الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الحج | فقه العبادات على المذهب الحنفي

كتاب الحج | فقه العبادات على المذهب الحنفي

الكتاب: فقه العبادات على المذهب الحنفي
المؤلف: الحاجة نجاح الحلبي
[الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]
عدد الصفحات: ٢١٠
الموضوع: علم الفقه، الشريعة، الفروع


فهرس الموضوعات
  1. كتاب الحج
  2. الباب الأول (تعريف الحج وشروطه) .
  3. الباب الثاني (أركان الحج) .
  4. الباب الثالث (واجبات الحج) .
  5. الباب الرابع (سنن الحج وآدابه) .
  6. الباب الخامس [أوجه تأدية الحج، التحلل، الحج عن الغير]
    1. الفصل الأول: أوجه تأدية الحج
    2. الفصل الثاني: التحلل
    3. الفصل الثالث: الحج عن الغير
  7. الباب السادس (العمرة) .
  8. الباب السابع (الجنايات) .
  9. الباب الثامن (الإحصار) .
  10. الباب التاسع (الهدي) .
    1. فصل في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
  11. نهاية الكتاب
  12. العودة إلي كتاب  فقه العبادات على المذهب الحنفي لـ نجاح الحلبي 

 

 كتاب الحج
 

 الباب الأول (تعريف الحج وشروطه) .
 
١٧٦
 
لغة: القصد إلى معظَّم.
شرعًا: زيارة مكان مخصوص، في زمن مخصوص، بفعل مخصوص.
ويقصد بالمكان المخصوص: الكعبة وعرفات.
وبالزمن المخصوص: الوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة، والطواف بالبيت فجر يوم النحر إلى ما بعده.
والفعل المخصوص: الإحرام بنية الحج وباقي الأركان.
حكمه:
أ - هو ركن من أركان الإسلام، وفرض عين على كل مستطيع، يكفر جاحده، وهو عبادة مالية وبدنية.
دليل فرضيته:
ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع.
من الكتاب: قوله تعالى: ﴿ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ (١) .
ومن السنة: حديث ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) (٢) .
وقد انعقد إجماع الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين إلى يومنا هذا على أن الحج فريضة مُحْكَمة.
وهو فرض في العمر مرة واحدة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة ﵁ قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال: (أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله ﷺ: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم) (٣) .
وما روي عن علي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من ملك زادًا وراحلة تُبلِّغه إلى بيت الله ولم يحج (٤) فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا. وذلك أن الله يقول في كتابه: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾) (٥) .
وقيل هو فرض مرة في العمر على الفور (٦) إذا توفرت شروط وجوبه، فإن أخره عن أول عام استطاع فيه أثم بالتأخير. ولو أخَّره سنين ثم حجَّ اعتبر أداء لا قضاء، لأن دليل الفورية ظني، وهو أن الحج له وقت معين في السنة والموت خلال سنة غير نادر.
ب - واجب:
-١ - يجب على الآفاقي إذا أراد دخول مكة واجتاز الميقات أن يختار أحد النسكين ويُحرم به، فإن كان وقت الحج واختاره وجب عليه، لحديث ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ قال: (لا تجاوز الموقت إلا بإحرام) (٧) . وسبب وجوب الإحرام تعظيم تلك البقعة الشريفة. ويستوي في ذلك التاجر والمعتمر، فإن اجتاز الميقات بغير إحرام وجب عليه دم ما لم يَعُد إلى الميقات ويُحَرم منه بأحد النسكين.
-٢ - يجب إتمامه بعد الإحرام به متطوعًا، بدليل قوله تعالى: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ (٨) .
جـ - سنة: إن نواه متطوعًا.
د - مكروه:
-١ - إذا أحرم به دون إذن من له ولاية عليه.
-٢ - إذا حجت المرأة بدون مَحرم.
هـ - محرم: إن حج بمال حرام، لكن يسقط عنه الفرض ولا يثاب بسبب المال الحرام.
(١) آل عمران: ٩٧.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب الإيمان باب ٢/‏٨.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧٣/‏٤١٢.
(٤) لم يحجَّ: أي حتى مات ولا عذر له.
(٥) الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ٣/‏٨١٢.
(٦) عند أبي يوسف ﵀، وعن أبي حنيفة ﵁ ما يدل عليه. وعند محمد الشافعي رحمهما الله على التراخي.
(٧) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٢١٦، رواه الطبراني في الكبير.
(٨) البقرة: ١٩٦.
 
١٧٧
 
شروط الحج:
أولًا - شروط وجوب الحج:
وهي الشروط التي إن توفرت في شخص وجب عليه الحج مطلقًا، بنفسه، أو بالإحجاج عنه، أو يوصي بالحج إن مات ولم يحج. أي يترتب عليه ثبوت الحج دَيْنًا في ذمته.
وهذه الشروط هي:
-١ - الإسلام، لأن الكافر غير مخاطب بالتكاليف.
-٢ - العقل والبلوغ: فلا يجب الحج على المجنون ولا على الصغير، ولو حجا ونوى عنهما وليهما صح الحج تطوعًا ولا تسقط فريضة حجة الفريضة، فلو بلغ الصبي أو أفاق المجنون وجبت عليهما الفريضة، لما روي عن ابن عباس ﵄ ورفعه إلى النبي ﷺ قال: (أيُّما صبي حج، ثم بلغ الحنث، فعليه أن يحج حَجُّة أخرى) (١) . وإذا بلغ قبل الخروج إلى عرفات، فله أن يجدد النية من أقرب ميقات، وتجزئه عن حجة الإسلام. أما المعتوه فهو مكلف بالعبادات احتياطًا.
-٣ - الحرية: فلا يجب الحج على العبد ولو مُدَبَّرًا (٢) أو مكاتبًا أو أم ولد، لأن فرض الحج لا يتأتى إلا بالمال ولا ملك لهؤلاء، وحتى لا يفوت حق السيد مدة الحج. ولو حج العبد انعقد حجه تطوعًا، لما روي عن ابن عباس ﵄ رفعه - قال: (وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى) (٣) .
-٤ - العلم بفرضية الحج، إن كان في غير دار الإسلام، بإخبار عدل، أو مستورين، أو رجل وامرأتين. أما إن كان في دار الإسلام فيجب عليه الحج ولو لم يعلم بفرضيته سواء أنشأ مسلمًا أو لا.
-٥ - الاستطاعة: لقوله تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا﴾ (٤) وتتحقق الاستطاعة بالأمور التالية:
-١ - صحة البدن بالسلامة من الأمراض والعمى والعاهات المانعة من القيام بما لا بد منه في السفر. فإذا ملك المريض زادًا وراحلة وجب عليه أن يستنيب عند الصاحبين، وعند الإمام: لا يجب الحج على المرضى وأصحاب العاهات، لأنه يعتبر الصحة الجسدية من شروط الوجوب (وثمرة الاختلاف في الإيصاء والاستنابة) . ولو حج سقط عنه الفرض اتفاقًا. وإذا ملك من يحمله ويضعه وجب عليه الحج، أو الاستنابة وتجزئه ما دام عاجزًا، فإذا زال عجزه أعاد الحج.
-٢ - مُلك الزاد والراحلة والنفقة ذهابًا وإيابًا، وذلك لما روي عن عبد الله بن عمر ﵄ قال: قيل يا رسول الله ما السبيل إلى الحج؟ قال: (الزاد والراحلة) (٥) .
ويشترط أن يكون الزاد والراحلة زائدين عن حوائجه الأصلية التي هي: وفاء الدَّين، والمسكن، والملبس، والمواشي، والكتب لمن هو من أهلها، وآلات الحِرْفة، والسلاح، ونفقة الزواج حتى قيل بوجوبه عند التّوقان.
كما يشترط أن يكونا زائدين عن مؤونة بيته، ونفقة عياله، ومن تجب عليه نفقتهم مدة غيابه إلى أن يعود وقيل حتى بعد عودته بشهر، لحديث عبد الله بن عمرو ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت) (٦) . والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى.
-٣ - أمن الطريق وقت الخروج إلى الحج، فغلبة السلامة ولو بالرشوة شرط لوجوب الحج (إذ يجب أن يدفع هو لاضطراره لأداء الفريضة والإثم على الآخذ) إذا لم يتحقق الأمن إلا بالدفع، فإن قتل بعض الحجاج فلا سلامة. ولو تمكن من الأمن بدفع ضريبة وجب عليه الحج والدفع.
-٤ - عدم الحَبْس.
-٥ - توفر المَحْرَم للمرأة زوجًا كان أو غيره غير مجوسي (لأنه قد يستبيح زواجها ولو كان أباها) ولا فاسق. وإن كانت شابة فلا تسافر مع صهرها ولا أخيها من الرضاع. وأن يكون المحرم عاقلًا بالغًا، والمراهق كالبالغ، لما روي عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا مع ذي محرم) (٧) .
وتجب عليها نفقة المحرم إن أمكنها ولم يتيسر لها محرم بدون إنفاق. وليس للزوج منعها من حَجَّة الفرض إذا وجدت محرمًا، ولا يجب عليها التزوج من أجل الحج. ولا يجوز لها الخروج مع جماعة النساء ولو كن ثقات. وإذا حجت المرأة بدون محرم صح حجها وسقطت الفريضة لكن مع الكراهة التحريمية، أي لا يكون حجها مبرورًا.
-٦ - أن لا تكون المرأة معتدَّة من طلاق أو وفاة وقت خروج الناس للحج، أما لو أدركتها العِدَّة أثناء الطريق، فإن كان طلاقًا رجعيًا لا يفارقها زوجها وتتم حجها، أما إن كان بائنًا أو عِدَّة وفاة فيُفرَّق:
أ - إن كانت تبعد عن بلدها أقل من مسافة سفر القصر، رجعت وأمضت عدّتها في بيتها.
ب - إن كانت تبعد عن بلدها أكثر من مسافة سفر القصر، وهي آمنة في مكانها، تبقى حيث هي فتقضي عدتها ولا تتابع حجها ويكون حكمها حكم المُحْصَر.
جـ - إن كان بينها وبين بلد المَقْصَد أقل من مسيرة ثلاثة أيام وجب إتمام الحج.
-٧ - توفر الاستطاعة وقت الحج؛ فلو توفرت بعد وقت الحج لم تجب عليه في تلك السنة.
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ١٧٩.
(٢) العبد المُدَبّر: هو المُعَلّق عِتقه بموت سيده.
(٣) البيهقي: ج ٥ / ص ١٧٩.
(٤) آل عمران: ٩٧.
(٥) البيهقي: ج ٤ / ص ٣٢٧.
(٦) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٤٥/‏١٦٩٢.
(٧) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧٤/‏٤١٧.
 
١٧٨
 
تعقيبات:
-١ - من كان عنده مال وعليه زكاة وكفارات، يلزمه تقديم الحج.
-٢ - من كان بيته واسعًا، بحيث لو باع قسمًا منه لكفى ثمنه للحج، لا يلزمه ذلك وإن كان أفضل.
-٣ - من كان عنده مال ويريد الزواج، لكن أدركه الحج قبل الزواج، فيحج أولًا.
ثانيًا - شروط صحة الأداء:
-١ - الإسلام: سواء باشره بنفسه أو فعله عن غيره، فلا يصح الحج من الكافر ولا يصح عنه.
-٢ - التمييز والعقل: فإذا حج صبي مميز وقام بأعمال الحج صح حجه، لكن لا تسقط عنه الفريضة. أما إن كان غير مميز أو مجنونًا فلا يصح الحج منهما ولا يصح إحرامهما، وعلى الولي أن يقوم بالإحرام عنهما، وأن يجردهما من الملابس قبل الإحرام عنهما؛ ويلبسهما الإزار والرداء، وأن يحضرهما المواقف؛ فيطوف ويسعى بهما ويأخذهما إلى عرفة.
-٣ - مباشرة الأفعال في زمن مخصوص، وهو وقت طواف الزيارة ووقت الوقوف بعرفة. ولا يصح من أفعال الحج شيء قبل أشهر الحج إلا الإحرام فيصح مع الكراهة.
-٤ - مباشرة الأفعال في مكان مخصوص، وهو أرض عرفة للوقوف بها، والمسجد الحرام لطواف الزيارة.
-٥ - الإحرام.
-٦ - عدم الجماع بين الإحرام ووقوف عرفة، فإن فعل فسد حجه، ويمضي في فاسده وعليه الحج من قابل.
 
١٧٩
 
الباب الثاني (أرْكَان الحجّ) .
 
١٨٠
 
الركن الأول - الإحرام:
معنى الإحرام:
لغة: هو مصدر من أَحرم، أي دخل في حرمة لا تُنتهك (أي في ذِمَّة) .
شرعًا: الدخول في حُرُمات مخصوصة؛ أي التزامها. وقد عرَّفه البعض بأنه النية مع التلبية.
حكمه: هو فرض يجمع بين الشرط والركن. فهو شرط ابتداء، لذا يصح قبلا أشهر الحج مع الكراهة. وله معنى الركن، لأنه لو فاته الحج في العام الذي أحرم فيه حَلَّ بعمرة ثم يقضي في العام القادم بإحرام جديد، ولأنه في الوقت نفسه داخل في أفعال الحج.
شروط تحقق الإحرام:
-١ - النية: وهي قصد القلب الدخول بالحج أو العمرة، لحديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) (١) . وإذا أبهم الإحرام فلم يعين ما أحرم به جاز، لكن عليه التعيين قبل أن يَشرع في الطواف، فإن أُحصِر أو فسد إحرامه قبل التعيين صرف العمرة، ولا يصرف للحج إلا إذا عينه قبل أن يبدأ بالأفعال. ولو وقف بعرفة قبل الطواف تعين إحرامه للحج. ولو أطلق نية الحج صرف للفرض، وإن عين نفلًا صار نفلًا، إلا عند محمد إن عين نفلًا ولم يكن قد حج للفرض صرف للفرض. وبناء على هذا يجوز عند الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف أن يحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه، ولا يجوز عند الإمام محمد ولو حج عن غيره ولم يكن قد حج عن نفسه انصرفت الحَجة له.
ويستحب التلفظ بالنية وكماله أن يقول: نويت الحج وأحرمت به لله تعالى.
كما يستحب أن يقرن النية بالدعاء فيقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبَّلْه مني (٢) . ويسن أن يذكر ما نواه أثناء التلبية، فعن أنس ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (لبيك عمرة وحجًا) (٣) .
-٢ - الذكر وهو التلبية أو ما يقوم مقامها ويسمى بالخصوصية. فلو نوى ولم يذكر لا يصير محرمًا.
شروط تحقق الذكر:
-١ - أن يكون مقرونًا بالنية للمرة الأولى.
-٢ - أن يتلفظ به لسانه، وقيل: حتى الأخرس يلزمه تحريك لسانه، ولا يشترط أن يكون بالعربية فيصح بغيرها.
-٣ - أن يكون بالصيغة التالية:»لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) (٤) . ويكره تحريمًا أن يُنقِص عن هذه الصيغة.
ويسن في التلبية:
-١ - أن يزيد على الصيغة السابقة وخاصة بالمأثور، فعن عبد الله بن عمر ﵄ قال: «كان عمر بن الخطاب ﵁ يهل بإهلال رسول الله ﷺ من هؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل» (٥) . وعن أنس ﵁ قال: «كانت تلبية النبي ﷺ لبيك حجًا حقًا تعبدًا ورقًا» (٦) . وعن ابن عباس ﵄ (أن رسول الله ﷺ وقف بعرفات، فلما قال لبيك اللهم لبيك. قال: إنما الخير خير الآخرة) (٧) .
-٢ - أن يرفع الصوت بها، لما روى خلاد بن السائب عن أبيه ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية) (٨) .
-٣ - أن يكررها دائمًا، لحديث جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ما من محرم يَضْحَى لله يومه، يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه) (٩) .
ما يقوم مقام الذكر: تقليد بدنة، وهو ما يسمى بالخصوصية. ويشترط في التقليد (١٠) اقترانه بالنية.
(١) البخاري: ج ١ / كتاب بدء الوحي باب ١/‏١.
(٢) طلب التيسير لوجود المشقة وطول زمن الحج، وطلب القبول اقتداء بإبراهيم وإسماعيل ﵉: ﴿ربنا يقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾ فهما طلبا ذلك في بناء البيت، والعبادة في المساجد عمارة لها ناسبها هذا الدعاء.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٤/‏٢١٥.
(٤) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٢٥/‏١٤٧٤.
(٥) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣/‏٢١.
(٦) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٢٢٣.
(٧) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٢٢٣.
(٨) الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ١٥/‏٨٢٩.
(٩) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ١٧/‏٢٩٢٥.
(١٠) التقليد: هو ربط عنق البدنة (بقر أو جمل)، ولا يجزئ تقليد الشاة.
 
١٨١
 
واجبات الإحرام:
-١ - الإحرام من الميقات.
-٢ - اجتناب محظورات الإحرام.
أولًا - الإحرام من الميقات:
الميقات لغة: الحدّ، وشرعًا: زمن العبادة ومكانها.
وميقات الإحرام الزماني: أشهر الحج: شوال وذو العقدة وعشر ليال من ذي الحجة. ودليله: قوله تعالى: ﴿الحج أشهر معلومات﴾ (١) .
ويجوز الإحرام في غير هذه الأشهر مع الكراهة.
وأما الميقات المكاني للإحرام فيختلف باختلاف الجهة التي يأتي منها الحاج:
-١ - بالنسبة للآفاقي (٢): يحرم الآفاقي من أحد المواقيت التالية حسب جهة قدومه:
-١ - ذو الحُلَيْفَة: وهو ميقات أهل المدينة ومن جاء منها. وبينها وبين مكة تسع مراحل، وهو أبعد المواقيت عن مكة.
-٢ - الجُحْفَة: وهي ميقات أهل الشام ومصر، ومن مرّ عليهما من غير أهلهما. وقد أبدلت اليوم برابغ.
-٣ - يَلَمْلَم: وهو ميقات أهل اليمن وتهامة والهند. ويلملم جبل صغير على بعد مرحلتين من مكة.
-٤ - قَرْن المنازل: وهو ميقات أهل نجد والحجاز، وهو جبل مشرف على عرفات على بعد مرحلتين منه.
-٥ - ذاتُ عِرْق: وهي ميقات أهل العراق وسائر أهل المشرق، وهي قرية على بعد مرحلتين من مكة، وسميت بذلك لوجود جبل فيها يسمى عِرقًا يشرف على وادي العقيق.
وهذه المواقيت لأهل الجهات ولمن مر بها أو حاذاها جوًا. والأفضل للآفاقي أن يحرم دُوَيْرَة أهله إذ أن ذلك من تمام الحج.
-٢ - لمن هو داخل المواقيت وخارج مكة: من حيث أنشأ الحج، أي ميقاته الحل.
-٣ - لأهل مكة: الحرم.
ودليل تحديد المواقيت حديث ابن عباس ﵄ قال: (وقت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحُلَيفة، ولأهل الشام الجُحْفَة، ولأهل نجد قَرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم. فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمُهلُّهُ من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يُهلّون منها) (٣) .
(١) البقرة: ١٩٧.
(٢) الآفاقي: هو من كان خارج المواقيت التي حددها رسول الله ﷺ.
(٣) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩/‏١٤٥٤.
 
١٨٢
 
حكم الإحرام لاجتياز الميقات:
-١ - إذا كان آفاقيًا قاصدًا مكة لنسك أو غيره، فيجب أن لا يتجاوز الميقات إلا محرمًا، وإلا وجب عليه دم وكان آثمًا؛ إلا أن يعود إلى الميقات فيُحرِم منه قبل أن يبدأ بالمناسك، أو يحرم من مكة ويعود إلى الميقات ملبيًا.
-٢ - أما لو كان آفاقيًا وجاء يقصد الإقامة بجدة مثلًا، ولا يريد نُسَكًا ولا يريد دخول مكة، فله أن يتجاوز الميقات بدون إحرام ولا شيء عليه.
وأما من كان داخل الميقات فله أن يدخل مكة بدون إحرام ومتى شاء.
ثانيًا - اجتناب محظورات الإحرام:
من واجبات الإحرام اجتناب محظورات الإحرام إلا الجماع فهو إن وقع مفسد للحج أصلًا إذا كان قبل الوقوف بعرفة.
ومحظورات الإحرام هي:
-١ - ما يتعلق منها باللباس:
أ - بالنسبة للرجل:
-١ - يحرم على الرجل لبس ما يحيط ببدنه، سواء نتيجة غرز أو لصق أو نسج، أو أي ثوب لبسًا معتادًا كالقميص والسراويل والعمامة والقباء. لما روي عن ابن عمر ﵄ أن رجلًا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله ﷺ: (لا يلبس القُمُص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبِس خفين وليقطعهما أسفل الكعبين..) (١) . أما إذا لم يكن اللبس على الهيئة المعتادة، كأن ألقيت عليه عباءة وهو نائم فلا مانع. وإذا وضع العباءة على كتفيه دون أن يزرِّر أو يدخل يديه في كميها فيكره، وإن زرّر يحرم.
-٢ - يحرم على الرجل لبس الخفين إلا أن لم يجد النعلين فيقطع الخفين أسفل الكعبين ثم يلبسهما للحديث المتقدم.
-٣ - يحرم عليه لبس القفازين.
-٤ - يحرم ستر الرأس والوجه، لما روي عن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: (إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه) (٢)، وروي عنه أيضًا أنه كان يقول: «ما فوق الذقن من الرأس فلا يُخمره المحرم» (٣) . وسواء في الحرمة تغطية بعض الوجه أو الرأس أو كله. ولا يجوز للرجل أن يحمل فوق رأسه شيئًا اعتاد الناس أن يغطوا رؤوسهم به. أما لو حمل عِدْلًا (٤) فلا بأس، والمعتمد في الحرمة هو القصد.
ويكره تحريمًا أن يُدخِل رأسه تحت أستار الكعبة، وإن طال لمدة يوم وليلة ففيه دم. ويكره عصب الرأس ولو فعله يومًا وليلة ففيه صدقة.
وتجوز تغطية وجه الميت ورأسه إن مات مُحرِمًا لانقطاع الإحرام بالموت، بدليل ما روي عن بعض أهل العلم قوله: «إذا مات انقطع إحرامه ويصنع به كما يصنع بغير المحرم» (٥) .
وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له) (٦) . أما قوله ﷺ في المحرم الذي وَقَصَته دابته: (لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا) (٧) فهو مخصوص به لإخبار رسول الله ﷺ عنه، أما غيره فقد انقطع إحرامه بالموت.
ب - بالنسبة للمرأة:
يجوز للمرأة لبس المخيط والثياب المعتادة لكن:
-١ - يحرم عليها ستر وجهها بساتر يَلْمَسُ البشرة. أما إن كان الساتر متجافيًا بحيث لا يمسّ الوجه فلا مانع منه. لما روي عن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: (ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ...) (٨) .
-٢ - يندب لها عدم لبس القفَّازين.
-٢ - ما يتعلق منها بالبدن:
-١ - إزالة الشعر: فلا يصح للمحرم أن يزيل شيئًا من شعر رأسه وجسده كيفما كان حلقًا أو قصًا أو نتفًا، ولا يحلق رأس غيره ولو كان حلالًا، ولا يمكِّن غيره أن يحلق له. إلا شعرة نبتت في العين فلا شيء في إزالتها. وذلك لقوله تعالى: ﴿ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي مَحِلَّه﴾ (٩)، ولأن فيه إزالة الشَّعث (١٠)، روي عن ابن عمر ﵄ قال: قام رجل إلى النبي ﷺ فقال: ما الحاج؟ قال النبي ﷺ: (الشَّعِث التَّفِل) (١١) .
-٢ - التطيب: ويقصد به استعمال الطيب في الثوب والبدن وإن لم يقصده فلا يجوز أن يستعمل طلاءً للتداوي إن كان مطيبًا، ولا يغسل بصابون إن كان معطرًا، ولا يلبس ثوبًا مُعَصْفرًا أو مُطَيَّبًا، لما روي عن ابن عمر ﵄ أن رجلًا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله ﷺ: (... ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه الزعفران أو الورس) (١٢) . أما الثياب المبخرة فلا شيء فيها. كما يكره شمّ الطيب، لما روى البيهقي بسنده عن جابر بن عبد الله ﵄ «أنه سئل عن الريحان أيشمه المحرم، والطيب، والدهن، فقال: لا» (١٣) . كما لا يجوز للمحرم أن يشرب ما خالطه طيب إن كان غالبًا كالقهوة مع الهيل.
-٣ - الادِّهان: فلا يجوز للمحرم أن يَدْهن رأسه بزيت أو غيره فيما يستعمل للتطيَّب والتزيّن، إلا إذا كان للتداوي فيجوز. كما يجوز دهن جسمه بما ليس بطيب كالفازلين أو غيره. ويجوز أكل الزيت مطلقًا.
-٤ - إزالة الأظافر: أي قطعها، ولو واحدًا بنفسه أو غيره، أو قَلْمُ ظُفرِ غيره. إلا إذا انكسر بحيث لا ينمو فلا بأس بإزالته، لما روي عن ابن عباس ﵄ أنه قال في المحرم: «... وإذا انكسر ظفره طرحه» (١٤) .
-٣ - ما يتعلق بالأفعال:
-١ - الرفث: وهو الجماع، أو ذِكره وخاصة بحضرة النساء. والمحرَّم هو فعل الجماع وليس العقد، فيجوز للمحرم أن يعقد لنفسه أو لغيره. قال تعالى: ﴿فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾ (١٥) .
-٢ - الفسوق: وهي المعاصي، وتركها في غير الحج واجب وفي الحج أوجب. روي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (ومن حج هذا البيت فلم يَرْفُث ولم يفْسُق رجع كيوم ولدته أمه) (١٦) .
-٣ - الجدال: وهو الخصومة مع الرفقاء والخدم والمُكَارين (١٧)، لقوله تعالى: ﴿فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾ .
-٤ - صيد البر: يحرم على المحرم قتل صيد البر (١٨) سواء أكان مأكولًا أم لا، بدليل قوله تعالى: ﴿أُحِلَ لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرمًا﴾ (١٩)، وقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم﴾ (٢٠) .
ولا يجوز للمحرم أن يشير إليه ولا يدل عليه لأن الدلالة والإشارة في معنى الصيد من حيث إزالة الأمن عن الحيوان، وكذلك لا يجوز له أن يكسر بيض الحيوان لأنه أصله.
أما إذا اصطاد غير محرم فيجوز للمحرم أكله إذا لم يعنه، لما روي عن عبد الله بن أبي قتادة قال: كان أبو قتادة في نفر محرمين وأبو قتادة محل. واقتص الحديث وفيه «أنه اصطاد حمار وحش فسألوا رسول الله ﷺ عن أكله» قال: (هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء، قالوا: لا يا رسول الله. قال: فكلوا) (٢١) .
-٥ - يحرم على المحرم قتل الهوامّ والقمل، لأن فيه إزالة الشعّث. ويجوز له قتل البراغيث والبقّ والذُّباب والحية والعقرب والفأرة والذئب والغراب والحَدَأة، لأنها ليست صيدًا ولا متولدة من البدن وليس في قتلها إزالة الشّعث، ولأن منها ما هو مؤذٍ ويبتدئ بالإيذاء ولأن المحظور التعرض للحيوانات الآمنة لا دفع أذاها. ودليل ما روي عن عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أنه قال: (خمس فواسق يُقتَلْن في الحِلِّ والحرم: الحية والغراب الأبقع (٢٢) والفأرة والكلب العقور (٢٣) والحديا) (٢٤)
-٦ - يحرم على المحرم قطع شجر الحرم إلا الإِذْخر، لأنه محظور على الحلال فهو على المحرم أولى. وذلك لما روي عن ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ قال: إن الله حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحِلَّت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها، ولا يُعْضَد شجرها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لُقَطَتُها إلا لمعَّرف وقال العباس: يا رسول الله إلا الإِذخِرَ، لصاغتنا وقبورنا. فقال: إلا الإِذخِر) (٢٥) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٢٠/‏١٤٦٨.
(٢) الدارقطني: ج ٢ / ص ٢٩٤.
(٣) الموطأ: ص ٢٢٤.
(٤) العدْل: المتاع.
(٥) الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ١٠٥.
(٦) سنن الدرامي: ج ١ / ص ١٣٩.
(٧) البخاري: ج ١ / كتاب الجنائز باب ١٩/‏١٢٠٦.
(٨) البخاري: ج ١ / كتاب الإحصار باب ٢٤/‏١٧٤١.
(٩) البقرة: ١٩٦.
(١٠) الشَّعِث: من كان ذا شعر مُغبر متلبد.
(١١) البيهقي: ج ٥ / ص ٥٨.
(١٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٢٠/‏١٤٦٨.
(١٣) البيهقي: ج ٥ / ص ٥٧.
(١٤) البيهقي: ج ٥ / ص ٦٢.
(١٥) البقرة: ١٩٧.
(١٦) البخاري: ج ٢ / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب ١١/‏١٧٢٤.
(١٧) المُكَاري: المستأجر.
(١٨) البري: ما كان مسكنه في البر ويعيش في البر.
(١٩) المائدة: ٩٦.
(٢٠) المائدة: ٩٥.
(٢١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٨/‏٦٤.
(٢٢) أُحِل قتله لأنه يأكل الجيف ولا يؤكل لحمه.
(٢٣) يمثل الكلب العقور كل سبع صائل.
(٢٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩/‏٦٧.
(٢٥) البخاري: ج ٢ / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب ٢٠/‏١٧٣٦.
 
١٨٣
 
ما يباح للمحرم:
-١ - صيد البحر بكل أنواعه، لقوله تعالى: ﴿أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة﴾ .
-٢ - ذبح الإبل والبقر والغنم لأنها ليست صيدًا، ودليل ذلك ما روي عن ناجية الخزاعي ﵁ صاحب بدن رسول الله ﷺ قال: (قلت يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن. قال: انحرها) (١) .
-٣ - الاغتسال لأنه قد يحتاج إليه من الجنابة، لكن يحترز من سقوط الشعر أو القمل. وقد روي عن عبد الله بن حنين أنه سأل أبا أيوب الأنصاري ﵁ كيف كان رسول الله ﷺ يغسل رأسه وهو محرم. قال: «فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه: اصبب. قال: فصب على رأسه ثم حرك أبو أيوب رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر. ثم قال: هكذا رأيته يفعل ﷺ» (٢) . فإن سقطت شعرة ففيها شيء من طعام، وفي ثلاث شعرات كفّ من بُرّ.
-٤ - يجوز للمحرم أن يقف تحت سقف أو يستظل بظل لا يلامس رأسه، فعن أم الحصين ﵂ قالت: «حججت مع رسول الله ﷺ حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالًا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي ﷺ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة» (٣) .
-٥ - يجوز له أن يشدّ وسطه بزُنّار، وأن يحمل سلاحه ويقاتل عدوه إن قاتله.
-٦ - يجوز له الاختتان والاحتجام، وقلع ضرسه، أو حكّ بدنه ورأسه، أو جبر كسره. وذلك لما روي عن ابن عباس ﵄ (أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم) (٤)، وعنه أيضًا قال في المحرم: (... ويدخل الحمام، وينوع ضرسه، ويفقأ القرحة، وإذا انكسر ظفره أماط عنه الأذى) (٥) .
(١) الترمذي: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧١/‏٩١٠.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٣٨/‏١٨٤٠.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٥١/‏٣١٢.
(٤) أبو داود: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٦/‏١٨٣٥.
(٥) البيهقي: ج ٥ / ص ٦٣.
 
١٨٤
 
سنن الإحرام:
يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة ما يلي:
-١ - أن يقلّم أظافره، ويقصّ شاربه، ويحلق عانته.
-٢ - أن يغتسل ويتوضأ، لما روى خارجة بن زيد عن أبيه ﵁ (أنه رأى النبي ﷺ تجرد لإهلاله واغتسل) (١) . والمقصود بهما هنا النظافة مطلقًا، لذا يستحب للحائض والنفساء أن تغتسل وتتوضأ، لحديث جابر ﵁ في صفة حج النبي ﷺ قال: (فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر. فأرسلت إلى رسول الله ﷺ كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي) (٢) .
-٣ - أن يلبس إزارًا ورداء أبيضين جديدين أو مغسولين طاهرين، لحديث ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: (ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) (٣)، ولأن رسول الله ارتدى عند إحرامه الجديد، وقال فيما رواه عنه ابن عباس ﵄: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم) (٤) .
-٤ - أن يُطَيِّب بدنَه قبل الإحرام، لما روت عائشة ﵂ قالت: (كنت أطيِّب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم) (٥)، وعنها أيضًا قالت: (كأني أرى وبيص الطيب في مَفرق رسول الله ﷺ بعد ثلاثة وهو محرم) (٦) . أي لا يضر بقاء أثر الطيب، من لون وريح، على البدن بعد الإحرام. أما الثوب فيضر.
-٥ - أن يصلي ركعتين قبل إحرامه بنية سنة الإحرام، إذا لم يكن الوقت وقت كراهة، لما روى نافع قال: «كان ابن عمر ﵄ إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال: هكذا رأيت النبي ﷺ يفعل» (٧) . وتجزئ عنهما الفريضة.
-٦ - أن يكثر من التلبية بعد كل صلاة، وكلما علا شَرَفًا، أو هبط واديًا، أو لاقى صاحبًا، أو دخل في وقت السَّحر. لما روى جابر ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ يلبي إذا رأى راكبًا أو صعد أكمة، أو هبط واديًا، وفي إدبار المكتوبة، وآخر الليل) . ويستحب أن يرفع صوته بها، لما روي عن أبي بكر الصديق ﵁ أن النبي ﷺ سئل أي الحج أفضل؟ قال: (العَجُّ والثَّجُّ) (٨) . والعج هو رفع الصوت بالتلبية لأنه شعار الحجاج، والثّج هو إسالة الدم بالذبح لنفع أهل الحرم.
(١) الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ١٦/‏٨٣٠.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٣) مسند الإمام أحمد: ج ٢ / ص ٣٤.
(٤) الترمذي: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ١٨/‏٩٩٤.
(٥) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ١١/‏١٧٤٥.
(٦) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ١٨/‏٢٩٢٨. والوبيص: البريق واللمعان.
(٧) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٢٨/‏١٤٧٩.
(٨) الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ١٤/‏٨٢٧.
 
١٨٥
 
الركن الثاني - الوقوف بعرفة:
دليله: ما روي عن عبد الرحمن بن يَعْمُر الديلي أن النبي ﷺ قال: (الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه) (١) . والمعنى أنه من فاته الوقوف بعرفة في وقته فقد فات حجه، فيطوف ويسعى ويتحلل من الإحرام، ثم يقضي الحج في العام الذي يليه.
(١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٧/‏٣٠١٥.
 
١٨٦
 
مكان الوقوف وصفته:
ليس المقصود الوقوف ذاته بل مطلق الحضور. فيصح ولو مجتازًا، أو هاربًا، أو طالب غريم، أو نائمًا، أو مجنونًا، أو سكران بأرض عرفة، ولو على دابة أو شجرة.
ويصح الحضور في أي موضع من جبل عرفات إلا بطن عرنة، لما روي عن جابر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (ووقفت ههنا، وعرفة كلها موقف) (١) . وعنه أيضًا قال: قال النبي ﷺ: (كل عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة) (٢) .
وحَدُّ عرفة: من الجبل المشرف على وادي عرنة إلى الجبال المقابلة له، إلى ما يلي منطقة بساتين بني عامر. ويفضل للإمام أن ينزل في مسجد نمرة أولًا وبعد الصلاة ينتقل إلى الموقف.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٢٠/‏١٤٩.
(٢) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٥/‏٣٠١٢.
 
١٨٦
 
شرطه:
يشترط أن يكون الوقوف في وقته المخصص، وهو يبدأ من زوال شمس يوم عرفة (التاسع من ذي الحجة)، ويستمر إلى طلوع فجر يوم النحر. والدليل على ذلك حديث عبد الرحمن ابن يعمر الديلي المتقدم وحديث جابر ﵁ في صفة حج النبي ﷺ: (أنه ﷺ أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له) (١) .
والركن هو مطلق الحضور، فلو وقف ساعة بعد الزوال ثم أفاض أجزأه، لحديث عروة بن مضرس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من صلى هذه الصلاة معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه) (٢) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٢) النسائي: ج ٥ / ص ٢٦٤.
 
١٨٦
 
واجبه:
أن يمتد الوقوف إلى ما بعد الغروب حتى يكون أخذ قسطًا من الليل، لما روي عنه ﷺ أنه قال: (كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم) (١)، والأمر بالمكث هنا للوجوب، فإن دفع من عرفة قبل الغروب لزمه دم. أما من وصل عرفة بعد الغروب فليس عليه دم.
ولا يشترط للوقوف بعرفة طهارة، بل يصح من المحدث والجنب والحائض والنفساء، لحديث عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال لها لما حاضت: (افعلي كما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) (٢) .
(١) الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ٥٣/‏٨٨٣.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٨٠/‏١٥٦٧.
 
١٨٦
 
سنن الوقوف بعرفة:
-١ - الغسل، لأنه يوم يجتمع فيه الناس. وقيل الوضوء سنة والغسل مستحب. لما روي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «اغتسلت مع ابن مسعود يوم عرفة تحت الأراك» (١) .
-٢ - الإكثار من التلبية والتهليل، ولا يترك التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، بعد طلوع شمس يوم النحر، لما روي عن الفضل بن عباس ﵄ (أن رسول الله ﷺ لبّى حتى رمى جمرة العقبة) (٢) .
-٣ - الإكثار من الدعاء جهرًا مع الاجتهاد والإلحاح في المسألة، لحديث طلحة بن عبيد الله ابن كريز ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له) (٣) .
وزاد البيهقي في رواية عن علي بن أبي طالب ﵁: (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل لي في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر) (٤) .
-٤ - يسن القيام أثناء الدعاء مستقبلًا القبلة وبخشوع، لما روي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إن لكل شيء سيدًا وإن سيد المجلس قبالة القبلة) (٥) .
-٥ - يسن للحاج أن يُفْطر يوم عرفة، لأن الفطر أعون له على الدعاء، بخلاف غيره فيسن له الصوم. لما روت أم الفضل ﵂ قالت: «شك الناس يوم عرفة في صوم النبي ﷺ فبعثت إلى النبي ﷺ بشراب فشربه» (٦) .
-٦ - النزول في مسجد نمرة بعد الزوال، حيث يجتمع الحجاج مع الإمام الأعظم أو نائبه.
-٧ - يسن للإمام خطبتان بعد الزوال قبل صلاة الظهر كخطبتي الجمعة، يعلم فيهما الناس المناسك. وإن خطب قبل الزوال أجزأه مع الكراهة لما روى جابر ﵁ أن النبي ﷺ خطب الناس يوم عرفة وقال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ...) (٧) .
-٨ - يسن للإمام أن يجمع صلاة الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين، لحديث جابر ﵁ في صفة حج النبي ﷺ: (ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا) (٨) . ويسر بالقراءة، ولا يفصل بين الصلاتين بشيء من السنن كما في الحديث، بل يقيم للظهر ويصليه ويقيم للعصر ويصليه. ويقصر الإمام إن كان مسافرًا.
أما إذا صلى الحجاج في رحلهم فلا يجمعوا، بل يصلوا الظهر في وقته والعصر في وقته عند الإمام، وعند الصاحبين يجمعوا. ودليل الإمام أن الجمع صح على خلاف الأصل، فلا يجوز إلا بشروطه، وشروط الجمع هي:
-١ - الإحرام بالحج.
-٢ - الحضور بعرفة.
-٣ - أن تكون الصلاة جماعة.
-٤ - أن يقيم الصلاة الإمام الأعظم أو نائبه.
-٩ - يسن للحاج الوقوف مع الإمام الأعظم عند الصخرات قرب جبل الرحمة، مستقبلًا القبلة، ويتوجه للدعاء ولا يقطعه إلا بالتلبية ثم يعود إليه، كما فعل رسول الله ﷺ، فقد روى جابر ﵁ في صفة حجه ﷺ: (حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس) (٩) .
وينبغي للحاج أن يجتهد في الدعاء، فيدعو بما يحفظه أو يقرؤه، لما ورد في فضيلة الدعاء يوم عرفة وإجابة الدعاء فيه، فعن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عبدًا فيه من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء؟) (١٠) . ومن الأدعية الواردة في هذا اليوم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يا رفيع الدرجات، يا منزل البركات، يا فاطر الأرضين والسماوات ضجّت إليك الأصوات تسألك الحاجات وحاجتي أن ترحمني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. أسألك أن توفقني لما افترضت عليّ وأن تعينني على طاعتك وأداء حقك وقضاء المناسك، التي أريتها خليلك إبراهيم، وعلمت عليها حبيبك محمد ﷺ. اللهم لكل متضرع إليك إجابة، ولكل مسكين لديك رأفة، ولقد جئتك متضرعًا إليك مسكينًا لديك، فاقض حاجتي واغفر ذنوبي ولا تجعلني من أخيب وفدك، وقد قلتَ وأنت لا تُخلف الميعاد: ادعوني أستجب لكم، وقد دعوتك متضرعًا سائلًا. فأجب دعائي وأعتِقني من النار ووالدي وجميع المسلمين والمسلمات برحمتك يا أرحم الراحمين».
ويستحب أن يقول عند الغروب قبل الإفاضة: «اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف، وارزقنيه ما أبقيتني، واجعلني اليوم مُفلحًا مرحومًا مستجابًا دعائي، مغفورة ذنوبي، يا أرحم الراحمين».
-١٠ - تسن الإفاضة بعد غروب الشمس مع الإمام، لما روى ميسرة الأشجعي عن عبد الله ابن عمر ﵄ أنه حج معه حتى وقف بعرفات ... ثم قال: «لقد كان المشركون لا يفيضون من عرفات حتى تعمم الشمس في الجبال فتصير في رؤوسها كعمائم الرجال في وجوههم، وأن رسول الله ﷺ كان لا يفيض حتى تغرب الشمس» (١١) . وعن جابر ﵁ في حديثه الطويل في صفة حجه ﷺ: (فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله ﷺ وقد شنق للقصواء الزمام" (١٢) . ولا يجوز الدفع قبل الإمام حتى تغرب الشمس، أما التأخر بعد الغروب لزحمة فجائز.
-١١- أن يكثر من الاستغفار عند الإفاضة لقوله تعالى: ﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾ (١٣) .
وأن يمشي على هينته، لما روي عن علي بن أبي طالب ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (يا أيها الناس عليكم السكينة) (١٤) .
(١) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٢٥٣.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٢٨/‏١٨١٥.
(٣) البيهقي: ج ٥ / ص ١١٧.
(٤) البيهقي: ج ٥ / ص ١١٧.
(٥) مجمع الزوائد: ج ٨ / ص ٥٩، رواه الطبراني.
(٦) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٨٤/‏١٥٧٥.
(٧) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٨) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٩) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(١٠) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧٩/‏٤٣٦.
(١١) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٢٥٥.
(١٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(١٣) البقرة: ١٩٩.
(١٤) الترمذي: ج ٢ / كتاب الحج باب ٥٤/‏٨٨٥.
 
١٨٦
 
الركن الثالث - الطواف بالبيت أربعة أشواط:
ويسمى طواف الركن لأنه الركن الثاني من أركان الحج، كما يسمى طواف الإفاضة لأن الحاج يفعله بعد إفاضته من منى إلى مكة. ويسمى أيضًا طواف الزيارة لأن الحاج يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.
ومن ترك طواف الإفاضة ظل على إحرامه، ولا يحل له قربان النساء أبدًا، وكلما جامع لزمه دم إذا تعدد المجلس، إلا أن يقصد الرفض (١) .
(١) الرفض: أي أن يقول رفضت إحرامي، عندها لو جامع في عدة مجالس لا يجب عليه غير دم واحد. إلا أنه يبقى محرمًا باعتبار الشارع لأنه لا يخرج من إحرامه إلا بتمام أفعال الحج وهو طواف الركن.
 
١٨٧
 
دليل فرضيته:
قوله تعالى: ﴿وليَطوَّفوا بالبيت العتيق﴾ (١) .
وحديث عائشة ﵂ أن صفية بنت حيي زوج النبي ﷺ حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال: (أحابسَتُنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت. قال: فلا إذًا) (٢) .
(١) الحج: ٢٩.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٤٤/‏١٦٧٠.
 
١٨٧
 
وقته:
أ - أول وقته: طلوع فجر يوم النحر، وذلك لقوله تعالى: ﴿فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير﴾ - يعني الأضحية - ثم قال: ﴿وليطوفوا بالبيت العتيق﴾ (١) . فجمع بين الذبح والطواف فكان وقتهما واحدًا. ولو طاف قبل يوم النحر أعاد.
ب - آخر وقته: حتى آخر العمر. إلا من مات بعد الوقوف بعرفة وقبل الطواف، وأوصى بإتمام الحج، فيجبر عنه بَبَدنة ويُقبل حجه. ولو لم يوص صح حجه ولا شيء عليه.
جـ - وقته الواجب: أيام النحر. ويجزئ عنه أي طواف تطوعٍ بعد الوقوف بعرفة، فلو أخّره بدون عذر إلى ما بعد أيام النحر فعليه دم، إلا إن كانت حائضًا فتؤخره لعذر الحيض وليس عليها دم. ما لم تكن طهرت قبل غروب الشمس من ثالث أيام النحر بوقت يسع طهورها وطوافها أربعة أشواط، أو حاضت بعد دخول يوم النحر بوقت يسع ذلك ولم تَطُف، فيلزمها دم.
د - وقته المكروه تنزيهًا: تأخيره عن أول يوم النحر.
(١) الحج: ٢٩.
 
١٨٧
 
شروط صحة الطواف:
-١ - الإسلام.
-٢ - الإحرام.
-٣ - أن يكون قد وقف بعرفة قبله.
-٤ - أن يكون الطواف حول البيت بنيته، فلو طاف يسعى وراء غريم لم يصح.
-٥ - فعله في وقته.
-٦ - أن يباشر الطواف بنفسه، فلا تصح فيه النيابة إلا للمغمى عليه.
-٧ - أن يكون الطواف حول الكعبة داخل المسجد ما لم يخرج عن الحرم.
ويجوز الطواف في هواء المسجد، وعلى سطحه ولو مرتفعًا عن البيت. ولا بأس بالحائل بين الطائف والبيت.
واجباته:
-١ - ستر العورة: فلو كشف ربع العضو فأكثر وجب عليه دم، بدليل ذلك ما روى أبو هريرة ﵁ أن أبا بكر الصديق ﵁ بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله ﷺ قبل حجة الوداع، يوم النحر، في رهط، يؤذن في الناس: (ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) (١) .
-٢ - الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر: لحديث عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) (٢)، وروي عنها أيضًا في صفة حجه ﷺ: (أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت) (٣) . ولو طاف جنبًا وجب عليه بَدَنة وصح طوافه (٤)، أما لو طاف مُحدِثًا وجب عليه شاة. وكذا الطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان، لحديث ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ قال: (الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه) (٥) . وإذا انتقض وضوؤه جدده، وبنى على طوافه الأول.
-٣ - أن يطوف ماشيًا إلا لعذر، من مرض شديد أو غيره، لحديث أم سلمة ﵂ قالت: شكوت إلى رسول الله ﷺ أني أشتكي. فقال: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) (٦) . ولو طاف راكبًا لغير عذر وجب عليه أن يعيد الطواف ما دام بمكة، فإن غادرها قبل أن يعيد فعليه دم. أما ما ورد عنه ﷺ أنه طاف في حجة الوداع على بعير (٧)، فمحمول على أنه ﷺ كان مريضًا مُسِنًا.
-٤ - التيامن، بأن يطوف عن يمين البيت، جاعلًا البيت عن يساره، مارًا تلقاء وجهه. وهو واجب لأن الكعبة كالإمام والطائف كالمؤتم بها والواحد يقف عن يمين الإمام، ولحديث جابر بن عبد الله ﵄ (أن رسول الله ﷺ لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مضى على يمينه) (٨) . ولو تركه أعاد ما دام بمكة، فإن لم يُعِد وجب عليه دم.
-٥ - الابتداء من الحجر الأسود في كل شوط، فلو بدأ من غيره لم يُحسب له ما طاف قبله. ويجب أن يبدأه قبل الحجر بقليل ليكون مارًا بكل جسده حول الحجر.
-٦ - أن يكون الطائف خارجًا بجميع بدنه عن جميع البيت، ويُعتبر الشاذروان من البيت وكذا، حِجْر سيدنا إسماعيل، وهو الحطيم لحديث عائشة ﵂ قالت: (سألت النبي ﷺ عن الجَدْر أمن البيت هو؟ قال: نعم) (٩)، وفي رواية مسلم أنه قال: (وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشًا اقتصرتها حيث بنت الكعبة) (١٠) .
-٧ - إتمام الطواف إلى سبعة أشواط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، فإن ترك شيئًا من السبع لم يجزئه عن الواجب، بدليل حديث ابن عمر ﵄ قال: (قدم النبي ﷺ فطاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين) (١١) . ولو طاف شوطًا ثامنًا متعمدًا لزمه تتمة السبع، لأن طوافه صار لازمًا بالشروع. ولو شك في عدد الأشواط لا يبني على الأقل في طواف الركن والواجب بل يعيد الأشواط، أما في طواف السنة فيبني على الأقل، لأنه مبني على التوسعة. وقيل إن كان كثير الشك يتحرى، فإن أخبره عدل صدقه ويستحب أن يأخذ بقوله ولو أخبره عدلان وجب العمل بقولهما.
-٨ - أن يتمّ طوافه في وقته الواجب، وهو أيام النحر، فلو أخره عنها لغير عذر لزمه دم.
-٩ - أن يصلي ركعتين بعد كل طواف خلف مقام إبراهيم ﵇ أو في أي مكان من المسجد ثم في الحرم، ثم لا فضيلة بعد الحرم بل الإساءة. ويفضل أن يقرأ فيهما بـ الكافرون والإخلاص، وذلك اقتداء لفعله ﷺ، فقد روى جابر بن عبد الله ﵄ في صفة حجه ﷺ: (... حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا. ثم قام إلى مقام إبراهيم فقال: ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾ . فجعل المقام بينه وبين البيت - فكأن أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي ﷺ أنه يقرأ في الركعتين قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد..) (١٢) .
ويستحب أن يدعو بعد الركعتين بالدعاء المأثور: «اللهم إنك سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سُؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي. اللهم إني أسألك إيمانًا يباشر قلبي ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما قسمت لي».
ولو صلى أكثر من ركعتين جاز، ولا تجزئ الصلاة المكتوبة ولا المنذورة عنهما.
وتكره صلاة ركعتي الطواف في وقت الكراهة بخلاف الطواف، فلو طاف بعد العصر يؤخر ركعتي الطواف إلى ما بعد صلاة المغرب قبل السنة. ولا تنعقد ركعتا الطواف في ثلاثة من الأوقات المنهي عنها: عند طلوع الشمس، وعند الاستواء، وعند الغروب. وتنعقد مع الكراهة بعد الفجر والعصر.
ويصلي لكل سبعة أشواط ركعتين، ويكره أن يجمع إلا إذا طاف وقت الكراهة، فإنه يؤخر الصلاة ويطوف طوافًا آخر وبعد زوال وقت الكراهة يصلي ما وجب عليه من ركعات الطواف. وإن جمع في غير ذلك جاز مع الكراهة.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٦/‏١٥٤٣.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب الحيض باب ٧/‏٢٩٩.
(٣) البيهقي: ج ٥ / ص ٨٦.
(٤) وكذا لو حاضت المرأة، وهمَّ الركب بالرحيل، وعليها طواف الزيارة، تطوف وتكون آثمة بدخولها المسجد وهي حائض، فتذبح بَدَنة.
(٥) الترمذي: ج ٣ / كتاب الحج باب ١١٢/‏٩٦٠.
(٦) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧٣/‏١٥٥٢.
(٧) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٥٧/‏١٥٣٠.
(٨) البيهقي: ج ٥ / ص ٩٠.
(٩) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٤١/‏١٥٠٧.
(١٠) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٩/‏٤٠١.
(١١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧١/‏١٥٤٧.
(١٢) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٨٤/‏٣٠٧٤.
 
١٨٧
 
سنن الطواف:
-١ - أن يستقبل البيت أول طوافه، فيقف مستقبلًا الحجر الأسود، بأن يجعل منكبه الأيمن عند طرف الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني، وينوي الطواف، ثم يمر مستقبلًا ومحاذيًا ببدنه الحجر الأسود إلى أن يصير طرف الحجر الذي إلى جهة باب الكعبة محاذيًا منكبه الأيسر، ثم ينتقل جاعلًا البيت عن يساره متوجهًا إلى جهة الباب.
-٢ - أن يسلم الحجر بيده في ابتداء الطواف، فيضع كفّيه على الحجر الأسود ويسجد عليه ويقبله لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: «رأيت عمر بن الخطاب ﵁ قبله وسجد عليه ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ فعل هكذا ففعلت» (١)، وعن ابن عمر ﵄ قال: «قَبَّل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك» (٢) . ويستحب أن يكرر ثلاثًا، وأن يستلم في ابتداء كل شوط وفي ختم الطواف وقبل ركعتي الطواف، لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: (كان رسول الله لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة. قال: وكان عبد الله بن عمر يفعله) (٣) .
فإن عجز عن الاستلام والتقبيل أشار بيده، لما روي عن أبي الطفيل ﵁ قال: (رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن) (٤) .
وكذا يسن استلام الركن اليماني بلا تقبيل عند الإمام محمد.
ولا يسن للنساء استلام ولا تقبيل إلا عند خُلوِّ المطاف.
ويسن أن يقول عند الاستلام: «اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد ﷺ»، لما روي عن علي ﵁ أن كان يقول إذا استلم الحجر: «اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد ﷺ» (٥) .
-٣ - أن يقول قبالة الكعبة: «اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار. مشيرًا إلى مقام إبراهيم ﵇».
وعند الركن اليماني يقول: «اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وعملًا مقبولًا وتجارة لن تبور، يا عزيز، يا غفور».
ويقول بين الركنين: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» (٦) .
وروي عن ابن عباس ﵄ أنه كان يقول: احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي ﷺ وكان يدعو بين الركنين: (رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غائبة لي بخير) (٧) .
ويقول أثناء الطواف: «اللهم إني أعوذ بك من الشِّرك والشك والنفاق والشِّقاق وسوء الأخلاق وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد».
وتحت الميزاب: «اللهم أظلَّني تحت ظل عرشك يوم لا ظلّ إلا ظِلك».
ويسن الإكثار من الدعاء ورفع الأيدي في جميع الطواف، ومأثور الدعاء أفضل.
-٤ - يسن الرَّمَل (٨) للرجل في الطوفات الثلاث الأولى إذا أعقب الطواف سعي. ويسن المشي على الهينة في الأربع الأخيرة، وأن يقول أثناء الرمل: «اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وعملًا مقبولًا وتجارة لن تبور، يا عزيز، يا غفور». وذلك لما روى ابن عباس ﵄ قال: (قدم رسول الله ﷺ وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب. قال المشركون: إنه يقْدم عليكم غدًا قوم وهنتهم الحمى ولَقُوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحِجْر، وأمرهم النبي ﷺ أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جَلَدَهم فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا) (٩) .
-٥ - يسن الاضطباع للرجل والصبي، في طواف يسن فيه الرمل، وذلك بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. ولا يسن الاضطباع في ركعتي الطواف. ودليل ذلك ما روى؟ يعلى؟ ﵁ قال: (طاف النبي ﷺ مضطبعًا ببرد أخضر) (١٠) .
أما المرأة فلا ترمل ولا تضطبع.
-٦ - الموالاة بين أشواط الطواف، فلا يقطع الطواف إلا لضرورة، فإن عرضت له حاجة ضرورية قطع الطواف فإذا عاد بنى على ما مضى، لما روي عن ابن عمر ﵄ أنه كان يطوف بالبيت فلما أقيمت الصلاة صلى مع الإمام ثم بنى على طوافه، وكذا إذا أحدث في الطواف أو حضرت جنازة صلى جنازة صلى عليها ثم يبني على طوافه.
-٧ - يسن الاقتراب من البيت للرجل لأنه أيسر في الاستلام والتقبيل، إلا أن يؤدي إلى الأذى فالبعد أولى.
-٨ - تُسن الموالاة بين الطواف وصلاة الركعتين، ويكره تأخيرها عنه إلا في حالة الوقت المكروه.
-٩ - يسن عدم الكلام إلا في خير كتعليم جاهل أو غير ذلك، لما روى أبو هريرة ﵁ أنه سمع النبي ﷺ يقول: (من طاف بالبيت سبعًا، ولا يتكلم إلا بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، محيت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات، ورفع له بها عشرة درجات) (١١) .
ويكره في الطواف الأكل والشرب ووضع اليد على فيه بلا حاجة، وأن يشبك بين أصابعه، وليكن طوافه بحضور قلب ولزوم أدب.
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ٧٤.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٤١/‏٢٤٨.
(٣) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٤٨/‏١٨٧٦.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٤٢/‏٢٥٧. والمحجن: القضيب.
(٥) البيهقي: ج ٥ / ص ٧٩.
(٦) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٢/‏١٨٩٢.
(٧) المستدرك: ج ١ / ص ٤٥٥.
(٨) الرمل: هو المشي بسرعة مع تقارب الخُطَا وهزّ الكتفين.
(٩) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٩/‏٢٤٠.
(١٠) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٠/‏١٨٨٣.
(١١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٣٢/‏٢٩٥٧.
 
١٨٧
 
مندوبات الطواف:
-١ - استلام الركن اليماني دون تقبيل.
-٢ - يستحب أن يأتي زمزم بعد الركعتين.
-٣ - أن يقف عند المُلْتَزم قبل الخروج للسعي، وقيل يلتزم قبل الصلاة ثم يصلي ثم يأتي زمزم وبعدها يعود لاستلام الحجر الأسود إن أراد السعي فيهلل ويكبر ثم يخرج للسعي. لما روي عن ابن عباس ﵄ «أنه كان يلزم ما بين الركن والباب وكان يقول ما بين الركن والباب يدعى الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه» (١) .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: «طفت مع عبد الله، فلما جئنا دُبُر الكعبة قلت: ألا تتعوَّذ، قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره، ووجهه، وذراعيه، وكفيه هكذا، وبسطهما بسطًا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يفعل» (٢) .
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ١٦٤.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الحج باب ٥٥/‏١٨٩٩.
 
١٨٧
 
الباب الثالث (واجبَات الحجّ) .
 
١٨٨
 
واجبات الحج (١) قسمان:
أ - الواجبات المتعلقة بالأركان المذكورة سابقًا.
ب - الواجبات الأصلية غير المتعلقة بالأركان أو الشروط وهي:
أولًا - السَّعي بين الصَّفا والمروة (٢):
دليل الوجوب:
قوله تعالى: ﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما﴾ (٣) . وحملت الآية على الوجوب لأنها لا تفيد الركنية.
وحديث حبيبة بنت أبي تجرأة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) (٤)، وهو خبر آحاد لا يفيد الركنية أيضًا.
(١) ترك الواجب يوجب دمًا.
(٢) الصَّفا: جمع صَفَاة وهو الحجر الأملس، والمروة: حجر أبيض برّاق، والمراد مكانان هناك بجوار المسجد الحرام من الجهة الشرقية.
(٣) البقرة: ١٥٨.
(٤) الدارقطني: ج ٢ / ص ٢٥٥.
 
١٨٩
 
وقته:
يجب أن يقع السعي بعد طواف معتد به، والأفضل أن يقع بعد طواف الإفاضة لترتيب الواجب على الركن. ويجوز إيقاعه بعد طواف القدوم أو طواف نفل لأهل مكة ومن هم داخل الميقات (لأنه لا طواف قدوم عليهم) ولا يعيده بعد الإفاضة ترخيصًا للمسلمين.
واجبات السعي:
-١ - أن يبدأ الساعي بالصفا، لحديث جابر ﵁ في صفة النبي ﷺ قال: (فلما دنا من الصفا قرأ: ﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله﴾ أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا) (١) . فلو عكس الترتيب لم تحسب المرة الأولى.
-٢ - أن يسعى سبعة أشواط، ويحسب ذهابه من الصفا إلى المروة مرة، والإياب مرة أخرى. لما روي عن عبد الله بن أبي أوفى ﵁ أن رسول الله ﷺ (أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعًا) (٢) .
-٣ - أن يسعى ماشيًا، فلو ركب أو حُمل لغير عذر وجب عليه دم كمن ترك السعي أصلًا.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٦/‏١٩٠٣.
 
١٨٩
 
سنن السعي:
-١ - أن يستلم الحجر بنهاية الطواف قبل السعي، وأن يخرج إلى السعي من باب الصفا.
-٢ - أن يَصْعَد على الصَّفا والمروة حتى يرى البيت، وأن يمكث على كل منهما قدر ما يقرأ سورة من الفصل، لما روى جابر ﵁ في صفة حج النبي ﷺ قال: (ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: ﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله﴾ أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقي عليه حتى رأى البيت) (١) . ويكره ترك الصعود.
-٣ - أن يقرأ قوله تعالى: ﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله﴾ للحديث المتقدم.
-٤ - أن يرفع يديه حُذْوَ منكبيه عند البَداءة.
-٥ - أن يستقبل البيت ويهلّل ويصلي على النبي ﷺ بصوت مرتفع، وأن يدعو بالدعاء التالي: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. لا إله إلا الله أهل التكبير والتحميد والتهليل. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. فله الملك وله الحمد».
فإذا نزل من الصفا قال: «اللهم يسِّر لي اليُسرى وجنِّبني العُسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى».
ويقول على المروة مثل ما قال على الصفا. ودليل ذلك حديث جابر ﵁ قال: (فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك. قال: مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة) (٢) . ويقول في السعي: «رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم».
-٦ - يسن الإكثار من التكبير والتسبيح والتهليل، لما روت عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) (٣) .
-٧ - يسن الرمل بين الميلين الأخضرين، لحديث جابر ﵁ قال: (... ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا) (٤) .
-٨ - الموالاة بين السعي والطواف، فلا يجب السعي فورًا بعد الطواف، فلو أخرَّه لعذر أو ليستريح فلا بأس عليه. ودليل ذلك ما روي عن ابن عمر ﵄ قال: (قدم النبي ﷺ، فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، فطاف بين الصفا والمروة سبعًا: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾) (٥)، كما تسن الموالاة بين مرات السعي، فلو أقيمت الصلاة أثناء السعي قطع سعيه وصلى ثم عاد وبنى على ما سعى ولا يعيد.
-٩ - يسن للساعي الطهارة من الحدثين، كما يندب له صلاة ركعتين بعد السعي.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٣) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥١/‏١٨٨٨.
(٤) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٧/‏١٩٠٥.
(٥) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧٩/‏١٥٦٣.
 
١٨٩
 
ثانيًا - الوقوف بمزدلفة:
وقته: بعد فجر يوم النحر حتى طلوع الشمس. فيصلي الإمام بالناس الصبح بَغَلس ثم يقف والناس معه. والمزدلفة كلها موقف إلا بطن مُحَسِّر لما روي عن جابر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (كل مزدلفة موقف وارتفعوا عن بطن محسِّر) (١) .
(١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٥/‏٣٠١٢.
 
١٨٩
 
دليل الوجوب:
أ - عمل الرسول ﷺ، فقد روى عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (ما رأيت رسول الله ﷺ صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) وفي رواية: وقال: (قبل وقتها بغلس) (١) .
وعن جابر ﵁ قال: (... ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحّدَه، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا، فدفع قبل أن تطلع الشمس) (٢) .
ب - روي عن عروة بن مُضرِّس قال: أتيت النبي ﷺ بجمع فقلت: هل لي من حج؟ فقال: (من صلّى هذه الصلاة معنا، ووقف هذا الموقف حتى يفيض وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه) (٣) . فقد علق به تمام الحج.
وهو ليس ركنًا اتفاقًا لأن رسول الله ﷺ قدَّم ضَعَفَة أهله بالليل، فعن أم حبيبة ﵂ قالت: (كنا نغلس على عهد رسول الله ﷺ من المزدلفة إلى منى) (٤)، وعن ابن عباس ﵄ قال: (كنت فيمن قدم النبي ﷺ ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) (٥)، ولو كان ركنًا لما قدَّمهم.
وإذا ترك الوقوف بمزدلفة لمرض أو كبر سِنّ أو لزَحْمة جاز ولا يجب عليه شيء. وإن تركه بلا عذر وجب عليه دم.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٤٨/‏٢٩٢.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٣) النسائي: ج ٥ / ص ٢٦٤.
(٤) النسائي: ج ٥ / ص ٢٦٢.
(٥) النسائي: ج ٥ / ص ٢٦١.
 
١٨٩
 
سنن الوقوف بمزدلفة:
-١ - يسن المبيت في المزدلفة ليلة النحر، فيتوجه الحاج إليها بعد غروب شمس يوم عرفة، لما روي عن أسامة ﵁ قال: (كنت ردف النبي ﷺ، فلما وقعت الشمس دفع رسول الله ﷺ (١) .
-٢ - أن يصلي فيها المغرب جمعًا معه العشاء بأذان وإقامة واحدة، لما روي عن أشعث ابن سُليم عن أبيه قال: (أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة فأذن وأقام، أو أمر إنسانًا فأذن وأقام، فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات، ثم التفت إلينا فقال: الصلاة، فصلى بنا العشاء ركعتين ... فقيل لابن عمر في ذلك فقال: صليت مع رسول الله ﷺ هكذا) (٢) . وإن فصل بينهما أعاد بالإقامة للعشاء، لما روي عن أسامة بن زيد ﵁ قال: (... حتى قدمنا المزدلفة - أي مع النبي ﷺ فأقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم، ولم يحلوا حتى أقام العشاء فصلى ثم حل الناس) (٣) . ولو صلى المغرب بعرفة أو في الطريق يعيدها إذا وصل مزدلفة لأنها غير جائزة، وإنما تنقلب جائزة بطلوع الفجر.
-٣ - أن ينزل بجانب جبل قُزَح.
-٤ - أن يجمع من المزدلفة سبعين حصاة بقدر حَبّ الباقلاَّء (٤) .
-٥ - أن يكثر من التكبير والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ، لقوله تعالى: ﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾ (٥) .
-٦ - أن يقف عند المشعر الحرام فيذكر الله تعالى ويجتهد في الدعاء، لقوله تعالى: ﴿فاذكروا الله عند المشعر الحرام﴾ (٦)، وللحديث المتقدم: (... حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وهلله ووحده) .
ومن مأثور الدعاء قبل صلاة المغرب والعشاء: «اللهم إني أسألك أن ترزقني جوامع الخير، وأن تجعلني ممن سألك فأعطيته، ودعاك فأجبته، وتوكل عليك فكَفَيْتَه، وآمن بك فهدَيْتَه». فإذا فرغ من الصلاة يقول: «اللهم حرِّم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي على النار، يا أرحم الراحمين». ويسأل الله تعالى إرضاء الخصوم، فإن الله تعالى وعد ذلك لمن طلبه في هذه الليلة، فعن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي: (أن النبي ﷺ دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة. فأجيب: إني قد غفرت لهم، ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم منه. قال: أي رب! إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة، وغفرت للظالم. فلم يجبه عشيته. فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء. فأجيب إلى ما سأل. قال فضحك رسول الله ﷺ (٧) .
ويدعو بعد صلاة الفجر فيقول بعد التلبية والتكبير والتهليل: «اللهم أنت خير مطلوب وخير مرغوب إليه، إلهي لكل وفد جائزة وقِرى، فاجعل اللهم جائزتي وقِراي في هذا المقام أن تتقبل توبتي وتتجاوز عن خطيئتي وتجمع على الهدى أمري. اللهم ارحمني، وأجرني من النار، وأوسع عليَّ الرزق الحلال. اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف، وارزقنيه أبدًا ما أحيَيْتَني برحمتك يا أرحم الراحمين».
-٧ - أن يمشي بسكينة وهدوء عند الدفع من مزدلفة، لما روي عن جابر ﵁ قال: (... وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله ﷺ وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة) (٨) .
(١) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٦٤/‏١٩٢٤.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٦٥/‏١٩٣٣.
(٣) البيهقي: ج ٥ / ص ١٢٢.
(٤) الباقلاَّء: الفول.
(٥) البقرة: ١٩٩.
(٦) البقرة: ١٩٨.
(٧) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٦/‏٣٠١٣.
(٨) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
 
١٨٩
 
ثالثًا - رمي الجمار:
وهي ثلاث: جمرة العقبة، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى.
-١ - رمي جمرة العقبة يوم العقبة:
جمرة العقبة هي ثالث الجمرات على حد مِنَى من جهة مكة، وهي ليست من مِنَى، ويقال لها الجمرة الكبرى.
وقت الرمي: يبدأ وقته من طلوع فجر يوم النحر، ويستمر حتى طلوع فجر أول يوم من أيام التشريق. فإن أخرَّه حتى فات وقته لزمه دم.
وله وقت فضيلة: هو من طلوع الشمس إلى زوالها، لقوله ﷺ فيما رواه عنه ابن عباس ﵄: (لا تَرموا الجمرة حتى تطلع الشمس) (١)، وعنه أيضًا: (أن النبي ﷺ كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد، وأن لا يرموا الجمرة إلا مصبحين) (٢) .
ووقت الجواز: من الزوال إلى غروب الشمس، لما روي عن ابن عباس ﵄: (أن رجلًا قال للرسول ﷺ: رميت بعد ما أمسيت، فقال: لا حرج) (٣) .
أما وقت الكراهة: فهو من فجر يوم النحر إلى طلوع الشمس، ومن الغروب إلى فجر يوم التشريق.
(١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٦٢/‏٣٠٢٥.
(٢) البيهقي: ج ٥ / ص ١٣٢.
(٣) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٢٩/‏١٦٤٨.
 
١٨٩
 
-٢ - رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق الثلاثة:
يجب على الحاج أن يرمي في كل يوم: الجمرة الصغرى وهي مما يلي مسجد الخَيْف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، إن لم يتعجل في يومين، وإلا صح الرمي في يومين، لقوله تعالى: ﴿فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه﴾ (١) .
(١) البقرة: ٢٠٤.
 
١٨٩
 
وقت الرمي:
أ - في يومي التشريق الأول والثاني: من الزوال لكل يوم إلى الغروب سنة، لما روي عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: (رأيت رسول الله ﷺ يرمي - على راحلته - يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) (١) .
ومن بعد الغروب حتى طلوع شمس اليوم الذي يليه من أيام التشريق: مكروه، لكن يعتبر أداء.
أما من طلوع الشمس في اليوم الثالث إلى غروبها فيعتبر قضاء، فأخره إلى بعد الغروب سقط عنه وعليه دم.
ب - في اليوم الثالث من أيام التشريق: من طلوع فجره إلى الغروب، إلا أنه يكره قبل الزوال.
(١) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧٨/‏١٩٧١.
 
١٨٩
 
شروط صحة الرمي:
-١ - أن يكون المرمي به من جنس الأرض من حجر أو مَدَر أو طين، أو بما يصح التيمم به، فلو رمى كفًا من تراب أجزأه عن حصاة واحدة.
-٢ - أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات في كل يوم، وأن يقذف كل حصاة على حدة، فلو رماها دفعة واحدة لم تجزئ إلا عن واحدة. لما روي عن عائشة ﵂ قالت: (أفاض رسول الله ﷺ من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات..) (١) . ولا يشترط أن تصيب الحصيات الجمرة بل لو وقعت قريبة منها دون ثلاثة الأذرع صح ذلك، وإن لم يتأكد أعاد الرمي احتياطًا. ويلزمه صدقة لكل حصاة إذا لم يبلغ رمي يوم أو أكثره، فلو بلغ رمي يوم أو أكثره لزمه دم كأربع حصيات يوم النحر أو إحدى عشر فيما بعده.
-٣ - ترتيب الجمار الثلاث أثناء الرمي في أيام التشريق، فيبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم العقبة. فإن عكس أعاد الوسطى والعقبة على قول الإمام محمد (وقال الإمام أبو حنيفة وصاحبه بسنيته) . ودليل الترتيب ما روي عن ابن عمر ﵄ (أنه كان يرمي الجمرة الدنيا، بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يُسْهِل، فيقول مستقبل القبلة، فيقوم طويلًا، ثم يدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيُسْهِل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلًا، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلًا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي ﷺ يفعله) (٢) .
(١) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧٨/‏١٩٧٣.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٣٩/‏١٦٦٤.
 
١٨٩
 
سنن الرمي:
-١ - أن يكون رمي الحصى المرمي به قدر حصى الخذف بمقدار الحُمُّصَة وقيل الفولة أو الأُنْمُلَة لما روى ابن عباس ﵄ قال: قال لي رسول الله ﷺ غداة العقبة وهو على راحلته: (هات اُلقط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخَذْف فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغُلُوَّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) (١) .
-٢ - أن يكون الرمي برؤوس الأصابع، وذلك بأن يضع طرف إبهامه اليمنى على وسط السبَّابة ويضع الحصاة على ظاهر الإبهام.
-٣ - أن يكون بين الرامي وبين الجمرة خمسة أذرع أو أكثر.
-٤ - أن يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، لحديث ابن عمر ﵄ المتقدم: (ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي) .
-٥ - أن يقف عند جمرة العقبة بحيث تكون منى عن يمينه ومكة عن يساره، لما روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد الله قال: (فرمى الجمرة بسبع حصيات وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه وقال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة) (٢) .
-٦ - أن يقطع التلبية عند رمي أول حصاة، لما روي عن ابن عباس ﵄ أن الفضل أخبره (أن النبي ﷺ لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة) (٣) . وأن يكبر مع كل حصاة عند الرمي ويقول: «الله أكبر رغمًا للشيطان وحِزبه. اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا». لما روى زيد أبو أسامة قال: (رأيت سالم بن عبد الله يعني ابن عمر استبطن الوادي، ثم رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر. اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وعملًا مشكورًا. فسألته عما صنع فقال: حدثني أبي أن النبي ﷺ كان يرمي الجمرة في هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت) (٤) .
-٧ - الموالاة بين الحصيات السبع.
-٨ - غسل الحصى قبل الرمي بها ليتيقن طهارتها.
-٩ - أن يقف عَقِب رمي كل من الجمرتين الصغرى والوسطى مهلِّلًا مكبِّرًا داعيًا بمقدار ما يقرأ سورة البقرة، أما عقب رمي جمرة العقبة فلا يقف، لما روت عائشة ﵂ أن النبي ﷺ (كان يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها) (٥) .
-١٠ - أن يرمي الجمار ماشيًا إلا جمرة العقبة فيجوز أن يرميها راكبًا. وذلك لما روي عن ابن عمر ﵄ «أنه كان يأتي الجمار، في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا. ويخبر أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك» (٦) . ولما روي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: (رأيت رسول الله ﷺ عند جمرة العقبة راكبًا ورأيت بين أصابعه حجرًا فرمى ورمى الناس) (٧) .
(١) النسائي: ج ٥ / ص ٢٦٨.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٥٠/‏٣٠٧.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٤٥/‏٢٦٧.
(٤) البيهقي: ج ٥ / ص ١٢٩.
(٥) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧٨/‏١٩٧٣.
(٦) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧٨/‏١٩٦٩.
(٧) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧٨/‏١٩٦٧.
 
١٨٩
 
مكروهات الرمي:
-١ - أن تُرمى جمرة العقبة من فوق الوادي.
-٢ - يكره أخذ الحصى من المرمى، لأنها حصى من لم تقبل حجته، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: «وكل به ملك ما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل ترك» (١)، وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ما تقبل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتها مثل الجبال) (٢) .
-٣ - يكره أخذ حجر وكسره سبعين حصاة.
-٤ - يكره الرمي بحصاة متنجسة.
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ١٢٨.
(٢) البيهقي: ج ٥ / ص ١٢٨.
 
١٨٩
 
الاستنابة في الرمي:
من كان مريضًا لا يستطيع الرمي، بحيث يجوز له أن يصلي الرفض قاعدًا، يرمي عنه غيره. وكذا المغمى عليه. أما من تركه أو وكَّل به من غير عذر لزمه دم.
ويكره للنائب أن يرمي عن غيره قبل أن يرمي عن نفسه الجمرات الثلاث.
رابعًا - الحلق أو التقصير:
دليله:
قوله تعالى: ﴿لتدخُلُنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلِّقين رؤوسكم ومُقصِّرين﴾ (١) .
ولما روي عن أنس ﵁ (أن رسول الله ﷺ أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر. ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن والأيسر، ثم جعل يعطيه الناس) (٢) .
والحلق هو استئصال الشعر بأي وسيلة (موسى، أو نورة أو غيرهما)، وإن كان أقرعَ أو لم ينبت الشعر في رأسه بعد، مرّ الموسى على رأسه.
أما التقصير فهو أخذ مقدار أُنْملة من رؤوس شعر الرأس للرجل أو المرأة.
المقدار الواجب حلقه أو تقصيره: ربع الرأس وإلا لم يجزئ.
(١) الفتح: ٢٧.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٥٦/‏٣٢٣.
 
١٨٩
 
سنن الحلق والتقصير:
-١ - استيعاب الرأس كله بالحلق.
-٢ - أن يذكر عند الحلق، فيكبر ويقول: «اللهم هذه ناصيتي فاجعل لي بكل شعرة نورًا يوم القيامة، يا أرحم الراحمين».
-٣ - أن يبدأ باليمين، لحديث أنس ﵁ المتقدم: (وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر) .
-٤ - أن يدفن الشعر بعد الحلق.
-٥ - يستحب أخذ الشارب وقصّ الأظافر بعد الحلق أو التقصير، لما روي أن ابن عمر ﵄ كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. ولما روي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه ﵁ (أنه شهد النبي ﷺ عند المنحر هو ورجل من الأنصار، فقسم رسول الله ﷺ ضحايا فلم يصبه ولا صاحبه شيء. وحلق رأسه في ثوبه فأعطاه وقسم منه على رجال، وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه ...) (١) .
والحلق للرجل أفضل، بدليل حديث ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (اللهم ارحم المُحلِّقين، قالوا: والمقَصِّرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين) (٢) .
وأما المرأة فالتقصير لها أفضل، لما روى ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) (٣)، ولأن حلق شعر رأسها يُعد مُثْلَة في حقها.
(١) مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص ٤٢.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٢٦/‏١٦٤٠.
(٣) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧٩/‏١٩٨٤.
 
١٨٩
 
خامسًا - طواف الوداع (الصدر):
وهو واجب على الحاج الآفاقي بشرط كونِه مدركًا مكلفًا غير معذور. فلا يجب على المكي ولا على المعتمر مطلقًا ولا المحصر ولا المجنون ... الخ. ومن في حكمهم أي ممن كان داخل المواقيت، وكذا من نوى الاستيطان قبل حل النفر الأول فلا يجب عليهم بل يندب لأنه شرع لختم أفعال الحج.
ويتحقق طواف الوداع بأكثره وهو أربعة أشواط، أما بقية الأشواط فهي سنة ويجب عليه في ترك كل شوط منها صدقة.
ومن سافر قبل أن يطوف وجب عليه أن يعود إن لم يتجاوز الميقات بعد، فإن تجاوز الميقات وجب عليه دم (وهو الأَوْلى) أو العودة بإحرام جديد بعمرة من الميقات مبتدئًا بطوافها ثم يطوف طواف الوداع.
وقته:
أ - وقت جواز: بعد طواف الزيارة إذا كان عازمًا على السفر حتى لو طاف كذلك ثم أطال الإقامة بمكة ولو سنة ولن ينو الإقامة جاز طوافه. ويكفي فيه أصل النية بلا لزوم تعيين كونه للصدر فلو طاف بعد إرادة السفر ونوى التطوع أجزأه عن الصدر كما لو طاف بنية التطوع في أيام النحر وقع عن الفرض.
ب - وقت مستحب: عند إرادة السفر، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: كان الناس يطوفون في كل وجه، فقال رسول الله ﷺ: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) (١) .
وأما آخر وقته فليس بموقت ما دام مقيمًا حتى لو أقام عامًا لا ينوي الإقامة فله أن يطوف ويقع أداء.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٧/‏٣٧٩.
 
١٨٩
 
سقوطه:
يسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء إن جاوزتا مسافة القصر قبل النّقاء، ولا يجب عليهما شيء. لحديث ابن عباس ﵄ قال: (أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّف عن الحائض) (١) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٤٣/‏١٦٦٨.
 
١٨٩
 
سنن طواف الوداع:
-١ - إتمام الأشواط السبعة إذ الواجب أكثرها (أي أربعة أشوط) وبترك أقلها تلزمه صدقة.
-٢ - الشرب من ماء زمزم والنية بشربه ما شاء، لقوله ﷺ فيما رواه عنه جابر ﵁: (ماء زمزم لما شُرِب له) (١) .
-٣ - تقبيل عتبة باب الكعبة المرتفعة عن الأرض.
-٤ - وضع الصدر والوجه على الملتزم، لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ﵁ قال: (رأيت رسول الله ﷺ يلزق وجهه وصدره بالملتزم) (٢) . كما يسن التشبث بأستار الكعبة والتضرع إلى الله تعالى بالدعاء بما أحب من أمور الدارين، ويكثر من البكاء، فإن لم يبك فليتباكَ لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: (استقبل رسول الله ﷺ الحجر واستلمه، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلًا، فالتفت فإذا عمر يبكي فقال: يا عمر ههنا تسكب العبرات) (٣) .
-٥ - المشي إلى ورائه ووجهه إلى البيت حتى يخرج من المسجد ونظره إلى الكعبة.
ويستحب أن يقول في الوداع: «اللهم هذا بيتك الذي جعلته مباركًا وهدى للعالمين، فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. اللهم فكما هديتنا فتقبله منا ولا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام».
سادسًا - ذبح شاة للقارن والمتمتع.
وسيأتي شرحه عند بحث الدماء إن شاء الله.
سابعًا - الترتيب بين الرمي والحلق والذبح.
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ١٤٨.
(٢) البيهقي: ج ٥ / ص ١٦٤.
(٣) المستدرك: ج ١ / ص ٤٥٤.
 
١٨٩
 
الباب الرابع (سُنَنْ الحّج وآدابه) .
 
١٩٠
 
قد فصل الحديث عن سنن كل ركن وواجب في الأبواب السابقة، وسنذكر فيما يلي سنن الحج غير المتعلقة بالأركان والواجبات.
-١ - طواف القدوم: لمن دخل مكة محرمًا بالحج أو قارنًا، وهو سنة للآفاقي لا للمكي ولا لأهل المواقيت، ويسمى طواف التحية لما روي عن عائشة ﵂ قالت: (إن أول شيء بدأ به وضع حين وقدم النبي ﷺ أنه توضأ وطاف) (١) . ويسن فيه الرمل والاضطباع إن أراد السعي بعده. ومن تركه فقد أساء. ويسقط إذا وقف بعرفة ساعة قبل دخوله مكة.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٢/‏١٥٣٦.
 
١٩١
 
-٢ - المبيت في منى ليالي التشريق: وهو سنة لفعل النبي ﷺ. ويكره أن يبيت في غيرها متعمدًا، لما روى ابن عباس ﵄ قال: (لم يرخص النبي ﷺ لأحد أن يبيت بمكة إلا للعباس من أجل السقاية) (١) . ولكن لا يلزمه شيء بترك المبيت ما دام قد أدى الرمي في وقته.
(١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٨٠/‏٣٠٦٦.
 
١٩١
 
-٣ - أن يشرب من ماء زمزم، لحديث ابن عباس ﵄: (أن رسول الله ﷺ جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك، فأت رسول الله ﷺ بشراب من عندها. فقال: اسقني. قال: يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه. قال: اسقني. فشرب منه، ثم أتى زمزم، وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: اعملوا، فإنكم على عمل صالح) (١) . ويستحب أن يتنفس في الشرب ثلاث مرات، وينظر إلى البيت ويقول: «بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله ﷺ»، ويدعو ويقول في المرة الأخيرة: «اللهم إني أسألك رزقًا واسعًا وعلمًا نافعًا، وشفاء من كل داء وسقم، يا أرحم الراحمين»، وذلك لما روي عن عثمان بن الأسود قال: جاء رجل إلى ابن عباس ﵄ فقال: «من أين جئت؟ فقال: شربت من زمزم. فقال له ابن عباس: أشربت منها كما ينبغي؟ قال: وكيف ذاك يا أبا عباس؟ قال: إذا شربت فاستقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثًا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله، فإن رسول الله ﷺ قال: (آية بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم) (٢) .
وعن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (ماء زمزم لما شرب له، فإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته مستعيذًا عاذك الله، وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه) (٣) . وكان ابن عباس ﵄ إذا شرب ماء زمزم قال:»اللهم أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وشفاء من كل داء" (٤) .
ويستحب أن يمسح وجهه ورأسه بماء زمزم، ويصب على رأسه إن أمكن.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٧٤/‏١٥٥٤.
(٢) المستدرك: ج ١ / ص ٤٧٢، والتضلع: تضلع الرجل امتلأ ما بين أعضائه شِبعًا ورِيًا.
(٣) المستدرك: ج ١ / ص ٤٧٣.
(٤) المستدرك: ج ١ / ص ٤٧٣.
 
١٩١
 
-٤ - ثلاث خطب يلقيها إمام الحج أو نائبه، وهي:
أ - يوم السابع من ذي الحجة، لما روى ابن عمر ﵄ قال: (كان رسول الله ﷺ إذا كان قبل التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم) (١) .
ب - يوم عرفة بنمرة، لما روى جابر ﵁ في حديثه الطويل في صفة حجه ﷺ قال: (... حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها.. فخطب الناس) (٢) .
جـ - يوم النفر الأول بمنى، لحديث عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر، قالا: (رأينا رسول الله ﷺ يخطب بين أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته. وهي خطبة رسول الله ﷺ التي خطب بمنى) (٣) .
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ١١١.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٣) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧١/‏١٩٥٢.
 
١٩١
 
-٥ - التلبية عند التحول من حال إلى حال، كركوب أو صعود أو هبوط، أو إقبال ليل أو نهار.
-٦ - المبادرة بطواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة، لما روى جابر ﵁ في حديثه الطويل: (.. رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ... ثم ركب رسول الله ﷺ فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر) (١) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
 
١٩١
 
-٧ - الإكثار من الصلاة والطواف والاعتكاف في المسجد الحرام.
-٨ - يسن لمن نفر من منى إلى مكة أن يقف بالمُحَصَّب ساعة يدعو الله، لما روي عن نافع «أن ابن عمر كان يرى التحصيب سنة» (١) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٥٩/‏٣٣٨، والمحصب: الأبطح وهو موضع بقرب مكة.
 
١٩١
 
-٩ - يسن النفر الثاني وهو آخر أيام التشريق اقتداء بفعله ﷺ، ولقوله تعالى: ﴿فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه﴾ (١) فالتخيير بين الفاضل والمفضول كما في المسافر يخير بين الصوم والإفطار والصوم أفضل.
(١) البقرة: ٢٠٣.
 
١٩١
 
-١٠ - أن يوقع النية في أشهر الحج ويكره قبلها.
آداب الحج:
-١ - أن يبدأ بالتوبة قبل الخروج للحج.
-٢ - أن يودع أهله وولي أمره ويستأذنه، لما روي عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه استأذن النبي ﷺ في العمرة فقال: (أي أخي أشركنا في دعائك ولا تنسنا) (١) .
-٣ - أن يخرج يوم الخميس، لما روى كعب بن مالك ﵁ قال: (قلما كان رسول الله ﷺ يخرج في سفر إلا يوم الخميس) (٢) .
-٤ - أن يحافظ على الطهارة.
-٥ - أن يتوسع بالنفقة.
-٦ - أن يكثر من الصدقات.
(١) الترمذي: ج ٥ / كتاب الدعوات باب ١١٠/‏٣٥٦٢.
(٢) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجهاد باب ٨٤/‏٢٦٠٥.
 
١٩١
 
الباب الخامس [أوجه تأدية الحج، التحلل، الحج عن الغير]
 
١٩٢
 
الفصل الأول: أوجُه تأدَية الحَجّ
 
١٩٣
 
أوجه تأدية الحج ثلاثة وهي: القران، التمتع، الإفراد.
والدليل على جواز هذه الأوجه الثلاثة: ما روي عن عائشة ﵂ أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حَجّة الوداع، فمنا من أهلّ بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهلّ بالحج، وأهل رسول الله ﷺ بالحج، فأما من أهلّ بالحج، أو جمع الحج والعمرة، لم يحِّلوا حتى كان يوم النحر) (١) .
وأفضل هذه الوجوه القران، ثم التمتع، ثم الإفراد. فالقران أفضل الوجوه والأدلة على ذلك:
-١ - قوله تعالى: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ (٢)، وفسر العلماء إتمامها بالإحرام بها من دويرة أهله، لما روي عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ في قوله ﷿: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ قال: (من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك) (٣)، وهذا لا يتحقق إلا إذا أهلَّ بهما معًا.
-٢ - ما روي عن عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ بوادي العقيق يقول: (أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عُمرة في حجة) (٤) . وعن أنس ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (لبيك بعمرة وحج) (٥) .
-٣ - عمل الرسول ﷺ في حجته فقد صدر بنسكين معًا، فعن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعليًا ﵄، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن يُجمع بينهما، فلما رأى عليُّ أهلَّ بهما: لبيك بعمرة وحجة، قال: «ما كنت لأَدع سُنَّة النبي ﷺ لقول أحد» (٦) .
-٤ - ولأن القران جمعًا بين عبادتين، وتعجيلًا بالإحرام واستدامة له إلى الفراغ من أعمال الحج.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٣/‏١٤٨٧.
(٢) البقرة: ١٩٦.
(٣) البيهقي: ج ٥ / ص ٣٠.
(٤) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٥/‏١٤٦١.
(٥) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٤/‏٢١٥.
(٦) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٣/‏١٤٨٨.
 
١٩٤
 
أولًا - القران:
معناه: لغة: الجمع بين شيئين.
شرعًا: أن يهلّ بالعمرة والحج معًا من الميقات أو من دويرة أهله: حقيقة أو حكمًا. ولا يكون القران إلا للآفاقي.
ويكون القران بالإهلال حقيقة، بأن ينوي الحج والعمرة معًا فيقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني. لبيك اللهم بعمرة وحجة معًا.
ويكون القران بالإهلال حكمًا، بأن يدخل الحج على العمرة قبل أن يطوف أكثر طواف العمرة، أو يدخل العمرة على الحج قبل طواف القدوم.
كيفيته:
إذا دخل مكة طاف للعمرة أولًا ثم يسعى لها، ثم تبدأ أفعال الحج فيطوف للحج طواف القدوم ثم يسعى له. ويقدم أفعال العمرة دائمًا على أفعال الحج، إلا أنه لا يحلق للعمرة حتى يوم النحر، لأن ذلك جناية على إحرام الحج. فعن عائشة ﵂ قالت: (خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة. ثم قال رسول الله ﷺ: من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل منهما جميعًا) (١) . ولا تداخل في أفعال الحج والعمرة بل لابد من إتمام أفعال كل منهما.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٧/‏١١١.
 
١٩٤
 
دم القران:
يجب على القارن دم القران، وهو دم شكر لله تعالى فيذبح الهدي ويأكل منه، ويختص الذبح للقارن والمتمتع بأيام النحر الثلاثة وأفضلها أولها. فإن لم يجد صام ثلاثة أيام ولو متفرقة في الحج، ويندب أن يكون آخرها يوم عرفة، وسبعة بعد تمام أيام الحج وهي نهاية أيام التشريق، سواء في مكة أم بعد رجوعه إلى وطنه، لأن معنى قوله تعالى: ﴿وسبعة إذا رجعتم﴾ (١): إذا فرغتم من أيام الحج. فإن لم يصم ثلاثة أيام قبل الوقوف بعرفة تحتم الدم في حقه، فإذا مضت أيام النحر ولم يقدر على الذبح تحلل وعليه دمان: دم القران ودم لتقديم الحلق على الذبح. وإذا صام الأيام الثلاثة قبل يوم عرفة ثم قدر على الدم أيام النحر قبل الحلق، بأن وصلت إليه أموال، وجب الدم في حقه، أما لو قدر على الدم بعد الحلق لم يلزمه شيء لأن التحلل قد حصل.
(١) البقرة: ١٩٦.
 
١٩٤
 
ثانيًا - التمتع:
معناه: لغة: من المتاع أو المتعة.
شرعًا: أن يفعل العمرة في أشهر الحج في سنته وفي السفر نفسه.
كيفيته:
يدخل المكلف مكة بعمرة فيطوف لها ويسعى ثم يحلق ويتحلل، ويبقى في مكة حتى يوم التروية فيحرم بالحج من الحرم، ثم يخرج إلى منى وعرفات، ويرجع يوم النحر إلى مكة فيطوف طواف الركن ويرمل فيه، ثم يسعى بعده إن لم يكن طاف وسعى قبل خروجه إلى عرفات.
ودليل ذلك ما روي عن جابر ﵁: أنه حج مع النبي ﷺ يوم ساق البدن معه، وقد أهلوا بالحج مفردًا، فقال لهم: (أحِلّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، ثم أقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة) (١) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الحج باب ٣٣/‏١٤٩٣.
 
١٩٤
 
دم التمتع:
يجب على المتمتع دم إذا تحقق تمتعه بشروط:
-١ - أن يكون قد أدى العمرة في أشهر الحج.
-٢ - أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة، أي أدى العمرة أولًا ثم أحرم بالحج.
ولا يسقط دم التمتع بخروج المتمتع من الحرم ومجاورته للميقات، إلا إذا ألم بأهله إلمامًا صحيحًا؛ وذلك برجوعه إلى بلده بعد أداء عمرته ثم حج من عامه. أما لو أتى الآفاقي بالعمرة في أشهر الحج ثم ذهب إلى المدينة ثم حج بعد ذلك من عامه لم يبطل تمتعه وعليه دم. وإذا نوى الإقامة بعد أداء عمرته ثم حج من سنته، فيكون متمتعًا وعليه دم. أما لو نوى الاستيطان الدائم بعد أداء العمرة فلا يكون متمتعًا.
ودم التمتع كدم القران لا يصح قبل يوم النحر. فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم النحر، وتصح بعد إحرامه بالعمرة إلى يوم عرفة والأفضل تأخيرها ليكون آخر يوم منها يوم عرفة، فلو أخرها عن يوم النحر لم يجز وثبت في حقه الدم؛ لأنه لا يجوز صومها أيام النحر ولا تصح بعدها. فإن صام ثلاثة أيام قبل يوم النحر صام سبعة بعد إتمام الحج. وأصل ذلك قوله تعالى: ﴿فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة﴾ (١) .
وإذا أحرم بالعمرة وساق الهدي صح لكنه لا يتحلل حتى يوم النحر، فيذبح هديه ويتحلل يوم النحر، ويختلف بذلك عن القارن أنه إذا جنى جناية بعد إتمام أعمال العمرة والدخول بالحج فعليه دم واحد بخلاف القارن فعليه دمان.
(١) البقرة: ١٩٦.
 
١٩٤
 
ثالثًا - الإفراد:
وهو أن يدخل مكة محرمًا بالحج فقط، فيؤدي أركان الحج وواجباته، وعندما تنتهي أفعال الحج وتنتهي أيام التشريق، يحرم بالعمرة من التنعيم أو من أي مكان من الحل، ثم يطوف ويسعى ويحلق ثم يتحلل ولا يلزمه شيء.
 
١٩٤
 
الفصل الثاني: التحلل
 
١٩٥
 
للحج تحللان، يحصل الأول برمي جمرة العقبة ثم الحلق، والثاني يحصل بطواف الإفاضة (١) . هذا بالنسبة للحاج المفرد.
ويحل بالتحلل الأول كل محرمات الإحرام، إلا النساء. ومتى طاف بعد ذلك حلت له النساء. ودليل ذلك ما روي عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حرامًا إلا النساء، حتى تطوفوا بالبيت) (٢) .
أما الحاج المتمتع أو القارن فيحصل له التحلل الأول بالرمي ثم الذبح ثم الحلق. فإن طاف بعد ذلك حلّ له النساء.
(١) لا تحل النساء بالطواف قبل الرمي أو الحلق. لكن تأخير الطواف مستحب وتقديمه جائز.
(٢) البيهقي: ج ٥ / ص ١٣٦.
 
١٩٦
 
الفصل الثالث: الحَجّ عن الغير
 
١٩٧
 
هل يسقط الفرض بالنيابة:
قسم العلماء العبادات من هذه الناحية إلى أنواع:
-١ - العبادات المالية المحضة، كالزكاة وصدقة الفطر والعشر والنفقات: قالوا تصح فيها النيابة مطلقًا، لأن المقصود منها إيصال المال إلى الفقراء؛ وهو حاصل بفعل الإنابة وينوي المستنيب عند الدفع إلى النائب.
-٢ - العبادات البدنية المحضة: لا تصح فيها النيابة مطلقًا لأن المقصود منها الابتلاء والمشقة وإتعاب النفس بأفعال مخصوصة؛ وهذه لا تتحقق بفعل النائب كالصلاة والصوم.
-٣ - العبادات المالية والبدنية معًا كالحج والقياس أن لا تجزئ فيها النيابة، لكنه تعالى رخص في إسقاط فرض الحج عن المكلف بالنيابة عند العجز المستمر إلى الموت أو بعد الموت بأن أوصى أو تبرع عنه وارثه رحمة منه وفضلًا، بأن يتكلف المكلف المال ويقوم بالحج نائبه؛ فتقع الحجة فرضًا للمنيب ونفلًا للمأمور.
والدليل على ذلك ما روي عن ابن عباس ﵄: أن امرأة من جهينة، جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: (نعم. حجي عنها. أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) (١) .
وروى ابن عباس ﵄ أيضًا قال: جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع، قالت: (يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم) (٢) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الإحصار باب ٣٣/‏١٧٥٤.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الإحصار باب ٣٤/‏١٧٥٥.
 
١٩٨
 
شروط قبول الحج عن الغير:
-١ - أن يكون الحج عن ميت، أو عاجزًا عجزًا مستمرًا إلى الموت؛ فلو قدر على الحج بعد أن يحج عنه غيره لزمته الإعادة، إلا أن يكون زَمِنًا أو أعمى فلا تلزمه الإعادة بالبرء بل يسقط عنه الفرض مطلقًا.
-٢ - أن يُدخِل المستناب نية الحج عن الغير في نيته فيقول: أحرمت عن فلان بحجة لبيك اللهم بحجة عن فلان لبيك. ويقول بعد صلاة ركعتي الإحرام: اللهم إني أريد الحج عن فلان فيسره لي وتقبله مني ومن فلان. وتكفي نية القلب.
-٣ - أن يأمر المحجوج عنه بذلك: فلا يقع فرض الحج لو حج إنسان عن غيره بدون إذنه، إلا الوارث فيحج عن مورثه.
-٤ - أن يكون المأمور أهلًا للحج ولو امرأة أو عبدًا. ولا يشترط له أن يكون حج عن نفسه حجة الفرض (١) .
وإن أوصى رجل بحجة مطلقًا، فيجل على الورثة إخراج نفقة الحج من منزله لأنه المتعارف، إلا أن تكون النفقة قليلة لا تكفي فمن حيث تبلغ.
وإذا أحصر المأمور كان دم الإحصار على الآمر، أما دم التمتع والقران والجنايات فهي على المأمور إن أذِن له الآمر بالتمتع أو القران.
وإذا أفسد المأمور حجه لزمه الضمان.
(١) وهذا ما يسمى حج الضَّرُورة بأن يحج المكلف عن غيره قبل أن يحج عن نفسه حجة الإسلام. وقيل إن حج الضرورة إذا كان بعد تحقق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة فهو مكروه كراهة تحريم خشية أن لا يدرك الفرض إلا أنه يصح.
 
١٩٨
 
هل يجب على العاجز أن يوصي أن يحج عنه:
-١ - إذا قدر على الحج فوجب عليه ولم يحج ثم عجز، يجب عليه أن ينيب من يحج عنه اتفاقًا.
-٢ - إذا لم يقدر على نفقة الحج حتى عجز فأدركته فريضة الحج عاجزًا، اختلف فيه على قولين:
أ - قال الإمام: لا يجب عليه أن ينيب، لأن صحة البدن شرط لوجوب الحج.
ب - قال الصاحبان: يجب عليه أن ينيب، لأن صحة البدن عندهما شرط لوجوب الأداء. وتصح النيابة في النفل مطلقًا.
تعقيب:
هل يصح أن يهب الإنسان ثواب عمله؟
يصح مطلقًا أن يعمل الإنسان ويتعبد ويهب الثواب لغيره، فيكون الثواب له ولغيره، سواء نوى العمل أو نواه لنفسه ثم وهبه. وخالف المعتزلة مستدلين بقوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ (١) . وأجيب بأن هذا النص خاص فيما إذا لم يهبه، فإذا تبرع صاحب العمل فوهبه يصل ثوابه سواء كان الموهوب له حيًا أو ميتًا. والأدلة على ذلك كثيرة وبلغت مبلغ التواتر: فقد روي أن رسول الله ﷺ ضحى بكبشين أملحين واحد لنفسه وواحد عن أمته.
وروي عن مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينا نحن عند رسول الله إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: (نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما) (٢) .
وعن عبد الله بن عمرو ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا تصدق بصدقة تطوعًا فليجعلها عن أبويه، فيكون لهما أجرها ولا ينتقص من أجره شيئًا) (٣) .
وروي عن معقل بن يسار قال: قال النبي ﷺ: (اقرؤوا يس على موتاكم) (٤) .
(١) النجم: ٣٩.
(٢) أبو داود: ج ٥ / كتاب الأدب باب ١٢٩/‏٥١٤٢.
(٣) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٣٨، رواه الطبراني في الأوسط وفيه خارجة بن مصعب الضبي ضعيف.
(٤) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٢٤/‏٣١٢١.
 
١٩٨
 
الباب السادس (العمرة) .
 
١٩٩
 
تعريف العمرة:
لغة: الزيارة.
شرعًا: زيارة البيت الحرام للنسك.
حكمها: المعتمد في المذهب أنها سنة مؤكدة في العمر مرة، لحديث طلحة بن عبد الله ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (الحج جهاد والعمرة تطوع) (١) .
وتكون واجبة في حق من أراد دخول مكة وهو لا يريد الحج، فيجب أن لا يتجاوز الميقات إلا محرمًا، فإذا اختار العمرة صارت واجبة في حقه. كما يكون إتمامها واجبًا إذ بدأ فيها تطوعًا.
(١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٤٤/‏٢٩٨٩.
 
٢٠٠
 
ميقات العمرة:
-١ - ميقاتها الزماني: كل أيام السنة، وتندب في رمضان لحديث جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) (١) .
وأفضل وقت للإتيان بها بعد الفراغ من الحج، لما روي عن عامر بن ربيعة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (تَابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعة ما بينهما تزيد في العمر والرزق وينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد) (٢) .
ويكره تحريمًا إنشاؤها:
أ - في خمسة أيام في السنة: يوم عرفة، يوم النحر، ثلاثة أيام التشريق. ولو أهلَّ بها في هذه الأيام لزمه رفضها ووجب قضاؤها ووجب عليه دم للرفض، وإن تابعها صحت مع الكراهة وعليه دم.
ب - في أشهر الحج لأهل مكة، ومن كان مقيمًا داخل المواقيت إن أراد الحج في تلك السنة.
-٢ - ميقاتها المكاني:
أ - للآفاقي: هي نفس مواقيت الإحرام بالحج.
ب - لأهل مكة وكل من كان مقيمًا داخل المواقيت أو غيره: ميقاتهم الحِلّ وذلك ليتحقق لهم نوع سفر.
وأفضل مكان للإحرام بالعمرة لهؤلاء:
أ - التنعيم: وهو أقرب مكان في الحل، وهو مكان عند مسجد السيدة عائشة ﵂. ودليل أفضليته ما روي عن عبد الرحمن بن أبي بكر ﵄ (أن النبي ﷺ أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم) (٣) .
ب - الجعرانة: وهي تبعد عن مكة ستة فراسخ باتجاه الطائف. ويسن أنت يقصد ماءها ليتوضأ منه، لأنه ﷺ فحص موضع الماء بيده الشريفة فانبجس، فعن خالد بن عبد العزى بن سلامة ذكر أن رسول الله ﷺ نزل عليه بالجعرانة وذكر الحديث وفيه قال: (ثم إن النبي ﷺ فحص الكدة بيده فانبجس الماء فشرب) (٤) .
(١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٤٥/‏٢٩٩٥.
(٢) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٢٧٧، رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف.
(٣) البخاري: ج ٢ / كتاب العمرة باب ٦/‏١٦٩٢.
(٤) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٢٧٩، رواه الطبراني في الكبير.
 
٢٠٠
 
شروط العمرة:
الإحرام: وهو شرط لصحة العمرة وكيفيته كإحرام الحج.
أركانها:
الطواف أربعة أشواط.
واجباتها:
-١ - إتمام الأشواط السبعة.
-٢ - السعي بين الصفا والمروة.
-٣ - الحلق أو التقصير.
-٤ - كون الإحرام من الميقات.
-٥ - تجنب محظورات الإحرام.
ولا يجب في العمرة الوقوف بعرفة وجمع، ولا طواف الوداع.
إفسادها:
تفسد العمرة بالجماع قبل تمام أربعة أشواط من الطواف. ويجب بإفسادها القضاء وذبح شاة، ولا يجب ذبح بَدَنة لأن الجناية فيها أقل من الجناية في الحج.
 
٢٠٠
 
الباب السابع (الجِنايات) .
 
٢٠١
 
الجنايات في الحج أنواع:
-١ - الجناية على الحرم.
-٢ - الجناية على الإحرام.
-٣ - الجناية على الطواف.
-٤ - ترك واجب من واجبات الحج أو تأخير فرض.
أولًا - الجناية على الحرم:
وتتحقق بالتعرض لصيد الحرم أو شجره، لحديث ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (حرَّم الله مكة، فلم تَحِلَّ لأحد قبلي ولا لأحد بعدي أُحِلَّت لي ساعة من نهار، لا يُخْتَلَى خَلاَها، ولا يُعْضَد شجرها، ولا يُنَفَّر صيدها، ولا تُلْتَقط لُقَطَتُها إلا لمُعَرِّف. فقال العباس ﵁: إلا الإِذْخِرَ لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: إلا الإِذْخر) (١) .
وجزاء من صاد في الحرم وهو حلال قيمة الصيد يتصدق بها على الفقراء، لأن الصيد استحق بالأمن بسبب الحرم. ولا يجزئه الصوم لأنها غرامة مالية وليست كفارة فأشبه ضمان الأموال. ولا يحل له أكله ولا بيعه بل هو ميتة (٢) .
وإذا اشترك حلالان في صيد وجب عليهما معًا قيمته، ولا يتعدد الجزاء بتعدد المعتدي. ومن دخل الحرم ومعه صيد وجب عليه أن يرسله. ولو أخرج ظبية من الحرم فولدت ثم ماتت ضمن ثمنها وما ولدت. ولو شوى بيضًا أو جرادًا أو حلب لبن صيد، لم يحرم أكله لكن يضمنه، وجاز بيعه مع الكراهة.
ولو قطع حشيش الحرم أو شجرة فيه ليست مملوكة مما لا ينتبه الناس فعليه قيمة ما قطع إلا إذا كان يابسًا، لحديث ابن عباس ﵄ المتقدم، (إلا الإذخر) .
ويكره تحريمًا بيع ما قطعه من نبات الحرم لأنه ملكه بسبب محظور. أما ما ينبته الناس عادة فلا شيء في قطعه، لأنه غير مستحق للأمن. وإذا قطع ما نبت وحده من نبات الحرم في ملك غيره وجب عليه قيمتان: قيمة لحق الشرع وقيمة لصاحب الأرض على قول الصاحبين المفتى به من تملك أرض الحرم.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٧٥/‏١٢٨٤.
(٢) على قول الكرخي، وهو المختار في المذهب، وقال بعض أصحاب أبي حنيفة ﵁ إن أكله مباح لكن مع الكراهة.
 
٢٠٢
 
ثانيًا - الجناية على الإحرام:
ويكون متلبسًا فيها من أقدم على فعل محظورات الإحرام وهو بالغ، سواء كان عامدًا أو ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا. ولو فعله عمدًا لغير ضرورة وقال: أفدي، لم يجز ولا يسقط عنه الإثم بالجزاء ويكون حجه غير مبرور.
ويتكرر الجزاء بتكرر فعل المحظور إن لم يتحد المجلس.
والجنايات على الإحرام هي:
-١ - الرَّفَث:
أ - الجماع: وهو مفسد للحج إن وقع قبل الوقوف بعرفة، ويترتب على من فعله ذبح شاة، وأن يتم حجه المفسد، ثم يقضي الحج وجوبًا في العام الذي يليه. وذلك لما روي: أن رجلًا من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله ﷺ. فقال لهما: (اقضيا نسككما، وأهديا هديًا، ثم ارجعا، حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، وعليكما حجة أخرى، فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وأتما نسككما وأهديا) (١) .
أما إن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فعليه بَدَنة ويتم حجه، لما روي عن ابن عباس ﵄: «أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يُفيض، فأمره أن ينحر بَدَنة» (٢) .
وإن جامع بعد الحلق ما بين التحللين فعليه شاة لبقاء الإحرام في حق الجماع إلى ما بعد طواف الإفاضة.
ب - المباشرة بشهوة وكل دواعي الجماع من عناق أو تقبيل أو لمس، أنزل أم لم ينزل، فيها شاة ما لم يتحلل التحلل الثاني. فعن علي ﵁ قال: «من قَبّل امرأته وهو محرم فليهرق دمًا» (٣) .
جـ - الاستمناء أو مجامعة بهيمة: فيه شاة إن أنزل.
أما التفكر والنظر بشهوة والاحتلام ليس فيها شيء.
-٢ - الطيب: تجب شاة على من طيّب عضوًا كاملًا أو أكثره، أو أكل طيبًا كثيرًا، أو طيّب فمه، أو لبس ثوبًا مطيبًا نهارًا كاملًا أو ليلة كاملة. وإن طيّب جسمه كله في مجلس واحد تجب شاة واحدة. فإن طيّب أقل من عضو وتعددت المواضع تجمع كعضو واحد، فإن طيّب أقل من عضو فعليه صدقة (٤) مع إزالة الطيب عن العضو قبل التفكير.
-٣ - الادّهان: من دهن عضوًا كاملًا لغير عذر (لغير التداوي) بزيت الزيتون أو غيره فعليه شاة.
-٤ - لبس المخيط: يجب شاة على من لبس مخيطًا أو غطى ربع رأسه يومًا وفيما دون ذلك صدقة. وكذلك المرأة إن سترت وجهها. واعتبر اليوم ارتفاقًا كاملًا، ويقوم أكثر اليوم مقام الكل.
-٥ - الحلق: تجب شاة بحلق ربع الرأس أو ربع اللحية أو أحد الإبطين أو العانة، وفي أقل من ذلك صدقة قدرها نصف صاع من بُرّ. ومن حلق رأس غيره فعليه صدقة.
-٦ - قص الأظافر: تجب شاة في قص أظافر يد أو أكثر في مجلس واحد، أما إن تعدد المجلس فيجب في كل عضو دم (العضو خمسة أظافر)، وفي أقل من ذلك في كل ظفر صدقة وهي نصف صاع من بُرّ، ومن قص أظافر غيره فعليه صدقة. أما إن انكسر ظفره فنزعه فلا شيء عليه.
ومن تطيَّب أو حلق أو لبس لعذر فهو مخير بين ذبح شاة أو أن يتصدق بثلاثة آصاع من طعام على ستة مساكين أو أن يصوم ثلاثة أيام، لقوله تعالى: ﴿ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك﴾ (٥)، ولما روي عن كعب بن عجرة ﵁ أن رسول الله ﷺ مر به زمن الحديبية فقال له: (آذاك هوامّ رأسك. قال: نعم. فقال له النبي ﷺ: (احلق رأسك ثم اذبح شاة نسكًا أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصُعٍ من تمر على ستة مساكين) (٦) .
ولا يصح ذبح دم الجزاء إلا في الحرم لأنه لا يعتبر قربة إلا في مكان مخصوص لقوله تعالى: ﴿هديًا بالغ الكعبة﴾ (٧) . أما دم التمتع والقران فيختصان بالزمان وهو أيام النحر الثلاثة والمكان وهو الحرم.
وأما الصوم والصدقة فيصحان في كل مكان إن شاء عجلهما في مكة أو أخرهما حتى يرجع إلى أهله، لأنهما قربة في جميع الأزمنة والأمكنة.
-٧ - الصيد: يجب على المحرم إذ قتل صيدًا أو دل عليه من يقتله جزاء يقوّمه عدلان في مكان قتله أو قريب منه، فإن بلغت قيمته هديًا فله الخيار إن شاء اشتراه وذبحه في الحرم، أو اشترى بقيمته طعامًا يتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بُرّ (أو صاع من تمر أو شعير)، أو صام عن طعام كل مسكين يومًا. ولو بلغت قيمة الصيد هديين أو بدنة فهو مخير بين أن يذبح شاتين في الأولى أو سبع شياه في الثانية. والدليل على قيام القيمة مقام الذبح قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم، هديًا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صيامًا، ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه، والله عزيز ذو انتقام﴾ (٨)، فالمطلوب هو المثل المطلق بالقيمة لا المثل في الصورة فإنه غير مقصود.
أما الصيد غير المأكول فلا يتجاوز الجزاء فيه قيمة الشاة، إلا أن يكون معلمًا فيضمن قيمته (٩)، أو يصوم عن طعام كل مسكين يومًا. ولا يجوز أن تعطى القيمة للأصول ولا للفروع ولا للزوج ولا للزوجة.
وتجب القيمة بقطع بعض قوائم الحيوان ونتف ريشه وكسر بيضه.
ويجب فيما لو قتل قملة من بدنه أو ألقاها أو ألقى ثوبه في الشمس لتموت، أن يتصدق بما شاء، فعن ابن عمر ﵄ قال «في القملة يقتلها المحرم يتصدق بكسرة أو قبض من طعام» (١٠) . وكذا من قتل جرادة تصدق بما شاء، فعن يحيى بن سعيد «أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن جرادات قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب: تعال حتى نحكم، فقال كعب درهم، فقال عمر لكعب: إنك لتجد الدراهم لتمرة خير من جرادة» (١١) .
ولا يجب شيء في قتل البعوض والنمل المؤذي والبراغيث والقراد.
وحكم ما اصطاده المحرم حكم الميتة لا يجوز أكله ولا بيعه ولا إهداؤه. ولا بأس للمحرم أن يذبح شاة أو بطًا أهليًا، لأنه ليس بصيد.
وكل ما على المفرد فيه دم على القارن فيه دمان (١٢) .
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ١٦٧.
(٢) الموطأ: ص ٢٦٥.
(٣) البيهقي: ج ٥ / ص ١٦٨.
(٤) الصدقة نصف صاع من بر.
(٥) البقرة: ١٩٦.
(٦) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٠/‏٨٤.
(٧) المائدة: ٩٥.
(٨) المائدة: ٩٥.
(٩) المعلم يضمن قيمته لمالكه معلمًا ولحق الله تعالى غير معلم.
(١٠) البيهقي: ج ٥ / ص ٢١٣.
(١١) الموطأ: ص ٢٨٧.
(١٢) يعني بفعل شيء من محظورات الإحرام وما حرم فعله بسبب نفس الإحرام لا من حيث كونه حجًا أو عمرة، فلو ترك القارن واجبًا من واجبات الحج فليس عليه إلا دم واحد كما إذا ترك طواف الوداع أو الرمي أو الوقوف بمزدلفة.
 
٢٠٢
 
ثالثًا - الجناية على الطواف:
-١ - من طاف طواف الإفاضة جنبًا أو حائضًا فعليه بَدَنة (إلا إذا أعاده على طهارة) .
-٢ - من طاف طواف العمرة كله أو أكثره أو أقله جنبًا أو حائضًا، أو طاف كله أو أكثره محدثًا، فعليه دم (شاة) . وكذا لو ترك من طواف العمرة شوطًا لأنه لا مدخل للصدقة فيها، وهناك قول آخر بأنه عليه لكل شوط صدقة كما لو طاف أقله محدثًا وجب عليه لكل شوط نصف صاع من حنطة.
-٣ - من طاف طواف الركن محدثًا، أو طاف طواف الوداع أو طواف السنة جنبًا، فعليه شاة.
-٤ - من طاف طواف السنة محدثًا فعليه صدقة.
-٥ - من طاف طواف الركن وهو كاشف العورة بما يفسد الصلاة فعليه شاة. أما من طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة أكبر من قدر الدرهم فلا شيء عليه لكن يكره.
وإذا أعاد المكلف الطواف الناقص، في جميع الحالات المذكورة، على وجه مشروع سقط عنه الدم لأن جنايته صارت متداركة. ولا يعيد السعي بعده.
رابعًا - ترك واجب من واجبات الحج:
تجب شاة على من ترك واجبًا من واجبات الحج كترك السعي أو طواف الوداع أو الوقوف بمزدلفة. وتجب الشاة في ترك رمي الجمار كلها أو يوم منها، أو تأخير رمي يوم عن وقته (يومه)، فإن ترك رمي بعض حصيات أو لم تصل الحصاة إلى مكانها عند الرمي، ففي كل حصاة صدقة نصف صاع من بُرّ.
ولو أفاض من عرفات قبل الغروب وجب عليه دم (بخلاف ما إذا وقف ليلًا فلا يجب عليه شيء اتفاقًا) إلا أن يعود قبل الغروب فيسقط الدم على الأصح.
ولو جاوز الميقات بدون إحرام لزمه دم، إلا أن يعود فيحرم من الميقات.
 
٢٠٢
 
الباب الثامن (الإحصار) .
 
٢٠٣
 
تعريف الإحصار:
لغة: المنع أو الحبس.
شرعًا: المنع من أداء ركن من أركان الحج أو العمرة.
المحصرات:
-١ - الإحصار العام: ويكون بمنع العدو المحرم بالحج أو العمرة من دخول مكة، أو بحصول خوف على الطريق يمنعه من المضي لإتمام نسكه. كما أحصر رسول الله ﷺ عام الحديبية.
-٢ - طروء مرض مفاجئ يمنع من إتمام النسك.
-٣ - موت المَحْرَم بعد الإحرام، فإن كانت المرأة لا تزال في بلدها فلا تخرج، أما إن مات زوج المرأة وكانت في الطريق؛ فإذا كانت في مأمن تبقى مكانها حيث مات وتقضي عدتها، وإن كانت في طريق لا تستطيع البقاء: فإن كانت أقرب إلى بلدها رجعت وتؤدي عدتها وتحلّ من إحرامها وترسل الهدي. أما إن كانت أقرب إلى مكة فيجب عليها إتمام النسك.
-٤ - ضياع المال وعدم التمكن من إتمام الحج لعدم النفقة.
-٥ - إن أحرمت الزوجة بغير إذن زوجها فله أن يمنعها ويحللها بأي وسيلة كانت، والسيد له أن يحلل عبده وأمته إن أحرما ولو بإذنه.
ما يترتب على المُحصَر:
أ - من أحصر عن الدخول إلى مكة:
-١ - يجب عليه أن يرسل هديًا كي يذبح في الحرم، لقوله تعالى: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله، فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي، ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله﴾ (١)، فمحل ذبحه الحرم ولا يصح في غيره، فإذا قيل إن رسول الله ﷺ وأصحابه ذبحوا مكانهم عام الحديبية فلأنها تابعة للحرم.
أما الزوجة والعبد فإنهما يتحللان بأدنى شيء من محرمات الإحرام، ثم ترسل الزوجة هديًا والعبد لا يرسل حتى يتحرر.
ويجوز أن يذبح المحصر عن الحج قبل يوم النحر، فيرسل الهدي ويتفق مع من أرسله معه على يوم الذبح ويتحلل به. ويلزم القارن دمان حتى يتحلل بالذبح.
ولا يجزئ الصوم عن الذبح، فلو عجز عن الذبح لا يتحلل بالصوم بل يبقى محرمًا حتى يُذبح عنه أو يأتي مكة ويتحلل بأفعال العمرة.
-٢ - يتحلل المحصر متى تيقن من وصول الهدي وذبحه في الحرم، ولا ينتظر يوم النحر.
-٣ - يجب على المحصر قضاء الحج أو العمرة حسب نيته في النسك الذي مُنع من إتمامه، فعن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ: (من كُسِر أو عرج فقد حلّ وعليه الحج من قابل) (٢) . فإن كان ناويًا الحج وجب عليه حجة وعمرة، وإن كان قارنًا وجب عليه حجة وعمرتان، لأن الحج ولو كان نفلًا صار فرضًا بالشروع فيه فيجب عليه قضاؤه، والعمرة لأن من فاته الحج يتحلل بأفعال العمرة فلما تحلل دون أن يأتي بها وجب عليه قضاؤها. وأما من كان محرمًا بعمرة فأحصر وجب عليه عمرة، فعن عبد الله بن مسعود ﵁ أنه سئل عن رجل اعتمر فنهشته حية، فلم يستطيع المضي، فقال عبد الله بن مسعود: «ليبعث بهدي ويواعد أصحابه يوم أَمَار (٣)، فإذا نحر عنه الهدي حلَّ وكانت عليه عمرة مكان عمرته». وقد قضى رسول الله ﷺ العمرة التي صُد عنها وسميت عمرة القضاء.
أما لو زال الإحصار قبل فوات الحج فلا يجب عليه دم إن أداه من عامه، وإن صبر على إحرامه ثم تحلل بعمرة فلا يجب عليه هدي ويقضي الحج.
(١) البقرة: ١٩٦.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الحج باب ٤٤/‏١٨٦٢.
(٣) الأمار: العلامة التي يعرف بها الشيء، يقول: اجعلوا بينكم يومًا تعرفونه لكيلا تختلفوا.
 
٢٠٤
 
ب - الإحصار بعد الوقوف بعرفات:
-١ - إذا كان الإحصار بعدوٍّ فلا يعتبر محصرًا، إنما يترتب عليه دم عن كل واجب (الوقوف بمزدلفة، رمي الجمار، تأخير الحلق ...) .
-٢ - إذا كان الإحصار بمرض أو موت صحت حجته، لحديث عبد الرحمن بن يَعْمُر الديلي أن النبي ﷺ قال: (الحج عرفة) (١) فلو مات بعد عرفة صحت حجته.
(١) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب المناسك باب ٥٧/‏٣٠١٥.
 
٢٠٤
 
جـ - الإحصار داخل مكة:
إن فاته الوقوف بعرفة وطواف الركن فهو محصر يتحلل بدم، أما إن استطاع فعل أحد الركنين فليس محصرًا، لأنه إن أدرك وقوف عرفات فقد أدرك الحج لقوله ﷺ: (الحج عرفة) وإن أدرك الطواف يتحلل بعمرة وعليه قضاء الحج.
 
٢٠٤
 
الباب التاسع (الهدي) .
 
٢٠٥
 
الهدي: اسم لما يهدى إلى الحرم ويذبح فيه. وهو من الإبل والبقر والغنم. وأدناه شاة، وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة أشخاص، لما روي عن جابر ﵁ قال: (نحرنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة) (١) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٢/‏٣٥٠.
 
٢٠٦
 
محله: الحرم، فلا يعتبر هديًا إلا إذا ذبح في الحرم، لكن أفضل الأمكنة منى، لما روي عن جابر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (نحرت ههنا ومنى كلَها منحر فانحروا في رحالكم) (١)، وعنه أيضًا قال: قال رسول الله ﷺ: (كل فجاج مكة طريق ومنحر) (٢) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٢٠/‏١٤٩.
(٢) البيهقي: ج ٥ / ص ١٧٠.
 
٢٠٦
 
وقته:
أ - هدي التطوع والمتعة والقران: لا يصح إلا أيام النحر الثلاثة ولا يجوز قبلها.
ب - هدي الجنايات والكفارات والإحصار: يصح في أي وقت، والأَولى تعجيله لينجبر النقص من أفعاله.
شروطه:
-١ - يشترط في الهدي ما يشترط في الأضحية، فلا يجزئ ما دون الثنيِّ إلا الجذع من الضأن ولا يصح بالعوراء ولا العجفاء ولا العمياء ولا مقطوعة الأذن، فعن أبي حصين أن ابن الزبير رأى هديًا له فيها ناقة عوراء فقال: «إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها وإن كان أصابها قبل أن تشترها فأبدلوها» (١) .
-٢ - أن لا يأكل من هدي الجنايات والكفارات، لما روي عن طاووس وسعيد بن جبير أنهما قالا: «لا يأكل من جزاء الصيد ولا من الفدية» (٢) . ويجوز أن يأكل من هدي التمتع والقران والتطوع، لما روي عن جابر ﵁ قال: (كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى، فأرخص لنا رسول الله ﷺ فقال: كلوا وتزودوا فأكلنا وتزودنا) (٣) .
-٣ - أن لا يعطي أجر القصَّاب منه، لما روي عن علي بن أبي طالب ﵁ (أن نبي الله ﷺ أمره أن يقوم على بدنه، وأمره أن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها في المساكين ولا يعطي في جزارتها منها شيء) (٤) .
(١) البيهقي: ج ٥ / ص ٢٤٢.
(٢) البيهقي: ج ٥ / ص ٢٤٢.
(٣) مسلم: ج ٣ / كتاب الأضاحي باب ٥/‏٣٠.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦١/‏٣٤٩.
 
٢٠٦
 
ما يندب في الهدي:
-١ - أن يذبح بنفسه وإلا يوكل غيره ويشهده، لما روي عن جابر بن عبد الله ﵄ في حديثه الطويل: (ثم انصرف - أي النبي ﷺ إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بيده) (١) .
-٢ - أن يقلد (٢) هدي التطوع (تمتع، قران، نذر) دون غيره لأنه نسك يليق به الإظهار، أما بقية الهدايا فلا يقلدها لأنها جنايات. روت عائشة ﵂ قالت: (ربما فَتَلْتُ القلائد لهدي رسول الله ﷺ. فيقلد هديه ثم يبعث به) (٣) .
وإذا عطب هدي التطوع على الطريق لا يلزمه غيره، ولا يجوز أن يأكل منه بل يطعمه للفقراء، أما إن كان غير ذلك ضمنه، لما روي عن ابن عباس ﵄ أن ذؤيبًا أبا قبيصة حدثه؛ أن رسول الله ﷺ كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: (إن عَطِب منها شيء، فخشيت عليه موتًا، فانحرها. ثم اغمس نعلها في دمها. ثم اضرب به صفحتها. ولا تطعهما أنت ولا أحد من أهل رفقتك) (٤) .
-٣ - أن يذبحه بمنى.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ١٩/‏١٤٧.
(٢) التقليد: هو جعل قلادة أي حبل من نبات الأرض في عنق الإبل أو البقر للإشارة بأنه هدي.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٤/‏٣٦٦.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٦/‏٣٧٨.
 
٢٠٦
 
الأضْحِيَة
تعريفها:
الأضحية لغة: اسم لما يذبح أيام الأضحى.
شرعًا: اسم لما يذبح أو ينحر من النَّعم تقربًا لله تعالى في أيام النحر.
دليلها:
ثبتت مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع.
من الكتاب: قوله تعالى: ﴿فصلِّ لربك وانحر﴾ (١) .
ومن السنة: حديث أنس ﵁ قال: (ضحى النبي ﷺ بكبشين أملحين (٢) أقرنين (٣)، ذبحهما بيده، وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما) (٤) .
وقد أجمعت الأمة على مشروعيتها.
(١) الكوثر: ٢.
(٢) كبش أَمْلح: هو الذي بياضه غالب لسواده.
(٣) كبش أَقْرن: كبير القرنين.
(٤) مسلم: ج ٣ / كتاب الأضاحي باب ٣/‏١٧.
 
٢٠٦
 
حكمها:
هي واجبة على الذكر والأنثى عند الإمام أبي حنيفة، وهو المعتمد، بدليل ما روى أبو هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (من وجد سعة فلم يضحِّ معنا فلا يَقْرَبَن مُصلاّنا) (١) . ففي الحديث وعيد من رسول الله ﷺ ولا يكون الوعيد إلا لترك واجب.
وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من كان ذبح قبل الصلاة فْليُعِد) (٢) والأمر للوجوب فلولا أنها واجبة ما وجبت إعادتها.
وهي سنة مؤكدة عند الإمام أبي يوسف، لما روت أم سلمة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) (٣)، والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب لذا فهي سنة مؤكدة. وعلى القولين لا يكفر جاحدها.
(١) المستدرك: ج ٤ / ص ٢٣٢.
(٢) مسلم: ج ٣ / كتاب الأضاحي باب ١/‏١٠.
(٣) مسلم: ج ٣ / كتاب الأضاحي باب ٧/‏٤١.
 
٢٠٦
 
شروط وجوبها:
-١ - الإسلام، لأنها عبادة.
-٢ - الحرية، لضرورة الملك.
-٣ - اليسار الذي يتعلق به وجوب صدقة الفطر، وهو ملك نصاب ولو غير نام، وأن يكون زائدًا عن حوائجه الأصلية.
-٤ - الإقامة في بلد أو قرية أو بادية، فلا تجب على المسافر، ولا على الحاج إن كان مسافرًا، لقول علي ﵁: «ليس على المسافر جمعة ولا أضحية».
ولا يجب على الوليّ أن يضحي عن ولده الصغير كصدقة الفطر لاختلاف سببهما، كما أنها لا تجب في مال الصبي لأنها قربة ولا يخاطب بها إلا العاقل البالغ. وهذا هو القول المفتى به.
وقال الصاحبان: تجب في مال الصبي فيضحي عنه وليُّه، ومثله المجنون.
شروط صحتها:
-١ - يشترط أن تكون من النعم وهي: الإبل والبقر والغنم بنوعيه المعز والضأن، لقوله تعالى: ﴿ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾ (١) . وأفضلها الغنم. والكبش أفضل من النعجة، والأنثى من المعز أفضل من التَّيْس، والأنثى من الإبل والبقر أفضل من الذكر إذا استويا في اللحم.
ويجوز الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر بشرط أن لا يزيد عددهم على السبعة أشخاص، فإذا كانوا أكثر من سبعة فلا يجوز الاشتراك. والأفضل أن يتفقوا قبل الشراء ويقتسموا لحمها بالوزن. ودليل جواز الاشتراك ما روى جابر ﵁ قال: (نحرنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة) (٢) . والشاة أفضل من سبع البقرة أو البدنة إذا استويا في اللحم.
-٢ - يشترط الثَّنِيُّ في الجميع، إلا الضأن فقد ورد فيها جواز الجَذَع، فعن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله ﷺ قال: (يجوز الجذع من الضأن أضحية) (٣) . والجذع ما كان فوق ستة أشهر على أن يكون كثير اللحم بحيث لو وضع مع الثنايا لا يفرق عنها. والثَّنِيّ: ما كان فوق السنة من الغنم، وفوق السنتين من البقر، وفوق الخمس سنين من الإبل.
-٣ - يشترط في الأضحية أن تكون سليمة من العيوب والأمراض، فلا تصح بالعمياء، ولا بالعوراء، ولا بالعجفاء وهي المهزولة التي لا مخ في عظامها، ولا بالعرجاء البيّن عَرَجها، لما روى البراء ﵁ قال: قام فينا رسول الله ﷺ فقال: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بَيِّن عورها، والمريضة بيّن مرضها، والعرجاء بيّن ظلعها، والكسير التي لا تُنقى) (٤) . ولا تصح بمقطوعة الأذن أو الذَّنب أو الإلية إذا كان المقطوع أكثر من الثلث، لما روي عن علي ﵁ (أن النبي ﷺ نهى أن يُضَحَّى بعضْباء الأذن والقرن) (٥) . ولا تصح بالهَتْماء التي ليس لها أسنان ولا بالجلاّلة التي ترعى العَذِرة (٦) .
وتصح بالجمّاء التي لا قرون لها خِلقَة، والعَظْماء وهي التي ذهب بعض قرنها، والتَّولاء وهي المجنونة إذا لم يمنعها الجنون من الرعي. وتصح بالجَرباء إذا كانت سمينة، فإذا هزلت بالجَرب فلا يجوز.
(١) الحج: ٣٤.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦٢/‏٣٥٠.
(٣) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب الأضاحي باب ٧/‏٣١٣٩.
(٤) أبو داود: ج ٣ / كتاب الضحايا باب ٦/‏٢٨٠٢، ولا تنقى: أي لا نقي لها وهو المخ.
(٥) أبو داود: ج ٣ / كتاب الضحايا باب ٦/‏٢٨٠٥.
(٦) العَذِرة: أماكن النّجاسات.
 
٢٠٦
 
وقتها:
يبدأ وقتها بعد طلوع فجر يوم النحر، ويشترط في المِصْر أن يضحي بعد أداء صلاة العيد، لما روى البراء ﵁ قال: خطبنا النبي ﷺ يوم النحر قال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر) (١) . وينتهي وقتها قبل غروب شمس ثالث أيام النحر. والأفضل أن يضحي أول يوم، ويكره تنزيهًا أن يضحي في الليل.
ولو فات الوقت وكان المكلف ممن تتوفر فيهم شروط وجوبها، وجب عليه التصدق بمقدار ثمن شاة، ولو مات أيام النحر سقطت عنه، أما لو مات بعدها ولم يضحِ فعليه أن يوصي بالتصدق بثمنها.
(١) البخاري: ج ١ / كتاب العيدين باب ١٠/‏٩٢٥.
 
٢٠٦
 
ما يندب في الأضحية:
-١ - أن يأكل منها ويتصدق ويدَّخر، لقوله تعالى: ﴿فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير﴾ (١)، ولما روى عبد الله بن بريدة عن أبيه ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم) (٢)، ويجوز أن يطعم الأغنياء منها، لأنه كما جاز له الأكل وهو غني جاز لغيره.
-٢ - يستحب أن لا تنقص الصدقة منها عن الثلث، لأن المنصوص قسمتها بين الأكل والتصدق والادخار فيكون لكل قسم الثلث، ولو أخذ الكل لنفسه جاز لأن القربة تحصل بإراقة الدم. أما إن كانت الأضحية منذورة فلا يحل الأكل منها مطلقًا.
-٣ - يندب أن لا يتصدق منها بشيء إذا كان ذا عيال حتى يوسع عليهم.
-٤ - يندب أن يذبحها بنفسه، إن كان يحسن الذبح لأنها عبادة، فإذا فعلها بنفسه كان أفضل كسائر العبادات اقتداءً بفعله ﷺ، فعن أنس ﵁ (أن النبي ﷺ نحر سبع بدناتٍ بيده قيامًا) (٣) . ويندب أن يقول عند الذبح: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا، اللهم منك ولك، بسم الله، الله أكبر». وإن كان لا يحسن الذبح فالأوْلى أن يولّيها غيره.
-٥ - أن يحضر الأضحية ويشهدها إن لم يذبح، لما روي عن عمران بن حصين ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قال عمران قلت: يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذاك أنتم أم المسلمين عامة؟ قال: لا بل للمسلمين عامة) (٤) .
(١) الحج: ٢٨.
(٢) مسلم: ج ٣ / كتاب الأضاحي باب ٥/‏٣٧.
(٣) أبو داود: ج ٣ / كتاب الضحايا باب ٤/‏٢٧٩٣.
(٤) المستدرك: ج ٤ / ص ٢٢٢.
 
٢٠٦
 
ما يكره في الأضحية:
-١ - يكره ذبح الكتابي، أما المشرك والمجوسي والوثني فلا يجوز ذبحه أصلًا.
-٢ - يكره بيع جلدها أو استبداله بما هو مستهلك، فإن فعل وجب التصدق بالثمن أو بالبدل، لقوله ﷺ فيما رواه عن معقل بن يسار: (من باع جلد أضحيته فلا أضحية له) (١)، لذا يجب أن يتصدق بالجلد أو يستعمله.
-٣ - يكره أن يعطي الجزار منها شيئًا على سبيل الأجرة، لكن يجوز أن يتصدق عليه منها زيادة على الأجرة. لما روي عن علي ﵁ قال: (أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بُدْنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلَّتها، وأن لا أعطي الجزار منها. قال: نحن نعطيه من عندنا) (٢) .
-٤ - يكره جزُّ صوفها قبل الذبح، وإن فعل تصدق به.
-٥ - يكره ركوبها وتأجيرها والانتفاع بلبنها قبل ذبحها، بل يتصدق بكل ما يأخذه منها، لأنه اشتراها قربة لله تعالى، فلا ينتفع بشيء منها حتى يذبحها.
(١) الجامع الصغير: ﷺ ١٦٧.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٦١/‏٣٤٨.
 
٢٠٦
 
فصل في زيارة النبي ﷺ
 
٢٠٧
 
تندب زيارة قبر النبي ﷺ ندبًا مؤكدًا، بل تقرب من درجة الواجبات لمن له سعة. فإنه ﷺ حرض عليها وبالغ في الندب إليها فقال ﷺ فيما رواه عنه ابن عمر ﵄: (من زار قبري وجبت له شفاعتي) (١)، وعنه أيضًا قال: قال رسول الله ﷺ: (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي) (٢) إلى غير ذلك من الأحاديث.
فإذا نوى المسلم زيارة القبر الشريف فلينو معه زيارة المسجد النبوي أيضًا، فإنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، لما روى أبو هريرة ﵁ يبلغ به النبي ﷺ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام ومسجد الأقصى) (٣) .
وينبغي لمن رغب في زيارة قبر النبي ﷺ أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه ﷺ في طريقه إلى المدينة المنورة. فإذا عاين حيطان المدينة يصلي على النبي ﷺ ثم يقول: «اللهم هذا حرم نبيك ومهبط وحيك فامنن عليّ بالدخول فيه، واجعله وقاية لي من النار وأمانًا من العذاب، واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب».
ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجه للزيارة إن أمكنه، أو يتوضأ، ويلبس أحسن ثيابه ويتطيب تعظيمًا للقدوم على النبي ﷺ.
ثم يدخل المدينة المنورة ماشيًا، إن أمكنه، متواضعًا بالسكينة والوقار ملاحظًا جلالة المكان قائلًا: «بسم الله وعلى ملة رسول الله ﷺ. رب أَدْخِلني مُدْخَل صِدق وأخرجني مُخْرَج صِدق واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا. اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل محمد واغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك».
فإذا وصل باب مسجده فليقدم رجله اليمنى في الدخول، ثم يأتي الروضة فيصلي ركعتين تحية المسجد عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن، لما روي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. ومنبري على حوضي) (٤) . ثم يسجد شكرًا لله تعالى بأداء ركعتين غير تحية المسجد لما وفقه الله ومنّ عليه بالوصول إليه، ويدعو بما يحب ولمن أحب.
ثم يتوجه إلى قبره الشريف ﷺ فيقف بعيدًا عنه بمقدار أربعة أذرع، بغاية الأدب، مستدبر القبلة، محاذيًا لرأس النبي ﷺ، ملاحظًا في قلبه منزلة من هو بحضرته وسماعه لكلامه، فعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من أحد يُسلم عليّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ ﵇ (٥) ثم يسلم ويقول: «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبيّ الله، السلام عليك يا صفيَّ الله السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نبيَّ الرحمة، السلام عليك يا شفيع الأمة، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا خاتم النبيين وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيًا عن قومه ورسولًا عن أمته، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وأوضحت الحجة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده، وأقمت الدين حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك إلى يوم الدين. يا رسول الله نحن وفدك وزوار قبرك، جئناك قاصدين قضاء حقك والتيمن بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربنا، فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا والأوزار قد أثقلت كواهلنا، وأنت الشافع المشفع. قال تعالى: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا﴾ (٦) . وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربك، واسأله أن يميتنا على سنتك، وأن يوردنا حوضك، وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا نادمين. الشفاعة الشفاعة يا رسول الله. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم».
ويبلغه سلام من أوصاه فيقول: «السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، يستشفع بك إلى ربك، فاشفع له ولجميع المسلمين». ثم يصلي عليه ﷺ ويدعو بما شاء.
ثم يتحول قدر ذراع جهة يمينه حتى يحاذي رأس الصديق ﵁ فيقول مسلمًا عليه: «السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله وأنيسه في الغار ورفيقه في الأسفار، جزاك الله عنا أفضل ما جزى إمامًا عن أمة نبيه. اللهم أمتنا على حبه ولا تخيب سعينا في زيارته برحمتك يا أرحم الراحمين».
ثم يتحول مثل ذلك حتى يحاذي رأس عمر ﵁ فيقول: «السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام ومكسر الأصنام. جزاك الله عنا أفضل الجزاء، ورضي عمن استخلفك». ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول: «السلام عليكما يا ضجيعَي رسول الله ﷺ ورفيقيه، جزاكما الله أحسن الجزاء». ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين.
ثم يرجع فيقف عند قبر رسول الله ﷺ ويقول: «ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وإخواننا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».
ويأتي الأسطوانة التي تاب عندها أبو لبابة ﵁ فيعلن توبته. وقد روي عن ابن عمر ﵄ (أن رسول الله ﷺ كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى اسطوانة التوبة مما يلي القبلة يستند إليها) (٧) .
ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ما شاء ويدعو ويكثر من التسبيح والاستغفار، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام) (٨) .
ويستحب له أن يخرج بعد زيارته ﷺ إلى البقيع، فيأتي المشاهد والمزارات وخاصة قبر سيد الشهداء حمزة ﵁. ويقول: «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون». ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص. فعن عائشة ﵂ قالت: كان رسول الله ﷺ كلما كانت ليلتها من رسول الله ﷺ يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدًا، مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) (٩) .
كما يستحب أن يأتي مسجد قِباء يوم السبت أو غيره ويصلي فيه ويقول بعد دعائه بما أحب: «يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا مفرج كرب المكروبين، صلِّ على سيدنا محمد وآله، واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا المقام، يا حنّان يا منّان يا كثير المعروف يا دائم الإحسان يا أرحم الراحمين»، لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: (كان رسول الله ﷺ يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين) (١٠) .
(١) الدارقطني: ج ٢ / ص ٢٧٨.
(٢) الدارقطني: ج ٢ / ص ٢٧٨.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٥/‏٥١١.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٢/‏٥٠٢.
(٥) أبو داود: ج ٢ / كتاب المناسك باب ١٠٠/‏٢٠٤١.
(٦) النساء: ٦٤.
(٧) البيهقي: ج ٥ / ص ٢٤٧.
(٨) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٤/‏٥٠٦.
(٩) مسلم: ج ٢ / كتاب الجنائز باب ٣٥/‏١٠٢.
(١٠) مسلم: ج ٢ / كتاب الحج باب ٩٧/‏٥١٦.
 
٢٠٨
 
نهاية الكتاب
 
٢٠٩
 
انتهى الكتاب والحمد لله أولا وآخرا
 
٢١٠

عن الكاتب

Ustadz Online

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية