الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

مفردات قرآنية

مفردات قرآنية

الكتاب: الموسوعة القرآنية المتخصصة
المؤلف: مجموعة من الأساتذة والعلماء المتخصصين
رئيس التحرير: أ.د. علي جمعة
الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر
عام النشر: ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
عدد الصفحات: ٨٨٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الموضوع: علوم القرأن
 

فهرس الموضوعات

  1. مفردات قرآنية
  2.     -١ - الأرض المقدسة
  3.     -٢ - الآزفة
  4.     -٣ - أساطير الأولين
  5.     -٤ - الأسباط
  6.     -٥ - الإفك
  7.     -٦ - الأكنة
  8.     -٧ - أصحاب الأيكة
  9.     -٨ - أصحاب الكهف
  10.     -٩ - الإنابة
  11.     -١٠ - الأنصاب والأزلام
  12.     -١١ - الباقيات الصالحات
  13.     -١٢ - البحيرة
  14.     -١٣ - البر
  15.     -١٤ - التقوى
  16.     -١٥ - التنابز بالألقاب
  17.     -١٦ - التوبة
  18.     -١٧ - الجبت والطاغوت
  19.     -١٨ - الجوابى
  20.     -١٩ - الحاقة
  21.     -٢٠ - حدود الله تعالى
  22.     -٢١ - الحرث
  23.     -٢٢ - الحنفاء
  24.     -٢٣ - الحمولة
  25.     -٢٤ - الحميم
  26.     -٢٥ - الحواريون
  27.     -٢٦ - الحور العين
  28.     -٢٧ - الخلود
  29.     -٢٨ - الخير
  30.     -٢٩ - الدين القيم
  31.     -٣٠ - روح القدس
  32.     -٣١ - الزقوم
  33.     -٣٢ - السائبة
  34.     -٣٣ - السبع الطرائق
  35.     -٣٤ - السكينة
  36.     -٣٥ - شعائر الله
  37.     -٣٦ - الشهر الحرام
  38.     -٣٧ - الصاخة
  39.     -٣٨ - الصاعقة
  40.     -٣٩ - صبغة الله
  41.     -٤٠ - الصيحة
  42.     -٤١ - الغيب
  43.     -٤٢ - الفتح
  44.     -٤٣ - الفتنة
  45.     -٤٤ - فطرة الله
  46.     -٤٥ - القارعة
  47.     -٤٦ - القرار المكين
  48.     -٤٧ - الماء المهين
  49.     -٤٨ - مجمع البحرين
  50.     -٤٩ - المعارج
  51.     -٥٠ - الموءودة
  52.     -٥١ - المودة فى القربى
  53.     -٥٢ - الهداية
  54.     -٥٣ - الوادى المقدس
  55. العودة إلي كتاب الموسوعة القرآنية المتخصصة

مفردات قرآنية
١ - الأرض المقدسة
مركّب إضافى .. ورد ذكره فى القرآن الكريم مرة واحدة فقط (١)، ومعناه: الأرض المطهرة المباركة.
واختلف العلماء فى تعيين هذه الأرض المقدسة .. على النحو التالى (٢):
١ - هى الطور، وما حوله .. قال ذلك:
مجاهد.
٢ - هى الشام .. قال ذلك: قتادة.
٣ - هى أرض أريحاء .. قال ذلك: ابن زيد، والسدى، وابن عباس.
٤ - وقيل: هى .. دمشق، وفلسطين، وبعض الأردن.
قال ابن جرير: وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب: أن يقال: هى الأرض المقدسة، كما قال نبى الله موسى ﵇، وذلك: لأن القول فى ذلك، بأنها أرض دون أرض، لا تدرك حقيقة صحته إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به. غير أنها: لن تخرج من أن تكون .. من الأرض التى ما بين الفرات، وعريش مصر؛ لإجماع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار، على ذلك.
هذا ... والموضع الذى ورد ذكر الأرض المقدسة فيه من كتاب الله هو قوله تعالى:
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَدًا ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (المائدة: ٢٠ - ٢٦).
(١) محمد فؤاد عبد الباقى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
(٢) ابن جرير الطبرى جامع البيان عن تأويل آى القرآن (المائدة تفسير الآية ٢١).
 
١ ‏/ ٧٢٤
 
٢ - الآزفة
من: أزف، يأزف، أزفا، وأزوفا .. اقترب.
وكل شىء اقترب: فقد أزف أزفا، أى: دنا.
وقد ورد هذا الاسم فى القرآن الكريم:
مرتين فقط (١).
الأولى: فى قوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (غافر:
١٨).
والثانية: فى قوله تعالى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (النجم:
٥٧، ٥٨).
يقول الإمام الفخر الرازى (٣): ذكروا فى تفسير (الآزفة) وجوها:
الأول: أنها القيامة .. سميت بذلك:
لقربها، وإن استبعد الناس مداها (٤).
وقيل: سميت بذلك لدنوّها من الناس، وقربها منهم؛ ليستعدوا لها، وكان بعضهم يتمثل ويقول (٥):
أزف الرحيل وليس لى من زاد غير الذنوب لشقوتى ونكادى وعليه: ف يَوْمَ الْآزِفَةِ فى آية غافر:
يوم القيامة، وأَزِفَتِ الْآزِفَةُ فى آية النجم:
اقتربت القيامة.
الثانى: أنها المسارعة إلى دخول النار؛ حيث إنه عند ذلك ترتفع القلوب عن مقارّها من شدة الخوف: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ.
وعليه: ف يَوْمَ الْآزِفَةِ فى آية غافر:
يوم المسارعة إلى دخول النار، وأَزِفَتِ الْآزِفَةُ فى آية النجم: اقتربت المسارعة إلى دخول النار.
الثالث: أنها المنيّة، وحضور الأجل ..
بدليل: أنه ﷿ أنذرهم يوم القيامة، ووصفه بأنه يَوْمَ التَّلاقِ (غافر: ١٥) ويَوْمَ هُمْ بارِزُونَ (غافر: ١٦) ثم أنذرهم- بعد ذلك- ب يَوْمَ الْآزِفَةِ (غافر: ١٨)، فوجب أن يكون هذا اليوم غير هذا اليوم.
وكذلك: هذه الصفة، كون الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ مخصوصة فى سائر الآيات، بيوم الموت، قال تعالى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (الواقعة: ٨٣، ٨٤) وقال: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (القيامة: ٢٦).
وأيضا: فوصف يوم الموت بالقرب .. أولى من وصف يوم القيامة بالقرب.
وكذلك: الصفات المذكورة بعد قوله:
الْآزِفَةِ لائقة بيوم حضور الموت؛ لأن المرء عند معاينة ملائكة العذاب: يعظم خوفه،
(٣) الفخر الرازى: التفسير الكبير (غافر: تفسير الآية ١٨٠) بتصرف.
(٤) ابن منظور: لسان العرب (مادة: أزف).
(٥) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (غافر تفسير الآية ١٨، النجم تفسير الآية ٥٧).
 
١ ‏/ ٧٢٥
 
فكأن قلوبهم تبلغ حناجرهم من شدة الخوف ويبقوا كاظمين ساكنين عن ذكر ما فى قلوبهم من شدة الخوف، ولا يكون لهم حميم ولا شفيع يدفع ما بهم من أنواع الخوف والقلق.
وعليه: ف يَوْمَ الْآزِفَةِ فى آية غافر:
يوم الموت، وأَزِفَتِ الْآزِفَةُ فى آية النجم:
اقتربت المنية.

٣ - أساطير الأولين
ذكرت هذه المادة فى القرآن الكريم: تسع مرات (١)، ويلاحظ: أنها جميعا وردت فى القسم المكى فى القرآن الكريم، وعلى ألسنة المشركين: يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (الأنعام: ٢٥) يعنى: قريشا.
قال ابن مسعود: «قالوا: للنضر بن الحارث ..
ما يقول محمد؟ قال أرى تحريك شفتيه، وما يقول إلا أساطير الأولين، مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر صاحب قصص وأسفار، فسمع أقاصيص فى ديار العجم، فكان يحدثهم بها» (٦).
والأساطير: جمع أسطورة، كأراجيح وأرجوحة. والمراد بها: الأباطيل، وهى: أحاديث لا نظام لها كتبت كذبا وزورا، فيما زعموا (٧):
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفرقان: ٥). قال الزجاج:
وقالوا الذى جاء به أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ومعناه: ما سطر الأولون وكتبوه كذبا وزورا (٨).
وكان الواحد من هؤلاء الكفار، إذا سمع القرآن أو تلا عليه قال: ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (الأحقاف: ١٧) عنادا منهم وتكبرا وكفرا (٩).

٤ - الأسباط
الأسباط: جمع سبط، وهو ولد الولد؛ كأنه امتداد الفروع، وعلى ذلك فالسبط: الجماعة والقبيلة، الراجعون إلى أصل واحد.
والأسباط: ولد يعقوب ﵇، وهم اثنا عشر ولدا، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس، واحدهم: سبط.
ومن هنا: فالسبط فى بنى إسرائيل.
بمنزلة القبيلة فى ولد إسماعيل.
وسموا الأسباط من السّبط، وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون.
وقيل: سموا بذلك من السّبط، وهو الشجر، أى: هم فى الكثرة، بمنزلة الشجر، قال أبو إسحاق الزجاج: ويبين لك هذه الكثرة، ما قاله ابن عباس: «كل الأنبياء من بنى إسرائيل، إلا عشرة: نوحا، وشعيبا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، ومحمد صلى الله عليه وعليهم جميعا وسلم» (١٠).
(٦) القرطبى: مصدر سابق (الأنعام تفسير الآية ٢٥).
(٧) الراغب الأصفهانى: مفردات ألفاظ القرآن (كتاب السين، مادة: سطر).
(٨) ابن منظور: اللسان (مادة: سطر).
(٩) القرطبى: مصدر سابق، وابن كثير تفسير القرآن العظيم (الأحقاف تفسير الآية ١٧)
(١٠) الراغب الأصفهانى: المفردات (كتاب السين، مادة: سبط)، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٣٦).
 
١ ‏/ ٧٢٦
 
وقد ذكر الله تعالى (الأسباط) فى القرآن الكريم: خمس مرات (١). فى سورة البقرة الآيتان ١٣٦، ١٤٠، آل عمران الآية ٨٤، النساء الآية ١٦٣، الأعراف الآية، ١٦٠.

٥ - الإفك
هو: كل مصروف عن وجهه الذى يحق أن يكون عليه.
ومنه قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (التوبة:
٣٠) أى: يصرفون عن الحق فى الاعتقاد إلى الباطل، وعن الصدق فى المقال إلى الكذب، وعن الجميل فى الفعل إلى القبيح.
ولما اعتقدت عاد: أن هودا ﵇ ..
يصرفهم عن الحق إلى الباطل بما جاءهم به، حينما قال لهم: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قالوا له:
أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا؟ (الأحقاف:
٢١، ٢٢) أى: أنك تكذب علينا.
واستعمل (الإفك) فى الكذب (١١). ومنه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور: ١١) أى بالكذب على السيدة عائشة، رضى الله عنها، ومنه كذلك: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (الجاثية: ٧).

٦ - الأكنّة
الأكنان والأكنة: جمع، مفرده: الكنّ، والكنان.
والكنّ: ما يحفظ فيه الشيء. أيضا ما يردّ الحر والبرد من الأبنية والمساكن وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْنانًا (النحل: ٨١).
والكنان: الغطاء، الذى يكن فيه الشيء، والأكنة: جمع كنان، مثل: الأسنة والسّنان، والأعنة، والعنان (١٢).
وقد وردت بهذا المعنى فى القرآن الكريم ..
حيث يقول رب العزة: جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا (الأنعام: ٢٥، الإسراء ٤٦، الكهف ٥٧).
الأكنّة: الأغطية.
والمعنى: أن الكفار لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون، ولا ينقادون إلى الحق، كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم. ولذلك: فعلنا بهم هذا جزاء على كفرهم. وليس المعنى: أنهم لا يسمعون ولا يفقهون؛ حيث تبجحوا ببيان ما يؤيد ذلك إذ: قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ (فصلت: ٥).

٧ - أصحاب الأيكة
الأيكة: الشجر الكثير الملتف.
(١١) الراغب: المفردات (كتاب الهمزة، مادة: أفك)، القرطبى: مصدر سابق (النور تفسير الآية ١١).
(١٢) الراغب: المفردات (كتاب الكاف، مادة: كنّ) القرطبى: مصدر سابق (الأنعام: تفسير الآية ٢٥).
 
١ ‏/ ٧٢٧
 
وأصحاب الأيكة: جماعة كانوا يسكنون غيضة كثيرة فى الشجر؛ فنسبوا إليها (١٣).
وهم: أهل «مدين» قوم شعيب ﵇.
وكانوا قوما من العرب، يسكنون فى الحجاز، مما يلى جهة الشام، قريبا من «خليج العقبة» من الجهة الشمالية منه.
يقول الطبرى: إن بين أرض مدين ومصر ..
ثمان ليال. ويظهر: أنها فى الأرض المسماة الآن ب «معان» جنوب فلسطين.
هذا: ويرى بعض المفسرين: أن «أصحاب الأيكة» قوم آخرون، غير أهل مدين، أرسل الله إليهم شعيبا ﵇ بعد هلاك «مدين» فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ (الشعراء: ١٨٩).
والصحيح: أن أهل «مدين» هم أنفسهم (أصحاب الأيكة) حيث إن سورة الشعراء وضحت أنهم كانوا يطففون المكيال والميزان، يقول تعالى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (الشعراء: ١٧٦ - ١٨٣).
وهذا وصفهم: فقد كانوا يجمعون بين الزراعة والتجارة، وكانت أراضيهم كثيرة الأشجار، وافرة الثمار، وفيها الحدائق الغناء؛ ومن هنا: سموا بأصحاب الأيكة، كما كانوا كفارا، يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، وكانوا من أسوأ الناس معاملة، خاصة مع نبيهم.
وقد جعل الله تعالى عليهم- لكفرهم- أنواعا من العقوبات، وصنوفا من المثلات، وأشكالا من البليات؛ وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات.
سلط الله عليهم رجفة شديدة، أسكنت منهم الحركات، ثم: صيحة عظيمة أخمدت منهم الأصوات، ثم: ظلة، أرسل عليهم منها شرر النار، من سائر أرجائها والجهات (١٤).
ولقد ورد ذكرهم فى القرآن الكريم صريحا (١) فى سور: الحجر الآية ٧٨، والشعراء الآية ١٧٦، و(ص) الآية ١٣، و(ق) الآية ١٤.

٨ - أصحاب الكهف
وهم: مجموعة من الشباب، لجئوا إلى غار فى الجبل، فرارا بدينهم من أقوامهم، الذين كانوا يعبدون الأصنام، وحدثت لهم بهذا الغار الأعاجيب. وقد عرفوا ب (أصحاب الكهف) نسبة إلى هذا الغار. ذكرهم القرآن الكريم فى سورة سميت باسم كهفهم، وهى: سورة «الكهف».
(١٣) الراغب: المفردات (كتاب الألف، مادة: أيك)، ابن منظور لسان العرب (مادة: أيك).
(١٤) انظر: ابن كثير قصص الأنبياء (قصة شعيب ﵇ بتحقيقنا، القرطبى: مصدر سابق (الحجر: تفسير الآية ٧٨)، محمد على الصابونى: النبوة والأنبياء (قصة شعيب ﵇.
 
١ ‏/ ٧٢٨
 
يذكر الله تعالى قصتهم باختصار فى قوله سبحانه: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبًا (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَدًا (الكهف: ٩ - ١٢).
ثم يفصل قصتهم بعد هذا الإجمال فى أربعة عشرة آية بعد ذلك، من نفس السورة (الكهف: ١٣ - ٢٦).
يقول عنهم الإمام ابن كثير (١٥): هم: فتية، ألهمهم الله رشدهم، وآتاهم تقواهم، فآمنوا بربهم، واعترفوا له بالوحدانية، وشهدوا أنه لا إله إلا هو. ويقول: ذكر غير واحد من المفسرين- من السلف والخلف- أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم، وأنهم خرجوا يوما فى بعض أعياد قومهم، وكان لهم مجتمع فى السنة يجتمعون فيه، فى ظاهر البلد، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت، ويذبحون لها، وكان لهم ملك جبار عنيد يأمر الناس بذلك، ويحثهم عليه ويدعوهم إليه، فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك، وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم، ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم؛ عرفوا أن هذا الذى يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم، والذبح لها لا ينبغى إلا لله الذى خلق السماوات والأرض.
فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه، وينحاز منهم، ويتبرز عنهم ناحية. فكان أول من جلس منهم أحدهم، جلس تحت ظل شجرة، فجاء الآخر فجلس عنده، وجاء الآخر فجلس إليهما، وجاء الآخر فجلس إليهم، وجاء الآخر، وجاء الآخر. ولا يعرف واحد منهم الآخر، وإنما جمعهم هناك، الذى جمع قلوبهم على الإيمان، كما جاء فى الحديث:
«الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (١٦). وجعل كل واحد منهم يكتم ما هو فيه عن أصحابه، خوفا منهم، ولا يدرى أنهم مثله، حتى قال أحدهم: تعلمون- والله يا قوم- إنه ما أخرجكم من قومكم، وأفردكم عنهم، إلا شىء، فليظهر كل واحد منكم ما بأمره، فقال الآخر: أما أنا فإنى والله رأيت ما قومى عليه، فعرفت أنه باطل، وإنما الذى يستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك به شىء؛ هو الله الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما.
فقال الآخر: وأنا والله، وقع لى كذلك. وقال الآخر: كذلك، حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة. فصاروا يدا واحدة، وإخوان صدق، فاتخذوا لهم معبدا، يعبدون الله فيه.
فعرف بهم قومهم، فوشوا بأمرهم إلى ملكهم، فاستحضرهم بين يديه، فسألهم عن
(١٥) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (الكهف: تفسير الآية ١٣).
(١٦) رواه: البخارى: ك الأنبياء، باب «الأرواح جنود مجندة»، مسلم: ك البر، باب «الأرواح جنود مجندة».
 
١ ‏/ ٧٢٩
 
أمرهم، وما هم عليه؛ فأجابوه بالحق، ودعوه إلى الله- ﷿.
ولهذا: أخبر تعالى عنهم بقوله: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهًا الآيات.
يقال: إن ملكهم- هذا- لما دعوه إلى الإيمان أبى عليهم، وتهددهم، وتوعدهم، وأمر بنزع لباسهم عنهم، الذى كان عليهم من زينة قومهم، وأجلهم لينظر فى أمرهم، لعلهم يراجعون دينهم الذى كانوا عليه، وكان هذا من لطف الله بهم، فإنهم فى تلك النظرة:
توصلوا إلى الهرب منه، والفرار بدينهم من الفتنة، فلما وقع عزمهم على الذهاب، والهرب من قومهم، واختار الله لهم ذلك، وأخبر عنهم بذلك، فى قوله تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ أى فارقتموهم بأديانكم ففارقوهم- أيضا- بأبدانكم فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ أى:
يبسط لكم رحمة يستركم بها من قومكم وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ الذى أنتم فيه مِرفَقًا أمرا ترتفقون به.
فعند ذلك: خرجوا هرابا إلى الكهف، فأووا إليه ففقدهم قومهم من بين أظهرهم، وتطلبهم الملك، فلم يظفر بهم، وعمى الله عليهم خبرهم.
وباقى قصتهم فى آيات سورة الكهف، مبسوطة فى كتب التفسير بالمأثور (١٧).

٩ - الإنابة
ناب فلان إلى الله تعالى، وأناب إليه إنابة، فهو منيب: أى أقبل وتاب ورجع إلى الطاعة.
وقيل: ناب: لزم الطاعة، وأناب: تاب ورجع.
والإنابة: الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة وإخلاص العمل.
يقول ﷿: إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (الرعد: ٢٧). أى:
ويهدى إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه.
ويقول تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (الروم: ٣١) أى راجعين إلى ما أمر به، غير خارجين عن شىء من أمره.
ويقول تعالى: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ (الزمر: ٥٤) أى توبوا إليه وارجعوا (١٨).
وقد وردت هذه المادة فى القرآن الكريم ثمان عشرة مرة.

١٠ - الأنصاب والأزلام
الأنصاب: جمع نصب وهى: كل ما عبد من دون الله تعالى.
قال ابن سيده: والأنصاب حجارة كانت حول الكعبة، تنصب، فيهلّ عليها ويذبح لغير الله.
(١٧) للتوسع انظر: ابن جرير الطبرى، والدر المنثور، وابن كثير، وغيرها.
(١٨) انظر: الراغب المفردات (ك الهمزة، مادة: نوب)، القرطبى: مصدر سابق (الرعد تفسير الآية ٢٧، والروم تفسير الآية ٣١، والزمر تفسير الآية ٥٤)، ابن منظور لسان العرب (مادة: نوب).
 
١ ‏/ ٧٣٠
 
يقول تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة: ٩)، ويقول تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (المائدة: ٣).
وأما الأزلام: جمع زلم والزلم: هى السهام التى كان أهل الجاهلية يستقسمون بها، يقول تعالى: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ (المائدة: ٣).
والأزلام: كانت لقريش فى الجاهلية، مكتوب عليها: أمر أو نهى، وأفعل ولا تفعل، قد سوّيت ووضعت فى الكعبة، يقوم بها سدنة البيت، فإذا أراد رجل سفرا أو نكاحا، أتى
السادة، فقال: أخرج لى زلما، فيخرجه وينظر إليه، فإذا خرج قدح الأمر، مضى على ما عزم عليه، وإن خرج قدح النهى، قعد عما أراده، وربما كان مع الرجل زلمان، وضعهما فى قرابة؛ فإذا أراد الاستقسام أخرج أحدهما (١٩).

١١ - الباقيات الصالحات
ورد ذكر «الباقيات الصالحات» فى كتاب الله تعالى مرتين (١):
واحدة فى قوله تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (الكهف: ٤٦).
والثانية: فى قوله تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (مريم: ٧٦).
وقد اختلف أهل التأويل فى المعنى ب الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ (٢٠).
١ - فقال بعضهم: هى الصلوات الخمس ..
ومن هؤلاء: ابن عباس، وسعيد بن جبير.
٢ - وقال بعضهم: هى ذكر الله بالتسبيح، والتقديس، والتهليل، ونحو ذلك. ومن هؤلاء:
عثمان بن عفان، وسعيد بن المسيب، وعطاء ابن أبى رباح، ومجاهد، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدرى.
٣ - وقال بعضهم: هى الكلم الطيب. ومن هؤلاء: ابن عباس.
٤ - وقال بعضهم: هى النيّات والهمّات، حيث إن بها تقبل الأعمال، وترفع. ومن هؤلاء: الحسن البصرى.
٥ - وقال بعضهم: هن البنات. ومن هؤلاء:
عبيد بن عمير؛ حيث يدل عليه أوائل الآية، قال تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ثم قال: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ
(١٩) الراغب: المفردات (ك النون، مادة: نصب)، والقرطبى: مصدر سابق (المائدة: تفسير الآية ٣)، ابن منظور: (مادة: نصب).
(٢٠) انظر: ابن جرير الطبرى: جامع البيان، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، القرطبى: الجامع لأحكام القرآن، النيسابورى: غرائب القرآن ورغائب الفرقان (الكهف: تفسير الآية ٤٦).
 
١ ‏/ ٧٣١
 
يعنى: البنات الصالحات، هن عند الله لآبائهن خير ثوابا، وخير أملا فى الآخرة، إن أحسن إليهن.
٦ - وقال بعضهم: هى ما أريد به وجه الله وحده من طاعة الله ورسوله، وجميع أعمال الخير ومن هؤلاء: ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، حيث إن كل عمل وقول دعاك إلى الاشتغال بمعرفة الله وبمحبته وخدمته فهو «الباقيات الصالحات».
كما أن كل عمل وقول دعاك إلى الاشتغال بأحوال الخلق فهو خارج عن ذلك.
يقول الإمام ابن جرير: وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال: هن جميع أعمال الخير؛ لأن ذلك كله من الصالحات، التى تبقى لصاحبها فى الآخرة، وعليها يجازى ويثاب، وإن الله ﷿ لم يخصّص من قوله تعالى:
وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا بعضا دون بعض .. فى كتاب، ولا بخبر عن رسول الله ﷺ.

١٢ - البحيرة
ورد ذكرها فى القرآن الكريم مرة واحدة فقط (١) فى قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (المائدة: ١٠٣).
وهى من الأشياء الحلال التى حرمها الناس على أنفسهم، ولم يحرمها الله تعالى عليهم.
ومن المعلوم أن قضية التحريم والتحليل لا تكون إلا لله ﷿، ويجب الامتثال، لشرعه- سبحانه- تحليلا، وتحريما، ومن تدخل فيها، أو خالف لها فهو معتد على حق من حقوق الله تعالى، يقول ﷿: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (المائدة: ٨٧، ٨٨).
والبحيرة هى: الناقة، التى كانوا يشقون فى أذنها شقا، يقال: بحرت أذن الناقة بحرا، إذا شققتها وخرقتها.
قال ابن سيده: بحر الناقة والشاة يبحرها بحرا، شق أذنها بنصفين، وقيل: بنصفين طولا.
وكانت العرب تفعل بهما ذلك، إذا نتجتا عشرة أبطن، فلا ينتفع منهما بلبن، ولا ظهر، وتترك البحيرة ترعى وترد الماء، ويحرم لحمها على النساء، ويحلّل للرجال، فنهى الله تعالى عن ذلك (٢١).
وعن سعيد بن المسيب: «هى الناقة، التى يمنع درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس» (٢٢).
(٢١) ابن منظور: لسان العرب، الراغب: مفردات ألفاظ القرآن (مادة: بجر).
(٢٢) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ابن جرير الطبرى: جامع البيان (المائدة تفسير الآية ١٠٣).
 
١ ‏/ ٧٣٢
 
وقال الراغب: هى الناقة، إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها، فيسيبونها، فلا تركب، ولا يحمل عليها (٢١).
وعن ابن عباس: «إذا نتجت الناقة خمسة أبطن .. نظروا إلى الخامس؛ فإن كان ذكرا ذبحوه، فأكله الرجال دون النساء، وإن كان أنثى جدعوا أذانها، فقالوا هذه بحيرة» (٢١).
وقال الأزهرى: قال أبو إسحاق النحوى:
أثبت ما رويناه عن أهل اللغة، فى البحيرة، أنها: الناقة، كانت إذا نتجت خمسة أبطن، فكان آخرها ذكرا، بحروا أذنها، أى شقوها، وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا تحلأ عن ماء ترده، ولا تمنع من مرعى، وإذا لقيها المعيى المنقطع به: لم يركبها.
والصواب: هو الأول. أى الناقة التى ولدت عشرة أبطن (٢١).
وعن زيد بن أسلم، أن رسول الله ﷺ، قال (٢٢): «قد عرفت أول من بحر البحائر، رجل من بنى مدلج، كانت له ناقتان، فجدع آذانهما، وحرم ألبانهما وظهورهما، وقال:
هاتان لله. ثم احتاج إليهما، فشرب ألبانهما، وركب ظهورهما، قال: فلقد رأيته فى النار، يؤذى أهل النار ريح قصبه» (٢٣).

١٣ - البرّ
قال الراغب الأصفهانى: البرّ خلاف البحر، وتصوّر منه التوسع، فاشتق منه البرّ.
وعلى ذلك: فالبرّ، التوسع فى فعل الخير، وينسب ذلك إلى الله تارة، نحو إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (الطور: ٢٨). وإلى العبد تارة، فيقال: برّ العبد ربّه، أى: توسع فى طاعته.
فهو من الله: الثواب، ومن العبد: الطاعة.
وهو ضربان: ضرب فى الاعتقاد، وضرب فى الأعمال، وقد اشتمل عليهما قوله تعالى:
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ .. الآية (البقرة: ١٧٧)؛ حيث إن الآية متضمنة:
للاعتقاد، والأعمال والفرائض، والنوافل (٢٤).
وقد اختلف العلماء فى معنى البر على أقوال، قال بعضهم: البر: الصدق والطاعة.
وقال بعضهم: البر: الصلاح. وقال بعضهم:
البر: الخير. وقال بعضهم: البر: التقى. وقال بعضهم: البر: كل ما تقرب به إلى الله تعالى.
وقال بعضهم: البر: خير الدنيا والآخرة.
فخير الدنيا: ما ييسّره الله ﵎ للعبد من الهدى والنعمة والخير، وخير الآخرة: الفوز بالنعيم الدائم فى الجنة (٢٥).
وقد ذكر (البر) ومشتقاته فى القرآن الكريم ٢٠ مرة ١، وفى حديث النبى ﷺ كثيرا (٢٦).
(٢٣) القصب: بوزن، قفل: اسم للأمعاء كلها. (النهاية فى غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، بتحقيق محمود الطناحى- باب القاف مع الصاد).
(٢٤) الراغب: المفردات (كتاب الباء، مادة: برّ).
(٢٥) ابن منظور: اللسان (مادة: برر).
(٢٦) للتوسع انظر: كتب التفسير والحديث.
 
١ ‏/ ٧٣٣
 
١٤ - التقوى
التقوى: هى جعل النفس فى وقاية مما يخاف، وحفظها عما يؤذيها ويضرها.
وهى فى الشرع: حفظ النفس عما يؤثّم، وذلك بترك المحظور (٢٧). وسأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبيّا عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: تشمّرت وحذرت، قال: فذاك التقوى.
وفيها: جماع الخير كله، وهى. وصية الله تعالى فى الأولين والآخرين بل هى خير ما يستفيده الإنسان (٢٨)، وعلى أساسها يتفاضل البشر، يقول تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات: ١٣).
وقد ذكرت مادة «التقوى» فى القرآن الكريم (٢٥٨ مرة) منها (٧٠ مرة) وردت بصيغة الأمر بها (٢٧) من الله تعالى لعباده كما فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة: ١١٩)، كما أمر بها جميع الرسل أقوامهم، فهذا نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، ﵈ على سبيل المثال- يقول كل واحد منهم لقومه: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (الشعراء الآيات: ١٠٧، ١٠٨/ ١٢٥، ١٢٦/ ١٤٣، ١٤٤/ ١٦٢، ١٦٣/ ١٧٨، ١٧٩).
كما بين القرآن صفات المتقين، إرشادا إليها، وحثّا على التحلى بها، فى كثير من آياته الكريمة .. حيث جعل من صفاتهم أنهم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (البقرة: ٣ - ٥) وكذلك: المتقى .. هو مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ (البقرة: ١٧٧) والمتقون كذلك: هم الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ (البقرة:
١٧٧) وهم الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وهم المحسنون الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ فى ثقة منهم أنه ليس هناك مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (آل عمران: ١٣٤، ١٣٥) وهم الذين: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ
(٢٧) الراغب: المفردات (كتاب الواو، مادة: وقى).
(٢٨) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (البقرة تفسير الآية ٢).
 
١ ‏/ ٧٣٤
 
(الأعراف: ١٠٢) وهم الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (الأنبياء:
٤٩)، وهم الذين: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: ١٧ - ١٩).
ولأن التقوى حفظ النفس، ووقايتها عما يؤثم، فمجالاتها عديدة لا يحصرها إحصاء، ولا يحيط بها عدّ؛ حيث إنها تطبع الإنسان بطابع خاص مميز، فى جميع المجالات.
ومن ذلك:
١ - فى ميدان الجهاد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران: ٢٠٠).
٢ - فى قتال الأعداء: .. وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة: ٣٦).
٣ - فى العدل مع الخصوم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (المائدة: ٨).
٤ - فى المعاملات: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافًا مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران: ١٣٠).
٥ - فى الحلال والحرام: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة: ١٠٠).
٦ - فى الأحوال الشخصية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ .. (الطلاق: ١).
وثمرات التقوى وآثارها: كثيرة، كثيرة ..
نذكر منها المقتطفات التالية:
١ - نوال معية الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (النحل:
١٢٨).
٢ - نوال حب الله تعالى: بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (آل عمران: ٧٦).
٣ - نوال نصر الله تعالى: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (الأعراف: ١٢٨).
٤ - نوال رحمة الله، وهدايته: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الحديد: ٢٨).
 
١ ‏/ ٧٣٥
 
٥ - الخروج من الأزمات، وسعة الرزق، وتيسير الأمر: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: ٢، ٣)، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (الطلاق: ٤).
٦ - النجاة من مس الشيطان: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف: ٢٠١).
٧ - النجاة من السوء والأحزان: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (الزمر: ٦١).
٨ - النجاة من الخوف والحزن: يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (الأعراف: ٣٥)
٩ - تكفير السيئات وغفران الذنوب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الأنفال: ٢٩).
١٠ - الفلاح فى الدنيا والآخرة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة: ٣٥).
١١ - دخول جنات النعيم ونوال رضوان الله: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (آل عمران: ١٥).
وانظر الآيات: فى آل عمران ١٣٣، ١٣٦، ١٩٨، الحجر ٤٥ - ٤٨، النحل ٣٠ - ٣٥، مريم ٦٣، ص ٤٩ - ٥٣، الزمر ٢٠، ٧٣، الزخرف ٦٧ - ٧٣، الدخان ٥١ - ٥٧، محمد ١٥، ق ٣١ - ٣٥، الذاريات ١٥ - ١٦، الطور ١٧ - ٢٠، القمر ٥٤، ٥٥، القلم ٣٤، المرسلات ٤١ - ٤٤، النبأ ٣١ - ٣٦.

١٥ - التنابز بالألقاب
التنابز بالألقاب: هو التداعى بها، بمعنى:
أن يلقّب بعضهم بعضا، وكثر فيما كان ذمّا.
والنّبز بالتحريك: اللّقب، والنّبز بالتسكين:
المصدر.
وقد ورد فى القرآن الكريم بصيغة النهى عنه مرة واحدة (٢٩)، وذلك فى قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
(٢٩) ابن منظور: لسان العرب، محمد فؤاد عبد الباقى: معجم ألفاظ القرآن الكريم (مادة: نبز).
 
١ ‏/ ٧٣٦
 
الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات: ١١).
ويلاحظ: أن النهى عن ذلك فى الآية الكريمة، ورد ضمن النهى عن بعض الأمور التى تتضمنها منظومة الآداب الإسلامية، فقد نهت الآية عن سخرية المؤمن بالمؤمن، ثم نهت- ثانيا- أن يعيب المؤمن مؤمنا ويطعن فيه بلسانه، كما نهت- ثالثا- عن أن يدعو الإنسان أخاه المؤمن بلقب لا يحبه؛ لكونه ذمّا له، أو مشعرا بذلك.
قال النووى: اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره، سواء كان صفة له، أو لأبيه، أو لأمه، أو غيرهما (٣٠).
ومن التشديد فى تحريم ذلك فى الإسلام، أن الآية جعلت التنابز بالألقاب فسقا يرتكبه الإنسان، كما هددت من لم يكف عنه، ويتب منه بوصفه بالظالم.
ولكن يستثنى من ذلك التحريم من غلب عليه الاستعمال كالأعرج، والأحدب، ولم يقصد به الذم، أو التعيير، ولا يجد من ذلك صاحبه حرجا، حيث جوّزته الأمة، واتفق على فعله أهل الملة (٣٠).
وعلى هذا المعنى ترجم البخارى- ﵀ فى كتاب «الأدب» من صحيحه، باب (ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم: الطويل، والقصير، وقال النبى ﷺ: «ما يقول ذو اليدين»؟ وما لا يراد به شين الرجل).
يقول ابن حجر صاحب «فتح البارى»: هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الألقاب وما لا يعجب الرجل أن يوصف به مما هو فيه، وحاصله: أن اللقب إن كان ما يعجب الملقّب ولا إطراء فيه، مما يدخل فى نهى الشرع، فهو جائز أو مستحب، وإن كان مما لا يعجبه فهو حرام أو مكروه، إلا إن تعين طريقا إلى التعريف به، حيث يشتهر به ولا يتميز عن غيره إلا بذكره (٣١).
وعلى هذا: يمنع الإسلام من تلقيب الإنسان بما يكره، وجوز تلقيبه بما يحب.
وقد لقب النبى ﷺ عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذى النورين، وخزيمة بذى الشهادتين .. إلخ.

١٦ - التوبة
أصل تاب إلى الله: عاد إلى الله ورجع عن المعصية وأناب، يقول تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: ٣١).
(٣٠) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن، الآلوسي: روح المعانى (الحجرات: تفسير الآية ١١).
(٣١) فتح البارى ١٠/ ٤٦٨ ط دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت- لبنان.
 
١ ‏/ ٧٣٧
 
وتاب الله عليه: أى وفقه للتوبة، وقبلها منه، وعاد عليه بالمغفرة، يقول تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ (التوبة: ١١٧)، ويقول تعالى: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ (غافر: ٣).
والتوبة: ترك الذنب على أبلغ الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول:
فعلت لأجل كذا، أو يقول: فعلت وأسأت وقد أقلعت. ولا رابع لذلك. وهذا الأخير هو التوبة.
والتوبة فى الشرع: ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة.
والتائب يقال لباذل التوبة، ويقال- أيضا- لقابل التوبة، فالعبد تائب إلى الله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ (التوبة: ١١٢). والله: تائب على عبده ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (التوبة: ١١٨).
والتوّاب: العبد الكثير التوبة إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة: ٢٢٢). وقد يقال ذلك لله تعالى: لكثرة قبوله التوبة (٣٢) إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (الحجرات: ١٢).

١٧ - الجبت والطاغوت
الجبت: النذل الذى لا مروءة له ولا خير فيه.
وقال الشعبى: هو السحر. وقيل: هى كلمة تقع على الصنم، والكاهن، والساحر. وعلى كل فهى تقال لكل ما عبد من دون الله (٣٣).
والطاغوت: عبارة عن كل متعبّد، وكل معبود من دون الله. ويستعمل فى الواحد والجمع على السواء قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ (البقرة: ٢٥٦) وقال كذلك:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ (البقرة: ٢٥٧).
والطاغوت: هو الشيطان. وقيل: هو الساحر، وقيل: الكاهن، وقيل: المارد من الجن. وعلى كل فهو كل صارف عن طريق الخير (٣٤).
وقد وردت هذه العبارة بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ فى القرآن الكريم مرة
(٣٢) انظر: الراغب الأصفهانى: المفردات، ابن منظور: لسان العرب (مادة: توب)، القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (تفسير الآية المذكورة).
(٣٣) الراغب: المفردات، ابن منظور: لسان العرب، محمد فؤاد عبد الباقى: المعجم المفهرس (مادة: جبت).
(٣٤) الراغب الأصفهانى: المفردات (كتاب الطاء، مادة: طغى).
 
١ ‏/ ٧٣٨
 
واحدة ٣٣. وذلك فى قوله ﷿ تعجبا من أمر أهل الكتاب: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (النساء: ٥١، ٥٢).
والمعنى: أن اليهود الذين أعطوا نصيبا من الكتاب يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ أى: بما عبد من دون الله وَالطَّاغُوتِ أى: الشيطان، أو كل من تجاوز حدود الله. وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة أنتم أهدى طريقا. وأصح دينا من محمد وأصحابه.
هؤلاء أبعدهم الله من رحمته، وليس لهم من دون الله نصيرا يعتد بنصره.

١٨ - الجوابى
الجوابى: جمع الجابية، وهى القدر العظيمة، أو الحوض الكبير، الذى يجبى فيه الشيء، أى يجمع (٣٥). وقد وصفت بها الجفان، التى كان يصنعها الجن لسليمان ﵇، بعد أن سخر الله له فريقا منها.
والجفان: جمع جفنة، وهى: وعاء الأطعمة.
وقد ورد هذا اللفظ فى القرآن الكريم مرة واحدة، وذلك فى قوله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (سبأ: ١٢، ١٣).

١٩ - الحاقّة
الحاقة: اسم من أسماء يوم القيامة؛ ولا نزاع فى ذلك.
ولكنهم اختلفوا فى سبب هذه التسمية، قال ابن كثير: لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد، وقال أبو مسلم: لأنها واجبة الوقوع، ولا ريب فى مجيئها، وقيل: لأن الأمور تعرف فيها على حقيقتها، وقيل: لأن فيها تكون حواق الأمور الواجبة الحصول، من الثواب والعقاب، وغيرهما من أحوال القيامة، وقيل:
غير ذلك (٣٦).
وقد ذكر هذا الاسم ليوم القيامة فى القرآن الكريم ثلاث مرات، فى قوله ﵎ الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (الحاقة: ١ - ٣).
(٣٥) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (سبأ: تفسير الآية ١٣).
(٣٦) انظر: القرطبى: مصدر سابق، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، النيسابورى: غرائب القرآن ورغائب الفرقان، الجمل: الفتوحات الإلهية (تفسير سورة الحاقة).
 
١ ‏/ ٧٣٩
 
٢٠ - حدود الله تعالى
الحدود: الحواجز، وهى: جمع حدّ، والحد: الحاجز بين الشيئين، الذى يمنع اختلاط أحدهما بالآخر.
وحد الشيء: الوصف المحيط بمعناه، المميز له عن غيره، والحدّ كذلك: المنع، ومنه سمى الحديد حديدا؛ لأنه يمنع من وصول السلاح إلى البدن، وكذلك: حد الزنا والخمر سمى به؛ لكونه مانعا لمتعاطيه من معاودة مثله، ومانعا لغيره أن يسلك مسلكه.
وحدود الله: هى التى تمنع أن يدخل فى أحكامه تعالى ما ليس منها، وأن يخرج منها ما هو منها، قال تعالى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ (الطلاق: ١).
وشرعت الحدود فى المعاصى؛ لأنها تمنع أصحابها من العود إليها، أو إلى مثلها، قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها (البقرة: ٢٢٩).
قال الراغب: وجميع حدود الله، على أربعة أوجه:
إما شىء لا يجوز أن يتعدّى بالزيادة عليه ولا القصور عنه، كأعداد ركعات صلاة الفرض.
وإما شىء تجوز الزيادة عليه، ولا يجوز النقصان عنه، وذلك كمقدار الزكاة.
وإما شىء لا تجوز الزيادة عليه، ويجوز النقصان عنه، وذلك مثل: التزوج بأربع فما دونها.
وإما شىء يجوز عليه كلاهما، أى الزيادة والنقصان، مثل: صلاة الضحى، فإنها ثمان، وتجوز الزيادة عليها، والنقصان منها (٣٧).

٢١ - الحرث
الحرث: العمل فى الأرض زرعا كان أو غرسا، بإلقاء البذر فى الأرض، وتهيئتها للزراعة.
والحرث كذلك: نفس الزرع، يقول تعالى:
إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ (البقرة: ٧١)، ويقول تعالى: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ (آل عمران: ١١٧)، ويقول تعالى:
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (الواقعة: ٦٣، ٦٤)، ويقول تعالى: فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (القلم: ٢١، ٢٢).
والحرث: متاع الدنيا يقول تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ
(٣٧) الراغب: المفردات (كتاب الحاء، مادة: حد)، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٨٧).
 
١ ‏/ ٧٤٠
 
كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (الشورى: ٢٠).
والحرث: الثواب والنصيب يقول تعالى:
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ (الشورى: ٢٠).
والحرث: النساء يقول تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة: ٢٢٣) وذلك على سبيل التشبيه، فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان، كما أن بالأرض
زرع ما فيه بقاء أشخاصهم (٣٨).

٢٢ - الحنفاء
من الحنف وهو الميل عن الضلال إلى الاستقامة.
والحنيف: هو المائل إلى ذلك، كما فى قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (النحل: ١٢٠)، وقوله تعالى ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران: ٦٧).
وجمع الحنيف: حنفاء أى: المائلون عن الضلال إلى الاستقامة، قال تعالى:
وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ (الحج: ٣٠، ٣١).
وسمّت العرب كل من حج البيت أو اختتن:
حنيفا؛ تنبيها على أنه على دين إبراهيم (٣٩).
واشتهرت كلمة (الحنفاء) على عدد من العرب، لم تعجبهم عبادة الأصنام؛ حيث رأوها لا تنفع ولا تضر، ولا تملك لنفسها شيئا، وأن هناك- بالضرورة- قوة قادرة تمد العالم بالحياة، وأن هذه المعبودات من الأصنام التى آمن بها العرب لا توصلهم إلى الله الحق أبدا، فمالوا عنها، وأخذوا يبحثون بعقولهم عن الله الواحد ﷾.
ومن هؤلاء: ورقة بن نوفل، ابن عم السيدة خديجة، والذى ورد ذكره فى حديث بدء الوحى للنبى ﷺ (٤٠)، وكذلك: زيد بن عمرو ابن نفيل، ابن عم عمر بن الخطاب (٤٠)، الذى كان يقول:
أرب واحد أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل البصير
فلا العزى أدين ولا بنتيها ... ولا صنمى بنى عمرو أزور
ولكن أعبد الرحمن ربى ... ليغفر ذنبى الرب الغفور
(٣٨) الراغب: المفردات، وابن منظور: لسان العرب (مادة: حرث)، القرطبى: مصدر سابق (البقرة: تفسير الآية ٢٢٣).
(٣٩) الراغب: مصدر سابق (كتاب الحاء، مادة: حنف).
(٤٠) الزركلى: الأعلام ٨/ ١١٤، ٣/ ٦٠، د، عبد المقصود نصار، د. محمد الطيب النجار: السيرة النبوية.
 
١ ‏/ ٧٤١
 
٢٣ - الحمولة
الحمولة: بفتح الحاء، على وزن فعولة، ولا واحد له.
والمراد بها: ما يحمل الأثقال من الأنعام، وعن أبى زيد: كل ما احتمل عليه الحمل، من:
حمار، أو بغل، أو بعير، سواء كانت عليه الأحمال، أو لم تكن، ثم قيل: يختص اللفظ بالإبل، وقال الضحاك: الحمولة: من الإبل، والبقر، وقال الحسن: الحمولة: الإبل، وقال ابن عباس: الحمولة: كل ما حمل من الإبل، والبقر، والخيل، والبغال، والحمير.
قال النحاس: ومن أحسن ما قيل فيها أن (الحمولة): المسخرة، المذلّلة.
وقد وردت هذه اللفظة فى القرآن الكريم مرة واحدة فقط، وذلك حينما شرع المولى ﷾ فى تفصيل حال الأنعام، وإبطال ما تقوّل على الله فى شأنها المتقولون بالتحريم والتحليل (٤١) فى قوله تعالى: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (الأنعام: ١٤٢).

٢٤ - الحميم
الحميم: الماء الشديد الحرارة .. يقول تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (محمد: ١٥).
والحميم: القريب المشفق، الذى تهتم لأمره، ويهتم لأمرك، يقول تعالى: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (المعارج: ٨ - ١٠) قال الفراء: لا يسأل ذو قرابة عن قرابته، ولكنهم يعرفونهم ساعة، ثم لا تعارف بعد تلك الساعة. ويقول تعالى: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (الشعراء: ١٠٠، ١٠١)، وأصل هذا من الحميم: وهو الماء الحار.
قال قتادة: يذهب الله- ﷿ يوم القيامة مودة الصديق، ورقّة الحميم (٤٢).
وقال ابن سيده: الحميم: المطر الذى يأتى بعد أن يشتد الحر؛ لأنه حار، والحميم:
القيظ، والحميم: العرق (٤٣).

٢٥ - الحواريون
الحواريون: جمع حوارى، والحوارى:
الناصر، قال رسول الله ﷺ «إن لكل نبى حواريا، وإن حوارىّ: الزبير بن العوام» (٤٤).
وعلى ذلك: فالحواريون: أصحاب عيسى ابن مريم، ﵇ وأنصاره، وكانوا اثنى عشر رجلا، قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ (الصف: ١٤)، أى: قال عيسى ابن مريم: من أنصارى فى السبيل إلى الله،
(٤١) انظر: القرطبى: مصدر سابق، الآلوسي: روح المعانى (الأنعام: تفسير الآية ١٤٢).
(٤٢) انظر: الراغب: المفردات (كتاب الحاء، مادة حم) القرطبى: مصدر سابق (الشعراء: تفسير الآية ١٠١).
(٤٣) ابن منظور: لسان العرب (مادة: حمم).
(٤٤) رواه: البخارى: كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر مناقب الزبير بن العوام، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل طلحة والزبير.
 
١ ‏/ ٧٤٢
 
فيضم نصرته إلى نصرة الله- ﷿ لأظهر الدعوة، وأنشر الدين؟ قال الحواريون:
نحن أنصار نبيه ودينه.
واختلف فى تسميتهم بذلك على أقوال:
قال ابن عباس: سموا بذلك؛ لبياض ثيابهم.
وقيل: سموا بذلك؛ لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس، بإفادتهم الدين والعلم، المشار إليه، فى قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (الأحزاب: ٣٣)، وقال قتادة والضحاك: سموا بذلك؛ لأنهم كانوا خاصة الأنبياء؛ لصفاء ونقاء قلوبهم.
واختلف فى أصلهم- كذلك- على أقوال:
فقيل: كانوا صيادين، يقول الراغب: وإنما كانوا كذلك لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة، وقودهم إلى الحق.
وقيل: كانوا قصارين للثياب وصباغين.
وأراد معلّم عيسى السفر، فقال لعيسى:
عندى ثياب كثيرة، مختلفة الألوان، وقد علمتك الصبغة فاصبغها، فطبخ عيسى وعاء واحدا، وأدخل فيه جميع الثياب، وقال: كونى بإذن الله على ما أريد منك. فقدم الحوارى:
هو معلم الصباغة، والثياب كلها فى هذا الوعاء الواحد، فقال لعيسى: قد أفسدتها، فأخرج عيسى ثوبا أحمر، وثوبا أصفر، وأخضر، إلى غير ذلك، مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغه، فعجب الحوارى، وعلم أن ذلك من الله، ودعا الناس إليه، فآمنوا به.
فهم الحواريون.
وقيل: كانوا ملوكا، وذلك أن الملك صنع طعاما، ودعا الناس إليه، وكان عيسى على قصعة، فكانت لا تنقص، فقال الملك له: من أنت؟ قال: عيسى ابن مريم، قال: إنى أترك ملكى هذا، واتبعك، وانطلق بمن اتبعه مع عيسى ﵇. فهم الحواريون (٤٥).

٢٦ - الحور العين
ورد ذكر (الحور العين) فى القرآن الكريم بهذا الاسم: ثلاث مرات.
فى قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (الدخان: ٥١ - ٥٤).
وفى قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (الطور:
١٧ - ٢٠). وفى قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ
(٤٥) انظر: الراغب: المفردات (كتاب الحاء، مادة: حور) القرطبى: مصدر سابق (آل عمران: تفسير الآية ٥٢).
 
١ ‏/ ٧٤٣
 
مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (الواقعة: ١٧ - ٢٢).
وبوصف (عين) فقط: فى قوله تعالى:
وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (الصافات: ٤٨، ٤٩).
وبوصف (حور) فقط: فى قوله تعالى حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (الرحمن: ٧٢).
والحور: جمع أحور وحوراء.
والحور: قيل ظهور قليل من البياض فى العين من بين السواد، وذلك نهاية الحسن من العين (٤٦)، والحوراء: ما كانت كذلك، وقيل:
الحور .. أن تسودّ العين كلها، مثل أعين الظباء والبقر، وليس فى بنى آدم حور، وإنما قيل للنساء: حوراء؛ لأنهن يشبهن الظباء والبقر.
وقيل: الحوراء: هى التى يرى ساقها من وراء ثيابها، ويرى الناظر وجهه فى كعبها، من دقة الجلد وبضاضة البشرة وصفاء اللون. عن ابن مسعود قال: إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم، ومن تحت سبعين حلة، كما يرى الشراب الأحمر فى الزجاجة البيضاء. وقال مجاهد: إنما سميت الحور حورا؛ لأنهن يحار الطرف فى حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن (٤٧).
والعين: جمع عيناء، والمعنى: عظام العيون وواسعتها، كما قال السدى، وقال مجاهد:
حسان العيون، وقال الحسن: الشديدات بياض العين، الشديدات سوادها، والأول أشهر فى اللغة.
وقد وصف القرآن الكريم (الحور العين) بعدة أوصاف:
الأول: أنهن قاصِراتُ الطَّرْفِ (الصافات: ٤٨) أى: قد قصرن طرفهن على أزوجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم.
الثانى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (الصافات: ٤٩) أى: كأنّهنّ مثل بيض النعام، المغطى بالريش، والذى لم تمسه الأيدى، والمصون عن الكسر، أى: أنهن عذارى.
الثالث: مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (الرحمن: ٧٢) أى: مستورات فى الخيام، لسن بالطوافات فى الطرق، وقد قصرن على أزواجهن فلا يردن بدلا منهم.
الرابع: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (الرحمن: ٧٤) لم يمسسهن قبل أزواجهن فى الجنة إنس غيرهم ولا جان.
الخامس: أنهن كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (الواقعة: ٢٣) أى هن فى ذواتهن مثل اللؤلؤ، الذى لم تسمه الأيدى، ولم يقع عليه الغبار، فهو أشد ما يكون صفاء وتلألؤا.
(٤٦) محمد فؤاد عبد الباقى: المعجم المفهرس، الراغب: المفردات (مادة: حور).
(٤٧) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (الدخان: تفسير الآية ٥٤) بتصرف، التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة ص ٥٧٠، تحقيق د. أحمد حجازى السقا، ط الحلبى- مصر.
 
١ ‏/ ٧٤٤
 
واختلف أيهما أفضل فى الجنة: نساء الآدميات أو الحور العين؟
قال بعضهم: إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضّلن على الحور العين بما عملن فى الدنيا. وقيل: إن الحور العين أفضل؛ لقوله ﵊ فى دعائه: «وأبدله زوجا خيرا من زوجته» (٤٨).

٢٧ - الخلود
هذه اللفظة (الخلود) وردت فى القرآن الكريم مرة واحدة، وذلك فى قوله تعالى ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (ق: ٣٤). كما وردت مشتقاتها- فى آيات القرآن الكريم- ست وثمانين مرة.
والمراد بها: البقاء الذى لا انتهاء له أبدا (٤٩).
والخلود فى اللغة: هو تبرؤ الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التى هو عليها، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب ب «الخلود»، يقول تعالى:
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (الشعراء: ١٢٨، ١٢٩)، يقال: خلد يخلد خلودا أى: بقى وأقام.
ولا يكون الخلود إلا فى الجنة، أو فى النار.
والعياذ بالله (٥٠).
يقول تعالى فى وصف أهل الجنة:
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (الزمر: ٧٣).
ويقول- ﷿ فى وصف أهل النار إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها (البينة: ٦).

٢٨ - الخير
الخير (٥١): ما يرغب فيه الكل، كالعقل، والعدل، والفضل، والشيء النافع عامة، وضده: الشر.
والخير ضربان: خير مطلق، وخير مقيد.
فالخير المطلق: ما كان مرغوبا فيه بكل حال، وعند كل أحد، كما فى قوله تعالى:
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: ٢٦).
والخير المقيد: ما كان مرغوبا فيه فى بعض الأحوال، وعند بعض الآحاد، أى: ليس فى كل حال، وليس عند كل أحد، مثل: المال، الذى ربما كان خيرا لزيد وشرا لعمرو، ولذلك: وصفه الله تعالى بالأمرين، فقال فى موضع خير: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
(٤٨) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (الصافات تفسير الآية ٤٨)، (الدخان تفسير الآية ٥٤).
(٤٩) الآلوسي: روح المعانى (ق تفسير الآية ٣٤).
(٥٠) الراغب: مصدر سابق، ابن منظور: مصدر سابق (مادة: خلد)، الفيروزآبادى: بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز ٢/ ٥٥٩ تحقيق محمد على النجار المكتبة العلمية- بيروت لبنان.
(٥١) انظر: الراغب: المفردات (كتاب الخاء، مادة: خير) القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٨٠).
 
١ ‏/ ٧٤٥
 
الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة: ١٨٠) فالخير هنا: هو المال من غير خلاف، وقال فى موضع آخر: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ (المؤمنون: ٥٥، ٥٦).
والخير- كذلك- يقال على وجهين: أن يكون اسما، وأن يكون وصفا.
فالاسم: كما فى قوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ (آل عمران:
١٠٤)، والوصف: كما فى قوله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى (البقرة: ١٩٧)
ومن جهة ثالثة: يقابل الخير .. تارة بالسوء، وتارة بالشر، وتارة بالضر.
فيقابل بالسوء كما فى قوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا (آل عمران: ٣٠)، ويقابل بالشر: كما فى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (النور: ١١)، ويقابل بالضر: كما فى قوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأنعام: ١٧).

٢٩ - الدين القيم
الدين القيم: أى الثابت المقوّم لأمور المعاش والمعاد.
وهو: دين الإسلام، القيم المستقيم (٥٢)، الذى فطر الله الناس عليه، وتعبدهم بمبادئه وتعاليمه.
يقول سبحان: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف: ٣٩).
ويقول سبحانه: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الروم: ٣٠).
ويقول سبحانه: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (الروم: ٤٣).
ويقول سبحانه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (التوبة: ٣٦).
وأما دِينُ الْقَيِّمَةِ (البينة: ٥) أى: دين الأمة القائمة بالقسط، وهى المشار إليها بقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (آل عمران: ١١)، وقوله تعالى:
(٥٢) انظر: الراغب: المفردات (كتاب القاف، مادة: قوم) القرطبى: مصدر سابق (الروم تفسير الآية ٣٠).
 
١ ‏/ ٧٤٦
 
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ (النساء: ١٣٥).

٣٠ - روح القدس
الروح: اسم للنفس، وذلك: لكون النّفس بعض الروح، من باب تسمية النوع باسم الجنس، نحو تسمية الإنسان بالحيوان.
وجعل اسما للجزء الذى به تحصل الحياة والتحرك، واستجلاب المنافع، واستدفاع المضار.
وبه سمى أشراف الملائكة- ﵈، نحو:
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ (النبأ: ٣٨). وبه كذلك سمى جبريل ﵇: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (الشعراء: ١٩٣).
والقدس: من التقديس، وهو التطهير الإلهى، وليس هو التطهير المقصود به إزالة النجاسة المحسوسة.
وعلى هذا: ف (روح القدس) هو: جبريل ﵇؛ وسمى بذلك من حيث إنه ينزل بالقدس من الله، أى بما يطهر نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهى.
وقد ورد هذا الاسم فى القرآن الكريم أربع مرات (٥٣).
فى قوله تعالى: وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (البقرة: ٨٧، ٢٥٣). وقوله تعالى: إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا (المائدة:
١١٠). وقوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ (النحل: ١٠٢).

٣١ - الزقوم
الزقوم (٥٤): مشتق من التزقم، وهو البلع على جهد ومشقة، وكراهية، وهو: شجر كريه المنظر، كريه الطعم.
واختلف فى هذا الشجر، هل هو من شجر الدنيا، الذى تعرفه العرب، أو لا. على قولين:
أحدهما: أنها من شجر الدنيا، وهى:
شجرة مرة، من أخبث الشجر تكون بتهامة، من أرض الجزيرة، وقال بعضهم: إنها نبات قاتل.
ثانيهما: أنها ليست من شجر الدنيا، بل هى طعام أهل النار. وهى شجرة خلقها الله فى جهنم، إذا جاء أهل النار فالتجئوا إليها، وأكلوا منها، تغلى فى بطونهم، كما يغلى الماء الحار، وشبه ما يصير منها فى بطونهم بالمهل، وهو النحاس المذاب من الغليان.
ومن العجيب: أنها تحيا بلهب النار، كما يحيا شجر الدنيا بالماء، ولا مناص لأهل النار من أكلها .. ينحدر إليها من كان منهم فوقها، ويصعد إليها من كان أسفلها؛ لهذا الغرض.
(٥٣) انظر: الراغب: المفردات (كتاب الراء مادة: روح، كتاب القاف، مادة: قدس) القرطبى: مصدر سابق، الآلوسي: روح المعانى (البقرة تفسير الآية ٨٧).
(٥٤) انظر: الفخر الرازى: التفسير الكبير، القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (الصافات تفسير الآية ٦٢)، ابن منظور: لسان العرب (مادة: زقم).
 
١ ‏/ ٧٤٧
 
ولما نزل قوله تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (الدخان: ٤٣ - ٤٦) لم تعرفها قريش، فقال أبو جهل: إن هذا لشجر ما ينبت فى بلادنا، فمن منكم يعرف الزقوم ..؟ فقال رجل قدم عليهم من إفريقية:
(الزقوم) بلغة إفريقية: الزبد بالتمر، فقال أبو جهل: يا جارية .. !! هاتى لنا تمرا وزبدا نزقمه، فجعلوا يأكلون منه، ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد فى الآخرة ..؟
فبين الله هذه (الشجرة) فى موضع آخر بصفتها، حيث قال ﵎: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (الصافات: ٦٢ - ٦٧).
فقد بين تعالى:
١ - أنها فتنة لهم واختبار.
٢ - وأصلها: تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
٣ - وشكلها: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ.
٤ - وأنهم يأكلون منها لا محالة:
فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ.
٥ - أنهم يحاولون إطفاء لهيبها بالحميم:
إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ.
وقد سماها ب (الشجرة الملعونة) - كذلك- فى قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا (الإسراء: ٦٠).
وهدّد- ﷿ الكافرين بالأكل منها فى قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (الواقعة: ٥١ - ٥٦).

٣٢ - السائبة
هى الناقة التى تسيّب فى المرعى، فلا ترد عن حوض ولا علف، وذلك إذا ولدت خمسة أبطن، وقال ابن إسحاق: هى الناقة إذا تابعت بين عشر إناث- أى: فى ولادتها- ليس بينهن ذكر، لم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف. وقيل: السائبة: هى البعير، يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه الله من مرض، أو بلّغه منزله أن يفعل ذلك، فلا تحبس عن رعى ولا ماء، ولا يركبها أحد.
وقد يسيّبون غير الناقة.
 
١ ‏/ ٧٤٨
 
وهذه التسمية ليست من الله فى شىء، بل ما سنّ الله هذا الفعل حكما، ولا تعبد به شرعا، إنما هو مما أطلقه العرب، ومارسوه فى الجاهلية، وقالوا: إن الله أمر بتحريمها، وزعموا أنهم يفعلون ذلك لرضا ربهم.
وقد كذبوا .. فطاعة الله إنما تعلم من قوله وشرعه، ولم يكن عندهم من الله بذلك قول ولا شرع، فكان ذلك مما يفترونه على الله (٥٥).
هذا .. وقد ورد هذا اللفظ فى القرآن الكريم .. مرة واحدة فقط، وذلك فى قوله ﵎: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (المائدة: ١٠٣).

٣٣ - السبع الطرائق
وهى: عبارة وردت فى القرآن الكريم، مرة واحدة، وذلك فى قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (المؤمنون: ١٧).
والسبع: هى العدد المعروف، والطرائق:
جمع طريق، كما فى قوله تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَدًا (الجن: ١١)، إشارة إلى اختلافهم فى درجاتهم، وأطباق السماء يقال لها- كذلك- طرائق.
وقال الخليل، والزجاج، والفراء: (سبع طرائق) أى: سبع سماوات، كقوله: سَبْعَ سَماواتٍ طِباقًا (نوح: ١٥). كل سماء طريقة وإنما قيل لها: طرائق، لتطارقها، بمعنى كون بعضها فوق بعض، يقال: طارق الرجل نعليه.
إذا أطبق نعلا على نعل، وطارق بين ثوبين. إذا لبس ثوبا فوق ثوب.
وقال على بن عيسى: سميت بذلك؛ لأنها طرائق للملائكة فى العروج والهبوط والطيران.
وقال آخرون: لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها (٥٦).

٣٤ - السكينة
السكينة: هى السكون والوقار والطمأنينة وزوال الرعب، وقيل: هى الرحمة، وقيل: هى النصر، وقيل: هى الوقار وما يسكن به الإنسان.
وقد وردت فى القرآن: ست مرات (٥٧).
اثنتان فى سورة التوبة فى قوله تعالى:
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ
(٥٥) انظر: الراغب: المفردات (مادة: سيب) الفيروزآبادى: بصائر ذوى التمييز (بصيرة ٤٦) ٢/ ٢٧١، القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (المائدة:
تفسير الآية ١٠٣).
(٥٦) انظر: الراغب: المفردات (مادة: طرق) الفخر الرازى: التفسير الكبير (المؤمنون تفسير الآية ١٧)، ابن قتيبة: تفسير غريب القرآن (المؤمنون).
(٥٧) انظر: الراغب: المفردات، ابن منظور: اللسان، محمد فؤاد عبد الباقى: معجم ألفاظ القرآن (مادة: سكن)، القرطبى: مصدر سابق (الفتح:
تفسير الآية ٤).
 
١ ‏/ ٧٤٩
 
وثلاث فى سورة الفتح: فى قوله تعالى:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِمْ (الفتح: ٤)، وقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ (الفتح: ١٨). وقوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى (الفتح: ٢٦).
وكل واحدة ذكرت فى هذه الآيات فهى بمعنى الطمأنينة- كما قال ابن عباس- إلا التى فى البقرة. وهى المرة السادسة، وهى قوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ (البقرة: ٢٤٨).
فقد اختلف العلماء فى معنى (السكينة) فى هذه الآية قيل: هى مثل نظائرها، والمعنى:
هو- أى التابوت- سبب سكون قلوبكم وطمأنينتها؛ حيث كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت- لذلك- تسكن إليه النفوس، وتأنس به وتقوى. وقيل:
هى روح من الله تتكلم، فكانوا إذا اختلفوا فى أمر نطقت ببيان ما يريدون، وإذا صاحت فى الحرب، كان لهم النصر والظفر، وقيل: هى ريح هفافة- أى سريعة المرور فى هبوبها- لها وجه كوجه إنسان، وقيل: هى حيوان كالهر، له جناحان وذنب، ولعينيه شعاع، فإذا نظر إلى الجيش انهزم، وقيل: هى طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.
والصحيح القول الأول (٥٨)، وفى غيره من الأقوال آثار الوضع، ورائحة الإسرائيليات.

٣٥ - شعائر الله
والشعائر: جمع شعيرة، وهى كل شىء لله تعالى فيه أمر، أو نهى، أشعر به وأعلم، ومنه:
شعار القوم فى الحرب، أى علامتهم التى يتعارفون بها، ومنه كذلك: إشعار البدنة، وهو الطعن فى جانبها الأيمن حتى يسيل منه الدم؛ فيكون علامة، وتسمى: شعيرة، بمعنى:
مشعورة، أى: معلّمة.
والإشعار: الإعلام من طريق الإحساس، يقال: أشعر هديه أى جعل له علامة ليعرف بها أنه هدى، ومنه: المشاعر، أى: المعالم، واحدها مشعر، وهى المواضع التى قد أشعرت بالعلامات، ومنه: الشاعر؛ لأنه يشعر بفطنته لما لا يفطن له غيره.
ومنه: الشعير؛ لشعرته التى فى رأسه (٥٩).
وقد اختلف العلماء فى المراد من (شعائر الله) على أقوال، أبرزها قولان (٦٠):
الأول: ما قاله عطاء والحسن، قال عطاء ابن أبى رباح: هى جميع ما أمر الله به، ونهى
(٥٨) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (البقرة تفسير الآية ٢٤٨).
(٥٩) الراغب: المفردات (كتاب الشين، مادة: شعر)، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٥٨، الحج: تفسير الآية ٣٢).
(٦٠) القرطبى: مصدر سابق، الواحدى: أسباب النزول (المائدة الآية ٢).
 
١ ‏/ ٧٥٠
 
وقد اختلف العلماء فى المراد من (شعائر الله) على أقوال، أبرزها قولان (٦٠):
الأول: ما قاله عطاء والحسن، قال عطاء ابن أبى رباح: هى جميع ما أمر الله به، ونهى عنه، وقال الحسن: هى دين الله كله، ويشهد لهما: قوله تعالى: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج: ٣٢).
والثانى: ما قاله ابن عباس، ومجاهد.
قال ابن عباس: هى جميع مناسك الحج ومعالمه. وقال مجاهد: الصفا والمروة، والهدى، والبدن كل ذلك من الشعائر، ويشهد لهما: أن المشركين كانوا يحجون، ويعتمرون، ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم: فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوانًا (المائدة: ٢)، أى: لا تتعدوا حدود الله فى أمر من الأمور، ولا فى شعيرة من شعائره. كما يشهد لهما: قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (البقرة:
١٥٨)، وكذلك: قوله تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ (الحج: ٣٦).
قال القرطبى: والقول الأول هو الراجح الذى يقدم على غيره؛ لعمومه.

٣٦ - الشهر الحرام
الشهر: مدّة مشهورة بإهلال الهلال، أو باعتبار جزء من اثنى عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى نقطة، وهو مشتق من الإشهار؛ لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده.
والحرام: أى ما حرم الله فيه كثيرا مما لم يحرم فى غيره (٦١).
والمراد ب الشَّهْرُ الْحَرامُ: ذو القعدة، وذلك فى قوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ (البقرة: ١٩٤)؛ حيث أقبل رسول الله ﷺ للعمرة فى ذى القعدة من العام السادس للهجرة، فصده المشركون، وتصالحوا، على أن يعود للعمرة فى العام المقبل، وقد عاد، وأخلى له أهل مكة البلد، وأقام فيها ثلاثا، ثم خرج منصرفا إلى المدينة، فقال تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ يعنى ذا القعدة، الذى اعتمرتم فيه بقدرة الله ب الشَّهْرُ الْحَرامُ يعنى ذا القعدة الذى صدكم فيه مشركو مكة عن العمرة، فى العام الذى كان قبله (٦٢).
وكذلك فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوانًا (المائدة: ٢)، قال زيد بن أسلم: كان رسول الله ﷺ
(٦١) انظر: الواحدى: مصدر سابق، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٩٤) الراغب: المفردات (كتاب الشين، مادة: شهر، كتاب الحاء، مادة: حرم).
(٦٢) ابن جرير الطبرى: جامع البيان، القرطبى: مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٩٤)، (المائدة تفسير الآية ٩٧).
 
١ ‏/ ٧٥١
 
الآية، أى: لا تعتدوا على هؤلاء العمّار، بسبب أن صدكم أصحابهم، ومن المعلوم .. أن رسول الله ﷺ، كان هو وأصحابه بالحديبية، حين صده المشركون عن البيت فى ذى القعدة.
والمراد به- كذلك- رجب. وذلك فى قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة: ٢١٧)، حيث بعث رسول الله ﷺ بعثا من المهاجرين، فقتلوا عمرو بن الحضرمى، فى آخر يوم من رجب، وأسروا رجلين، واستاقوا عيرهم، فقال النبى ﷺ، لم آمركم بالقتال فى الشهر الحرام، فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام»، فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، إلى قوله: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ أى: قد كانوا يفتنوكم- يقتلونكم- وأنتم فى حرم الله، بعد إيمانكم، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم فى الشهر الحرام مع كفرهم بالله (٦٣).
والمراد به- ثالثا- الأشهر الأربعة المشار إليها فى قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (التوبة: ٣٦).
وهذه الشهور .. هى: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، الذى بين جمادى الآخرة وشعبان، وذلك فى قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِيامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ (المائدة: ٩٧)، حيث قرر الله تعالى فى قلوبهم: حرمتها، فكانوا لا يروّعون فيها نفسا، ولا يطلبون فيها دما، ولا يتوقعون فيها ثأرا، حتى كان الرجل يلقى فيها قاتل أبيه وابنه وأخيه، فلا يؤذيه، واقتطعوا فيها ثلث الزمان، ووصلوا منها ثلاثة متوالية، فسحة وراحة، ومجالا للسياحة فى الأمن والاستراحة، وجعلوا منها واحدا منفردا فى نصف العام؛ دركا للاحترام، وهو شهر رجب (٦٢).

٣٧ - الصاخّة
هى: الصّيحة التى تصخّ الأسماع، أى:
تقرعها وتصمّها.
قال ابن سيده: هى صيحة تصخّ الأذن، أى تطعنها، فتصمّها لشدتها، ومنه سميت القيامة.
وقال أبو إسحاق: هى الصيحة التى تكون فيها القيامة، تصخّ الأسماع، أى: تصمّها، فلا تسمع إلا ما تدعى به للأحياء. وأصل الكلمة فى اللغة: الصك الشديد.
وهى عبارة عن القيامة (٦٤)، حسب المشار إليه فى قوله تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ (الأنعام: ٧٣، طه: ١٠٢، النمل ٨٧، النبأ
(٦٣) ابن جرير الطبرى: مصدر سابق، الواحدى: أسباب النزول (البقرة ٢١٧).
(٦٤) انظر: الراغب: مفردات ألفاظ القرآن، ابن منظور: لسان العرب (مادة: صخ)، القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (عبس تفسير الآية ٣٣).
 
١ ‏/ ٧٥٢
 
١٨)، قال ابن كثير: الصاخّة اسم من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذّره عباده. وقال ابن جرير: لعله اسم للنفخة في الصور. وقال البغوى: الصاخة: يعنى صيحة القيامة، سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع، أى تبالغ فى إسماعها، حتى تكاد تصمّها (٦٥).
وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم، مرة واحدة، وذلك في قوله تعالى: فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (عبس:
٣٣ - ٣٧).

٣٨ - الصاعقة
هى: الهدّة الكبيرة، والصوت الشديد من الجو، ويكون منها نار فقط، أو عذاب، أو موت، ولكنها فى ذاتها شىء واحد. ولذلك قال بعض أهل اللغة: الصاعقة على ثلاثة أوجه (٦٦):
١ - بمعنى النار: كما فى قوله تعالى:
يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ (البقرة: ١٩).
قال أبو زيد: الصاعقة: نار تسقط من السماء في رعد شديد، وكما فى قوله تعالى:
وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ (الرعد: ١٣)، ذكر الماوردى عن ابن عباس وعلى بن أبى طالب ومجاهد: أنها نزلت فى يهودى قال للنبى ﷺ: أخبرنى من أى شىء ربك؟ أمن لؤلؤ؟ فجاءت صاعقة فأحرقته.
٢ - بمعنى العذاب: كما فى قوله تعالى:
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (فصلت: ١٣) أى:
خوفتكم هلاكا مثل هلاك عاد وثمود، وقوله تعالى: فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (فصلت: ١٧) أى: العذاب المهلك.
٣ - بمعى الموت: كما فى قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ أى:
أماتتكم الصاعقة ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (البقرة: ٥٥، ٥٦)، وكما فى قوله تعالى: فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (النساء: ١٥٣).
وكما فى قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (الزمر: ١٦). وكما فى قوله تعالى عن ثمود: فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ أى: ماتوا فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (الذاريات: ٤٤، ٥٤).
(٦٥) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (عبس تفسير الآية ٣٣).
(٦٦) الراغب: المفردات (كتاب الصاد، مادة: صعق) القرطبى: مصدر سابق (البقرة: تفسير الآية ١٩، الرعد تفسير الآية ١٣، فصلت تفسير الآية ١٣).
 
١ ‏/ ٧٥٣
 
٣٩ - صبغة الله
الصّبغ: تلوين الشيء بلون ما، والصّبغة: ما يصبغ به، وقيل: الهيئة المكتسبة بالصّبغ (٦٧).
و(صبغة الله) وردت فى كتاب الله تعالى، فى قوله ﷿: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (البقرة:
١٣٨).
وقد اختلف فى المراد من (صبغة الله) على أقوال: (٦٨)
الأول: أن المراد دين الله؛ وذلك أن بعض النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر، يسمونه «المعمودية»، ويقولون: هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد بولده ذلك ..
قال: الآن صار نصرانيا. فقال الله تعالى:
صِبْغَةَ اللَّهِ وهى: الدين والإسلام، لا صبغتهم.
الثانى: أن المراد فطرة الله؛ وذلك كقوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (الروم: ٣٠).
ومعنى هذا: أن الإنسان موسوم فى تركيبه وبنيته بالعجز والفاقة والآثار الشاهدة عليه بالحدوث والافتقار إلى الخالق، وعلى هذا:
فهذه الآثار كالصبغة له والسمة اللازمة.
الثالث: أن المراد: الختان، الذى هو تطهير. أى: كما أن المخصوص الذى للنصارى تطهير لهم، فكذلك الختان، تطهير للمسلمين.
الرابع: أن المراد: حجة الله.
الخامس: أن المراد: الاغتسال لمن أراد الدخول فى الإسلام، بدلا من «معمودية» النصارى.
عن أبى عبيدة: والقول الجيد هو الأول.

٤٠ - الصيحة
الصّيحة: رفع الصوت. من صاح يصيح صيحة وصياحا، ويكون ذلك من الناس وغيرهم.
يقول تعالى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ (ق: ٤٢)، وقال الشاعر:
وصاح غراب البين وانشقت العصا ... ببين كما شقّ الأديم الصوانع
(٦٩).
والصيحة فى القرآن الكريم .. على معان:
فهى بمعنى: العذاب، كما فى قوله تعالى:
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (هود: ٦٧) والمراد ب الَّذِينَ ظَلَمُوا هنا: ثمود، قوم صالح ﵇. وكما فى قوله تعالى: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ والمراد، ب (الذين ظلموا) هنا: أصحاب الأيكة، قوم شعيب ﵇.
(٦٧) انظر: ابن فارس: معجم مقاييس اللغة (كتاب الصاد، باب الصاد والباء وما يثلثهما).
(٦٨) انظر: الفخر الرازى: التفسير الكبير، القرطبى: مصدر سابق، الواحدى: أسباب النزول (البقرة تفسير الآية ١٣٨).
(٦٩) الراغب: المفردات (كتاب الصاد، مادة: صاح) ابن منظور اللسان (مادة: صيح).
 
١ ‏/ ٧٥٤
 
فهؤلاء وهؤلاء صاح بهم جبريل صيحة، خرجت من شدتها عليهم أرواحهم من أجسادهم. قال ابن عباس: ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد، إلا قوم صالح وقوم شعيب، أهلكهم الله بالصيحة، غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم (٧٠).
وهى- ثانيا- بمعنى: نفخة القيامة. كما فى قوله تعالى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (يس: ٤٨، ٤٩) (٧٠) وهى نفخة الصعق، وكما فى قوله تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (ق: ٤١، ٤٢) (٧٠) وهى النفخة الثانية (٧٠).
وهى- ثالثا- بمعنى: الغارة، إذا فوجئ بها الحى. كما فى قوله تعالى عن المنافقين:
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المنافقون: ٤) أى:
يحسبون أهل كل صيحة عليهم، هم العدو، وذلك لجبنهم، قال الضحاك: يحسبون كل صيحة عليهم، أنهم قد فطن بهم، وعلم بنفاقهم، لأن للريبة خوفا، وقيل: يحسبون كل صيحة يسمعونها فى المسجد أنها عليهم، وأن النبى ﷺ قد أمر فيها بقتالهم (٧٠).

٤١ - الغيب
الغيب: مصدر غابت الشمس، وغيرها، إذا استترت عن العين، وبذلك: فالغيب لغة: كل ما غاب عنك.
واستعمل فى كل ما غاب عن الحس، كما فى قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (النمل:
٢٠) وقوله تعالى فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ: أى: فى حال غيبة الزوج (٧١).
كما استعمل فى كل ما غاب عن علم الإنسان، يقول تعالى: وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (النمل: ٧٥).
هذا: ويقال للشيء: غيب، وغائب، باعتبار تعلقه بالناس، لا بالله تعالى؛ حيث إنه تعالى لا يغيب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض، فهو ﷿: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ (الأنعام: ٧٣، التوبة ٩٤، ١٠٥، الرعد ٩، المؤمنون ٩٢، الزمر ٤٦، الحشر ٢٢، التغابن ١٨).
والغيب فى الاصطلاح: ما لا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداءة العقول، وإنما
(٧٠) القرطبى: مصدر سابق (هود تفسير الآية ٩٤، يس: تفسير الآية ٤٩، ق تفسير الآية ٤٢، المنافقون تفسير الآية ٤).
(٧١) انظر: الراغب: المفردات، ابن منظور: اللسان (مادة: غيب) القرطبى: مصدر سابق (النساء: تفسير الآية ٣٤).
 
١ ‏/ ٧٥٥
 
يعلم بخبر الأنبياء- ﵈، وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد، وذلك كأمر البعث، والحشر، والحساب، والجنة، والنار، والملائكة، و... إلخ. كما فى قوله تعالى:
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (البقرة: ٢، ٣) أى كل ما غاب عنهم، وأخبر به النبى ﷺ، وكما فى قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ (مريم: ٦١).

٤٢ - الفتح
الفتح: نقيض الإغلاق، يقال: فتحه يفتحه فتحا، وعلى هذا .. فالفتح: إزالة الإغلاق والإشكال.
وهو على ضربين (٧٢):
أحدهما: يدرك بالبصر، كفتح الباب، وفتح القفل، ونحوهما، كما فى قوله تعالى: وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ (يوسف: ٦٥).
ومنه: فتح مكة يقول تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر: ١) عن الحسن ومجاهد، وغيرهما: أن الفتح: فتح مكة ٧٣، ويقول تعالى: وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (الصف: ١٣) قيل: فتح مكة (٧٣)، وصلح الحديبية يقول تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (الفتح: ١) عن أنس قال: الحديبية، وقال الفراء: الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية (٧٣). ويقول تعالى:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (الفتح: ٢٧) قال مجاهد: هو صلح الحديبية (٧٣).
والثانى: يدرك بالبصيرة، كفتح الهم، وهو إزالة الغم (٧٢) وهو أنواع:
١ - ما كان فى أمور الدنيا، كنصر يأتى، وغم يفرج، وفقر يزال ... كما فى قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ (النساء: ١٤٠، ١٤١) أى: نصر وغلبة على اليهود وغنيمة (٧٣)، وكما فى قوله تعالى:
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (الأعراف: ٩٦) يعنى: المطر والنبات، وهذا فى أقوام- على الخصوص- جرى ذكرهم، إذ قد يمتحن المؤمنون بضيق العيش ويكون تكفيرا لذنوبهم (٧٣).
٢ - ما كان فى أمور الآخرة، كيوم القيامة، وذلك مثل قوله تعالى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا
(٧٢) ابن منظور: اللسان، الراغب: المفردات (مادة: فتح).
(٧٣) القرطبى: مصدر سابق (النصر تفسير الآية ١، الصف تفسير الآية ١٣، الفتح: تفسير الآية ١، ٢٧، النساء تفسير الآية ١٤١، الأعراف تفسير الآية ٩٦).
 
١ ‏/ ٧٥٦
 
الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (السجدة: ٢٨، ٢٩) قال مجاهد: الفتح: يوم القيامة، ويروى أن المؤمنين قالوا: سيحكم الله- ﷿ بيننا يوم القيامة، فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، فقال الكفار على الاستهزاء:
متى يوم الفتح هذا؟

٤٣ - الفتنة
أصل الفتن: إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته. وعلى هذا فالفتن: الإحراق بالنار، يقول تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (الذاريات: ١٣)، ولأن الفتن، وهو الإحراق بالنار عذاب؛ كانت الفتنة عذابا، يقول تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (الذاريات: ١٤).
والفتنة من الأفعال التى تكون من الله تعالى، والتى تكون من العبد. فإذا كانت من الله تعالى، كانت على وجه الحكمة، يقول تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ (الفرقان: ٢٠). وإذا كانت من العبد- بغير أمر الله- كانت بضد ذلك، يقول تعالى: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (التوبة: ٤٨)؛ ولهذا: يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة فى كل مكان وزمان، مثل: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (البروج: ١٠).
وقد تعددت معانى (الفتنة) فى القرآن الكريم، ومن ذلك، أن (٧٤):
الفتنة: بمعنى العذاب بالإحراق، كما فى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (البروج: ١٠).
والفتنة: بمعنى الضلال والإثم، كما فى قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (التوبة: ٤٩).
والفتنة: بمعنى الكفر، كما فى قوله تعالى:
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة: ١٩١).
والفتنة: بمعنى الفضيحة، كما فى قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا (المائدة: ٤١) أى: ومن يرد الله فضيحته.
والفتنة: بمعنى القتل، كما فى قوله تعالى:
فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ (يونس:
٨٣) وكما فى قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (النساء: ١٠١).
(٧٤) انظر: الفخر الرازى: التفسير الكبير (المائدة: تفسير الآية ٤١)، الراغب: المفردات، ابن منظور: اللسان (مادة: فتن).
 
١ ‏/ ٧٥٧
 
والفتنة: بمعنى الاختبار، كما فى قوله تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ (التوبة: ١٢٦) وقوله تعالى:
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التغابن: ١٥).
والفتنة: بمعنى الخديعة، يقول تعالى:
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ (المائدة: ٤٩).
والفتنة بمعنى الإعجاب، كما فى قوله تعالى: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (الممتحنة: ٥) والمعنى: لا تظهرهم وتنصرهم علينا، فيعجبوا ويظنوا إنهم خير منا، وأهل الحجاز يقولون: فتنته المرأة، إذا ولهته وأحبها.

٤٤ - فطرة الله
وردت هذه اللفظة فى القرآن الكريم مرة واحدة. وذلك فى قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الروم: ٣٠).
وقد اختلف العلماء فى معنى «فطرة الله» هذه على أقوال متعددة (٧٥)!
١ - قال أبو هريرة، وابن شهاب، وغيرهما:
فطرة الله: هى الإسلام، قالوا: وهذا هو المعروف عند عامة السلف من أهل التأويل ...
واستدلوا لذلك، بما يلى:
(أ) بهذه الآية قال البخارى قوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ لدين الله، والدين والفطرة:
الإسلام (٧٦).
(ب) وبحديث أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تذبح البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (٧٧).
(ج) وبحديث عياض بن حمار المجاشعى وفيه: أن رسول الله ﷺ قال: قال الله تعالى:
«... وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا ..» (٧٨).
٢ - وقال آخرون: فطرة الله هى: البداءة التى ابتدأهم الله عليها، أى: على ما فطر عليه خلقه، من أنه ابتدأهم للحياة والموت، والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ. (٧٥) قالوا: والفطرة فى كلام العرب:
البداءة، والفاطر: المبتدئ. واستدلوا لذلك بما يلى (٧٥):
(٧٥) القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (الروم تفسير الآية ٣٠).
(٧٦) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (الروم تفسير الآية ٣٠).
(٧٧) رواه: البخارى: ك التفسير، باب تفسير سورة الروم.
(٧٨) رواه: مسلم: ك الجنة، باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار.
 
١ ‏/ ٧٥٨
 
ما روى عن ابن عباس، أنه قال: ما كنت أدرى ما فاطر السماوات والأرض، حتى أتانى أعرابيان يختصمان فى بئر، فقال أحدهما:
أنا فطرتها، أى: أنا ابتدأت حفرها. وذكر أبو العباس أن ابن الأعرابى يقول: أنا أول من فطر هذا، أى: ابتدأه.
٣ - وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر:
فطرة الله هى: الخلقة التى خلق عليها المولود فى المعرفة بربه (٧٥)، أى: أن كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يعنى: خلقة مخالفة لخلقة البهائم، التى لا تصل بخلقتها إلى معرفته، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (فاطر: ١). يعنى خالقهن.
قال أبو عمر بن عبد البر: هذا الأخير أصح ما قيل فى معنى «فطرة الله» التى يولد الناس عليها، ودلل على ذلك، واحتج له.
قال القرطبى: وإلى ما اختاره أبو عمر واحتج له، ذهب غير واحد من المحققين، منهم ابن عطية فى «تفسيره» فى معنى «الفطرة»، وشيخنا أبو العباس.
قال ابن عطية: والذى يعتمد عليه فى تفسير هذه اللفظة: أنها الخلقة والهيئة التى فى نفس الطفل، التى هى مهيأة ومعدة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الذى هو الحنيف، وهو فطرة الله، الذى على الإعداد له فطر البشر، لكن تعترضهم العوارض، ومنه قول النبى ﷺ: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه أو يمجّسانه ...»
الحديث. فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التى هى كثيرة، حيث إن الله تعالى خلق قلوب بنى آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وتلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام، وهو الدين الحق (٧٥).
هذا وقد أجاب أصحاب هذا القول ... عن القول الأول: بأنه يستحيل أن تكون الفطرة المذكورة هى الإسلام، ذلك أن الإسلام والإيمان. قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وهذا معدوم من الطفل، لا يجهل ذلك ذو عقل.
كما أجابوا عن القول الثانى، الذى هو «البداءة»: بانكارهم أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان، أو معرفة أو إنكار، حيث قالوا: إن المولود يولد على السلامة فى الأغلب، خلقة، وطبعا، وبنية، ليس معها:
إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر والإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا.
 
١ ‏/ ٧٥٩
 
ولو كان الأطفال فى حين ولادتهم قد فطروا على شىء من الكفر والإيمان، ما انتقلوا عنه أبدا، بل قد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون، أو يكفرون ثم يؤمنون.
قالوا: ويستحيل فى المعقول أن يكون الطفل فى حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا؛ لأن الله أخرجهم فى حال لا يفقهون معها شيئا، قال الله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا (النحل:
٧٨) فمن لا يعلم شيئا: استحال منه كفر أو إيمان، أو معرفة أو إنكار.
٤ - ومن طريف ما قيل فى معنى «فطرة الله» ما قاله أبو بكر الوراق إنها: الفقر والفاقة، حيث إنه منذ ولد إلى حين يموت ...
فقير محتاج، نعم!! وفى الآخرة كذلك.
قال القرطبى: وهذا حسن (٧٥).

٤٥ - القارعة
القارعة فى اللغة: النازلة الشديدة، تنزل عليهم بأمر عظيم.
والمراد بها: القيامة. قال تعالى: الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (القارعة: ١ - ٤)، سميت بذلك: لأنها تقرع الناس بأهوالها وشدائدها.
وقيل: القارعة هى: الداهية المهلكة، يقال:
قرعه أمر، إذا أتاه فجأة، وجمعه: قوارع، قال تعالى: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ (الرعد: ٣١)، قال الأصمعى:
يقال أصابته قارعة، يعنى: أمرا عظيما يقرعه، ويقال: أنزل الله به قارعة ومقرعة (٧٩).
وقيل: عنى بالقارعة العذاب الذى نزل بثمود وعاد فى الدنيا، وكان كل نبى من أنبيائهم يخوفهم بذلك فيكذبونه (٧٩)، قال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة: ٤ - ٦).

٤٦ - القرار المكين
وهو المذكور فى قوله تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (المؤمنون: ١٢، ١٣).
و(القرار): أى المستقر، وهو فى الأصل:
مصدر قرّ يقر قرارا، بمعنى: ثبت ثبوتا، والمراد به: الرحم، و(مكين): وصف له، أى: متمكن.
والمعنى: أن الرحم متمكنة، لا تنفصل لثقل حملها، أو لا تطرد ما فيها.
(٧٩) ابن منظور: لسان العرب (مادة: قرع)، القرطبى: مصدر سابق (الحاقة تفسير الآية ٤).
 
١ ‏/ ٧٦٠
 
ومن يدرس تشريح الرحم، وموضعه المكين الأمين فى أسفل بطن المرأة، ويرى ذلك الوعاء ذا الجدار العريض السميك، ثم يرى هذه الأربطة العريضة، والأربطة المستديرة، وهذه الأجزاء من البريتون، التى تشده إلى المثانة، والمستقيم وكلها تحفظ توازن الرحم، وتشد أزره، وتحميه من الميل، أو السقوط، وتطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل، وتقصر إلى طولها الطبيعى تدريجيا بعد الولادة. وكذلك من يدرس تكوين الحوض، وعظامه يعرف جليا روعة قوله تعالى ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ.
وأيضا: من يعرف كل ذلك، يدرك وجه الامتنان الإلهى على خلقه فى قوله تعالى لهم:
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٨٠) (المرسلات: ٢٠، ٢١).

٤٧ - الماء المهين
ورد ذكره فى القرآن الكريم: مرتين:
الأولى: فى قوله تعالى ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (السجدة: ٦ - ٨). والثانية: فى قوله تعالى:
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (المرسلات: ٢٠ - ٢٣).
والمراد به: المنىّ.
وقد وصف بالمهين ومعناها: الضعيف، كما قال الزجاج، أو الذى لا خطر له عند الناس، فهو ممتهن، لا يعتنى به.
يقول الأستاذ سيد قطب عليه رحمة الله:
ثم جعل نسل آدم ﵇ من سلالة من ماء مهين أى: من مادة النطفة الذى هو المرحلة الأولى فى تطور الجنين، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى العظام، إلى كمال التكوين الجنينى فى هذه السلالة التى تبدأ بالماء المهين. وإنها لرحلة هائلة حين ينظر إلى طبيعة التطورات التى بها تلك النقطة الضائعة من ذلك الماء المهين، حتى تصل إلى الإنسان المعقد البديع التكوين، وإنها لمسافة شاسعة ضخمة بين الطور الأول والطور الأخير (٨١).

٤٨ - مجمع البحرين
ورد هذا الاسم فى آيات القرآن الكريم:
مرة واحدة فقط وذلك فى قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (الكهف: ٦٠).
ومعناه: موضع اجتماع البحرين (٨٢).
(٨٠) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، الآلوسي: التفسير الكبير، المراغى تفسير المراغى (المؤمنون تفسير الآية ١٣).
(٨١) انظر: الفخر الرازى: التفسير الكبير، القرطبى، الجامع لأحكام القرآن، الآلوسي: روح المعانى، سيد قطب: فى ظلال القرآن (السجدة تفسير الآية ٨).
(٨٢) محمد فؤاد عبد الباقى: معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية المعجم الوجيز (مادة: جمع).
 
١ ‏/ ٧٦١
 
وقصة هذا الموضع- حسب رواية الإمام البخارى، عن رسول الله ﷺ: «أن موسى- ﵇ قام خطيبا فى بنى إسرائيل، وفى رواية: حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب- فسئل: أى الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إن لى عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لى به؟
قال: تأخذ معك حوتا فتجعله فى مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ ...» الحديث (٨٣).
وقد اختلف فى تحديد هذين البحرين على النحو التالى:
١ - فروى عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، قال: بحر فارس وبحر الروم.
٢ - وروى ابن أبى حاتم من طريق السدى، قال: هما نهرا الكرّ، والرّسّ؛ بإرمينية؛ حيث يصبان فى البحر.
٣ - وقال ابن عطية: مجمع البحرين، ذراع فى أرض فارس، من جهة أذربيجان، يخرج من البحر المحيط، من شماليه إلى جنوبيه، وطرفيه مما يلى برّ الشام.
٤ - وقيل: هما بحر الأردن، وبحر القلزم.
٥ - وقال محمد بن كعب القرظى: مجمع البحرين بطنجة.
يقول الأستاذ/ سعيد حوى: والمجامع كثيرة، فعندك: مجمع البحر الأحمر بالمحيط الهندى، ومجمع النيل مع البحر الأبيض، ولا ندرى بالضبط، إذا كان المجمع واحدا من هذه، أو مجمعا آخر يلتقى فيه ماء خليج بماء بحر، أو ماء نهر كبير كشط العرب ببحر كالخليج، والمهم أنه فى مجمع من مجامع بحرين حدث الذى حدث مع موسى ﵇ وفتاه.
ويقول صاحب «الظلال»: والقرآن لا يحدد المكان الذى وقعت فيه- هذه القصة- بأنه «مجمع البحرين» والأرجح- والله أعلم- أنه «مجمع البحرين»: بحر الروم، وبحر القلزم أى: البحر الأبيض والبحر الأحمر، ومجمعهما: مكان التقائهما، فى منطقة البحيرات المرة، وبحيرة التمساح، أو أنه:
مجمع خليجى العقبة والسويس فى البحر الأحمر، فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر، ثم يقول:
وعلى أىّ ... فقد تركها القرآن مجملة، فنكتفى بهذه الإشارة.
أما الإمام الفخر الرازى فيقول، ونحن معه: «ومجمع البحرين» هو: المكان الذى وعد فيه موسى بلقاء الخضر- ﵉، وليس فى لفظ الآية القرآنية- المذكورة- ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن صح- بالخبر الصحيح- شىء فذاك، وإلا فالأولى
(٨٣) البخارى: ك التفسير، سورة الكهف، باب (وإذ قال موسى لفتاه).
 
١ ‏/ ٧٦٢
 
السكوت عنه. حيث لا يترتب على معرفة المكان من عدمه كبير فائدة (٨٤).

٤٩ - المعارج
وهى: اسم سورة كريمة من سور القرآن الكريم، وهى سورة «المعارج».
وتبدأ بقوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (المعارج: ١ - ٤). وهى من العروج بمعنى الذهاب فى صعود.
وقد ذكرت هذه المادة فى القرآن الكريم:
ثمان مرات (٨٥).
ست منها: بصيغة الفعل المضارع، كما فى قوله تعالى: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (سبأ: ٢).
واثنتان منها: بالصيغة الاسمية، إحداهما:
معرفة، وهو المذكور هنا (المعارج) وثانيتهما:
نكرة، وهو المذكور فى قوله تعالى وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (الزخرف: ٣٣).
ومعنى المعارج لغة: الدرجات (٨٦) والمراد بها (٨٧):
١ - إما معارج الأعمال الصالحة فإنها تتفاوت بحسب اجتماع الآداب والسنن، وخلوص النية، وحضور القلب.
٢ - وإما معارج المؤمنين فى سلوكهم مراتب المعارف الإلهية، ولا شك فى تفاوت أولياء الله فى ذلك، أو معارجهم فى دار ثوابهم، وهى الجنة.
٣ - وإما معارج الملائكة، ومنازل ارتفاعهم بحسب الأمكنة، وهى السموات أو بحسب الفضائل الروحانية والمعارف.
٤ - وعن قتادة: أنها الفضائل والنعم، أى مراتب الله على الخلق.
٥ - وقيل: هى الغرف. التى جعلها الله لأوليائه فى الجنة.
ويقول الإمام الآلوسي: والأنسب- أى فى تحديد معنى المعارج- بما يقتضيه المقام من التهويل. ما هو أدل على عزه- ﷿ وعظم ملكوته، جل شأنه (٨٦).

٥٠ - الموءودة
ذكر هذا اللفظ فى القرآن لكريم ... مرة واحدة. وذلك فى قوله تعالى: وَإِذَا
(٨٤) انظر: فتح البارى ٨/ ٤٨٠، ابن جرير الطبرى: جامع البيان، الفخر الرازى: التفسير الكبير، سعيد حوّى: الأساس فى التفسير، سيد قطب:
فى ظلال القرآن (الكهف تفسير الآية ٦٠).
(٨٥) الراغب الأصفهانى: مصدر سابق، محمد فؤاد عبد الباقى: مصدر سابق (مادة: عرج).
(٨٦) الآلوسي: روح المعانى (المعارج: تفسير الآية ٣).
(٨٧) انظر: القرطبى: مصدر سابق، روح المعانى: مصدر سابق، الجمل: الفتوحات الإلهية (المعارج تفسير الآية ٣٠).
 
١ ‏/ ٧٦٣
 
الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير: ٨، ٩).
وهو من: وأد، يئد، وأدا، ووأد الموءودة:
دفنها فى القبر وهى حية، وامرأة وئيد ووئيدة: موءودة (٨٨)، أى: مقتولة.
والموءودة هى: الجارية تدفن وهى حية، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب، فيوئدها، أى: يثقلها حتى تموت.
وكان العرب فى الجاهلية يدفنون بناتهم فى التراب أحياء لسببين:
أحدهما: أنهم كانوا يقولون: إن الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به.
الثانى: أنهم كانوا يخافون إما من الحاجة والفقر، وإما من السبى والاسترقاق.
قال ابن عباس: كانت المرأة فى الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة، وتمخضت على رأسها، فإن ولدت جارية، رمت بها فى الحفرة، وردت التراب عليها، وإن ولدت غلاما، حبسته وأبقته. وقال قتادة: كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه.
وحرم الله ذلك (٨٩). وأنزل قوله تعالى:
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (الإسراء: ٣١). كما أنزل قوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .. (الأنعام: ١٥١). وقوله تعالى:
وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟ إلى جانب ما فى الأحاديث النبوية من تحريم ذلك (٩٠).
وهناك ... الوأد الخفى وهو ما كان بسبب العزل عن المرأة؛ لأن من يعزل عن امرأته.
إنما يعزل هربا من الولد. وقد نهى الإسلام عن ذلك- أيضا- وكرهه لهذا السبب.
ففي الحديث (٩١): «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت فى الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئا، ثم سألوه عن العزل، فقال- ﷺ ذلك الوأد الخفى» زاد عبيد الله فى حديثه عن المقرئ، وهى وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ».

٥١ - المودة فى القربى
هذه العبارة (المودة فى القربى) لم ترد فى القرآن الكريم إلا مرة واحدة. وذلك فى قوله تعالى للنبى ﷺ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (الشورى: ٢٣).
والمودّة: المحبّة. قال ابن سيده: ودّ الشيء، ودّا وودّا وودا، وودادة، وودادا وودادا، ومودّة، ومدّة: أحبّه.
(٨٨) محمد فؤاد عبد الباقى: مصدر سابق، ابن منظور: لسان العرب (مادة: وأد).
(٨٩) انظر: القرطبى: مصدر سابق، الجمل: مصدر سابق (التكوير تفسير الآيات ٨، ٩).
(٩٠) تراجع للاستزادة كتب الحديث النبوى الشريف.
(٩١) رواه: مسلم: ك النكاح، باب: جواز الغيلة وكراهة العزل.
 
١ ‏/ ٧٦٤
 
والقربى: القرابة. والقربى: الدنو فى النسب، تقول: بينى وبينه قرابة وقربى.
والقربى: فى الرحم خاصة (٩٢).
ومعنى الآية: قل يا محمد لقومك: لا أطلب منكم أجرا على تبليغ الرسالة والنصح لكم ما لا تعطونيه، إنما أطلب منكم: أن تكفّوا شركم عنى، وتذرونى أبلغ رسالات ربى، فإن لم تنصرونى، فلا تؤذونى، بما بينى وبينكم من القرابة، وقيل: إلا أن تودونى فى قرابتى منكم. وذلك فى الحقيقة ليس أجرا؛ لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب، ولا سيما فى حق الأقارب.
ويلاحظ: أن عبارة (المودة فى القربى) أبلغ من «مودة القربى» وكذلك أبلغ من «المودة للقربى» حيث جعلت القربى فى العبارة مكانا للمودة، ومقرا لها (٩٣).
قال المفسرون: وفى تفسير (المودة فى القربى) أربعة أقوال:
الأول: مراعاة القرابة، وعدم الإيذاء أى:
لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودونى لقرابتى منكم، فإن لم تنصرونى فاحفظوا حق القربى ولا تؤذونى. قال ذلك: ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وأبو مالك، والشعبى، وغيرهم. قال الشعبى: أكثر الناس علينا فى هذه الآية، فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فأجاب بأن رسول الله ﷺ كان واسطة النسب فى قريش، ليس بطن من بطونهم إلا وقد كان بينهم وبينه قرابة، فقال الله: قل لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا إلا أن تودّونى لقرابتى منكم، يعنى: أنكم قومى، وأحق من أجابنى وأطاعنى، فإذ قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق القربى، ولا تؤذونى، ولا تهيجوا علىّ.
الثانى: مودة أقاربكم أى: لا أسألكم عليه أجرا إلا مودّة أقاربكم، وصلة أرحامكم. روى الكعبى عن ابن عباس: أن النبى ﷺ، كانت تنوبه نوائب وحقوق، وليس فى يده سعة.
فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله على يده، وهو ابن اختكم، وجاركم فى بلدكم، فاجمعوا له طائفة من أموالكم؛ ففعلوا، ثم أتوه، فرده عليهم، ونزلت الآية بحثّهم على مودة أقاربهم، وصلة أرحامهم.
الثالث: القرب من الله، عن الحسن ... لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تتوددوا إلى الله، وتتقربوا إليه بالطاعة، والعمل الصالح.
الرابع: المودة فى قرابتى وأهل بيتى، عن سعيد بن جبير: لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوا قرابتى وأهل بيتى. عن ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين نودهم؟ قال: «على وفاطمة وأبناؤهما».
(٩٢) محمد فؤاد عبد الباقى: مصدر سابق، المعجم الوجيز، ابن منظور: اللسان (مادة: ودد، مادة: قرب).
(٩٣) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، النيسابورى: غرائب القرآن (الشورى تفسير الآية ٢٣) الفيروزآبادى: بصائر ذوى التمييز ٤/ ٢٥٣.
 
١ ‏/ ٧٦٥
 
٥٢ - الهداية
الهدى والهداية فى اللغة: شىء واحد، ولكن فى اصطلاح الشارع يختلفان.
فالهدى: ما تولاه الله وأعطاه، واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان، كما فى قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة: ٥) وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى (الأنعام: ٧١).
والهداية والاهتداء: ما تحرّاه الإنسان وطلبه على طريق الاختيار، إما فى الأمور الدنيوية، كما فى قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها (الأنعام: ٩٧) وإما فى الأمور الأخروية، كما فى قوله تعالى:
فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (البقرة: ١٥٠).
والهداية: دلالة بلطف، قال تعالى لموسى ﵇ اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (النازعات: ١٧ - ١٩) ولا يمنع من هذا ما ورد على سبيل الاستهزاء من الله تعالى والتهكم بالكافرين فى مثل قوله تعالى:
فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (الصافات: ٢٣).
وهداية الله للإنسان .. على أربعة أوجه:
الأول: الهداية العامة، التى تشمل كل مكلف، من العقل، والفطنة، والمعارف الضرورية، التى أعمّ منها كل شىء بقدر فيه، حسب احتماله، وهى المقصودة فى قوله تعالى رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (طه: ٥٠).
الثانى: الهداية التى جعل الله للناس، بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء، وإنزال القرآن، ونحو ذلك، وهى المقصودة فى قوله تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (الأنبياء: ٧٣).
الثالث: الهداية، التى هى التوفيق الذى يختص به من اهتدى كما فى قوله تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً (مريم: ٧٦).
الرابع: الهداية فى الآخرة إلى الجنة، كما فى قوله تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ (الأعراف: ٤٢، ٤٣).
وأما هداية الإنسان لغيره، فلا يقدر عليها أحد إلا بالدعاء وتعريف الطرق، دون سائر أنواع الهدايات، يقول تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى: ٥٢).
 
١ ‏/ ٧٦٦
 
هذا وكل هداية ذكر الله- ﷿ أنه منع منها الظالمين والكافرين، فهى الوجه الثالث والوجه الرابع مما ذكر آنفا، نحو قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (آل عمران: ٨٦). [(٩٤)]
وكل هداية نفاها الله- ﷿ عن النبى ﷺ، وعن البشر، وذكر أنهم غير قادرين عليها، فهى كل ما عدا الوجه الثانى، مما ذكر، كما فى قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (البقرة: ٢٧٢) وقوله تعالى (٩٥): إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (القصص: ٥٦).

٥٣ - الوادى المقدس
أصل الوادى: الموضع الذى يسيل فيه الماء، ومنه سمى كل مفرج بين جبلين واديا؛ مسلكا للسيل ومنفذا، والمقدس: المطهر، أو المبارك.
والوادى المقدس: أى هو هذا المكان المطهر الذى أوحى الله فيه إلى موسى ﵇، وقد حدده القرآن الكريم، وبين اسمه، فى قوله ﵎: بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وعلى هذا: فالوادى المقدس هو طوى، وطوى:
جبل بالشام، وقيل: هو واد فى أصل الطور (٩٦).
وقد ذكر هذا (الوادى المقدس) فى القرآن الكريم: مرتان (٩٧). فى قوله- ﷿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (طه: ١٢) وفى قوله ﵎: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (النازعات:١٥، ١٦).
أ. د. عبد الحى الفرماوى
(٩٤) انظر: الواحدى: أسباب النزول، القرطبى: مصدر سابق، النيسابورى: مصدر سابق، الآلوسي: روح المعانى (الشورى تفسير الآية ٢٣).
(٩٥) انظر: الراغب الأصفهانى: مفردات ألفاظ القرآن، وابن منظور: لسان العرب، محمد فؤاد عبد الباقى: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم (مادة: هدى)، القرطبى: الجامع لأحكام القرآن (تفسير الآيات المذكورة).
(٩٦) الراغب: المفردات (كتاب الواو، مادة: وادى) القرطبى: مصدر سابق (سورة طه تفسير الآية ١٢) ابن منظور: اللسان (مادة: ودى، مادة: طوى).
(٩٧) محمد فؤاد عبد الباقى: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن (مادة: طوى، مادة: قدس، مادة: واد).
 
١ ‏/ ٧٦٧
  

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية