الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الصيام وكتاب الزكاة | فقه العبادات على المذهب الحنفي

 

كتاب الصيام وكتاب الزكاة | فقه العبادات على المذهب الحنفي

الكتاب: فقه العبادات على المذهب الحنفي
المؤلف: الحاجة نجاح الحلبي
[الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]
عدد الصفحات: ٢١٠
الموضوع: علم الفقه، الشريعة، الفروع

 

فهرس الموضوعات

  1. كتاب الصيام
  2. الباب الأول [تعريفه، أقسامه، ما يستحب ويكره فيه]
    1. الفصل الأول: تعريف الصوم، ...
    2. الفصل الثاني: أقسام الصوم
  3. القسم الأول (الصوم المفروض) .
  4. القسم الثاني (الصوم المسنون) .
  5. القسم الثالث (الصوم المندوب) .
  6. القسم الرابع (الصوم المكروه) .
    1. الفصل الثالث [ما يستحب ويكره]
  7. الباب الثاني (الاعتكاف) .
  8. كتاب الزكاة
  9. الباب الأول [تعريفها، شروطها، الأنواع التي تجب فيها]
  10. الباب الثاني [زكاة النعم، الزروع والثمار، النقد، العروض التجارية]
    1. الفصل الأول: زكاة النعم
    2. الفصل الثاني: زكاة الزروع والثمار
    3. الفصل الثالث: زكاة النقد
    4. الفصل الرابع: زكاة العروض التجارية
  11. الباب الثالث (مصارف الزكاة) .
  12. الباب الرابع (صدقة الفطر) 
  13. العودة إلي كتاب  فقه العبادات على المذهب الحنفي لـ نجاح الحلبي

 

 كتاب الصيام
  
الباب الأول [تعريفه، أقسامه، ما يستحب ويكره فيه]
 
الفصل الأول: تعريف الصوم، ...
 
لغة: الإمساك عن الفعل أو القول، بدليل قوله تعالى: ﴿إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا﴾ (١) .
شرعًا: الإمساك عن المفطرّات، حقيقة أو حكمًا (٢)، في وقت مخصوص (من طلوع الفجر إلى غروب الشمس)، من شخص مخصوص مع النية.
(١) مريم: ٢٦.
(٢) الإمساك حكمًا: كمن أكل ناسيًا.
 
١٢٩
 
الحكمة من مشروعيته:
-١ - سكون النفس الأمَّارة بالسوء عن التحرك إلى ما لا يرضي، لأنه إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء عن الحركة وإذا شبعت النفس جاعت الجوارح بمعنى قويت على البطش والنظر فعل ما لا ينبغي، لذا يصفو القلب بالصوم وتحصل المراقبة قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ (١) .
-٢ - العطف على المساكين بالإحساس بألم الجوع.
(١) البقرة: ١٨٣.
 
١٢٩
 
فضيلة الصوم:
روى أبو هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (الصيام جُنَّة، فلا يَرفُث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم - مرتين - والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها) (١) أي أن الله تعالى ينفي شركة الغير عن الصوم، وهذا لم يذكر في سائر الطاعات، لذا ليس في الصوم المفروض رياء، وقيل تؤخذ الحسنات في المظالم إلا الصوم.
ثوابه: تكّرمًا من الله تعالى في الآخرة، إن لم يكن الصوم منهيًا عنه، فإن كان منهيًا عنه كصوم يوم النحر فالصوم صحيح والصائم آثم لإعراضه عن ضيافة الله تعالى.
روي عن سهل ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن في الجنة بابًا يقال له الرَّيَّان، يَدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق، فلم يدخل منه أحد) (٢) .
أركان الصوم: الإمساك عن قضاء شهوتي البطن والفرج وعما أُلحق بهما.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٢/‏١٧٩٥.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٤/‏١٧٩٧.
 
١٢٩
 
شروط الصوم:
أولًا: شروط وجوب الصوم:
-١ - الإسلام: لأنه عبادة فلا يجب على الكافر.
-٢ - العقل: فلا يجب على الصغير والمجنون والمغمى عليه، لما روى علي بن أبي طالب ﵁ أن النبي ﷺ قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) (١) . ويجب القضاء في حالة الإغماء ولو امتد الإغماء الشهر كله لندرته ولقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدّة من أيام أخر﴾ (٢) إلا أنه لا يقضي اليوم الذي حدث فيه الإغماء إذا كان نوى الصيام، وأما الجنون فإن استوعب الشهر كله فلا يقضي، وإن لم يستوعب قضى ما جُنَّ فيه.
-٣ - البلوغ: فلا يجب الصوم على الصبي المميز، لكن صومه صحيح، ويُؤمر به قياسًا على الصلاة، ويضرب على تركه لِعَشر. والتكليف هنا للأولياء.
-٤ - العلم بالوجوب: لمن أسلم في دار الحرب، ويحصل بإخبار عدل أو امرأتين. أما من نشأ في دار الإسلام فلا عذر له بالجهل.
(١) أبو داود: ج ٤ / كتاب الحدود باب ١٦/‏٤٤٠٣.
(٢) البقرة: ١٨٤.
 
١٢٩
 
ثانيًا: شروط وجوب الأداء:
الأداء هو تفريغ ذمة المكلف عن الواجب في ذمته المعين له.
-١ - الصحة من المرض: لقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدّة من أيام أخر﴾ (١) .
-٢ - الخلو من الحيض والنفاس.
-٣ - الإقامة.
(١) البقرة: ١٨٤.
 
١٢٩
 
ثالثًا: شروط صحة الصوم:
أولًا: النية: فلا تصح كل عبادة إلا بالنية، ولحديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) (١) . وتتحقق النية بقصد القلب وعزمه على الصوم، ولا يشترط لها النطق باللسان.
وتجب النية لكل يوم، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة. فلو نوى من أول ليلة في رمضان صوم جميع الشهر لم يجزئ إلا عن أول يوم، ولكن يُسن له ذلك ليصح صوم النهار الذي نسي النية فيه على مذهب الإمام مالك ﵁.
وأقل النية: نويت الصيام، وأكملها: نويت صوم يوم غد عن أداء فرض رمضان إيمانًا واحتسابًا. والتسحرّ في رمضان نية، لأن النطق باللسان ليس شرطًا بل هو سنة.
وإن علق النية على شرط لم تصح، كأن يقول: نويت الصيام إلا إذا دُعِيت إلى طعام، فلا تعتبر نية.
شروط النية:
-١ - التبييت: ومعناه أن ينوي الصيام من الليل، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
-٢ - التعيين: وهو أن يحدد نوع الصوم الذي يريد.
وهذان الشرطان غير واجبيين في كل أنواع الصيام:
أ - لا يشترط تبييت النية ولا تعيينها فيما يلي:
(١) - أداء شهر رمضان؛ أما ما روي عن حفصة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (من لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له) (٢) فيحمل على أنه نفي كمال الصوم لا نفي وجوده أصلًا.
واستدل على عدم اشتراط التبييت في صوم رمضان بما يلي:
-١ - نية أكثر النهار تكون نية للكل، فلو نوى قبيل الضحوة الكبرى - وهو ما قبل نصف النهار - صح صومه.
-٢ - ما روي عن ابن عباس ﵄ قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال رأيت الهلال. فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. قال: نعم فنادى النبي ﷺ: أن صوموا) (٣) .
ولو نوى في رمضان أداء واجب آخر غير رمضان وقع عن رمضان إن كان صحيحًا مقيمًا.
(٢) - النذر المعيّن زمانه: كمن نذر صوم يوم بعينه فلا يحتاج في نيته إلى تعيين ولا تبييت، لكن لو نوى صوم واجب غير النذر المعين وقع الصوم عن هذا الواجب، وبقي النذر المعين بذمته فيقضيه، أما لو نوى نفلًا مطلقًا فيقع عن النذر.
(٣) - صوم النفل المطلق: لما روي عن عائشة ﵂ قالت: دخل عليّ النبي ﷺ ذات يوم فقال: (هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ (٤) . فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائمًا، فأكل) (٥) .
وتصح النية في صوم النفل المطلق حتى الضحوة الكبرى.
ب - يشترط التبييت والتعيين فيما يلي:
(١) - قضاء رمضان.
(٢) - قضاء ما أفسده من نفل.
(٣) - صوم الكفارات بأنواعها ككفارة اليمين والتمتع والقران.
(٤) - النذر المطلق.
(١) البخاري: ج ١ / كتاب بدء الوحي باب ١/‏١.
(٢) النسائي: ج ٤ / ص ١٩٧.
(٣) النسائي: ج ٤ / ص ١٣٢.
(٤) الحَيْس: تمر يُنزع نواه ويُعجن بالسمن.
(٥) مسلم: ج ٤ / كتاب الصيام باب ٣٢/‏١٧٠.
 
١٢٩
 
ثانيًا: خلوه عما يفسده:
ومفسدات الصوم هي:
-١ - الجماع عمدًا والاستمناء عمدًا؛ لقوله تعالى: ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم﴾ (١) . أما الجماع ناسيًا للصوم، فهو كالأكل ناسيًا لا يفطر، لما روى أبو هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من أكل أو شرب ناسيًا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله) (٢) فالنص هنا على الأكل والشراب، وقيس عليه الجماع.
-٢ - وصول أي شيء عمدًا أو خطأ إلى ما يسمى جوفًا، أو ما كان في حكم الجوف وهو الدماغ، من منفذ مفتوح: فأما الشيء فيشمل الطعام والشراب، ويلحق به التدخين، وابتلاع ما لا يؤكل عادة كالدرهم والحصاة والخيط. ويستثنى غبار الطريق، ودخان السيارات، وما بين الأسنان إن كان دون الحمصة. وأما الجوف: فيشمل جوف الإنسان كله، سواء كان الداخل من الفرج أو الدُبُر أو الفم أو أي منفذ له، فلو أدخلت المرأة إصبعها في فرجها ولو للتنظيف أفطرت، والقطرة في الأنف والأذن تُفطر بخلاف القطرة في العين فإنها لا تفطر.
-٣ - الاستقياء: فلو تعمد التقيؤ أفطر، أما لو ذرعه القيء فلا يضره ولا قضاء عليه، إلا إذا ابتلعه عمدًا وكان ملء الفم فعليه القضاء. لحديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من ذَرَعه القيء (٣) فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض) (٤) وقال الإمام أبو يوسف: إذا تعمد القيء وكان أقل من ملء الفم لا يفسد.
(١) البقرة: ١٨٧.
(٢) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٢٦/‏٧٢١.
(٣) ذَرَعه القيء: غَلَبه وسَبَقَ إلى فِيه.
(٤) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٢٥/‏٧٢٠.
 
١٢٩
 
ثالثًا: خلوه عما ينافي صحته:
-١ - الإسلام: فلا يصح صوم الكافر ولا المرتد لقوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ (١) .
-٢ - النقاء من الحيض والنفاس: فلو طهرت بعد الفجر بقليل لم يصح صوم ذاك النهار، لكن يجب الإمساك عن المفطرات بقية اليوم وقيل يسن، وعليها القضاء. أما إذا حاضت بعد آذان المغرب بقليل صح صومها ولا قضاء عليها. وكذا لو نقيت من الحيض أو النفاس قبل الفجر صح صومها ولم تقض ذاك النهار ولو لم تغتسل، لأن الاغتسال ليس شرطًا لصحة الصوم بل هو أفضل. وكذا من أصبح جنبًا صح صومه ولو لم يغتسل. وذلك لما روي عن عائشة ﵂ (أن رسول الله ﷺ كان يدركه الفجر، وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم) (٢)، وإن كان الأفضل له أن يغتسل قبل الفجر.
وليس العقل والإقامة من شروط الصحة، فإن الجنون إذا طرأ وبقي إلى الغروب صح صومه أي ولم يأكل شيئًا ولم يدخل المفطر جوفه.
(١) الزمر: ٦٥.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٢٢/‏١٨٢٥.
 
١٢٩
 
الفصل الثاني: أقسَام الصوم
 
١٣٠
 
يقسم الصوم من حيث حكمه إلى أقسام:
أولًا: الصوم المفروض وهو نوعان:
-١ - مُعّين: وهو ما كان له وقت خاص، ويشمل صوم شهر رمضان، والنَّذر المُعّين.
-٢ - غير معين: وهو ما ليس له وقت خاص، ويشمل:
-١ - قضاء ما فات من صوم رمضان.
-٢ - النذر المطلق.
-٣ - الكفارات: وتشمل كفارة الظِّهار، والقتل الخطأ، واليمين، وصوم جزاء الصيد، وصوم المُتْعة والقِران إن لم يهدِ، وفدية الأذى في الإحرام إذا اختار الصوم، وكفارة الإفطار العمد.
ثانيًا: الصوم الواجب: ويشمل:
-١ - قضاء ما أفسد من صوم نفل، لأنه يجب بالشروع فيه.
-٢ - إتمام ما شرع به من صيام النفل، لقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ (١) .
-٣ - صوم الاعتكاف المنذور.
(١) محمد: ٣٣.
 
١٣١
 
ثالثًا: الصوم المسنون.
رابعًا: الصوم المندوب.
خامسًا: الصوم المكروه.
 
١٣١
 
القسم الأول (الصَّوْم المفرُوض) .
 
١٣٢
 
صوم شهر رمضان:
دليله: ثبتت فرضية صوم رمضان بالكتاب والسنة والإجماع.
من الكتاب: قوله تعالى: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه..﴾ (١) .
ومن السنة: ما رواه ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) (٢) .
ويكفر جاحد وجوب صوم رمضان. ومن تركه من غير جحدٍ ولا عذرٍ عذب وضيق عليه حتى يصوم.
حكمه: فرض عين أداء وقضاء.
سبب وجوب صوم رمضان:
شهود جزء صالح للصوم من رمضان، أي شهود جزء صالح لإنشاء الصوم فيه من كل يوم وهو ما كان من طلوع الفجر الصادق إلى قبيل الضحوة الكبرى. خرج بذلك الليل وما بعد الزوال.
(١) البقرة: ١٨٥.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب الإيمان باب ١/‏٨.
 
١٣٣
 
حكم التماس الهلال:
يجب وجوبًا كفائيًا رؤية الهلال في ليلة الثلاثين من شهر شعبان، لأنه قد يكون الشهر ناقضًا، فقد روي عن أم سلمة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا) (١) . كما يجب التماس هلال شوال ليلة الثلاثين من رمضان.
وتثبت رؤية الهلال عند القاضي:
أ - إن كان الجو غائمًا: يثبت هلال شهر رمضان بخبر مسلم واحد بالغ عاقل عَدْل (٢)، أو بخبر مجهول الحال (٣)، ولو كان أنثى أو رقيقًا أو محدودًا بقَذْف ثم تاب. ويحق للأنثى أن تشهد بغير إذن وليها لأنها فرض عين. ويلزم العدل أن يشهد عند الحاكم في ليلة رؤيته لإثبات رمضان، وذلك لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: إني رأيت الهلال، فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال أذّن في الناس فليصوموا غدًا) (٤)، ولا يشترط لفظ الشهادة، كمالا يشترط حكم أو مجلس قضاء.
أما هلال شوال وغيره من الأشهر في يوم الغيم فلا بد في إثباته من عدلين حرّين مسلمين مكلَّفين غير محدودَيْن في قذف، أو رجل وامرأتين لكن بلا اشتراط تقدم دعوى. وذلك لما روي عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي ﷺ بالله لأهلاّ الهلال أمس عشية. فأمر رسول الله ﷺ الناس أن يفطروا) (٥) .
ب - إن كانت السماء صحوًا: فلابد من رؤية جماعة كثيرين لإثبات رمضان وشوال، فالتفرد في هذه الحالة يوهم الغلط. والجمع الكثير قيل: أهل المحلة، وقال أبو يوسف، خمسون.
أما إن لم يكن في القرية قاض ولا وال فيصوم بخبر أحدهم إن كان ثقة، وذلك بأن يشهد ليلة رؤيته بين الناس في المسجد، ويُفطرون بخبر رجلين، إن كان في السماء علّة، وإلا فلابد من جَمع عظيم لثبوت الصيام والفطر.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١١/‏١٨١١.
(٢) العَدْل: من كانت حسناته أكثر من سيئاته، والعدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة.
(٣) المجهول الحال: من لم يظهَر له فسق ولا عدالة.
(٤) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١٤/‏٢٣٤٠.
(٥) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١٣/‏٢٣٣٩.
 
١٣٣
 
ثبوت شهر رمضان:
يجب صوم رمضان بأحد الأمور التالية:
-١ - استكمال شعبان ثلاثين يومًا إن غُمَّ الهلال بغيم أو غبار، وذلك بالإجماع. روي عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدّة ثلاثين) (١) .
-٢ - رؤية هلال رمضان، للحديث المتقدم ولحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) (٢) .
ولا عبرة برؤية الهلال نهارًا سواء قبل الزوال أو بعده. أي يجب سبق الرؤية على الصوم والفطر. والرؤية عند عامة الصحابة والتابعين ومن بعدهم عشية كل شهر وهو المختار من المذهب. روى شقيق بن سلمة قال: «جاءنا كتاب عمر ﵁ ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية» (٣) .
كما يجب الصوم ويعم إذا ثبت هلال رمضان بحكم حاكم.
-٣ - يجب صوم رمضان بحق من رأى الهلال وحده ولو رده القاضي، لقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ (٤) . لكن لا يأمر الناس بالصوم سواء كان من عرض الناس أو كان إمامًا.
أما لو رأى هلال شوال منفردًا فلا يجوز له الفطر، ولا يأمر الناس بالفطر ولو كان إمامًا، ولا يصلي بهم العيد أخذًا بالاحتياط. ولو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة لوجود الشبهة.
-٤ - يجب الصوم بحق من أُخبر رؤية الهلال من قبل من يثق به.
-٥ - إذا ثبتت رؤية الهلال بقُطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار لا فرق بين القريب والبعيد منها، أي لا عبرة لاختلاف المطالع مطلقًا. وهناك قول آخر باستقلال كل قطر لاختلاف المطالع وكلا القولين مصحح.
أما قول المنجّمين وعلماء الفلك فلا عبرة له، ولا يجب عليهم الصوم لحسابهم ولا على من وثق بقولهم.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١١/‏١٨٠٨.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١١/‏١٨١٠.
(٣) البيهقي: ج ٤ / ص ٢١٣.
(٤) البقرة: ١٨٥.
 
١٣٣
 
يوم الشكّ:
تعريفه: هو اليوم الذي يلي التاسع والعشرين من شعبان وقد استوى فيه طرفا العلم والجهل بحقيقة الحال، بأن غم الهلال، فاحتمل كمال شعبان ونقصانه. وكذلك قد يحصل الشك بسبب عدم توفر شروط شهادة الشهود.
ويَحْسُن بالمفتي أن يأمر بالإمساك حتى الضحوة الكبرى كي يتأكد المسلمون عدم كونه من رمضان.
حكم صومه:
-١ - مكروه تحريمًا إن صامه على أنه من رمضان على جهة الاحتياط، لقول عمار بن ياسر ﵄: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ» (١) .
-٢ - مكروه تنزيهًا إذا نوى صيامه عن واجب، أو إذا نوى صيامه مترددًا فيه بين نفل وواجب أو بين نفل وفرض؛ كأن يقول: إن كان غدًا من رمضان فهو فرض وإن كان من شعبان فهو نفل.
وعلى كلٍ إن صامه وظهر أنه رمضان أجزأه بأي نية كانت إلا أن فيه كراهة. أما إن صامه قضاء أو نذرًا أو كفارة فلا يكره بحقه، وكذا إن صامه نفلًا بلا ترديد بينه وبين صوم آخر فإنه لا يكره، لحديث عمران بن حصين ﵁ (أن النبي ﷺ قال لرجل هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا؟ قال: لا. فقال رسول الله ﷺ: فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه) (٢) وسرار الشهر آخره لاستتار القمر فيه. ويستحب ختم كل شهر بعبادة. ولكن يشترط لمن صامه ألا يعلن ذلك خشية الظن أن صيامه أفضل، ولئلا يتم بالعصيان لخبر عمار ﵁ المتقدم.
وإذا وافق يوم الشك معتاده فصومه أفضل اتفاقًا، واختلف في الأفضل إذا لم يوافق معتاده، قيل: الأفضل الفطر احترازًا لظاهر النهي، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه) (٣) . وقيل: لا بأس بالصوم اقتداء بعلي وعائشة ﵄ فإنهما كانا يصومانه.
-٣ - باطل صومه إن نوى مترددًا بين الصوم والإفطار، كأن يقول: إن كان من رمضان فصائم وإلا فمفطر، لعدم الجزم بالنية.
(١) النسائي: ج ٤ / ص ١٥٣.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٧/‏٢٠٠.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣/‏٢١.
 
١٣٣
 
حالات الإفطار في رمضان وأحكامها
أولًا - حالة الإفطار المحرم الموجب للقضاء والكفارة معًا:
-١ - الجماع في أحد السبيلين من آدمي حي مُشتهى وإن لم ينزل، في نهار رمضان، عامدًا مختارًا بعد نية الصوم من الليل، وهو مكلف عالم بالتحريم.
وتجب الكفارة على المرأة في حال كونها مطاوِعة، فإن أُكرِهت فلا كفارة عليها، بل يجب عليها القضاء فقط كما في الخطأ. أما لو أكرهت المرأة زوجها فعليهما القضاء والكفارة، وقال الإمام محمد: لا تجب عليه الكفارة لكونه مكرهًا.
-٢ - الأكل والشرب عامدًا في نهار رمضان: وإن قلّ، سواء كان المفطر مما يُتغذى به أو يُتداوى. لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إني أفطرت يومًا من رمضان. قال: (من غير عذر ولا سفر؟ قال: نعم. قال: بئس ما صنعت. قال: فما تأمرني؟ قال: أعتق رقبة) (١) . وكذا شرب الدخان في الصيام يوجب الكفارة على قول من يقول: إن سبب وجوب الكفارة قضاء الشهوة وتنقضي بشربه وتناوله.
-٣ - إذا أكل بعد المسّ أو القبلة بغير إنزال ظانًا أنه أفطر بالمسّ، إلا إذا استفتى فقيهًا فأفتاه بالفطر فأكل فلا تجب عليه الكفارة. وكذا إذا أكل بعد حدوث شيء، كأن اكتحل أو دَهَن شاربه أو اغتاب، فظن أنه أفطر بذلك، لأنه متعمد ولم يستند إلى دليل شرعي فتلزمه الكفارة، إلا إذا كان جاهلًا فاستفتى فأفتي له بالفطر فحينئذ لا تلزمه الكفارة، لأن الفتوى تصير شبهة في حق الجاهل.
شروط تحقق وجوب الكفارة:
-١ - أن يكون الصائم مكلفًا.
-٢ - أن يكون مبيتًا النية في أداء رمضان.
-٣ - أن لا يطرأ قبله ما يبيح الفطر كالسفر، فإن سافر ثم أفطر فلا كفارة عليه، وأن لا يطرأ بعده ما يبيح الفطر كالمرض أو الحيض.
-٤ - أن يكون غير مكره.
-٥ - أن يكون متعمدًا غير ناس للصوم.
-٦ - أن يكون غير مخطئ ولا مضطر.
(١) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٦٧، رواه أبو يعلى والطبراني والأوسط ورجاله ثقات.
 
١٣٣
 
ماهية الكفارة:
-١ - عتق رقبة سالمة من العيوب المفوِّتة للمنفعة، ولا يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة لإطلاق النص.
-٢ - إن عجز عن الرقبة لعدم مُلكها أو مُلك ثمنها صام شهرين متتابعين لو بدأ بالأهلة، أما لو بدأ في أثناء الشهر ولو في اليوم الثاني منه فعليه ستون يومًا متتابعة، خالية من أيام العيد أو أيام التشريق، ويجب فيها التتابع، إلا المرأة فتقطع أيام حيضها ثم تتابع بعد طُهرها من الحيض، وإذا قدر على الرقبة قبل أن يتمّ صيام الشهرين أعتق.
-٣ - إن لم يستطع الصوم لعجز أو مرض أطعم ستين مسكينًا ولو في أوقات متفرقة لحصول الواجب. والإطعام أقله وجبتان: فطور وسحور أو غداءان لكل مسكين، ويجوز إعطاؤهما لمسكين واحد على ستين يومًا، لأنه بتجدد الحاجة في كل يوم يصير بمنزلة مسكين آخر.
ويشترط في الإطعام الإشباع، ويقدر بنصف صاع (١) من بُرّ أو صاع من تمر أو شعير أو قيمته.
أما دليل وجوب الكفارة فما روى أبو هريرة ﵁ قال: (جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: هلكت يا رسول الله. قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا. قال ثم جلس؟ فأتي النبي ﷺ بعَرَق (٢) فيه تمر، فقال: تصدق بهذا. قال: أفقر منا؟ فما بين لابَتيْها (٣) أهل بيت أحوج إليه مناّ، فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) (٤) .
(١) أي ما يعادل اثنين ونصف كيلوغرام من الدقيق.
(٢) العَرَق: القُفّة، وعاء معروف.
(٣) اللابة: الحَّرة، أي الأرض التي قد ألْسَبَتْها حجارة سود، وجمعها لابات. ولابتا المدينة: حَرتّان مكتنفتانها.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ١٤/‏٨١.
 
١٣٣
 
تعدادها:
تكفي كفارة واحدة عن مفسدات للصوم متعددة في أيام كثيرة بشرط أن لا يتخلل هذه المفسدات (أكل، جماع) تكفير، لأن الكفارة للزجر وبواحدة يحصل، ولو كانت الأيام من رمضانَيين على الصحيح لوقوع التداخل. فإن تخلل بين الإفطارين تكفير وجب إعادة الكفارة لإعادة الجرم.
متى يسقط وجوب الكفارة:
-١ - إذا طرأ حيض أو نفاس أو مرض يبيح للفطر في يوم الإفساد الموجب للكفارة، لأنها تجب في صوم مستحق وهو لا يتجزأ ثبوتًا وسقوطًا فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله بطروء العذر في آخره.
-٢ - إذا سافر ثم أفطر، أما إذا سافر مختارًا أو مكرهًا بعد لزومها عليه فلا تسقط، لأن ذلك من صنع العباد.
ثانيًا - حالة الإفطار المحرم الموجب للقضاء فقط:
-١ - إذا فعل ما ليس فيه كمال شهوة الفرج.
أ - إن جامع فيما دون السبيلين أو بهيمة.
ب - إن قبل أو لمس فأنزل.
جـ - الاستمناء بالكفّ أو غيره، أو الفطر بالجماع في غير رمضان.
فهذه الأفعال كلها مفطرة لكن لا توجب الكفارة لعدم تمام الجناية.
-٢ - إن أقطر في أذنه، أو استعط أي أقطر في أنفه. أما إن دخل الماء في أذنيه بلا صنعة فلا يفطر.
-٣ - إن استقاء متعمدًا، وشرط أبو يوسف أن يكون ملء الفم لأن ما دونه كالعدم حكمًا، أو ابتلع عمدًا ما ذرعه من القيء وكان ملء الفم، وفي الأقل منه روايتان في الفطر وعدمه.
-٤ - إن داوى جائفة، وهي الجراحة في البطن، أو آمة، وهي الجراحة بالرأس، بدواء ووصل إلى جوفه أو دماغه.
-٥ - إن أكل ما ليس فيه غذاء، كأن بلع ترابًا أو حصوًا أو ما لا يؤكل بدون طبخ.
-٦ - إن أفطر عمدًا بعد أكله ناسيًا وجب عليه القضاء دون الكفارة لوجود الشبهة، وفي رواية تجب الكفارة.
-٧ - إن أفطر مكرهًا ولو بالجماع.
-٨ - إدخال شيء في القُبُل أو الدُبُر ولو كانت الإصبع مبللة أو خرقة، أو قطنة، وكذا الحُقْنَة في الدبر، أو القبل عند أبي يوسف إذا وصل الماء أو الدهن إلى المثانة.
-٩ - إن أتى بالمفطرات عمدًا بعد ما نوى الصيام نهارًا ولم يكن مبيتًا نيته، وجب عليه القضاء دون الكفارة لشبهة عدم صومه عند السادة الشافعية.
-١٠ - إن سافر في نهار رمضان بعد ما أصبح مقيمًا ناويًا من الليل، فأكل في حالة السفر وجامع عمدًا، وجب عليه القضاء دون الكفارة لشبهة السفر وإن لم يحل له الفطر.
-١١ - إن أدخل الدخان عمدًا إلى جوفه أو دماغه، سواء أكان دخان عنبر أو عود أو غيرهما، حتى لو استنشق بخورًا أفطر.
ثالثًا - حالة الإفطار الجائز الموجب للقضاء فقط:
-١ - المرض:
أ - إن خاف المكلف زيادة مرضه أو بطء الشفاء جاز له الفطر وعليه القضاء من أيام آخر، لقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعِدّة من أيام أُخر﴾ (١) .
ب - إن خاف على نفسه الهلاك أو ذهاب منفعة عضو وجب عليه الفطر.
-٢ - السفر:
يجوز للمسافر في رمضان قبل الفجر أن يفطر، وعليه القضاء فيما بعد، أما إن أنشأ السفر بعد الفجر فلا يحل له الفطر بعد ما أصبح صائمًا.
وأدلة جواز الفطر في السفر قوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام آخر﴾ (١) . وما روي عن ابن عباس ﵄ قال: (صام رسول الله ﷺ في السفر وأفطر) (٢) . ولكن الصوم في السفر أفضل من الفطر إن لم يضره، بدليل قوله تعالى: ﴿وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ (٣)، وما روي عن أبي الدرداء ﵁ قال: (لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره في اليوم الحار، الشديد الحر وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحَّر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله ﷺ، وعبد الله بن رواحة) (٤) .
هذا إذا لم يكن عامة رفقته مفطرين، وإلا فالأفضل الفطر موافقة للجماعة.
وإذا كان مسافرًا فأقام أثناء النهار، وكان أكل أو شرب، فيستحب له الإمساك بقية يومه، أما إذا وصل قبل الزوال، ولم يفسد صومه، فينوي الصوم ويتابع يومه صائمًا.
-٣ - الغزو: إذا كان المكلف يعلم يقينًا أو بغلبة الظن وقوع القتال، ويخاف الضعف عنه إن صام، جاز له الفطر قبل الحرب.
-٤ - الحامل والمرضع: إن خافتا على نفسيهما أو ولديهما بإخبار طبيب حاذق مسلم عدل، أو بتجربة سابقة، جاز لهما الفطر، ووجب في حقهما القضاء فقط. لما روي عن أنس ابن مالك ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (إن الله ﷿ وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحُبلى والمُرضع) (٥) .
-٥ - صاحب العمل الشاق: إن أجهده العطش الشديد أو الجوع المفرط، وخاف الهلاك جاز له الفطر. لكن لا يفطر حتى يجهده الصوم.
ومن مات قبل زوال عذره بمرض أو سفر ونحوه من الأعذار المبيحة للفطر سقط عنه القضاء، ولا يجب عليه الإيصاء بفدية لفوات إدراكه عدة من أيام أخر، وإن أدرك العدة قضى ما قدر على قضائه، وإن لم يقض وجب الإيصاء بقدر الإقامة من السفر والصحة من المرض وزوال العذر اتفاقًا؛ فلو فاته عشرة أيام فقدر على خمسة أدى فديتها فقط، وتخرج الفدية من الثلث لأنها تابعة للوصية.
(١) البقرة: ١٨٤.
(٢) البقرة: ١٨٤.
(٣) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الصيام باب ١٠/‏١٦٦١.
(٤) ابن ماجه ج ١ / كتاب الصيام باب ١٠/‏١٦٦٣.
(٥) النسائي: ج ٤ / ص ١٩٠.
 
١٣٣
 
رابعًا - حالة الإفطار الجائز الموجب للفدية دون القضاء:
-١ - الشيخ الفاني إن عجز عن الأداء، لقول ابن عباس ﵄ في تفسير قوله تعالى: ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين﴾ (١)، هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا (٢) . وقد أطعم أنس ﵁ بعد ما كَبِر عامًا أو عامين، كل يوم مسكينًا، خبزًا ولحمًا، وأفطر (٣) .
-٢ - المريض مرضًا مبيحًا للإفطار ولا يرجى شفاؤه.
-٣ - العاجز عن أداء نذر صوم الدهر، يفطر ويفدي لاشتغاله بالمعيشة.
ماهية الفدية:
إطعام مسكين نصف صاع من بُرّ، أو صاعًا من تمر أو شعير، أو قيمته، أو أكلتين مشبعتين عن كل يوم، ولا يشترط التمليك (٤) . فإن لم يقدر على الإطعام لعسرته يستغفر الله سبحانه ويطلب منه العفو عن تقصيره في حقه.
ولا تجوز الفدية إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره. حتى لو وجبت عليه كفارة يمين أو قتل أو ظهار أو إفطار، فلم يجد ما يكفر به عن عتق أو إطعام أو كسوة، وهو شيخ فان أو لم يصم حال قدرته على الصوم حتى صار فانيًا، لا تجوز له الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غير وهو التكفير بالمال. ولذا لا يجوز المصير إلى الصوم إلا عند العجز عما يكفر به من المال.
(١) البقرة: ١٨٤.
(٢) البخاري: ج ٤ / كتاب التفسير باب ٢٧/‏٤٢٣٥.
(٣) البخاري: ج ٤ / كتاب التفسير باب ٢٧.
(٤) بخلاف صدقة الفطر فلا بُدّ فيها من التمليك كالزكاة. وكل ما شرع بلفظ الإطعام أو الطعام يجوز فيه التمليك والإباحة ولا يجب، وما شرع بلفظ الإيتاء أو الأداء يشترط فيه التمليك.
 
١٣٣
 
خامسًا - حالة الإفطار الواجب الموجب للقضاء:
وهي حالة الحائض والنفساء. ودليل وجوب القضاء ما روت عائشة ﵂ قالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) (١) . فإن طهرتا أثناء النهار يجب الإمساك بقية النهار قضاء لحق الوقت ولأنهما صارتا أهلًا للصوم. وقيل يسن لهما الإمساك.
(١) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٥/‏٦٩.
 
١٣٣
 
سادسًا - حالة وجوب الإمساك مع وجوب القضاء ولا إثم فيها:
-١ - إن تسحر بعد الفجر شاكًا أنه لم يطلع وقد طلع لا كفارة عليه للشبهة لأن الأصل بقاء الليل، ويأثم إثم ترك التثبت لا إثم جناية الإفطار. وإذا لم تبين له طلوع الفجر لا يجب عليه القضاء بالشك.
-٢ - إن أفطر ظانًا أن الشمس قد غربت ولم تغرب، ولابد من غلبة الظن لا مجرد الشك؛ لأن الأصل بقاء النهار فلا يكفي مجرد الشك لإسقاط الكفارة، بخلاف الشك في طلوع الفجر عملًا بالأصل في كل محل.
وفي الحالتين يجب عليه القضاء والإمساك بقية اليوم قضاء لحرمة الوقت بالقدر الممكن ونفيًا للتهمة، فقد قيل «من أقام نفسه مقام التهمة فلا يلومن من أساء الظن به». ودليل وجوب القضاء ما روي عن حنظلة ﵁، وكان صديقًا لعمر ﵁، قال: «كنت عند عمر في رمضان فأفطر وأفطر الناس، فصعد المؤذن ليؤذن فقال: يا أيها الناس هذه الشمس لم تغرب. فقال عمر ﵁: كفانا الله شرك، إنا لم نبعثك راعيًا. ثم قال عمر ﵁: من كان أفطر فليصم يومًا مكانه» (١) .
-٣ - إن أفطر خطأ بسبق ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه.
-٤ - إن أفطر مكرهًا.
-٥ - إن أمسك اليوم كله ولم ينوِ صومًا وجب عليه القضاء لتفويت النية بالجهل ولفقد شرط الصحة.
ويكون القضاء في جميع الحالات على التراخي، فلو أخره حتى دخل رمضان آخر فلا فدية عليه بالتأخير، فعن عائشة ﵂ قالت: «كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان» (٢) . ولا يشترط التتابع (٣) في القضاء لإطلاق النص، لكن يستحب التتابع وعدم التأخير عن زمن القدرة مسارعة إلى الخير وبراءة للذمة.
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ٢١٧.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٣٩/‏١٨٤٩.
(٣) أما الصوم الواجب أداؤه فهو أداء رمضان وكفارة الظهار والقتل واليمين وكفارة الإفطار عمدًا. وأما الصوم المخير أداؤه متتابعًا: فهو قضاء رمضان وفدية الحلق في الحج والمتعة والقران وجزاء الصيد والتطوع والنذر إلا أن ينذره متتابعًا.
 
١٣٣
 
سابعًا - حالات لا تفطر ولا يجب فيها شيء:
-١ - الأكل والشرب والجماع ناسيًا، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) (١) . ومن رأى ناسيًا للصوم يأكل وكان قادرًا على إتمام الصوم فليذكره أنه صائم، ويكره له كراهة تحريمية ترك التذكير، أما إن لم يكن له قوة فالأفضل عدم تذكيره لما فيه من قطع الرزق، واللطف فيه أفضل شابًا كان أو شيخًا.
-٢ - الاحتلام: وهو غير مفسد للصوم لتجرده عن القصد، ولما روى عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام) (٢) .
-٣ - الإنزال من غير مباشرة أو فعل منه، كالإنزال بالنظر إلى المرأة أو بالفكر، لا يفسد الصوم ولو أدام النظر، رغم أنهما حرام.
وكذا القبلة لا تفطر، لما روت عائشة ﵂ قالت: (كان النبي ﷺ يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإِرْبه) (٣) .
-٤ - دهن الجلد أو الاغتسال ولو وجد برد الماء في كبده.
-٥ - الاكتحال ولو وجد طعمه في حلقه أو لونه في بصاقه، وسواء كان مطيبًا أم لا، إذ ليس بين العين والدماغ مسلك، وروي عن عائشة ﵂ قالت: (اكتحل رسول الله ﷺ وهو صائم) (٤) . ومثله القطرة بالعين.
-٦ - الاحتجام، للحديث المتقدم: (ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام)، أما ما رواه أبو هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) (٥) فمؤول بذهاب الأجر. ومثله إبرة سحب الدم أثناء الصوم.
-٧ - دخول الدخان في حلقه بلا صنعة لعدم القدرة على الامتناع منه.
-٨ - دخول غبار طريق أو ذباب، أو بقاء أثر طعم أدوية في حلقه، لا يفسد الصوم لعسر لاحتراز عنها.
-٩ - الاحتقان في قبل الرجل بماء أو دهن لا يفطر عند الإمام أبي حنيفة ومحمد (خلافًا لأبي يوسف فيما إذا وصل إلى المثانة يفسد) .
-١٠ - نزول النخامة من الرأس إلى الأنف ثم استنشاقها وابتلاعها عمدًا لا يفسد الصوم، لكن يستحب إلقاؤها للخروج من خلاف السادة الشافعية.
-١١ - إذا سبح أو استحم فدخل في أذنه ماء لا يفسد صومه للضرورة. وكذا حك الأذن بعود وخروج درن من الصماخ لا يفسد الصوم ولو أدخله مرارًا.
-١٢ - إذا ابتلع ما بين أسنانه لا يفطر إن كان دون الحمصة.
-١٣ - إذا مضغ قدر سمسمة، قد تناولها من خارج فمه، حتى تلاشت ولم يجد لها طعمًا في حلقه.
-١٤ - من ذرعه القيء ولو ملأ فاه لا يفسد إن لم يبتلعه.
-١٥ - من تعمد القيء وكان أقل من ملء الفم لا يفسد عند الإمام أبي يوسف، وقال الإمام محمد بالفساد.
-١٦ - الإصباح بالجنابة لا يفسد، لأن من ضرورة الإذن بالمباشرة طوال الليل وقوع الغسل بعد الفجر.
-١٧ - إذ نوى الفطر ولم يفطر لعدم الفعل.
-١٨ - الغيبة: لا تفسد الصوم.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٣/‏١٧١.
(٢) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٧٠.
(٣) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٢٣/‏١٨٢٦، وإِرْب: الحاجة، أي كان ﷺ أغلبكم لهواه.
(٤) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الصيام باب ١٧/‏١٦٧٨.
(٥) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الصيام باب ١٨/ ١٦٧٩.
 
١٣٣
 
القسم الثاني (الصَّوْم المَسْنُون) .
 
١٣٤
 
وهو صوم يوم عاشوراء، فإنه يكفر السنة الماضية، بشرط أن يكون مع التاسع أو الحادي عشر، لحديث أبي قتادة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) (١)، ولحديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (لئن بقيت إلى قَابِل لأصومن التاسع) (٢) . أي إلى عام قابل، ولم يبق ﷺ إليه.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٦/‏١٩٦.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٢٠/‏١٣٤.
 
١٣٥
 
القسم الثالث (الصَّوْم المَندوب) .
 
١٣٦
 
ويشمل:
-١ - صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فيكون كمن صام الشهر. ويندب كونها أيام البيض (١) أي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، لما روي عن ابن ملحان القيسي عن أبيه قال: (كان رسول الله ﷺ يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس
عشرة، قال: قال: هُن كهيئة الدهر) (٢) .
-٢ - صوم يومي الاثنين والخميس: لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأُحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم) (٣) .
-٣ - صوم ستة أيام من شوال: لما روي عن أبي أيوب الأنصاري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر) (٤) . ويستحب أن تكون متفرقة، وقيل: الأفضل وصلها.
-٤ - صوم يوم عرفة لغير الحاج، لحديث أبي قتادة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) (٥) .
-٥ - صوم عشر ذي الحجة: لحديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال، ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) (٦) .
-٦ - صوم الأشهر الحرم، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، وأفضلها صوم محرم، لما روي عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها قال: قال رسول الله ﷺ: (صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك. وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها) (٧) . ولحديث: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) (٨) . وكذلك يندب صوم شعبان لما روي عن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول لا يُفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان) (٩) .
-٧ - صوم يوم وإفطار يوم: لحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال لي رسول الله ﷺ: (فصم يومًا وأفطر يومًا، فذلك صيام داود ﵇، وهو أفضل الصيام) (١٠) .
-٨ - النفل المطلق: وهو ما لم يثبت عند الشارع كراهته ولا يخصص بوقت، لعموم قوله ﷺ فيما رواه أبو سعيد الخدري ﵁: (من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا) (١١) .
(١) سميت كذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٦٨/‏٢٤٤٩.
(٣) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٤٤/‏٧٤٧.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٩/‏٢٠٤.
(٥) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٦/‏١٩٦.
(٦) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٥٢/‏٧٥٧.
(٧) أبو داود: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٥٤/‏٢٤٢٨.
(٨) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٨/‏٢٠٢.
(٩) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٥١/‏١٨٦٨.
(١٠) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٥٥/‏١٨٧٥.
(١١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣١/‏١٦٨.
 
١٣٧
 
جواز الفطر في صوم التطوع:
اختلف الفقهاء في جواز الفطر لمن نوى الصوم متطوعًا:
-١ - قال أبو يوسف بالجواز ولو بدون عذر، لما روي عن عائشة ﵂ قالت: دخل عليّ النبي ﷺ ذات يوم فقال: (هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذن صائم، ثم أتانا يوم آخر فقلنا: يا رسول الله أُهدي لنا حَيْس، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائمًا، فأكل) (١) .
-٢ - ذكر الكرخي وغيره أنْ ليس له أن يفطر إلا لعذر، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليصل) (٢) . فلو كان الفطر جائزًا كان الفطر أفضل لإجابة الدعوة التي هي سنة.
والصحيح أن إفساد الصوم أو الصلاة بعد الشروع بهما نفلًا مكروه وليس حرامًا لأن الدليل ليس قطعي الدلالة، لكن يلزمه القضاء. أما إن عرض للمتطوع عذر أبيح له الفطر اتفاقًا، والضيافة عذر للضيف والمضيف على السواء فيما قبل الزوال لا بعده.
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٢/‏١٧٠.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٧٥/‏٢٤٦٠.
 
١٣٧
 
القسم الرابع (الصَّوْم المَكرُوه) .
 
١٣٨
 
وهو قسمان:
(١) المكروه تنزيهًا:
-١ - صوم يوم عاشوراء منفردًا عن التاسع أو الحادي عشر.
-٢ - إفراد يوم الجمعة بالصوم لوجود النهي عنه، فعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تَخُصُّوا الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم (١)، وعنه أيضًا قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (لا يصَوُمنَّ أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده) (٢) .
-٣ - إفراد يوم السبت بالصوم، لما روي عن عبد الله بن بسر عن أخته أن رسول الله ﷺ قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم) (٣) . وكذا إفراد يوم النيروز (٤) أو المهرجان (٥)، لأنه تعظيم لأيام نهينا عن تعظيمها، إلا أن يصادف معتاده فلا كراهة.
-٤ - يكره صوم الدهر لحديث أبي قتادة ﵁ وفيه: (فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر) (٦) .
-٥ - يكره صوم يوم الشك إن صامه عن فرض أو واجب أو تردد فيه بين نفل وواجب.
-٦ - يكره الوصال في الصوم حتى يتصل صوم الغد بالأمس، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إياكم والوصال. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله. قال: إنكم لستم في ذلك مثلي. إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون) (٧) .
-٧ - يكره صوم المسافر إذا أجهده الصوم، لما روي عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (ليس من البر أن تصوموا في السفر) (٨) .
-٨ - يكره للمرأة أن تصوم تطوعًا وزوجها حاضر إلا بإذنه، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تصوم المرأة وبَعْلُها شاهد إلا بإذنه) (٩) . وله أن يُفَطِّرها إلا أن يكون مريضًا أو صائمًا أو مُحْرِمًا فلا يجوز له منعها في هذه الحال.
-٩ - يكره الصوم عن الكلام لأنه في غير شرع الإسلام وقد نسخه شرعنا، فعن ابن عباس ﵄ قال: بينما النبي ﷺ يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي ﷺ: (مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه) (١٠) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٢٤/‏١٤٨.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٦٢/‏١٨٨٤.
(٣) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٤٣/‏٧٤٤.
(٤) النَّيروز: يوم في طرف الربيع.
(٥) المَهْرجان: يوم في طرف الخريف.. وهذا اليوم والذي قبله عيدان للفرس.
(٦) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٦/‏١٩٦.
(٧) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ١١/‏٥٨.
(٨) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ١٥/‏٩٢.
(٩) البخاري: ج ٥ / كتاب النكاح باب ٨٤/‏٤٨٩٦.
(١٠) البخاري: ج ٦ / كتاب الأيمان والنذور باب ٣٠/‏٦٣٢٦.
 
١٣٩
 
(٢) المكروه تحريمًا:
وهو إن صامه انعقد صومه مع الإثم، وإن شرع فيه ثم أفسده لا يلزمه القضاء.
-١ - صوم يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، لحديث أبي سعيد الخدري ﵁ قال: (نهى النبي ﷺ عن صوم يوم الفطر والنحر) (١) .
-٢ - صوم أيام التشريق، وهي الثلاثة التي بعد عيد الأضحى، لحديث نُبَيْشَة الهُذَلي قال: قال رسول الله ﷺ: (أيام التشريق أيام أكل وشرب) (٢) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٦٥/‏١٨٩٠.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٢٣/‏١٤٤.
 
١٣٩
 
النذر (١):
حكم الوفاء بالنذر:
هو فرض على الراجح، وعلى القول المرجوح واجب إن كان من القربات، ضمن شروط سنذكرها، ودليل كونه واجبًا أن الآية التي ثبت الحكم فيها: ﴿وليوفوا نذورهم﴾ (٢)، دخلها التخصيص بمن نذر معصية ولذا فهي غير قطعية الدلالة، فعن عائشة ﵂ قالت: قال النبي ﷺ: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يَعْصِه) (٣) فلا وفاء لنذر المعصية بل يحرم فعلها.
وقد انعقد الإجماع على وجوب الوفاء بنذر الطاعة، إن لم يكن نذر لجاج (٤) إذ اختلف في وجوب الوفاء به.
(١) أخر الكلام على النذر تأخيرًا لما أوجبه العبد على نفسه عما أوجبه الحق جلّ وعلا عليه.
(٢) الحج: ٢٩.
(٣) البخاري: ج ٦ / كتاب الأيمان والنذور باب ٣٠/‏٦٣٢٢.
(٤) مثال نذر اللجاج: أن ينذر أن يفعل شيئًا إذا أصاب أخاه مكروه.
 
١٣٩
 
شروط الوفاء بالنذر:
-١ - أن يكون من جنسه فرض بأصله، كالصلاة والصوم والحج، إلا أن يكون في وقت محرم، كأن ينذر صوم أيام التشريق أو العيدين، فيصح النذر ويقضيه في غير هذه الأيام.
-٢ - أن يكون المنذور مقصودًا لذاته لا لغيره كالوضوء فإنه مقصودًا لغيره.
-٣ - أن لا يكون واجبًا قبل نذره بإيجاب الله تعالى كالصلوات الخمس والوتر.
-٤ - أن لا يكون محالًا، كأن يقول: علي صوم أمس.
ويصح النذر بالصلاة غير المفروضة والصوم والصدقة والاعتكاف والذبح.
أقسام النذر:
-١ - النذر المطلق: كأن يقول لله عليَّ صلاة ركعتين، وهذا يجب الوفاء به في أي زمان وأي مكان لأن النذر إيجاب بالفعل من حيث هو قربة. ولا عبرة للزمان المعين ولا للمكان المعين، فلو نذر صوم شهر رجب صح منه وفاء لنذره صوم شعبان، ومن نذر صلاة ركعتين في مكة صحت منه ركعتان في أي مكان. كما لا عبرة لتعيين الدرهم وتعيين الفقير، فمن نذر أن يتصدق لفقير معين صح منه لأي فقير وبأي درهم، لأن المقصود تحقيق النذر من حيث هو تحقيق معنى العبادة؛ وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة زمان ومكان وشخص خلافًا لزفر الذي قال بالتعيين.
-٢ - النذر المعلق: وهو قسمان:
أ - نذر معلق على شرط يريد وقوعه، كأن يقول: إن رزقني الله غلامًا أطعمت عشرة مساكين. فهذا يجب أداؤه إن تحقق الشرط ولا يجزئه إن فعله قبل تحقق الشرط.
ب - نذر معلق على شرط لا يريد حصوله، كأن يقول: إن كلمت زيدًا فلله علي عتق رقبة، فإذا كلّمه فهو مخير بين أن يوفي بالنذر وبين أن يكفر كفارة يمين لأنه بظاهره نذر وبمعناه يمين.
 
١٣٩
 
الفصل الثالث [ما يستحب ويكره]
 
١٤٠
 
أولًا - ما يستحب في الصيام:
-١ - تعجيل الفطر أي قبل استفحال النجوم، لحديث سهل بن سعد ﵁ أن النبي ﷺ قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) (١) .
-٢ - أن يفطر على رطبات ثلاث ثم يصلي المغرب، لما روي عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على الماء فإنه طهور) (٢) .
-٣ - أن يدعو الله عند الإفطار لأن الصائم دعاؤه مستجاب، لما روى عبد الله بن عمرو ابن العاص ﵄ أن النبي ﷺ قال: (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) (٣) .
-٤ - السحور: لحديث أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (تسحروا، فإن في السحور بركة) (٤) . وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (السحور كله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله ﷿ وملائكته يصلون على المتسحرين) (٥) . ولا يكثر منه إخلاله بالمراد (ذوق مرارة الجوع) .
ويستحب تأخير السحور، لحديث أبي الدرداء ﵁: (ثلاث من أخلاق المرسلين: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة) (٦) .
-٥ - الغسل من الحدث الأكبر ليلًا، ليكون على طهارة من أول يومه.
-٦ - الإكثار من قراءة القرآن ومدارسته، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: (كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن..) (٧) .
-٧ - التوسعة على العيال.
-٨ - الإكثار من الصدقة، لحديث ابن عباس ﵄ قال: (كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان) (٨) .
-٩ - يسن الاعتكاف في رمضان، خاصة في العشر الأواخر منه، لما روت عائشة ﵂ قال: (كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) (٩) . وفي هذا العشر ليلة القدر، ويستحب أن يطلبها، لما روى أبو هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه) (١٠) . وعن عائشة ﵂ قالت: كان رسول الله ﷺ يُجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: (تحَّروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) (١١) . وهي من ليالي الوتر في العشر الأخير، والعمل في هذه الليلة خير من العمل في ألف شهر، والأفضل أن يحيي كل الليل بأنواع العبادة، وأدناها أن يصلي العشاء في جماعة والصبح في جماعة. ويستحب لمن وافقها أن يقول: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني»، لما روي عن عائشة ﵂ قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلةَ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني) (١٢) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٤٤/‏١٨٥٦.
(٢) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الصيام باب ٢٥/‏١٦٩٩.
(٣) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الصيام باب ٤٨/‏١٧٥٣.
(٤) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٢٠/‏١٨٢٣.
(٥) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٥٠.
(٦) الجامع الصغير: ج ١ / ص ١٣٦، رواه الطبراني في الكبير وهو حديث حسن.
(٧) البخاري: ج ١ / كتاب بدء الوحي باب ١/‏٦.
(٨) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٧/‏١٨٠٣.
(٩) مسلم: ج ٢ / كتاب الاعتكاف باب ٣/‏٨.
(١٠) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٦/‏١٨٠٢.
(١١) البخاري: ج ٢ / كتاب صلاة التراويح باب ٤/‏١٩١٦.
(١٢) الترمذي: ج ٥ / كتاب الدعوات باب ٨٥/‏٣٥١٣.
 
١٤١
 
ثانيًا - ما يكره للصائم:
-١ - الحجامة والفصد والعمل الشاق لأنها تضعف الجسم، سئل أنس بن مالك ﵁: «أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضَّعف» (١) .
-٢ - ذوق الطعام إلا لحاجة، إذا كان زوجها سيئ الخلق فلها ذوق الملح. أما الطعام خشية الغبن فمختلف فيه.
-٣ - العلك الذي ليس له طعم إن كان متماسكًا يكره، وإن كان متفتتًا يفطر ويجب فيه القضاء. روي عن أم حبيبة زوج النبي ﷺ قولها: «لا يمضغ العلك للصائم» (٢) .
-٤ - كل ما يؤدي إلى الوقوع في مفسد كالقبلة والمباشرة إن لم يأمن عدم الإنزال أو الجماع.
-٥ - المبالغة في المضمضة، لما روى لقيط بن صبرة ﵁ قال: قال لي رسول الله ﷺ: (... وإذا استنشقت فبالغ إلا أن تكون صائمًا) (٣) .
-٦ - تأخير الفطر إن تعمده، لحديث أبي ذر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور) (٤) .
-٧ - جمع الريق في الفم ثم بلعه.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٣٢/‏١٨٣٨.
(٢) البيهقي: ج ٤ / ص ٢٦٩.
(٣) البيهقي: ج ٤ / ص ٢٦٩.
(٤) مسند الإمام أحمد: ج ٥ / ص ١٤٧.
 
١٤١
 
ثالثًا - أشياء لا تكره للصائم:
-١ - القبلة والمباشرة مع الأمن من عدم الإنزال والجماع، لما روي عن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم) (١) . وقيل: تكره المباشرة على الصحيح، فعن أبي هريرة ﵁ (أن رجلًا سأل النبي ﷺ عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب) (٢) .
-٢ - دهن الشارب إذ ليس فيه ما ينافي الصوم، فعن ابن مسعود ﵁ قال: «أصبحوا مدهنين صيامًا» (٣) .
-٣ - الكحل: لما روي عن عائشة ﵂ قالت: (اكتحل رسول الله ﷺ وهو صائم) (٤) .
-٤ - الحجامة والفصد إن لم يَضعف عن الصوم.
-٥ - السواك آخر النهار بل هو سنة كأوله، لما روي عن عامر بن ربيعة العدوي ﵁ قال: (ما أحصي ولا أعد ما رأيت رسول الله ﷺ يتسوك وهو صائم) (٥)، وورد عن علي بن عيسى قال: «سألت عاصم الأحول فقلت أيستاك الصائم؟ فقال: نعم. فقلت: برطب السواك ويابسه. قال: نعم. قل: أول النهار وآخره. قال: نعم. قلت: عمَّن. قال: عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ» (٦) .
-٦ - المضمضة، والاستنشاق، والاغتسال والتلفف بثوب مبتل قصد التبرد. هذا المفتى به وهو قول الإمام يوسف، روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال: (لقد رأيت رسول الله ﷺ بالعَرَج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو قال من الحر) (٧) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ١٢/‏٦٥.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٣٥/‏٢٣٨٧.
(٣) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٦٧.
(٤) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الصوم باب ١٧/‏١٦٧٨.
(٥) البيهقي: ج ٤ / ص ٢٧٢.
(٦) البيهقي: ج ٤ / ص ٢٧٢.
(٧) البيهقي: ج ٣ / ص ٢٦٣.
 
١٤١
 
الباب الثاني (الاعتكاف) .
 
١٤٢
 
تعريفه:
لغة: اللّبث والمقام، قال تعالى: ﴿سواء العاكف فيه والباد﴾ (١) .
شرعًا: المقام في مكان مخصوص (المسجد) بأوصاف مخصوصة.
(١) الحج: ٢٥.
 
١٤٣
 
حكمه:
-١ - واجب في الاعتكاف المنذور. روي عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) (١) .
-٢ - سنة مؤكدة في العشر الأخير من رمضان، بدليل ما روت عائشة ﵂ (أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ﷿. ثم اعتكف أزواجه من بعده) (٢) .
-٣ - مستحب في كل وقت سوى ما ذكر.
(١) الترمذي: ج ٤ / كتاب النذور والأيمان باب ٢/‏١٥٢٦.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الاعتكاف باب ١/‏٥.
 
١٤٣
 
مدته:
أقله في الواجب والمنذور: يوم فلا يجوز أقل من ذلك لأنه يشترط له الصوم ولا يكون بأقل من يوم، لما روت عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (لا اعتكاف إلا بصوم) (١) . ولو نذر يومًا أو يومين لزمته الليالي مع الأيام.
أما النفل فمدته عند الإمام يوم على الأقل، وعند محمد ساعة فأكثر (٢)، وعند أبي يوسف يجوز بأكثر النهار.
(١) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٨٠/‏٢٤٧٣.
(٢) كما هو عند السادة الشافعية.
 
١٤٣
 
شروط صحته:
-١ - النية: لقوله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات)، ولأنه عبادة محضة فلا يصح بغير نية كالصلاة والصوم. ويجب تحديد نوع الاعتكاف عن نذر أو غيره.
-٢ - اللّبث في المسجد لقوله تعالى: ﴿ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد﴾ (١) . ويصح بأي مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، وهو في المسجد الجامع أفضل.
ومن عيّن في نذره الاعتكاف في مسجد معين صح بأي مسجد ويسقط التعيين.
أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها، لأنه أفضل في حقها، وهو الموضع الذي أعدته لصلاتها. لما روي عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي ﵃ أنها جاءت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال: (قد علمت أنك تحبين الصلاة معي. وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قَومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي) (٢) . ولو اعتكفت في المسجد جاز مع الكراهة.
-٣ - الصوم، وهو ليس شرطًا في النفل.
(١) البقرة: ١٨٧.
(٢) مسند الإمام أحمد: ج ٦ / ص ٣٧١.
 
١٤٣
 
شروط المعتكف:
-١ - الإسلام.
-٢ - العقل. ويكفي التمييز.
-٣ - الطهارة من الحدث الأكبر حيضًا كان أو نفاسًا أو جنابة.
مكروهات الاعتكاف:
-١ - يكره البيع والشراء للتجارة والعمل بأمور الدنيا.
-٢ - يكره الصمت ولكن لا يُتكلَّم إلا بخير فيُذْكر الله ويُقرأ القرآن.
-٣ - يكره اللغو والتكلم بكلام الناس.
مفسدات الاعتكاف:
-١ - الخروج من المسجد ساعة بلا عذر مُعْتَبَرٍ أو نِسْيانًا. أما الخروج لعذر كقضاء حاجة، وحضور مجلس علم، وعيادة مريض، وحضور جنازة، وأداء شهادة، وطروء مرض، فلا يفسد الاعتكاف. لما روت عائشة ﵂ قالت: (وإن كان رسول الله ﷺ ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا) (١) .
-٢ - عدم الرجوع إلى المسجد بعْد زوال العذر.
-٣ - الحيض والنفاس، إذ يجب أن تخلو مدة الاعتكاف منهما.
-٤ - الجماع مختارًا أو المباشرة.
-٥ - الردة، لقوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ (٢) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الاعتكاف باب ٣/‏١٩٢٥.
(٢) الزمر: ٦٥.
 
١٤٣
 
كتاب الزكاة
 
١٤٤
 
الباب الأول [تعريفها، شروطها، الأنواع التي تجب فيها]
 
١٤٥
 
تعريف الزكاة:
لغة: الطهارة والنَّماء والبركة. يقال: زَكَتِ البقعة إذا بورك فيها، وتزكية النفس: مَدْحُها، وزكّى الشاهد إذا مدحه.
وهذه المعاني كلّها توافق المعنى الشرعي، فهي تطهر مؤدّيها من الذنوب ومن البخل، قال تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ (١) . وهي تنمي المال ويُمدَح فاعلها ويُثنى عليه.
شرعًا: تمليكُ جزءِ مالٍ عيَّنه الشارع لمسلم فقير غير هاشمي لله تعالى مع قَطع المنفعة عن المملِّك من كل وجه.
(١) التوبة: ١٠٣.
 
١٤٦
 
معنى التعريف:
-١ - تمليك: أخرج الإباحة، فلو أطعم فقيرًا أو أعاره كساه لا تكون زكاة إلا أن يهب له الطعام.
-٢ - جزء مال: أخرج المنفعة، فلا يعتبر زكاة من أسكن في داره فقيرًا بنية الزكاة.
-٣ - عيَّنه الشارع: أخرج النافلة وصدقة الفطر.
-٤ - لمسلم فقير: فلا تصح الزكاة للكافر أو الكتابي، ولا للغني ولا للهاشمي.
-٥ - قطع المنفعة عن المملّك: ليبين أنها لا تجوز للفروع والأصول، ولا لمن تجب عليه نفقتهم.
-٦ - لله تعالى: تأكيد اشتراط النية فيها.
حكم الزكاة:
الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض عين على كل من توفرت فيه الشروط.
دليل فرضيتها:
ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع.
من الكتاب: قوله تعالى: ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ (١) .
ومن السنة: حديث (بني الإسلام على خمس ... وإيتاء الزكاة) (٢) .
وقد فرضت الزكاة فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة قبل فرض رمضان، وقُرنت في القرآن بالصلاة في اثنين وثمانين موضعًا، وهذا دليل على كمال الاتصال بينهما.
وأجمعت الأمة على أنها ركن من أركان الإسلام حتى صارت معلومة من الدين بالضرورة، فالإيمان بها واجب، والجاحد بها كافر.
ولو منعها قوم قاتلهم الإمام كما فعل الصديق ﵁؛ قال: (والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها) (٣) .
ومن مات وعليه زكاة أو صدقة فطر فلا تؤخذ من تركته، إلا إذا تبرع الورثة فتسقط عن الميت بأداء الوارث. ولو أوصى بها أخذت من الثلث.
(١) البقرة: ٤٣.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب الإيمان باب ٢ / ٨.
(٣) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ١ / ١٣٣٥.
 
١٤٦
 
شروط وجوب الزكاة:
-١ - شروط تتعلق بالمالك (المكلف) .
-٢ - شروط تتعلق بالملك نفسه.
أولًا - شروط المكلف بتأدية الزكاة:
-١ - الإسلام: فلا تجب الزكاة على الكافر، ولا المرتد حالة ردته؛ ولو رجع وأسلم لا يجب عليه قضاء ما فاته حال ردته. لما روي عن أنس ﵁ أن الصديق ﵁ كتب له كتابًا لما وجهه إلى البحرين قال فيه: (هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين) (١) .
-٢ - العقل.
-٣ - البلوغ: فلا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يُطالب وليّهما بإخراجها لأنه عبادة محضة وليسا مخاطبين بها، لحديث علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) (٢) . وتجب عليهما الغرامات والنفقات والضمانات لكونها من حقوق العباد. كما يجب في مالهما زكاة الزروع وصدقة الفطر لأن فيهما معنى المؤونة فألحقت بحقوق العباد. والمعتوه إن استوعب عتهه الحول فلا زكاة عليه كالصلاة، وإن كان لا يستوعب الحول تجب عليه الزكاة.
-٤ - الحرية: فلا تجب الزكاة على العبد ولو كان مكاتبًا، فعن جابر ﵁ قال: «ليس في مال المكاتب ولا العبد زكاة حتى يعتق» (٣) .
-٥ - ملك النصاب: والنصاب اسم لقدر معلوم من مال تجب فيه الزكاة، فلا زكاة فيما دونه، ويختلف باختلاف المال الذي تجب فيه الزكاة لحديث جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ليس فيما دون خمس أواق من الوَرِق صدقة، وليس فيما دون خمس ذَّود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) (٤) .
والعبرة بتمام النصاب أول الحول وآخره. ويضاف المستفاد أثناء الحول إلى النصاب فيدفع عن الجميع آخر الحول، سواء أكان المستفاد ربحًا عن النصاب نفسه ومتولدًا عنه أم كان هبة أو وصية، على أن يكون المستفاد مجانسًا للنصاب، ولو كان المستفاد بمقدار نصاب أو أكثر، ما دام ملك النصاب في يوم ما من الحول فعند تمام الحول ينظر ما معه ويدفع عن الجميع.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٣٧ / ١٣٨٦.
(٢) أبو داود: ج ٤ / كتاب الحدود باب ١٦ / ٤٤٠٣.
(٣) البيهقي: ج ٤ / ص ١٠٩.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الزكاة ٦.
 
١٤٦
 
ثانيًا - الشروط المتعلقة بالمالك نفسه:
-١ - أن يكون المالك تامًا، أي أن يكون المال تحت يد المالك، فلا تجب الزكاة في مال مفقود ولا مغصوب، ولا في مال مدفون لا يعرف مكانه، ولا في مال مستملك للدولة. وذلك لقوله ﷺ: (لا زكاة في مال الضِّمار)، وروي عن أيوب السختياني «أن عمر بن عبد العزيز كتب في مالٍ قبضه بعض وُلاته ظلمًا يأمر برَدِّه إلى أهله، وتؤخذ زكاته لما مضى من السنين، ثم عقب بعد ذلك بكتابٍ أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة فإنه كان ضمارًا» (١) . وكذا كل مال كان مصادرًا أو محجوزًا.
أما الدَّيْن فقسمه الأئمة إلى ثلاثة أقسام:
أ - الدين الضعيف، ومثله مهر المرأة قبل أن تقبضه، والدين المجحود الذي لا بيّنة عليه. وحكم زكاة هذا الدين يتبع الأموال السابقة بأن لا تدفع زكاة عليه قبل أن يقبض المالك نصابًا ويحول عليه الحول.
ب - الدين المتوسط، ومثله ثمن ما باعه من حاجاته الأصلية، فيدفع الدائن زكاة هذه الأموال عن السنوات التي لم يكن المال فيها تحت يده إذا قبض منها نصابًا، فكلما قبض نصابًا زكّاه لكل السنوات السابقة.
جـ - الدين القوي كبدل القرض أو ثمن المبيع بشرط أن يكون المبيع من مال التجارة أو أي مال مقرًّا به عن المدين، وتجب الزكاة على الدائن متى قبض منه خمس النصاب أي أربعين درهمًا فأكثر، ويعتبر لما مضى من الحول، فيبدأ حوله من وقت بلوغ النصاب فيزكي عن الأعوام السابقة لما قبضه.
هذا حكم الزكاة في الدين إذا لم يكن عند المال نصاب من جنسه، أما إن كان عند المالك أموال غيرها فإن ما يقبض يضاف إلى نصاب من جنسه ويدفع زكاته متى حال الحول على الأصل لأنه له حكم المستفاد أثناء الحول.
ولا زكاة في المال الموقوف لعدم الملك فيه، ولا في الزرع النابت بأرض مباحة، ولا زكاة في المال المشترى قبل القبض فإذا قبضه زكاه لما مضى (٢) .
-٢ - أن يكون المال فارغًا عن دين حان أجله مطالب به من جهة العباد (٣) . وقيل: إن الدين المؤجل يمنع، والأصح هو الأول. أي إن لا يكون المالك مديونًا فيكون المال متعلقًا بحق الدين، لأن الدين حاجة أصلية والملك مع وجود الدين يعتبر ناقصًا والزكاة وجبت شكرًا للنعمة التامة، ولأن الله تعالى جعل للغارمين حقًا في أموال الزكاة لقضاء ديونهم.
ويقصد بالدين المانع من الزكاة: الدين الذي له مطالب من قبل العباد. سواء أكان دين الله كالزكاة (لأنه مطالب بها من قبل الإمام)، أو دين العباد كالقرض وصداق الزوجة والنفقات والكفالة.
أما دين الله الذي ليس له مطالب من قبل العباد، كالكفارات والنذور والحج، فلا تمنع من وجوب الزكاة لعدم المطالب.
أما زكاة الزروع والثمار فإنها متعلقة بعين الزرع لذلك لا يمنع وجود الدين من وجوبها.
-٣ - أن يكون النصاب زائدًا عن حوائجه الأصلية، لما روي عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) (٤) . ومما يدل على وجوب تقديم حوائجه الأصلية، من الطعام والسكن والكتب والركوب. ولو كان عنده مال فأمسكه لحاجة أصلية، كشراء بيت أو زواج، وحال عليه الحول، وهو بيده، وجب فيه الزكاة (٥) .
-٤ - أن يكون النصاب من الأموال التي نصَّ الشارع على وجوب الزكاة فيها.
-٥ - حَوَلان الحول على جميع أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة باستثناء زكاة الزروع والثمار. ومعنى حولان الحول: مرور سنة قمرية على ملكية النصاب، لما روي عن علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) (٦)، ولأنه لا بد من التمكن من التصرف في النصاب مدة يتحقق فيها النماء.
ويبدأ حول أموال المجنون عند إفاقته، وأموال الصبي عندما يبلغ، وحول أموال السوائم (٧)، إن اشتراها للتجارة ثم سامها، من وقت السَّوم لا من وقت الشراء.
والمعتبر في كمال النصاب طرفا الحول سواء بقي في أثنائه أم هلك جزء منه.
-٦ - أن يكون المال ناميًا، ويقصد بذلك الثمنية بالنسبة للدراهم والسَّوم للأنعام، ونية التجارة في العروض سواء أكانت هذه النية صراحة أم دلالة بالبيع والشراء.
(١) الموطأ: ص ١٦٩.
(٢) المال المشترى قبل القبض مملوك للمشتري ملكًا تامًا ولكنه لم يدخل في ضمانه. إلا إذا كان الشراء فاسدًا فإنه لا يدخل في ملك المشتري قبل القبض وإنما يملك بالقبض. وعلى كل إذا اشترى شيئًا صحيحًا ولم يقبضه ثم قبضه زكاه لما مضى.
(٣) الدين ثلاثة أقسام: ١ - دين خالص للعباد. ٢ - دين لله تعالى لكن له مطالبًا من جهة العباد، والمطالب هو الإمام. ٣ - دين خالص لله تعالى ليس له مطالب من جهة العباد كالنذور والكفارات وصدقة الفطر ونفقة الحج.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ١٣ / ٤١.
(٥) ووجب الحج إن حان وقت الحج ولم يتزوج.
(٦) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٤ / ١٥٧٣.
(٧) السوائم: الماشية والإبل الراعية.
 
١٤٦
 
شروط صحة أداء الزكاة:
-١ - النية: لأن الزكاة عبادة محضة. وتكون مقارنة للدفع أو عند عزل المال الواجب (لذا لا تدفع الزكاة عن الميت من تركته إلا إن أوصى فتدفع من أصل الثلث إلا أن يجيز الورثة) . فلو دفع للفقير بلا نية ثم نوى والمال قائم في يد الفقير أو نوى عند الدفع للوكيل جاز ولو دفع الوكيل بدون نية. ولا يجوز للوكيل أن يخلط زكاة موكله بماله فلو خلطها ضمِن الزكاة وكان متبرعًا بما يتصدق به. أما لو تصدق بدراهم نفسه ودراهم موكله قائمة مع نية الرجوع إليها أجزأته. ولو دفع زكاة موكله إلى ولده الفقير أو زوجته جاز. ولا يجوز أن يأخذها لنفسه إلا إذا قال الوكيل: ضعها حيث شئت.
-٢ - الإسلام: لأن النية لا تُتَصوّر من غير المسلم.
-٣ - أن يكون الأداء على الفور، وهو القول المُفتى به في المذهب وهو قول الإمام، فإن أخَّرها كان آثمًا لأن تأخيرها مكروه تحريمًا، ولأن الأمر بالوجوب معه قرينة حاجة الفقير وهي ملحة.
وقال الصاحبان: إن افتراض الزكاة على التراخي، ففي أي وقت أداها أجزأته. واستدلا على ذلك بأن هلاك النصاب بعد وجوب الزكاة مسقط لها إن أن يكون متعديًا.
-٤ - الدفع إلى المستحق (وهو أحد الأصناف الثمانية التي سيرد بيانها) .
-٥ - التمليك: فلابد لصحة أداء الزكاة من قبض الفقير لها أو وليه أو الوصي عليه. أما لو أطعم ونوى الزكاة فلا يجزئ. ولا يصح أداء الزكاة بإسقاط جزء من دين له على فقير، بأن يسامحه به أو بجزء منه بنية الزكاة عن ماله. لكن لو كان الدَّين نصابًا وسامحه به كاملًا سقطت الزكاة عن هذا النصاب. ولو كان المدين مستحقًا للزكاة فدفع الدائن له من زكاته ثم أعاده الفقير له على سبيل وفاء دينه جاز، أو قال: خذ من مَديني فلان مبلغًا من المال وكان ناويًا زكاة ماله صحّ.
-٦ - توزيعها على فقراء بلده. ويكره نقلها إلى بلد آخر لاطّلاع فقراء بلده على ماله وتعلق آمالهم بها، ولأنهم أولى بها، إلا أن يعطيها لفقراء من ذوي القربى، أو يكون في البلد الآخر محاويج ومجاعات فيجوز نقلها. وقد روي أن معاذًا ﵁ نقل من صدقات أهل اليمن إلى المدينة لفقرهم وشدة احتياجهم.
-٧ - أن يكون الأداء من وسط المال في زكاة الأعيان (١)، لأن أخذ الجيد يضر المالك وأخذ الرديء يضر الفقير، ولحديث ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (... فإياك وكرائم أموالهم) (٢) .
وعن سويد بن غَفَلة قال: «أتانا مصدق النبي ﷺ ... وأتاه رجل بناقة كَوماء (٣) فقال: خذها. فأبى....» (٤) . وعن قرة بن دعموص أن النبي ﷺ قال: (وخذ صدقاتهم من حواشي أموالهم) (٥) .
-٨ - أن تخرج الزكاة من المال الحلال، فلا تجوز الزكاة بالمال الحرام القطعي.
ولا يشترط لصحة الأداء حولان الحول، لذا يصح تعجيل الزكاة لسنة أو سنتين أو سنوات، لما روي عن علي ﵁ أن النبي ﷺ قال لعمر: (إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام) (٦) .
ويشترط للتعجيل:
-١ - أن يكون المال عند التعجيل بالغًا النصاب ليتحقق سبب الوجوب.
-٢ - أن لا ينقطع النصاب أثناء الحول.
-٣ - أن يكون النصاب كاملًا في آخر الحول لأنه وقت وجوب الأداء.
ولا يشترط بقاء آخذ الزكاة مستحقًا ولا على قيد الحياة حتى تمام الحول، لأن المهم كونه مستحقًا عند الدفع إليه.
ويجوز دفع القيمة عوضًا عن عين المال، وكذا يجوز البدل بدفع القيمة في الكفارات والنذور وصدقة الفطر.
وتقدر القيمة يوم الأداء في السائمة بالاتفاق، وفي غيرها قال الصاحبان: يوم الأداء أيضًا وقال غيرهما: يوم الوجوب. وتعتبر القيمة في البلد الذي فيه المال، فإن كان المال في مفازة ففي أقرب الأمصار. روي عن معاذ ﵁ أنه قال لأهل اليمن: «ائتوني بِعَرْضٍ، ثياب خَميص أو لَبيس (٧)، في الصدقة، مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي ﷺ بالمدينة» (٨) . بخلاف الهَدْي والأُضحية فلا تصح فيهما القيمة لأنها غير معقولة المعنى.
يكره إعطاء الفقير الواحد أكثر من نصاب إلا إذا كان مديونًا، فيجوز أن يعطي ما يكفي لوفاء دينه، أو إذا كان عنده عيال بحيث لو فرق عليهم ما أخذه يجب أن يصيب كل واحد منهم دون النصاب.
(١) الأعيان: مأخوذ من عَيْن الشيء، كزكاة النَّعم.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٦٢/ ١٤٢٥.
(٣) ناقة كوماء: أي ضخمة السَّنام.
(٤) البيهقي: ج ٤ / ص ١٠١.
(٥) البيهقي: ج ٤ / ص ١٠٢.
(٦) الترمذي: ج ٣ / كتاب الزكاة باب ٣٧/‏٦٧٩.
(٧) اللّبيس: الثوب إذا كَثُر لُبْسُه.
(٨) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٣٢ تعليقًا.
 
١٤٦
 
الأنواع التي تجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في خمسة أنواع من الأموال:
-١ - النَّعم (السوائم) .
-٢ - الذهب والفضة.
-٣ - العروض التجارية.
-٤ - المعادن والرِّكاز.
-٥ - الزروع والثمار.
 
١٤٦
 
الباب الثاني [زكاة النعم، الزروع والثمار، النقد، العروض التجارية]
 
١٤٧
 
الفصل الأول: زَكاة النَّعَم
 
١٤٨
 
النَّعَم هي: الإبل، والبقر ويشمل الجاموس، والغنم بنوعيه الضأن والمعز. والمراد بها الأهلية، فلا زكاة في الوحشية. أما المتولدة بين وحشي وأهلي ينظر فيه للأم فإن كانت أهلية ففيها الزكاة وإلا فلا.
شروط وجوب زكاة النعم:
يشترط إضافة إلى الشروط العامة ما يلي:
-١ - أن تكون سائمة. والسوم في اللغة معناه: أن ترعى الماشية بنفسها ولا تُعْلَف. وفي اصطلاح الفقهاء: أن ترعى الماشية بنفسها بقصد الدَرِّ أو النَّسل والزيادة والسّمن حولًا أو أكثر الحول.
-٢ - أن ترعى أكثر الحول في كلأٍ مباح.
-٣ - أن يقصد من سومها الدرّ والنسل والسمن وذلك لتحقق معنى النَّماء. فلو أسيمت للحمل أو الركوب أو سُوِّمت بدون قصد مالكها لا تدفع عليها زكاة. ولو سُوِّمت للتجارة فليس فيها زكاة السوائم بل زكاة التجارة. ولو حُولت من التجارة إلى السوم أثناء الحول بطل حولها الأول وبدأ حول السوم من وقت التحويل.
 
١٤٩
 
أولًا: زكاة الإبل:
نصاب الإبل ومقدار زكاتها:
حُدد نصاب الإبل وما يتعلق بصدقتها في كتاب سيدنا أبي بكر الصديق ﵁ إلى أنس ﵁ لما وجهه إلى البحرين أميرًا عليها ونصه: (هذه فريضة الصدقة، التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فَلْيعْطِها، ومن سئل فوقها فلا يُعطِ: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها، من الغنم، من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسًا وثلاثين ففيها بنت مخاضٍ (١) أنثى، فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون (٢) أنثى، فإذا بلغت ستًا وأربعين إلى ستين ففيها حِقَّة (٣) طَرُوقَة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة (٤)، فإذا بلغت - يعني - سِتًا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لَبُون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حِقّتان طَرُوقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقَّة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها، فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة ...) (٥) .
وإذا زادت على عشرين ومائة تستأنف الفريضة فلا يجب على الزيادة حتى تصير خمسًا فتجب فيها شاة. فإذا صار المجموع خمسين ومائة وجب فيها ثلاث حِقاق، فإذا صار مائتين وجب فيها أربع حِقاق. لما روى البيهقي أن رسول الله ﷺ كتب إلى عمرو بن حزم في الصدقة كتابًا ومما جاء فيه: (إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة وما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل) (٦)، وروي هذا أيضًا عن علي وابن مسعود ﵄ وهما من فقهاء الصحابة.
وبناء على هذه الكتب يكون ترتيب زكاة الإبل كما يلي:
في كل خمس من الإبل شاة واحدة.
في كل عشرة في الإبل شاتان.
في كل خمس عشرة من الإبل ثلاث شياه.
في كل عشرين إلى أربع وعشرين أربع شياه.
في كل خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض.
في كل ست وثلاثين إلى خمس وأربعين بنت لبون.
في كل ست وأربعين إلى ستين حِقَّة.
في كل واحدة وستين إلى خمس وسبعين جذعة.
في كل ست وسبعين إلى تسعين بنتا لبون.
في كل إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة حِقّتان.
ثم تستأنف الفريضة بعدها فما زاد على مائة وعشرين، حتى يصير المجموع مائة وخمسين. ففي كل مائة وخمسين إلى مائة وتسع وتسعين من الإبل ثلاث حِقاق. فإذا صارت مائتين ففيها أربع حِقاق.
(١) بنت المخاض: التي لها من العمر سنة واحدة.
(٢) بنت لبون: لها من العمر سنتان وطعنت في الثالثة.
(٣) الحِقَّة: التي لها من العمر ثلاث سنوات.
(٤) الجذعة: التي لها من العمر أربع سنوات.
(٥) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٣٧/‏١٣٨٦.
(٦) البيهقي: ج ٤ / ص ٩٤.
 
١٥٠
 
ثانيًا: زكاة البقر:
نصاب البقر: أول نصاب البقر ثلاثون.
زكاته: إذا بلغ الملك ثلاثين من البقر فزكاته تبيع (١) أو تبيعة.
فإذا بلغ الأربعين فزكاته مسنَّة (٢) .
فإذا بلغ الستين فزكاته تبيعان.
فإذا بلغ السبعين فزكاته مسنَّة وتبيع.
فإذا بلغ الثمانين فزكاته مسنتان.
ودليل ذلك ما روي (أن النبي ﷺ بعث معاذًا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة) (٣) .
(١) التبيع من البقر: هو الذي بلغ سنة وطعن في الثانية.
(٢) المسنة: ما لها من العمر سنتان وطعنت في الثالثة.
(٣) الترمذي: ج ٣ / كتاب الزكاة باب ٥/‏٦٢٣.
 
١٥١
 
ثالثًا: زكاة الغنم:
أول نصاب الغنم أربعون، ولا يجب في أقل منها صدقة.
مقدار الزكاة: إذا بلغ الملك أربعين من الغنم فزكاته شاة واحدة.
فإذا بلغ الملك مائة وإحدى وعشرين فزكاته شاتان.
فإذا بلغ الملك مائتين وواحدة فزكاته ثلاث شياه.
فإذا بلغ الملك أربعمائة فزكاته أربع شياه.
ثم في كل مائة شاة، وذلك لما ورد في كتاب سيدنا أبي بكر إلى أنس بن مالك ﵄ وفيه: (... وفي صدقة الغنم: في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها) (١) . وفي رواية أخرى لحديث أنس ﵁ أن أبا بكر ﵁ كتب له: (ولا يُخرج من الصدقة هَرِمة، ولا ذات عَوَار، ولا تَيْس، إلا ما شاء المُصَدِّق) (٢) . ولا يجزئ في زكاة النعم إلا الثَّنيّ (٣) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٣٧/‏١٣٨٦.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٣٨/‏١٣٨٧.
(٣) الثني: هو الذي أتم السنة وطعن في الثانية.
 
١٥٢
 
زكاة الخيل:
لا يجب في الخيل السائمة زكاة عند الصاحبين، وهو القول المفتى به، ويرى الإمام أبو حنيفة وزُفَر إذا كانت للدَرّ والنسل، وسائمة ذكورًا وإناثًا، وحال عليها الحول فتجب فيها الزكاة. وإن كانت ذكورًا فقط أو إناثًا فقط فالأصح هو عدم وجوب الزكاة فيها. فإن كانت من أفراس العرب خيّر أن يدفع عن كل فرس دينارًا، لما روي عن جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (في الخيل السائمة في كل فرس دينار) (١)، أو أن يقوّمها ويدفع عن كل مائتي درهم خمسة دراهم. أما إن لم تكن من أفراس العرب فيقومها ويدفع القيمة.
وأما إذا كانت للتجارة فتجب فيها زكاة التجارة بالاتفاق. أما إن كانت علوفة، أو سائمة للحمل أو الركوب أو الجهاد، فلا شيء فيها لاشتغالها بالحاجة الأصلية.
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١١٩.
 
١٥٣
 
أحكام عامة في زكاة السوائم:
-١ - أجمع الفقهاء على أن البغال والحمير لا تجب فيها الزكاة ولو كانت سائمة.
-٢ - لا تدفع عن الصغار (المولدة) زكاة إلا تبعًا للكبار ولو واحدة. فلو هلكت الكبار كلها قبل نهاية الحول فلا يدفع شيئًا عن الصغار حتى يحول حولها.
-٣ - إذا هلك النصاب بعد حولان الحول بدون تفريط من المالك سقطت عنه الزكاة بلا ضمان، أما لو باعها أو استهلكها أو فرّط أو قصرّ في حفظها فتكون الزكاة دينًا واجبًا في ذمته.
-٤ - تؤخذ الزكاة من الذكور مع وجود الإناث أو تؤخذ من الغالب، ولا تؤخذ المريضة ولا المعيبة عيبًا واضحًا.
-٥ - يضم ما يستفاد من السوائم أثناء الحول إلى أصل من نوعه إن وجد، ولو استفيد عن طريق الإرث، ويزكى متى حال الحول على الأصل. وكذا ربح كل نصاب يضم إلى أهله.
 
١٥٤
 
الفصل الثاني: زَكاة الزرُوع والثِّمَار
 
١٥٥
 
تجب الزكاة في كل ما تنتجه الأرض بقصد الاستغلال والاستنبات سواء أكان صالحًا للبقاء كالحبوب أم غير صالح للبقاء كالثمار والخضار من خوخ ومشمش وباذنجان ...
دليلها ومقدارها:
ثبت وجوب زكاة المحاصيل الزراعية بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
من الكتاب: قوله تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿وأنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ (٢) .
ومن السنة: حديث عبد الله بن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَرِيًا (٣) العشر، وما سقي بالنَّضح (٤) نصف العشر) (٥) .
وقد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في الزروع والثمار.
وتسمى زكاة الزروع والثمار العُشْر.
(١) الأنعام: ١٤١.
(٢) البقرة: ٢٦٧.
(٣) العَثَرِيّ: هو من الزرع ما سُقي بماء السيل والمطر وأُجْري إليه من المَسَايل.
(٤) النَّضْح: نَقل الماء على أي شيء. وفِقه ذلك أن ما سُقي بغير مشقة أو كان بعلًا فزكاته العشر، وما سقي بتعب أو مشقة فعليه نصف العشر.
(٥) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٥٤/‏١٤١٢.
 
١٥٦
 
شروط وجوب العشر:
-١ - أن تكون الأرض غير خراجية لكي لا يجتمع عشر وخراج، لما روي عن البيهقي بسنده عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: «لا يجتمع على المسلم خراج وعشر» (١) .
-٢ - أن تكون المنتجات بقصد الاستغلال والاستثمار، فلا تجب الزكاة في الحطب والقصب والحشيش والصمغ ... ولا تجب في ثمار شجر الدار أو بستان داخل الدار لأنه تابع له.
-٣ - أن تكون الأرض مسقية بماء المطر أو السيح (٢) كالنهر، أما إن سقيت بكلفة (كدلو أو دولاب أو غير ذلك) ففيه نصف العشر. وإن سقيت نصف الوقت بماء السماء أو السيح أو النهر والنصف الآخر بالدلو ففيه نصف العشر، وقيل: ثلاثة أرباعه.
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٣٢.
(٢) السِّيح: الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض.
 
١٥٧
 
ما لا يشترط في زكاة الحرث:
-١ - لا يشترط حولان الحول، لأنه قد تنبت الأرض في السنة أكثر من مرة، وقال تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ .
-٢ - لا يشترط بلوغ النصاب، فتجب زكاة الحرث في كل ما تنبته الأرض قليله وكثيره.
-٣ - لا يشترط البلوغ والعقل، فتجب في أرض المجنون والصغير.
-٤ - لا يشترط ملكية الأرض، لأنها قد تجب على المستأجر عند الصاحبين، أو على المشتري إن اشترى الزرع قبل إدراكه. كما تؤخذ من الأراضي الموقوفة.
-٥ - لا يشترط خلو المكلف من الدَّين.
-٦ - لا يشترط في المستنبت البقاء بل تجب في الخضر والفواكه أيضًا.
على من تجب زكاة الحرث:
تجب زكاة الحرث في الأصل على كل من استنبت أرضًا وجنى قطافها. فلو أجرَّ أرضًا أو أعارها للاستنبات فالزكاة على المستأجر أو المستعير، بينما الخراج على مالك الأرض بصرف النظر عن المستفيد منها.
ولو باع الزرع قبل إدراكه فالعشر على المشتري، أما إن باعه بعد إدراكه فالزكاة على البائع.
أما في المزارعة: إن كان البَذْر من صاحب الأرض فعليه الزكاة، وإن كان من العامل فعليهما بالحصة.
ولو استهلك الثمر قبل دفع زكاته وجب العشر دَيْنًا في الذمّة حتى لو تركه سنين يدفع عن الجميع. أما لو ترك الخراج فلا يدفع عن ما مضى عند الإمام.
وإذا مات إنسان وعليه عشر أو خراج أُخِذ من تركته كالديون.
زكاة العسل:
يجب في العسل زكاة وذلك تبعًا للزروع والثمار، لأن النحل يتغذى من الثمار والأزهار (١)، والثمار فيها العشر. فإذا أنتج عسلًا في أرض خراجية ولو لم تكن أرضًا عشرية كأن تكون في جبل أو مفازة، تجب فيه الزكاة.
(١) بخلاف دود القز، فإنه يتناول الأوراق، وليس في الأوراق عشر.
 
١٥٨
 
دليلها ومقدار ما يجب:
يجب في العسل عشر الإنتاج، ولا يشترط في زكاته نصاب ولا حول. ودليل ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو ﵄ (أن النبي ﷺ: أخذ من العسل العُشر) (١)، وعن أبي سيارة المتقي قال: قلت يا رسول الله إن لي نخلًا. قال: (أدِّ العشر) (٢) .
(١) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الزكاة باب ٢٠/‏١٨٢٤.
(٢) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الزكاة باب ٢٠/‏١٨٢٣.
 
١٥٩
 
الخراج:
تقسم الأراضي إلى قسمين: عشرية وخراجية.
-١ - الأرض العشرية: وهي الأرض المستنبتة بقصد الاستغلال بيد المسلم، ويدفع عنها العشر. وتضم:
-١ - أراضي العرب فهي كلها عشرية.
-٢ - كل أرض أسلم أهلها طَوْعًا.
-٣ - كل أرض فتحت عنوة ثم قُسِمت بين الفاتحين.
-٤ - ما أحياه المسلم من مَواتٍ وسقاه بماء مسلم.
-٢ - الأرض الخراجية: ويدفع عنها الخراج. وهي تضم:
-١ - كل أرض فتحها المسلمون عنوة، وتركوها في يد أهلها يزرعونها ويدفعون خراجها لبيت مال المسلمين.
-٢ - كل أرض مواتٍ أحياها ذميّ.
-٣ - أرض سواد العراق كلها خراجية بأمر الخليفة عمر بن الخطاب ﵁.
-٤ - كل أرض لمسلم تسقى بماء الخراج كالأنهار التي حفرها الكفار.
-٥ - أرض الغنائم التي اقتطعها الإمام لذمي.
-٦ - دار الذمي إذا اتخذها بستانًا.
-٧ - كل أرض اشتراها مسلم من ذمي تبقى خراجية (١) . ولا يجتمع على أرض عشر وخراج لقول إبراهيم: «لا يجتمع على المسلم خراج وعشر»، ولأن سبب العشر الإسلام فهو عبادة وسبب الخراج ضريبة على الأرض يدفعها غير المسلم.
(١) أما إن اشتراها من ذمي بحق الشُّفعَة، أو بحكم القضاء، أو رُدّت عليه بسبب فساد البيع فإنها تبقى عشرية.
 
١٥٩
 
الفرق بين العشر والخراج:
أ - العُشْر:
-١ - هو عبادة، لأنه زكاة على الثمار والزروع (نماء) .
-٢ - يجب على المسلم ولا يجب في حق غيره.
-٣ - يدفع على الثمار والزروع.
-٤ - لا تجب زكاة الثمار والزروع حتى تحصد (١) .
ب - الخراج:
-١ - هو ضريبة على الأرض.
-٢ - يدفعه الذمي عن الأرض.
-٣ - يجب الخراج على الأرض إذا تمكن من زراعتها ولم يفعل.
(١) اختلفوا في وقت الثمار والزروع، فقال الإمام أبو حنيفة وزُفر: يجب عند ظهور الثمرة والأمن عليها من الفساد وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حدًا ينتفع بها، وقال أبو يوسف: عند استحقاق الحصاد، وقال محمد: إذا حصدت وصارت في الجرين.
 
١٥٩
 
الفصل الثالث: زَكاة النّقد
 
١٦٠
 
تجب الزكاة بإجماع الفقهاء في نقود الذهب والفضة وسبائكها إذا تحققت فيها شروط وجوب الزكاة.
كما تجب الزكاة في المَضْروب، من الذهب والفضة، ولو خالطه معادن أخرى بنسبة قليلة، لأنه لا عبرة للمغلوب. ويعتبر المغشوش قليلًا كالخالص. وإن كان مخلوطًا بنسبة كبيرة يقوّم كالعروض، إلا إذا كان يخلص منه ما يبلغ نصابًا، أو أقل وعنده ما يتم به النصاب، أو كان أثمانًا رائجة وبلغت من أدنى نقد تجب زكاته، فتجب الزكاة وإلا فلا.
نصاب الذهب والفضة:
نصاب الذهب عشرون مثقالًا (١)، ودليل ذلك ما روي عن علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار) (٢) .
ونصاب الفضة مائتا درهم (٣)، ودليل ذلك ما روى جابر ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: (ليس فيما دون خمس أوراق (٤) من الوَرِق (٥) صدقة) (٦) .
والعبرة للوزن إذا كان كل صنف على حدة بلغ نصابًا، أما في ضم الذهب إلى الفضة فالعبرة للقيمة، إذ يجوز ضم أحد النقدين إلى الآخر، بل يجب إذا لم يكن لكل منهما نصاب لإتمام النصاب، لأنهما من حيث الثمنية شيء واحد.
وإذا كان لكل منهما نصاب أدى منهما بغير ضمّ. ولو أراد صاحب نصابين مختلفين ضمهما ليدفع الزكاة من نوع واحد، جاز بشرط أن يكون الضم لمصلحة الفقير.
وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب كما يضم الذهب إلى الفضة. ويكون الضم باعتبار الأجزاء عند الصاحبين وباعتبار القيمة عند الإمام، فلو كان لدى شخص نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب، فعند الإمام يضم باعتبار القيمة وتجب الزكاة، وعند الصاحبَيْن يضم باعتبار الأجزاء فلا تجب الزكاة.
(١) أي ما يعادل (١٠٠) غ ذهبًا.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٤/‏١٥٧٣.
(٣) أي ما يعادل (٧٠٠) غ فضة.
(٤) أوَاق: جمع أوقية، وهي أربعون درهمًا.
(٥) الوَرِق: وهو الفضة.
(٦) مسلم: ج ٢ / كتاب الزكاة /٦.
 
١٦١
 
مقدار الزكاة في النقدين:
الواجب في الذهب والفضة ربع العشر مطلقًا، وما زاد على النصاب فاختُلِف فيه:
-١ - قول الإمام أبي حنيفة: لا تُدفع الكسور حتى تبلغ خمس النصاب، أي أربعين درهمًا في الفضة وأربعة مثاقيل في الذهب. وذلك لما روي عن الحسن البصري قال: «كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري ﵄: فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهمًا درهم» (١) .
-٢ - قول الصاحبين: ما زاد على النصاب فبحسابه قل الزائد أو كثر، لما روي عن علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: (هاتوا ربع العشور، من كل أربعين درهمًا درهم. وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك ...) (٢) .
والعبرة عند الدفع للوزن إن كان دفع من جنس النصاب، وللقيمة إن دفع من غير جنسه أو في حالة ضم الجنسين لبعضهما.
(١) الجوهر النقي (بذيل السنن الكبرى للبيهقي): ج ٤ / ص ١٣٥.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٤/‏١٥٧٢.
 
١٦١
 
زكاة الحَلْي وأدوات الاستعمال المتخذة من الذهب والفضة:
تجب الزكاة في الحلي وأدوات الاستعمال المتخذة من الذهب والفضة مطلقًا، سواء أكانت مباحة أو محرمة الاستعمال، متى بلغ المملوك منها نصابًا. وذلك لما روي عن أم سلمة ﵂ قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب فقلت: يا رسول الله ﷺ أكنز هو؟ قال: (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) (١) .
والعبرة فيه لوزن الذهب الصافي أو الفضة لا القيمة. مثلًا: من كان عنده إبريق من الفضة وزنه (١٥٠) غ وقيمته مائتين فلا زكاة عليه.
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٠.
 
١٦١
 
سبب وجوب الزكاة فيها:
الثمنية التي تجعلها محلًا للنَّماء، فاقتناؤها يوجب الزكاة. والدليل على ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله ﷺ ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكَتان (١) غليظتان من ذهب. فقال لها: (أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسوركم الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي ﷺ وقالت: هما لله ﷿ ولرسوله) (٢) .
(١) المَسَكَتان: بالتحريك تثنية مَسَكَة، وهي هنا السِّوار.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٣/‏١٥٦٣.
 
١٦١
 
زكاة اللآلئ والجواهر:
لا تجب الزكاة في اللآلئ والجواهر وإن بلغت قيمتها آلافًا، لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: (لا زكاة في حجر) (١) إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة، لما روي عن سعيد بن جبير قال: «ليس في حجر زكاة إلا ما كان لتجارة من جوهر ولا ياقوت ولا لؤلؤ ولا غيره إلا الذهب والفضة» (٢) .
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٦.
(٢) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٦.
 
١٦١
 
زكاة الأوراق النقدية:
المعتمد هو أن تدفع الزكاة مطلقًا عن الأوراق النقدية سواء كانت تحت يد صاحبها أو مُوْدَة في المصارف.
وسبب وجوب الزكاة فيها أنها سدَّت مسدّ النقدين في التعامل والرواج فأخذت حكمهما في وجوب الزكاة، ولأن وجوب الزكاة في النقدين هو لخاصة الثمنيَّة، فإذا وجدت في غيرهما كالأوراق النقدية أخذت حكمهما في وجوب الزكاة.
ويجب فيها ربع العشر كما في الذهب والفضة.
زكاة المعدن والرِّكاز:
الرِّكاز: لغة: الإثبات.
وشرعًا: مال مركوز تحت الأرض سواء كان بخلق الله من كل معدن منطبع (١)، أو كان مما كنزه الكفار في أرض عشرية أو خراجية أو مَفَازة أو جَبَل، وجده مسلم أو ذمي.
(١) المنطبع: القابل للطرق والصفح.
 
١٦١
 
مقدار زكاة الركاز:
-١ - إن كان من دَفْن الجاهلية ففيه الخمس، يدفع لبيت مال المسلمين، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (... وفي الركاز الخمس) (١) . والباقي لمالك الأرض إن وجد أو ورثته أو لبيت مال المسلمين. أما إن وجد الركاز في صحراء أو مفازة فالباقي عن الخمس لواجده ولو كان ذميًّا.
وأما المعدن (٢) فلا شيء فيه إن وجده في داره أو حانوته عند الإمام أبي حنيفة وقالا فيه الخمس. وإن وجده في أرضه فهناك روايتان عن الإمام؛ فعلى رواية الأصل لا شيء فيه وعلى الرواية الأخرى - وهي موافقة لقول الصاحبين -: هناك فرق بين الأرض والدار ووجهه أن الدار لا مؤنة فيها أصلًا فلم تخمس فصار الكل للواجد بخلاف الأرض فإن فيها مؤنة الخراج والعشر فتخمس. والأخذ بهذه الرواية أوْلى.
وليس للحَرْبي شيء من الركاز إن استخرج بغير إذن الإمام، فإن كان بإذنه فله ما شرط فيه.
-٢ - إن كان الركاز من دفن المسلمين، كأن يكون عليه طبع يدل على أنه بعد الإسلام، فحكمه حكم اللُّقَطَة (٣) .
-٣ - إن لم تظهر عليه أية علامة اعتبر من دَفْن الجاهلية.
-٤ - إن وجد الكنز في أرض الكفار أو صحرائها فلا يخمَّس، بل هو لواجده كله ولو كان مستأمنًا. أما إن وجده في أرض مملوكة رده إلى مالكه تحرزًا من الغدر، فإن هرب به مَلَكه مُلْكًا خبيثًا سبيله التصدُّق.
-٥ - إن وجد الفيروز والياقوت والزمرد في جبل أو مفازة أي في مواضعها، فليس فيها شيء، فإن كانت من كنز الجاهلية ففيها الخمس لكونها غنيمة.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٦٥/‏١٤٢٨.
(٢) خرج بقولنا المعدن الكنز فإنه يخمس ولو وجده في أرض مملوكة لأحد أو في داره.
(٣) اللقطة إن لم يعرف صاحبها بعد سنة من تعريفها والمناداة عليها، فإن كان الملتقط فقيرًا انتفع بها على شرط الضمان، وإن كان غنيًا تصدق بها على شرط الضمان أيضًا إن ظهر صاحبها ولم يُجِزِ الصدقة.
 
١٦١
 
مصارف الزكاة:
هي مصارف الغنائم رغم أن الركاز أُلحق بالزكاة. وبناء على هذا يجوز للواجد أن يصرف الخمس على نفسه أو ولده إن كان فقيرًا بحيث تكون أربع أخماس دون النصاب.
أما ما يستخرج من البحر سواء أكان لؤلؤًا أم ذهبًا مدفونًا في قاع البحر، فليس فيه شيء. لما روي عن ابن عباس ﵄ أنه قال: «ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر» (١) .
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٦.
 
١٦١
 
الفصل الرابع: زَكاة العروض التجارية
 
١٦٢
 
أجمع الفقهاء على وجوب الزكاة في عروض التجارة مهما كان نوع المال المُتاجر به، لأن التجارة تجعل المال ناميًا، وهي علة وجوب الزكاة، ولحديث سَمُرَة بن جُندب ﵁ قال: (أما بعد، فإن رسول الله ﷺ كان يأمرنا أن نُخرِج الصدقة من الذي نعد للبيع) (١) .
(١) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٢/‏١٥٦٢.
 
١٦٣
 
شروط وجوب الزكاة:
-١ - أن تبلغ قيمة المال المتاجَر به نصابًا من ذهب أو فضة.
-٢ - أن تُملك بعقد مُعاوَضَة، فلو تملكها بإرث فلا تجب فيها زكاة العروض حتى يتاجر بها فعلًا، لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: «ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة» (١) .
-٣ - أن ينوي التجارة بها عند الشراء.
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٧.
 
١٦٣
 
كيفية إخراجها:
يمكن ضم جميع العروض التجارية إلى بعضها وتقوَّم قيمتها بأحد النَّقدين، فإن بلغت نصابًا وجبت فيها الزكاة. وتُقوَّم بالأصلح للفقراء أو بالنَّقد الغالب. وروى البيهقي بسنده عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماس (كان حماس يبيع الأدم والجعاب) قال: «مررت بعمر بن الخطاب ﵁ وعلى عنقي آدمة أحملها فقال عمر: ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟ فقلت يا أمير المؤمنين ما لي غير هذه التي على ظهري وآهبة في القرط فقال: ذاك مال فضع. قال: فوضعتها بين يديه فحسبها. فوجدت قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة» (١) .
(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٧.
 
١٦٣
 
زكاة المباني المؤجرة:
لا زكاة في المباني المؤجرة التي لم يقصد بها التجارة، وإنما تجب الزكاة على الأجرة إذا حال عليها الحول أو ضمت إلى النصاب الموجود عند المالك.
زكاة المصانع:
لا زكاة على الآلات المستعملة في المصنع، لأنها ليست للتجارة، وإنما تجب في المواد كالخيوط والحديد المعدة للبيع وغيرها (١) .
(١) ورد في مجلة لواء الإسلام تحت عنوان: (الزكاة والنظام الاجتماعي) للإمام أبي زهرة: ما يلي: يلحق بزكاة المحاصيل الزراعية زكاة المباني المؤجرة باعتبار أن علة وجوب الزكاة هو النَّماء. والمحاصيل الزراعية تدفع العشر أو نصف العشر من الخارج من الأرض أي مما كسبَتْه الأرض، فإن المباني المؤجَّرة والمصانع تنتج أرباحًا كبيرة (تحقق النماء) لذا فقد أوجب الفقهاء المُحْدثون الزكاةَ على المباني ودور السكن المؤجَّرة والمصانع (وذلك خلافًا للمذهب) .
والمقدار الواجب فيها هو نصف العشر، ويُدفع يوم القبض ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ .
نقلًا عن محاضرات في الفقه الإسلامي العام / د. فوزي فيض الله.
 
١٦٣
 
الباب الثالث (مصارف الزكاة) .
 
١٦٤
 
حدّد الله تعالى الأفراد الذين يستحقون صرف الزكاة إليهم في ثمانية أصناف، وذلك في قوله تعالى: ﴿إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل﴾ (١) .
وللمالك أن يعطي جميع الأصناف أو يقتصر على صنف واحد؛ لأن الزكاة حق الله تعالى، وهو الآخذ الفعلي لها، قال تعالى: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات﴾ (٢)، وروي عن عبد الله بن مسعود ﵁ قوله: «إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل. ثم قرأ عبد الله: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات» (٣) .
وقد استثني من الأصناف الثمانية المؤلفة قلوبهم وذلك بإجماع الصحابة قالوا: إن الله ﷿ أعز الإسلام فلا حاجة لتأليف القلوب عليه فقد انتهى الحكم بانتهاء علته.
(١) التوبة: ٦٠.
(٢) التوبة: ١٠٤.
(٣) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١١١، رواه الطبراني في الكبير.
 
١٦٥
 
شرح الأصناف السبعة:
-١ - الفقير (١): وهو الذي يملك شيئًا قليلًا لا يكفيه؛ أي الذي يملك ما لا يبلغ نصابًا، أو يملك نصابًا غير نامٍ مُسْتَغْرَقًَا في حوائجه (كثمن داره التي يسكنها، أو مصروفه) ولو كان صحيحًا مكتسبًا. أما إن كان يملك نصابًا غير نامٍ غير مستهلكٍ فلي حوائجه الأصلية فلا يجوز إعطاؤه من مال الزكاة ولا يجب عليه دفع الزكاة، بل تجب عليه صدقة الفطر والأضحية.
-٢ - المسكين: وهو أدنى حالًا من الفقير، فهو الذي لا شيء له، قال تعالى: ﴿أو مسكينًا ذا مَتربة﴾ (٢) . وروي عن الإمام أبي حنيفة قوله الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل.
-٣ - العامل عليها: وهو الموظف على جبايتها وتوزيعها من قبل الإمام (٣)، ولو هلك مال الزكاة في يده سقط حقه في الأجر. ويجوز للعامل ولو كان غنيًا لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيأخذ عوض عمله ما يكفيه وأعوانه بشرط أن لا يتجاوز ذلك نصف ما جبى.
-٤ - الرقاب: وهم المكاتبون مكاتبة صحيحة فيعطون ما يعينهم على العِتق.
-٥ - الغارم: وهو المديون الذي لا يملك لدينه وفاء، والدفع إليه أفضل منه للفقير.
-٦ - في سبيل الله: وهم المنقطعون من الغزاة، أي الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الإسلام لفقرهم بهلاك النفقة أو الدابة أو غيرهما فتحل لهم الزكاة.
-٧ - ابن السبيل: هو المنقطع عن أهله، البعيد عن ماله، فيعطي من الزكاة ما يوصله إلى أهله أو ماله.
(١) الفقر شرط في جميع الأصناف إلا العامل والمكاتب وابن السبيل.
(٢) البلد: ١٦.
(٣) أما جُباة الجمعيات فيشترط فقرهم.
 
١٦٦
 
الذين لا يجوز دفع الزكاة إليهم:
-١ - بنو هاشم ومواليهم، لقوله ﷺ: (إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) (١)، ولما رواه ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال لابني عمه: (لا يحل لكما أهلَ البيت من الصدقات شيء ولا غُسالة أيدي الناس، إن لكم في خمس الخُمُس لما يغنيكم أو يكفيكم) (٢) .
وقد روى أبو عصمة عن الإمام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه لأن عوضها وهو خمس الخمس لم يصل إليهم.
-٢ - الأغنياء: لما روي عن عبد الله بن عمرو ﵄ أن النبي ﷺ قال: (لا تَحِلّ الصدقة لغني ولا لذي مِرّة سوي) (٣) . كما لا تحلّ لولد الغني الصغير (دون البلوغ) ولا إلى ابنه الكبير المُقْعَد؛ أي الذي فرضت نفقته على أبيه (أما إذا كان قبل فرض نفقته فيجوز أن يعطى)، ولا إلى مملوكه، لأنهم أغنياء بغناه. بخلاف ولد الغني الكبير وزوجته وأبيه إن كانوا فقراء، فمن الأَوْلى جميع الأقارب الذين تجب نفقتهم على الغني إن كانوا فقراء فلا يعتبرون أغنياء بغناه.
والغني في الشرع ثلاث مراتب:
-١ - غني يحرم عليه السؤال، ويحلّ له أخذ الزكاة: وهو أن يملك قوت يومه وستر عورته، أو كان صحيحًا مكتسبًا، لما روى سهل بن الحنظلية ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار. فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه) (٤) .
-٢ - غني يحرم عليه السؤال والأخذ، ويوجب عليه صدقة الفطر والأضحية: وهو أن يملك نصابًا غير نامٍ عن حوائجه الأصلية.
-٣ - غني يحرم عليه السؤال والأخذ، ويوجب عليه صدقة الفطر والأضحية والزكاة: وهو أن يملك نِصابًا كاملًا ناميًا.
-٣ - غير المسلمين: فلا يجوز دفع الزكاة إلى ذميّ أو حَرْبي، لما روي عن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذًا ﵁ إلى اليمن قال له: (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) (٥) .
أما الصدقات النافلة فيجوز أن تُدفع للذميّ بخلاف النذور والكفارات فلا يجوز دفعها عند أبي يوسف إلا لمسلم كالزكاة.
-٤ - فروع المُزكّي وأصوله كالأب والجد والأم والجدة، من الجانبين، والولد وولد الولد وإن سَفل. ويجوز إعطاؤها إلى من سوى ما ذكر كالأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات الفقراء، بل هم أولى لما فيه من الصلة مع الصدقة.
-٥ - زوجة المُزكي اتفاقًا، فلا يجوز للزوج أن يدفع زكاة ماله لزوجته لوجوب نفقتها عليه. واختُلِف في جواز دفع الزوجة زكاة مالها لزوجها فعند الإمام لا يجوز أن تدفع الزوجة زكاة مالها لزوجها ولو كان فقيرًا، لأنه يعود بالنفع عليها، وهو القول المعتمد. وعند الصاحبين يجوز، وذلك لما روي عن زينب. فقال: (أي الزيانب؟ فقيل امرأة ابن مسعود. قال: نعم، ائذنوا لها. فأُذِن لها. قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي ﷺ: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم) (٦) .
(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٥١/‏١٦٨.
(٢) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٩١، رواه الطبراني في الكبير.
(٣) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٢٣/‏١٦٣٤.
(٤) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٢٣/‏١٦٢٩.
(٥) مسلم: ج ١ / كتاب الإيمان باب ٧/‏٣١.
(٦) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٤٣/‏١٣٩٣.
 
١٦٧
 
تعقيبات:
- إذا دفع المكلف الزكاة لرجل ظنه مستوفيًا للشروط فقيرًا أو مسكينًا، ثم تبين له خلاف ذلك، جاز وصحت الزكاة عند الإمام خلافًا لأبي يوسف، ودليل ذلك ما روي عن معن ﵁ قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله ﷺ، فقال: (لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن) (١) .
- لا يجوز دفع الزكاة لبناء مسجد أو إصلاح شارع، ولا يقضى بها دين عن ميت، ولا يُغسل منها ولا يُكفن.
- ما يأخذه البغاة (٢) يسقط الخراج ولا يسقط الزكاة، لأنهم لا يصرفونها في مصارف الزكاة.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ١٤/‏١٣٥٦.
(٢) البغاة: هم الذين خرجوا على الإمام واستولوا على السلطة.
 
١٦٨
 
الباب الرابع (صَدقة الفِطر) .
 
١٦٩
 
حكمها ودليلها:
وهي واجبة، ولا يكفر جاحدها، بدليل ما روي عن ابن عمر ﵄ قال: (فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر على الذكر والأنثى، والحر والمملوك، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير) (١) . وهي ليست فرضًا، لأن معنى كلمة «فرضَ» في الحديث أمَرَ أَمْر إيجاب والأمر الثابت بدليل ظني يفيد الوجوب، ولأن الإجماع المنعقد على وجوبها ليس قطعيًا لأنه لم يُنقل بالتواتر.
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب صدقة الفطر باب ٨/‏١٤٤٠.
 
١٧٠
 
الحكمة من تشريعها:
شرعت صدقة الفطر لجبر الخلل الواقع في الصوم، كما يجبر سجود السهو نقص الصلاة، وذلك لحديث ابن عباس ﵄ قال: (فرض رسول الله ﷺ زكاة الفِطر طُهرة للصائم من اللَّغو والرَّفَث وطعمة للمساكين) (١) .
كما شرعت للتوسعة على الفقراء والمساكين وإغنائهم عن سؤال الناس في يوم العيد، وذلك للحديث المتقدم ولقوله ﷺ فيما رواه عنه ابن عمر ﵄: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم) (٢) . كما أنها سبب لقبول الصيام لما روي أن: صوم شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر.
(١) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ١٧/‏١٦٠٩.
(٢) رواه الدارقطني وسنده ضعيف.
 
١٧١
 
سببها: رأس يَمُونُه ويَلي عليه.
شروط وجوبها:
-١ - الإسلام: فلا تجب على الكافر ولو عن عبده المسلم. لكن يجب على المولى أن يدفع عن عبده الكافر لتحقق السبب وهو رأس يمونه ويلي عليه.
-٢ - الحرية: فلا تجب على العبد لأنه لا يملك، بل يجب على سيده أن يخرجها عنه.
-٣ - أن يملك مقدار نصاب خالٍ عن الدين وزائد عن حوائجه الأصلية، سواء أكان ناميًا أم غير نام. ولا يشترط بقاء النصاب، فلو هلك النصاب بعد وجوبها لا تسقط عنه بخلاف الزكاة.
-٤ - أن يدركه فجر عيد الفطر، فمن مات قبل الفجر أو وُلِد بعده فلا تجب عليه صدقة الفطر.
ولا يشترط لوجوبها العقل والبلوغ، فتجب في مال الصبي والمجنون، وإذا لم يخرجها وليُّهما كان آثمًا، ويجب عليهما دفعها للفقراء بعد الإفاقة أو البلوغ.
على من تجب زكاة الفطر:
تجب على كل من توفرت فيه شروط الوجوب، فتجب عن نفسه وعمن يَمُونُه، بدليل حديث ابن عمر ﵄ قال: (أمر رسول الله ﷺ بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد ممن تمونون) (١) . أي يجب أن يدفع عمن تقع عليه ولايته ومؤونته، فيدفع الأب عن ولده الصغير الفقير، وعن ولده الكبير الذي في عياله إن كان فقيرًا ومجنونًا، وعن عبده ولو ذميًا.
ولا تجب على الزوج عن زوجته أو ولده الكبير الفقير العاقل، لكن إن دفعها ولو من غير إذنهما أجزأت بشرط كونهما في عياله.
ولا يجب على المكلف أن يخرجها عن أمه وأبيه ولو كانا فقيرين، إن أن يتبرع، أو كان أحدهما مجنونًا فقيرًا فيدفع عنه لوجود المؤونة والولاية.
ويدفع الجَدّ عن أولاد ابنه القاصرين الفقراء عند موت أبيهم. ولا يدفع عن أولاد ابنته ولو فقراء.
وتدفع المرأة عن نفسها إن كانت غنية، ولا تدفع عن أولادها ولا عن زوجها.
(١) الدارقطني: ج ٢ / ص ١٤١.
 
١٧٢
 
مقدارها:
نصف صاع من القمح، أو صاع من زبيب أو تمر أو شعير.
ويجوز دفع القيمة وهي أفضل عند وجدان الفقير ما يحتاجه، بأن كان الزمن زمن خصب، لأن الحكمة منها إغناؤه. أما إن كان زمن شدة فإخراج العَيْن أفضل. ودليل ذلك حديث ابن عمر ﵄ قال: (فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر، على الصغير والكبير، والحُرِّ والمملوك) (١) .
(١) البخاري: ج ٢ / كتاب صدقة الفطر باب ٩/‏١٤٤١.
 
١٧٣
 
وقتها:
أفضل وقت لإخراجها قبل الخروج لصلاة عيد الفطر، ويجوز إخراجها بعد دخول شهر رمضان، ولا يجوز تقديمها عنه، ويكره تأخيرها عن صلاة العيد، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: (فرض رسول الله ﷺ زكاة الفِطر طُهرة للصائم من اللّغو والرَّفث وطُعْمَة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) (١) . لكنها لا تسقط بالتأخير، ولو لم يؤدِّها ثبتت دَيْنًا في ذمته يجب عليه دفعها، ولو أخرها حتى مات؛ فإن دفعها الورثة أو غيرهم أجزأت وبرِئت ذمته، وإن أوصى بها تُخرج من الثلث.
(١) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ١٧/‏١٦٠٩.
 
١٧٤
 

عن الكاتب

Ustadz Online

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية