيرات العيد؛ لأنها سنة.
ويتابع المقتدي إمامه في ترك الجلوس الأول، والعودة له قبل أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه، كما يتابعه في ترك سجود التلاوة إن تركه.
وتبطل الصلاة إن ترك الإمام السلام، ولو أتى به المأموم لأنه ركن لا بد منه لكل مصلٍ.

وقال الشافعية (١):
تجب المتابعة في أفعال الصلاة لا في أقوالها، بأن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن ابتداء فعل الإمام، ويتقدم ابتداء فعل المأموم على فراغ الإمام من الفعل، وتندب المتابعة في الأقوال، لما في الصحيحين: «إنما جعل الإمام ليؤتم به»، فإن قارنه في فعل أو قول، لم يضر أي لم يأثم؛ لأن القدوة منتظمة لا مخالفة فيها، بل هي مكروهة ومفوِّتة لفضيلة الجماعة، لا رتكابه المكروه.
إلا تكبيرة الإحرام، فإن قارن المأموم الإمام فيها، بطلت.
وكذا تبطل الصلاة إن تقدم المأموم على إمامه أو تأخر بركنين فعليين بلا عذر أي أنه يشترط تيقن تأخر جميع تكبيرته للإحرام عن جميع تكبيرة إمامه، وألا يتقدم أو يتأخر عن إمامه بركنين فعليين لغير عذر وألا يتقدم سلامه عن سلام الإمام.
(١) مغني المحتاج:٢٥٥/ ١ ومابعدها، الحضرمية: ص٧١، المهذب:٩٦/ ١.
 
وعلى هذا لا تبطل الصلاة إن قارنه في غير التحرم، أو تقدم عليه بركن فعلي، أو تأخر عنه به، في الأصح، لكن المقارنة في السلام مكروهة فقط، والسلام قبل الإمام مبطل للصلاة، وإن سبق الإمام بركنين فعليين بلا عذر كأن سجد والإمام في القراءة، بطلت الصلاة. ولا يضر السبق بركنين غير فعليين كتشهد وصلاة على النبي ﷺ، ولكن يكره بلا عذر، ولا يضر السبق بركنين أحدهما قولي والآخر فعلي كقراءة الفاتحة والركوع ولكن يحرم الركن الفعلي.
فيحرم على المقتدي تقدمه على الإمام بركن فعلي تام، كأن ركع أو رفع والإمام قائم، لخبر الصحيح: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار» (١).
وإن تخلف المقتدي عن الإمام بعذر كبطء قراءة بلا وسوسة، واشتغال الموافق بدعاء الافتتاح أو ركع إمامه، فشك في الفاتحة، أو تذكر تركها، أو أسرع الإمام قراءته، عذر إلى ثلاثة أركان طويلة، كما بينا في بحث الموافق، فإن زاد، فالأصح يتبعه فيما هو فيه، ثم يتدارك بعد سلام الإمام.

وقال الحنابلة (٢):
المتابعة: ألا يسبق المأموم إمامه بفعل من أفعال الصلاة، أو بتكبيرة الإحرام أو بالسلام، وألا يتخلف عنه بفعل من الأفعال. ويستحب أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد فراغ الإمام مما كان فيه، للحديث السابق: «إنما جعل الإمام ليؤتم به ..».
فإن سبقه بالركوع عمدًا بأن ركع ورفع قبل ركوع الإمام، بطلت صلاته.
(١) متفق عليه.
(٢) كشاف القناع:٥٤٦/ ١ - ٥٤٩.
 
وإن سبقه بركن غير الركوع كالهوي للسجود، أو القيام للركعة التالية، لم تبطل صلاته، ولكن يجب عليه الرجوع ليأتي بما فعله بعد إمامه. أما إن فعل شيئًا من ذلك سهوًا أو جهلًا، فصلاته صحيحة، لكن يجب عليه إعادة ما فعله بعد إمامه.
ويحرم سبق الإمام عمدًا بشيء من أفعال الصلاة، للحديثين السابقين: «إنما جعل الإمام ..» «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه ..» ولا يكره للمأموم سبق الإمام ولا موافقته بغير الإحرام والسلام، كالقراءة والتسبيح والتشهد.
وإن سبقه بركنين عمدًا بطلت صلاته، وإن سبقه سهوًا لم تبطل لكنه يعيد ما أتى به، فإن لم يعده، ألغيت الركعة.
ومقارنة المقتدي لإمامه في أفعال الصلاة مكروهة كالشافعية.
وإن سبقه أو ساواه في تكبيرة الإحرام، بطلت صلاته، عمدًا أو سهوًا.
وإن سبقه في السلام عمدًا بطلت صلاته، وإن كان سهوًا، أتى به بعد سلام إمامه، وإلا بطلت صلاته.
ولو تأخر المقتدي عن إمامه بركن عمدًا: فإن كان الركن ركوعًا، بطلت صلاته، وإن كان غير الركوع أو كان التأخر سهوًا أو جهلًا، وجب عليه الإتيان به، ما لم يخف فوات الركعة التالية، فإن خاف ذلك، تابع الإمام، ولغت الركعة، وعليه الإتيان بها بعد سلام إمامه.
ولو كان التأخر عن الإمام بركنين عمدًا، بطلت صلاته، وإن كان سهوًا وجب عليه الإتيان بهما إذا لم يخف فوات الركعة التالية، وإلا ألغيت الركعة، وأتى بها بعد سلام الإمام.
وإن تخلف المأموم عن إمامه بركن بلا عذر فهو كتفصيل حكم السبق به، وإن
 
تخلف عنه بعذر من نوم أو غفلة ونحوهما، فعله ولحق بإمامه وجوبًا، وإن لم يأت به، لم تصح الركعة، ويأتي بها بعد سلام الإمام.
ولو سبق الإمام المأموم بالقراءة، وركع الإمام، تبعه المأموم وقطع القراءة، لأنها في حقه مستحبة، والمتابعة واجبة، ولا تعارض بين واجب ومستحب. أما التشهد: فإن سبق به الإمام، أتمه المأموم، ثم سلم، لعموم الأوامر بالتشهد.
والخلاصة: إن المقارنة مع تكبيرة الإمام جائزة عند الحنفية والحنابلة، مبطلة للصلاة عند المالكية والشافعية، كما أن السبق بها مبطل اتفاقًا، أما من رفع رأسه قبل الإمام، فقد أساء عند الجمهور (منهم أئمة المذاهب) ولكن صلاته جائزة، وأنه يجب عليه أن يرجع، فيتبع الإمام.

٦ - اشترط الشافعية أيضًا:  الموافقة للإمام في سنة تفحش المخالفة بها، 
فلو ترك الإمام سجدة التلاوة، وسجدها المأموم، أو عكسه، أو ترك الإمام التشهد الأول، وأتى به المأموم، بطلت صلاته إن علم وتعمد.
وإن تشهد الإمام، وقام المأموم عمدًا، لم تبطل صلاته؛ لأنه انتقل إلى فرض آخر، وهو القيام، لكن يندب له العود، خروجًا من خلاف من أوجبه.
فالموافقة في سنة تنحصر في ثلاث سنن: سجدة التلاوة في صبح يوم الجمعة، وسجود السهو، والتشهد الأول. أما القنوت، فلا يجب على المقتدي متابعة إمامه فيه، فعلًا ولا تركًا.
واشترط الشافعية أيضًا: أن يكون الإمام في صلاة لا تجب إعادتها، فلا يصح الاقتداء بفاقد الطهورين؛ لأن صلاته تجب إعادتها.
 
٧ - اشترط الحنفية أيضًا عدم محاذاة المرأة ولو كانت محرمًا في الصف،
 وإلا بطلت صلاة ثلاثة: المحاذي يمينًا وشمالًا ومن خلفها بالشروط الستة الآتية (١) عملًا بما وردت به النصوص:
الأول - أن تكون المرأة المحاذية مشتهاة، بأن كانت بنت سبع سنين وهي ضخمة تصلح للجماع، أو ثمان أو تسع فأكثر، ولا تفسد بالمجنونة لعدم جواز صلاتها.
الثاني - أن تكون الصلاة مطلقة أي كاملة الأركان، وهي التي لها ركوع وسجود، وإن كانا يصليان إيماء، أو لم تتحد صلاتهما كصلاة ظهر بمصلي عصر على الصحيح. وخرج بالمطلقة صلاة الجنازة، فلا تبطل بالمحاذاة للمرأة.
الثالث - أن تكون الصلاة مشتركة بينهما تحريمة وأداء: ومعنى المشتركة تحريمة: أن يكونا بانيين تحريمتهما على تحريمة الإمام. ومعنى المشتركة أداء: أن يكون لهما إمام فيما يؤديانه تحقيقًا أو تقديرًا (٢)، وذلك يشمل المدرك: الذي أدرك أول الصلاة مع الإمام وأدرك جميع الصلاة كاملة مع الإمام، واللاحق: وهو الذي أدرك أول الصلاة، وفاته من آخرها شيء بسبب النوم أو الحدث.
أما المسبوق فلا تفسد صلاته فيما يقضيه أو يتمه مما فاته من صلاته.
وأما المحاذاة في الصلاة بدون اشتراك فمكروه.
الرابع - ألا يكون بينهما حائل: بمقدار ذراع في غلظ إصبع على الأقل، أو فرجة تسع رجلًا.
(١) تبيين الحقائق: ١٣٧/ ١ ومابعدها، فتح القدير:٢٥٧/ ١ ومابعدها، الدر المختار ورد المحتار:٥١٤، و٥٣٥ - ٥٣٧.
(٢) الأداء تحقيقًا أي حال المحاذاة، وتقديرًا: أي فيما يتمه اللاحق، فكأنه خلف الإمام تقديرًا.
 
الخامس - أن تكون المحاذاة في ركن كامل، فلو تحرمت في صف، وركعت في آخر، وسجدت في ثالث، فسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها من كل صلاة.
السادس - أن تتحد الجهة: فإن اختلفت كالصلاة في جوف الكعبة، وصلاة التحري في الليلة المظلمة، فلا تبطل.
وجامع هذه الشروط: أن يقال: محاذاة مشتهاة، منوية الإمامة، في ركن، صلاة مطلقة، مشتركة تحريمة وأداء، مع اتحاد مكان وجهة، دون حائل ولا فرجة.
والمرأة الواحدة: تفسد صلاة ثلاثة: واحد عن يمينها، وآخر عن شمالها، وآخر خلفها إلى آخر الصفوف، ليس غير، لأن من فسدت صلاته يصير حائلًا بينها وبين الذي يليه.
والمرأتان تفسدان صلاة أربعة: وهم اثنان خلفهما إلى آخر الصفوف، واثنان عن يمين وشمال. والثلاث في الصحيح يفسدن صلاة واحد عن يمينهن، وآخر عن شمالهن، وثلاثة ثلاثة إلى آخر الصفوف.
ومحاذاة الأمرد الصبيح المشتهى، لا يفسد الصلاة على المذهب؛ لأن الفساد في المرأة غير معلل بالشهوة، بل بترك فرض المقام.

وقال الجمهور غير الحنفية (١):
إن وقفت المرأة في صف الرجال، لم تبطل صلاة من يليها ولاصلاة من خلفها، فلا يمنع وجود صف تام من النساء اقتداء من خلفهن من الرجال، ولا
(١) الشرح الصغير:٤٥٨/ ١، المهذب:١٠٠/ ١، كشاف القناع:٥٧٥/ ١، المغني:٢١٥/ ١،٢٤٣، القوانين الفقهية: ص٦٩.
 
تبطل صلاة من أمامها، ولا صلاتها، كما لو وقفت في غير صلاة، والأمر بتأخير المرأة «أخروهن من حيث أخرهن الله» (١) لا يقتضي الفساد مع عدمه؛ لأن ترتيب الصفوف سنة نبوية فقط، والمخالفة من الرجال أو النساء لا تبطل الصلاة، بدليل أن ابن عباس وقف على يسار النبي ﷺ، فلم تبطل صلاته، وأحرم أبو بكرة خلف الصف وركع ثم مشى إلى الصف، فقال له النبي ﷺ: «زادك الله حرصًا ولا تَعُد».
واشترط الحنفية أيضًا لصحة الاقتداء: ألا يفصل بين الإمام والمأموم صف من النساء، فإن كن ثلاثًا فسدت صلاة ثلاثة من الرجال إلى آخر الصفوف، وإن كن اثنتين فسدت صلاة اثنين من الرجال خلفهما إلى آخر الصفوف، وإن كانت واحدة، فسدت صلاة محاذيها يمينًا وشمالًا، ومن كان خلفها أي صلاة رجل واحد إلى آخر الصفوف.
وقال غير الحنفية: يكره أن يصلي وأمامه امرأة أخرى تصلي لحديث: «أخروهن من حيث أخرهن الله» أما في غير الصلاة فلايكره، لخبر عائشة، وروى أبو حفص عن أم سلمة، قالت: «كان فراشي حيال مصلى النبي ﷺ».
وذكر الحنفية شرطًا آخر لصحة الاقتداء وهو كما قدمنا شرط في الإمام: وهو صحة صلاة الإمام، فلو تبين فسادها فسقًا من الإمام، أو نسيانًا لمضي مدة المسح على الخف، أو لوجود الحدث أو غير ذلك، لم تصح صلاة المقتدي، لعدم صحة البناء على صلاة الإمام.
كذلك لا يصح الاقتداء إن كانت الصلاة صحيحة في زعم الإمام، فاسدة في
(١) قال عنه الزيلعي: حديث غريب مرفوعًا، وهو في مصنف عبد الرزاق موقوف على ابن مسعود من طريق عبد الرزاق، رواه الطبراني في معجمه (نصب الراية:٣٦/ ٢).
 
زعم المقتدي، لبنائه على الفاسد في زعمه، فلا يصح. أما لو فسدت الصلاة في زعم الإمام وهو لا يعلم به، وعلمه المقتدي، صحت الصلاة في قول الأكثر، وهو الأصح؛ لأن المقتدي يرى جواز صلاة إمامه، والمعتبر في حقه رأي نفسه (١).

٨ - اشترط الحنابلة (٢) 
أن يقف المأموم إن كان واحدًا عن يمين الإمام، فإن خالف ووقف عن يساره أو خلفه مع خلو يمينه، وصلى ركعة كاملة، بطلت صلاته إن كان ذكرًا أو خنثى، لأن النبي ﷺ أدار ابن عباس وجابرًا إلى اليمين وهو في الصلاة. فإن كان امرأة، فلا تبطل صلاتها بالوقوف خلف الإمام؛ لأنه موقفها المشروع.
وإذا وقف المأموم عن يسار الإمام، أحرم أو لا، سُنَّ للإمام أن يديره من ورائه إلى يمينه، ولم تبطل تحريمته، لفعله ﷺ السابق بابن عباس وجابر.

ثانيًا: موقف الإمام والمأموم:
  للصلاة جماعةً كيفية منظمة على نحو مرتب معين ثابت في السنة النبوية، بحيث يتقدم الإمام، ويقف المأمومون خلفه رجالًا كانوا أو نساء؛ لفعله ﷺ: «كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه» (٣) ويتقدم الإمام إلا إمام العراة، فيقف وجوبًا وسطهم عند الحنابلة وندبًا عند غيرهم، وإلا إمامة النساء فيستحب للمرأة أن تقف وسطهن، لما روي عن عائشة، ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة أنهما أمتا نساء وسطهن (٤)، ولأنه يستحب لها التستر، وهذا أستر للمرأة الإمام.
(١) رد المحتار:٥١٤/ ١.
(٢) كشاف القناع:٥٧٣/ ١.
(٣) رواه أحمد وأبو داود عن أبي مالك الأشعري (نصب الراية:٣٦/ ٢، نيل الأوطار:١٨٢/ ٣).
(٤) رواهما الشافعي في مسنده والبيهقي في سننه بإسنادين حسنين.
 
وكيفية وقوف المأمومين على النحو التالي (١):
أـ إذا كان مع الإمام رجل واحد أو صبي مميز، استحب أن يقف عن يمين الإمام، مع تأخره قليلًا بعقبه. وتكره عند الجمهور مساواته له، أو الوقوف عن يساره أو خلفه لمخالفته السنة، وتصح الصلاة ولا تبطل. وقال الحنابلة كما بينا: تبطل الصلاة إن صلى على هذا النحو المخالف ركعة كاملة.
ودليل هذه الكيفية ما روى ابن عباس ﵄ قال: «بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله ﷺ يصلي، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه» (٢).
ب - إن كان رجل وامرأة، قام الرجل عن يمين الإمام، والمرأة خلف الرجل. وقال الحنابلة: إن أم الرجل خنثى مشكلًا وحده، فالصحيح أن يقف عن يمين الإمام احتياطًا لاحتمال أن يكون رجلًا. فإن كان مع الخنثى رجل، وقف الرجل عن يمين الإمام، والخنثى عن يساره، أو عن يمين الرجل، ولا يقفان خلفه، لجواز أن يكون امرأة، وإن كان رجلًا وخنثى وقف الثلاثة صفًا خلف الإمام.
جـ - إن كان رجلان أو رجل وصبي، صفَّا خلف الإمام، وكذا إن كان امرأة أو نسوة، تقوم أو يقمن خلفه بحيث لا يزيد ما بينه وبين المقتدين عن ثلاثة أذرع، لخبر مسلم عن جابر قال: «صليت خلف رسول الله ﷺ، فقمت عن يمينه، ثم جاء جابر ابن صخر، فقام عن يساره، فأخذ بأيدينا جميعًا حتى أقامنا خلفه» (٣).
(١) الدر المختار:٥٢٩/ ١ - ٥٣٤، فتح القدير:٢٥٤/ ١، الكتاب بشرح اللباب:٨٢/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير:٤٥٧/ ١ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص٦٩، المهذب:٩٩/ ١ ومابعدها، المجموع١٨٦ومابعدها، مغني المحتاج:٢٤٦/ ١ ومابعدها، كشاف القناع:٥٧١/ ١ - ٥٧٩، المغني:٢٠٤/ ٢، ٢١٢ - ٢١٩، بداية المجتهد:١٤٣/ ١.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
(٣) رواه مسلم، وأبو داود ولفظ الأخير: «أن جابرًا وجبارًا ...».
 
أما الرجل والصبي والمرأة والنسوة، فلما في الصحيحين عن أنس: «أنه ﵊ صلى في بيت أم سليم، فقمت أنا ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا» (١)، فلو حدثت مخالفة لما ذكر كره.
وقال الحنابلة في الصبي والرجل: يقف الرجل عن يمين الإمام والصبي يقف عن يمينه أو يساره، لا خلفه. وقال الحنفية في هذا: لا تكره المساواة مع الإمام.
د - إذا اجتمع رجال وصبيان وخناثى وإناث: صف الرجال ثم الصبيان، ثم الخناثى ولو منفردة، ثم النساء، لقوله ﷺ: «ليلني منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإياكم وهيشات الأسواق» (٢)، وعلى هذا: السنة أن يتقدم في الصف الأول أولو الفضل والسن، ويلي الإمام أكملهم، ويؤخر الصبيان والغلمان، ولا يلون الإمام. والزائد يقف خلف الصف، ولو قام واحد بجنب الإمام، وخلفه صف، كره إجماعًا.
هـ - يقف الإمام وسط القوم في الصف، لقوله ﷺ: «وسطوا الإمام وسدّوا الخلل» (٣)، والسنة أن يقوم في المحراب ليعتدل الطرفان لأن المحاريب نصبت وسط المساجد، وقد عينت لمقام الإمام فإن وقف عن يمينهم أو يسارهم، فقد أساء بمخالفة السنة، والإساءة عند الحنفية دون كراهة التحريم، وأفحش من كراهة التنزيه (٤). قال أبو حنيفة وقوله هو الأصح: أكره أن يقوم الإمام بين الساريتين، أو في زاويةأو في ناحية المسجد، أو إلى سارية؛ لأنه خلاف عمل الأمة.
(١) نيل الأوطار:١٨٢/ ٣، وروى الجماعة عن أنس: أنه قام مع اليتيم خلف النبي، وقامت العجوز من ورائهما (المصدر نفسه).
(٢) روي من حديث ابن مسعود، والبراء بن عازب، فأما الأول فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وأما الثاني فرواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وأما الثالث فرواه الحاكم في المستدرك (نصب الراية:٣٧/ ٢).
(٣) رواه أبو داود.
(٤) رد المحتار:٥٣٠/ ١ ومابعدها. وتقدم الإمام عند الحنفية أمام الصف: واجب.
 
فضل الصف الأول: 
المستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول (١)، لما روى أبو هريرة ﵁، أن النبي ﷺ قال: «لو يعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة» (٢) وروى البراء ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول» (٣)، ولقوله ﷺ: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» (٤) وهذا التصريح بأفضلية الصف الأول للرجال وأنه خيرها لما فيه من إحراز الفضيلة، وكون شرها آخرها لما فيه من ترك الفضيلة الحاصلة بالتقدم إلى الصف الأول. وكون خيرها آخرها للنساء للبعد عن مخالطة الرجال.
والمستحب أن يعتمدوا يمين الإمام، لما روى البراء قال: «كان يعجبنا عن يمين رسول الله ﷺ؛ لأنه كان يبدأ بمن عن يمينه، فيسلم عليه» (٥).
فإن وجد في الصف الأول فرجة استحب أن يسدها، لما روى أنس ﵁ قال: «قال رسول الله ﷺ: أتموا الصف الأول، فإن كان نقص ففي المؤخر» (٦).
وـ محاذاة المرأة الرجل في الصلاة: يرى الحنفية أنه إذا صلت امرأة في صف
(١) القوانين الفقهية: ص٦٩، بداية المجتهد:١٤٤/ ١، المجموع:١٩٥/ ٤، الدر المختار:٥٣٢/ ١.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
(٣) حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(٤) رواه الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة (نيل الأوطار:١٨٣/ ٣).
(٥) رواه مسلم، ولفظه: «كنا إذا صلينا خلف رسول الله ﷺ أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه».
(٦) رواه أبو داود بإسناد حسن.
 
الرجال أو رجل في صف النساء، فسدت صلاة من حاذته المرأة من الرجال، ولا تفسد صلاة المرأة. وذهب الجمهور إلى كراهة ذلك، وقالوا:
لا تفسد صلاة أحد من الرجال ولامن النساء (١).

ثالثًا - أمر الإمام بتسوية الصفوف وسد الثغرات: 
يستحب للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف، وسد الخلل (الثغرات) (٢)، وتسوية المناكب (٣)، لحديث أَنس: «اعتدلوا في صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري، قال أنس: فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه» (٤) ويقول الإمام: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» لحديث أبي هريرة قال: «كان رسول الله ﷺ يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية، يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (٥).

رابعًا - صلاة المنفرد عن الصف: 
اختلف الفقهاء في صحة الصلاة خلف الصفوف منفردًا على رأيين (٦): فقال الجمهور غير الحنابلة: إذا صلى إنسان خلف الصف وحده، فصلاته تجزئ، بدليل
(١) الهداية٥٧/ ٢، المهذب: ١٠٠/ ١، المغني:٣٧/ ٢.
(٢) الخلل: انفراج ما بين الشيئين.
(٣) المجموع:١٢٤/ ٤ ومابعدها، بداية المجتهد:١٤٤/ ١.
(٤) رواه البخاري ومسلم (نيل الأوطار:١٨٧/ ٣) وروى الجماعة إلا البخاري عن النعمان بن بشير: «عباد الله، لتسوُّن بين صفوفكم أو ليخالفَنَّ الله بين وجوهكم» (المصدر نفسه).
(٥) رواه مسلم عن أبي هريرة، ورواه عبد الرزاق عن جابر بن عبد الله، ورواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر.
(٦) البدائع:١٤٦/ ١، بداية المجتهد:١٤٤/ ١، المجموع:١٩٢/ ٤، الحضرمية: ص٦٨، المغني ٢١١/ ٢ ومابعدها،٢٣٤، القوانين الفقهية: ص٦٩.
 
حديث أنس المتقدم المتضمن قيام العجوز وحدها خلف الصف، وحديث أبي بكرة: «أنه انتهى إلى النبي ﷺ وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي ﷺ، فقال:
زادك الله حرصًا، ولا تعُد» (١) وحديث ابن عباس قال: «أتيت النبي ﷺ من آخر الليل، فصليت خلفه، فأخذ بيدي، فجرَّني حتى جعلني حِذَاءه» (٢).
إلا أن الشافعية والحنفية قالوا: الصلاة صحيحة مع الكراهة، وقال الشافعية: فإن لم يجد المصلي سعة أحرم، ثم جرَّ واحدًا من الصف إليه، ليصطف معه، خروجًا من الخلاف، وحملوا الحديثين الآتيين الواردين بالإعادة على الاستحباب جمعًا بين الأدلة، وقوله ﷺ: «لا صلاة للذي خلف الصف» أي لا صلاة كاملة، كقوله ﷺ «لا صلاة بحضرة طعام» وهذا أولى الآراء، لقوة دليله. لكن ذكر الحنفية: أنه لو انفرد ثم مشى ليلحق بالصف، فإن مشى في صلاته مقدار صف واحد لا تفسد، وإن مشى أكثر من ذلك فسدت. ولم يوافق المالكية الشافعية فقالوا: من لم يجد مدخلًا في الصف، صلى وراءه، ولم يجذب إليه رجلًا.
وقال الحنابلة: صلاة المنفرد إذا صلى ركعة كاملة خلف الصف وحده فاسدة غير مجزئة، وتجب إعادتها، بدليل حديث وابصة بن معبد: «أن النبي ﷺ رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد صلاته» (٣) وحديث علي بن شيبان: «أن رسول الله ﷺ رأى رجلًا يصلي خلف الصف، فوقف، حتى انصرف الرجل، فقال له: استقبل صلاتك، فلا صلاة لمنفرد خلف الصف» (٤).
(١) رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي (نيل الأوطار:١٨٤/ ٣).
(٢) رواه أحمد (المصدر السابق نفسه).
(٣) رواه االخمسة إلا النسائي (نيل الأوطار:١٨٤/ ٣).
(٤) رواه أحمد وابن ماجه (المصدر السابق).
 
المطلب الخامس ـ الاستخلاف في الصلاة:
 
الاستخلاف:
  إنابة الإمام غيره من المقتدين إذا كان صالحًا للإمامة، لإتمام الصلاة بدل الإمام لعذر قام به. فيصير الثاني إمامًا، ويخرج الأول عن الإمامة، ويصبح في حكم المقتدي بالثاني.

وطريقته: 
 أن يأخذ الإمام بثوب المقتدي ولو مسبوقًا، ويجره إلى المحراب، لكن استخلاف المدرك أولى. ويتأخر الإمام محدود بًا واضعًا يده على أنفه، موهمًا أنه قد رعف قهرًا. ويتم الاستخلاف بالإشارة لا بالكلام، ويشير بأصبعه لعدد الركعات الباقية. ويضع يده على ركبته لترك ركوع، وعلى جبهته لترك سجود، وعلى فمه لقراءة.

وسببه: 
طروء عذر للإمام من حدث أو مرض شديد أو عجز عن القراءة الواجبة كالفاتحة ونحو ذلك.

وفي أحكامه وأسبابه وشروطه تفصيل بين المذاهب:
 
فقال الحنفية (١):
الاستخلاف جائز، بدليل حديث عائشة أن النبي ﷺ قال: «من أصابه قيء أو رعاف، أو قَلَس (٢)، أو مذي، فلينصرف، فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم» (٣) وذكره الكاساني في البدائع عن أبي هريرة بلفظ لم أجده: «إذا صلى أحدكم، فقاء أو رعف في صلاته، فليضع يده على فمه، وليقدم
(١) البدائع:٢٢٠/ ١ - ٢٣٣، الدر المختار:٥٦٠/ ١ - ٥٧٤، فتح القدير:٢٦٧/ ١ - ٢٧٦، تبيين الحقائق:١٤٧/ ١ ومابعدها، الكتاب مع اللباب:٨٦/ ١.
(٢) القلس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه، وليس بقيء، فإن عاد فهو القيء.
(٣) أخرجه ابن ماجه والدارقطني، والصحيح أنه مرسل، وفيه ضعيف (نصب الراية:٦١/ ٢، نيل الأوطار:١٨٧/ ١) وروي في معناه عن ابن عباس عند الدارقطني وغيره وفيه متروك، وعن أبي سعيد عند الدارقطني وفيه متروك أيضًا (نيل الأوطار:١٨٨/ ١).
 
من لم يسبق بشيء من صلاته، ولينصرف وليتوضأ، وليبن على صلاته، ما لم يتكلم».
والأصح من ذلك: حديث عائشة في استخلاف النبي ﷺ أبا بكر ﵁: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، ثم تأخر أبي بكر، وصلاة النبي ﷺ بالناس، وافتتاحه القراءة من الموضع الذي انتهى إليه أبو بكر (١).
وعن عمر ﵁ أنه سبقه الحدث فتأخروقدم رجلًا. وعن عثمان ﵁ مثله، ولأن بالناس حاجة إلى إتمام صلاتهم بالإمام، وقد التزم الإمام بذلك، فإذا عجز عن الوفاء بما التزم بنفسه، استعان بمن يقدر عليه، رعاية لمصلحة المأمومين، كيلا تبطل صلاتهم بالمنازعة.
وبناء عليه: إن سبق الإمام الحدث، انصرف، فإن كان إمامًا استخلف وتوضأ وبنى على صلاته، واستئناف الصلاة في حق جميع المصلين أفضل، خروجًا من الخلاف لمن منعه. ويتعين الاستئناف إن لم يكن قعد قدر التشهد الأخير بسبب الجنون أو الحدث عمدًا أو الاحتلام بنوم أو تفكير أو نظر أو مس بشهوة، أو إغماء أو قهقهة، لأنه يندر وجود هذه العوارض، فلم يكن في معنى ما ورد به النص، ويستأنف الوضوء والصلاة.
وسبب الاستخلاف: إما سبق حدث اضطراري، لا اختيار للإمام فيه ولا في سببه ومنه الحدث من نحو عطاس، أو عجز عن قراءة قدر المفروض في رأي أبي حنيفة، لحديث أبي بكر الصديق ﵁، فإنه لما أحس بالنبي ﷺ حَصِر عن القراءة، فتأخر، وتقدم النبي ﷺ وأتم الصلاة.
(١) رواه البخاري ومسلم.
 
ولا يستخلف بسبب حصر بول أو غائط، أو بسبب عجز عن الركوع السجود، لأن له أن يتم قاعدًا، أو بسبب خوف أو نسيان قراءة أصلًا؛ لأنه صار أميًا، فتفسد صلاة القوم، أو بسبب إصابة نجاسة من غيره كبول كثير من غير سبق حدثه، أو كشف عورته في صلاته بقدر ركن؛ لأن صلاته حينئذ تفسد، ويفسد معها صلاة المأمومين.
ويشترط لصحة الاستخلاف عند الحنفية شروط ثلاثة:
أولها - توافر شروط البناء على الصلاة السابقة؛ لأن الاستخلاف في الحقيقة بناء من الخليفة على ما صلاه الإمام، وهي ثلاثة عشر شرطًا:
كون الحدث قهريًا، من بدنه لا من نجاسة غيره، وكونه غير موجب للغسل كإنزال بتفكر، وغير نادر كالإغماء والجنون والقهقهة، وألا يؤدي ركنًا مع الحدث، أو يمشي، ولم يفعل منافيًا عمدًا كأن يحدث باختياره، ولا ما لا حاجة له به كالذهاب لماء بعيد مع وجود القريب، وألا يتراخى قدر ركن بغير عذر كزحمة، وألا يتبين أنه كان محدثًا سابقًا قبل الدخول في الصلاة، وألا يتذكر فائتة إن كان صاحب ترتيب مطلوب منه (بأن خرج وقت الصلاة السادسة بعد الفائتة) لأنه تفسد الصلاة الوقتية التي يصليها بذلك السبب، وألا يُتم المؤتم في غير مكانه، فمن سبقه الحدث إمامًا أو مأمومًا وجب عليه أن يعود بعد الوضوء ليصلي مع الإمام إذا لم يكن قد فرغ إمامه من صلاته، فلو أتم في مكانه فسدت صلاته، أما المنفرد فله أن يتم في مكانه أوغيره، وألا يستخلف الإمام غير صالح للإمامة كصبي وامرأة وأمي، فإذا استخلف أحدهم فسدت صلاته وصلاة القوم.
ثانيها - ألا يخرج الإمام من المسجد أو المصلى العام في الصحراء، أو الدار التي كان يصلي فيها قبل الاستخلاف، لأنه على إمامته ما لم يجاوز هذا الحد، فإن
 
خرج بطلت الصلاة، أي صلاة القوم والخليفة دون الإمام في الأصح، ما لم يتقدم أحد المصلين بنفسه ناويًا الإمامة.
ثالثها - ألا يجاوز الصفوف قبل الاستخلاف إن ذهب يمنة أو يسرة، وألا يجاوز السترة قدامه، أو موضع السجود إن لم تكن له سترة على المعتمد، إن كان يصلي في الصحراء.
وإذا لم يحصل استخلاف، وأتم القوم الصلاة فرادى، بطلت صلاة الجميع.
ولو استخلف الإمام مسبوقًا أو لاحقًا أو مقيمًا وهو مسافر، صح لكن المدرك أولى. فلو أتم المسبوق صلاة الإمام قدم غيره مدركًا ليقوم بالسلام أي ليسلم بالقوم. ولو كان الخليفة مسبوقًا بركعتين، فرضت عليه القعدتان؛ لأن القعدة الأولى فرض على إمامه، وهو قائم مقامه، والثانية فرض عليه.
ولو جهل الخليفة المقدار الباقي من الصلاة، قعد في كل ركعة احتياطًا، للاحتمال في كل ركعة أنها آخر صلاة الإمام.

وقال المالكية (١):
الاستخلاف: هو استنابة الإمام غيره من المأمومين لتكميل الصلاة بهم لعذر قام به. وحكمه: الندب في غير الجمعة، والوجوب فيها.
وطريقته: أن يستخلف بالإشارة أو بالكلام واحدًا من الجماعة ليتم الصلاة بالقوم. وندب استخلاف الأقرب للإمام من الصف الذي يليه، لأنه أدرى بأفعاله ولتيسر تقدمه، فيقتدون به. وندب تقدم المستخلف إلى موضع الإمام الأصلي إن
(١) الشرح الصغير:٤٦٥/ ١ - ٤٧٢، الشرح الكبير:٣٤٩/ ١ - ٣٥٨، القوانين الفقهية: ص٦٩ومابعدها.
 
قرب كالصفين، وندب ترك كلام في حالة الحدث وتذكره، ورعاف يقطع الصلاة. ويندب للإمام إذا خرج من الصلاة أن يمسك بأنفه، موهمًا أنه راعف سترًا على نفسه.
وشرطه: أن يكون الخليفة قد دخل في الصلاة قبل طروء العذر. فإن لم يستخلف، قدم الجماعة واحدًا منهم، فإن لم يقدموا تقدم واحد منهم، فإن لم يفعلوا صلوا فرادى، وصحت صلاتهم إلا في الجمعة. أما الجمعة فتبطل إن أتموها فرادى لاشتراط الجماعة فيها.
ويبدأ الخليفة من حيث وقف الإمام الأول.
وأعذار أو أسباب الاستخلاف ثلاثة:
الأول - الخوف على مال للإمام أو لغيره، أو على نفس من التلف لو استمر في صلاته. فإذا خاف الإمام سرقة أوغصبًا، أو خاف على صبي الوقوع في بئر أو نار، فيهلك أو يحصل له شدة أذى، وجب عليه قطع الصلاة لحفظ المال، وإنقاذ النفس من الهلاك.
الثاني - أن يطرأ على الإمام ما يمنعه من الإمامة، كالعجز عن ركن كالقيام أو الركوع، أو قراءة الفاتحة، أو حصول رعاف مانع للإمامة وهو ماكان دون درهم، أما رعاف القطع أي قطع الصلاة فهو من موانع الصلاة بأن زاد عن درهم وسال ولطخ المكان أو خاف تلويث المسجد، فيندب فيه للإمام الاستخلاف وإن وجب عليه قطع الصلاة، ولا تبطل الصلاة بسببه على المأمومين على المعتمد، ومثله سقوط النجاسة على الإمام أو تذكره لها فيها على المعتمد.
الثالث - أن يطرأ على الإمام ما يبطل الصلاة: كأن يسبقه الحدث من بول أو
 
ريح أو غيرهما، وهو يصلي، أو يتذكر أنه كان محدثًا قبل الصلاة، أو غلبت عليه القهقهة أو طرأ عليه جنون أو إغماء أو موت، أو رعف رعافًا تبطل به الصلاة على المشهور، أو طرأ عليه شك هل دخل الصلاة بوضوء أو لا، أو تحقق الطهارة والحدث وشك في السابق منهما، أما إن شك هل انتقض وضوءه فلا يقطع الصلاة ويستمر فيها، ثم إن بان الطهر لم يعد الصلاة، وإلا أعاد الإمام فقط.
وينتظر المسبوق سلام المستخلف، فإن لم ينتظره بطلت صلاته، وإن كان المستخلف مسبوقًا، أشار لهم جميعًا بأن يجلسوا، وقام لقضاء ما عليه.
وإن جهل الخليفة المسبوق ما صلى الأول، أشار لهم، فأفهموه بالإشارة أوالكلام إن لم يفهم الإشارة. وإن قيل للخليفة: أسقطت ركوعًا مثلًا، عمل بذلك إن لم يعلم خلافه.
وعلى الخليفة أن يراعي نظم صلاة الإمام، ويندب أن يقرأ من انتهاء قراءة الإمام إن علم بانتهاء قراءته، وإلا ابتدأ القراءة وجلس في محل الجلوس، وهكذا بحسب كون الصلاة سرية أو جهرية.

وقال الشافعية (١):
يجوز الاستخلاف في المذهب الجديد، فإذا خرج الإمام من صلاة الجمعة أو غيرها بحدث تعمده أو سبقه أو نسيه، أو غيره كرعاف وتعاطي فعل مبطل للصلاة، أو بلا سبب، جاز الاستخلاف في الأظهر الجديد، لأنها صلاة بإمامين، وهي جائزة، وصح «أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان يصلي بالناس، فجاء رسول الله ﷺ، فجلس إلى جنبه، فاقتدى به أبو بكر، والناس» (٢)، وقد استخلف عمر ﵁ حين طعن (٣).
(١) المجموع:١٣٩/ ٤ - ١٤٦، مغني المحتاج:٢٩٧/ ١ ومابعدها، المهذب:٩٦/ ١ ومابعدها،١١٧.
(٢) رواه الشيخان، كما بينا.
(٣) رواه البيهقي.
 
والاستخلاف مندوب للإمام، ولو تقدم واحد بنفسه جاز، واستخلاف المصلين أولى من استخلاف الإمام، لأن الحق في ذلك لهم، إلا في الركعة الأولى من الجمعة، فإنه واجب عليهم أن يستخلفوا واحدًا منهم لتدرك بها الجمعة، دون الركعة الثانية، فلا يلزم الاستخلاف، لإدراكهم مع الإمام ركعة كالمسبوق، فيتمونها فرادى جمعة.
ويشترط لصحة الاستخلاف في الجمعة شرطان:
أحدهما - أن يستخلف الإمام للجمعة مقتديًا به قبل حدثه، فلا يصح استخلاف من لم يكن مقتديًا بالإمام. ولا يشترط كون المقتدي حضر الخطبة لا الركعة الأولى في الأصح فيهما.
والثاني - أن يستخلف عن قرب، بألا يمضي زمن قبل الاستخلاف يسع ركنًا قصيرًا من أركان الصلاة.
فإن كان الخليفة قد أدرك الركعة الأولى من الجمعة مع الإمام، تمت الجمعة مطلقًا للخليفة والمأمومين. وإن لم يدرك الركعة الأولى تمت الجمعة للمقتدين دونه في الأصح فيهما. ولا يلزم المقتدين في الجمعة وغيرها استئناف نية القدوة في الأصح.
أما في غير الجمعة فلا يشترط شيء لصحة الاستخلاف، بل يجوز أن يستخلف غير مقتد، وأن يستخلف بعد طول الفصل، لكن يحتاج المقتدون لنية الاقتداء بالقلب إن كان الخليفة غير مقتد قبل الاستخلاف، وكانت صلاته مخالفة لصلاة الإمام، كأن كان في الركعة الأولى مثلًا، والإمام في الثانية. كما يحتاجون لنية القدوة إذا طال الفصل بأن مضى زمن يسع ركنًا فأكثر.
 
وعلى الخليفة أن يراعي نظم صلاة الإمام وجوبًا في الواجب وندبًا في المندوب. وعلى المسبوق أيضًا أن يراعي نظم صلاة الإمام، فإذا صلى ركعة تشهد، وأشار إليهم ليفارقوه أو ينتظروا.
وإذا لم يستخلف أحد في غير الجمعة نوى المقتدون المفارقة، وأتموا صلاتهم فرادى، وصحت. أما الجمعة فلهم نية المفارقة إذا أدركوا الركعة الأولى جماعة، وأتموا فرادى في الثانية إذا بقي العدد أربعين إلى آخر الصلاة.

وقال الحنابلة (١):
يجوز الاستخلاف لعذر كخوف ومرض شديد، وعجز عن ركن قولي كالفاتحة أو واجب قولي كتسبيحات الركوع والسجود.
ولا يجوز الاستخلاف لسبق الحدث للإمام، لأن صلاته تبطل به، ويلزمه استئنافها، خلافًا لبقية الأئمة، ودليلهم حديث علي بن طلق: «إذا فسا أحدكم في صلاته، فلينصرف، فليتوضأ، وليعد الصلاة» (٢) ورأي الجمهور أصح بدليل استخلاف عمر لعبد الرحمن بن عوف لما طعن.
والمستخلف ولو كان من غير المقتدين كما قال الشافعية يبني على ما مضى من صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة، ويقضي من سبق ببعض الصلاة بعد فراغ صلاة المأمومين. فإذا كان مسبوقًا استخلف قبل السلام من يسلم بهم، وقام لقضاء ما سبقه به الإمام، فإن لم يستخلف كان للمصلي الخيار بين أن يسلموا لأنفسهم، أو ينتظروه جالسين حتى يقضي ما فاته، ويسلم بهم.
(١) المغني:١٠٢/ ٢ - ١٠٥، كشاف القناع:٣٧٤/ ١ - ٣٧٧.
(٢) رواه أبو داود بإسناد جيد.
 
وإذا لم يستخلف الإمام، جاز للقوم أن يستخلفوا بدله، ليتم بهم الصلاة، كما جاز لهم أن يتموها فرادى.
وإن قدمت كل طائفة من المأمومين لهم إمامًا يصلي بهم، جاز عندهم كالشافعية. وقال الحنفية: تفسد صلاتهم كلهم.
ويبني الخليفة الذي كان مع الإمام في الصلاة على فعل: أي ترتيب الإمام؛ لأنه نائبه، حتى في القراءة يأخذ من حيث بلغ الإمام؛ لأن قراءة الإمام قراءة له. أما الخليفة الذي لم يكن مع الإمام في الصلاة، فإنه يبتدئ الفاتحة، ولا يبني على قراءة الإمام؛ لأنه لم يأت بفرض القراءة، ولم يوجد ما يسقطه عنه؛ لأنه لم يصر مأمومًا بحال، لكن يسرّ ما كان قرأه الإمام من الفاتحة، ثم يجهر بما بقي من القراءة ليحصل البناء على فعل الإمام.
فإن لم يعلم الخليفة المسبوق، أو الذي لم يدخل مع الإمام في الصلاة، ماصلى الإمام الأول، بنى الخليفة على اليقين، كالمصلي يشك في عدد الركعات. فإن سبَّح له المأموم للتنبيه، رجع إليه، ليبني على ترتيب الأول.
والخلاصة: إن أكثر المذاهب سعة في قضية الاستخلاف هو مذهب الشافعية إذ إنهم أجازوه لغير سبب، وبالكلام من الإمام، ثم المالكية، ثم الحنفية، ثم الحنابلة.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية