الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

نسب المولود خارج رابطة الزواج

 نسب المولود خارج رابطة الزواج

اسم الكتاب / المقالة: نسب المولود خارج رابطة الزواج
المؤلف: الدكتور نور الدين مختار الخادمي
التصنيف: الفقه الإسلامي
الكلمات الرئيسية: نسب ولد الزنا
الوظيفة: أستاذ التعليم العالي ومدير مدرسة الدكتورة بجامعة الزيتونة تونس
الناشر: المجمع الفقهي الإسلامي رابطة العالم الإسلامي

الفهرس



ملخص البحث

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

تعد نازلة المواليد خارج رابطة الزواج من أشد النوازل الخطيرة التي تصدى لها فقهاء الإسلام، ولاسيما في العصر الحالي الذي تزايد فيه عدد هؤلاء المواليد؛ لأسباب عدة تتصل بتأخر الزواج وعظم تكاليفه وسهولة انهياره عند كثير من الأزواج، وتتصل كذلك بتعدد أسباب الانحراف واتساع أبوابه الإعلامية والدعائية والسلوكية، وبضعف الوازع الديني والتربوي والقانوني لدى بعض الناس.

وتثير هذا النازلة جدلاً فكرياً وفقهياً وقانونياً كبيراً؛ لما تتسم به من إشكاليات معرفية وأخلاقية وواقعية، ولما يمكن أن تؤول إليه من مشكلات معقدة وتجاذبات في المواقف والرؤى في ضوء فتاواها الفقهية وبياناتها الشرعية. وهو الأمر الذي يجعل الإفتاء فيها أمراً بالغ الحساسية ومثار زيادة الجدل والرد، وربما يفضي إلى توسيع دائرة الاختلاف والتنازع في هذه النازلة، والخروج من المدارسة العلمية والاجتهادية دون اتفاق أو وفاق أو تقارب وتواصل بوجه ما وبقدر ما.

ولكن، ومع ذلك كله، فإن الواجب الشرعي المنوط بأهل النظر والاجتهاد في عصرنا الحالي، لزوم حسم هذه النازلة؛ بوضع مقارباتها ومناقشاتها الشرعية وفتاواها وقراراتها الفقهية؛ تقريراً لما يكون حلاً إسلامياً مناسباً وممكناً لهذه النازلة، وتوجيهاً لكافة المكلفين ولخاصة المبتلين نحو تبين الرأي وتمثل الحكم وأداء الفتوى، وحملاً لهم على السير السوي وسلك طريق الالتزام والامتثال باطمئنان وإيمان، وبثقة في كلام أهل المحققين، وبحسن الظن بالله وعفوه وكرمه وإحسانه.

ومجمل كلام أهل العلم في هذه النازلة قولان كبيران منوطان بمدركات شرعية كثيرة جزئية وكلية، ومُفسران بتفسيرات مصلحية وإنسانية وواقعية عدة. وهذا القولان هما:

القول1: عدم ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج: وهو قول الأئمة الأربعة، ومذهب الظاهرية، وغيرهم. وأظهر أدلتهم في ذلك:

- حديث «الولد للفراش».
- حديث سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة.
- أصلية الزواج الشرعي في ثبوت النسب وترتيب آثاره عليه.
- حفظ النسل والنسب والعرض.
- سد ذريعة الزنا.

القول2: ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج: وهو قول لفيف من أئمة السلف وعلماء الخلف. ومن هؤلاء: عمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير، وسليمان ابن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، وإسحاق بن راهويه، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وجمهور الحنفية. وقد رجحه علماء معاصرون كثر، منهم: سعد بن ناصر الخثلان، ويوسف الشبيلي، وعلي محيي الدين القره داغي، ونايف العجمي، وعقيل بن محمد المقطري، وهاني الجبير، ونورالدين الخادمي. وأظهر أدلتهم في ذلك:

- حديث الغلام في قصة جريج. ووجه الدليل أن النبي - ﷺ - حكى عن جريج نسب الولد للراعي الزاني، وصدّق الله هذه النسبة بما أجراه من خلاف العادة في نطق الصبي.
- قصة ملاعنة هلال بن أمية مع امرأته. وجه الاستدلال أن النبي - ﷺ - نسب الولد إلى أبيه من الزنا. والذي خُلق من مائه.
- قضاء عمر بإلحاق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.
- القياس على الأم في الزنا في إلحاق ولدها بها.
- قاعدة تشوف الشرع إلى ثبوت النسب، وقاعدة إثبات النسب أولى من نفيه.
- قاعدة معقولية النسب، إذ النسب ليس تعبدياً ومحدداً بكيفية مخصوصة، ومعناه المعقول هو تفرع الولد عن والديه.
- قاعدة الستر والعفة والحياء.

- مراعاة مآلات الأفعال، إذ يُراعى ما يؤول إليه ثبوت النسب من حفظ الولد وأبويه وأسرته، ومن صيانة المجتمع من دواعي الاستخفاف برابطة النسب وأعراض الناس.
- قاعدة مراعاة حقائق الأمور دون أوهامها، فالولد حقيقة واقعية حسية، وليس وهماً أو تخيلاً. وهو خلاف التبني الذي تنتفي منه الأبوة الحقيقية، كوناً وشرعاً.

- قاعدة المسؤولية الذاتية، فلا يُؤاخذ الولد بجريرة والديه في معاقبته بنفي النسب عنه.
- قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد؛ فمصالح ثبوت النسب أعظم من نفيه.
- مبدأ الاعتبار بالواقع المعاصر، وليس اعتباره حاكماً على الشرع.
ونظن أن هذا القول هو الراجح الذي يُصار إليه في حياتنا المعاصرة؛ لأدلته المذكورة، وضوابطه وشروطه اللازمة. وهي على النحو التالي:

ضوابط القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

- هذا القول هو استثناء من الأصل، ولا ينبغي أن يكون بديلاً عن أصل ثبوت النسب بطريق الزواج الصحيح. وهو يقتصر على مواضعه، ويعالج ما يجد من نوازل في الماضي، ولا يؤسس لأحوال مستقبلة. فهو إفتاء لما ابتلي به الناس فعلياً في السابق.
- هذا القول هو قول اجتهادي وتقدير سياسي شرعي يُبنى على مداركه ويُقصر على مواضعه ويتحدد بنظر الحاكم الشرعي وتصرفه المنوط بالمصلحة المعتبرة.
- اتباع سياسة الوقاية والحماية، وتقرير أدب الخلاف فيه بين أهل العلم، ولزوم الإلمام بمجموع المدركات الشرعية في دراسة هذه النازلة، ودون الاقتصار على دليل واحد أو قاعدة بعينها.
شروط القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:
- توبة الزاني بالمزني بها.
- زواجهما.
- طلب إلحاق الولد بأبيه وأمه.
- أن يكون الولد متخلقاً من ماء الرجل.
- أن لا تكون المرأة فراشاً لزوج.
- أن لا يغشاها أكثر من واحد.

آثار القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج:

تترتب جميع آثار النسب بمجرد تقرير ثبوت النسب، وذلك لأن هذه الآثار هي مسببات النسب ونتائجه، فمتى ثبت تثبت، ومتى انتفى انتفت، إذ هي دائرة معه وجوداً وعدماً. ومن هذه الآثار: نفوذ النسب وحفظه، وعدم صحة نقله أو إسقاطه، ولزوم الرعاية والنفقة والتربية، وقيام المحرمية واستحقاق الميراث ودم القتيل أو ديته بالأخذ أو العفو.

وقد رجح هذا القول في الآونة الأخيرة (سنة 1430هـ/2009م) موقع الفقـه الإسـلامـي بالـرياض، والذي يديره فضيلة الشيخ خالد الدعيج - حفظه الله -. وللبحث صلة باستكمال مناقشاته؛ بغية استصدار القرار الفقهي الوفاقي المناسب. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا وقدوتنا محمد - ﷺ - وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن نازلة المولود خارج دائرة الزواج الشرعي الصحيح، تُعد من أشد النوازل حيرة وأعقدها نظراً وأعظمها أثراً؛ وذلك باعتبار كونها نازلة إنسانية وأخلاقية وقانونية واجتماعية، وباعتبار طابعها الجدلي والعملي قديماً وحديثاً.

وتزداد أهمية هذه النازلة في العصر الحالي، وتتعاظم أحوالها وآثارها وتداعياتها؛ لما آلت إليه الأوضاع الإنسانية والعالمية من تزايد عدد هؤلاء المواليد؛ لأسباب عدة، منها ما يتصل بانتشار الوسائل الإعلامية والمحطات الفضائية التي كان لبعضها الدور السلبي في امتهان الفضائل والاستخفاف بالقيم والدعاية للانحراف والشذوذ، ومنها ما يتصل بضعف الوازع الديني والخلقي، مع سهولة فعل المحظور وتعدد مداخله وذرائعه، ومنها ما يتصل بتزايد صعوبات الزواج وعظمة تكاليفه وطول انتظاره وتكاثر مشكلاته وسهولة انهياره، ومنها ما يتصل بظهور أنماط مستحدثة من الزيجات التي يتسارع بعض أهل الفكر والفقه لتبريرها وترويجها، من غير تقدير دقيق لمدركاتها ومناطاتها وأحوالها ومآلاتها.

وقد كان لهذه النازلة الكبرى أثرها في استحثاث أهل النظر والتحقيق من فقهاء الإسلام وعلمائه وهيئاته ومؤسساته؛ كي ينهضوا جميعاً بهذه النازلة: تصوراً جامعاً وتكييفاً دقيقاً واحتكاماً لمدركات الشرع كافة وتقديراً للمصالح والوقائع والمآلات وكافة ما يصلح للنظر والاستنباط، والتنزيل والتفعيل، والمراجعة والتقـويم. ومـن هنـا، لـزم عرض هذه النازلة وتوجيه الفقهاء - أفراداً ومؤسسات -؛ للاجتهاد فيها وتقرير أحكامها وفتاواها وقراراتها الفقهية وضوابطها وشروطها وآثارها الشرعية.
وقد أسند إلي تكليف من المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة بكتابة بحث فقهي في هذه النازلة، فقبلت ذلك ببهجة ومسرة ، وقلبت الموضوع يمنة ويسرة، إلى أن يسر الله تعالى لي كتابة فصول هذا البحث بعد مدة طويلة وجهود مضنية، واستقراء غير يسير لمظان البحث ومواضعه المختلفة، ومعلوماته المبثوثة والمشتتة في ثنايا البيانات والتعليقات الفقهية والتفسيرية والحديثية والأصولية والمقاصدية والقواعدية، وفي سياقات مباحث النوازل والسياسة الشرعية والفقه المقارن وغيره.

وقد أقمت هذا البحث على مبحثين اثنين:

المبحث الأول:
وهو موسوم بـ«نسب المولود خارج رابطة الزواج: حكمه، وأدلته».
وقد قسمته إلى مطلبين، تضمن المطلب الأول القول بعدم ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج. أما المطلب الثاني فقد ضمنته القول بثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج. وقد اخترت القول الثاني وأسهبت في عرض أدلته الشرعية الجزئية والكلية.

المبحث الثاني:
وهو موسوم بـ«ضوابط ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج
وشروطه وآثاره».

وقد قسمته إلى ثلاثة مطالب، تضمن المطلب الأول ضوابط ثبوت نسب المولود خارج رابطة الزواج، وتضمن المطلب الثاني شروطه، وتضمن المطلب الثالث آثاره.

وأسأل الله تعالى التوفيق والقبول فيما ذهبت إليه وانتصرت له، وظني به حسن، وأملي فيه كبير؛ كي يعفو ويصفح عما وقعت فيه من خطأ و زلل، وعما أظهرته من تسرع وخلل؛ فربي الغفور ذو الرحمة. وهو المستعان وحسبنا. وأرجو من سادتي المشايخ الأفاضل والعلماء الأثبات أن يتجاوزوا عن أخيهم وابنهم العجول الذي أخذته الرغبة وقيدته الحيرة وحاصرته العسرة؛ فأورد هذا المقال على سبيل الإثارة والإثراء وبقصد الإنارة والإنباء عن حساسية هذه النازلة ومشكلاتها وتداخلاتها المعرفية والمنهجية والواقعية، وما يمكن أن تشكله من تجاذب علمي وتحاور فقهي قائم على أحكامه وآدابه وشروطه، وهادف إلى تحقيق الاتفاق أو الوفاق، ودرء بوادر النزاع و الشقاق. ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ (هود:88). والمرجو الأكيد والأمل الشديد، هو مناشدة الحق والصواب وتعميق النظر في هذا الباب، فذلك الذي نبغي. والله تعالى يقضـي بالحق وهو يهدي السبيل.

كتبه نور الدين مختار الخادمي

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية