الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

المبحث الرابع ـ صلاة العيدين والكسوفين والإستسقاء والخوف عند المذاهب الأربعة

المبحث الرابع ـ صلاة العيدين والكسوفين والإستسقاء والخوف عند المذاهب الأربعة

 اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات

  1. المبحث الرابع ـ صلاة العيدين
  2. سبب التسمية
  3. مضمون البحث
  4. أولا ـ أدلة مشروعية صلاة العيد
  5. ثانيا ـ حكمها الفقهي
  6. شرائط وجوبها وجوازها
  7. خروج النساء إلى صلاة العيد
  8. ثالثا ـ وقتها
  9. تعجيل الصلاة وتأخيرها
  10. هل تقضى صلاة العيد وهل تصلى منفردا؟
  11. المدرك عند الشافعية والحنابلة
  12. صلاتها في اليوم الثاني إذا تأخر إثبات العيد لما بعد الزوال
  13. رابعا ـ موضع أداء صلاة العيد
  14. خامسا ـ كيفية صلاة العيد أو صفتها
  15. كيفيتها في المذاهب
  16. الحنفية
  17. المالكية
  18. الشافعية
  19. الحنابلة
  20. سادسا ـ خطبة العيد
  21. تختلف خطبة العيد عن خطبة الجمعة في أمور
  22. سابعا ـ حكم التكبير في العيدين
  23. صيغة التكبير
  24. التكبير في إدبار الصلوات أيام الحج في عيد الأضحى
  25. قال الحنفية
  26. مدته
  27. قال المالكية
  28. قال الشافعية في الأظهر
  29. قال الحنابلة
  30. ثامنا ـ سنن العيد أو مستحباته أو وظائفه
  31. تاسعا ـ التنفل قبل العيد وبعده
  32. الحنفية
  33. المالكية في المشهور
  34. الحنابلة
  35. الشافعية
  36. عاشرا ـ كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة عيد الفطر والأضحى وكيفية خطبته
  37. حادي عشر - صلاة الجمعة في يوم العيد
  38. المبحث الخامس ـ صلاة الكسوف والخسوف
  39. أولا ـ معنى الكسوف والخسوف
  40. ثانيا ـ مشروعية صلاة الكسوفين ونحوها وحكمها الفقهي
  41. الصلاة عند الفزع
  42. ثالثا ـ صفة صلاة الكسوف
  43. كيفيتها
  44. رأي الحنفية
  45. رأي الجمهور
  46. الجهر والإسرار بالقراءة في صلاة الكسوفين
  47. وقت صلاة الكسوف والخسوف
  48. تفصيل آراء المذاهب
  49. قال الحنفية
  50. قال المالكية
  51. قال الشافعية
  52. قال الحنابلة
  53. هل لصلاة الكسوف خطبة؟
  54. ذكر الله تعالى والدعاء
  55. الجماعة في صلاة الكسوف وموضعها
  56. وأما صلاة خسوف القمر
  57. هل صلاة خسوف القمر مثل صلاة الكسوف؟
  58. رابعا ـ متى يدركها المسبوق؟
  59. خامسا ـ هل تقدم صلاة الكسوف على غيرها عند اجتماعها معها؟
  60. المبحث السادس ـ صلاة الاستسقاء
  61. أولا ـ تعريف الاستسقاء وسببه
  62. ثانيا ـ مشروعية صلاة الاستسقاء
  63. ثالثا ـ صفة صلاة الاستسقاء ووقتها والمكلف بها والقراءة فيها
  64. وقتها
  65. إخراج الدواب
  66. التوسل بذوي الصلاح
  67. وهل يخرج أهل الذمة؟
  68. رابعا ـ خطبة الاستسقاء
  69. الدعاء بالخطبة
  70. رفع الأيدي في الدعاء
  71. قلب الرداء أو تحويله
  72. خامسا ـ ما يستحب في الاستسقاء أو وظائف الاستسقاء
  73. ويكره أن يقول: مطرنا بنوء كذا
  74. ويكره سب الريح
  75. ويسبح عند الرعد والصواعق
  76. ويقول عند انقضاض الكوكب
  77. وإذا سمع نهيق حمار
  78. وإذا سمع نباح كلب،
  79. وإذا سمع صياح الديكة
  80. المبحث السابع ـ صلاة الخوف
  81. أولا ـ مشروعية صلاة الخوف
  82. ثانيا ـ سبب صلاة الخوف وشروطها
  83. ثالثا ـ كيفية أداء صلاة الخوف أو صفتها
  84. الأولى ـ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في عسفان
  85. الثانية ـ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع
  86. الثالثة ـ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها ابن عمر
  87. كيفية أداء الصلوات الخمس حال الإقامة
  88. الرابعة ـ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بطن نخل (مكان من نجد بأرض غطفان)
  89. الخامسة ـ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذات الرقاع كما رواها جابر
  90. السادسة ـ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بذي قرد
  91. السابعة ـ صلاته صلى الله عليه وسلم بأصحابه عام غزوة نجد، رواها أبو هريرة
  92. حمل السلاح في أثناء الصلاة
  93. صلاة الجمعة في حال الخوف
  94. سهو الإمام في صلاة الخوف
  95. رابعا ـ صفة ما يقضيه المسبوق في صلاة الخوف، هل هو أول صلاته أو آخرها؟
  96. -خامسا ـ متى تبطل صلاة الخوف؟
  97. سادسا ـ الصلاة عند التحام القتال واشتداد الخوف
  98. قال الحنفية
  99. قال الجمهور
  100. عبارة المالكية
  101. عبارة الشافعية
  102. عبارة الحنابلة 
  103. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 

 المبحث الرابع - صلاة العيدين 
 
سبب التسمية: 
سمي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان أي أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها الفطر بعد المنع عن الطعام وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغيرها؛ ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالبًا بسبب ذلك، وأصل معنى (عيد) لغةً: عود، والعود هو الرجوع، فهو يعود ويتكرر بالفرح كل عام.

مضمون البحث: 
 الكلام عن صلاة العيد يتناول أدلة مشروعيتها، وحكمها الفقهي، ووقتها وموضعها، وكيفيتها أو صفتها، وخطبتها، وحكم التكبير في العيدين، وسنن العيد أو مستحباته أو وظائفه، والتنفل قبل العيد وبعده، كيفية صلاته ﷺ صلاة عيد الفطر والأضحى وكيفية خطبته.

أولًا - أدلة مشروعية صلاة العيد: 
 شرعت صلاة العيد في السنة الأولى من الهجرة، بدليل ما روى أنس: «قدم رسول الله ﷺ المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: إن الله قد أبدلكما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر».
وأدلة مشروعيتها: الكتاب والسنة والإجماع (١).
(١) المغني: ٣٦٧/ ٢، مغني المحتاج: ٣١٠/ ١.
 
أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿فصل لربك وانحر﴾ [الكوثر:١٠٨/ ٢] المشهور في التفسير: أن المراد بذلك صلاة العيد أي صلاة الأضحى والذبح.
وأما السنة: فثبت أن رسول الله ﷺ بالتواتر كان يصلي صلاة العيدين. وأول عيد صلاه ﷺ: عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة. قال ابن عباس: «شهدت صلاة الفطر مع رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر، فكلهم يصليها قبل الخطبة» وعنه «أن النبي ﷺ صلى العيد بغير أذان ولا إقامة» (١).

ثانيًا - حكمها الفقهي:
  يتردد حكم صلاة العيد بين آراء ثلاثة: كونها فرض كفاية، أو واجبًا، أو سنة.
فقال الحنابلة في ظاهر المذهب (٢): صلاة العيد فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، أي كصلاة الجنازة، للآية السابقة ﴿فصل لربك وانحر﴾ [الكوثر:١٠٨/ ٢] وهي صلاة العيد في المشهور في السِّيَر، وكان النبي ﷺ والخلفاء بعده يداومون عليها، ولأنها من أعلام الدين الظاهرة، فكانت واجبة كالجهاد، ولم تجب عينًا على كل مسلم، لحديث الأعرابي الآتي: «إلا أن تطَّوع» المقتضي نفي وجوب صلاة، سوى الخمس، وإنما وجب العيد بفعل النبي ﷺ، ومن صلى معه.
فإن تركها أهل بلد يبلغون أربعين بلا عذر، قاتلهم الإمام كالأذان؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، وفي تركها تهاون بالدين.
(١) متفق عليهما .....
(٢) المغني: ٢٦٧/ ٢، كشاف القناع: ٥٥/ ٢
 
وقال الحنفية في الأصح (١): تجب صلاة العيدين على من تجب عليه الجمعة بشرائطها المتقدمة سوى الخطبة، فإنها سنة بعدها.
ودليلهم على الوجوب: مواظبة النبي ﷺ عليها.
وقال المالكية والشافعية (٢): هي سنة مؤكدة تلي الوتر في التأكيد، لمن تجب عليه الجمعة: وهو الذكر البالغ الحر المقيم ببلد الجمعة، أو النائي عنه كبعد فرسخ (٥٥٤٤م) منه، ولا تندب عند المالكية لصبي وامرأة وعبد ومسافر لم ينو إقامة تقطع حكم السفر، وندبت لغير المرأة الشابة، ولا تندب لحاج ولا لأهل منى، ولو غير حاجين.
وتشرع عند الشافعية للمنفرد كالجماعة، والعبد والمرأة والمسافر والخنثى والصغير، فلا تتوقف على شروط الجمعة من اعتبار الجماعة والعدد وغيرهما. وهي أفضل في حق غير الحاج بمنى من تركها بالإجماع.
ودليلهم على سنيتها: قوله ﷺ للأعرابي السائل عن الصلاة: «خمس صلوات كتبهن الله تعالى على عباده، قال له: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطَّوع» (٣) وكونها مؤكدة: لمواظبته ﷺ عليها.
والتهنئة بالعيد والأعوام والأشهر مشروعة مباحة، لا سنة فيها ولا بدعة (٤).
(١) فتح القدير: ٤٢٢/ ١، الدر المختار: ٧٧٤/ ١، تبيين الحقائق: ٢٢٣/ ١ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص٨٩.
(٢) الشرح الصغير: ٥٢٣/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٥، مغني المحتاج: ٣١٠/ ١، المهذب:١١٨/ ١.
(٣) أخرجه البخاري ومسلم عن طلحة بن عبيد الله (نصب الراية: ٢٠٨/ ٢).
(٤) مغني المحتاج: ٣١٦/ ١.
 
شرائط وجوبها وجوازها:
قال الحنفية (١): كل ما هو شرط وجوب الجمعة وجوازها فهو شرط وجوب صلاة العيدين، وجوازها، من الإمام والجماعة، والمصر، والوقت، إلا الخطبة فإنها سنة بعد الصلاة، ولو تركها جازت صلاة العيد.
أما الإمام أي حضور السلطان أو الحاكم أو نائبه: فهو شرط أداء العيد كالجمعة، لما ثبت في السنة، ولأنه لو لم يشترط السلطان، لأدى إلى الفتنة، بسبب تجمع الناس، وتنازعهم على التقدم للإمامة لما فيها من الشرف والعلو والرفعة.
وأما المصر: فلقول علي موقوفًا عليه: «لا جمعة ولا تشريق، ولا صلاة فطر، ولا أضحى، إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة» (٢).
وأما الجماعة: فلأنها ما أديت إلا بجماعة.
وأما الوقت: فإنها لا تؤدى إلا في وقت مخصوص، كما جرى به التوارث عن السلف.
والذكورة والعقل والبلوغ والحرية وصحة البدن والإقامة من شرائط وجوبها، كما هي من شرائط وجوب الجمعة، فلا تجب على النسوان والصبيان والمجانين والعبيد بدون إذن مواليهم، ولا على الزمنى والمرضى والمسافرين، كما لاتجب عليهم الجمعة.
أما الحنابلة (٣) فقالوا: يشترط لصحة صلاة العيد استيطان أربعين عدد الجمعة ولا يشترط لها إذن، ويفعلها المسافر والعبد والمرأة والمنفرد تبعًا لأهل وجوبها.
(١) البدائع: ٢٧٥/ ١، وانظر أيضًا ص ٢٦١.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ورواه عبد الرزاق بلفظ «لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع» (نصب الراية: ١٩٥/ ٢)
(٣) كشاف القناع: ٥٨/ ٢، المغني: ٣٩٢/ ٢.
 
خروج النساء إلى صلاة العيد:
اتفق الفقهاء منهم الحنفية والمالكية (١) على أنه لا يرخص للشابات من النساء الخروج إلى الجمعة والعيدين وشيء من الصلاة، لقوله تعالى: ﴿وقَرْن في بيوتكن﴾ [الأحزاب:٣٣/ ٣٣] والأمر بالقرار نهي عن الانتقال، ولأن خروجهن سبب الفتنة بلا شك، والفتنة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام.
وأما العجائز: فلا خوف في أن يرخص لهن الخروج في الفجر والمغرب والعشاء، والعيدين، واختلفوا في الظهر والعصر والجمعة، كما بينا سابقًا. وهذا التفصيل بين الشابة والعجوز هو مذهب الآخرين أيضًا.
وعبارة الشافعية والحنابلة (٢): لا بأس بحضور النساء مصلى العيد غير ذوات الهيئات فلا تحضر المطيبات، ولا لابسات ثياب الزينة أو الشهرة، لما روت أم عطية، قالت: «كان رسول الله ﷺ يخرج العَواتِق والحُيَّض، وذوات الخدور في العيد، فأما الحُيَّض فكن يعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين» (٣).
وإذا أراد النساء الحضور تنظفن بالماء، ولا يتطيبن، ولا يلبسن الشهرة من الثياب، أي الثياب الفاخرة، ويعتزلن الرجال فلا يختلطن بهم، ويعتزل الحُيَّض المُصلَّى للحديث السابق، ولقوله ﷺ: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن
(١) البدائع: ٢٧٥/ ١، الشرح الصغير: ٥٣٠/ ١، بداية المجتهد: ٢١١/ ١.
(٢) مغني المحتاج: ٣١٠/ ١، المهذب: ١١٩/ ١، المجموع:٩٦/ ٤،٣٦٥، ١١/ ٥، المغني: ٣٧٥/ ٢، كشاف القناع: ٥٨/ ٢.
(٣) رواه الجماعة. والعواتق: جمع عاتق، وهي المرأة الشابة أول ماتدرك. وذوات الخدور: جمع خِدْر وهو ناحية في البيت يجعل عليها ستر، فتكون فيه البنت البكر، وهي المخدَّرة أي خدرات في الخدور. والحيض جمع حائض وهذه ذات الدم في العادة الشهرية.
 
تَفِلات» (١) أي غير عطرات، ولأن المرأة إذا تطيبت ولبست الشهرة من الثياب، دعا ذلك إلى الفساد.

ثالثًا - وقتها: 
اتفق الفقهاء على أن وقت صلاة العيد: هو ما بعد طلوع الشمس قدر رمح أو رمحين، أي بعد حوالي نصف ساعة من الطلوع، إلى قبيل الزوال، أي قبل دخول وقت الظهر، وهو وقت صلاة الضحى؛ للنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، فتحرم عند الشروق، وتكره بعدها عند الجمهور، فإذا صلوا قبل ارتفاع الشمس قدر رمح لا تكون عند الحنفية صلاة عيد، بل نفلًا محرمًا (٢).

تعجيل الصلاة وتأخيرها: 
 يسن تعجيل صلاة الأضحى في أول وقتها بحيث يوافق الحجاج بمنى في ذبحهم، وتأخير صلاة الفطر عن أول وقتها قليلًا، لما روى الشافعي مرسلًا أن النبي ﷺ كتب إلى عمرو بن حزم، وهو بنجران: «أن عجِّل الأضحى، وأخر الفطر، وذكِّر الناس» ولأنه يتسع لذلك وقت الأضحية، ووقت صدقة الفطر.

هل تقضى صلاة العيد وهل تصلى منفردًا؟
  للفقهاء رأيان:
قال الحنفية والمالكية (٣): من فاتته صلاة العيد مع الإمام، لم يقضها؛ لفوات وقتها، والنوافل لا تقضى، ولأنها لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد، فلو
(١) رواه البخاري ومسلم.
(٢) فتح القدير: ٤٢٤/ ١، اللباب: ١١٧/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٠، الدر المختار: ٧٧٩/ ١، البدائع: ٢٧٦/ ١، الشرح الصغير: ٥٢٤/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٥، مغني المحتاج: ٣١٠/ ١، المهذب: ١١٨/ ١، كشاف القناع: ٥٦/ ٢.
(٣) فتح القدير: ٤٢٩/ ١، اللباب: ١١٨/ ١، الشرح الصغير: ٥٢٤/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٥.
 
أمكنه الذهاب لإمام آخر فعل، لأنها تؤدى بمواضع اتفاقًا. ولا تجوز للمنفرد وإنما تصلى جماعة.
وقال الشافعية والحنابلة (١): من فاتته صلاة العيد مع الإمام، سنَّ له قضاؤها على صفتها، لفعل أنس، ولأنه قضاء صلاة، فكان على صفتها كسائر الصلوات. وله قضاؤها متى شاء في العيد وما بعده متى اتفق، والأفضل قضاؤها في بقية اليوم.
وتجوز صلاة العيد للمنفرد والعبد والمسافر والمرأة، كما بينا.

المدرك عند الشافعية والحنابلة:
  إن أدرك المصلي الإمام في الخطبة، صلى تحية المسجد ثم جلس فسمعها، ولو كان بمسجد، ثم صلى العيد متى شاء، قبل الزوال أو بعده على صفتها، ولو منفردًا أو بجماعة دون أربعين؛ لأنها عند الشافعية نفل، فجاز للمنفرد فعلها كصلاة الكسوف، وتصير عند الحنابلة القائلين بفرضيتها تطوعًا لسقوط فرض الكفاية بالطائفة الأولى (٢).
وإن أدرك المرء الإمام في التشهد، جلس معه، فإذا سلم الإمام، قام فصلى ركعتين، يأتي فيهما بالتكبير؛ لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مبدلة من أربع، فقضاها على صفتها كسائر الصلوات.

صلاتها في اليوم الثاني إذا تأخر إثبات العيد لما بعد الزوال:
إذا لم يعلم قوم بالعيد إلا بعد زوال الشمس (أي ظهر العيد)،أو غُمَّ الهلال على الناس، فشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال، أو حصل عذر مانع كمطر شديد، ففي جواز صلاة العيد في اليوم التالي رأيان:
(١) مغني المحتاج: ٣١٥/ ١، المهذب: ١٢٠/ ١، كشاف القناع: ٥٨/ ٢،٦٣، المغني: ٣٩٠/ ٢ - ٣٩٢.
(٢) كشاف القناع: ٦٣/ ٢
 
قال المالكية (١): لا تصلى من الغد، ولا تنوب عن صلاة الجمعة؛ لفوات وقتها.
وقال الجمهور (٢): تصلى في اليوم التالي من الغد، وفي عيد الأضحى إلى ثلاثة أيام، لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله ﷺ، قال: «غمَّ علينا هلال شوال، فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب في آخر النهار، فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي ﷺ الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا غدًا لعيدهم» (٣) أي إلى المصلى كما في رواية البيهقي.
وهذا هو الراجح، قال أبو بكر الخطيب: «سنة النبي ﷺ أولى أن تتبع»، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب، وكالفرائض.
وإن شهد اثنان برؤية هلال شوال ليلة الحادي والثلاثين صلوا بالاتفاق في الغد، ولا يكون ذلك قضاء؛ لأن فطرهم غدًا، لما روت عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: «فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وعرفتكم يوم تعرفون» (٤).
(١) القوانين الفقهية: ص٥٨ ومابعدها.
(٢) الدر المختار:٧٨٣/ ١، تبيين الحقائق: ٢٢٦/ ١، الفتاوى الهندية: ١٤٢/ ١، مراقي الفلاح: ص٩١، المهذب: ١٢١/ ١، مغني المحتاج: ٣١٥/ ١، المغني: ٣٩١/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٥٦/ ٢.
(٣) رواه أبو داود والدارقطني وحسنه، والنسائي بأسانيد صحيحة، ورواه البيهقي أيضًا، ثم قال: وهذا إسناد صحيح (المجموع: ٣١/ ٥)
(٤) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره (المرجع السابق).
 
رابعًا - موضع أداء صلاة العيد: 
 للفقهاء رأيان متقاربان (١)، فقال الجمهور غير الشافعية: موضعها في غير مكة: المصلى (الصحراء خارج البلد، على أن يكون قريبًا من البلد عرفًا عند الحنابلة) لا المسجد، إلا من ضرورة أو عذر، وتكره في المسجد، بدليل فعل النبي ﷺ، والكراهة لمخالفة فعله ﵇. فإن كان عذر لم تكره، لقول أبي هريرة: «أصابنا مطر في يوم عيد، فصلى بنا النبي ﷺ في المسجد» (٢) وروي أن عمر وعثمان ﵄ صليا في المسجد في المطر.
أما في مكة: فالأفضل فعلها في المسجد الحرام، لشرف المكان، ومشاهدة الكعبة، وذلك من أكبر شعائر الدين.
وقال الشافعية: فعل صلاة العيد في المسجد أفضل؛ لأنه أشرف وأنظف من غيره، إلا إذا كان مسجد البلد ضيقًا، فالسنة أن تصلى في المصلى، لما روي أن النبي ﷺ كان يخرج إلى المصلى (٣)، ولأن الناس يكثرون في صلاة العيد، وإذا كان المسجد ضيقًا تأذى الناس. قال الشافعية ﵀: فإن كان المسجد واسعًا، فصلى في الصحراء فلا بأس، وإن كان ضيقًا، فصلى فيه ولم يخرج إلى المصلى، كرهت.
فإن كان في الناس ضعفاء، استخلف الإمام في مسجد البلد من يصلي بهم،
(١) تبيين الحقائق: ٢٢٤/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٠، القوانين الفقهية: ص٨٥، الدر المختار ورد المحتار: ٧٧٧/ ١، الفتاوى الهندية: ١٤٠/ ١، مغني المحتاج: ٣١٢ ومابعدها، المجموع: ٥/ ٥ ومابعدها، المهذب: ١١٨/ ١، كشاف القناع: ٥٩/ ٢.
(٢) رواه أبو داود بإسناد جيد، ورواه الحاكم وقال: هو صحيح (المجموع: ٦/ ٥).
(٣) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري.
 
لما روي أن عليًا ﵁ استخلف أبا مسعود الأنصاري ﵁، ليصلي بضعَفة الناس في المسجد (١).

وقال الحنفية: ولا يخرج المنبر إلى المصلى (الجبانة) يوم العيد، ولا بأس ببنائه دون إخراجه.

خامسًا - كيفية صلاة العيد أو صفتها:  
صلاة العيد ركعتان بالاتفاق، لقول عمر ﵁: «صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم، وقد خاب من افترى» (٢) وهي تشمل بعد الإحرام على تكبيرات: ثلاث عند الحنفية، وست في الأولى وخمس في الثانية عند المالكية والحنابلة، وسبع في الأولى وخمس في الثانية عند الشافعية قبل القراءة في الركعتين إلا عند الحنفية في الركعة الثانية يكون التكبير بعد القراءة، ويندب بعد الفاتحة قراءة سورتين هما عند الجمهور: ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ [الأعلى:٨٧/ ١] و﴿الغاشية﴾ [الغاشية:٨٨]، ولكن عند المالكية يقرأ في الثانية سورة ﴿والشمس﴾ [الشمس:٩١] ونحوها، وعند الشافعية: ﴿ق﴾ [ق:٥٠/ ١]
و﴿اقتربت﴾ [القمر:٥٤/ ١]. ولا يؤذَّن لها ولا يقام، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: «شهدت العيد مع رسول الله ﷺ ومع أبي بكر وعمر وعثمان ﵃، فكلهم صلى قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة» (٣) والسنة أن ينادى
(١) رواه الشافعي بإسناد صحيح. والضعفة: بفتح الضاد والعين: بمعنى الضعفاء جمع ضعيف.
(٢) رواه أحمد والنسائي وغيرهما.
(٣) حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، إلا أنه قال: وعمر أو عثمان. ورواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وجابر: قالا: «لم يكن يؤذن يوم الفطر والأضحى».
 
لها: «الصلاة جامعة» لما روي عن الزهري أنه كان ينادَى به (١) وقياسًا على صلاة الكسوف.
ويبدأ بها عند الجمهور غير المالكية بالنية بقلبه ولسانه فيقول: (أصلي صلاة العيد لله تعالى) إمامًا أو مقتديًا، ويأتي بعد الإحرام بدعاء الافتتاح أو الثناء.

كيفيتها في المذاهب:
 
الحنفية (٢):
ينادى (الصلاة جامعة)، ثم ينوي المصلي إمامًا أو مقتديًا صلاة العيد بقلبه ولسانه قائلًا: (أصلي صلاة العيد لله تعالى) إمامًا للإمام، ومقتديًا للمؤتمين، ثم يكبر تكبيرة الإحرام ثم يضع يديه تحت سرته، ثم يقرأ الإمام والمؤتم الثناء: (سبحانك اللهم وبحمد ك .. الخ)، ثم يكبر الإمام والقوم ثلاثًا تسمى تكبيرات الزوائد، لزيادتها على تكبيرة الإحرام والركوع، رافعًا يديه في كل منها، ثم يرسلها، ويسكت بعد كل تكبيرة مقدار ثلاث تسبيحات، ولا يسن ذِكْر معين، ولابأس بأن يقول: (سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، ثم توضع اليدان تحت السرة.
ثم يتعوذ الإمام ويسمي سرًا، ثم يقرأ جهرًا الفاتحة، وسورة بعدها، وندب أن تكون سورة ﴿الأعلى﴾ [الأعلى:٦/ ٨٧] تمامًا، ثم يركع الإمام والقوم.
(١) رواه الشافعي بإسناد ضعيف مرسلًا. ويغني عن هذا الحديث الضعيف القياس على صلاة الكسوف، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة، وعبد الله بن عمرو بن العاص أنه ﷺ أمر مناديًا ينادي لما كسفت الشمس: «الصلاة جامعة» (المجموع: ١٧/ ٥) والشرح الصغير: ١٩١/ ٢.
(٢) اللباب: ١١٧/ ١ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص٩٠، فتح القدير: ٤٢٥/ ١ - ٤٢٧، تبيين الحقائق: ٢٢٥/ ١، الدر المختار: ٧٧٩/ ١ - ٧٨٢، البدائع: ٢٧٧/ ١ ومابعدها، الفتاوى الهندية: ١٤١/ ١ .....
 
فإذا قام للركعة الثانية: ابتدأ بالبسملة، ثم بالفاتحة، ثم بالسورة ليوالي بين القراءتين، وهو الأفضل عندهم، وندب أن تكون سورة ﴿الغاشية﴾ [الغاشية:١/ ٨٨] (١).
ثم يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد ثلاثًا مع رفع اليدين كما في الركعة الأولى، لأثر ابن مسعود، قال: «يكبر تكبيرة، ويفتتح به الصلاة، ثم يكبر بعدها ثلاثًا، ثم يقرأ، ثم يكبر تكبيرة، يركع بها، ثم يسجد، ثم يقوم، فيقرأ، ثم يكبر ثلاثًا، ثم يكبر تكبيرة، يركع بها» (٢)، ثم تتم الركعة الثانية إلى السلام.
فإن قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا إذا كبر زيادة على الثلاث إلى ست عشرة تكبيرة، فإذا زاد لا يلزم المؤتم المتابعة.
وإن نسي الإمام التكبيرات وركع، فإنه يعود ويكبر، ولا يعيد القراءة، ويعيد الركوع.
أما المسبوق الذي سبقه الإمام: فإن كان قبل التكبيرات الزوائد، يتابع الإمام على مذهبه، ويترك رأيه. وإن أدركه بعدما كبر الإمام الزوائد وشرع في القراءة، فإنه يكبر تكبيرة الافتتاح، ويأتي بالزوائد برأي نفسه لا برأي الإمام؛ لأنه مسبوق.
وإن أدرك الإمام في الركوع: فإن لم يخف فوت الركعة مع الإمام، يكبر للافتتاح قائمًا، ويأتي بالزوائد، ثم يتابع الإمام في الركوع. وإن خاف إن كبر أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، كبر للافتتاح، ثم كبر للركوع، وركع؛ لأنه لو لم
(١) رواه أبو حنيفة يرفعه إلى النبي ﷺ: «كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» ورواه مرة في العيدين فقط. ورواه أحمد عن سمرة في العيدين (نيل الأوطار: ٢٩٦/ ٣).
(٢) رواه الطحاوي في الآثار: ص٤٠ (نصب الراية: ٢١٤/ ٢ في الحاشية).
 
يركع يفوته الركوع والركعة، وهذا لايجوز. ثم إذا ركع يكبر تكبيرات العيد في الركوع عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن للركوع حكم القيام. وقال أبو يوسف. لا يكبر؛ لأنه فات عن محله، وهو القيام، فيسقط كالقنوت.
وعلى الرأي الأول الراجح: إن أمكنه الجمع بين التكبيرات والتسبيحات جمع بينهما، وإن لم يمكنه الجمع بينهما يأتي بالتكبيرات دون التسبيحات؛ لأن التكبيرات واجبة، والتسبيحات سنة، والاشتغال بالواجب أولى. فإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يتمها رفع رأسه؛ لأن متابعة الإمام واجبة، وسقط عنه ما بقي من التكبيرات؛ لأنه فات محلها.
هذا إذا أدرك الإمام في الركعة الأولى. فإن أدركه في الركعة الثانية، كبر للافتتاح، وتابع إمامه في الركعة الثانية، فإذا فرغ الإمام من صلاته، قام إلى قضاء
ما سبق به، متبعًا رأي نفسه؛ لأنه منفرد فيما يقضي، بخلاف اللاحق؛ لأنه في الحكم كأنه خلف الإمام.
وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة إذا اجتمعتا، وتقدم صلاة الجنازة على الخطبة.

المالكية (١):
كالحنفية في أداء صلاة العيد ركعتين جهرًا بلا أذان ولا إقامة، واستحباب قراءة ﴿سبح﴾ [الأعلى:٨٧] ونحوها، وسورة ﴿والشمس﴾ [الشمس:٩١] ونحوها، إلا أن التكبير في الركعة الأولى ست بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية
(١) الشرح الصغير: ٥٢٥/ ١ ومابعدها، الشرح الكبير: ٣٩٧/ ١، ٤٠٠، القوانين الفقهية: ص٨٦، بداية المجتهد: ٢٠٩/ ١ ومابعدها.
 
خمس غير تكبيرة القيام، قبل القراءة ندبًا، فإن أخر التكبير عن القراءة صح، وخالف المندوب. ولا يتبع المؤتم الإمام في التأخير عن القراءة ولا في الزيادة عن هذا القدر. ودليلهم على عدد التكبير عمل أهل المدينة، وقول ابن عمر: «شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة».
ويندب موالاة التكبير إلا الإمام فيندب له الانتظار بعد كل تكبيرة، حتى يكبر المقتدون به، ويرفع يديه في تكبيرة الإحرام فقط، ولا يرفع يديه مع التكبيرات في المشهور، ويكره الرفع. ويسكت المكبر. ويكره أن يقول شيئًا من تسبيح أو تحميد أو تهليل أو غيرها.
والتكبيرات سنة مؤكدة، فلو نسي الإمام شيئًا منها، وتذكره في أثناء قراءته أوبعدها، كبَّر، ما لم يركع، وأعاد القراءة، وسجد بعد السلام سجود السهو، لزيادة القراءة الأولى.
وإن تذكره بعد أن ركع، استمرَ في صلاته وجوبًا، ولا يرجع له، إذ لا يرجع من فرض لنفل، وإلا بطلت الصلاة، ويسجد الإمام للسهو ولو لترك تكبيرة واحدة، إذ كل تكبيرة منها سنة مؤكدة. وأما المؤتم فالإمام يحمله عنه.
وإذا لم يسمع المقتدي تكبير الإمام تحرّى تكبيره وكبر.
والمسبوق: لا يكبر ما فاته أثناء تكبير الإمام، ويكمل ما فاته بسبب تأخر اقتدائه بعد فراغ الإمام منه، وإذا اقتدى بالإمام أثناء القراءة بعد التكبير، فإنه يأتي بالتكبير بعد إحرامه، سواء في الركعة الأولى أو الثانية. ويأتي بست تكبيرات في الأولى، وبخمس في الثانية. وإذا فاتته الركعة الأولى يقضيها ستًا غير تكبيرة القيام، وإن أدرك مع الإمام أقل من ركعة، قضى ركعتين بعد سلام الإمام، يكبر في الأولى ستًا، وفي الثانية خمسًا.
 
الشافعية (١):
هم كالحنفية في دعاء الافتتاح والتعوذ والجهر بالقراءة، إلا أن التكبير عندهم سبع في الأولى، خمس في الثانية، قبل القراءة مع رفع اليدين في الجميع، يقف بين كل ثنتين كآية معتدلة، يهلل ويكبر ويمجِّد (أي يعظم الله)، واضعًا يمناه على يسراه بينهما، تحت صدره، ويحسن في ذلك الباقيات الصالحات: (سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) (٢) ثم يتعوذ ويقرأ. والتكبير ليس فرضًا ولا بعضًا من أبعاض الصلاة، وإنما هو سنة أو هيئة كالتعوذ ودعاء الافتتاح، فلا يسجد للسهو لتركهن عمدًا ولا سهوًا، وإن كان الترك لكلهن أو بعضهن مكروهًا.
ولو نسيها المصلي وتذكرها قبل الركوع، وشرع في القراءة، ولو لم يتم الفاتحة، لم يتداركها، وفاتت في المذهب الجديد لفوات محله، فلو عاد لم تبطل صلاته، ولو عاد إلى القيام في الركوع أوبعده ليكبر، فإن صلاته تبطل إن كان عالمًا متعمدًا. والجهل كالنسيان.
ولو زاد الإمام عن عدد التكبير لا يتابعه المأموم، وإذا ترك الإمام التكبير تابعه المأموم في تركه، فإن فعل بطلت صلاته إذا رفع يديه ثلاث مرات متوالية؛ لأنه فعل كثير تبطل به الصلاة، وإلا فلا تبطل. وإذا كبر الإمام أقل من هذا العدد تابعه المؤتم. والمسبوق ببعض الصلاة يكبر إذا فرغ من قضاء ما فاته.
(١) مغني المحتاج: ٣١٠/ ١ - ٣١١، المهذب: ١٢٠/ ١، المجموع: ١٨/ ٥ ومابعدها.
(٢) ولو قال مااعتاده الناس وهو: (الله أكبر تكبيرًا، والحمد لله؛ كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا) لكان حسنًا، ولايأتي به بعد التكبيرة السابقة، وإنما يتعوذ ويقرأ الفاتحة كغيرها من الصلوات.
 
ودليلهم على عدد التكبير: ما رواه الترمذي وحسنه (١): «أنه ﷺ كبَّر في العيدين في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الثانية خمسًا قبل القراءة».
ودليلهم على التسبيح والتحميد بين التكبيرات: ما رواه البيهقي عن ابن مسعود قولًا وفعلًا، وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة: صدق. وهي الباقيات الصالحات، قال تعالى: ﴿والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا﴾ [الكهف:١٨/ ٤٦] وهي عند ابن عباس وجماعة.
ودليلهم على رفع اليدين: ما روي أن عمر ﵁ «كان يرفع يديه في كل تكبيرة في العيد» (٢).
والسنة أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى: ﴿ق﴾ [ق:١/ ٥٠]، وفي الثانية: ﴿اقتربت﴾ [القمر:٥٤/ ١]، بكمالهما جهرًا، بدليل ما رواه أبو واقد الليثي: «كان رسول الله ﷺ يقرأ في الفطر والأضحى بـ ﴿ق والقرآن المجيد﴾ [ق:٥٠/ ١]، و﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر:٥٤/ ١] (٣)، والجهر بالقراءة لنقل الخلف عن السلف.
ولو قرأ في الأولى: ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ [الأعلى:٨٧/ ١]، وفي الثانية: ﴿هل أتاك حديث الغاشية﴾ [الغاشية:١/ ٨٨]، كان سنة أيضًا، لثبوته أيضًا في صحيح مسلم. وله أن يقرأ أيضًاَ في الأولى (الكافرون) [الكافرون:١٠٩/ ١] وفي الثانية (الإخلاص) [الإخلاص:١١٢].
(١) عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، ورواه ابن ماجه، ولم يذكر القراءة ورواه أيضًا أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (نيل الأوطار: ٢٩٧/ ٣).
(٢) رواه البيهقي في حديث مرسل عن عطاء، ورواه في السنن عن عمر بإسناد منقطع وضعيف.
(٣) رواه الجماعة إلا البخاري، وأبو واقد: اسمه الحارث بن عوف (نيل الأوطار: ٢٩٦/ ٣، المجموع: ١٩/ ٥ - ٢٠).
 
الحنابلة (١):
هم كالجمهور غير المالكية في دعاء الافتتاح والتعوذ قبل القراءة، وكالمالكية في عدد التكبير: في الأولى ستًا زوائد، وفي الثانية خمسًا، لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن النبي ﷺ كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة» (٢) وعدوا السبع مع تكبيرة الإحرام، خلافًا للشافعية.
ويرفع يديه مع كل تكبيرة، لحديث وائل بن حجر: «أنه ﷺ كان يرفع يديه في التكبير» ويقول بين كل تكبيرتين زائدتين: «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا» لحديث ابن مسعود السابق في رأي الشافعية. وإن أحب قال غير ذلك من الذكر؛ إذ ليس فيه ذِكْر مؤقت أي محدود. ولا يأتي بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين بذكر أصلًا.
والتكبير والذكر بين التكبيرات كما قال الشافعية: سنة، وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمدًا ولا سهوًا. فإن نسي التكبير وشرع في القراءة، لم يعد إليه، لأنه سنة فات محلها، كما لو نسي الاستفتاح أو التعوذ، حتى شرع في القراءة، أو نسي قراءة سورة حتى ركع.
(١) المغني:٣٧٦/ ٢ - ٣٨٤، ٣٩٦، كشاف القناع: ٥٩/ ٢ - ٦١، ٦٣، ٦٥.
(٢) قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن حديث في الباب، ورواه ابن ماجه، وصححه ابن المديني. وفي رواية: «التكبير سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما» رواه أبو داود والدارقطني. وقال أحمد: اختلف أصحاب النبي ﷺ في التكبير، وكله جائز، وقال ابن الجوزي: ليس يروى عن النبي ﷺ في التكبير في العيدين حديث صحيح.
 
كذلك لا يأتي بالتكبير إن أدرك الإمام قائمًا بعد التكبير الزائد أو بعضه، لفوات محله، كما لو أدرك الإمام راكعًا. والمسبوق ولو بنوم أو غفلة ببعض صلاته يكبر إذا فرغ من قضاء ما فاته، وهو قول أكثر أهل العلم، ويعمل في القضاء بمذهبه، ودليلهم عموم قوله ﷺ: «ما أدركتم فصلوا، ومافاتكم فاقضوا».
ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسبح، وفي الثانية بعد الفاتحة بالغاشية لحديث سمرة بن جندب «أن النبي ﷺ كان يقرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» (١)؛لأن في سورة ﴿الأعلى﴾ [الأعلى:٨٧] حثًا على الصدقة والصلاة في قوله ﴿قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى﴾ [الأعلى:٨٧/ ١٤ - ١٥] (٢).
ويجهر بالقراءة، لما روى الدارقطني عن ابن عمر قال: «كان النبي ﷺ يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء».

سادسًا - خطبة العيد:
 تسن عند الجمهور وتندب عند المالكية خطبتان للعيد كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط والسنن والمكروهات، بعد صلاة العيد خلافًا للجمعة، بلا خلاف بين المسلمين، يذكِّر الإمام في خطبة عيد الفطر بأحكام زكاة الفطر (٣)،
(١) رواه أحمد ولابن ماجه من حديث ابن عباس والنعمان بن بشير مثله، وروي عن عمر وأنس.
(٢) هكذا فسره سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز.
(٣) اللباب: ١١٨/ ١ - ١١٩، مراقي الفلاح: ص٩١، تبيين الحقائق: ٢٢٦/ ١، الفتاوى الهندية: ١٤١/ ١، فتح القدير: ٤٢٨/ ١ ومابعدها، الدر المختار:٧٨٢/ ١ - ٧٨٤، الشرح الصغير: ٥٣٠/ ١، الشرح الكبير: ٤٠٠/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٦، مغني المحتاج: ٣١١/ ١ ومابعدها، المهذب: ١٢٠/ ١، المجموع: ٣٦/ ٥، المغني:٣٨٤/ ٢ - ٣٨٧، كشاف القناع: ٦١/ ٢ - ٦٢.
 
لقوله ﷺ: «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» (١)، وفي عيد الأضحى بأحكام الأضحية وتكبيرات التشريق ووقوف الناس بعرفة وغيرها، تشبهًا بالحجاج، وما يحتاجون إليه في يومهم، ويحسن تعليمهم ذلك في خطبة الجمعة السابقة على العيد. وإذا صعد على المنبر لا يجلس عند الحنفية، ويجلس عند الحنابلة والمالكية والشافعية ليستريح.
ودليل سنية الخطبة: التأسي بالنبي ﷺ وبخلفائه الراشدين فلا يجب حضورها ولا استماعها، لما روى عطاء عن عبد الله بن السائب قال: «شهدت مع النبي ﷺ العيد، فلما انقضت الصلاة، قال: إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة، فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب» (٢) ولو ترك الخطبة جازت صلاة العيد.
وكونها بعد الصلاة اتباعًا للسنة أيضًا، فإن ابن عمر قال: «إن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة» (٣) فلو خطب الإمام قبل الصلاة صح عند الحنفية وأساء، لترك السنة، لأن التأخير سنة.
ويبدأ الخطيب خطبته بالتكبير، كما يكبر في أثنائها، من غير تحديد عند المالكية، وقيل عندهم: سبعًا في أولها. وعند الجمهور: يكبر في الخطبة الأولى تسع تكبيرات متوالية، وفي الثانية: يكبر في الثانية بسبع متوالية أيضًا، لما روى سعيد بن منصور عن عبيد الله بن عتبة، قال: «كان يكبر الإمام يومي العيد قبل أن
(١) انظر كشاف القناع: ٦٢/ ٢.
(٢) رواه ابن ماجه، وإسناده ثقات، وأبو داود والنسائي، وقالا: مرسل (نيل الأوطار:٣٠٥/ ٣).
(٣) متفق عليه. وروى الشيخان أيضًا عن أبي سعيد: «كان النبي ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ..» (نيل الأوطار: ٣٠٣/ ٣).
 
يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية: سبع تكبيرات» ويستحب عند الحنفية أيضًا أن يكبر الإمام قبل نزوله من المنبر أربع عشرة مرة، ويندب للإمام بعد فراغه من الخطبة أن يعيدها لمن فاته سماعها، ولو نساء، اتباعًا للسنة، رواه الشيخان.
ويلاحظ أن الخطب المشروعة عشر: خطبة الجمعة، والعيدين، والكسوفين، والاستسقاء، والزواج، وأربع في الحج عند الشافعية، وثلاث عند الحنفية، وكلها بعد الصلاة إلا خطبتي الجمعة وعرفة فقبلها، وخطبة الزواج لا تقترن بصلاة، وكل منها ثنتان إلا الثلاثة الباقية في الحج عند الشافعية ما عدا خطبة عرفة، وخطبة النكاح، ففرادى، ويبدأ بالتحميد في ثلاث: خطبة الجمعة والاستسقاء والزواج، ويبدأ بالتكبير في خمس أوست: خطبة العيدين، وثلاث أو أربع خطب الحج. إلا التي بمكة وعرفة، يبدأ فيها بالتكبير ثم بالتلبية، ثم بالخطبة.

وتختلف خطبة العيد عن خطبة الجمعة في أمور:
منها - أن خطبة الجمعة تكون قبل الصلاة، وخطبة العيد بعد الصلاة، فإذا قدمها لم تصح عند غير الحنفية، ويندب إعادتها بعد الصلاة. ومنها - أن خطبتي الجمعة تبدآن بالحمد لله، وهو شرط أو ركن عند الشافعية والحنابلة، سنة عند الحنفية، مندوب عند المالكية، أما خطبتا العيدين فيسن افتتاحهما بالتكبير.
ومنها - يسن بالمستمع خطبة العيد عند الحنفية والحنابلة والمالكية أن يكبر سرًا عند تكبير الخطيب، أما خطبة الجمعة فيحرم الكلام فيها، ولو ذكرًا عند الجمهور، وقال الحنفية: لا يكره الذكر في خطبة الجمعة والعيد على الأصح. ويحرم الكلام غير التكبير عند الحنابلة في كل من خطبة العيد والجمعة.
وقال الشافعية: الكلام مكروه لا محرم في خطبة الجمعة والعيد، ولا يكبر الحاضرون في حال الخطبة، بل يستمعونها.
 
ومنها - أن الخطيب عند الحنفية خلافًا للجمهور لايجلس إذا صعد المنبر، ويجلس في خطبة الجمعة.
ومنها - أن الخطيب عند المالكية إذا أحدث في أثناء خطبة العيد يستمر ولا يستخلف، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه إذا أحدث فيها يستخلف.
ومنها - أن خطبة العيد عند الشافعية لا يشترط فيها شروط خطبة الجمعة من قيام وطهارة وستر عورة وجلوس بين الخطبتين، وإنما يسن ذلك فقط.

سابعًا - حكم التكبير في العيدين: 
 اتفق الفقهاء على مشروعية التكبير في العيدين في الغدو إلى الصلاة، وفي إدبار الصلوات أيام الحج. أما التكبير في الغدو إلى صلاة العيد: فقال أبو حنيفة (١): يندب التكبير سرًا في عيد الفطر في الخروج إلى المصلى لحديث «خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي» (٢)، ويقطعه إذا انتهى إلى المصلى في رواية، وفي رواية: إلى الصلاة. وقال الصاحبان: يكبر جهرًا، واتفقوا على التكبير جهرًا في عيد الأضحى في الطريق.
وقال الجمهور (٣): يكبر في المنازل والمساجد والأسوق والطرق أي عند الغدو إلى الصلاة جهرًا، إلى أن تبدأ الصلاة، وعند الحنابلة: إلى فراغ الخطبة،
(١) فتح القدير: ٤٢٣/ ١، الفتاوى الهندية: ١٤٢/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٠، اللباب: ١١٧/ ١، الدر المختار: ٧٨٤/ ١ - ٧٨٥.
(٢) رواه أحمد وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن سعد.
(٣) الشرح الصغير: ٥٢٩/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٦، المجموع: ٣٦/ ٥ - ٣٧. مغني المحتاج: ٣١٤/ ١ ومابعدها، كشاف القناع: ٦٣/ ٢ - ٦٤، المغني: ٣٦٨/ ٢، ٣٦٩، ٣٧٢ - ٣٧٤، ٣٩٣ - ٥٩٥.
 
وهو في الفطر آكد من تكبير ليلة الأضحى لقوله تعالى: ﴿ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله على ما هداكم، ولعلكم تشكرون﴾ [البقرة:١٨٥/ ٢] ولما فيه من إظهار شعائر الإسلام، وتذكير الغير.
ويندب التكبير المطلق (وهو ما لا يكون عقب الصلاة) عند الشافعية والحنابلة: من غروب شمس ليلة عيد الفطر، لا ما قبلها: ولا يسن التكبير المقيد (وهو المفعول عقب الصلاة) ليلة الفطر عند الحنابلة وفي الأصح عند الشافعية، لعدم وروده.

وصيغة التكبير:
عند الحنفية والحنابلة شفعًا: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر (ثنتين)، ولله الحمد) عملًا بخبر جابر عن النبي ﷺ الآتي، وهو قول الخليفتين الراشدين، وقول ابن مسعود.
وصيغته عند المالكية والشافعية في الجديد ثلاثًا: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر)، وهذا هو الأحسن عند المالكية، فإن زاد (لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) فهو حسن، عملًا بما ورد عن جابر وابن عباس ﵃، ويستحب أن يزيد عند الشافعية بعد التكبيرة الثالثة: (الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا) كما قاله النبي ﷺ على الصفا. ويسن أن يقول أيضًا بعد هذا: (لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر). وهذه الزيادة إن شاءها عند الحنفية، ويختمها بقوله: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وعلى أصحاب محمد، وعلى أزواج محمد، وسلم تسليمًا كثيرًا).
 
وأما التكبير في إدبار الصلوات أيام الحج في عيد الأضحى:
 
فقال الحنفية (١):
يجب على الرجال والنساء تكبير التشريق (٢) في الأصح مرة، وإن زاد عليها يكون فضلًا، عقب كل فرض عيني بلا فصل يمنع البناء على الصلاة (كالخروج من المسجد أو الكلام أو الحدث عامدًا) ويؤدى بجماعة أو منفردًا، ولو قضاء، ويكون التكبير للرجال جهرًا، وتخافت المرأة بالتكبير، ولا يكبر عقب الوتر وصلاة العيد.

ومدته: 
 من فجر يوم عرفة إلى عصر يوم العيد عند أبي حنيفة، وإلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق عند الصاحبين، وبقولهما يفتى، فهي ثلاث وعشرون صلاة.
والتكبير واجب عقيب الصلوات المفروضات على كل من صلى المكتوبة، ولو منفردًا أو مسافرًا أو مقتديًا؛ لأنه تبع لها، على المفتى به من قول الصاحبين. والمسبوق يكبر وجوبًا كاللاحق، بعد قضاءما فاته من الصلاة مع الإمام، ولو ترك الإمام التكبير يكبر المقتدي.
ويبدأ المحرم بالتكبير، ثم بالتلبية (٣)،ولا يفتقر التكبير للطهارة، ولا لتكبير الإمام، فلو تركه الإمام كبر المقتدي.
(١) الدر المختار: ٧٨٤/ ١ - ٧٨٧، تبيين الحقائق: ٢٢٦/ ١ ومابعدها، اللباب: ١١٩/ ١ ومابعدها، فتح القدير: ٤٣٠/ ١ - ٤٣١.
(٢) التشريق: تقديم اللحم بالقائه في المشرقة تحت ضوء الشمس، وقد جرت العادة بتشريق لحوم أضاحي في الأيام الثلاثة بعد العيد، فسميت أيام التشريق، وأيام التشريق: هي الأيام المعدودات، أما الأيام المعلومات فهي أيام العشر من أول ذي الحجة.
(٣) ذكر في الدر المختار أن المحرم يبدأ بالتلبية.
 
ودليلهم على إيجاب التكبير ومدته: قوله تعالى: ﴿واذكروا الله في أيام معدودات﴾ [البقرة:٢٠٣/ ٢] وحديث جابر: «كان رسول الله ﷺ يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة، إلى صلاة العصر، من آخر أيام التشريق، حين يسلِّم من المكتوبات» وفي لفظ: «كان رسول الله ﷺ إذا صلى الصبح من غداة عرفة، أقبل على أصحابه، فيقول: على مكانكم، ويقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر، من آخر أيام التشريق» (١).

وقال المالكية (٢):
يندب للجماعة والفرد التكبير إثر كل صلاة من الصلوات المكتوبات من خمس عشرة فريضة وقتية، من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرابع، لقوله تعالى: ﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾ [الحج:٢٨/ ٢٢] وهذا الخطاب وإن كان مقصودًا به أهل الحج، فإن الجمهور رأوا أنه يعم الحجاج وغيرهم، وتلقى الناس ذلك بالعمل، والناس تبع للحجيج وهم يكبرون من الظهر.
ولا يكبر بعد نافلة، ولا مقضية من الفرائض، وإن نسي التكبير كبَّر إذا تذكر إن قرب الزمن، لا إن خرج من المسجد أو طال عرفًا. وكبّر مؤتم ندبًا ترك إمامه التكبير، وندب تنبيه الناسي ولو بالكلام.
(١) رواه الدارقطني، وفيه جابر الجعفي سيء الحال، وعمرو بن شمر أسوأ حالًا منه، بل هو من الهالكين (نصب الراية: ٢٢٣/ ٢ ومابعدها) والأصح أن صيغة التكبير مأثورة عن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة، بسند جيد. وقال الصنعاني في (سبل السلام: ٧٢/ ٢): وأما صفة التكبير فأصح ماورد فيه: مارواه عبد الرزاق عن سلمان بسند صحيح قال: «كبروا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا»، وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي ليلى، وقول للشافعي، وزاد فيه «ولله الحمد».
(٢) بداية المجتهد: ٢١٣/ ١، الشرح الصغير:٥٣١/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٦، الشرح الكبير: ٤٠١/ ١.
 
وقال الشافعية في الأظهر (١):
يكبّر الحاج عقب الصلوات من ظهر النحر، لأنها أول صلاته بمنى ووقت انتهاء التلبية ويختم بصبح آخر التشريق لأنها آخر صلاة يصليها بمنى، كما قال المالكية؛ وغير الحاج كالحاج في الأظهر والمشهور في المذهب؛ لأن الناس تبع للحجيج، ولإطلاق حديث مسلم: «أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى» وقيل: من صبح عرفة إلى عصر آخر التشريق، والعمل على هذا في الأمصار، وصح من فعل عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس ﵃، واختاره النووي، وقال: إنه الأصح. ولا يكبر الحاج ليلةالأضحى، بل يلبي؛ لأن التلبية شعاره، والمعتمر يلبي إلى أن يشرع في الطواف.
والأظهر أنه يُكَّبر في هذه الأيام للفائتةوالراتبة والمنذورة والنافلة المطلقة أو المقيدة، وذات السبب كتحية المسجد؛ لأنه شعار الوقت.
والتكبير سنة في العيدين في المنازل والطرق والمساجد والأسواق برفع الصوت، لما روى نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس، وعلي وجعفر، والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن بن أم أيمن، رافعًا صوته بالتهليل والتكبير، ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلَّى (٢).
ويكبر لرؤية الأنعام (وهي الإبل والبقر والغنم) في الأيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة، لقوله تعالى: ﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾ [الحج:٢٨/ ٢٢].
(١) مغني المحتاج: ٣١٤/ ١، المهذب: ١٢١/ ١، المجموع:٢٤/ ٥ - ٤٢.
(٢) المصلى: مكان صحراوي كان قرب المدينة، قرب المسجد النبوي الشريف، وقد دخل الآن في مبانيها، وأقيم فيه مسجد الغمامة الآن.
 
وقال الحنابلة (١):
يسن التكبير مطلقًا في العيدين، ويسن إظهاره في المساجد والمنازل والطرق، حضرًا وسفرًا، في كل موضع يجوز فيه ذكر الله، ويسن الجهر به لغير أنثى، من كل من كان من أهل الصلاة من مميز وبالغ، حر أوعبد، ذكر أو أنثى، من أهل القرى والأمصار، عقب كل فريضة ولو مقضية، تصلى في جماعة في المشهور، في ثلاث وعشرين فريضة من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، لحديث جابر السابق أن النبي ﷺ صلى الصبح يوم عرفة، وأقبل علينا، فقال: «الله أكبر، الله أكبر» ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق (٢)، وفي بعضها «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد». والمسافر كالمقيم، والحاج المحرم كغير الحاج في مدة التكبير؛ لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية، ويبدأ بالتكبير ثم يلبي. لأن التكبير من جنس الصلاة.
ولا يكبر من صلى وحده، لقول ابن مسعود: «إنما التكبير على من صلى جماعة» (٣)، ولأنه ذكر مختص بوقت العيد، فأشبه الخطبة.
ويكبر مأموم نسي إمامه التكبير ليحوز الفضيلة، كقول: آمين.
ويأتي بالتكبير الإمام مستقبل الناس، لحديث جابر السابق أن النبي ﷺ «كان يقبل بوجهه على أصحابه، ويقول: على مكانكم، ثم يكبر» ويكبر غير الإمام مستقبل القبلة؛ لأنه ذكر مختص بالصلاة، أشبه الأذان والإقامة. ويجزئ التكبير مرة واحدة، وإن زاد على مرة فلا بأس، وإن كرره ثلاثًا فحسن. والأولى أن يُكبَّر
(١) كشاف القناع: ٦٣/ ٢ - ٦٧، المغني: ٣٩٣/ ٢ - ٣٩٨.
(٢) أخرجه الدارقطني من طرق، وقد بينا ضعفه.
(٣) رواه ابن المنذر.
 
عقب صلاة العيد؛ لأنها صلاة مفروضة في جماعة، فأشبهت صلاة الفجر، ولأن هذه الصلاة أخص بالعيد، فكانت أحق بتكبيره.
ويستحب التكبير أيضًا في أيام العشر من ذي الحجة وهي الأيام المعلومات، لقوله تعالى: ﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾ [الحج:٢٨/ ٢٢].

ثامنًا - سنن العيد أو مستحباته أو وظائفه: 
يستحب في مقدمات عيد الأضحى الاجتهاد في عمل الخير، أيام عشر ذي الحجة، من ذِكْر الله تعالى والصيام والصدقة وسائر أعمال البر؛ لأنها أفضل الأيام، لحديث «مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله ﷿ من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع بشيء من ذلك» (١).
ويندب الامتناع عن تقليم الأظفار وحلق الرأس في عشر ذي الحجة، لما ورد في صحيح مسلم، قال رسول الله ﷺ: «إذا دخل العشر، وأراد بعضكم أن يضحي، فلا يأخذن شعرًا، ولا يقلمن ظفرًا».
ويندب في العيد عدا التكبير ما يأتي (٢):
١ً - إحياء ليلتي العيد بطاعة الله تعالى أي بالعبادة من ذكر وصلاة وتلاوة
(١) رواه الجماعة إلا مسلمًا والنسائي عن ابن عباس ﵄ (نيل الأوطار: ٣١٢/ ٣).
(٢) مراقي الفلاح:٨٩/ ١ ومابعدها، تبيين الحقائق: ٢٢٤/ ١ ومابعدها، فتح القدير: ٤٢٣/ ١،٤٢٩، الفتاوى الهندية: ١٤٠/ ١، الدر المختار: ٧٧٦/ ١ ومابعدها، اللباب: ١١٦/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير: ٥٢٧/ ١ - ٥٣١، مغني المحتاج: ٣١٢/ ١ ومابعدها، المهذب: ١١٩/ ١، المغني: ٣٦٩/ ٢ - ٣٧٤، ٣٨٩،٣٩٩، كشاف القناع: ٥٦/ ٢ - ٥٨.
 
قرآن، وتكبير وتسبيح واستغفار، ويحصل ذلك بالثلث الأخير من الليل، والأولى إحياء الليل كله، لقوله ﷺ:
«من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى محتسبًا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» (١).
ويقوم مقام ذلك: صلاة العشاء والصبح في جماعة.
والدعاء في ليلتي العيد مستجاب، فيستحب كما يستحب في ليلة الجمعة وليلتي أول رجب ونصف شعبان.
٢ً - الغسل والتطيب والاستياك ولبس الرجال أحسن الثياب، قياسًا على الجمعة، وإظهارًا لنعمة الله وشكره. ويدخل وقت الغسل عند الشافعية بنصف الليل، وعند المالكية: بالسدس الأخير من الليل، ويندب كونه بعد صلاة الصبح، وعند الحنفية والحنابلة بعد الصبح قبل الذهاب إلى المصلى، وهو غسل عند الحنفية للصلاة؛ لأنه ﷺ كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر (٢)، وكان علي وعمر ﵄ يغتسلان يوم العيد.
وكان ﵇ يتطيب يوم العيد، ولو من طيب أهله. وكان للنبي ﷺ بردة حمراء يلبسها يوم العيد (٣). وتخرج النساء كما بينا ببذلة بلا طيب خشية الافتتان بها.
ويتنظف ويتزين بإزالة الظفر والريح الكريهة كالجمعة، والإمام بذلك آكد؛ لأنه منظور إليه من بين سائر الناس.
(١) رواه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت، ورواه الدارقطني موقوفًا، قال النووي: وأسانيده ضعيفة. وأخرجه ابن ماجه عن أبي أمامة، وهو حديث حسن بلفظ: «من قام ليلتي العيد، محتسبًا لله تعالى، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب».
(٢) رواه ابن ماجه عن ابن عباس، وهو ضعيف (نصب الراية: ٨٥/ ١).
(٣) رواه البيهقي عن ابن عباس، ورواه ابن عبد البر وابن خزيمة في صحيحه عن جابر: «كان للنبي حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة».
 
٣ً - تبكير المأموم ماشيًا إن لم يكن عذر إلى الصلاة بعد صلاة الصبح ولو قبل الشمس بسكينة ووقار: ليحصل له الدنو من الإمام من غير تخط للرقاب، وانتظار الصلاة فيكثر ثوابه، لقول علي: «من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيًا» (١)، ولأن النبي ﷺ ما ركب في عيد ولا جنازة.
وأما الإمام فيسن له التأخر إلى وقت الصلاة، لحديث أبي سعيد عند مسلم: «كان النبي ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به: الصلاة».
ولا بأس بالركوب في العود، لقول علي: «ثم تركب إذا رجعت»؛ لأنه غير قاصد إلى قربة. وقال الحنفية: لا بأس بالركوب في الجمعة والعيدين، والمشي أفضل في حق من يقدر عليه.
وعبر الحنفية عن هذا بمندوبين: التبكر: وهو سرعة الانتباه أول الوقت أو قبله لأداء العبادة بنشاط، والابتكار: وهو المسارعة إلى المصلى لينال فضيلته والصف الأول.
ويذهب الإمام وغيره ندبًا إلى المصلى كمافي صلاة الجمعة من طريق، ويرجع من أخرى، اتباعًا للسنة، كما روى البخاري (٢) لتشهد له الطريقان، أو لزيادة الأجر، ويخص الذهاب بأطولهما تكثيرًا للأجر، ويرجع في أقصرهما.
ويندب للإمام الإسراع في الخروج إلى صلاة الأضحى والتأخر قليلًا في الخروج إلى صلاة الفطر، لما ورد مرسلًا من أمره ﷺ بذلك، وليتسع الوقت للتضحية ولإخراج الفطرة، كما سبق.
(١) رواه الترمذي: وقال: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم.
(٢) رواه البخاري عن جابر أن النبي ﷺ «كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق» ورواه مسلم من حديث أبي هريرة.
 
٤ً - أن يأكل في عيد الفطر قبل الصلاة، وأن يكون المأكول تمرات وترًا، ويؤخر الأكل في الأضحى حتى يرجع من الصلاة، والأكل في الفطر آكد من الإمساك في الأضحى، لحديث أنس: «كان رسول الله ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات» (١) وزاد في رواية منقطعة «ويأكلهن وترًا» وحديث بريدة: «أن رسول الله ﷺ كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل، وكان لا يأكل يوم النحر، حتى يصلي» (٢) ليأكل من الأضحية إن ضحى، والأولى من كبدها؛ لأنه أسرع هضمًا وتناولًا. فإن لم يضح خير عند الحنابلة بين الأكل قبل الصلاة وبعدها.
ويندب تأخير الأكل في الأضحى مطلقًا، ضحى أم لا.
٥ً - أن يؤدي صدقة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولا بأس بأدائها قبل العيد بأيام، تمكينًا للفقير من الانتفاع بها في العيد، قال ابن عباس: فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرَّفَث، وطعْمه للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (٣).
٦ً - التوسعة على الأهل، وكثرة الصدقة النافلة بحسب الطاقة زيادة عن عادته، ليغنيهم عن السؤال.
٧ً - إظهار البشاشة والفرح في وجه من يلقاه من المؤمنين، وزيارة الأحياء من الأرحامـ والأصحاب، إظهارًا للفرح والسرور، وتوثيقًا لرابطة الأخوة والمحبة.
٨ً - قال الحنفية: يندب صلاة الصبح في مسجد الحي، لقضاء حقه، ثم
(١) رواه البخاري (نصب الراية: ٢٠٨/ ٢).
(٢) رواه الترمذي وابن ماجه (المصدر السابق).
(٣) رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه: (نيل الأوطار: ٤/ ١٨٤).
 
يذهب إلى المصلى. ورأى جمهور الفقهاء أنه يندب إيقاع الصلاة في المصلى في الصحراء لا في المسجد، والسنة عند الشافعية أيضًا أن تصلى صلاة العيد في المصلى إذا كان المسجد ضيقًا، وإلا فالمسجد أفضل، كما بينا في موضع صلاة العيد.

تاسعًا - التنفل قبل العيد وبعده: للفقهاء رأيان:  
رأي الجمهور: لا يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها، وهو الأصح لدي، ورأي الشافعية: يصلى قبلها بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام، وبعدها أيضًا. وتفصيل الآراء ما يأتي:

رأي الحنفية (١):
يكره التنفل قبل صلاة العيد مطلقًا في المصلى والبيت وبعدها في المصلى فقط، ويجوز في البيت، لحديث ابن عباس ﵄: «خرج النبي ﷺ يوم عيد، فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما» (٢) وحديث أبي سعيد ﵁ عن النبي ﷺ: «أنه كان لا يُصلِّي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» (٣).
(١) فتح القدير: ٤٢٤/ ١، الدر المختار: ٧٧٧/ ١ ومابعدها، اللباب: ١١٧/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٠.
(٢) رواه الجماعة (نيل الأوطار:٣٠٠/ ٣) ويؤيده حديث ابن عمر عند أحمد والترمذي وصححه، وللبخاري عن ابن عباس: أنه كره الصلاة قبل العيد.
(٣) رواه ابن ماجه وأحمد بمعناه (نيل الأوطار: ٣٠١/ ٣).
 
المالكية في المشهور (١):
يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها في المصلى لحديث ابن عباس وابن عمر لا في المسجد، ففي المسجد لا يكره قبلها ولا بعدها، أما عدم كراهته قبلها فلأن السنة الخروج بعد الشمس، والتحية حينئذ مطلوبة اتفاقًا، وأما عدم كراهته بعد صلاتها، فلندور حضور أهل البدع لصلاة الجماعة في المسجد.

الحنابلة (٢):
يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها للإمام والمأموم في موضع الصلاة، سواء أكان في المصلى أم المسجد، لحديث ابن عباس السابق، ونحوه عن ابن عمر، ولنهي الصحابة عنه وعملهم به، ولأنه وقت نهي عن التنفل فيه كسائر أوقات النهي.
ويكره أيضًا قضاء فائتة في مصلى العيد قبل مفارقته، إمامًا كان أو مأمومًا، في صحراء أو في مسجد، لئلا يقتدي به.
ولا بأس بالتنفل إذا خرج من المصلى في منزل أو غيره، لما روى حرب عن ابن مسعود «أنه كان يصلي يوم العيد إذا رجع إلى منزله أربع ركعات أو ركعتين». فهذا كالحنفية تمامًا.
ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك.

الشافعية (٣):
لا يكره النفل قبل صلاة العيد بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام، لانتفاء
(١) بداية المجتهد: ٢١٢/ ١، الشرح الكبير: ٤٠١/ ١، الشرح الصغير: ٥٣١/ ١.
(٢) كشاف القناع: ٦٢/ ٢ - ٦٣، المغني: ٣٨٧/ ٢ - ٣٨٩،٣٩٩.
(٣) المهذب: ١١٩/ ١، مغني المحتاج: ٣١٣/ ١.
 
الأسباب المقتضية للكراهة، فهو ليس بوقت منهي عن الصلاة فيه، ولما روي عن أبي بردة وأنس والحسن وجابر بن زيد أنهم كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام.
أما قبل ارتفاع الشمس: فإنه وقت كراهة. وأما الإمام فيكره له النفل قبلها وبعدها لاشتغاله بغير الأهم، ولمخالفته فعل النبي ﷺ. وأما غير الإمام بعد صلاة العيد فإن كان يسمع الخطبة فيكره له، وإلا فلا.
ومن دخل والخطيب يخطب، فإن كان في مسجد بدأ بالتحية، لقوله ﷺ: «إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين»، كما بينا في النوافل، ثم بعد فراغ الخطبة يصلي في المسجد صلاة العيد، فلو صلى فيه بدل تحية العيد، وهو أولى، حصل له ثواب التحية والعيد. ولو دخل وعليه مكتوبة يفعلها ويحصل بها التحية.
وإن كانت الصلاة في صحراء: سن له الجلوس ليستمع الخطبة؛ إذ لا تحية، وأخر صلاة العيد إلا إن خشي الداخل فواتها، فيقدمها على الاستماع. وإذا أخرها فهو مخير بين أن يصليها في المصلى، وبين أن يصليها بغيره إلا إن خشي الفوات بالتأخير.

عاشرًا - كيفية صلاته ﷺ صلاة عيد الفطر والأضحى وكيفية خطبته: 
يحسن ختم هذا المبحث ببيان هذه الكيفية، كما رواها الثقات. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال نبي الله ﷺ: «التكبير في الفطر - أي صلاته - سبع في الأولى، وخمس في الأخرى، والقراءة - الحمد وسورة - بعدهما كلتيهما» (١).
(١) أخرجه أبو داود، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه، وأخرجه أحمد وعلي بن المديني وصححاه (سبل السلام:٨٦/ ٢).
 
وعن أبي سعيد قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم، فيعظهم ويأمرهم» (١).
وعن جابر ﵁ قال: «شهدت مع النبي ﷺ يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على الطاعة، ووعظ الناس وذكرَّهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن» (٢).
وعن سعد المؤذن ﵁ قال: «كان النبي ﷺ يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبة العيدين» (٣).
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ﵁ قال: «السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما بجلوس» (٤).

حادي عشر - صلاة الجمعة في يوم العيد:
إن صادف وجود العيد في يوم جمعة، سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة. وهذا مذهب الحنابلة، لما رواه أبو داود والإمام أحمد عن إياس بن أبي رملة الشامي (٥) قال:
(١) متفق عليه (المرجع السابق: ص٦٧).
(٢) رواه مسلم والنسائي (نيل الأوطار:٣٠٤/ ٣).
(٣) رواه ابن ماجه وفيه ضعيف، وقد أخرج نحوه البيهقي من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن تفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تترى، والثانية بسبع تكبيرات تترى (نيل الأوطار:٣٠٥/ ٣)،
(٤) رواه الشافعي (المصدر السابق).
(٥) هو مجهول، ولكن الحديث صححه علي بن المديني.
 
«شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم، هل شهدت مع رسول الله ﷺ عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة» فقال: «من شاء أن يصلي فليصل» أو «من شاء أن يجمّع فليجمِّع» وروى ابن ماجه عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمّعون». ولأنه تحقق المقصود بسماع خطبة العيد، فأجزأ ذلك عن سماعها ثانيًا، ولأن وقتها واحد في رأيهم وهو الساعة السادسة، فسقطت إحداهما بالأخرى، كالجمعة مع الظهر.
وقال الجمهور (بقية المذاهب): تجب الجمعة، لعموم الآية الآمرة بها، والأخبار الدالة على وجوبها؛ ولأنهما صلاتان واجبتان، فلم تسقط إحداهما بالأخرى، كالظهر مع العيد (١).
(١) المغني لابن قدامة:٣٥٨/ ٢.
[التعليق]
*  للاستزادة انظر (٢/ ١٢٩١)
سقوط الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام عند الحنابلة
* أبو أكرم الحلبي
 
المبحث الخامس - صلاة الكسوف والخسوف
معنى الكسوف والخسوف، مشروعية صلاة الكسوفين ونحوها، صفتها (كيفيتها، الجهر والإسرار بالقراءة فيها، وقتها، هل من شرطها الخطبة؟، الجماعة فيها وموضعها. هل خسوف القمر مثل كسوف الشمس؟) متى يدركها المسبوق؟، هل تقدم صلاة الكسوف على غيرها عند اجتماعها معها؟.

أولًا - معنى الكسوف والخسوف:
الكسوف والخسوف: شيء واحد، ويقال لهما كسوفان وخسوفان، والأشهر في تعبير الفقهاء: تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر.
والكسوف: هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار لحيلولة ظلمة القمر بين الشمس والأرض.
والخسوف: هو ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلًا لحيلولة ظل الأرض بين الشمس والقمر. ولا يحدث عادة كسوف الشمس إلا في الاستسرار آخر الشهر إذا اجتمع النيِّران، كما لا يحدث خسوف القمر إلا في الإبدار، إذا تقابل النيِّران.
 
ثانيًا - مشروعية صلاة الكسوفين ونحوها وحكمها الفقهي: 
صلاة الكسوف والخسوف سنة (١) ثابتة مؤكدة باتفاق الفقهاء (٢)، بدليل قوله تعالى: ﴿ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن﴾ [فصلت:٣٧/ ٤١] أي أنه يصلى عند كسوفهما. وقوله ﷺ يوم مات ابنه إبراهيم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا وادعوا، حتى ينكشف ما بكم» (٣).
وهي مشروعة حضرًا وسفرًا للرجال والنساء، أي في حق كل من هو مخاطب بالمكتوبات الخمس؛ لأنه ﷺ فعلها لكسوف الشمس، كما رواه الشيخان، ولخسوف القمر، كما رواه ابن حبان في كتابه الثقات، وللصبيان والعجائز حضورها كالجمعة والعيدين. ويؤمر بها من تجب عليه الجمعة اتفاقًا.
وإنما لم تجب لخبر الصحيحين المتقدم: «هل علي غيرها؟ - أي الخمس - قال: لا، إلا أن تطَّوّع».
وتشرع بلا أذان ولا إقامة وتسن فيها الجماعة، ويندب أن ينادى لها: «الصلاة جامعة»؛ لأن النبي ﷺ «بعث مناديًا ينادي: الصلاة جامعة» (٤).
(١) يرى المالكية والحنفية: أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وصلاة الخسوف مندوبة.
(٢) البدائع:٢٨٠/ ١، الدر المختار:٧٨٨/ ١، الشرح الصغير:٥٣٢/ ١،٥٣٦، القوانين الفقهية: ص٨٨، مغني المحتاج:٣١٦/ ١، المهذب:١٢٢/ ١، المغني:٤٢٦/ ١ ومابعدها، كشاف القناع:٦٧/ ٢ ومابعدها.
(٣) متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد (نيل الأوطار:٣٢٦/ ٣) وأخرجه البخاري ومسلم أيضًا من حديث عائشة والمغيرة، ومن حديث ابن عمر، ومن حديث ابي مسعود الأنصاري، وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله، والحاكم من حديث النعمان بن بشير (نصب الراية:٢٣١/ ٢).
(٤) متفق عليه عن عبد الله بن عمرو (نيل الأوطار:٣٢٥/ ٣).
 
وتصلى جماعة أو فرادى، سرًا أو جهرًا، بخطبة أو بلا خطبة، على التفصيل الآتي بين المذاهب، لكن فعلها في مسجد الجمعة والجماعة أفضل؛ لأن النبي ﷺ صلى في المسجد (١).
ولا يشترط لها إذن الإمام، كصلاة الاستسقاء؛ لأن كلًا منهما نافلة، وليس إذنه شرطًا في نافلة.
ويسن الغسل لها (٢)، كما تقدم بيانه في بحث الأغسال المسنونة؛ لأنها صلاة يشرع لها الاجتماع، والخطبة عند الشافعية، والوعظ ندبًا عند المالكية، فيسن لها الغسل، كصلاة الجمعة والعيدين.

الصلاة عند الفزع:
قال المالكية (٣): لا يؤمر المرء بالصلاة عند الزلازل والمخاوف والآيات التي هي عبرة؛ لأن النبي ﷺ لم يصل لغير الكسوفين، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، وكذلك خلفاؤه من بعده، لم يصلوا.
وقال الجمهور (٤): يصلى للزلزلة فرادى لا جماعة، لفعل ابن عباس (٥)، ولا يصلى عند الحنابلة لغيرها من سائر الآيات، كالصواعق والريح الشديدة والظلمة بالنهار، والضياء بالليل، لعدم نقل ذلك عنه ﷺ وأصحابه، مع أنه وجد في زمانهم انشقاق القمر، وهبوب الرياح والصواعق.
(١) لحديث عائشة وغيره المتفق عليه.
(٢) المهذب:١٢٢/ ١، كشاف القناع:١٧٢/ ١،٨٦/ ٢، مغني المحتاج:٣١٩/ ١.
(٣) القوانين الفقهية: ص٨٨.
(٤) مراقي الفلاح: ص٩٢، البدائع:٢٨٢/ ١، الحضرمية: ص٨٨، المجموع:٥٨/ ٥ ومابعدها، المهذب:١٢٣/ ١، المغني:٤٢٩/ ٢، كشاف القناع:٧٣/ ٢.
(٥) رواه سعيد بن منصور والبيهقي.
 
وأضاف الحنفية والشافعية: أنه يندب أن يصلي الناس فرادى ركعتين مثل كيفية الصلوات، لا على هيئة الخسوف لنحو الزلازل، كالصواعق والظلمة الهائلة نهارًا، والريح الشديدة مطلقًا ليلًا أو نهارًا، والفزع بانتشار الكواكب والضوء الهائل ليلًا، والثلج والأمطار الدائمة، وعموم الأمراض، والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال؛ لأنها آيات مخوفة للعباد، ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعة الله تعالى التي بها فوزهم وصلاحهم، قياسًا على صلاة الكسوف (١)، وصلاة الكسوف التجاء إلى الله تعالى لكشف الغمة، وهكذا شأن المؤمن يلجأ إلى الله سبحانه كلما ألم به مكروه، واشتد به الضر، وأحدق به الخطر، لذا يسن لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل والرياح الشديدة والصواعق والخسف، لئلا يكون غافلًا؛ لأنه ﷺ كان إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به.

ثالثًا - صفة صلاة الكسوف: 
اختلف الفقهاء في أمور ستة تتعلق بصفة صلاة الكسوف وهي ما يلي:

١ً ـ كيفيتها:
  للفقهاء في كيفية صلاة الكسوف رأيان:

رأي الحنفية (٢):
صلاة الكسوف ركعتان كهيئة الصلوات الأخرى من صلاة العيد والجمعة
(١) وذكر الحنفية حديثًا غريبًا بلفظ «إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئًا فارغبوا إلى الله بالدعاء» أو «فاذكروا الله واستغفروه» (نصب الراية:٢٣٤/ ٢ - ٢٣٥).
(٢) البدائع:٢٨٠/ ١، فتح القدير:٢٣٤/ ١ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص٩٢، الدر المختار:٧٨٨/ ١ ومابعدها، الكتاب واللباب:١٢٠/ ١ ومابعدها.
 
والنافلة، بلا خطبة ولا أذان ولا إقامة، ولا تكرار ركوع في كل ركعة، بل ركوع واحد، وسجدتان، لما رواه أبو داود في سننه: «أنه ﵊ صلى ركعتين، فأطال فيهما القيام، ثم انصرف، وانجلت الشمس، فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله تعالى بها عباده، فإذا رأيتموها فصلوا، كأحدث صلاة صليتموهامن المكتوب» (١) قال الكمال بن الهمام: وهي الصبح، فإن كسوف الشمس كان عند ارتفاعها قيد رمحين.

رأي الجمهور (٢):
صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة قيامان، وقراءتان وركوعان، وسجودان. والسنة أو الأكمل أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة البقرة أو نحوها في الطول، وفي القيام الثاني بعد الفاتحة دون ذلك أي بقدر مئتي آية مثل آل عمران، وفي القيام الثالث بعد الفاتحة دون ذلك، أي بقدر مئة وخمسين آية، مثل النساء، وفي القيام الرابع بعد الفاتحة دون ذلك بقدر مئة تقريبًا مثل المائدة.
فيقرأ أولًا المقدار الأول، ثم يركع، ثم يرفع، ويقرأ المقدار الثاني، ثم يركع ثم يرفع، ثم يسجد كما يسجد في غيرها، ويطيل الركوع، والسجود في الصحيح عند الشافعية، ويكرر ذلك في الركعة الثانية.
(١) رواه أبو داود والنسائي والحاكم عن قبيصة بن مخارق الهلالي (نصب الراية:٢٣٠/ ٢) وهناك حديثان آخران، عند البخاري عن أبي بكرة، وعند مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة، يدل ظاهرهما أن الركعتين بركوع واحد (نصب الراية:٢٢٩/ ٢، نيل الأوطار:٣٣١/ ٣) كما أنه ورد مثلهما عن ابن عمر والنعمان بن بشير.
(٢) القوانين الفقهية: ص٨٨، بداية المجتهد:٢٠٣/ ١، الشرح الصغير:٥٣٢/ ١، مغني المحتاج:٣١٧/ ١، المهذب:١٢٢/ ١، المغني:٤٢٢/ ٢ - ٤٢٦، كشاف القناع:٦٩/ ٢ - ٧٢.
 
ويسبح في الركوع الأول قدر مئة من البقرة، وفي الثاني ثمانين، والثالثة سبعين، والرابع خمسين تقريبًا.
وأخيرًا ذكر الحنابلة أنه يجوز فعل صلاة الكسوف على كل صفة وردت عن الشارع، إن شاء أتى في كل ركعة بركوعين وهو الأفضل؛ لأنه أكثر في الرواية، وإن شاء صلاها بثلاثة ركوعات في كل ركعة. لما روى مسلم عن جابر: أن النبي ﷺ «صلى ست ركعات بأربع سجدات» أو أربعة ركوعات في كل ركعة، لما روى ابن عباس أن النبي ﷺ: «صلى في كسوف: قرأ، ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، والأخرى مثلها» (١).
أوخمسة ركوعات في كل ركعة، لما روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال: «انكسفت الشمس على عهد النبي ﷺ وأنه صلى بهم، فقرأ سورة من الطوال، ثم ركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام إلى الثانية، فقرأ سورة من الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها» (٢)، ولا يزيد على خمسة ركوعات في كل ركعة؛ لأنه لم يرد به نص، والقياس لا يقتضيه.
وإن شاء فعل صلاة الكسوف كنافلة بركوع واحد؛ لأن ما زاد عليه سنة.
ومهما قرأ به جاز، سواء أكانت القراءة طويلة أم قصيرة، وقد روي عن عائشة: «أن رسول الله ﷺ كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أر بع ركعات وأربع سجدات، وقرأ في الأولى بالعنكبوت والروم، وفي الثانية بيس» (٣).
(١) رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وفي لفظ «صلى النبي ص حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات» رواه أحمد ومسلم والنسائي.
(٢) رواه أبو داود وعبد الله بن أحمد.
(٣) أخرجه الدارقطني.
 
ودليل الجمهور على تعدد الركوع اثنين: حديث عبد الله بن عمرو، قال: «لما كُسفت الشمس على عهد النبي ﷺ نودي أن «الصلاة جامعة»، فركع النبي ﷺ ركعتين في سجدة، ثم قام فركع ركعتين في سجدة، ثم جُلِي عن الشمس، قالت عائشة: ما ركعت ركوعًا قط، ولا سجدت سجودًا قط، كان أطول منه» (١).
وحديث عائشة ﵂ قالت: «خَسَفَت الشمس على عهد رسول الله ﷺ، فبعث مناديًا: الصلاة جامعةً، فقام فصلى أربع رَكَعات في ركعتين، وأربع سَجَدات» (٢).
وهذان الحديثان ونحوهما ثابتة في الصحيحين، فهي أشهر وأصح، فقدمت على بقية الروايات. قال ابن عبد البر: هذان الحديثان من أصح ما روي في هذا الباب.
ودليلهم على إطالة القراءة والركوع والقيام: حديث ابن عباس ﵄، قال: «خَسَفت الشمس، فصلى رسول الله ﷺ، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلَّت الشمس ... الخ» (٣).
(١) المراد بالسجدة هنا: الركعة بتمامها، وبالركعتين: الركوعان: كما في رواية عائشة وابن عباس، والحديث متفق عليه (نيل الأوطار:٣٢٥/ ٣).
(٢) حديث متفق عليه (المصدر السابق).
(٣) متفق عليه (المصدر نفسه).
 
ودليلهم على تطويل السجود: حديث ثبت في الصحيحين في صلاته ﷺ لكسوف الشمس من حديث أبي موسى.

ـ الجهر والإسرار بالقراءة في صلاة الكسوفين:
  للفقهاء آراء ثلاثة في الجهر بالقراءة أو الإخفات والإسرار في صلاتي الكسوف والخسوف.
فقال أبو حنيفة (١): يخفي الإمام القراءة في صلاة الكسوف، لحديث ابن عباس وسمرة ﵄، أما حديث الأول فقال: «صليت مع النبي ﷺ الكسوف فلم أسمع منه حرفًا من القراءة» (٢)، وأما حديث سمرة فقال: «صلى بنا رسول الله ﷺ في كسوف، لا يسمع له صوتًا» (٣)، والأصل في صلاة النهار الإخفاء.
وأما صلاة الخسوف فتصلى فرادى سرًا.
وقال الصاحبان: يجهر الإمام في صلاة الكسوف، لحديث عائشة: أنه ﷺ جهر فيها (٤).
(١) فتح القدير:٤٣٣/ ١ - ٤٣٦، البدائع:٢٨١/ ١ - ٢٨٢، الدر المختار:٧٨٩/ ١، اللباب:١٢١/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٢.
(٢) رواه أحمد وأبو يعلى في مسنديهما، والبيهقي والطبراني وأبو نعيم في الحليمة، وفيه ابن لهيعة (نصب الراية:٢٣٣/ ٢).
(٣) أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وقال عنه الترمذي: حديث حسن صحيح (نصب الراية:٢٣٤/ ٢).
(٤) رواه البخاري ومسلم، وللبخاري مثله من حديث أسماء بنت أبي بكر، ورواه أبو داود والترمذي وابن حبان (نصب الراية:٢٣٢/ ٢، نيل الأوطار:٣٣١/ ٣).
 
وقال المالكية والشافعية (١): يسر الإمام في صلاة الكسوف، لحديثي ابن عباس وسمرة المتقدمين، ولأنها صلاة نهارية، كما قال الحنفية، ويجهر في صلاة خسوف القمر؛ لأنها صلاة ليل أو ملحقة بها، وقد جهر النبي ﷺ في صلاة الخسوف بقراءته، في حديث عائشة المذكور.
وقال الحنابلة (٢): يجهر في صلاتي الكسوف والخسوف، لقول عائشة: «إن النبي ﷺ جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات» (٣) وفي لفظ: «صلى صلاة الكسوف فجهر بالقراءة فيها» (٤).
والخلاصة: الإسرار في صلاة الكسوف مذهب الجمهور، ولكني أرجح مذهب الحنابلة والصاحبين في الجهر بصلاة الكسوف والخسوف، قال الشوكاني: الجهر أولى من الإسرار، لأنه زيادة.

ـ وقت صلاة الكسوف والخسوف: 
تصلى هذه الصلاة وقت حدوث الكسوف والخسوف. وهل تصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؟ الجمهور: لا تصلى فيها؛ لأن تلك الأوقات تختص بجميع أجناس الصلاة، والشافعية: تصلى فيها؛ لأن تلك الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في أوقات خمسة تختص بالنوافل، وصلاة الكسوف سنة، فتجوز في أي وقت.
(١) بداية المجتهد:٢٠٤/ ١، الشرح الصغير:٥٣٤/ ١،٥٣٦، القوانين الفقهية: ص٨٨، مغني المحتاج:٣١٨/ ١، المهذب:١٢٢/ ١.
(٢) المغني:٤٢٣/ ٢، كشا ف القناع:٦٩/ ٢.
(٣) رواه البخاري ومسلم (نصب الراية، ونيل الأوطار: المكان السابق).
(٤) صححه الترمذي.
 
وتفصيل آراء المذاهب كما يأتي، 
 
قال الحنفية (١): 
 وقت صلاة الكسوف هو الوقت الذي يستحب فيه أداء سائر الصلوات دون الأوقات المكروهة؛ لأن أداء النوافل أو الواجبات في هذه الأوقات مكروهة، كسجدة التلاوة وغيرها.
وقال المالكية (٢): لا يصلى لكسوف الشمس إلا في الوقت الذي تجوز فيه النافلة، فوقتها كالعيد والاستسقاء من حلّ النافلة إلى الزوال، وهذه رواية المدونة عن مالك، فإذا كسفت بعد الزوال لم تُصلَّ. وعلى رواية غير المدونة: يصلى لها حالًا، ويصلى لها بعد العصر.
وأما صلاة الخسوف: فيندب تكرارها حتى ينجلي القمر، أو يغيب في الأفق، أو يطلع الفجر، فإن حصل واحد من هذه الثلاثة فلا صلاة.

وقال الشافعية (٣): 
 تصلى صلاة الكسوفين في جميع الأوقات؛ لأنها ذات سبب، وتفوت صلاة كسوف الشمس، بالانجلاء لجميع المنكسف، وبغروب الشمس كاسفة، دليل الأول خبر: «إذا رأيتم ذلك - أي الكسوف - فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف مابكم» (٤) فدل على عدم الصلاة بعد ذلك.
ودليل الثاني: أن الانتفاع بالصلاة يبطل بغروبها نيرة أو مكسوفة لزوال سلطانها.
وتفوت صلاة خسوف القمر: بالانجلاء لحصول المقصود، وبطلوع الشمس
(١) البدائع:٢٨٢/ ١.
(٢) بداية المجتهد:٢٠٥/ ١، الشرح الصغير:٥٣٣/ ١، ٥٣٦.
(٣) مغني المحتاج:٣١٩/ ١، المجموع:٥٧/ ٥.
(٤) حديث متفق عليه عن المغيرة بن شعبة، بلفظ «... فإذا رأيتموها - أي الشمس والقمر - فادعوا الله تعالى، وصلوا حتى ينجلي» (نيل الأوطار:٣٣٤/ ٣).
 
وهو - أي القمرـ منخسف لعدم الانتفاع حينئذ بضوئه. ولا تفوت في الجديد بطلوع الفجر لبقاء ظلمة الليل والانتفاع به، كما لاتفوت بغروب القمر خاسفًا، لبقاء محل سلطنته وهو الليل، فغروبه كغيبوبته تحت السحاب خاسفًا.

وقال الحنابلة (١): 
وقتها: من حين الكسوف إلى حين التجلي، لحديث المغيرة السابق وغيره، وإن تجلى الكسوف وهو فيها أتمها خفيفة على صفتها، لقوله ﷺ في حديث أبي مسعود: «فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» (٢)، ولأن المقصود التجلي وقد حصل. ولا يقطع الصلاة، لقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ [محمد:٣٣/ ٤٧] ولكن شرع تخفيفها حينئذ لزوال السبب.
وإن شك في التجلي لنحو غيم أتمها من غير تخفيف؛ لأن الأصل عدمه، فيعمل بالأصل في حال بقاء الكسوف، ويعمل بالأصل في وجود الكسوف إذا شك فيه، فلا يصلي؛ لأن الأصل عدمه.
وتفوت صلاة الكسوفين بالتجلي قبل الصلاة، أو بغيبوبة الشمس كاسفة،
أو بطلوع الشمس والقمر خاسف، أو بطلوع الفجر والقمر خاسف؛ لأنه ذهب وقت الانتفاع بهما (٣).
وإن وقع الكسوف في وقت نهي عن الصلاة، دعا الله وذكره بلا صلاة، لعموم أحاديث النهي. ويؤيده ما روى قتادة قال: «انكسفت الشمس بعد العصر، ونحن بمكة، فقاموا يدعون قيامًا، فسألت عن ذلك فقال: هكذا كانوا يصنعون» (٤).
(١) كشاف القناع:٦٨/ ٢ - ٧١، المغني:٤٢٨/ ٢.
(٢) متفق عليه.
(٣) لا عبرة بقول المنجمين في كسوف ولا غيره مما يخبرون به، ولا يجوز العمل به؛ لأنه من الرجم بالغيب.
(٤) رواه الأثرم. وإن فاتت صلاة الكسوف بفوات وقتها لم تقض، لقوله ﷺ: «فصلوا حتى ينجلي».
 
- هل لصلاة الكسوف خطبة؟ 
 ثبت أن النبي ﷺ لما انصرف من صلاة الكسوف وقد تجلت الشمس، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ...» الحديث (١).
فقال جماعة: إنه خطب؛ لأن من سنة هذه الصلاة الخطبة، كالحال في صلاة العيدين والاستسقاء.
وقال آخرون: إن خطبة النبي ﷺ إنما كانت يومئذ؛ لأن الناس زعموا أن الشمس إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه ﵇.
وتفصيل آراء المذاهب هو مايأتي (٢):
قال الحنفية والحنابلة: لا خطبة لصلاة الكسوف؛ لأن النبي ﷺ «أمر بالصلاة دون الخطبة» وإنما خطب بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به، وليس في الخبر ما يدل على أنه خطب كخطبتي الجمعة.
وكذلك قال المالكية: لا يشترط لهذه الصلاة خطبة، وإنما يندب وعظ بعدها مشتمل على الثناء على الله، والصلاة والسلام على نبيه، لفعله ﵊ ذلك.
(١) حديث متفق عليه عن عائشة ﵂ (نيل الأوطار:٣٢٥/ ٣).
(٢) اللباب:١٢١/ ١، البدائع:٢٨٢/ ١، بداية المجتهد:٢٠٥/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير:٥٣٥/ ١، المهذب:١٢٢/ ١، كشاف القناع:٦٨/ ٢ ومابعدها، المغني:٤٢٥/ ٢.
 
وقال الشافعية: السنة أن يخطب الإمام لصلاة الكسوفين خطبتين بعد الصلاة، كخطبة العيد والجمعة بأركانهما، اتباعًا للسنة، قالت عائشة: «إن النبي ﷺ لما فرغ من صلاته، قام، فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: إن الشمس والقمر ...» (١) ويحث فيهما السامعين على التوبة من الذنوب، وعلى فعل الخير كصدقة ودعاء واستغفار، للأمر بذلك في البخاري وغيره، ويحذرهم الاغترار والغفلة، ويذكر في كل وقت من الحث والزجر ما يناسبه.
لكن لا يخطب الإمام ببلد فيها وال إلا بأمر الوالي، وإلا فيكره.

ذكر الله تعالى والدعاء: 
 اتفق الفقهاء على أنه يستحب ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار والصدقة والتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من القرب، لقوله ﷺ: «فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا» وفي لفظ: «إذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره» (٢) ولأنه تخويف من الله تعالى، فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله تعالى ليكشفه عن عباده.
والدعاء يكون بعد الصلاة، يدعو الإمام جالسًا مستقبل القبلة إن شاء، أو قائمًا مستقبل الناس.

ـ الجماعة في صلاة الكسوف وموضعها: 
اتفق الفقهاء (٣) على أن صلاة الكسوف تسن جماعةً في المسجد، وينادى لها (الصلاة جامعة)، اتباعًا للسنة كما في الصحيحين، قالت عائشة: «خرج النبي
(١) هو الحديث المتفق عليه عن عائشة السابق.
(٢) متفق عليهما، الأول عن عائشة، والثاني عن أبي موسى ﵄ (نيل الأوطار:٣٣٤/ ٣).
(٣) البدائع:٢٨٢/ ١، رد المحتار:٧٨٨/ ١، فتح القدير:٤٣٦/ ١، بداية المجتهد:٢٠٣/ ١،٢٠٦، الشرح الصغير:٥٣٣/ ١،٥٣٥، مغني المحتاج:٣١٨/ ١، المغني:٤٢٠/ ٢، كشاف القناع:٦٨/ ٢، القوانين الفقهية: ص٨٨.
 
ﷺ إلى المسجد، فقام وكبر، وصف الناس وراءه» (١). ويصلي بالناس الإمام الذي يصلِّي بهم الجمعة.
وأجاز الحنابلة والشافعية: صلاتها فرادى؛ لأنها نافلة، ليس من شرطها الاستيطان، فلم تشترط لها الجماعة كالنوافل. وقال الحنفية: إن لم يحضر إمام الجمعة صلاها الناس فرادى ركعتين أو أربعًا، في منازلهم.

وأما صلاة خسوف القمر، ففيها رأيان: 
قال الحنفية والمالكية: إنها تصلى فرادى (أفذاذًا) كسائر النوافل؛ لأن الصلاة بجماعة في خسوف القمر لم تنقل عن النبي ﷺ، مع أن خسوفه كان أكثر من كسوف الشمس، ولأن الأصل أن غير المكتوبة لا تؤدى بجماعة، قال النبي ﷺ: «صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة» إلا إذا ثبت بالدليل كما في العيدين وقيام رمضان وكسوف الشمس، ولأن الاجتماع بالليل متعذر، أو سبب الوقوع في الفتنة.
وتصلى عند الشافعية والحنابلة صلاة الخسوف جماعة كالكسوف، لما روي عن ابن عباس أنه صلى بالناس في خسوف القمر، وقال: صليت كما رأيت رسول الله ﷺ (٢)، ولحديث محمود بن لبيد: «فإذا رأيتموها كذلك فافزعوا إلى المساجد» (٣).
وهذا الرأي أولى؛ إذ لا فرق بين الخسوف والكسوف، وتسقط عمن له عذر في التخلف عن أداء الجماعة.
أما سبب الاختلاف بين الرأيين: فهو اختلافهم في مفهوم قوله ﷺ: «إن
(١) متفق عليه.
(٢) رواه الشافعي في مسنده عن الحسن البصري (نيل الأوطار:٣٣٣/ ٣).
(٣) رواه أحمد والحاكم وابن حبان (المصدر السابق).
 
الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموها، فادعوا الله، وصلوا، حتى يكشف مابكم، وتصدقوا» (١) فالفريق الثاني الذي فهم من الأمر بالصلاة فيهما معنى واحدًا: وهي الصفة التي فعلها في كسوف الشمس، رأى أن الصلاة فيها جماعة.
والفريق الأول الذي فهم من ذلك معنى مختلفًا؛ لأنه لم يرو عنه ﵊ أنه صلى في خسوف القمر مع كثرة دورانه، قال: المفهوم من ذلك أقل ما ينطلق عليه اسم صلاة في الشرع، وهي النافلة فذًا.
ولا تقضى صلاة الخسوف والكسوف؛ لأنها مقرونة بسببها، فإذا زال السبب، فات موجبها، وهو انجلاء الشمس وغياب القمر أو الشمس كاسفًا.

ـ هل صلاة خسوف القمر مثل صلاة الكسوف؟ 
 قال الحنفية (٢): تصلى صلاة الخسوف ركعتين أو أربعًا فرادى، كالنافلة، في المنازل.
وقال المالكية (٣): يندب لخسوف القمر ركعتان جهرًا كالنوافل بقيام وركوع فقط على العادة.
وقال الشافعية والحنابلة (٤): صلاة الخسوف كالكسوف، بجماعة، بركوعين وقيامين وقراءتين وسجدتين في كل ركعة، لكنها تؤدى جهرًا لا سرًا عند
(١) أخرجه البخاري ومسلم.
(٢) البدائع:٢٨٢/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٢، الكتاب:١٢١/ ١.
(٣) القوانين الفقهية: ص٨٨، بداية المجتهد:٢٠٦/ ١، الشرح الصغير:٥٣٦/ ١.
(٤) مغني المحتاج:٣١٨/ ١، المغني:٤٢٤/ ٢، كشاف القناع:٦٩/ ٢.
 
الشافعية، كما هو المقرر فيهما عند الحنابلة، لقول عائشة:
«إن النبي ﷺ جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات» (١).

رابعًا - متى يدركها المسبوق؟ 
 عرفنا أن لهذه الصلاة هيئة مخصوصة تتميز عند غير الحنفية بركوعين في كل ركعة، فهل يدركها المسبوق بالركوع الأول أو بالثاني؟
قال المالكية (٢): تدرك الركعة من ركعتي الكسوف مع الإمام بالركوع الثاني، فيكون هو الفرض، وأما الأول فهو سنة، والراجح أن الفاتحة فرض مطلقًا.
وقال الشافعية (٣): من أدرك الإمام في ركوع أول، أدرك الركعة، كما في سائر الصلوات، أما من أدركه في ركوع ثان أو قيام ثان، فلا يدرك الركعة في الأظهر؛ لأن الأصل هو الركوع الأول وقيامه، والركوع الثاني وقيامه في حكم التابع.
وهذا هو الراجح لدي، لأنه المتبادر للذهن، والثاني استثناء.
وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة (٤): إذا أدرك المأموم الإمام في الركوع الثاني، احتمل أن تفوته الركعة؛ لأنه قد فاته من الركعة ركوع، كما لو فاته الركوع من غير هذه الصلاة. ويحتمل أن صلاته تصح؛ لأنه يجوز أن يصلي هذه الصلاة بركوع واحد، فاجتزئ به في حق المسبوق.
(١) متفق عليه.
(٢) الشرح الصغير:٥٣٥/ ١.
(٣) مغني المحتاج: ٣١٩/ ١.
(٤) المغني:٤٢٨/ ٢.
 
خامسًا - هل تقدم صلاة الكسوف على غيرها عند اجتماعها معها؟ 
إذا اجتمع صلاتان كالكسوف مع غيره من الجمعة أو فرض آخر أو العيد، أو الجنازة أو الوتر فأيهما يقدم؟
قال الشافعية والحنابلة (١):يقدم الفرض إن خيف فوته، لضيق وقته، وإلا بأن لم يخف فوت الفرض، يقدم الكسوف، ثم يخطب للجمعة متعرضًا للكسوف، ثم تصلى الجمعة، وتكفي عند الشافعية خطبة الجمعة عن خطبة الكسوف.
ولو اجتمع عيد أوكسوف مع صلاة جنازة، قدمت الجنازة على الكسوف والعيد إكرامًا للميت، ولأنه ربما يتغير بالانتظار، كما تقدم الجنازة على صلاة الجمعة إن لم يخف فوتها.
وتقدم صلاة الكسوف على صلاة العيد والمكتوبة إن أمن الفوت.
ويقدم الخسوف على الوتر باتفاق الشافعية والحنابلة، كما يقدم عند الشافعية على التراويح، وإن خيف فوت الوتر أو التراويح؛ لأنه آكد، ولأن الوتر يمكن تداركه بالقضاء. وتقدم التراويح على الخسوف عند الحنابلة إذا تعذر فعلهما؛ لأنها تختص برمضان وتفوت بفواته.
(١) مغني المحتاج:٣١٩/ ١ ومابعدها، المهذب:١٢٣/ ١، كشاف القناع: ٧٢/ ٢ ومابعدها، المغني:٤٢١/ ٢ وما بعدها.
 
المبحث السادس - صلاة الاستسقاء 
تعريف الاستسقاء وسببه، مشروعية صلاة الاستسقاء، صفة الصلاة، ووقتها والمكلف بها، والجهر بالقراءة فيها، خطبتها والدعاء فيها وبعدها، ما يستحب في الاستسقاء قبل الصلاة وبعدها (وظائف الاستسقاء)، الدعاء عند المطر وغيره من الأحداث، التنفل في المصلى.

أولًا - تعريف الاستسقاء وسببه: 
 الاستسقاء: لغة: طلب السقيا، وشرعًا: طلب السقي من الله تعالى بمطر عند حاجة العباد إليه على صفة مخصوصة (١) أي بصلاة وخطبة واستغفار وحمد وثناء.
وسببه: قلة الأمطار: وشح المياه، والشعور بالحاجة لسقي الزرع وشرب الحيوان، ويحدث الجفاف عادة ابتلاء من الله تعالى، بسبب غفلة الناس عن ربهم، وتفشي المعاصي بينهم (٢)، فيحتاج الأمر للتوبة والاستغفار والتضرع إلى الله
(١) الشرح الصغير:٥٣٧/ ١، مغني المحتاج:٣٢١/ ١، كشاف القناع:٧٤/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٣.
(٢) روى ابن ماجه عن ابن عمر ﵄ في حديث له: أن النبي ﷺ قال: لم ينقُص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسِّنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمْنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا» (نيل الأوطار:٢/ ٤).
 
تعالى، فإذا فعل العباد ذلك، تفضل عليهم خالقهم وأنعم عليهم بإنزال المطر، كما قص علينا القرآن الكريم من دعاء الأنبياء نوح وموسى وهود ﵈ لإغاثة أقوامهم، قال تعالى عن نوح: ﴿فقلت: استغفروا ربكم، إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهارًا﴾ [نوح:٧١/ ١٠ - ١١ - ١٢] وقال عن موسى: ﴿وإذ استسقى موسى لقومه، فقلنا: اضرب بعصاك الحجر ..﴾ [البقرة:٦٠/ ٢] وقال عن موسى: ﴿ويا قوم استغفروا ربكم، ثم توبوا إليه، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويزدكم قوة إلى قوتكم﴾ [هود:٥٢/ ١١].

ثانيًا - مشروعية صلاة الاستسقاء: 
 قال أبو حنيفة ﵀ (١): ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإذا صلى الناس فرادى أو وُحدانًا، جاز من غير كراهة؛ لأنها نفل مطلق، وإنما الاستسقاء: دعاء واستغفار؛ لأنه السبب لإرسال الأمطار، بلا جماعة مسنونة، وبلا خطبة، وبلا قلب رداء، وبلا حضور ذمي، لقوله تعالى: ﴿فقلت: استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا﴾ [نوح:٧١/ ١٠]، ورسول الله ﷺ استسقى، ولم يرو عنه الصلاة.
ورد الحافظ الزيلعي فقال (٢): أما استسقاؤه ﵇، فصحيح ثابت، وأما إنه لم يرو عنه الصلاة، فهذا غير صحيح، بل صح أنه صلى فيه، كما سيأتي، وليس في الحديث أنه استسقى، ولم يصل، بل غاية ما يوجد ذكر الاستسقاء، دون ذكر الصلاة، ولا يلزم من عدم ذكر الشيء عدم وقوعه.
(١) الكتاب مع اللباب:١٢١/ ١ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص٩٣، فتح القدير:٤٣٧/ ١، البدائع:٢٨٢/ ١، الدر المختار:٧٩٠/ ١ومابعدها.
(٢) نصب الراية:٢٣٨/ ٢.
 
وقال جمهور الفقهاء منهم الصاحبان (١): صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة حضرًا وسفرًا، عند الحاجة، ثابتة بسنة رسول الله ﷺ وخلفائه، ﵃. وتكرر في أيام ثانيًا وثالثًا وأكثر، إن تأخر السقي، حتى يسقيهم الله تعالى، فإن الله يحب الملحين في الدعاء (٢).
ودليل سنيتها أحاديث متعددة، منها حديث ابن عباس: أن النبي ﷺ صلى في الاستسقاء ركعتين، كصلاة العيد (٣).
وحديث عائشة أن النبي ﷺ خطب في الاستسقاء «ثم نزل فصلى ركعتين ...» (٤) وحديث أبي هريرة وعبد الله بن زيد وعباد بن تميم عن عمه (٥).
وإن تأهب الناس لصلاة الاستسقاء، فسقوا وأمطروا قبلها، صلوها عند المالكية لطلب سعة، واجتمعوا عند الشافعية (٦) للشكر والدعاء، ويصلون صلاة الاستسقاء المعروفة شكرًا أيضًا، على الصحيح، كما يجتمعون للدعاء ونحوه، والأصح أنه يخطب بهم الإمام أيضًا، ولو سقوا في أثنائها أتموها، جزمًا.
وعند الحنابلة (٧): لا يخرج الناس حينئذ للصلاة، وشكروا الله على نعمته،
(١) بداية المجتهد:٢٠٧/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٧، الشرح الصغير:٥٣٨/ ١، مغني المحتاج:٣٢١/ ١، المهذب:١٢٣/ ١، المغني:٤٣٩/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع:٧٤/ ٢.
(٢) رواه ابن عدي والعقيلي عن عائشة، وضعفاه، وفي الصحيحين: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي».
(٣) أخرجه أصحاب السنن الأربعة (نصب الراية:٢٣٩/ ٢، نيل الأوطار:٦/ ٤).
(٤) رواه أبو داود (نيل الأوطار:٣/ ٤).
(٥) الأول رواه أحمد وابن ماجه، والثاني رواه أحمد، والثالث رواه أبو داود والترمذي والبخاري ومسلم، وهو صحيح (نيل الأوطار: ٤/ ٤، المجموع:٦٥/ ٥).
(٦) مغني المحتاج:٣٢١/ ١، الشرح الصغير:٥٤٠/ ١ ومابعدها.
(٧) المغني:٤٤٠/ ٢.
 
وسألوه المزيد من فضله. أما إن خرجوا فأمطروا قبل أن يصلوا، صلوا شكرًا لله تعالى، وحمدوه ودعوه.

ثالثًا - صفة صلاة الاستسقاء ووقتها والمكلف بها والقراءة فيها:
  اتفق الجمهور غير أبي حنيفة (١) على أن صلاة الاستسقاء ركعتان بجماعة في المصلى بالصحراء خارج البلد، بلا أذان ولا إقامة، وإنما ينادى لها (الصلاة جامعة)؛ لأنه ﷺ لم يقمها إلا في الصحراء، وهي أوسع من غيرها في المصلى، ويجهر فيهما بالقراءة، كصلاة العيد، بعدد تكبيراته عند الشافعية والحنابلة بعد الافتتاح قبل التعوذ، سبعًا في الركعة الأولى، وخمسًا في الثانية برفع يديه ووقوفه بين كل تكبيرتين كآية معتدلة، قال ابن عباس: «سنة الاستسقاء سنة العيدين» فتسن في الصحراء، مع تكبير العيد، بلا أذان ولا إقامة لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة.
ويجعل عند المالكية والشافعية، والصاحبين من الحنفية في المشهور الاستغفار بدل التكبير، فليس في الاستسقاء تكبير، بل فيه الاستغفار بدل التكبير.
ويقرأ في الصلاة ما شاء جهرًا، كما في صلاة العيدين، والأفضل أن يقرأ فيهما عند المالكية بسبح، والشمس وضحاها، وعند الحنابلة والصاحبين مثلما يقرأ في صلاة العيد بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، كما في حديث ابن عباس المتقدم وحديث أنس عند ابن قتيبة في غريب الحديث، وإن شاء قرأ في الركعة الأولى بـ ﴿إنا أرسلنا نوحًا﴾ [نوح:٧١/ ١] لمناسبتها الحال، وفي الركعة الثانية سورة أخرى من غير تعيين.
(١) القوانين الفقهية: ص٨٧، الشرح الكبير:٤٠٥/ ١، الشرح الصغير:٥٣٧/ ١، مغني المحتاج:٣٢٣/ ١ ومابعدها، المهذب:١٢٣/ ١ ومابعدها، كشاف القناع:٧٤/ ٢ - ٧٥، المغني:٤٣٠/ ٢ - ٤٣٢.
 
وعند الشافعية: يقرأ في الأولى جهرًا بسورة ﴿ق﴾ [ق:٥٠/ ١] وفي الثانية: ﴿اقتربت﴾ [القمر:٥٤/ ١] في الأصح، أو بسبح والغاشية، قياسًا لا نصًا. ودليل الجهر بالقراءة حديث عبد الله بن زيد وغيره: «ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» (١)، وكما تفعل جماعة - وهو الأفضل - تفعل فرادى.
والمستحب الخروج إلى الصحراء، إلا في مكة والمدينة وبيت المقدس ففي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فيخرج الناس ثلاثة أيام مشاة في ثياب خَلِقة غَسِيلة، متذللين متواضعين، خاشعين لله تعالى، ناكسين رؤوسهم، مقدمين الصدقة كل يوم قبل خروجهم، ويجددون التوبة، ويستسقون بالضَّعَفة والشيوخ والعجائز والأطفال.
ولا يشترط إذن الإمام لصلاة الاستسقاء عند أبي حنيفة؛ لأن المقصود هو الدعاء فلا يشترط له إذن الإمام، ويشترط ذلك عند الشافعية، وعن الإمام أحمد روايتان (٢).

وأما وقتها:
 فليس لها وقت معين، ولا تختص بوقت العيد، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي عن الصلاة، بغير خلاف؛ لأن وقتها متسع، فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي. ويسن فعلها أول النهار، وقت صلاة العيد، لحديث عائشة: «أنه ﷺ خرج حين بدا حاجب الشمس» (٣)، ولأنها تشبه صلاة العيد في الموضع والصفة، فكذلك في الوقت؛ لأن وقتها لا يفوت بزوال الشمس؛ لأنها ليس لها يوم معين، فلا يكون لها وقت معين.
(١) رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي (نيل الأوطار: ٤/ ٤).
(٢) البدائع:٢٨٤/ ١، مغني المحتاج:٣٢٥/ ١، المغني:٤٣٨/ ٢ ومابعدها.
(٣) رواه أبو داود.
 
ولا تتقيد بزوال الشمس ظهرًا، فيجوز فعلها بعده، كسائر النوافل (١). وإن استسقى الناس عقب صلواتهم أو في خطبة الجمعة، أصابوا السنة، فيجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة لحديث عمر ﵁ أنه خرج يستسقي، فصعد المنبر فقال: «استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهارًا، استغفروا ربكم، إنه كان غفارًا، ثم نزل، فقيل: يا أمير المؤمنين، لو استسقيت؟ فقال: لقد طلبت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر» (٢).
والمكلف بها (٣): الرجال القادرون على المشي، ولا يؤمر بها النساء والصبيان غير المميزين على المشهور عند المالكية، وقال الشافعية والحنفية: يندب خروج الأطفال والشيوخ والعجائز، ومن لا هيئة لها من النساء، والخنثى القبيح المنظر؛ لأن دعاءهم أقرب إلى الإجابة، إذ الكبير أرق قلبًا، والصغير لا ذنب عليه، ولقوله ﷺ: «وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم» (٤). ويكره خروج الشابات والنساء ذوات الهيئة، خوف الفتنة.
(١) بداية المجتهد:٢٠٩/ ١، الشرح الصغير:٥٣٨/ ١، مغني المحتاج:٣٢٤/ ١، المغني:٤٣٢/ ٢،٤٤٠ ومابعدها، كشاف القناع:٧٥/ ٢.
(٢) رواه البيهقي عن الشعبي، والمجاديح: جمع مجدح، وهو كل نجم كانت العرب تقول: يمطر به، فأخبر عمر ﵁: أن الاستغفار: هو المجاديح الحقيقية التي يستنزل بها القطر، لا الأنواء، وإنما قصد التشبيه. وقيل: مجاديحها: مفاتيحها، وقد جاء في رواية: بمفاتيح السماء (المجموع:٧٦/ ٥،٧٨ ومابعدها).
(٣) البدائع:٢٨٣/ ١ ومابعدها، اللباب:١٢٣/ ١، فتح القدير:٤٤١/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٣، الدر المختار:٧٩١/ ١، المجموع:٧٢/ ٥،٨٣، القوانين الفقهية: ص٨٧، الشرح الصغير:٥٣٨/ ١، مغني المحتاج:٣٢٢/ ١ - ٣٢٣، المهذب:١٢٣/ ١ - ١٢٥، المغني:٤٣٠/ ٢،٤٣٩، ٤٤١، كشاف القناع:٧٦/ ٢ - ٧٧، ٨٢.
(٤) رواه البخاري.
 
إخراج الدواب: 
ولا يستحب عند المالكية والحنابلة إخراج البهائم والمجانين؛ لأن النبي ﷺ لم يفعله.
ويستحب إخراجها مع أولادها عند الحنفية، والشافعية في الأصح، ويباح ذلك عند الحنابلة؛ لأن الرزق مشترك بين الكل (١)، وليحصل التحنّن، ويظهر الضجيج بالحاجات، روى البزار مرفوعًا بسند ضعيف: «لولا أطفال رُضَّع، وعباد رُكَّع، وبهائم رُتَّع، لصب عليكم العذاب صبًا». وروي أن سليمان ﵇ «خرج يستسقي، فرأى نملة مستلقية، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن رزقك، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم» (٢).

التوسل بذوي الصلاح:
ويستحب إخراج أهل الدين والصلاح، لأنه أسرع لإجابتهم، وقد استسقى عمر بالعباس، ومعاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى، فلابأس بالتوسل بالصالحين، قال ابن عمر: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس، فقال: اللهم إن هذا عمُّ نبيك ﷺ نتوجه إليك به، فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله ﷿. وقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود، يايزيد، ارفع يديك، فرفع يديه، ودعا الله تعالى، فثارت في الغرب سحابة مثل الترس، وهب لها ريح، فسقوا، حتى كادوا لايبلغون منازلهم (٣).
(١) المراجع السابقة.
(٢) حديث استسقاء النملة رواه الحاكم بمعناه بإسناده عن أبي هريرة، وهو صحيح الإسناد (المجموع:٦٨/ ٥).
(٣) حديث عمر رواه البخاري من رواية أنس أن عمر كان يفعله، وحديث استسقاء معاوية بيزيد مشهور (المجموع:٦٨/ ٥، نيل الأوطار:٦/ ٤).
 
وهيئة الخارج للاستسقاء كما بينا: أن يكون متضرعًا لله تعالى، متبذلًا أي في ثياب البذلة، لافي ثياب الزينة، ولا يتطيب؛ لأنه من كمال الزينة، ويكون متخشعًا في مشيه، وجلوسه في خضوع، متضرعًا إلى الله تعالى، متذللًا له، راغبًا إليه. قال ابن عباس: خرج رسول الله ﷺ متواضعًا متبذلًا متخشعًا متضرعًا (١).

وهل يخرج أهل الذمة؟ 
 قال الحنفية: لا يحضر أهل الذمةلاستسقاء؛ لأن الخروج للدعاء، وقد قال تعالى: ﴿وما دعاء الكافرين إلا في ضلال﴾ [الرعد:١٤/ ١٣]، ولأنه لاستنزال الرحمة، وإنما تنزل عليهم اللعنة، وإن كان الراجح أن دعاء الكافر قد يستجاب استدراجًا. وأما الآية السابقة ﴿وما دعاء﴾ [الرعد:١٤/ ١٣] ففي الآخرة.
وقال الجمهور: لا يمنع أهل الذمة من الخروج مع المسلمين، وأمروا أن يكونوا منفردين لا يختلطون بنا في مصلانا، ولا عند الخروج، ويكره اختلاطهم بنا، كما يكره خروجهم عند الشافعي، ولا يؤمن على دعائهم؛ لأن دعاء الكافر غير مقبول. وكونهم لا يمنعون الحضور؛ لأنهم يسترزقون ويطلبون أرزاقهم من ربهم، وفضل الله واسع، وقد يجيبهم الله تعالى استدراجًا، وطعمة في الدنيا، قال تعالى: ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾ [الأعراف:١٨٢/ ٧] والله ضمن أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين.
وانفرادهم عن المسلمين؛ لأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب، فيعم من حضرهم، فإن قوم عاد استسقوا، فأرسل الله عليهم ريحًا صرصرًا فأهلكتهم.
(١) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (نيل الأوطار:٦/ ٤).
 
رابعًا - خطبة الاستسقاء:  
قال أبو حنيفة (١) لاخطبة للاستسقاء؛ لأنها تبع للجماعة، ولا جماعة لها عنده، وإنما دعاء واستغفار يستقبل فيهما الإمام القبلة. قال ابن عباس حينما سئل عن صلاة الاستسقاء: خرج رسول الله ﷺ متواضعًا متبذلًا (٢)، متخشعًا، متضرعًا، فصلى ركعتين، كما يُصلَّى في العيد، لم يخطب خطبتكم هذه (٣).
وقال الصاحبان: يصلي الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، ثم يخطب، ويستقبل القبلة بالدعاء. ويخطب خطبتين بينهما جلسة كالعيد عند محمد، وخطبة واحدة عند أبي يوسف، ويكون معظم الخطبة الاستغفار.
وقال الجمهور (٤): يخطب الإمام للاستسقاء بعد الصلاة على الصحيح خطبتين كصلاة العيد عند المالكية والشافعية، لقول ابن عباس: صنع رسول الله ﷺ في الاستسقاء كما صنع في العيدين، وخطبة واحدة عند الحنابلة؛ لأنه لم ينقل أنهصلّى الله عليه وسلم خطب بأكثر منها.
ودليلهم على طلب الخطبة وكونها بعد الصلاة: حديث أبي هريرة: «خرج نبي الله ﷺ يومًا يستسقي، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا، ودعا الله ﷿، وحول وجهه نحو القبلة رافعًا يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» (٥).
(١) فتح القدير مع العناية:٤٣٩/ ١ ومابعدها، البدائع:٢٨٣/ ١ ومابعدها، اللباب: ١٢٢/ ١ ومابعدها.
(٢) أي لا بسًا ثياب البذلة (المهنة والعمل) تاركًا ثياب الزينة، تواضعًا لله تعالى.
(٣) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (نيل الأوطار:٦/ ٤).
(٤) الشرح الصغير:٥٣٩/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٧، بداية المجتهد:٢٠٨/ ١، المجموع:٧٥/ ٥ ومابعدها، مغني المحتاج:٣٢٤/ ١ ومابعدها، الشرح الكبير للدردير:٤٠٦/ ١، كشاف القناع:٨٠/ ٢، المغني:٤٣٣/ ٢ - ٤٣٦.
(٥) رواه أحمد وابن ماجه (نيل الأوطار: ٤/ ٤) وروى أحمد مثله عن عبد الله بن زيد.
 
وتجوز عند الشافعية الخطبة قبل الصلاة، لحديث عبد الله بن زيد: «رأيت النبي ﷺ يوم خرج يستسقي، فحوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» (١).
وتختلف عن خطبة العيد في رأي المالكية والشافعية أن الإمام يستغفر الله تعالى بدل التكبير، فيقول: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) ويكثر فيها بالاتفاق الاستغفار؛ لأنه سبب لنزول الغيث، روى سعيد: «أن عمر خرج يستسقي، فلم يزد على الاستغفار، فقالوا: ما رأيناك استسقيت فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يُستنزَل به المطر، ثم قرأ: استغفروا ربكم، إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا» (٢).
ولا حد للاستغفار عند المالكية في أول الخطبة الأولى والثانية.
ويستغفر الخطيب في الخطبة الأولى عند الشافعية تسعًا، وفي الثانية سبعًا، ويستحب أن يكثر من الاستغفار، لقوله تعالى: ﴿استغفروا ربكم، إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا﴾ [نوح:٧١/ ١٠ - ١١]. ويفتتح الإمام عند الحنابلة الخطبة بالتكبير تسعًا نسَقًا كخطبة العيد، ويكثر فيها عندهم الصلاة على النبي ﷺ؛ لأنها معونة على الإجابة، قال عمر: «الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك» (٣)، ويقرأ كثيرًا: ﴿استغفروا ربكم إنه كان غفارًا﴾ [نوح:٧١/ ١٠] وسائر الآيات التي فيها الأمر به، فإن الله تعالى وعدهم بإرسال الغيث إذا استغفروه.
(١) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، لكن لم يذكر مسلم الجهر بالقراءة (المصدر السابق).
(٢) سبق تخريجه عند البيهقي، وعن علي نحوه (نيل الأوطار:٧/ ٤) ومجاديح السماء، أنواؤها، والمراد بالأنواء: النجوم التي يحصل عندها المطر عادة، فشبه الاستغفار بها.
(٣) رواه الترمذي.
 
الدعاء بالخطبة: 
ويدعو الإمام في الخطبة الأولى: اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا مَريعًا، غَدَقًا، مجلِّلًا، سَحًَّا، طَبَقًا دائمًا، لحديث ابن عباس (١).
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين (أي الآيسين بتأخير المطر)،اللهم إن بالعباد والبلاد والخلق من اللأواء (شدة الجوع)، والجَهد (قلة الخير وسوء الحال)، والضنك (أي الضيق)، ما لا نشكو إلا إليك.
اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض. اللهم ارفع عنا الجهد والعُرْي والجوع، واكشف عنا من البلاء، ما لا يكشفه غيرك.
اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا أي درًا، والمراد مطرًا كثيرًا. وكل ذلك ثابت بحديث واحد عن عبد الله بن عمر.
ويبالغ في الدعاء سرًا وجهرًا لقوله تعالى: ﴿ادعوا ربكم تضرعًا وخفية﴾ [الأعراف:٥٥/ ٧] ويؤمن القوم على دعائه، فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، إنك لا تخلف الميعاد (٢). وكان من دعائه ﷺ: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين» (٣).
(١) رواه ابن ماجه، ومعناه: اللهم اسقنا مطرًا، منقذًا من الشدة بإروائه، طيبًا لا ينغصه شيء، محمر العاقبة، ذا ريع أي نماء، كثير الماء والخير، يجلل الأرض أي يعمها، شديد الوقع على الأرض، مطبقًا على الأرض أي مستوعبًا لها، دائمًا إلى انتهاء الحاجة (نيل الأوطار:٩/ ٤).
(٢) لقوله تعالى: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾ [البقرة:٢/ ١٨٦] والدعاء سرًا: أقرب إلى الإخلاص، وأبلغ في الخشوع والخضوع، وأسرع في الإجابة.
(٣) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم عن عائشة (سنن أبي داود:٢٦٧/ ١، نيل الأوطار:٣/ ٤).
 
أما الناس فيسرون بالدعاء إن أسر الإمام، ويجهرون به إن جهر.
ويستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الدعاء، لحديث عبد الله بن زيد المتقدم. وهذا ما قرره الصاحبان، وهو أن الإمام يستقبل القبلة بالدعاء في الخطبة.
وقال المالكية: يستقبل القبلة بوجهه قائمًا بعد الفراغ من الخطبتين، ويبالغ في الدعاء برفع الكرب والقحط وإنزال الغيث والرحمة وعدم المؤاخذة بالذنوب، ولا يدعو لأحد من الناس.
وقال الشافعية: يستقبل الإمام القبلة بعد صدر (نحو ثلث) الخطبة الثانية، ثم يدعو (١) سرًا وجهرًا، ثم يستقبل الناس بوجهه ويحثهم على الطاعة، ويصلي على النبي ﷺ ويقرأ آية أو آيتين، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويختم بقوله: أستغفر الله لي ولكم.
وقال الحنابلة: يستقبل القبلة في أثناء الخطبة.

رفع الأيدي في الدعاء: 
 ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء، لحديث أنس: «كان النبي ﷺ لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه، حتى يُرى بياض إبطيه» (٢) وفي حديث أيضًا لأنس: فرفع النبي ﷺ ورفع الناس أيديهم.

قلب الرداء أو تحويله:
  قال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: يقلب الإمام رداءه عند الدعاء، لما روي أنه ﷺ: «لما استسقى حوَّل ظهره إلى الناس، واستقبل القبلة، وحوَّل رداءه» (٣).
(١) قال النووي: فيه استحباب استقبال القبلة للدعاء، ويلحق به الوضوء والغسل والتيمم والقراءة وسائر الطاعات، إلا ما خرج بدليل كالخطبة.
(٢) متفق عليه بين أحمد والبخاري ومسلم (نيل الأوطار:٨/ ٤).
(٣) سبق تخريجه، وقال الزيلعي: رواه الأئمة الستة، وأحمد (نصب الراية:٢٤٢/ ٢).
 
وصفة القَلْب: إن كان مربَّعًا جعل أعلاه أسفله، وإن كان مُدَوَّرًا كالجبة، جعل الجانب الأيمن على الأيسر.
ولا يقلب القوم أرديتهم؛ لأنه لم ينقل أنه ﵇ أمرهم بذلك ولا يسن القلب عند أبي حنيفة؛ لأن الاستسقاء دعاء عنده، فلا يستحب تحويل الرداء فيه كسائر الأدعية.
وقال الجمهور: يحول الإمام رداءه عند استقبال القبلة، على الخلاف السابق في وقت الاستقبال، ويحول الناس الذكور مثله أي مثل الإمام، وهم جلوس، لحديث عبد الله بن زيد، وحديث عائشة، وحديث أبي هريرة كما تقدم (١) وليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب، وجاء هذا المعنى في بعض الحديث، روي «أن النبي ﷺ حول رداءه ليتحول القحط» (٢).
وصفة التحويل: أن يجعل يمينه يساره وعكسه أي يجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، بلا تنكيس للرداء عند المالكية والحنابلة، أي فلا يجعل الحاشية السفلى التي على رجليه على أكتافه.
ومع التنكيس في المذهب الجديد للشافعي، فيجعل أعلاه أسفله وعكسه، لحديث: «أنه ﷺ استسقى، وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فثقُلت عليه، فقلَبها الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» (٣).
(١) انظر نيل الأوطار:٣/ ٤ - ٤، قال السهيلي: وكان طول ردائه ﷺ أربعة أذرع، وعرضه ذراعين وشبرًا.
(٢) رواه الدارقطني عن جعفر بن محمد عن أبيه.
(٣) رواه أحمد وأبو داود، والخميصة: كساء أسود مربع له علَمان (نيل الأوطار:١١/ ٤ - ١٢).
 
ودليل التحويل للناس: حديث عبد الله بن زيد: «رأيت رسول الله ﷺ حين استسقى لنا، أطال الدعاء، وأكثر المسألة، ثم تحول إلى القبلة، وحول رداءه، فقلبه ظهرًا لبطن، وتحول الناس معه» (١).
قال الحنابلة: ويظل الرداء محولًا حتى يُنزغ مع الثياب بعد الوصول إلى المنزل، لعدم نقل إعادته. والخلاصة: إن تحويل الرداء للتفاؤل بتحويل الحال من الشدة إلى الرخاء، و«كان رسول الله ﷺ يحب الفأل الحسن» (٢).

خامسًا - ما يستحب في الاستسقاء أو وظائف الاستسقاء: 
 يستحب للاستسقاء ما يأتي (٣) بالإضافة لما ذكر سابقًا في الخطبة والخروج للصلاة:
١ً - يأمر الإمام الناس بالتوبة من المعاصي، والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر والخير من صدقة وغيرها، والخروج من المظالم وأداء الحقوق؛ لأن ذلك أرجى للإجابة، قال تعالى: ﴿ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، يرسل السماء عليكم مدرارًا﴾ [هود:٥٢/ ١١]، ولأن المعاصي والمظالم سبب القحط ومنع القطر، والتقوى سبب البركات، لقوله تعالى: ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض﴾ [الأعراف:٧/ ٩٦] ويأمرالإمام أيضًا بصيام
(١) رواه أحمد (نيل الأوطار:١١/ ٤).
(٢) رواه الشيخان عن أنس بلفظ: «يعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، والكلمة الطيبة» وفي رواية لمسلم «وأحب الفأل الصالح».
(٣) الدر المختار: ٧٩٢/ ١، البدائع:٢٨٤/ ١، اللباب:١٢٢/ ١ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص٩٣، القوانين الفقهية: ص٦٧، الشرح الصغير:٥٣٨/ ١ - ٥٤٠، مغني المحتاج:٣٢١/ ١ - ٣٢٦، المهذب:١٢٣/ ١ - ١٢٥، المغني:٤٣٠/ ٢، ٤٣٨، كشاف القناع:٧٥/ ٢ ومابعدها.
 
ثلاثة أيام متتابعة قبل صلاة الاستسقاء، ويخرج الناس في يوم آخر صيامًا، أو في اليوم الرابع إلى الصحراء صيامًا فتصير أيام الصيام أربعة؛ لأنه وسيلة إلى نزول الغيث لما فيه من الرياضة والخشوع، وقد روي:
«ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم» (١).
قال الشافعية: ويلزم الناس امتثال أمر الإمام. وقال الحنابلة: ولا يلزم الصيام والصدقة بأمره.
ويأمرهم الإمام أيضًا بالصدقة؛ لأنها متضمنة للرحمة المفضية إلى رحمتهم بنزول الغيث. كما يأمرهم بترك التشاحن من الشحناء وهي العداوة؛ لأنها تحمل على المعصية والبهت، وتمنع نزول الخير بدليل قوله ﷺ: «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت» (٢) ويعين الإمام يومًا يخرج الناس فيه (٣).
٢ً - أن يخرج الإمام والناس مشاة إلى الاستسقاء في الصحراء ثلاثة أيام متتابعة، إلا في مكة والمدينة وبيت المقدس، فيجتمعون في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، كما قدمنا.
وإن لم يخرج الإمام خرج الناس لصلاة الاستسقاء عند الحنفية، وإذا خرجوا، اشتغلوا بالدعاء، ولم يصلوا بجماعة إلا إذا أمر الإمام إنسانًا أن يصلي بهم جماعة؛ لأن هذا دعاء، فلا يشترط له حضور الإمام. وإن خرجوا بغير إذن الإمام، جاز؛ لأنه دعاء، فلا يشترط له إذن الإمام.
(١) رواه الترمذي عن أبي هريرة وقال: حديث حسن، ورواه البيهقي عن أنس، وقال: «دعوة الصائم والوالد والمسافر».
(٢) رواه أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري (نيل الأوطار:٢٧٧/ ٤) وتلاحى: تنازع.
(٣) رواه أبو داود عن عائشة (نيل الأوطار:٣/ ٤).
 
وقال الشافعية: إذا كان الوالي بالبلد لا يخرج الناس إلى الصحراء حتى يأذن لهم، لخوف الفتنة. وعند الحنابلة روايتان: إحداهما - لا يستحب إلا بخروج الإمام أو نائبه، فإذا خرجوا دعوا وانصرفوا بلا صلاة ولا خطبة. وفي رواية أخرى: إنهم يصلون لأنفسهم، ويخطب بهم أحدهم.
٣ً - التنظيف للاستسقاء بغسل وسواك وإزالة رائحة وتقليم أظفار ونحوه، لئلا يؤذي الناس، وهو يوم يجتمعون له كالجمعة.
ولا يستحب التطيب؛ لأنه يوم استكانة وخضوع، ولأن الطيب للزينة وليس هذا وقت زينة.
٤ً - يخرج المرء إلى المصلى متواضعًا متذللًا، متخشعًا (خاضعًا) متضرعًا (مستكينًا) متبذلًا (في ثياب بَذْلة)، لحديث ابن عباس السابق: «خرج النبي ﷺ للاستسقاء متذللًا متواضعًا متخشعًا، حتى أتى المصلى» (١).
٥ً - التوسل بأهل الدين والصلاح والشيوخ والعلماء المتقين والعجائز والأطفال والدواب، تحصيلًا للتحنن، وإظهار الضجيج بالحاجات، كما بينا سابقًا (٢)، ويسن لكل من حضر أن يستشفع سرًا بخالص عمله.
٦ً - الخروج إلى المصلى في الصحراء: لحديث عائشة: «شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى» (٣)، ولأن الجمع يكثر، فكان المصلى أرفق بهم.
(١) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٢) اتفق الأئمة على أن الدعاء عند قبر رجاء الإجابة بدعة، لا قربة. وقال أحمد وغيره: في قوله ﷺ: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق»: الاستعاذة لا تكون بمخلوق (كشاف القناع:٧٧/ ٢).
(٣) رواه أبو داود بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
 
٧ً - الدعاء بالمأثور في الخطبة كما بينا، وعند نزول الغيث، لما روى البيهقي «أن الدعاء يستجاب في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة ورؤية الكعبة» ولما روى البخاري عن عائشة «أن النبي ﷺ كان إذا رأى المطر، قال: صيبًا نافعًا» أي مطرًا شديدًا. ومجموع الدعاء عند نزول المطر من أحاديث متفرقة: «اللهم صيّبًا هنيئًا، وسيبًا - أي عطاء - نافعًا، مطرنا بفضل الله ورحمته» ويقول عند التضرر بكثرة المطر: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر» (١) «اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب، ولا محق ولا بلاء، ولا هَدْم ولا غَرَق» (٢).

ويكره أن يقول: مطرنا بنَوْء كذا: 
 أي بوقت النجم الفلاني على عادة العرب في إضافة الأمطار إلى الأنواء، لإيهامه أن النوء ممطر حقيقة. فإن اعتقد أنه الفاعل له حقيقة كفر، وعليه يحمل ما في الصحيحين، حكاية عن الله تعالى: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذاك مؤمن بي كافر بالكواكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فذاك كافر بي، مؤمن بالكوكب».

ويكره سب الريح، 
 بل يسن الدعاء عندها لخبر: «الريح من روح الله - أي رحمته - تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها» (٣) بل يقول كما قدمنا: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر
(١) متفق عليه عن أنس. والظراب جمع ظرب: وهي الرابية الصغيرة (نيل الأوطار:١٣/ ٤).
(٢) رواه الشافعي في مسنده، وهو مرسل (نيل الأوطار:١٠/ ٤).
(٣) رواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي هريرة.
 
ما أرسلت به» (١) «اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» (٢).

ويسبح عند الرعد والصواعق، 
 فيقول: «سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته» (٣) وعند البرق يقول: «سبحان من يريكم البرق خوفًا وطمعًا» ويستحب ألا يُتْبع بصرَه البرقَ؛ لأن السلف الصلاح كانوا يكرهون الإشارة إلى الرعد والبرق ويقولون عند ذلك: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سُبُّوح قُدُّوس» فيختار الاقتداء بهم في ذلك.

ويقول عند انقضاض الكوكب: 
«ما شاء الله، لا قوة إلا بالله» (٤).

وإذا سمع نهيق حمار، 
 استعذ بالله من الشيطان الرجيم، لخبر الشيخين.

وإذا سمع نُباح كلب، 
 استعاذ، فيقول: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لحديث أبي داود.

وإذا سمع صياح الديكة، 
 سأل الله من فضله، لخبر الشيخين.
٨ً - يستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى.
٩ً - وقال الشافعية: يستحب لكل أحد أن يبرز (يظهر) لأول مطر السنة،
(١) رواه مسلم.
(٢) رواه الطبراني في الكبير.
(٣) رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن الزبير. وقيس بالرعد البرق. وروى الترمذي بعد هذا الدعاء: «اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي زكريا: «من قال: سبحان الله وبحمده عن البرق، لم تصبه صاعقة».
(٤) لخبر رواه ابن السني والطبراني في الأوسط.
 
وأول كل مطر ويكشف من جسده غير عورته ليصيبه شيء من المطر تبركًا. وروى مسلم «أنه ﷺ حسر عن ثوبه حى أصابه المطر، وقال: إنه حديث عهد بربه» (١) أي بخلقه وتنزيله وتكوينه، ويستحب أيضًا أن يغتسل أو يتوضأ بماء السيل، لما روى الشافعي في الأم، بإسناد منقطع: «أنه ﷺ كان إذا سال السيل قال: اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورًا، فنتطهر به، ونحمد الله عليه».
١٠ً - قال المالكية: جاز التنفل في المصلى أو المسجد قبل صلاة الاستسقاء وبعدها؛ لأن المقصود من الاستسقاء الإقلاع عن الخطايا، والاستكثار من فعل الخير.
وذلك بخلاف العيد، فإنه - كما قدمنا- يكره عند الجمهور غير الشافعية التنفل قبل صلاته وبعدها بالمصلى، لا في المسجد عند المالكية، وفي المسجد أيضًا عند الحنفية والحنابلة، لكن لا بعدها عند الحنفية.
والدعاء يكون ببطن الكف إذا كان لطلب شيء وتحصيله، وبظهر الكف إلى السماء إذا أريد به رفع البلاء (٢).
١١ - تعاد صلاة الاستسقاء ثانيًا وثالثًا إن لم يُسْقَوْا، فإن تأهبوا للصلاة، فسقوا قبلها اجتمعوا للشكر والدعاء بالزيادة، ويصلون صلاة الاستسقاء المعروفة شكرًا لله تعالى، كما يجتمعون للدعاء ونحوه. جاء في الصحيحين: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل، يقول: دعوت، فلم يستجب لي» وقال تعالى: ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم﴾ [إبراهيم:٧/ ١٤]. حكي عن أصبغ أنه قال: استُسقي للنيل بمصر خمسة وعشرين يومًا متوالية.
(١) ورواه أيضًا أحمد وأبو داود (نيل الأوطار:١٢/ ٤).
(٢) هذا مستفاد من حديث خلاد بن السائب عن أبيه «أن النبي ﷺ كان إذا سأل، جعل بطن كفيه إلى السماء، وإذا استعاذ جعل ظهرهما إليها» وروى مسلم عن أنس «أن النبي ﷺ استسقى فأشار بظهر كفه إلى السماء، وروى ابن عباس - وإن كان ضعيفًا - «سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهرها» (سبل السلام:٨٣/ ٢).
 
المبحث السابع - صلاة الخوف 
 مشروعيتها، سببها وشروطها، كيفيتها أو صفتها، صفة ما يقضيه المسبوق فيها، متى تفسد؟ الصلاة عند التحام القتال واشتداد الخوف.

أولًا - مشروعية صلاة الخوف: 
صلاة الخوف مشروعة عند جمهور الفقهاء (١)، هي سنة ثابتة بالكتاب والسنة في أثناء قتال الكفار: أما الكتاب: فقول الله تعالى: ﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ودَّ الذين كفروا لو تغفُلون عن أسلحتكم وأمتعتكم، فيميلون عليكم ميلة واحدة ..﴾ الآية (٢) وماثبت في حقه ﵇ ثبت في حق أمته، مالم يقم دليل على اختصاصه؛ لأن الله تعالى أمر باتباعه، وتخصيصه بالخطاب: ﴿وإذا كنت﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] لا يقتضي تخصيصه بالحكم، بدليل قوله تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾ [التوبة:١٠٣/ ٩].
وأما السنة: فقد ثبت وصح أنه ﷺ صلى صلاة الخوف في أربعة مواضع:
(١) فتح القدير:٤٤١/ ١، الدر المختار:٧٩٢/ ١، اللباب:١٢٤/ ١، بداية المجتهد:١٦٩/ ١، الشرح الصغير:٥١٧/ ١، القوانين: ص٨٣، مغني المحتاج:٣٢٧/ ١، المهذب:١٠٥/ ١، المغني:٤٠٠/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع:٩/ ٣.
(٢) النساء:١٠٢.
 
في غزوة ذات الرِّقاع التي حدثت بعد الخندق على الصواب، وبطن نخل (اسم موضع في نجد بأرض غطفان) وعُسْفان (يبعد عن مكة نحو مرحلتين)، وذي قَرَد (ماء على بريد من المدينة، وتعرف بغزوة الغابة، في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية) (١) وصلاها النبي ﷺ أربعًا وعشرين مرة. وقد وردت بها الأحاديث الآتية في صفة صلاتها، مع خبر «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وأجمع الصحابة على فعلها، وصلاها علي وأبو موسى الأشعري وحذيفة، وهي عند الجمهور والمشهور من المذهب المالكي جائزة في السفر والحضر، وقصرها ابن الماجشون من المالكية على حالة السفر.
وقال أبو يوسف: إن صلاة الخوف مختصة بالنبي ﷺ، فكانت مشروعة في حياته ﵇، لقوله تعالى: ﴿وإذا كنت فيهم﴾ [النساء:١٠٢/ ٤]، وحكمة مشروعيتها في حياته ﷺ أن ينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه، وهم كانوا حراصًا على درك هذه الفضيلة، وقد ارتفع بعده ﵊، وكل طائفة تتمكن من أداء الصلاة بإمام خاص، فلا يجوز أداؤها بصفة فيها ذهاب ومجيء ونحوهما مما يخالف صفة الصلاة. ولا تصلى صلاة الخوف بعد النبي ﷺ بإمام واحد، وإنما تصلى بعده بإمامين، يصلي واحد منهما بطائفة ر كعتين، ثم يصلي الآخربطائفة أخرى وهي الحارسة ركعتين أيضًا، وتحرس التي قد صلت.
ورد هذا الاستدلال: بأن الصحابة قد أقاموها بعده ﵊، وهم أعرف بانتهاء الجواز أو بقائه.
والغاية من تشريعها: هو حرص الإسلام على أداء الصلاة جماعة، لتظل رابطة التجمع قوية صلبة دائمة، حتى في أشد أوقات المحن والمخاطر والأزمات.
(١) الدر المختار ورد المحتار:٧٩٤/ ١ - ٧٩٥.
 
وتأثير الخوف في تغيير هيئة الصلاة وصفتها، لا في تغيير عدد ركعاتها، فلا يغيره الخوف، في قول الأكثرين.

ثانيًا - سبب صلاة الخوف وشروطها: 
إن الخوف من هجوم العدو سبب لهذه الصلاة، كما رأى ابن عابدين (١)، وحضور العدو شرط، كما في صلاة المسافر، فإن المشقة سبب لها، والسفر الشرعي شرط. والمراد بالخوف: حضرة العدو، لا حقيقة الخوف، فإن حضرة العدو أو وجوده أقيمت مقام الخوف. ولا تختص صلاة الخوف بالقتال، بل تجوز في كل خوف، كهرب من سيل أو حريق أوسبع أو جمل أو كلب ضار أو صائل أو لص أو حية ونحو ذلك، ولم يجد معدلًا عنه (٢).
ويشترط لصلاة الخوف ما يأتي (٣):
١ً - أن يكون القتال مباحًا: أي مأذونًا فيه، سواء أكان واجبًا كقتال الكفار الحربيين، والبغاة، والمحاربين (قطاع الطرق) القاصدين سفك الدماء وهتك الحرمات، لقوله تعالى: ﴿إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا﴾ [النساء:١٠١/ ٤]، أم جائزًا كقتال من أراد أخذ مال المسلمين.
فلا تصح صلاة الخوف من البغاة والعصاة بالسفر؛ لأنها رحمة وتخفيف
(١) رد المحتار:٧٩٣/ ١.
(٢) المجموع:٣١٩/ ٤.
(٣) الدر المختار:٧٩٤، فتح القدير:٤٤١/ ١، اللباب:١٢٥/ ١، شرح الرسالة:٢٥٣/ ١ - ٢٥٤، الشرح الصغير:٥١٧/ ١، مغني المحتاج:٣٠٥/ ١ - ٣٠٦، المهذب:١٠٥/ ١، كشاف القناع:٩/ ٣، القوانين الفقهية: ص٨٣ - ٨٤، المغني:٤٠٦/ ٣،٤٠٨،٤١٦،٤١٨ ومابعدها، الشرح الكبير:٣٩١/ ١ - ٣٩٤.
 
ورخصة، فلا يجوز أن تتعلق أو تباح بالمعاصي، أي أن صلاة الخوف لا تجوز في القتال المحظور أو الحرام، كقتال أهل العدل وقتال أصحاب الأموال لأخذ أموالهم.
٢ً - حضور العدو أو السبع، أو خوف الغرق أو الحَرَق: فمن خاف العدو أو الخطر، سواء أكان الخوف على النفس أم المال، جاز له صلاة الخوف عند الجمهور والمشهور من مذهب المالكية في السفر والحضر وفي البحر والبر، في القتال أوغيره، لعموم قوله تعالى: ﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] فهو عام في كل حال. فلو رأوا سوادًا ظنوه عدوًا، فصلوها، فإن تبين الأمر كما ظنوا صحت صلاتهم، وإن ظهر خلافه، لم تجز، فإذا كانت الصلاة من غير خوف فسدت، قال الشافعية والحنابلة: من أمن وهو في الصلاة أتمها صلاة آمن، ومن كان آمنًا فاشتد خوفه أتمها صلاة خائف. وقال المالكية: من أمن صلى صلاة أمان. وتكون صلاة الحضر تامة، وصلاة السفر الرباعية مقصورة؛ لأن الخوف كما قدمنا لا يؤثر في عدد الركعات، ففي السفر الذي يبيح القصر (٩٨كم) يصلي الإمام بكل طائفة ركعة، وفي الحضر يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين.

ثالثًا - كيفية أداء صلاة الخوف أو صفتها:
اتفق الفقهاء على ناحيتين مهمتين:
أولاهما - أنه يجوز للجيش أن يصلوا بإمامين، كل طائفة بإمام.
وثانيتهما - أنه في اشتداد الخوف وتعذر الجماعة، يجوز للجنود أن يصلوا فرادى ركبانًا وراجلين، في مواقعهم وخنادقهم، يومئون إيماء بالركوع والسجود إلى أي جهة شاءوا، إلى القبلة وإلى غيرها، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا، أو إلى غيرها؛ لأن هذه صلاة للضرورة، تسقط بها الأركان والتوجه إلى القبلة.
 
وأما صلاة الخوف جماعة لكل الجنود، بإمام واحد: فتجوز صلاتها على أي صفة صلاها رسول الله ﷺ، وقد جاءت الأخبار بأنها على ستة عشر نوعًا، في صحيح مسلم بعضها، ومعظمها في سنن أبي داود، وفي صحيح ابن حبان منها تسعة، ففي كل مرة كان ﷺ يفعل ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.
والمشهور من ذلك سبع صفات، اختار الجمهور منها أقواها وأصحها لديهم، وأجازها كلها الحنابلة، واختار الإمام أحمد منها حديث سهل، وهي ما يأتي (١):

الأولى - صلاة النبي ﷺ في عسفان (٢): 
 اعتمدها الشافعية والحنابلة إذا كان العدو في جهة القبلة: وهي أن يصف الإمام الناس خلفه صفين فأكثر، ويصلي بهم جميعًا ركعة إلى أن يسجد، فإذا سجد سجد معه الصف الذي يليه، وحرس الصف الآخر حتى يقوم الإمام إلى الركعة الثانية، فإذا قام سجد الصف المتخلف، ولحقوه.
وفي الركعة الثانية سجد معه الصف الذي حرس أولًا في الركعة الأولى، وحرس الصف الآخر. فإذا جلس الإمام للتشهد سجد من حرس، وتشهد بالصفين، وسلم بهم جميعًا. فهي صلاة مقصورة لكونها في السفر. وقد اشترط الحنابلة لهذه الصفة: ألا يخاف المسلمون كمينًا يأتي من خلف المسلمين، وألا يخفى بعض الكفار عن المسلمين، وأن يكون في المصلين كثرة يمكن تفريقهم
(١) اللبا ب:١٢٥/ ١ ومابعدها، فتح القدير:٤٤١/ ١ - ٤٤٣، بداية المجتهد:١٧٠/ ١ - ١٧١، المغني:٤٠١ - ٤١٦، مغني المحتاج:٣٠١/ ١ - ٣٠٥، الشرح الصغير:٥١٨/ ١ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص٨٣، كشاف القناع:١٠/ ٢ - ١٧، نيل الأوطار:٣١٦/ ٣ - ٣٢٢، الشرح الكبير:٣٩١/ ١ ومابعدها، شرح الرسالة:٢٥٣/ ١.
(٢) روى هذه الصفة أبو داود من حديث أبي عياش الزرقاني، قال: «فصلاها النبي ﷺ مرتين: مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم» ورواها أيضًا أحمد ومسلم وابن ماجه من حديث جابر (نيل الأوطار:٣١٩/ ٣).
 
طائفتين، كل طائفة ثلاثة فأكثر؛ لأن الله تعالى ذكر الطائفة بلفظ الجمع ﴿فإذا سجدوا ..﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] وأقل الجمع ثلاثة. فإن خاف المسلمون كمينًا (يكمن في الحرب)، أو خفي بعضهم عن المسلمين، أو كان المسلمون أقل من ستة أشخاص، صلوا على غير هذا الوجه.

الثانية - صلاة النبي ﷺ في غزوة ذات الرقاع (١): 
وهي التي اختارها الشافعية (٢) والحنابلة إذا كان العدو في غير جهة القبلة، كما اختارها المالكية مطلقًا في مشهور المذهب، سواء أكان العدو في جهة القبلة أم لا. وهي أن يقسم الإمام العسكر طائفتين: طائفة معه، وأخرى تحرس العدو، فيصلي بأذان وإقامة بالطائفة الأولى التي معه في الصلاة الثنائية ركعة، وفي الثلاثية والرباعية ركعتين، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون، ثم يذهبون ويحرسون.
وتأتي الطائفة الثانية، فيقتدون، ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية في الثنائية، والركعتين الأخريين في الرباعية، والثالثة في المغرب، ويسلم الإمام، ويتمون صلاتهم بفاتحة وسورة، ولكن بعد سلامه عند المالكية، وينتظر الإمام في التشهد عند الشافعية والحنابلة ثم يسلم بهم، كما هو نص الحديث، ويقرأ الإمام بعد قيامه للركعة الثانية الفاتحة وسورة بعدها في زمن انتظاره الفرقة الثانية، ويكرر التشهد أو يطيل الدعاء فيه. ولا يسلم قبلهم عند الشافعية والحنابلة لقوله تعالى: ﴿ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا، فليصلوا معك﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] فيدل على أن صلاتهم كلها معه، وتحصل المعادلة بين الفرقتين، فإن الأولى أدركت مع الإمام فضيلة الإحرام، والثانية فضيلة السلام.
(١) روى هذه الصفة الجماعة إلا ابن ماجه عن صالح بن خَوَّات عن سهل بن أبي حَثْمة وهي التي قال عنها أحمد: «وأما حديث سهل، فأنا أختاره» وسميت الغزوة بذات الرقاع؛ لأن أقدامهم نقبت، فلفوا على أرجلهم الخرق (نيل الأوطار:٣١٦/ ٣).
(٢) والأصح عند الشافعية أنها أفضل من صلاة بطن نخل الآتية.
 
الثالثة - صلاة النبي ﷺ كما رواها ابن عمر (١)، 
وهي التي اختارها الحنفية: أن يجعل الناس طائفتين: طائفة في وجه العدو، وطائفة خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين وتتمم صلاتها عند الجمهور بقراءة سورة الفاتحة وتسلم وتذهب للحراسة. وقال الحنفية: ثم تمضي إلى وجه العدو للحراسة بدون إتمام الصلاة.
وتأتي الطائفة الأخرى، فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين، ويتشهد ويسلم وحده لتمام صلاته، ولم يسلموا عند الحنفية لأنهم مسبوقون، وإنما يذهبون مشاة للحراسة في وجه العدو. وتتم هذه الطائفة صلاتها عند الجمهور بقراءة سورة مع الفاتحة ثم تعود لمواقعها. وقال الحنفية: ثم تجيء الطائفة الأولى إلى مكانها الأول، أو تصلي في مكانها تقليلًا للمشي، فتتم صلاتها وحدها بغير قراءة عند الحنفية؛ لأنهم في حكم اللاحقين، وتشهدوا وسلموا، وعادوا لحراسة العدو.
ثم تأتي الطائفة الثانية، فتتم صلاتها بقراءة سورة مع الفاتحة؛ لأنهم لم يدخلوا مع الإمام في أول الصلاة، فاعتبروا في حكم السابقين. ومذهب أشهب تلميذ مالك موافق في هذه الكيفية لمذهب الحنفية.

كيفية أداء الصلوات الخمس حال الإقامة:
فإن كان الإمام مقيمًا صلى بالطائفة الأولى ركعتين من الرباعية، وبالطائفة الثانية ركعتين، تسوية بينهما. ويصلي - في المذاهب الأربعة - بالطائفة الأولى ركعتين من المغرب، وبالثانية ركعة؛ لأنه إذا لم يكن بدّ من التفضيل فالأولى أحق به، وما فات الثانية ينجبر بإدراكها السلام مع الإمام. ويصلي الصبح بكل طائفة ركعة.
(١) حديث متفق عليه (نيل الأوطار:٣١٨/ ٣).
 
الرابعة - صلاة النبي ﷺ في بطن نخل (مكان من نجد بأرض غطفان) (١)، واعتمدها الشافعية بعد صلاة ذات الرقاع إذا كان العدو في غير جهة القبلة: وهي أن يصلي الإمام مرتين صلاة كاملة، بكل طائفة مرة، ويسلم بكل طائفة. وصفتها حسنة قليلة الكلفة لا تحتاج إلى مفارقة الإمام ولا إلى تعريف كيفية الصلاة، وليس فيها أكثر من أن الإمام في الصلاة الثانية متنفل يؤم مفترضين، وهو جائز اتفاقًا، وعند الحنابلة والحنفية جائز في صلاة الخوف فقط، ممنوع في غيرها.

الخامسة - صلاة النبي ﷺ في ذات الرقاع كما رواها جابر (٢): 
وهي أن يصلي الإمام الصلاة الرباعية تامة أربعًا بالنسبة إليه، وتصلي معه كل طائفة صلاة مقصورة ركعتين، بلا قضاء للركعتين، فكان للإمام أربع تامة، وللقوم ركعتان مقصورة.

السادسة - صلاة النبي ﷺ بذي قَرَد 
 (ماء على بريد:٢٢١٧٦ م من المدينة). رواها ابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت (٣) وغيرهم، ومنعها أكثر الفقهاء، فقال الشافعي عن حديث ابن عباس: «لا يثبت»؛ لأن الخوف لا يؤثر في نقص الركعات، وأجازها الإمام أحمد والمحدثون لصحة الأحاديث فيها: وهي أن يصف الإمام الناس صفين: صفًا خلفه، وصفًا موازي العدو، ويصلي الرباعية الجائز قصرها بكل طائفة ركعة فقط، بلا قضاء ركعة أخرى.

السابعة - صلاته ﷺ بأصحابه عام غزوة نجد، 
رواها أبو هريرة (٤): وهي
(١) رواه الشيخان وأحمد وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة، ورواه الشافعي والنسائي عن جابر مرفوعًا إلى النبي ﷺ (نيل الأوطار:٣٢٠/ ٣).
(٢) متفق عليه بين أحمد والشيخين: البخاري ومسلم (نيل الأوطار:٣١٩/ ٣).
(٣) حديث ابن عباس رواه النسائي بإسناد رجاله ثقات، وحديث حذيفة رواه أبو داود والنسائي، وحديث زيد رواه النسائي (نيل الأوطار:٣٢١/ ٣ - ٣٢٢).
(٤) رواه أحمد وأبو داود والنسائي (نيل الأوطار:٣٢٠/ ٣ - ٣٢١).
 
أن تقوم مع الإمام طائفة، وتبقى طائفة أخرى تجاه العدو، وظهرها إلى القبلة، ثم يحرم وتحرم معه الطائفتان، وتصلي معه إحدى الطائفتين ركعة، ثم يذهبون فيقومون في وجه العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى، فتصلي لنفسها ركعة، والإمام قائم، ثم يصلي بهم الركعة التي بقيت معه. ثم تأتي الطائفة القائمة في وجه العدو، فيصلون لأنفسهم ركعة، والإمام قاعد، ثم يسلم الإمام ويسلمون جميعًا، أي أن ابتداء الصلاة وانتهاءها تم باشتراك الطائفتين مع الإمام.

حمل السلاح في أثناء الصلاة: 
 يسن للمصلي عند الشافعية والحنابلة (١) في صلاة شدة الخوف حمل السلاح في أثناء الصلاة احتياطًا، ليدفع به العدو عن نفسه، لقوله تعالى: ﴿وليأخذوا أسلحتهم﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] وقوله ﴿ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر، أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم﴾ [النساء:١٠٢/ ٤] فدل على الجناح (الإثم) عند عدم ذلك، لكن لا يحمل في الصلاة سلاحًا نجسًا، ولا ما يتأذى به الناس من الرمح في وسط الناس.

صلاة الجمعة في حال الخوف: 
قال الشافعية والحنابلة (٢): تصلى الجمعة في حال الخوف ببلد حضرًا لا سفرًا، بشرط كون كل طائفة أربعين رجلًا فأكثر ممن تصح بهم الجمعة، ويسمعون الخطبة.
وتكون الصلاة كصلاة عسفان وكذات الرقاع، لا كصلاة بطن نخل التي تتعدد في صلاة الإمام مرتين بكل طائفة مرة؛ إذ لا تقام جمعة بعد أخرى، ولا يجوز أن يخطب بإحدى الطائفتين، ويصلي بالأخرى، حتى يصلي معه من حضر الخطبة.
(١) مغني المحتاج:٣٠٤/ ١، كشاف القناع:١٧/ ٢، المهذب:١٠٧/ ١.
(٢) مغني المحتاج:٣٠٣/ ١، المغني:٤٠٥/ ٢، كشاف القناع:١٧/ ٢.
 
سهو الإمام في صلاة الخوف: 
 قال المالكية والشافعية والحنابلة (١): إذا فرق الإمام العسكر فرقتين كما حدث في صلاة ذات الرقاع أو صلاة عسفان، فسهو الإمام في الركعة الأولى يلحق الجميع، فيسجد المفارقون للسهو عند تمام صلاتهم؛ لأن صلاة الإمام ذاتها نقص في صلاتهم، إلا أن المالكية قالوا: تسجد الفرقة الأولى للسجود القبلي قبل السلام، والبعدي بعده، وتسجد الفرقة الثانية السجود القبلي مع الإمام، وتسجد السجود البعدي بعد قضاء ما عليها.
أما بعد المفارقة في الركعة الثانية: فلا يلحق سهو الإمام الأولين؛ لمفارقتهم الإمام قبل السهو.
وتسجد الفرقة الثانية مع الإمام آخر صلاته، ويلحقهم سهوه في حال انتظارهم.
أما سهو كل فرقة في الركعة الأولى للفرقة الأولى، وفي الركعة الثانية للفرقة الثانية، فيتحمله الإمام، لاقتداء الفرقة الأولى بالإمام حقيقة في الركعة الأولى، واقتداء الفرقة الثانية حكمًا في الركعة الثانية.

رابعًا - صفة ما يقضيه المسبوق في صلاة الخوف، هل هو أول صلاته أو آخرها؟
  سبق بحث هذا الموضوع في صلاة الجماعة - بحث المسبوق، وملخصه (٢): أن الشافعي قال: ما يدركه المسبوق أول صلاته، وما يقضيه آخر صلاته لقوله ﷺ: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» وهذا هو المتبادر للذهن المتفق مع ترتيب ما
(١) الشرح الصغير:٥٢٠/ ١، مغني المحتاج:٣٠٣/ ١ - ٣٠٤، كشاف القناع:١٢/ ٢، المهذب:١٠٦/ ١.
(٢) المغني:٤٠٧/ ٢ - ٤٠٨، بداية المجتهد:١٨١/ ١ ومابعدها.
 
أنجز من أعمال الصلاة، فمن أدرك ركعة في صلاة المغرب، قام إلى ركعة واحدة، فقرأ الفاتحة وسورة، ثم جلس للتشهد، ثم أتى بركعة يقرأ فيها الفاتحة فقط.
وقال الحنفية والحنابلة في ظاهر المذهب: ما يقضيه المسبوق أول صلاته، وما يدركه مع الإمام آخرها، أي عكس ترتيب ما أنجز من أعمال الصلاة، لخبر «ماأدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا»، فيقرأ دعاء الافتتاح ويتعوذ، ويقرأ السورة بعد الفاتحة، وإذا أدرك مع الإمام ركعة من المغرب فقط، صلى ركعتين من غير أن يجلس بينهما، ثم قام.
وقال المالكية: يفرق بين الأقوال والأفعال، فيقضي في الأقوال أي القراءة، كالحنفية والحنابلة، ويبني في الأفعال أي الأداء كالشافعية.

خامسًا - متى تبطل صلاة الخوف؟ 
 قال الحنفية (١): تفسد صلاة الخوف بمشي لغير اصطفاف، وسبق حدث، وركوب مطلقًا أي لاصطفاف أو غيره؛ لأن الركوب عمل كثير، وهو مما لا يحتاج إليه، بخلاف المشي، فإنه أمر لا بد منه، حتى يصطفوا بإزار العدو.
كما تفسد بقتال كثير، لا بقليل كرَمْية سهم، فلا يقاتل المصلون حال الصلاة لعدم الضرورة إليه، فإذا فعلوا ذلك، وكان كثيرًا، بطلت صلاتهم لمنافاته للصلاة من غير ضرورة إليه، بخلاف المشي، فإنه ضروري لأجل الاصطفاف.
قال النووي (٢): لا يجوز الصياح ولا غيره من الكلام بلا خلاف، فإن صاح فبان منه حرفان، بطلت صلاته بلا خلاف؛ لأنه ليس محتاجًا إليه، بخلاف المشي وغيره.
(١) الدر المختار:٧٩٤/ ١، فتح القدير:٤٤٤/ ١، اللباب:١٢٦/ ١.
(٢) المجموع:٣١٧/ ٤، المهذب:١٠٧/ ١.
 
ولا تضر الأفعال اليسيرة بلا خلاف؛ لأنها لا تضر في غير الخوف ففيه أولى.
وأما الأفعال الكثيرة: فإن لم تتعلق بالقتال، بطلت الصلاة بلا خلاف. وإن تعلقت به كالطعنات والضربات المتوالية، فإن لم يحتج إليها أبطلت بلا خلاف أيضًا؛ لأنها عبث.
وإن احتاج إليها فالأصح عند الأكثرين: أن الصلاة لا تبطل؛ قياسًا على المشي، ولأن مدار القتال على الضرب، ولا يحصل المقصود غالبًا بضربة وضربتين، ولا يمكن التفريق بين الضربات.

سادسًا - الصلاة عند التحام القتال واشتداد الخوف: 
اتفق الفقهاء - كما أشرنا - على أنه ليس للصلاة كيفية معينة عند اشتداد الخوف من العدو، ويصلي العسكر إيماء. وعبارات الفقهاء في ذلك ما يأتي:

قال الحنفية (١): 
 إن اشتد خوف العسكر بحيث لا يدعهم العدو يصلون وعجزوا عن النزول، صلوا ركبانًا فرادى؛ لأنه لا يصح الاقتداء لاختلاف المكان بين الإمام والمأمومين، ويومئون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاؤوا، إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة، لقوله تعالى: ﴿فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا﴾ [البقرة:٢٣٩/ ٢]، وسقط التوجه للقبلة للضرورة، كما سقطت أركان الصلاة.
والسابح في البحر: إن أمكنه أن يرسل أعضاءه ساعة صلى بالإيماء، وإلا لاتصح صلاته، كصلاة الماشي والسائف، وهو يضرب بالسيف، فلا يصلي أحد حال المسايفة.
(١) الدر المختار:٧٩٤/ ١، فتح القدير:٤٤٥/ ١، مراقي الفلاح: ص٩٤، اللباب:١٢٧/ ١.
 
وقال الجمهور:
  تجوز الصلاة إيماء عند اشتداد الخوف وفي حال التحام القتال، وهي صلاة المسايفة.
وعبارة المالكية (١): تجوز الصلاة عند اشتداد الخوف، وفي حال المسايفة أو مناشبة الحرب، في آخر الوقت المختار، إيماء بالركوع والسجود إن لم يمكنا، ويخفض للسجود أكثر من الركوع، فرادى (وُحدانًا)، بقدر الطاقة، مشاة أو ركبانًا، وقوفًا أو ركضًا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.
فيحل للمصلي صلاة الالتحام للضرورة مشي وهرولة وجري وركض، وضرب وطعن للعدو، وكلام من تحذير وإغراء، وأمر ونهي، وعدم توجه للقبلة، ومسك سلاح ملطخ بالدم. فإن أمنوا في صلاة الالتحام أتموا صلاة أمن بركوع وسجود.

وعبارة الشافعية (٢): 
إذا التحم القتال أو اشتد الخوف يصلي كل واحد كيف أمكن راكبًا وماشيًا، وأومأ للركوع والسجود، إن عجز عنهما، والسجود أخفض. ويعذر في ترك القبلة، وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح، ولا يعذر في الصياح بل تبطل به الصلاة، ويُلقي السلاح إذا دُمي دمًا لا يعفى عنه، حذرًا من بطلان الصلاة، فإن احتاج إلى إمساكه بأن لم يكن له منه بد، أمسكه للحاجة. ولاقضاء للصلاة حينئذ في الأظهر.
وله أن يصلي هذه الصلاة (أي شدة الخوف) حضرًا وسفرًا، في كل قتال وهزيمة مباحين وهرب من حريق وسيل وسبع وغريم عند الإعسار، وخوف حبسه.
(١) بداية المجتهد:١٧٢/ ١، الشرح الصغير:٥٢٠/ ١ - ٥٢١، شرح الرسالة:٢٥٤/ ١، القوانين الفقهية: ص٨٣.
(٢) مغني المحتاج:٣٠٤/ ١ ومابعدها، المهذب:١٠٧/ ١.
 
وعبارة الحنابلة (١): 
 إذا كان الخوف شديدًا، وهم في حال المسايفة، صلوا رجالًا وركبانًا، إلى القبلة وإلى غيرها، يومئون إيماء بالركوع والسجود على قدر الطاقة، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم كالمريض، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا أو إلى غيرها. ويتقدمون ويتأخرون، ويضربون ويطعنون، ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها.
ويصح أن يصلوا في حال شدة الخوف جماعة، بل تجب، رجالًا وركبانًا، بشرط إمكان المتابعة، فإن لم تمكن لم تجب الجماعة ولا تنعقد.
ولا يضر تأخر الإمام عن المأموم في شدة الخوف، للحاجة إليه.
ولا يضر تلويث سلاحه بدم ولو كان كثيرًا، وتبطل الصلاة بالصياح والكلام لعدم الحاجة إليه.
وتجوز هذه الصلاة لمن هرب من عدو هربًا مباحًا كخوف قتل أو أسر محرَّم بأن يكون الكفار أكثر من مثلي المسلمين، أو هرب من سيل أو سبع ونحوه، كنار أو غريم ظالم، أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله من شيء مما سبق.
(١) المغني:٤١٦/ ٢ - ٤١٨، كشاف القناع:١٨/ ٢ ومابعدها.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية