الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

القراءات والقراء

القراءات والقراء

الكتاب: الموسوعة القرآنية المتخصصة
المؤلف: مجموعة من الأساتذة والعلماء المتخصصين
رئيس التحرير: أ.د. علي جمعة
الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر
عام النشر: ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
عدد الصفحات: ٨٨٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الموضوع: علوم القرأن
 

  فهرس الموضوعات 

  1. القراءات والقراء
  2. حقيقة القراءات، وحدها:
    1. القراءات لغة:
  3. وقراءات القرآن هى:
    1. الحروف:
    2. فرش الحروف:
    3. توقيف القراءات:
    4. تواتر القرآن:
    5. هل قرئ بالشاذ على أنه قرآن؟
    6. القرآن والقراءات:
    7. القراءات والأحرف السبعة:
    8. تواتر القراءات العشر:
    9. التواتر وآحادية المخرج:
    10. تواتر ما اختلفت الطرق فى نقله وما انفرد بعضها به:
    11. التواتر وقبيل الأداء:
    12. أنواع اختلاف القراءات العشر:
    13. وأنواع اختلاف القراءات العشر ثلاثة:
    14. فوائد اختلاف القراءات العشر:
    15. فى العقائد وكتب علم الكلام:
    16. فى الأحكام الشرعية:
    17. فى النحو والصرف:
    18. فى البلاغة والإعجاز:
    19. فى التفسير:
    20. أنواع القراءات:
    21. الآحادية (الشاذة) وحكمها:
    22. توجيه القراءات:
    23. توجيه المتواتر:
    24. توجيه الشاذ:
    25. أثر توجيه القراءات القرآنية فى إظهار ثروة من المعانى القرآنية:
  4. القراء المشهورون من الصحابة:
  5. القراء المشهورون من التابعين:
    1. بالمدينة:
    2. بمكة:
    3. بالكوفة:
    4. بالبصرة:
    5. بالشام:
  6. العودة إلي كتاب الموسوعة القرآنية المتخصصة

 القراءات والقراء
 
حقيقة القراءات، وحدّها:
 
القراءات لغة:
جمع قراءة. وهى (مصدر قرأ أى نطق باللفظ. فهى: التلفظ) (١).
(وتستعمل بمعنى اسم المفعول، فيراد بها:
اللفظ المنطوق) (٢).

وقراءات القرآن هى:
(صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواترة، المنسوبة إلى أئمة معينين ناقلين لها) (٣)، كقراءات نافع، وابن كثير، وأبى عمرو.
فقراءة القرآن الواحدة هى:
(صورة نظم كلام الله تعالى من حيث ما فيها من وجوه الاختلافات المتواترة، المنسوبة إلى إمام معين ناقل لها)، كقراءة نافع، أو ابن كثير، أو أبى عمرو.
- وقد يراد من القراءات: الصور الواردة بالتبادل على اللفظ، كقولنا: قراءات لفظ الصِّراطَ (الفاتحة: ٦) ثلاث: الصاد الخالصة، والصاد المخلوطة بصوت الزاى، والسين (٤).
- وقد يراد من القراءات: الكلمات والكيفيات الواردة فى قراءة واحد معين- كابن كثير مثلا- المختلفة عما ورد فى قراءة غيره، كقولنا: قراءات ابن كثير فى سورة الفاتحة هى: الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة: ٣ - ٤) بإظهار الميمين- خلافا لمن أدغمهما-، و(ملك) بدون ألف- خلافا لمن قرأها (مالك) بالألف، و(الصراط) بالسين من رواية قنبل عنه- خلافا لمن قرأها بالصاد الخالصة، وخلافا لمن قرأها بالصاد المخلوطة بصوت الزاى-، و(عليهم) بكسر الهاء- خلافا لمن ضمها-، وبصلة ميم الجمع- خلافا لمن أسكنها (٥).
- ويتبين مما سلف أن حقيقة هذا المركب:
(قراءات القرآن) تعنى الأجزاء، والكيفيات المخصوصة الداخلة فى ذات القرآن وصفاته (٦).
(١) انظر لسان العرب لابن منظور، والمعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية مادة (قرأ).
(٢) هذا يؤخذ من كون القراءة والقرآن مصدرين، وأنه إذا أطلق انصرف لغة إلى الكلمات والحروف، لأنها هى التى تقرأ، كما فى المصباح المنير للفيومى مادة (قرئ)، وغيره.
(٣) يؤخذ هذا من جملة تعريفية فى مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (٢/ ٦، ٣٧١) تحقيق كامل بكرى وزميله، طبعة دار الكتب الحديثة بدون تاريخ، ومنجد المقرئين لابن الجزرى، نشره القدسى سنة ١٣٥٠ هـ المطبعة الوطنية الإسلامية.
(٤) هذا شائع فى كتب القراءات، ككتاب «البدور الزاهرة» للشيخ عبد الفتاح القاضى- رحمه الله تعالى.
(٥) انظر السابق، وغيره، فى مواضع كثيرة، مثل «إتحاف فضلاء البشر» للبنا ص ١١٨ - ١٢٥ طبعة عبد الحميد أحمد حنفى ١٣٥٩ هـ.
(٦) انظر- مثلا- رسالة (القراءات دراسات فيها وتحقيقات) للدكتور عبد الغفور محمود مصطفى بمكتبة كلية أصول الدين رقم ٨٣٢ إلخ ص ١٨٦ وغيرها.
 
١ ‏/ ٣٠٦
 
وهى- حينئذ-: ما يستحق أن يسمى قراءات حقيقة، ويسمى قرآنا، وهى المتواترة، المجمع عليها، المعمول بها فى التلاوة التعبدية، لا غير ذلك.
- وهذه أمثلة من (صور النظم، والكلمات، والكيفيات)، أى من (القراءات):
- فمن صور النظم: (قراءة فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (البقرة: ٣٧) بنصب (آدم)، ورفع (كلمات) لابن كثير، وبرفع (آدم)، ونصب (كلمات) بالكسر لغيره) (٧).
- ومن الكلمات المختلفة المتواردة على الموضع الواحد: الواو فى قراءة وَلا يَخافُ عُقْباها (الشمس: ١٥) بالواو لغير نافع وابن عامر وأبى جعفر، والفاء فى قراءتها بها لهؤلاء الثلاثة) (٨).
- ومن الكيفيات: إدغام الميمين فى الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ (الفاتحة: ٣ - ٤) لبعض القراء العشرة، والإظهار للبعض الآخر (٩)، وضم الهاء فى عَلَيْهِمْ (الفاتحة: ٧) لحمزة، وكسرها لغيره (١٠).

الحروف:
قد تسمى القراءات- أعنى الكلمات المختلفة وما إليها- حروفا، فيقال: حروف القرآن، حروف القراء السبعة- مثلا- حروف نافع.
- وقد أطلق العلماء لفظ حرف، وحروف، وقراءة، وقراءات بأكثر من إطلاق، فعلينا أن نتعرف على المراد من اللفظ المستعمل بمعونة السياق والمقام، فقد يراد من لفظ (القراءات) مثلا ما هو أعم من المتواترات، وإليك بيان المراد من قولهم فى كتب الفن:

فرش الحروف:
قال ابن القاصح: «القراء يسمون ما قل دوره من حروف القراءات المختلف فيها فرشا، لأنها لما كانت مذكورة فى أماكنها من السور فهى كالمفروشة، بخلاف الأصول، لأن الأصل الواحد منها ينطوى على الجميع، وسمى بعضهم الفرش فروعا، مقابلة للأصول» (١١).
ومن أمثلة الفرش: إمالة التَّوْراةَ (آل عمران: ٣) لأبى عمرو والكسائى ومن وافقهما إمالة كبرى، والفتح لعاصم ومن وافقه (١٢).
ومن أمثلة الأصول: إمالة كل ألف بعدها راء متطرفة مكسورة لأبى عمرو ومن وافقه، وفتحها لابن كثير ومن وافقه، مثل عُقْبَى الدَّارِ (الرعد: ٢٢) إلى آخر ما يشبه ذلك (١٣).
...
(٧) انظر إتحاف فضلاء البشر السابق ١٣٤.
(٨) انظر السابق ٤٤٠.
(٩) انظر السابق ١٢٢.
(١٠) انظر السابق ١٢٣.
(١١) سراج القارئ المبتدى لابن القاصح ط ٣ الحلبى ١٩٥٤ م.
(١٢) انظر إتحاف ... السابق ١٧٠.
(١٣) انظر السابق ٨٣.
 
١ ‏/ ٣٠٧
 
توقيف القراءات:
القراءات العشر المعمول بها، المعروفة فى هذا الفن توقيفية.
ومعنى التوقيف: التعليم.
وهو تعليم النبى ﷺ للأمة.
والأدلة على التوقيف عديدة، والفقرات التالية تتضمن قدرا من تلك الأدلة:
- قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر: ٩) فالقرآن منزل من عند الله تعالى، ولا قرآن بدون قراءة، والقراءات العشر متساوية- كما بيّناه فى موضعه- فهى منزلة من عند الله تعالى، فهى توقيفية، والذى علّمها لنا هو الله تعالى، وقد قال سبحانه: الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (الرحمن: ١ - ٢). وأول من تعلم القرآن من البشر هو النبى ﷺ، وقد قال الله تعالى له: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (القيامة: ١٧ - ١٨).
وقام الرسول ﷺ بتعليم الأمة، قال تعالى:
وَقُرْآنًا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (الإسراء: ١٠٦).
وأمر الله الأمة بقبول تعليم القرآن والشريعة، قال تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (الحشر: ٧). وأمر الله تعالى نبيه ﷺ بتلاوة القرآن، كما دلّ عليه قوله تعالى:
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ (النمل: ٩١ - ٩٢)، كما أمر سبحانه الأمة بقراءته فقال: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (المزمل: ٢٠)، ومدح المشتغلين بتلاوته فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر: ٢٩ - ٣٠). فقامت الأمة بواجبها، واتبعوا، ولم يبتدعوا، وتعلموا من نبيهم ﷺ، ثم علّم بعضهم بعضا، ويبقى أمر التوقيف على نمطه هذا إلى ما شاء الله تعالى.
- واشتملت كتب الحديث على جزئيات كثيرة من القراءات، مسندة إلى الرسول ﷺ، سالكة طرقا غير طرق القراء، إذ هى طرق المحدثين- ولكل قوم طرقهم، وهذه طائفة من تلك الجزئيات نذكرها تدليلا على التوقيف، واستئناسا- وإن كانت هى وسائر ما رووه لم يقصدوا به رواية ختمة:
عن أنس- رضى الله عنه- أن النبى ﷺ قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة: ٤) بالألف.
وعن أم سلمة- رضى الله عنها- أنه قرأه بدون ألف. (والضمير فى (أنه) هنا وفيما يأتى للنبى- ﵊.
 
١ ‏/ ٣٠٨
 
وروى أبىّ- رضى الله عنه- أنه قرأ وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ (البقرة: ٤٨، ٥٨) بالتاء: ولا تقبل.
وأنه قرأ فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (البقرة:
٢٨٣) بدون ألف، وبضم كل من الراء والهاء.
وأنه أقرأه بقراءتين: الياء، والتاء، فى:
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس: ٥٨).
وأنه أقرأه فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ (الكهف: ٨٦) بالهمز.
وروى أيضا عنه ﷺ: حامية بالألف بدون همز.
وقرأ ﷺ: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (الكهف: ٧٧) بتشديد التاء الأولى فى لَاتَّخَذْتَ، وإدغام الذال فى التاء، وقرأها أيضا لتخذت بحذف همزة الوصل، وتخفيف التاء، وإظهار الذال، وكسر الخاء.
وكل ذلك فى قراءات العشرة.
إلى غير ذلك من جزئيات كثيرة فى أكثر من مائة وأربعين حديثا شريفا (١٤).
- واشتملت المصاحف العثمانية على جزئيات كثيرة من القراءات كان الرسم نصا فيها، وكلها فى قراءات العشرة، وهى منقولة من صحف الصدّيق- رضى الله عنه- ومن مصاحف الصحابة التى كتبت بين يدى النبى ﷺ، كما أن صحف الصدّيق منقولة مما كان فى بيوت أزواج النبى ﷺ مما كتب بحضرته، ومما كان مع الصحابة مما كتبوه أيضا بين يديه- ﵊ (١٥).
وهذه طائفة منها لخدمة هذا الغرض بنحو ما أشرنا إليه آنفا من تدليل، واستئناس:
كتب: أَرَأَيْتَ (العلق: ٩) مثلا بألف بعد الراء فى بعض المصاحف العثمانية، وبدونها فى بعضها الآخر، وبهما قرئ (١٥).
وكتب: نَخْشى (المائدة: ٥٢) بالياء فى بعض المصاحف، وبالألف فى بعضها، وقرئ بالإمالة إلى الياء، وبالفتح (١٦).
وكتب: إِلَّا قَلِيلٌ (النساء: ٦٦) قليلا بالألف فى المصحف الشامى، وبدونها فى بقية المصاحف، وقرئ بالنصب، والرفع (٨٦).
وكتب: مَنْ يَرْتَدَّ (المائدة: ٥٤) بدال واحدة فى المكى والبصرى والكوفى، وبدالين فى البقية، وقرئ بالإدغام، والفك (٨٧).
وكتب: وَيَقُولُ الَّذِينَ (المائدة: ٥٣) بواو العطف فى العراقية، وبدونها فى البقية، وبهما قرئ (١٧).
(١٤) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٢١٤ - ٢٧٣ تجد هذه الجزئيات وغيرها وأحاديثها، وتجد توضيح هذا الدليل بتوسع.
(١٥) انظر إتحاف فضلاء البشر ص ٤٤٤.
(١٦) انظر سمير الطالبين للضباع ص ٦٢، ط الأولى المكتبة الأزهرية للتراث سنة ١٩٩٩ م، وباب الإمالة فى النشر.
(١٧)،
 
١ ‏/ ٣٠٩
 
وكتب: ذُو الْجَلالِ (الرحمن:) بالواو فى غير المصحف العثمانى الشامى، وبالياء فى الشامى، وبهما قرئ (١٨).
إلى غير ذلك من الجزئيات المكتوبة فى المصاحف العثمانية الستة، نصا، أو إشارة (١٩).
- وأسانيد القراء العشرة، وطرق قراءاتهم التى بلغت زهاء ألف طريق مفصلة متصلة مرفوعة إلى رسول الله ﷺ بتلاوة كل واحد على الآخر، وكلهم ثقات، متقنون، آخذون بالتوقيف البالغ الغاية فى الدقة، الواصل إليهم من رسول الله ﷺ، عن جبريل- ﵇ عن اللوح المحفوظ، عن رب العالمين- جل
جلاله (٢٠).
وقد فصل ابن الجزرى تلك الأسانيد فى كتابه الكبير «النشر فى القراءات العشر» فى حوالى مائة صفحة (٢١).
وذكر شارح «مسلّم الثبوت» أن أسانيد القراء العشرة صحيحة بالإجماع، متلقاة بالقبول، وأنها أصح الأسانيد، وأن غيرها إذا عارضها فإنه يكون سندا لا يعبأ به (٢٢).
وهناك غير ذلك من الأدلة الدالة على أن القراءات المعمول بها مروية بالتوقيف (٢٣).

تواتر القرآن:
التواتر هو نقل جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، كما يؤمن وقوع الكذب منهم فى المنقول وقوعا اتفاقيا بدون تواطؤ فى كل طبقة، من أول السند إلى منتهاه.
والقرآن الكريم منقول بهذه الصفة فى كل طبقة. والأدلة على تواتر القرآن عديدة، نسوقها فى فقرات، تنطوى كل فقرة منها على بعضها، على النحو التالى:
١ - قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (المائدة: ٦٧).
والبلاغ العام إنما هو بالتواتر (٢٤) وقد كان.
ويلاحظه من يلاحظ القرون.
وقال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (الأعلى: ٦) كما قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر: ٩) وأجمعت الأمة على أن المراد بذلك حفظه على المكلفين للعمل به، وحراسته من وجوه الغلط والتخليط (٢٥) والحفظ إنما يتحقق بالتواتر (٢٦). وهذا النص القرآنى قد صارت به الأمة آمنة من أن يكون نقل القرآن آحاديا فى وقت من الأوقات (٢٧).
٢ - وقد عرض القرآن على رسول الله ﷺ السادة عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وأبى بن كعب وعبد الله بن مسعود
(١٨) انظر كل ما سبق فى سمير الطالبين السابق ٧٤ - ٧٦.
(١٩) انظر تفصيل هذا الدليل، واستقصاء جزئياته فى رسالة (القراءات ...) ص ٢٧٣ - ٢٩٥.
(٢٠) انظر العجالة البديعة الغرر للمتولى، مطبوعة مع شرح الطيبة للنويرى ص ٤٢ - ٤٣.
(٢١) انظر الجزء الأول منه ٩٨ - ١٩٤.
(٢٢) انظر فواتح الرحموت ٢/ ١٠.
(٢٣) انظر تفصيل تسعة أدلة على أن القراءات توقيفية فى رسالة (القراءات دراسات فيها وتحقيقات) ص ٢٠٤ - ٣٧٦.
(٢٤) انظر البرهان للزركشى ٢/ ١٢٥ طبعة دار المعرفة بيروت بدون تاريخ.
(٢٥) انظر البرهان السابق ١٢٧.
(٢٦) انظر السابق ١٢٥.
(٢٧) انظر رفع الحاجب لابن السبكى الورقة ١٢٨ مخطوط مكتبة الأزهر رقم ٤٥٥ أصول فقه.
 
١ ‏/ ٣١٠
 
وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعرى وأبو الدرداء (٢٨) وقد حفظوه فى حياة النبى ﷺ، وأخذ عنهم عرضا، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة (٢٩).
وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة كمعاذ بن جبل وأبى زيد وسالم مولى أبى حذيفة وعبد الله بن عمر وعتبة بن عامر (٣٠).
وعرض القرآن على بعض من ذكروا السادة أبو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن السائب والمغيرة بن شهاب المخزومى والأسود بن يزيد النخعى وعلقمة ابن قيس وأبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية الرياحى (٣١).
ومن لاحظ العصور وأحوال الرجال وجد الحصر للأعداد الكثيرة الناقلين للقرآن الكريم غير ممكن، ووجد الدقة والإتقان وسعة العلم أمرا راسخا يقطع به على تواتر كتاب الله وسلامته، بل وجد عددا يبلغ أضعاف أضعاف ما يطلبون للتواتر من عدد (٣٢).
فهذا هو أبو الدرداء- ﵁ يقرأ عنده نيّف وستمائة وألف، لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء- ﵁ يكون عليهم قائما، وإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبى الدرداء ﵁ (٣٣).
وهذا ابن مسعود يأمر قارئا متعجّلا بالترتيل.
«قال إبراهيم النخعى: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال: فداك أبى وأمى رتّل، فإنه زين القرآن (٣٤)». هذا مع أنها عجلة- كما يبدو- لم تصل إلى درجة الإخلال بشيء فى القراءة.
وكان ابن مسعود يقرئ رجلا، فقرأ الرجل:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ (سورة التوبة الآية ٦٠)، مرسلة فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله ﷺ، فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن، فقال: أقرأنيها:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ، فمدها (٣٥).
وعدد من ذكرت من الصحابة أقل من نصف عدد المذكورين فى لطائف الإشارات للقسطلانى، ولم يرد الحصر بل أشار إلى أن هناك غيرهم من الصحابة القراء أيضا (٣٦).
وذكر الذهبى واحدا وعشرين من التابعين القراء وجعلهم الطبقة الثالثة، وهو كغيره لا يريد، ولا يدعى، ولا يمكنه الحصر (٣٧).
ومعلوم أن الإسلام فى امتداد، والقراء فى ازدياد.
وهذه «غاية النهاية» لابن الجزرى، بلغت ترجمات القراء فيها ما يقرب من أربعة آلاف
(٢٨) انظر معرفة القراء الكبار للذهبى ١/ ٣٨.
(٢٩) انظر السابق ٣٩.
(٣٠) انظر السابق ٣٩.
(٣١) انظر السابق ٤٠ - ٤١.
(٣٢) انظر- مثلا- السابق برمته، وهو جزآن.
(٣٣) انظر السابق ١/ ٣٨ - ٣٩، وغاية النهاية ١/ ٦ - ٧ إلخ.
(٣٤) انظر معرفة القراء الكبار ١/ ٤٥.
(٣٥) أخرجه سعيد بن منصور فى سننه، والطبرانى فى الكبير، وهو حديث حسن، ورجال إسناده ثقات. انظر الإتقان للسيوطى ١/ ٩٦ ط الحلبى- القاهرة.
(٣٦) انظر لطائف الإشارات للقسطلانى ١/ ٥٠ - ٥١.
(٣٧) انظر مقدمة كتابه (معرفة القراء الكبار)، مع ص ٥١ إلى ص ٨٢ منه الجزء الأول.
 
١ ‏/ ٣١١
 
ترجمة، فإذا كان هذا عدد القراء المقرئين فكم يكون عدد التلاميذ الحفاظ؟!
وإن لنا أن نعتبر بعدد تلاميذ أبى الدرداء المذكور آنفا، وطائفة قرأت على ابن مسعود (٣٨)، وأولاد جمعهم سيدنا عمر- رضى الله عنه-، فى المكتب، ليحفظوا القرآن (٣٩) وبلوغ عدد التابعين إلى أربعين فى عد «الإتقان» (٤٠)، وأربعة وأربعين فيما نعده فى النشر (٤١) ونعتبر بالازدياد كما أشرنا، فنعلم أن التواتر والصحة
فى جميع العصور من بدهيات الأمور، ونعلم أن المستقبل على نمط الماضى.
٣ - ولا غرو بعد وضوح هذا الواقع التاريخى للناس، المبين لما أشرنا إليه أن يجمع المسلمون، وتتفق الكلمة على أن القرآن متواتر صحيح يمتاز فى ذلك عن كل ما عداه.
قال فى «تيسير التحرير»: (والقرآن كله متواتر إجماعا) (٤٢).
وذكر ابن أمير الحاج فى «شرح التحرير»:
(أن جميع القرآن متواتر إجماعا) (٤٣).
وقال النويرى: (القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة، منهم الغزالى وصدر الشريعة، وموفق الدين المقدسى وابن مفلح والطوفى، هو: ما نقل بين دفتى المصحف نقلا متواترا. وقال غيرهم: هو الكلام المنزل على رسول الله ﷺ للإعجاز بسورة منه. وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر- كما قال ابن الحاجب ﵀ للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله، والقائلون بالأول لم يحتاجوا للعادة لأن التواتر عندهم جزء من الحد، فلا يتصور ماهية القرآن إلا به. وحينئذ فلا بد من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة، ولم يخالف منهم أحد فيما علمت- بعد الفحص الزائد- وصرح به جماعات لا يحصون كابن عبد البر وابن عطية وابن تيمية والتونسى فى تفسيره، والنووى والسبكى والإسنوى والأذرعى والزركشى والدميرى والشيخ خليل وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم ﵏. وأما القراء فأجمعوا فى أول الزمان على ذلك، وكذلك فى آخره، ولم يخالف من المتأخرين إلا أبو محمد مكى، وتبعه بعض (٤٤) المتأخرين).
ثم جوّز النويرى أن يكون الإجماع انعقد قبل مكى، بل قال النويرى: (بل هو الراجح لما تقدم من اشتراط الأئمة ذلك، كأبى عمرو بن العلاء وأعلى منه، بل هو الحق الذى لا محيد عنه) (٤٥).
٤ - والعلم الضرورى- من وراء تلك الأدلة النقلية- حاصل والضرورى لا يحتاج إلى دليل
(٣٨) انظر السابق ٣٤.
(٣٩) انظر عنوان البيان ص ٢٩ لمخلوف ط الأولى ١٣٤٤ هـ مطبعة المعاهد.
(٤٠) انظر هذا العدد فى الإتقان ١/ ٧٢ - ٧٣.
(٤١) تأمل النشر لابن الجزرى ١/ ٨.
(٤٢) انظر ٥ - ج ٣/ ١٢ ط الحلبى ١٩٣٢ م.
(٤٣) انظر تقرير التحبير الجزء الثانى. ط القاهرة وغيرها.
(٤٤) انظر شرح الطيبة للنويرى ظهر ١٨، ووجه ١٩ رقم ٣٧٤ رافعى ٢٦٦١٠ قراءات بمكتبة الأزهر (وقد طبع محققا).
(٤٥) انظر السابق وجه الورقة ٢٠.
 
١ ‏/ ٣١٢
 
- بأن القرآن الكريم مصون، ونقلته يفوقون الحصر.
وفى القرطبى: أنه يعلم على القطع والبتات، أن قراءة القرآن تلقينا متواترة عن كافة المشايخ، جيلا فجيلا، إلى العصر الكريم، إلى رسول الله ﷺ (٤٦).
وذكر عبد الجبار أن كون القرآن منقول بالتواتر، معلوم بالضرورة (٤٧).
٥ - والأصل أن القرآن متواتر بتفاصيله وجوبا.
ودليل هذا الأصل: أن القرآن الكريم لكونه كلام الله تعالى ولكونه مشتملا على الأحكام الشرعية ولكونه معجزا، فإنه مما تتوافر الدواعى على نقله بتفاصيله، وتقضى العادة بحفظه، فلا بد من تواتره بتفاصيله.
هكذا قرّر أهل الأصول التواتر (٤٨).
والتفاصيل المتواترة وجوبا- أو التى دلّ الدليل على وجوب تواترها- هى إجمالا:
المتن، والهيئة، وعدم الزيادة، وعدم النقصان، بل يدخلان فى الهيئة.
وقال الغزالى: (حد الكتاب ما نقل إلينا بين دفتى المصحف على الأحرف السبعة المشهورة نقلا متواترا. ونعنى بالكتاب القرآن المنزّل.
وقيدناه بالمصحف لأن الصحابة بالغوا فى الاحتياط فى نقله، حتى كرهوا التعاشير والنقط، وأمروا بالتجريد كيلا يختلط بالقرآن غيره. «ونقل إلينا متواترا، فنعلم أن المكتوب فى المصحف المتفق عليه هو القرآن، وأن ما هو خارج عنه ليس منه، إذ يستحيل فى العرف والعادة مع توافر الدواعى على حفظه أن يهمل بعضه فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه». ثم قال: فإن قيل: لم شرطتم التواتر؟.
قلنا: ليحصل العلم به، لأن الحكم بما لا يعلم جهل، وكون الشيء كلام الله تعالى أمر حقيقى ليس بوضعى، حتى يتعلق بظنّنا، فيقال: إذا ظننتم كذا فقد حرمنا عليكم فعلا، أو حلّلنا لكم، فيكون التحريم معلوما عند ظنّنا، ويكون ظنّنا علامة لتعلق التحريم به، لأن التحريم بالوضع، فيمكن الوضع عند الظنّ، وكون الشيء كلام الله تعالى أمر حقيقى، ليس بوضعىّ، فالحكم فيه بالظن جهل) (٤٩).
وقال محب الله، وعبد العلى: (قالوا اتفاقا:
ما نقل آحادا فليس بقرآن قطعا، ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب، واستدل بأن القرآن مما تتوافر الدواعى على نقله، لتضمّنه التحدى، ولأنه أصل الأحكام، باعتبار المعنى والنظم جميعا، حتى تعلق بنظمه أحكام كثيرة، ولأنه يتبرك به فى كل عصر بالقراءة
(٤٦) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ١/ ١٣ ط الشعب.
(٤٧) انظر المغنى فى أبواب التوحيد والعدل لعبد الجبار ١٦/ ١٥٦. طبعة دار الكتب المصرية سنة ١٩٦٠ م.
(٤٨) راجع إرشاد الفحول للشوكانى ص ٣٠ ط الحلبى.
(٤٩) انظر المستصفى ١/ ١٠١ ط الأميرية ١٣٢٤ هـ. وقد نقل صاحب مناهل العرفان معظمه ١/ ٤٢٤ - ٤٢٥ ط عيسى الحلبى.
 
١ ‏/ ٣١٣
 
والكتابة، ولذا علم جهد الصحابة فى حفظه بالتواتر القاطع. وكل ما تتوافر دواعى نقله ينقل متواترا عادة، فوجوده ملزوم التواتر عند الكل عادة، فإذا انتفى اللازم وهو التواتر انتقى الملزوم قطعا، والمنقول آحادا ليس متواترا فليس قرآنا) (٥٠).
- وقال السيوطى: (لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا فى أصله وأجزائه، وأما فى محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققى أهل السنة. للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله، لأن هذا المعجز العظيم، الذى هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم مما تتوافر الدواعى على نقل جمله وتفاصيله. فما نقل آحادا، ولم يتواتر يقطع بأنه ليس من القرآن) (٥١).
- وبهذا اتضحت دلالة النقل، والعقل، والواقع الماثل للعيان على تواتر القرآن وجوبا، جملة، وتفصيلا، مادة وهيئة، ومحلا.
- ويؤخذ من التواتر القطع بأنه لا وصف لشىء من القرآن وراء التواتر البتة من شهرة أو صحة غير مصحوبة بالتواتر، فضلا عما دون ذلك.
- ويؤخذ مما سلف- وخصوصا من كلام الغزالى- أن تواتر القرآن يدفع فرية الزيادة فيه، وفرية النقص منه، ويقطع دابرهما.
- ويؤخذ من جملة الأدلة أنه لا سبيل أصلا إلى القطع بنموذج لقرآن منسوخ التلاوة، لأنه لا تدعى قرآنيته اليوم، ولا يدل دليل قطعى على أنه كان متواترا، فكيف يقال إنه كان قرآنا؟!، أو يجب الإيمان بأنه كان قرآنا؟!. هكذا يقال فى كل نموذج على حدته.
- أما إذا بلغ عدد النماذج إلى ما يفيد التواتر المعنوى فإنه يفيد القطع- فى الجملة- بأن من القرآن ما نسخت تلاوته.
وأما إذا ثبت نموذج ثبوتا ظنيا، وأفاد هذا النموذج حكما عمليا فإن الأخذ به يصح عند الجمهور، شأنه شأن العمل بالقراءة الشاذة (٥٢).

هل قرئ بالشاذ على أنه قرآن؟
لم يقرأ بالشاذ- بحال- على أنه قرآن.
هذا هو حال أهل الحق. والشاذ آحادي- قطعا، والقرآن متواتر- قطعا- فكيف يلتقيان؟!
ومن انحرف عن حال أهل الحق فقد أدبوه، واستتابوه، فتاب، وأناب (٥٣).

القرآن والقراءات:
إذا قرأت القرآن ثلاث مرات- مثلا- بثلاث قراءات، لأبى جعفر، ويعقوب، وخلف
(٥٠) انظر مسلم الثبوت بشرحه فواتح الرحموت ٢/ ٩ ط الأميرية سنة ١٣٢٤ هـ. ونقله إلا كلمتين صاحب مناهل العرفان ١/ ٤٢٦.
(٥١) انظر الإتقان السابق ١/ ٧٧ - ٧٨ وقد استفاد كثيرا من البرهان للزركشى ٢/ ١٢٥ إلخ.
(٥٢) انظر رسالة (القراءات ...) السابقة ص ٧٣٠ - ٧٥٩.
(٥٣) انظر شرح النويرى على الطيبة بتحقيق الدكتور عبد الفتاح أبو سنة طبعة مجمع البحوث الإسلامية سنة ١٩٨٦ م ص ٧٣، ٧٥، ٧٦.
 
١ ‏/ ٣١٤
 
العاشر وجدت المرّة الأولى مشتملة على تشديد الْمَيْتَةَ (البقرة: ١٧٣)، وكسر الطاء فى فَمَنِ اضْطُرَّ (البقرة: ١٧٣)، وحذف الهمز ونقل حركته إلى النون، مع كسرها فى مِنْ أَجْلِ ذلِكَ (المائدة: ٣٢)، وغير ذلك مما فى قراءة أبى جعفر (٥٤).
ووجدت المرة الثانية مشتملة على إثبات الياء وقفا فى وَاخْشَوْنِ (المائدة: ٣)، وفتح الفاء دون تنوين فى فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ (المائدة: ٦٩)، وغير ذلك مما فى قراءة يعقوب (٥٥).
ووجدت المرة الثالثة مشتملة على قراءة هُزُوًا (المائدة: ٥٧) بسكون الزاى، وهمز مفتوح بعدها، وغير ذلك مما فى قراءة خلف (٥٦).
وتجد القرآن واحدا فى الجميع، وما الفرق بينها وبينه إلا أنها صور مختلفة له، يفترق بعضها عن بعض بما تشتمل عليه كل ختمة فى مواضع منها من وجوه تخصها، وتجعل لها صورة تفترق بها عن غيرها.
وننظر إلى القراءات التى تتوارد على الموضع القرآنى وننظر إلى القرآن فى ختمة فنقول: القراءات التى دخلت فى الختمة أجزاء دخلت فى القرآن، وهو كل لها- فالفرق بينهما هو الفرق بين الكل وأجزائه.
والقراءات التى لم تدخل فى هذه الختمة أجزاء للقرآن فى غير هذه الختمة (٥٧).
...

القراءات والأحرف السبعة:
أنزل الله تعالى القرآن على سبعة أحرف لتيسير تلاوته على الأمة (والراجح فى معنى الأحرف السبعة أنها سبع لغات من أفصح لغات العرب، كلغة قريش، ولغة تميم، ولغة أسد. ولكل واحد أن يقرأ بما تيسر له منها كما علّم.
ومن تعلمها وميز بعضها عن بعض استطاع أن يقرأ سبع ختمات كل ختمة على حرف.
واللغة الواحدة تشتمل على أكثر من وجه فى بعض الألفاظ، وفى بعض الأساليب، فالحرف الواحد يتسع لأكثر من قراءة تشتمل كل قراءة منها على بعض الوجوه التى تميزها مفترقة عن صورة غيرها. فمن قرأ ختمتين بقراءتين فى ظل حرف وجد- بوضوح- أن عدد القراءات يزيد عن عدد الأحرف واتضح أن الفرق بينهما هو أن القراءات فروع عن الأحرف، كفروع الشجرة، فهى منها، والشجرة أصلها. وإذا كانت هذه الزيادة فى ظل الحرف الأول مثلا فقس ذلك تجد مزيدا من القراءات والأصل واحد وهو الأحرف السبعة.
(٥٤) انظر روضات الجنات للشيخ محمود بسة ٢١ - ٢٢ وسائره. مطبعة الرافعى ١٩٦٠ م ط الأولى.
(٥٥) انظر السابق.
(٥٦) انظر السابق.
(٥٧) انظر (القراءات ...) ص ١٦٩ وما حولها.
 
١ ‏/ ٣١٥
 
وهذا مثال توضيحى: قرئ لفظ لِجِبْرِيلَ (البقرة: ٩٧) مثلا- بالهمز- والهمز ينسب إلى لغة تميم- وبدونه- وهذا فى لغة قريش، وفى المهموز قراءتان: (جبرئيل) بفتح كل من الجيم والراء، وبياء ممدودة بعد الهمزة، وبدون هذه الياء. فهذان وجهان وقراءتان فى لغة من الهمز. وفى غير المهموز قراءتان (جبريل) بكسر كل من الجيم والراء، وبياء ممدودة بعد الراء، وبفتح الجيم فهذان وجهان وقراءتان فى لغة من لا يهمزون. ولزيادة عدد القراءات عن عدد الأحرف سبب آخر، وهو تداخل الأحرف، إذ لم يرد منعه، ويظهر أن النبى ﷺ علّم من علّم بعض القرآن على حرف، وبقية القرآن على حرف آخر، فينتج من ذلك صورة ختمة مفترقة عن كل واحدة من السبع التى تكون كل واحدة منها على حرف واحد.
ولا تخفى الكثرة الكاثرة من القراءات التى تنشأ عن تغيير مواضع الانتقال فى الختمة من حرف أول إلى حرف ثان، ومن حرف أول إلى حرف ثالث، وهلم جرا. والحديث الصحيح لا يأبى هذا التداخل، إذ يقول:
(.... إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) (٥٨) ولم يقل منها، فكان أوضح فى العموم، إذا المعنى: فاقرءوا ما تيسر من المنزل- وهو السبعة، أعم من
أن تكون مميزة واحدا واحدا أو متداخلة.
وهذا مثال توضيحى: (قرأ حفص: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها (هود: ٤١) بإمالة مَجْراها، وفتح مُرْساها، (٥٩)، والإمالة لغة عامة أهل نجد، والفتح لغة أهل الحجاز) (٦٠)، وهى قراءة- كغيرها من سائر قراءات العشرة من الروايات والطرق المعيّنة- مسندة إلى رسول الله ﷺ، ومتواترة، فدل ذلك على أن القراءة الواحدة اشتملت فى بعض الجزئيات على حرف ولغة، وبعضها الآخر على حرف آخر ولغة أخرى وهذا هو التداخل، وبه زاد عدد القراءات على عدد الأحرف السبعة، وتفرع الكثير عن القليل، وكان الفرق- على نحو مما سبق- كالفرق بين أجزاء من الشيء وجملة ذلك الشيء) (٦١).
- وبهذا ظهر اتحاد القراءات مع الأحرف السبعة اتحاد الأجزاء المعنية للشيء مع الشيء وسائر أجزائه، ونعنى بسائر أجزاء القرآن أجزاءه التى تنطق على وجه واحد فى كل القراءات وفى كل اللهجات التى نزل عليها القرآن الكريم، مثل ألفاظ سورة الفاتحة التى بهذه الصفة كلفظ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ، الرَّحِيمِ، يَوْمِ الدِّينِ،
(٥٨) انظر فتح البارى ١٩/ ٣٠ - ٣١ كتاب فضائل القرآن باب (أنزل القرآن على سبعة أحرف) طبعة مكتبة الكليات الأزهرية. ١٩٧٨ م مراجعة وتعليق طه عبد الرءوف وزميليه.
(٥٩) انظر غيث النفع ٢٤٩.
(٦٠) انظر النشر ٢/ ٣٠.
(٦١) انظر (القراءات ...) ص ٣٧٧ - ٤٧٥.
 
١ ‏/ ٣١٦
 
مع ألفاظها الأخرى المقروءة بقراءات تنتسب إلى لهجات، أو تنتسب- بعبارة أخرى- إلى حرفين فأكثر من الأحرف السبعة.
...

تواتر القراءات العشر:
- المراد بالقراءات العشر: القراءات المعمول بها فى التلاوة التعبدية، المجمع عليها، المعروفة فى كتب الفن «كالشاطبية» «والدرة» «والطيبة»، أو ما يتضمن ما تضمنته هذه الكتب الثلاثة.
- ومعنى التواتر مبين فى موضوع (تواتر القرآن) من هذا البحث.
- والفقرات التالية تتضمن الدليل تلو الدليل على أنها متواترة حرفا حرفا:
- القراءات العشر أجزاء مادية، وصورية للقرآن، وقد قام الدليل على وجوب تواتره مادة وهيئة، فهى متواترة.
- وهى سواء فى ذلك وفى صحة النقل من باب أولى، ليست إحداها أقل من غيرها فى هذا الشأن، فالمعنى الذى يقوم ببعضها فيوجب تواتره موجود فى البعض الآخر، فثبت أنها سواء، متواترة كلها (٦٢).
- والوجوه المقروء بها حتى من قبل ظهور القراء العشرة، كقراءات لفظ الصِّراطَ بالصاد الخالصة، وبالصاد المخلوطة بصوت الزاى، وبالسين (٦٣) هذه وغيرها من سائر جزئيات القراءات العشر جاءتنا كل جزئية منها من طريق وهو طريق القرآنية، وهو طريق واحد، لا يمر به إلا ما كان موصوفا بوصف القرآنية، ولم تأت من طرق بأوصاف مختلفة، وما دام الطريق واحدا فكل جزئية من العشر قرآن، وبالتالى كل منها متواتر. وإلا فلو قلنا: إن إحداها متواترة دون غيرها- مع أن طريق الورود واحد لكان ذلك تحكما باطلا، وتضمن ترجحا لإحدى المتساويات على غيرها دون مرجح، وهو باطل.، فحينئذ تكون الوجوه كلها متواترة، وهو المطلوب (٦٤).
- والواقع يشهد بالتواتر، فإن جزئيات القراءات قد رواها معظم الصحابة- رضى الله عنهم- عن رسول الله ﷺ، ورواها عن الصحابة التابعون، وأتباع التابعين عن سلفهم، ومن هؤلاء وهؤلاء أئمة الأداء وشيوخ الإقراء، ورواها عنهم أمم لا يحصون عددا، وهكذا فى جميع العصور والأمصار، إلى يومنا هذا، ويستمر ذلك إلى ما يشاء الله.
وأسماء الرجال الذين نقلوا العشر فى كل طبقة- فى كتب الطبقات وما إليها- أكثر مما يعتبر فى عدد التواتر. هذا مع اعتراف
(٦٢) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٦٤٠.
(٦٣) انظر إتحاف فضلاء البشر ١٢٣.
(٦٤) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٦٣٩ - ٦٤٠.
 
١ ‏/ ٣١٧
 
المؤلفين فى الرجال بأنهم لم يستقصوا كل رواة العشر (٦٥).
- والإجماع قائم على قبول القراءات العشر، وعلى تواترها (٦٦).
- والعلم الضرورى بتواترها حاصل لدى العلماء، وما علم بالضرورة لا يحتاج إلى دليل، كما قاله صاحب «فواتح الرحموت» (٦٧)، وأشار على من كان فى ريب أن يلاحظ القرون (٦٨).
- وانحصار عدد القراء الأئمة فى عشرة أمر اتفاقى لا يقدح فى تواتر أى جزئية من جزئيات قراءاتهم، وذلك لما سلف آنفا من أدلة التواتر.
وهناك من الأمور ما قد يوهم عدم التواتر، ولو فى بعض من قراءات العشرة، وفيما يلى بيان ذلك، وإزالة الشبهة فيه.
وببيانه وإزالة الشبهة فيه يزداد أمر تواتر القراءات العشر اتضاحا. وها هو البيان:

التواتر وآحادية المخرج:
تواتر قراءات العشرة ليس عن طريق ما دوّن فى الأسانيد، لأنها ترجع إلى عدد محصور، ولكن إذا نظرت إلى أن هذا العدد المحصور لم يختص بها، بل كانت روايته هذه يقرأ بها غيره ممن لا حصر لهم- غاية الأمر أن المدوّنين اقتصروا على هؤلاء ليضبطوا ما دوّنوه ويحرروه- فإنك تعلم قطعا أنها كانت متواترة ولا تزال متواترة. فليست القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية- ليس الأمر كذلك- ولكنها إنما نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا، وإلا فأهل كل بلدة كانوا يقرءونها أخذوها أمما عن أمم، ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل العلم بالقراءات لم يوافقه على ذلك أحد، بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها (٦٩).

,
ليس المعتبر فى العلم بصحة النقل والقطع على ثبوته أن لا يخالف فيه مخالف، وإنما المعتبر فى ذلك مجيئه عن قوم بهم يثبت التواتر وتقوم الحجة، سواء اتفق على نقلهم
أو اختلف فيه (٧٠.)
فإذا تحقق التواتر بالطرق الناقلة عن القراء فلا أثر لغيرها، سواء نفى (٧١) فيه نسبة شىء من المعمول به إلى قارئه أو سكت فيه عنها، لأن غاية النفى أنه ظنى، وهو ملغى مع القطع الحاصل بالتواتر (٧٢). وعلى هذا فمن الباطل الزعم بأن ما اختلفت الطرق فى نقله قرآن غير متواتر. ولا يشفع لهذا الزاعم
(٦٥) انظر السابق ٦٣٠.
(٦٦) انظر السابق ٧١، ٥٢٧، ٥٢٨.
(٦٧) اسمه عبد العلى محمد. وهو أصولى مشهور. انظر كتابه.
(٦٨) انظر فواتح الرحموت ٢/ ١٦.
(٦٩) انظر منجد المقرئين ٦٧، والمنهج الحديث فى علوم الحديث قسم الرواية والرواة للأستاذ الدكتور محمد محمد السماحى- رحمه الله تعالى- طبع دار الأنوار سنة ١٩٦٤ م.
(٧٠) انظر البرهان للزركشى ٢/ ١٢٦ ط ٢ دار المعرفة بيروت دون تاريخ.
(٧١) الضمير راجع إلى (غير) وهو غير القائل بما يخالف المتواتر، أو الساكت- كما يذكر بعد.
(٧٢) انظر الآيات البينات للعبادى فى أصول الفقه ١/ ٣١٤ المطبعة الكبرى ١٢٨٩ هـ.
 
١ ‏/ ٣١٨
 
أنه يوجب قبوله إذا اشتهر (٧٣) واستفاض فهذا الحكم ثابت عندنا من التواتر الذى طالعنا دليله أكثر من مرة. ونحو ذلك يقال فى انفرادات باقية فى المعمول به (٧٤).

التواتر وقبيل الأداء:
المد والإمالة- مثلا- من صفات الأداء المتواترة، ومن أجزاء القرآن كما سبق فى بيان تواتر القراءات، إذ اللفظ مادة وهيئة، والهيئة تسمى صفة، وصورة. أما قبيلها: فقبيل المد هو ذلك الاختلاف فى قدره، وقبيل الإمالة هو ذلك الاختلاف فى قدر ما تنحى به الإمالة (٧٥). وقس على ذلك بقية صفات الأداء وقبيلها (٧٦).
وما كان من هذا القبيل واضحا فهو منقول متواتر لأنه جزء من القرآن، كزيادة المد المتصل على الطبيعى. وما كان دقيقا غامضا ككون هذه الزيادة بمقدار زمنى من الثوانى هو كذا وكذا، أو ككون نطقى بالمد فى طوله كنطق شيخى بلا أدنى زيادة ولا أدنى نقصان، أو ككون نطقى بالمد فى المرة الثانية جاء على طول المرة الأولى التى رضيها شيخى بلا أدنى زيادة ولا أدنى نقصان، فإن هذا القبيل الدقيق الغامض نوع آخر ليس من نوع ما يتواتر أو لا يتواتر، وليس داخلا فيما يقع به التكليف، بل الأمر فيه على السعة واليسر بدون إفراط ولا تفريط.
والخلاصة أن ما أدركه القراء بآذانهم وشعورهم ونقلوه فى التلاوة فهو من أجزاء القرآن المتواترة، من قبيل الأداء كان ومن الهيئة أو من قبيل جواهر الألفاظ، كمد مالِكِ، وقصرها، والصاد المخلوطة بالزاى فى الصِّراطَ، والإمالة الكبرى، والإمالة الصغرى.
وما كان من الأمور الغامضة والعسيرة والمتعذرة فلا كلام فيه.
وما كان من إفراط فى المد مثلا، أو مبالغة فى الإمالة حتى صارت كسرا أو صارت قريبة منه جدا فإنه من نوع قبيل الأداء، لكنه القبيل الذى أدركه أهل الصنعة وأدركوا أنه غير منقول، فمنعوا منه (٧٧).
ثم ننبه إلى أمر، وهو:
الشاذ المروى عن بعض العشرة- فنقول:
المعمول به فى التلاوة التعبدية هو المتواتر عن القراء العشرة، وما شذ عن المعمول به فهو شاذ- كما سبق- حتى لو كان منسوبا إلى بعض العشرة.
وذلك أن الإمام منهم كان يقرئ بالوجوه
(٧٣) انظر منجد المقرئين ٦٢ - ٦٤ والمرشد الوجيز لأبى شامة فى هذه المسألة.
(٧٤) مثال ما اختلفت الطرق فى نقله: الفتح أو الإمالة من طرق دورىّ الكسائى فى (يوارى) و(أوارى) فى المائدة، و(يوارى) فى الأعراف، و(فلا تمار) فى الكهف، فإنها من طريق الضرير عن دورىّ الكسائى من طرق الضرير الثانى عشرة بالإمالة، ومن طريق النصيبى عن دورىّ الكسائى من طرق النصيبى الستة بالفتح. فمن زعم أن الفتح مثلا غير متواتر عن الدورى عن الكسائى قلنا له: الدليل العقلى قائم على تواتر تفاصيل القرآن- وهذا منها- وهو مبين فى موضعه من هذا البحث- والإجماع على هذا الفتح
وغيره مما استقر فى المعمول به عن القراء العشرة من أى طريق حاصل، والناقلون أكثر بكثير جدا مما اقتصر عليه فى تدوين العلم، وكل طريق فى طبقة فإنها فيها وليست وحدها، فلو كانت أتت بما لا تعرفه الجماعة، ما سكتت الجماعة.
وفوق هذا كله أن أى ختمة من أى طريق من الطرق المعمول بها لا يمكن أن يستقر فيها ما ليس من القرآن- والقرآن متواتر بالإجماع- لأن الله تعالى تولى حفظه بنفسه، قال- سبحانه-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ انظر مرجع الحاشية (١٤) ص ٥٧٣ وغيرها.
ومثال الانفرادات الباقية فى المعمول به: قراءة (سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) بلفظ الجمع (سقاة)، و(عمرة) فى وجه عن ابن وردان عن أبى جعفر. فمن زعم أن مثل هذه الانفرادة الباقية فى المعمول به غير متواترة ويكفى أنها صحيحة السند قلنا له مثل ما قلنا، آنفا، وزدنا على سبيل الدراية مع صحة الرواية والتواتر أنه لولا قرآنية هذه الانفرادات التى خلت منها بعض كتب ابن الجزرى بعد إثباته لها فى النشر، ودخلت فى بعض كتبه أخيرا- لولا قرآنيتها ما ساغ له أن يذكرها ويقرئ بها القرآن، ويجعل ذلك آخر أمره. انظر المرجع السابق ص ٥٥٧ - ٥٧٩ وغيرها.
هذا والانفرادات الباقية فى المعمول به، وما اختلفت الطرق فى نقله وعمل بمختلفه مستقرأ فى تلاوة القرآن الكريم- كلاهما شىء واحد، وإنما ميزناهما لوقوع الكلام عليهما فى المراجع هكذا كأنهما نوعان. وقيد البقاء فى المعمول به ضرورى، فإن مما اختلفت الطرق فى نقله ما عدّ من قبيل الوهم، فلا يجوز العمل به، كما أن من الانفرادات ما ترك ففقد التواتر، وانقطع سنده، فلا يجوز العمل به أيضا.
وتفصيل ذلك كله يعلم من رسالة (القراءات ...) وغيرها.
(٧٥) انظر منع الموانع للشيخ زكريا الأنصارى وجه الورقة ٥٥ مخطوط مكتبة الأزهر رقم ١٤٥١ أصول فقه.
(٧٦) وهى محصورة ومشروحة تفصيلا فى رسالة (القراءات ...) ص ٣٦٨ وغيرها.
(٧٧) انظر التفاصيل فى المرجع السابق ٣٦٨ - ٣٧٢، ٥٨٤ - ٥٨٧، وما تدل عليه من صفحات أخرى مثل ص ٥٧٩ إلخ.
 
١ ‏/ ٣١٩
 
المتواترة، وكان يعلّم وجوها أخرى غير متواترة، لا ليتعبّد بها، ولكن لتستفاد- ما دامت صحيحة السند- فإنها تتضمن لغة، أو تفسيرا، أو غير ذلك، كما سيأتى فى بيان أثر القراءات الشاذة. والرواة مميزون غاية التمييز بين المتواتر والشاذ، ولا يمكن أن يلتبس ما هو قرآن بغيره. وعلى هذا فلا نستغرب ولا يشكل علينا أن يوصف وجه بالشذوذ وهو ينسب إلى بعض العشرة، ولا أن يوصف وجه بالشذوذ ويحتج به فى التفسير أو غيره، فما هو إلا الشذوذ الذى يعنى الخروج عن المعمول به، المتواتر، وهذا لا يمنع الاستفادة به فى غير التلاوة التعبدية.
وهذه نماذج منه:
مَعايِشَ (الأعراف: ١٠) قرأها نافع معايش بالهمز.
بُشْرًا (الأعراف: ٥٧) قرئت بالباء وضمتين والتنوين فى وجه عن عاصم (٧٨).
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ (الحاقة: ١٤) بتشديد الميم عن ابن عامر (٧٩).
لا تُضَارَّ (البقرة: ٢٣٣) بتشديد الراء مع تسكينها لأبى جعفر (٨٠).
فمثل هذا يستفاد به فى غير التلاوة التعبدية إذا كان منقولا نقلا يرتضيه العلماء، ولا يتلى على أنه قرآن.

... أنواع اختلاف القراءات العشر:
اختلاف القراءات العشر اختلاف تنوع وتغاير، لا اختلاف تضاد وتناقض، فإن هذا محال أن يكون فى كلام الله تعالى، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (النساء: ٨٢).

وأنواع اختلاف القراءات العشر ثلاثة:
- الأول: اختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى.
مثل قراءة الصِّراطَ (الفاتحة: ٦) بالصاد، وقراءتها بالسين، فالمعنى واحد، واللفظ مختلف.
- الثانى: اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما فى شىء واحد، مثل قراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة: ٤) بالألف، وقراءتها بدون ألف، فالقراءتان مختلفتان فى اللفظ، ومعنى
الملك يختلف عن معنى المالك- كما هو واضح والمراد فى القراءتين هو الله تعالى، لأنه مالك يوم الدين، وملكه، فالاسمان والوصفان مجتمعان له تعالى.
- الثالث: اختلافهما جميعا مع امتناع
(٧٨) انظر المحتسب ١/ ١٥٥.
(٧٩) انظر السابق ٢/ ٣٢٨.
(٨٠) انظر السابق ١/ ١٢٥.
 
١ ‏/ ٣٢٠
 
جواز اجتماعهما فى شىء واحد، بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضى التضاد، مثل: قراءة عَلِمْتَ بضم التاء للمتكلم، وقراءتها بفتحها للمخاطب، فاللفظ مختلف، والمعنى مختلف. ولا تناقض، فإن المتكلم يعلم، والمخاطب يعلم. وبيان ذلك أن قوله تعالى:
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ (الإسراء: ١٠٢) على القراءة بفتح التاء يعنى أن الله تعالى لما آتى موسى- ﵇ تسع آيات بينات، وهى اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنون، ونقص الثمرات، ومع ذلك أصر فرعون على الكفر، قال له موسى: لقد علمت يا فرعون أن هذه الآيات ما أنزلها إلا الله تعالى للعبرة، ولكنك تعاند. ففرعون هو الذى أضيف إليه العلم فى هذه القراءة.
والمعنى على القراءة بالضم أن موسى- ﵇ هو الذى أضيف إليه العلم، أضافه موسى إلى نفسه، وأخبر بعلمه بذلك، يعنى أن العالم بذلك ليس مسحورا أى مجنونا أو مخدوعا أو مغلوبا على عقله، فاختلفت القراءتان فى اللفظ وفى المعنى، ولم يمكن اجتماعهما فى شىء واحد، ومع ذلك لم يتضادا، لأنهما اجتمعا من وجه، وهو حصول العلم بالغرض من الآيات لكل من موسى ﵇، وفرعون- لعنه الله.
- وعلى هذا فليس فى شىء من القراءات تناف، ولا تضاد، ولا تناقض (٨١).
- وقد ينظر فى تنويع اختلاف القراءات- مع النظر إلى اللفظ والمعنى- إلى صورة الخط، والإثبات وعدمه، والتقديم والتأخير، فيخرج الناظر بهذه الطريقة بأنواع سبعة، وهى:
- الاختلاف فى الحركات، بلا تغير فى المعنى والصورة، مثل يَحْسَبُ (سورة الهمزة: ٣ - وجميع النظائر) بفتح السين وكسرها.
- الاختلاف فى الحركات، مع التغير فى المعنى، وعدم التغير فى الصورة، مثل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (البقرة: ٣٧) بضم ميم (آدم) وكسر تاء (كلمات)، وبفتح الميم، وضم التاء.
- الاختلاف فى الحروف مع التغير فى المعنى لا الصورة، مثل تَبْلُوا (يونس: ٣٠)، وتتلوا.
- الاختلاف فى الحروف والتغير فى الصورة دون المعنى، مثل الصِّراطَ (الفاتحة: ٦)، و(السراط) (وإن كانت صورة
(٨١) انظر النشر ١/ ٤٩ - ٥١ وتفسير الجلالين مثلا ١/ ٢٣٥ ط دار إحياء الكتب العربية ١٣٤٢ هـ.
 
١ ‏/ ٣٢١
 
السين ليست فى المصاحف العثمانية فى هذا اللفظ ونحوه).
- الاختلاف فى الحروف وتغير المعنى، وتغير الصورة، مثل: أَشَدَّ مِنْكُمْ.
وأَشَدَّ مِنْهُمْ (غافر: ٢١).
- الاختلاف فى التقديم والتأخير، نحو فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ (التوبة: ١١١) ببناء الأول للمعلوم والثانى للمجهول، وبتأخير المبنى للمعلوم وتقديم المبنى للمجهول.
- الاختلاف فى الإثبات، وعدمه، كإثبات واو العطف، وحذفها فى وَسارِعُوا (آل عمران: ١٣٣) (٨٢).
وكل هذه القراءات، وسائر المعمول به للعشرة على ما ذكرنا من البراءة من أى اختلاف ضارّ. وتوجيهها، وبسط معانيها مكفول فى كتب التفسير، وكتب التوجيه.
وهذا الاختلاف الثابت- بأنواعه- أشار إليه السكاكى فى خاتمة «المفتاح» إشارة العارف بما هو سائغ: مروى أنزله الله تعالى فى الأحرف السبعة ونزّه كتابه العزير عن كل شائبة.

فوائد اختلاف القراءات العشر:
للقراءات العشر أثر يظهر بفوائده الكثيرة فى مجالات عديدة، وإليك بيان ذلك:

فى العقائد وكتب علم الكلام:
- قرأ عاصم، والكسائى، ويعقوب، وخلف العاشر قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة: ٤) بالألف، والباقون ملك بدون ألف (٨٣).
فأفادت كل قراءة اسما من أسمائه تعالى، مركبا إضافيا، جزؤه الثانى يَوْمِ الدِّينِ، وهذا هو مناط هذه الفائدة، وإلا ففي القرآن الكريم. مالِكَ الْمُلْكِ (آل عمران: ٢٦)، وفيه مَلِكِ النَّاسِ (الناس: ٢).
والاسمان المستفادان من القراءتين لم يذكرهما البيهقى فى كتابه «الأسماء والصفات».
- وقوله تعالى: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (البروج: ١٥) قرأ المجيد بالجر حمزة والكسائى وخلف- نعتا للعرش- والباقون بالرفع- نعتا لله تعالى (٨٤). ومعنى المجيد:
الرفيع العالى، والكريم (٨٥). فاستفيد من القراءتين جواز إطلاق هذا الاسم الدال على صفة الرفعة والعلو والكرم على الله تعالى، على وجه الكمال المطلق فى الصفة، وعلى العرش، لكن على وجه الكمال المحدود بحدود المخلوق.
(٨٢) انظر النشر ١/ ٢٦ - ٢٧.
(٨٣) انظر النشر فى القراءات العشر لابن الجزرى ١/ ٢٧١.
(٨٤) انظر النشر فى القراءات ٢/ ٣٩٩.
(٨٥) انظر القاموس المحيط- مادة (مجد). وانظر النشر ٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩.
 
١ ‏/ ٣٢٢
 
وقوله تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (التكوير: ٢٤) قرأه بالضاد نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر وروح عن يعقوب وخلف، وقرأه الباقون بالظاء (٨٦).
والمعنى على قراءة الضاد: وما هو على الغيب ببخيل بل هو معصوم من البخل بما أنزل إليه من ربه. فهذه القراءة تثبت عقيدة العصمة من الكتمان، وتثبت وجوب التبليغ، والأمانة.
والمعنى على قراءة الظاء: وما هو على الغيب بمتهم، بل هو معصوم من الوهم والخطأ والنسيان، وكل ما يسبب تهمة له فيما يبلغه من وحى الله تعالى، فهذه القراءة تثبت عقيدة العصمة فى هذا الشأن، عقيدة الصدق المطابق للحق بلا أدنى شائبة، وعقيدة الفطانة المنافية للغفلة، وما أثبتته القراءتان ثابت بأدلة كثيرة، ففائدتهما إثباته مرة أخرى، وتوكيده، اهتماما به، وتعميقا له فى نفوس المؤمنين، مع هذا الإيجاز البليغ المعجز.
- وقوله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها (البقرة: ١٤٨) قرأها بالياء من عدا ابن عامر، وقرأه ابن عامر مولاها:
بالألف.
ومعنى القراءة الأولى أن لكل قاصد جهة يتجه إليها، ويوليها وجهه.
ومعنى القراءة الثانية أن غيره هو الذى يوجهه إليها، ويوليها وجهه.
والفاعل هنا هو الله تعالى فاعل التولية، وفاعلها فى القراءة الأولى هو العبد، فأفادت القراءتان أن الفعل الواحد يصح أن ينسب إلى الفاعل المختار- ﷻ وإلى العبد، وهو كذلك فإنه ينسب إلى الله تعالى إيجادا، وخلقا، وإلى العبد تلبسا وكسبا، أو اكتسابا، كما هى عقيدة أهل السنة والجماعة.
- وللقراءات أثر ضئيل فى كتب علم الكلام، «كشرح المواقف»، «والإنصاف» للباقلانى، «وشرح الفقه الأكبر» للقارى.
وينبغى أن يتناول علم الكلام بين دفتيه القراءات بتوسع، لوجوب احترامها، والإيمان بها حرفا حرفا، فإنها قرآن من القرآن (٨٧).

فى الأحكام الشرعية:
- قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (البقرة: ١٢٥) قراءة نافع وابن عامر بفتح الخاء، وباقى العشرة بكسرها (٨٨).
والقراءة بالفتح تفيد الإخبار عن متبعى سيدنا إبراهيم ﵇ بأنهم اتخذوا من الحجر الذى تعرفه الناس اليوم مصلى يصلون عنده (٨٩) ركعتى طواف القدوم، كما هو فى شريعتنا.
(٨٦) انظر النشر ٢/ ٢٢٣.
(٨٧) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٧٦٩ لكاتب هذا الموضوع.
(٨٨) انظر النشر ٢/ ٢٢٢.
(٨٩) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ٢/ ١١٧ - ١١٨ تحقيق د. محمد الحفناوى وزميله ط ٢ دار الحديث ١٩٩٦ م.
 
١ ‏/ ٣٢٣
 
والقراءة بالكسر تفيد الأمر بذلك (٩٠) حتى قال المالكية بوجوبهما (٩١).
- وقوله تعالى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (البقرة: ١٩١)، قرأه حمزة والكسائى وخلف العاشر بدون ألف، أى ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم (٩٢).
وجاء فى التفسير أن معناها: ولا تبدءوهم بالقتل حتى يبدءوكم به فإن بدءوكم بالقتل فاقتلوهم (٩٣). وهذه القراءة نص فى مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم هل يقتل فيه (٩٤).
وقرأه الباقون بالألف (٩٥)، فيكون نهيا عن سبب القتل، فهو نهى عن القتل من باب أولى (٩٦).
- وقوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ (البقرة: ٢٢٢) قرأه بسكون الطاء وضم الهاء حفص ونافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب، وقرأه بفتح الطاء والهاء مع تشديدهما الكسائى وخلف العاشر وأبو بكر شعبة: (٩٧). أفادت القراءة الأولى أن غاية الحل الطهر فلا يقربها زوجها حتى ينقطع دم الحيض، وأفادت القراءة الثانية أن الغاية التطهر فلا يقربها حتى تغتسل. قال الشوكانى: «إن الله سبحانه جعل للحل غايتين كما تقتضيه القراءتان:
إحداهما: انقطاع الدم، والأخرى: التطهر منه، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة، على الغاية الأولى، فيجب المصير إليها. وقد دل أن الغاية الأخرى هى المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك:
فَإِذا تَطَهَّرْنَ (البقرة: ٢٢٢) فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر لا مجرد انقطاع الدم.
وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة، كذلك يجب الجمع بين القراءتين» (٩٨).
- وقوله تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ (النساء: الآية ٢٥) قرأه حمزة والكسائى وخلف وأبو بكر أُحْصِنَّ بفتح الهمزة، وفتح الصاد، وقرأه الباقون بضم الهمزة وكسر الصاد (٩٩).
ومعنى القراءة الأولى: فإذا أسلمن. جاء ذلك مرويا فى التفسير، وهو قول الجمهور، وعليه فلا تحدّ المملوكة الكافرة إذا زنت- وهو قول الشافعى- ولكن تضرب تأديبا.
ومعنى القراءة الثانية: فإذا أحصنهنّ أزواجهن فعليهن نصف ما على المحصنات- بمعنى المسلمات غير المتزوجات- من العذاب أى الحد، والنصف خمسون جلدة.
(٩٠) انظر السابق.
(٩١) انظر أحكام القرآن لابن العربى ١/ ٦٠ مراجعة وتخريج وتعليق محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت ط ١/ ١٩٨٨ م.
(٩٢) انظر النشر ٢/ ٢٢٧.
(٩٣) انظر حجة القراءات لابن نجلة ص ١٢٨ تحقيق د. الأفغانى ط أولى ١٩٧٤ م. جامعة بن غازى ليبيا.
(٩٤) انظر روائع البيان للصابونى ط ٢/ ١٩٧٧ م مكتبة الغزالى دمشق.
(٩٥) انظر النشر السابق.
(٩٦) راجع روائع البيان السابق.
(٩٧) انظر النشر السابق.
(٩٨) فتح القدير للشوكانى ١/ ٣٣٤ - ٣٣٥ تحقيق ... سيد إبراهيم ط أولى ١٩٩٣ م دار الحديث.
(٩٩) انظر النشر ٢/ ٢٤٩.
 
١ ‏/ ٣٢٤
 
والإحصان يفسر فى كل موضع بما يناسبه، وهذا الحكم لا يلغى الحكم المستفاد من القراءة الأولى وإنما يبيّن أن الأمة المسلمة التى تحدّ وإن لم تتزوج كما هو مقتضى القراءة الأولى تحد نفس الحدّ إذا تزوجت، وهو خمسون جلدة، ولا يزيدها الزواج وإن كان يزيد الحرة، فإن الحرة المسلمة التى لم تتزوج تجلد مائة جلدة (١٠٠)، والتى
تزوجت ترجم. فأفادت القراءة الأولى الحكم المذكور، وأفادت القراءة الثانية أنه هو هو فى صورة فيها زيادة وصف قد يظنّ منه أنه يفيد حكما زائدا.
- وقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ (النساء: ٤٣) قرأه هكذا بالألف من عدا حمزة وخلفا العاشر والكسائى، وقرأه هؤلاء الثلاثة بدونها (١٠١). والقراءة الأولى تفيد حكم الجماع، لأن الملامسة هى الجماع، والقراءة الثانية تفيد حكم التقاء بشرة الرجل ببشرة المرأة، لأن اللمس هو الجس باليد، لكن توسع فيه فليس قاصرا على خصوص اليد. فمن لم يجد الماء وقد أصابه الحدث الأكبر بالملامسة، أو الأصغر باللمس، أجزأه التيمم، فأفادت كل قراءة حكما شرعيا (١٠٢).
وقال بعض العلماء: إن اللمس لا يختصّ بالجماع فتكون الملامسة كذلك لتتفق القراءتان، فتحمل الملامسة على الأعم، ويكون أولى، لأن قراءة اللمس تدل عليه بخلاف حملها على الأخص، وهو الإجماع، فليس له قراءة أخرى تؤيده (١٠٣). فنراه نزّل قراءة الألف على قراءة ترك الألف، وبيّن أن أثر القراءة بالألف هذا الحكم الفقهى حكم الجس باليد ونحوه، وأن أثر القراءة الثانية هو تأييد ذلك الحكم.
- وقوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (المائدة: ٦) قرأه نافع وابن عامر والكسائى ويعقوب وحفص بنصب الأرجل، وقرأه الباقون بالخفض (١٠٤). وقراءة النصب ظاهرة فى الغسل لأن الأرجل حينئذ عطف على المغسول فى الآية فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وقراءة الخفض ظاهرة، فى المسح؛ لأن الأرجل حينئذ عطف على الممسوح فى الآية:
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وظهور كل منهما فيما دلت عليه متساو، مما جعل الطبرى وداود يذهبان إلى أن الحكم من الواجب المخير، فيغسل أو يمسح، كالتخيير فى كفارة اليمين بين الإطعام والكسوة وعتق رقبة (١٠٥).
وذهب بعض العلماء إلى أن الحكم المستفاد
(١٠٠) انظر حجة القراءات السابق ١٩٨، والجامع لأحكام القرآن السابق ٥/ ١٤٧ - ١٤٩، وفتح القدير السابق ١/ ٦٧٣ - ٦٧٥، وأحكام القرآن للهراسى ٢/ ٣١٩ - ٣٢١ تحقيق
موسى محمد على، والدكتور عزت عطية ط دار الكتب الحديثة بدون تاريخ.
(١٠١) انظر النشر ٢/ ٢٥٠.
(١٠٢) انظر الإتقان للسيوطى ٢/ ١٢١٨ تقديم وتعليق مصطفى البغا ط الثالثة ١٩٩٦ م دمشق بيروت دار ابن كثير.
(١٠٣) انظر حاشية البيجرمى على الخطيب (تحفة الحبيب) ١/ ١٧٢ مطبعة التقدم العلمية بدون تاريخ.
(١٠٤) انظر النشر ٢/ ٢٥٤.
(١٠٥) انظر- مثلا- بداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٧ - ١٨ تحقيق د. محمد سالم محيسن وزميله مكتبة الكليات الأزهرية ١٩٨٢ م.
 
١ ‏/ ٣٢٥
 
من قراءة النصب هو غسل الرجلين فى حالة ظهور القدمين ببيان السنة الفعلية، والمستفاد من قراءة الخفض هو المسح على الخفين ببيان السنة أيضا، حيث لم يفعل النبى ﷺ المسح إلا فى هذه الحالة، كما أنه فى حالة ظهورهما لم يكن منه إلا الغسل (١٠٦).
- وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بالِغَ الْكَعْبَةِ (المائدة:
٩٥) قرأه الكوفيون ويعقوب فَجَزاءٌ بالتنوين، مثل بالرفع (١٠٧)، وذهب الشافعى إلى أن الرجل إذا أصاب صيدا وهو محرم فى الحرم يجب عليه من النعم مثل المقتول من الصيد مثلية من طريق الخلقة، فإن أصاب حمار وحش فعليه بدنة (١٠٨) وإن أصاب ظبيا فعليه شاة. وهذه القراءة تدل على ذلك، فإن معناها: فجزاء ذلك الفعل:
مثل ما قتل. والمثل- فى ظاهره- يقتضى المماثلة من طريق الصورة، لا من طريق القيمة (١٠٩).
وقرأه الباقون بالإضافة بدون تنوين وبخفض اللام (١١٠).
ومذهب أبى حنيفة أن الصيد المقتول يقوّم بقيمته من الدراهم ثم يشترى القاتل بهذه القيمة فداء من النعم ثم يهديه إلى الكعبة.
واستدل بهذه القراءة، فإن التقدير: فعليه جزاء مثله، أو: فجزاء مثل المقتول واجب عليه. ووجه الدليل فى هذا أنك إذا أضفته يجب أن يكون المضاف غير المضاف إليه، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، فيجب أن يكون المثل غير الجزاء (١١١). فالنتيجة بالنسبة إلينا ثراء فقهى من أثر القراءات.
- وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ (الأنفال: ٧٢) قرأه حمزة بكسر واو وَلايَتِهِمْ والباقون بفتحها (١١٢). وفسرت الولاية بالكسر بالميراث، فأفادت هذه القراءة أنه لا ميراث بالإيمان إلا إذا تمت الهجرة.
وكان هذا فى مرحلة من تاريخ أحكام الميراث.
والولاية بالفتح بمعنى النصرة فى أكثر استعمالها، فأفادت هذه القراءة أنه لا تجب النصرة للمؤمن الذى لم يهاجر. ثم أوجبتها الآية فى حالة خاصة، وهى ما إذا طلبت. كما
(١٠٦) انظر شرح الفقه الأكبر لملا على قارى ص ٧٥ ط الثانية الحلبى ١٩٥٥ م.
(١٠٧) انظر النشر ٢/ ٢٥٥.
(١٠٨) البدنة: البعير ذكرا كان أو أنثى. قال مالك والشافعية والحنابلة: بشرط أن يكون مجزئا فى الأضحية، وهو ما بلغ خمس سنين وطعن فى السادسة. انظر الإقناع للشربينى ١/ ٢٤٧، ٢/ ٢٤٠ الطبعة الأخيرة الحلبى ١٩٤٠ م، والموسوعة الفقهية ٢/ ١١٨ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت إعادة طبع ١٤١٤ هـ- ١٩٩٣ م.
(١٠٩) انظر حجة القراءات ٢٣٥ - ٢٣٦.
(١١٠) انظر النشر السابق.
(١١١) انظر حجة القراءات ٢٣٦ - ٢٣٧.
(١١٢) انظر النشر ٢/ ٢٧٧.
 
١ ‏/ ٣٢٦
 
دلت عليه الألف والسين والتاء فى اسْتَنْصَرُوكُمْ، وكما دل عليه الشرط نفسه وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ ثم رفعت الآية وجوب النصرة فى هذه الحالة الخاصة إذا كانت على قوم لهم عند المسلمين ميثاق إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ (١١٣).
- وقوله تعالى: فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ (النمل: ٢٤ - ٢٥) قرأه أبو جعفر والكسائى ورويس بتخفيف لام ألا ووقفوا- للبيان- على أَلَّا وعلى يا التى رسمت موصولة بفعل الأمر اسْجُدُوا هكذا يَسْجُدُوا، وابتدءوا بالفعل اسْجُدُوا بهمزة وصل مضمومة، على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا.
وقرأه الباقون بتشديد لام أَلَّا ويَسْجُدُوا عندهم كلمة واحدة (١١٤).
وتفيد القراءة الأولى وجوب سجود التلاوة، لأنها أمر، والأمر للوجوب. وتفيد القراءة الثانية ذم تارك السجود (١١٥). إلى غير ذلك من قراءات وأحكام شرعية (١١٦).

فى النحو والصرف:
- نصب المضارع بعد الفاء أو الواو إذا سبقت بحصر. هذه قاعدة جديدة زادها ابن مالك فى مواضع نصب المضارع (١١٧)، وهى أثر من آثار القراءات إذ قرأ ابن عامر:
وَإِذا قَضى أَمْرًا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (البقرة: ١١٧) بنصب يكون (١١٨).
- والعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار. هذا الحكم أفادته قراءة حمزة:
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ (النساء: ١) بجرّ (الأرحام) (١١٩). وقال بجواز ذلك الكوفيون وابن مالك (١٢٠) ويونس (١٢١) والأخفش (١٢٢) والشلوبين (١٢٣)، كما فى المراجع (١٢٤).
- الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول. أجازه الكوفيون ومن وافقهم وابن مالك، وقال فى «الكافية الشافية»: ابن عامر (وحجتى قراءة ابن عامر فكم لها من عاضد وناصر) وذلك أن ابن عامر قرأ: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ (الأنعام: ١٣٧) بضم الزاى وكسر الياء من (زين) ورفع لام (قتل) ونصب دال (أولادهم) وخفض همزة (شركائهم) بإضافة (قتل) إليه، وهو فاعل فى المعنى، وقد فصل بين المضاف وهو (قتل) وبين (شركائهم) وهو المضاف إليه بالمفعول وهو
(١١٣) انظر حجة القراءات ٣١٤، والجمل على الجلالين ٢/ ٢٥٩ ط عيسى الحلبى، ورسالة (القراءات ...) ص ٧٧٧.
(١١٤) راجع النشر ٢/ ٣٣٧.
(١١٥) انظر الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ١٩٦.
(١١٦) انظر المزيد فى رسالة (القراءات ...) ص ٧٦٩ - ٧٧٨.
(١١٧) انظر همع الهوامع للسيوطى ٢/ ١٦ ط الأولى الخانجى ١٣٢٧ هـ، وحاشية الصبان على الأشمونى ٣/ ٤٤٦ مراجعة وتقديم طه عبد الرءوف سعد المكتبة التوفيقية بدون تاريخ.
(١١٨) انظر النشر ٢/ ٢٢٠.
(١١٩) انظر النشر ٢/ ٢٤٧.
(١٢٠) هو صاحب الألفية وغيرها فى النحو الإمام المشهور محمد بن عبد الله (ت ١٢٧٤ م)، انظر تقديم طه عبد الرءوف سعد لحاشية الصبان السابقة.
(١٢١) هو يونس بن حبيب البصرى (ت ١٨٢ هـ) كان بارعا فى النحو صاحب قياس فيه ومذاهب. انظر طبقات المفسرين للداودى ٢/ ٣٨٥ دار الكتب العلمية بيروت بدون تاريخ.
(١٢٢) هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة البلخى البصرى من أئمة النحو المشهورين. انظر السابق ١/ ١٩١ - ١٩٣.
(١٢٣) هو أبو على عمر بن محمد (ت ٦٤٥ هـ) كان إمام العربية فى عصره. انظر بغية الوعاة ٣٦٤ للسيوطى مطبعة السعادة ١٣٢٨ هـ.
(١٢٤) مثل كتاب «الدفاع عن القرآن ...» للدكتور أحمد مكى الأنصارى، ومراجعه كالبحر المحيط لأبى حيان، وإعراب القرآن للسفاقسى ...
 
١ ‏/ ٣٢٧
 
(أولادهم). وفى المصحف العثمانى الذى أرسل إلى الشام (شركائهم) بالياء، وفيما عداه من المصاحف العثمانية (شركاؤهم) بالواو. وواضح أن هذا الحكم لا يختص بضرورة الشعر (١٢٥).
ومعنى هذه القراءة: (زين لكثير من المشركين قتل شركائهم لأولادهم، أى استحسنوا ما توسوسه شياطين الإنس من سدنة الأصنام وشياطين الجن من قتل الأولاد. فكأن هؤلاء الشركاء هم الذين قتلوهم. ففائدة هذه القراءة إذن: تذكر أولئك السفهاء بقبح طاعة أولئك الشركاء فى أفظع الجرائم والجنايات وهو قتل الأولاد) (١٢٦).
وفائدة قراءة غير ابن عامر: بيان قبح ذلك الفعل من أفعال الشركاء وهو التزيين المذكور.
وهذا من بديع أمر القراءات أن يتعدد المعنى وتكثر معانى القرآن مع غاية من الإيجاز، حتى كانت القراءات وجها من وجوه إعجاز القرآن، أو معمّقة لإعجازه البيانى (١٢٧).
دخول لام الأمر على المضارع المبدوء بتاء الخطاب: (احتج على جواز إدخال لام الأمر على المضارع المبدوء بتاء الخطاب بقراءة قوله تعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا (يونس: ٥٨) (فلتفرحوا) (بالتاء) (١٢٨). وهى قراءة رويس عن يعقوب من العشرة (١٢٩)، فهى متواترة، فليحذر من القول بشذوذها أخذا من ظاهر سياق السيوطى فى «الاقتراح»، أو من نسبتها إلى أبىّ وأنس فقط كما فى شرح «الأشمونى» على «الألفية». وهى قراءة جماعة، فضلا عن أنها لغة النبى ﷺ (١٣٠).
- سكون لام الأمر بعد ثمّ:
أثبته ابن مالك بقراءة حمزة (١٣١) ثُمَّ لْيَقْطَعْ (الحج: ١٥)، وهى قراءة جماعة منهم عاصم (١٣٢) الذى نقرأ بقراءته من رواية حفص. وفى ذلك رد على من قال إنه خاص بالشعر. وليس ضعيف ولا قليل- خلافا لمن زعم ذلك. هكذا قرره ابن هشام (١٣٣)، والأشمونى على الألفية (١٣٤).
- تأنيث الفعل مع مرفوعه المذكر المجازى:
استدل سيبويه على جواز ذلك بقراءة ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (الأنعام: ٢٣) بتأنيث (تكن) ونصب (١٣٥) (فتنتهم) فهى خبر (تكن) مقدم، واسمها المصدر المؤول (أن قالوا ...) وهو مرفوعها. واستشهد بغيرها أيضا (١٣٦)، وإن كانت كافية، لكن لا بأس، كما لا بأس بأن يذكر الحكم أولا ثم يستدل عليه بالقراءة، وإن كنا نرى الوجاهة فى ذكر القراءة أولا ثم استفادة الحكم منها (١٣٧). إلى غير ذلك من قراءات وآثار لها فى الأحكام النحوية
(١٢٥) انظر النشر ٢/ ٢٦٣.
(١٢٦) انظر تفسير المنار ٨/ ١٠٩ - ١١٠ طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ١٩٧٤.
(١٢٧) رسالة (القراءات ...) فيها شرح ذلك كله بتوسع فى صفحات كثيرة.
(١٢٨) انظر النشر ٢/ ٢٨٥.
(١٢٩) انظر السابق.
(١٣٠) انظر حجة القراءات ٣٣٣ - ٣٣٤، ورسالة (القراءات ...) ص ٨٠٦.
(١٣١) انظر الاقتراح فى أصول النحو للسيوطى ٥٨ - ٥٩.
(١٣٢) انظر النشر ٢/ ٣٢٦ للاستنتاج منه.
(١٣٣) انظر مغنى اللبيب لابن هشام ١/ ١٨٥ - ١٨٦ ط عيسى الحلبى.
(١٣٤) انظر على هامش حاشية الصبان ٤/ ٥ السابقة.
(١٣٥) وهى قراءة نافع وجماعة. انظر النشر ٢/ ٢٥٧.
(١٣٦) انظر «سيبويه والقراءات» د. أحمد مكى الأنصارى (ص ٢٠٥ - ٢٠٦) دار المعارف ١٩٧٢ م.
(١٣٧) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٨١٠.
 
١ ‏/ ٣٢٨
 
والصرفية، ما بين جديدة ومدعّمة لأحكام معروفة (١٣٨).

فى البلاغة والإعجاز:
- فى القراءات لغات مختلفة كتحقيق الهمز وتخفيفه، والفتح والإمالة، وضم الهاء وكسرها فى نحو (عليهم)، وصلة الميم بواو فى نحو (إليهم)، وصلة الهاء بياء فى نحو (فيه)، إلى غير ذلك.
وهذه القراءات من أفصح لغات العرب، ولا يجوز الخروج عنها. وفى هذا نهوض بمستواهم فى اللغة، وتأنيس لهم، وتنشيط يدركه من يدركه، وترقية للتفكير، وسبب لزيادة التدبر.
وهى أمور من أغراض الأدباء بمكان- والقرآن وقراءاته المثل الأعلى فى البيان.
- وفى القراءات أساليب متنوعة، فمن غيبة فى قراءة إلى خطاب فى أخرى فى نفس الموضع، ومن تذكير إلى تأنيث، ومن إفراد إلى جمع، ومن، ومن ... وهذا منهج أدبى تستريح إليه الحاسة البيانية، ويدعو إلى زيادة التأمل، ويشتمل على المعانى البلاغية (١٣٩) وما أكثرها فى القراءات.
- (وفى القراءات معان مختلفة كثيرة، غير متناقضة، وذلك حين تفيد القراءة معنى غير ما تفيده القراءة الأخرى فى نفس الموضع، مع إيجاز اللفظ، إذ تكون كل قراءة بمنزلة آية، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان فى ذلك من التطويل. وذلك من نهاية البلاغة، ومن وجوه إعجاز القرآن الكريم) (١٤٠).
ونقتصر على قليل من النماذج الموضحة لبعض ما سبق فنقول:
- قوله تعالى: طه (طه: ١) (قرئ بفتح الطاء فتحا خالصا، وألف خالصة بعدها، وكذلك الهاء. وقرئ بإمالة فتحة الطاء إلى جهة الكسرة، وألفها إلى جهة الياء، وكذلك الهاء) (١٤١). والقراءة بالإمالة كأنها نص فى كون الكلمتين (طا)، و(ها) اسمين لحرفين من حروف الهجاء، ولا يتأتى فيها أن يكون الأصل (طأها) أمرا من وطئ بمعنى:
دس عليها، أى على الأرض بقدميك (١٤٢).
وفى التركيز على كونهما اسمين لحرفين اهتمام بالإشارة إلى إعجاز القرآن من جهة التنبيه بسرد الحروف التى فى أوائل السور من مثل ن (القلم: ١)، حم (غافر: ١) على
أن القرآن مؤلف من حروف لغتكم ومع ذلك عجزتم عن الإتيان بمثله، فهو- إذن- من عند الله تعالى، ودليل على صحة النبوة والرسالة (١٤٣). فأفادت هذه القراءة أنه ينبغى الاعتناء بقضية الإعجاز ودليله.
(١٣٨) انظر السابق ٨٠٢ - ٨١٢.
(١٣٩) انظر السابق ٧٨٢ - ٧٨٦ مثلا.
(١٤٠) انظر النشر ١/ ٥٢، والتحرير والتنوير لابن عاشور ١/ ٨٣ الدار التونسية للنشر ١٩٨٤ م تونس- وغيرها.
(١٤١) انظر إتحاف فضلاء البشر ٣٠٢.
(١٤٢) انظر مثلا تفسير القرطبى ١١/ ١٧٥ - ١٧٦.
(١٤٣) انظر مثل روح المعانى للآلوسى فى أوائل تفسير سورة البقرة.
 
١ ‏/ ٣٢٩
 
والقراءة بالفتح تحتمل الإشارة إلى دليل الإعجاز، وهو أن القرآن مؤلف من هذه الحروف التى نسرد عليكم أسماء بعضها، وهى حروفكم وهو يتحداكم أن تأتوا منها بمثله، وأنتم الفصحاء، ومع ذلك عجزتم ولجأتم إلى السيوف والدماء بدلا من مقارعة الحجة بمثلها لو كنتم تملكونها. هذا معنى.
وتحتمل أنها تخفيف (طأها) بإبدال الهمزة ألفا، فتفيد معنى آخر، وهو الحكم بوضع الرّجل المرفوعة على الأرض، وترك ما يبلغ حد المشقة الداعية إلى المراوحة بين الرّجلين (١٤٤) من طول القيام فى صلاة الليل (١٤٥).
فلم تقتصر الفائدة على كون الفتح والإمالة من لغات القراءات ذات النهوض بالمستوى اللغوى- إلى آخر ما سبق- بل جاءت الثمرة، تلو الثمرة.
وهذا مع جملة ما يندرج تحت عنوان (أثر القراءات) أخذناه عن سلفنا الذين قالوا- بسببه: (إن القراءات من وجوه الإعجاز، وكماله، ومحاسنه) (١٤٦).
- وقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (العنكبوت: ٥٧) قرئ بالخطاب والغيبة (١٤٧). والخطاب للمؤمنين، وهو وعد لهم بحسن الجزاء، والغيبة يحتمل فيها أن تكون الواو للكافرين المعادين للمؤمنين، ويكون الكلام وعيدا لهم، وأن تكون الواو لكل نفس، ويكون الكلام وعدا للمؤمنين ووعيدا لغيرهم (١٤٨). وهذا من تعدد الأساليب، وتعدد المعانى، ومن فنون البلاغة العالية.
- وقوله تعالى: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ (يونس: ٧٨) قرئ (وتكون) بالتاء، وبالياء (١٤٩). والقائلون قوم فرعون، والمراد من المثنى موسى وهارون- ﵉ (١٥٠).
والقراءة بتاء المؤنث لأن (الكبرياء) مؤنث- وإن كان تأنيثه مجازيا. هذا هو الأصل المتعارف فى لغة العرب (١٥١). ثم إن اللغة صدى لما فى النفس وتصوير لشعورها، والمؤنث فى المخلوقات ضعيف عادة بالقياس إلى المذكر، فالقراءة الأولى تشعر بأن القوم فى بعض أوقاتهم هوّنوا من شأن الكبرياء تزهيدا لموسى وأخيه فى ثمرة لا تستحق عناء محاولتهما المستحيل وهو ترك ما وجدوا عليه آباءهم، وعناء العداوة التى تتأجج بسبب تلك المحاولة. وهذا على ما يتصورون من أن غرضهما هو الحصول على الكبرياء فى الأرض. والقراءة بالتذكير لأن التأنيث غير حقيقى فضلا عن أنه مفصول عن الفعل بقوله (لكما) (١٥٢). وتذكير الفعل مع المؤنث المجازى يكون للتعظيم والتفخيم (١٥٣).
(١٤٤) راوح بين رجليه: قام على كل منهما مرة. انظر المعجم الوسيط مادة (روح) وذلك لتسترح الرجل المرفوعة، ثم ينزلها ويرفع.
(١٤٥) انظر تفسير القرطبى السابق.
(١٤٦) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٧٨٥ بهوامشها.
(١٤٧) انظر النشر ٢/ ٣٤٣.
(١٤٨) انظر التحرير والتنوير ٢١/ ٢٢ - ٢٣، ورسالة (القراءات ...) ص ٧٦٥.
(١٤٩) انظر إتحاف فضلاء البشر ٢٥٣.
(١٥٠) انظر روح المعانى ١١/ ١٦٥.
(١٥١) انظر باب الفاعل فى مثل حاشية الصبان على الأشمونى.
(١٥٢) انظر روح المعانى السابق.
(١٥٣) انظر شرح عقود الجمان للمرشدى ١/ ١١٦ ط ٢/ ١٩٥٥ م الحلبى.
 
١ ‏/ ٣٣٠
 
فتشعر هذه القراءة بأن القوم فى بعض أوقاتهم استعظموا الكسب الذى يحصل عليه موسى وأخوه- وهو الكبرياء فى الأرض على ما توهموا أنه غرضهما- لو نجحا فى صرفهم عما وجدوا عليه آباءهم. فأفادت القراءتان معنيين، واستوفتا حالتى القوم اللتين اعتبرت كل حالة منهما القوم فى بعض الأوقات. ويجوز وجه آخر، وهو أن تكون قراءة التأنيث مفيدة لحالة فريق من القوم استصغر ثمرة الدعوة، وقراءة التذكير مفيدة لحالة فريق آخر منهم استعظمها- على الوجه المذكور فى الاستصغار والاستعظام.
وهذه المعانى، وهذا الاستيفاء للأحوال، والأوقات، والجماعات من البلاغة بمكان.
- وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ الأنعام:
١١٥) (قرئ كلمة ربك) بالإفراد، و(كلمات ربك) بالجمع (١٥٤). (فالانفراد على إرادة الجنس) (١٥٥)، وهو معنى يقصده المتكلم.
(والجمع لتنوع الكلمات الربانية أمرا، ونهيا، ووعدا، ووعيدا) (١٥٦). وهو معنى آخر من مقاصد الكلام. وكل هذا يعدّ من التوسعات البيانية، ومن التخفيف النفسى حيث لا حبس على وجه واحد. وليس ممّا تختلف فيه لهجات العرب. وقوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ بالجمع وجها واحدا فاتفق معه الجمع فى القراءة الثانية، إذ الجمعان بمعنى واحد.
والإفراد فى القراءة الأولى ينوب عن الجمع؛ لأنه اسم جنس. وكل قراءة على انفرادها جاءت على أسلوب فصيح، واجتماعهما على موضع واحد أمر يمتاز به القرآن الكريم فى إيجازه وبلاغته الفائقة (١٥٧).
- وقوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا (النساء: ٩٤) قرئ (السلم) بدون ألف بعد اللام، وقرئ (السلام) بالألف (١٥٨). (وفسّر من ألقى السلم بأنه من استسلم فأظهر الانقياد لما دعى إليه من الإسلام. وفسر من ألقى السلام بأنه من أظهر تحية الإسلام، وقد كان ذلك علما لمن أظهر به الدخول فى الإسلام) (١٥٩).
إلى غير ذلك من قراءات كثيرة ذات معان شريفة وفيرة.
وبهذا قدمنا صورة- وإن كانت مصغرة جدا- لأثر القراءات فى بلاغة القرآن، وإعجازه. ولم يظهر أثرها فى علم البلاغة لوجهين: أحدهما: الاكتفاء بعلم إعجاز القرآن (١٦٠)، والآخر: أن علم البلاغة يقدم قواعد يستثمرها من يستطيع فيأتى بالكلام
(١٥٤) انظر النشر ٢/ ٢٦٢.
(١٥٥) انظر الفتوحات الإلهية (الجمل على الجلالين) ٢/ ٨١.
(١٥٦) انظر السابق.
(١٥٧) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٤٥٦.
(١٥٨) انظر النشر ٢/ ٢٥١.
(١٥٩) انظر أحكام القرآن للجصاص ٢/ ٢٤٧ ط باكستان بدون تاريخ.
(١٦٠) وكتبه كثيرة، وأشهرها «إعجاز القرآن» للباقلانى، طبع مرارا، وحقق.
 
١ ‏/ ٣٣١
 
البليغ المشابه لما أتى به فصحاء العرب، والقراءات تستعصى على العلم أن يجعلها قاعدة يستثمرها أحد فيأتى بنتاج أدبى ذى قراءات شريفة شرف قراءات القرآن، أو تكاد. (ومن أقل القليل أن تجد نظيرا للقراءات فى أدب الفصحاء القدماء من رجال الجاهلية أو من رجال الإسلام) (١٦١).
(وإن وجدت نظيرا كمثل المقامة القهقرية عند الحريرى فليست فى العير ولا فى النفير من يسر وشريف معنى، وروعة أسلوب، وتغذية قلوب) (١٦٢) وما ذلك إلا لأن القراءات وجه من وجوه الإعجاز، ولن يطالعك بهذا الوجه إلا القرآن. أما أثر القراءات أو تسببها فى ظهور دراسات بلاغية حولها فهذا شىء طبيعى من عادة المسلمين فى خدمة الكتاب العزيز، ومع ذلك فلا زالت تلك الدراسات قليلة (١٦٣)، مع أن الداعى إلى زيادتها ذو صوت جهير.

فى التفسير:
أثر القراءات فى تفسير القرآن الكريم أثر كبير، وهذه نماذج منه:
- قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (البقرة: ٢١٩) العفو: الفضل (١٦٤).
وقرئ بالنصب، والرفع (١٦٥) وقراءة النصب تفسر (ماذا) إذ تدل على أنها كلمة واحدة مفعول مقدم لينفقون، حتى تكون جملة السؤال فعلية لتطابق الجواب، فإن الجواب (العفو) تقديره: (أنفقوا العفو) جملة فعلية، والتطابق هو الأولى بالرعاية، فتقدير السؤال:
(أىّ شىء ننفق؟) كما تستدعيه هذه القراءة.
وقراءة الرفع تفسر (ماذا) بتفسير آخر، إذ تدل على أن (ما) كلمة، وهى مبتدأ، و(ذا) كلمة، وهى خبر، والأولى اسم استفهام، والثانية اسم موصول بمعنى الذى، وصلته الجملة التى بعده، والعائد محذوف، والتقدير (ينفقونه). فالسؤال جملة اسمية كالجواب، فتطابقا. وتقدير السؤال: ما الذى ننفقه؟، وتقدير الجواب: الذى تنفقونه العفو (١٦٦) (١٦٧).
- وقوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (المسد: ٤) قرئ بنصب (حمالة) وبالرفع (١٦٨). أما النصب فيشير إلى أن (حمالة) بدء جملة، وإلى أن (امرأته) عطف مفرد على مفرد هو ضمير سَيَصْلى (المسد: ٣) وعلى ذلك يسوغ الوقف على (وامرأته)، وينكشف أن المعنى والتقدير:
سيصلى نارا ذات لهب هو وامرأته، أعنى حمالة الحطب.
وأما الرفع فيكشف عن معنى آخر، وهو أن امرأة أبى لهب امرأة حمالة للحطب.
فامرأته مبتدأ، و(حمالة الحطب) خبر،
(١٦١) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٢٠٨ - ٢١٢ مثلا.
(١٦٢) انظر السابق ٨٠١.
(١٦٣) منها ما فى رسالة (القراءات ...) ص ٧٨٢ - ٨٠١، وبحث للدكتور فتحى فريد الأستاذ بكلية اللغة العربية عن القراءات وإعجازها، وكتاب «التوجيه البلاغى للقراءات القرآنية» للدكتور أحمد سعد محمد، وما يدل عليه من دراسات فى هذا المجال. انظر (ص ١١ - ١٢) ط ٢ سنة ٢٠٠٠ م مكتبة الآداب.
(١٦٤) انظر مدارك التنزيل للنسفى ١/ ٨٦ المطبعة الحسينية المصرية ١٣٤٤ هـ.
(١٦٥) انظر النشر ٢/ ٢٢٧.
(١٦٦) راجع مدارك التنزيل السابق.
(١٦٧) أضف إلى هذا الأثر التفسيرى ما تلمسه من أثر لغوى حيث أفادت القراءتان أن (ماذا) تستعمل على أنها كلمة واحدة اسم استفهام، وعلى أن (ما) كلمة، اسم استفهام، و(ذا) كلمة ثانية، اسم موصول بمعنى الذى. وتأمل أيضا إفادة هاتين القراءتين لمعنيين.
وهكذا شأن القراءات تتكاثر فوائدها، لا فى هذا المقام فقط، أو هذا المثال فقط.
(١٦٨) انظر النشر ٢/ ٤٠٤.
 
١ ‏/ ٣٣٢
 
والعطف عطف جملة على جملة، ولا يسوغ الوقف على (وامرأته) لأنه لا يوقف على المبتدأ دون خبره (١٦٩).
- وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا (النساء: ٩٤) (قرئ: (فتبينوا) وقرئ:
(فتثبتوا) (١٧٠). (وفسر ابن الأنبارى الأولى بالثانية، فجعلهما بمعنى واحد، وذلك أن أحد المترادفين قد يكون أجلى فيكون شارحا) (١٧١).
إلى غير ذلك (١٧٢).
- هذا وأثر القراءات فى علم التفسير ماثل فى كتبه بما لا حصر له.
ومن فوائد اختلاف القراءات- بالإضافة إلى ما سلف:
- ما فى ذلك الاختلاف- كما قال ابن الجزرى- «من عظيم البرهان وواضح الدلالة، إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض، على نمط واحد، وأسلوب واحد، وما ذاك إلا آية بالغة، وبرهان قاطع على صدق من جاء به ﷺ.
- ومنها سهولة حفظه، وتيسير نقله على هذه الأمة، إذ هو على هذه الصفة من البلاغة والوجازة، فإنه من يحفظ كلمة ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقبوله من حفظه جملا من الكلام تؤدى معانى تلك القراءات المختلفات، لا سيما فيما كان خطه واحدا، فإن ذلك أسهل حفظا، وأيسر لفظا.
- ومنها إعظام أجور هذه الأمة من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم فى تتبع معانى ذلك واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ، واستخراج كمين أسراره وخفى إشاراته، وإنعامهم النظر، وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح والتفصيل، بقدر ما يبلغ غاية علمهم، ويصل إليه نهاية فهمهم .. والأجر على قدر المشقة.
- ومنها بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم، من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقى، وإقبالهم عليه هذا الإقبال، والبحث عنه لفظة لفظة، والكشف عنه صيغة صيغة، وبيان صوابه، وبيان تصحيحه، وإتقان تجويده، حتى حموه من خلل التحريف، وحفظوه من الطغيان والتطفيف، فلم يهملوا تحريكا ولا تسكينا، ولا تفخيما ولا ترقيقا، حتى ضبطوا مقادير المدّات، وتفاوت الإمالات، وميزوا بين الحروف بالصفات، مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم، ولا يوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم.
(١٦٩) راجع مدارك التنزيل ٤/ ٢٨٤ - ٢٨٥ وغيره.
(١٧٠) انظر النشر ٢/ ٢٥١.
(١٧١) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٨٢٧.
(١٧٢) انظر السابق ٨٢٤ - ٨٢٧.
 
١ ‏/ ٣٣٣
 
- ومنها ما ادخره الله من المنقبة العظيمة، والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة، من إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السبب الإلهى بسببها خصيصة الله تعالى هذه الأمة المحمدية، وإعظاما لقدر أهل هذه الملة الحنيفية، وكل قارئ يوصل حروفه بالنقل إلى أصله، ويرفع ارتياب الملحد- قطعا- بوصله.
- ومنها ظهور سر الله تعالى فى توليه حفظ كتابه العزيز (متواترا) على ممر الدهور، منقوشا فى المصاحف والصدور (١٧٣).
- ومنها إعطاء ثروة ضخمة يسعد بها الباحثون الذين يمارسون الدراسات الصوتية واللغوية الحديثة.
- ومنها تقويم اللسان.
- ومنها شحذ الأذهان.
- إلى آخر ما تجده فى المراجع (١٧٤).

- أنواع القراءات:
المقصود هنا مطلق القراءات، لا المتواترة فقط.
والتصور الواعى أن القراءات نوعان:
متواترة معمول بها مجمع عليها، وشاذة (١٧٥).
وهناك نظر توقف عند مظهر للقراءات، ولم يتجاوزه إلى مخبرها، فرأى أن منها القراءة المشهورة، والقراءة الضعيفة، إلى آخر ما سنذكره.
ومما يؤسف له أن هذا النظر القاصر أخرج من المتواترة قدرا كبيرا، وأدخله فى بعض الأنواع النازلة عن التواتر- وهو قول باطل.
وجريا على ما تداولته كتب علوم القرآن ونحوها من ذلك القول نذكر تلك الأنواع، لكن لا بدّ من إظهار بطلان الباطل فيها. وهى ستة:
- القراءة المتواترة: وهى العشر التى تقرر فى هذا البحث تواترها من طرقها المعروفة فى الفن تواترا شاملا لأصولها وفرشها وما اختلفت فيه الطرق فضلا عما اتفقت عليه- إلى آخر ما هنالك.
- القراءة المشهورة: وهى ما صح سندها ولم يبلغ درجة التواتر، ووافقت العربية والرسم، واشتهرت عند القراء فلم يعدوها من الغلط، ولا من الشذوذ. وحكمها: أنها يقرأ بها. هكذا قال السيوطى (١٧٦).
ومثل له: بما رواه بعض الرواة دون بعض، وقال إن أمثلته كثيرة فى فرش الحروف، وإن من أشهر ما صنف فى ذلك «التيسير» للدانى.
وهذا الذى قاله عما رواه البعض دون البعض مردود بقيام أدلة التواتر المذكورة فى
(١٧٣) النشر- وانظره- ١/ ٥٢ - ٥٣.
(١٧٤) انظر فى هذه المجموعة الأخيرة من الفوائد- وفى زيادة عليها- رسالة (القراءات ...) ص ٨٢٧ - ٨٢٩.
(١٧٥) انظر غيث النفع للسفاقسى على هامش سراج القارئ المبتدى ص ٦ ط الحلبى ١٩٣٩ م.
(١٧٦) انظر الإتقان ١/ ٢٤١ - بتصرف.
 
١ ‏/ ٣٣٤
 
هذا البحث، كما أن العبرة ليست بأن يرويه البعض أو الكل، فإنهم لا يمثلون عدد التواتر، والتواتر حاصل بمن روى ومن وافقوه، وإن كان هناك غيرهم لم ينقلوا ذلك الوجه.
ومن ذهب إلى قراءات الأربعة الزائدين على العشرة وجد فيها أمثلة للمشهور (١٧٧).
ولا يقرأ إلا بالمتواتر، فلا قرآن إلا المتواتر.

- الآحادية (الشاذة) وحكمها:
جعل أهل الأصول شذوذ القراءة منوطا بنقل الآحاد، فليس عندهم إلا المتواتر والشاذ، أو المتواتر والآحاد.
والحكم أنه لا يقرأ إلا بالمتواتر.
أما فى الأحكام الأدبية فالعلماء من مختلف التخصصات يقبلون ما نقل على مستوى مقبول، ولا يشترط فيه التواتر فى تلك الأحكام (١٧٨).
وجعل السيوطى الآحاد نوعا، والشاذ نوعا، وقال: إنه لا يقرأ بهما.
فالآحاد عنده هو ما صح سنده وخالف الرسم، أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور. ومن أمثلته عنده: (من قرات أعين) فى قراءة قوله تعالى: مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (السجدة: ١٧).
وقوله: (أو العربية). فيه نظر، فإن ما خالف العربية خطأ غير منقول، ولو تراكم الخطأ فيه صار مشهورا، ثم لا تنفعه شهرته.
وقوله: (الاشتهار المذكور). يجعل الاشتهار مستويين. وهذا ونحوه عناء لا طائل وراءه.
لكن ما الحيلة؟!.
والشاذ عند السيوطى هو ما لم يصح سنده. ومن أمثلته قراءة ملك يوم الدين (الفاتحة: ٤) بفتح حروف (ملك) فعلا ماضيا.
وهو مذهب للسيوطى فى «الإتقان» مخالف لمصطلح علماء الحديث فى تعريفهم للشاذ. وما كان بالصفة التى ذكرها (لم يصح سنده) فإنه لا يقبل فى شىء. أما ما صح ولم يتواتر فقد تكرر أنه يقبل فى الأحكام الأدبية اتفاقا- ونجد جمهور الفقهاء يقبلونه فى الأحكام الشرعية العملية إذا تضمن شيئا منها.
- القراءة المدرجة (أو التفسيرية): ظهر للسيوطى نوع من أنواع القراءات قال إنه يشبهه من أنواع الحديث المدرج، وقال: «وهو ما زيد فى القراءات على وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبى وقاص: (وله أخ أو أخت من أم) فى قوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ (النساء: ١٢) «أخرجها سعيد بن منصور» (١٧٩). وواضح أنها ليست قرآنا يتلى تعبدا، وإنما يستفاد بها فى التفسير اتفاقا.
(١٧٧) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٤٨٠.
(١٧٨) انظر مناهل العرفان للزرقانى ١/ هامش ٤١٧ - ٤١٨.
(١٧٩) انظر الإتقان ١/ ٢٤٣ وما قبلها.
 
١ ‏/ ٣٣٥
 
- القراءة الضعيفة: هى ما ضعف سندها. وهناك كلمة عامة لابن الجزرى أن الضعيف: هو ما اختل فيه ركن من أركان القرآنية الثلاثة عنده، وهى موافقة وجه نحوى، واحتمال الرسم العثمانى، وصحة السند. ومن أمثلة الضعيف التى ذكرها قراءة أبى السمال وغيره بالحاء بدل الجيم فى قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ (يونس: ٩٢). وواضح أن القراءة الضعيفة لا يقرأ بها القرآن، ولا يستفاد بها فى شىء (١٨٠).
- القراءة الموضوعة: هى المختلفة. مثالها قول من قال من الرافضة بأن (المضلين) بفتح اللام وكسر النون مثنى يقصد به أبو بكر وعمر- رضى الله عنهما. وهذا تحريف لا خلاف فى أنه كفر. والآية الكريمة بكسر اللام وفتح النون جمعا مذكرا سالما فى قوله تعالى: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (الكهف: ٥١).
ومن أراد الكثير من التوضيح والنماذج والأنواع وجد (١٨١).

... توجيه القراءات:
معناه: هو عبارة عن بيان وجه القراءة من حيث اللغة والمعنى.
- وقد صار التوجيه علما، يعرّف بأنه:
(علم باحث عن لميّة القراءات) (١٨٢).
وتعطينا كتبه تصورا له مفصلا، فنعرّفه بقولنا:
(علم توجيه القراءات: علم يبحث عن القراءات من جوانبها الصوتية، والصرفية، والنحوية، والبلاغية، والدلالية).
- وله أسماء: منها: الاحتجاج، حجج- أو حجة- القراءات، علل القراءات، علم القراءات دراية، فقه القراءات (١٨٣).

توجيه المتواتر:
لا يخفى أن التوجيه تفسير، ثم هو تفسير يبذل فيه جهد زائد لتأمل القراءتين والفرق بينهما، والتعرف على جلالة المعانى، وجزالتها، فإن القراءات من محاسن وجوه الإعجاز، وهى أجزاء من القرآن (١٨٤).
وبما أن التوجيه عمل بشرى فإن فيه الحسن، والأحسن، وفيه ما قاله قائله فكان فى قوله غير موفق (١٨٥).
ومما حظره العلماء أن يقوم المتفحص للقراءتين بترجيح إحداهما على الأخرى ترجيحا ينتقص من الأخرى غافلا عن أنها قرآن من القرآن.
فهذا قد يتجه فى بعض القراءات الشاذة، أما المتواترة فلا (١٨٦).
(١٨٠) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٤٨١، ٥١٢.
(١٨١) فانظر- إن شئت- الرسالة السابقة ص ٤٧٨ - ٥٢٣.
(١٨٢) انظر مفتاح السعادة تأليف طاش كبرى زاده ج ٢ ص ٣٧١.
(١٨٣) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٨١٦، ١٥١ أيضا.
(١٨٤) بعض ذلك فى البرهان للزركشى ١/ ٣٣٩.
(١٨٥) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٨١٧.
(١٨٦) انظر البرهان السابق ٣٣٩ - ٣٤١.
 
١ ‏/ ٣٣٦
 
توجيه الشاذ:
الشاذ الذى يستحق أن يشتغل بتوجيهه هو الشاذ الوارد بسند مقبول، أو الذى عرفنا العلماء أنه مقبول، فاشتغلوا به رواية، ودراية.
وحكم الشاذ من حيث الاحتجاج به فى الأحكام الأدبية، والشرعية له موضعه من هذا البحث.
وتوجيهه علم من العلم، وكثيرا ما يصعب إدراك وجهه، ولهذا صار يقال بشأنه: إن توجيه القراءة الشاذة أقوى فى الصناعة من القراءة غير الشاذة (١٨٧).
وقد أتى علم التوجيه للمتواتر، وللشاذ ثمارا منهما معجبة بارعة فى المجالات العلمية المختلفة ذات العلاقات بتلك القراءات.

أثر توجيه القراءات القرآنية فى إظهار ثروة من المعانى القرآنية:
رغم أن التوجيه تفسير إلا أنه عمل متميز- كما سلف- ولهذا صح أن نقول: إنه ذو أثر متميز فى إبراز معان قرآنية لا يتيسر استشرافها فى كتب التفسير، قال الشيخ طاهر الجزائرى: (واعلم أن المشتغلين بفن القراءات وتوجيهها يلوح لهم من خصائص اللغة العربية ودلائل إعجاز الكتاب العزيز ما لا يلوح لغيرهم، ويحصل لهم من البهجة ما يعجز اللسان عن بيانه، فينبغى لمن سمت همته أن يقدم على ذلك، بعد أن يقف على الفنون التى يلزم أن يوقف عليها من قبل، فالأمر يسير على من جد جده، والله ولى التوفيق) (١٨٨).
ونكتفى بنموذج، فنقول:
قرئ فى العشر الكبرى قوله تعالى:
وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً (الحديد: ٢٧): (رآفة) بمد الهمزة، و(رأفة) بسكونها.
وهما مصدران لا فرق بينهما فى المعنى عند المفسرين.
ولم يقرأ فى العشر إلا بسكون الهمزة فى قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ (النور: ٢).
وتوجيه ذلك أن زيادة المبنى فى (رآفة) تدل على زيادة المعنى، فهى رأفة عظيمة، وكيف لا وهى من إيجاد الله تعالى إيجادا خاصا.
أما فى سورة النور فالمقام مقام نهى عن أى رأفة فى تنفيذ حكم الله تعالى فى مرتكبى الفاحشة، لا نهى عن رأفة عظيمة (١٨٩).
ومن أراد العديد من النماذج وجد (١٩٠).
...
(١٨٧) انظر السابق.
(١٨٨) التبيان للجزائرى ص ١٢٠ ط المنار ١٣٣٤ هـ.
(١٨٩) انظر (محاضرات فى مقارنة القراءات للدكتور عبد الغفور محمود مصطفى (مخطوطة بأيدى طلبة الفرقة الثانية دراسات عليا كلية القرآن الكريم فى طنطا سنة ٢٠٠٢ م).
(١٩٠) انظر- مثلا- رسالة (القراءات ...) ص ٨١٧ إلخ، وكذا (محاضرات فى مقارنة القراءات) السابقة.
 
١ ‏/ ٣٣٧
 
القراء المشهورون من الصحابة:
الذين نقل عنهم شىء من القراءات من الصحابة- رضى الله عنهم- كثيرون، منهم:
- عثمان بن عفان (ت ٣٥ هـ). قرأ عليه المغيرة بن أبى شهاب المخزومى، وأبو عبد الرحمن السلمى، وزر بن حبيش، وأبو الأسود الدؤلى (١٩١).
- على بن أبى طالب (ت ٤٠ هـ). قرأ عليه أبو عبد الرحمن السلمى، وأبو الأسود الدؤلى، وعبد الرحمن بن أبى ليلى (١٩٢).
- أبىّ بن كعب (ت قبل مقتل عثمان بجمعة أو شهر). قرأ عليه النبى ﷺ للإرشاد والتعليم، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن السائب، وغيرهم (١٩٣).
- عبد الله بن مسعود (ت آخر سنة ٣٢ هـ).
قرأ عليه كثير، منهم: الحارث بن قيس، وذر ابن حبيش، وعلقمة، والسلمى (١٩٤).
- زيد بن ثابت (ت ٤٥ هـ). قرأ عليه أبو هريرة، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمى، وأبو العالية الرياحى (١٩٥).
- أبو موسى الأشعرى (ت ٤٤ هـ) هو عبد الله بن قيس اليمانى. قرأ عليه حطاب الرقاشى، وأبو رجاء العطاردى، وأبو شيخ الهنائى (١٩٦).
- أبو الدرداء (ت ٣٢ هـ) هو عويمر بن زيد الأنصارى الخزرجى. قرأ عليه عبد الله بن عامر اليحصبى أحد القراء السبعة، وخليد ابن سعد، وخالد بن معدان، وغيرهم (١٩٧).
وقد حفظ هؤلاء السبعة القرآن الكريم فى حياة النبى ﷺ، وعرضوه عليه، وأخذ عنهم عرضا، وعليهم دارت أسانيد الأئمة العشرة (١٩٨). والحفاظ من الصحابة غير هؤلاء كثير (١٩٩).

... القراء المشهورون من التابعين:
تلقى التابعون- رضى الله عنهم- القراءات عن الصحابة- ﵏ وتلقى بعضهم عن بعض، وقاموا مقام الصحابة فى حفظ القراءات، وتبليغها، ونشرها فى الأقطار الإسلامية.
وإليك ما يتيسر من ذلك:

بالمدينة:
- أبو الحارث عبد الله بن عياش (ت ٦٩ هـ). قرأ عليه الإمام أبو جعفر أحد القراء العشرة، ويزيد بن رومان، وشيبة، ومسلم بن جندب، وغيرهم (٢٠٠).
(١٩١) انظر غاية النهاية ١/ ٥٠٧.
(١٩٢) انظر السابق ٥٤٦.
(١٩٣) انظر السابق ٣١.
(١٩٤) انظر السابق ٤٥٨ - ٤٦٠.
(١٩٥) انظر السابق ٢٩٦ - ٢٩٧.
(١٩٦) انظر غاية النهاية ورسالة (القراءات ...) ٢٦.
(١٩٧) انظر غاية النهاية ورسالة (القراءات ...) ٢٥ - ٢٧ - ٥٢.
(١٩٨) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٢٦ - ٥٢.
(١٩٩) انظر رسالة (القراءات ...).
(٢٠٠) انظر معرفة القراء الكبار للذهبى ١/ ٤٩.
 
١ ‏/ ٣٣٨
 
- سعيد بن المسيب (ت ٩٤ هـ). قرأ عليه محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى (٢٠١).
- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (ت ١١٧ هـ). قرأ عليه الإمام نافع أحد القراء السبعة، وروى عنه الحروف أسيد بن أبى أسيد (٢٠٢).
- محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى (ت ١٢٤ هـ). قرأ عليه الإمام نافع، وروى عنه الحروف عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى.
وروى عنه مالك بن أنس، وغيره (٢٠٣).
- عروة بن الزبير (ت ٩٣ هـ). وردت الرواية عنه فى حروف القرآن. وروى عنه أولاده والزهرى وجماعة (٢٠٤).
- سالم بن عبد الله (ت ١٠٦ هـ). وردت عنه الرواية فى حروف القرآن. وهو أحد الفقهاء السبعة (٢٠٥).
- عمر بن عبد العزيز (ت ١٠١ هـ). وردت الرواية عنه فى حروف القرآن وكان حسن الصوت بالقرآن، ومناقبه كثيرة (٢٠٦).
- سليمان بن يسار (ت ١٠٧ هـ). وردت عنه الرواية فى حروف القرآن. وهو تابعى جليل (٢٠٧). وغيرهم (٢٠٨).

بمكة:
- عبد الله بن كثير. وهو مذكور فى القراء السبعة.
- عطاء بن أبى رباح (ت ١١٥ هـ). قرأ عليه أبو عمرو، ووردت عنه الرواية فى حروف القرآن (٢٠٩).
- طاوس بن كيسان اليمانى (ت ١٠٦ هـ).
وردت عنه الرواية فى حروف القرآن. وهو تابعى كبير مشهور (٢١٠).
- مجاهد بن جبر (ت ١٠٣ هـ). قرأ عليه ابن كثير أحد القراء السبعة، وكذا أبو عمرو ابن العلاء، وقرأ عليه أيضا الأعمش وابن محيصن وحميد بن قيس وغيرهم (٢١١).
- عكرمة مولى ابن عباس (ت ١٠٥ هـ).
وردت الرواية عنه فى حروف القرآن، وقرأ عليه علباء بن أحمر، وأبو عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة، وروى عنه خلق، واعتمده البخارى (٢١٢).
- عبيد بن عمير (ت ٧٤ هـ). وردت عنه الرواية فى حروف القرآن. وروى عنه مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار (٢١٣).
- عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة (ت ١١٧ هـ). وردت الرواية عنه فى حروف القرآن كما قاله الدانى وهو تابعى مشهور (٢١٤).
- ابن محيصن (ت ١٢٣ هـ). وهو محمد ابن عبد الرحمن بن محيصن السهمى. قرأ عليه شبل بن عباد، وعيسى بن عمر القارى،
(٢٠١) انظر غاية النهاية ١/ ٣٠٨.
(٢٠٢) انظر السابق ٣٨١.
(٢٠٣) انظر السابق ٢/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٢٠٤) انظر السابق ١/ ٥١١.
(٢٠٥) انظر السابق ٣٠١.
(٢٠٦) انظر السابق ٥٩٣.
(٢٠٧) انظر رسالة (القراءات ...) ص ٥٣.
(٢٠٨) انظر السابق ٥٣ - ٥٥.
(٢٠٩) انظر غاية النهاية ١/ ٥١٣.
(٢١٠) انظر السابق ٣٤١.
(٢١١) انظر السابق ٢/ ٤١ - ٤٢.
(٢١٢) انظر السابق ١/ ٥١٥.
(٢١٣) انظر السابق ٤٩٦ - ٤٩٧.
(٢١٤) انظر السابق ٤٣٠.
 
١ ‏/ ٣٣٩
 
وأبو عمرو أحد القراء السبعة. وحدث عنه جماعة، وهو ثقة (٢١٥).

بالكوفة:
- سليمان بن مهران الأعمش (ت ١٤٨ هـ).
قرأ عليه الإمام حمزة أحد القراء السبعة، وابن أبى ليلى، وجرير بن عبد الحميد، وغيرهم. وروى عنه الحروف محمد بن ميمون، ومحمد بن عبد الله المعروف بزاهر (٢١٦).
- عاصم بن بهدلة، أحد القراء السبعة ومذكور معهم.
- علقمة بن قيس (ت ٦٢ هـ). قرأ عليه النخعى، وأبو إسحاق السبيعى، ويحيى بن وثاب، وغيرهم. ومناقبه جليلة (٢١٧).
- الأسود بن يزيد (ت ٧٥ هـ). قرأ عليه إبراهيم النخعى، وأبو إسحاق السبيعى، ويحيى بن وثاب. وهو إمام جليل، كان يختم القرآن كل ست ليال، وفى رمضان كل ليلتين (٢١٨).
- أبو عبد الرحمن السلمى (ت ٧٤ هـ) هو عبد الله بن حبيب. قرأ عليه الحسن والحسين- رضى الله عنهما، وعاصم، وعطاء ابن السائب، ويحيى بن وثاب، وعامر الشعبى، وغيرهم (٢١٩).
- زر بن حبيش (ت ٨٢ هـ). قرأ عليه عاصم، والأعمش، والسبيعى، وابن وثاب.
وكان ابن مسعود يسأله عن اللغة (٢٢٠).
- سعيد بن جبير (ت ٩٥ هـ). كان يؤم الناس فى شهر رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، وليلة بقراءة زيد بن ثابت.
قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء من السبعة، والمنهال بن عمرو (٢٢١).
وكان بالكوفة غير هؤلاء أيضا (٢٢٢).

بالبصرة:
- أبو عمرو بن العلاء. وهو مذكور فى القراء السبعة.
- أبو العالية الرياحى (ت ٩٠ هـ) وهو رفيع ابن مهران. قرأ عليه شعيب بن الحبحاب، والحسن بن الربيع، وأبو عمرو المذكور فى القراء السبعة، وغيرهم (٢٢٣).
- يحيى بن يعمر (ت ٩٠ هـ). قرأ عليه أبو عمرو المذكور فى القراء السبعة، وعبد الله بن أبى إسحاق. ويحيى أول من نقط المصاحف (٢٢٤).
- نصر بن عاصم (ت ٩٠ هـ) قرأ عليه أبو عمرو المذكور فى القراء السبعة، وعبد الله بن أبى إسحاق الحضرمى، وروى عنه الحروف عون العقيلى، ومالك بن دينار (٢٢٥).
(٢١٥) انظر معرفة القراء الكبار ١/ ٨١ - ٨٢.
(٢١٦) انظر غاية النهاية ١/ ٣١٥ - ٣١٦.
(٢١٧) السابق ٥١٦.
(٢١٨) السابق ١٧١.
(٢١٩) انظر السابق ٤١٣.
(٢٢٠) انظر السابق ٢٩٤.
(٢٢١) انظر السابق ٣٠٥ - ٣٠٦.
(٢٢٢) انظر (القراءات ...) السابق.
(٢٢٣) انظر السابق ٢٨٤ - ٢٨٥.
(٢٢٤) انظر السابق ٢/ ٣٨١.
(٢٢٥) انظر السابق ٣٣٦.
 
١ ‏/ ٣٤٠
 
- معاذ بن معاذ العنبرى قاضى البصرة (ت ١٩٦ هـ) قرأ عليه ابنه عبيد الله، وروح بن عبد المؤمن. وحدث عنه بندار، وأحمد، وقال:
إليه المنتهى فى التثبت بالبصرة (٢٢٦).
- أبو رجاء العطاردى (ت ١٠٥ هـ) هو عمران بن تيم. قرأ عليه أبو الأشهب العطاردى، وقال: كان أبو رجاء يختم القرآن فى كل عشر ليال (٢٢٧).
وكان بالبصرة غير هؤلاء (٢٢٨).

بالشام:
- عبد الله بن عامر اليحصبى. وهو مذكور فى القراء السبعة.
- يحيى بن الحارث الذمارى (ت ١٤٥ هـ وله تسعون سنة). قرأ عليه سعيد بن عبد العزيز، وهشام بن الغازى، ويحيى بن حمزة، وغيرهم (٢٢٩).
- المغيرة بن أبى شهاب المخزومى (ت ٩١ هـ). قرأ عليه عبد الله بن عامر المذكور فى القراء السبعة، ولا يكاد المغيرة يعرف إلا من قراءة ابن عامر عليه، مع أن المغيرة كان يقرئ بدمشق فى دولة معاوية (٢٣٠).
- عطية بن قيس الكلابى (ت ١٢١ هـ).
وردت عنه الرواية فى حروف القرآن، وقرأ عليه على بن أبى حملة، والحسن بن عمران العسقلانى. وروى عنه عبد الرحمن بن يزيد، وغيره (٢٣١).
- أبو حيوة شريح بن يزيد (ت ٢٠٣ هـ) له اختيار فى القراءة رواه عنه ابنه حيوة، وروى أيضا عنه قراءة الكسائى، ومحمد بن عمرو ابن حنان الكلبى. وروى عنه قراءة الحمصيين عيسى بن المنذر، ومحمد بن المصفّى، ويزيد بن قرة (٢٣٢).
وكان بالشام غير هؤلاء (٢٣٣).
- وكل من ذكرناهم فى هذه الأقطار من التابعين هم بعض المشهورين بالقراءات، وليس استقصاء.
- وقراءات الأقطار الإسلامية هى قراءات هؤلاء، وأضرابهم، ممن أسندوا إلى رسول الله ﷺ.
لكن المتواتر من قراءتهم هو ما دخل فى قراءات القراء العشرة من طرقهم المعروفة فى الفن.
...
(٢٢٦) انظر السابق ٣٠٢.
(٢٢٧) انظر السابق ١/ ٦٠٤.
(٢٢٨) انظر (القراءات ...) ٢٦، ٥٠ - ٥٢، وإبراز المعانى ص ٣ ط الحلبى ١٣٤٩ هـ.
(٢٢٩) انظر غاية النهاية ٢/ ٣٦٧ - ٣٦٨.
(٢٣٠) انظر معرفة القراء الكبار ١/ ٤٣، وغاية النهاية ٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦.
(٢٣١) انظر غاية النهاية ١/ ٥١٣ - ٥١٤.
(٢٣٢) انظر السابق ٣٢٥.
(٢٣٣) انظر (القراءات ...) السابق.
 
١ ‏/ ٣٤١
 

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية