الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب منهج الإمام الشافعي في تفسير القرآن بأساليب اللغة والشعر العربي

منهج الإمام الشافعي في تفسير القرآن بأساليب اللغة والشعر العربي

اسم الكتاب ـمنهج الإمام الشافعي في تفسير القرآن بأساليب اللغة والشعر العربي
اسم المؤلف: مرشد الحيالي
الموضوع: تفسير القرأن والأدب العربي
الناشر: الألوكةا

المصدر: alukah.net

 المحتويات

  1. المبحث الأول: سيرته وحياته وطلبه للعلم:    
    1. أولًا: اسمه وكنيته:    
    2. ثانيًا: مولده ونشاته:    
    3. ثالثًا: رحلته وطلبه للعلم:    
    4. رابعًا: رحلته الى البادية لتعلم الفصيح من اللغة:    
  2. المبحث الثاني: منهجه في التفسير:    
  3. المبحث الثالث: مصادر التفسير عند الإمام الشافعي رحمه الله:    
    1. أولًا: تفسير القرآن بالقرآن:    
    2. ثانيًا: تفسير القرآن بالسنة المتواترة وبالأخبار الصحيحة:    
    3. ثالثًا: تفسير القرآن بالقياس:    
    4. رابعًا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة الكرام:    
    5. خامسًا: تفسير القرآن بأقوال التابعين:    
    6. سادسًا: تفسير القرآن بأساليب اللغة:    
  4. المبحث الرابع: نماذج من الاستشهاد بالشعر العربي في تفسير القرآن:    
  5. خاتمة:    
  6. توصيات:   
  7. العودة الي تفسير أحكام القرآن للشافعي 

  
منهج الإمام الشافعي في تفسير القرآن بأساليب اللغة والشعر العربي
 إن الله أنزل كتابه الكريم ليكون هداية ودستورًا للأمة الإسلامية، يحفظهم من مزالق الفتنة، وينير لهم طريق الحق والهداية والعلم، وقد اصطفى الله سبحانه من هذه الأمة المرحومة مَن حفِظ عليها دينها، فتجرَّد مخلصًا للعلوم الشرعية بأنواعها، واللغة بفروعها، وخاصة فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم، وبيان مُجمله، وتوضيح مُحكمه، فأصَّلوا لنا العلوم الشرعية، وقعَّدوا لنا أحكامها، فحفِظوا لنا الشريعة الغراء من التحريف المزيف، والتأويل الباطل، ومن هؤلاء الأئمة الأفذاذ والفقهاء الإجلاء سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي يُعد موسوعة علمية فقهية أصولية في شتى العلوم، وخاصة فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم، وكان له الفضل في ذلك فهو من السابقين الأوائل ..
ولقصد إحياء التراث الإسلامي واللغوي، فقد بينت في هذا البحث البسيط جهود الإمام في تفسير القرآن، وبيان أحكامه، وحيث إن الكتابة في هذا الموضوع متشعب وطويل، وخاصة في علوم القرآن المتنوعة، فقد اقتصرت على جهود الإمام في تفسير القرآن باللغة العربية وأساليبها ، ومنها الشعر العربي الذي هو ديوان العرب، وقد قسمت البحث الى مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة:
المبحث الأول: ذكرت فيه سيرة الإمام ونشاته وفصاحته في اللغة، وتلقيه العلوم الشرعية عن مشايخه..
المبحث الثاني: تناولت فيه المنهج القويم الذي اعتمده الشافعي في تفسير القرآن بشكل مختصر..
المبحث الثالث: تفسير القرآن باللغة العربية، ومنها الشعر العربي عند الشافعي رحمه الله ..
المبحث الرابع: نماذج من تفسير القرآن بلغة العربية والشعر المدون ..
  خاتمة:
   ذكرت فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج في هذا البحث، وأهم التوصيات التي تنفع طالب العلم في التفسير وبالله التوفيق...

المبحث الأول: سيرته وحياته وطلبه للعلم:

 
أولًا: اسمه وكنيته:
 هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب .
 

ثانيًا: مولده ونشاته:
اتفق مولد الإمام بغزة (150-204هـ )، ومات أبوه إدريس شابًّا، فنشأ محمد يتيمًا في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على العربية والشعر، فبرع في ذلك وتقدم، ثم حبب إليه الفقه، فساد أهل زمانه .
 

ثالثًا: رحلته وطلبه للعلم:
وأخذ العلم ببلده وارتحل - وهو ابن نيف وعشرين سنة، وقد أفتى وتأهل للإمامة - إلى المدينة، فحمل عن مالك بن أنس "الموطأ" عرضه من حفظه - وقيل: من حفظه لأكثره - وحمل عن: إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر، وعبد العزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم، وصنَّف التصانيف، ودوَّن العلم، ورد على الأئمة متبعًا الأثر، وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبعد صيته، وتكاثر عليه الطلبة .


رابعًا: رحلته الى البادية لتعلم الفصيح من اللغة:
يقول رحمه الله: (إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيلًا بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار)، ولقد بلغ من حفظه لأشعار الهذليين وأخبارهم أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال: «صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس الشافعي...) .
وفاته رحمه الله:
  روى الربيع بن سليمان حالَ الشافعي في آخر حياته، فقال: «أقام الشافعي ها هنا (أي في مصر) أربع سنين، فأملى ألفًا وخمسمائة ورقة، وخرَّج كتاب الأم ألفي ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة كلها في مدة أربع سنين، وكان عليلًا شديد العلة...).
 وقال الربيع أيضًا: دخل المزني على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقال له: «كيف أصبحت يا أستاذ؟»، فقال: «أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله واردًا، ولسوء عملي ملاقيًا»، قال: ثم رمى بطرفه إلى السماء واستبشر وأنشد: (البحر الطويل):
إليك إلـهَ الخلـق أرفــع رغبتي  *** وإن كنتُ يا ذا المن والجود مجرمَـا
ولَما قسـا قلبي وضـاقت مذاهبي   ***   جعلت الرجـا مني لعفوك سُلَّمَا
تعاظمنـي ذنبـي فلمـا قرَنتــه***بعفوك ربي كان عـفوك أعظمــَا
فما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنب لم تَزلْ *** تـجـود وتعـفو منةً وتكرُّمــَا
 

المبحث الثاني: منهجه في التفسير:
  ذكرنا في ترجمة الإمام الشافعي رحمه الله براعته في العلوم الإسلامية واللغوية، ودراسته على علماء مكة، وأغلب هؤلاء لهم الفضل والسبق في الاهتمام بعلوم القرآن وتفسيره، وهم من أتباع مدرسة حبر الأمة وترجمان القرآن كابن عباس ومجاهد وغيرهم، وقد استقى الشافعي رحمه الله واستفاد من علومهم ومعارفهم، وساعده على ذلك معرفته باللغة؛ حيث انتقل إلى البادية، فصاحَب هذيلًا في حَلِّهم وتَرحالهم حتى أصبح شابًّا، وحاز على ملكة اللغة والشعر، وقد بلغ الشافعي مبلغًا في حفظه للقرآن ومعرفته بعلومه واستنباطه لأحكامه، وبذلك شهد له علماء عصره ومن بعدهم، يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (ما رأيت أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القريشي)، وقال شيخه ابن عيينة: (كان إذا جاء شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي وقال سلوا هذا ..) .
وهنا لابد من الإشارة إلى ما يلي:
أولًا: إن الإمام الشافعي لم يجمع له تفسير بطريقة تفسيرية لكل آيات القرآن الكريم التي منها التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، وإنما تفسيره لكتاب الله مبثوث في مؤلفاته ومصنفاته، وأغلبه يتعلق بتفسير آيات الأحكام التي لها صلة بالفقه الإسلامي والاجتهاد، وهو كما تقدم من أوائل من تصدى لتفسير آيات الأحكام، وسيأتي ذكر نماذج من تفسيره.
الثاني: جمع الإمام البيهقي رحمه الله من نصوص الشافعي تفسيرًا في كتابه البديع (أحكام القرآن) ، ورتَّبه على أحكام الفقه، ولم يستوعب الكتاب بطبيعة الحال جميع آيات القرآن الكريم، ومن أجل تحقيق هذا الهدف العظيم، فقد بذلت جهود في جمع هذا التفسير الهام للشافعي، ونشير هنا إلى كتابين وهما:
1-    تفسير الشافعي جمع وتحقيق مجدي بن منصور الشوري ، ويعتبر اللبنة الأولى والخطوة السابقة في هذا المجال، وقد اعتمد في تفسيره هذا على ثلاث مصادر رئيسية للإمام الشافعي، وهي: (أحكام القرآن) للبيهقي، (والرسالة)، وكتاب (الأم) الذي أملاه على تلامذته، ومن المأخذ على هذا الكتاب أنه لم يتناول جميع التفسير للإمام، حيث يوجد له مادة التفسير في كتب أخرى من مؤلفات لم يتطرق إليها المؤلف.
2-    تفسير الشافعي رحمه الله جمع وتحقيق ودراسة الدكتور أحمد بن مصطفى الفران، وهذه الرسالة في الواقع تحقيق لأمنية العلامة أحمد شاكر رحمه الله الذي كان قد أشار في تحقيقه لكتاب: (الرسالة) للإمام الشافعي ؛ حيث قال: (وهذا الفهرس جليل جدًّا؛ إذ يفيد القارئ تفسير الإمام الشافعي لكثير من آيات الأحكام الحكيم، ولو صنع مثل هذا في كل كتب الشافعي، كانت لنا مجموعة نفسية رائعة من قول الشافعي وفقهه في تفسير القرآن، لا تكاد تجد مثلها لكتاب من كتب التفسير ) .
  وقد تحقق ما أراد العلامة أحمد شاكر رحمه الله، فجمع المؤلف تفسير الإمام لآيات الأحكام من خمس وتسعين سورة، وهي مجموعة من كتب الإمام أو لتلامذته، أو في كتب التفسير المتنوعة، من شأنها أن تيسَّر على طلبة العلم للتعرف على المنهج القويم في استنباط الأحكام الشرعية، وهي خطوة تدفع الباحثين لجميع تفسير أئمة المذاهب الأخرى ، وبالله التوفيق ...
 

المبحث الثالث: مصادر التفسير عند الإمام الشافعي رحمه الله:
اختص الإمام الشافعي من بين العلماء الذين عاصروه أو سبقوه بأنه من وضع علم الأصول؛ لتكون آلة للاستنباط والفهم التي ترجع إلى قواعد عامة يتخذها الفقيه أو المفسر لفهم معاني النصوص الشرعية، والتعرف على دلالاتها ومقاصدها، ويعتمد الشافعي في تفسيره لكتاب الله على المصادر التي أشار إليها في رسالته وهي كما يلي مرتبة:
1-    تفسير القرآن بالقرآن.
2-    تفسير القرآن بالسنة المتواترة والأخبار الصحيحة.
3-    تفسير القرآن بالقياس والإجماع مقدم على القياس عنده...
4-    تفسير القرآن بأقوال من شاهدوا التنزيل وفهموا التأويل من الصحابة الأجلاء.
5-    تفسير القرآن بأقوال التابعين، والأئمة المعتبرين من العصور الأولى الفاضلة...
6-    وأخيرًا تفسير القرآن بأساليب اللغة والشعر العربي، وهو موضوع بحثنا.
وسنشير بشكل موجز مختصر إلى هذه الأنواع مع أمثلة، لنتعرف على منهج الشافعي رحمه الله في تفسير النصوص، ثم نبسط الكلام في أساليب اللغة، وخاصة الشعر العربي، وبالله التوفيق ...
 

أولًا: تفسير القرآن بالقرآن:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، فأخبر سبحانه وتعالى أن النفير على بعض دون بعض، وأن الفقه إنما هو على بعض دون بعض، وهذا كل ما كان الفرض مقصودًا فيه قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية، خرج من تخلف من المأثم، ولو ضيعوه معًا خِفت ألا يخرج واحد منهم مطبق فيه من المأثم، بل لا أشك أن شاء الله لقوله: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] .
وقال في الأم: (وقد قال اللَّه تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]، فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث؛ لأن الإناث: المؤمنات، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122]، وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث .


ثانيًا: تفسير القرآن بالسنة المتواترة وبالأخبار الصحيحة:
قال الله تعالى في الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]؛ يقول الشافعي رحمه الله تعالى: (فبيَّن رسول الله عن الله تلك المواقيت، وصلى الصلوات بوقتها، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عدد الصلوات المفروضات خمس، وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر أربع، وعدد المغرب تلاث، وعدد الصبح ركعتان إلى غير ذلك مما يتعلق بالصلاة من أحكام في الحضر في الحضر والسفر، سواء كانت فريضة أو سنة مؤكدة أو مستحبة) .
 

ثالثًا: تفسير القرآن بالقياس:
  أصول العلم عند الشافعي رحمه الله القرآن الكريم، ثم السنة المطهرة، ثم القياس عليهما يقول رحمه الله في ذلك: (الأصل قرآن أو سنة أو قياس عليهما) ، وهو أول من تكلم بالقياس ضابطا لأصوله محددًا لشروطه، ومن تلك الشروط العلم بأحكام القرآن والسنة والعلم بلسان العرب، وأن يكون صحيح النظر حسن التقديم .
والقياس عند الإمام أقسام بحسب وضوح العلة وخفائها، ومن ذلك أن يكون الفرع أَولى بالحكم من الأصل، ومثاله حرمة ضرب الأبوين المستفادة من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] .

رابعًا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة الكرام:
والشافعي ينظر إلى أقوالهم من ناحيتين:
1-    ما كان منها أشبه بالكتاب والسنة، فيأخذ به، ويجعله حجة؛ يقول رحمه الله: (وأقوال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تفرَّقوا نصير منها إلى ما وافق الكتاب والسنة والإجماع، أو كان أصح في القياس ..) .
2-    أما إذا لم يوجد ما يشبه أقوالهم المختلفة شيء من الكتاب أو السنة، يأخذ بأتْبعهم للقياس بشرط ألا يخالف نصًّا شرعيًّا، ومن الأمثلة قوله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
فقالت عائشة رضي الله عنها الأقراء الأطهار، وقال بمثل معنى قولها زيد بن ثابت وابن عمر وغيرهما، وقال نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأقراء الحُيَّض، فلا يحلوا المطلقة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة .
ورجح الشافعي أن الأقراء هو الأطهار، واستند إلى حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي أن يراجعها، وحبسها حتى تطهر، ثم يطلقها طاهرًا من غير جماع .
 

خامسًا: تفسير القرآن بأقوال التابعين:
خلاصة كلام الشافعي في تفسير التابعين للقرآن: أنه لا يعتبر أقوالهم أو من عاصروه حجةً، حتى يجتهد هو برأيه، فإن وافق رأيه رأي أحدهم، فيكون بما أدَّاه إليه اجتهاده، وإلا فقد اجتهد فيما وضعه من أصول وقواعد لعلم التفسير؛ يقول رحمه الله في هذا الصدد: (ومن أن يروي عن رجل من التابعين أو من دونهم قولًا لا يلزمه الأخذ به، فيكون إنما رواه لمعرفة قوله - لا لأنه حجة عليه - وافقه أو خالفه) .
والشافعي يذكر عن عطاء أو مجاهد أو غيرهما من التابعين استنادًا لمروياتهم، وليس لاجتهادهم في التفسير ...
 

سادسًا: تفسير القرآن بأساليب اللغة:
هذا الفصل مخصص لبيان تفسير القرآن باللغة العربية وأساليبها وأدواتها، ومنها الشعر العربي، وهو الغرض المعقود لكتابة هذا البحث، وسنتكلم فيه عن نبوغ الشافعي في اللغة والأدب والشعر، وثناء العلماء عليه في هذا الجانب الهام، ثم نعرِّج بعد ذلك على نماذج من تفسير لآيات الكتاب العزيز بلغة العرب، وقصائد الشعر لفهم مراد الله ورسوله، لنختم به البحث وبالله التوفيق والسداد ....
  لقد كان الشافعي رحمه الله على جانب عظيم من فصاحة اللسان، وقوة البيان، وفي البلاغة وأنواعها، فقد حاز قصب السبق، وقد استفاد ذلك من البادية ومخالطة أهل اللغة والعربية الفصحى، وجمع إلى ذلك التعلم وطلب العلم من أهل الحضر والطلب من المدينة، وكلامه في اللغة حجة، وله اختيارات في النحو تدل على طول باعه، وسعة مداركه، واللغة أساس في فهم النصوص الشرعية ..
ثناء العلماء عليه:
وقد أقر الجميع للشافعي بالتقدم وكمال البيان واللغة؛ كالفراء والجاحظ وابن هشام وغيرهم:
 قال عبد الملك بن هشام اللغوي صاحب المغازي والسير (ت: 213هـ): (الشافعي بصير باللغة يؤخذ عنه ولسانه لغة فاكتبوه) ، وقال أيضًا: إن الشافعي حجة في اللغة.
وقال أيضًا: (جالست الشافعي زمانًا فما سمعته تكلم بكلمة إلا اعتبرها المعتبر لا يجد كلمة في العربية أحسن منها)، وكان (إذا شك في شيء من اللغة بعث إلى الشافعي فسأله عنه .
وقال الفراء ( 207هـ ): (الشافعي لغة هو قرشي مطَّلبي عربي فقيه، وقولُه حُجَّة يُعْتَمَد عليها، واللغة من مثله أوثق لعلمه وفقهه وفصاحته، وإنه من القوم الذين تغلب لغاتهم على سائر اللغات) .
وقال الجاحظ: (نظرت في كتب هؤلاء النابغة في العلم، فلم أر أحسن تأليفًا من المطلبي كان لسانه ينظم الدرر) .
وقد أراد أحدهم التقليل من شأن الشافعي رحمه الله والتشكيك في علمه باللغة، فعندما ذكر أقسام المياه فقال: الماء المالح، ولم يقل الماء الملح موافقة للقرآن، (وهذا ملح أجاج ..) .
وقد أيَّد الزمخشري الشافعي فيما ذهب إليه، مؤيدًا له وناصرًا لقوله ببيت من الشعر العربي وفيه (الطويل):
وَأَحبَبتُها حُبًّا يَقَرُّ بِعَينِها ** وَحُبّي إِذا أَحبَبتُ لا يُشبِهُ الحُبَّا
وَلَو تَفَلَت في البَحرِ وَالبَحرُ مالِحٌ ** لَأَصبَحَ ماءُ البَحرِ مِن ريقِها عَذبَا
يقول عنه زوجُ ابنته: (أقام الشافعي علمَ العربية وأيامَ الناس عشرين سنة، فقلنا له في هذا، فقال: ما أردت بهذا إلا استعانةً للفقه) .
الشافعي والشعر العربي:
  أما فيما يتعلق بتفسير القرآن بشواهد الشعر العربي، فقد كان الإمام الشافعي رحمه الله راوية الشعر، وكنزًا من الآداب، وحافظًا لديوان العرب وأشعارهم، حتى قال المبرد: (كان الشافعي من أشعر الناس، ومن آدب الناس) ، لقد (قرأ عليه محمد بن عبد الله بن الحكم أشعار هذيل، ثم قال: (فما أذكر قصيدة إلا أنشد فيها من أولها إلى آخرها..).
وسُمع الشافعي يقول: (أروي لثلاثمائة شاعر وكان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها ومعانيها) .
(لقد كان الأدب والشعر يجري في عروقه يمزج بينهما وبين لغته والفتيا، فاذا سئل عن مسألة فقهية استشهد عليها بالشعر ) .
وقد تميز الشافعي ونظمه للشعر بميزات منها:
1-    أنه من السهل الممتنع، فلا تكاد تعثر على غريب، فهو سهل الاستدلال به والاقتباس منه، ولذا تجد كتب الأدب واللغة والنحو والفقه، بل حتى التفسير تستدل به، وتستشهد منه...
2-    يركز في شعره على المعاني الواضحة من الإيمان بالله واليوم الآخر، وغرس العقيدة في النفوس، فاختار أفضل أنواع الشعر وأزكاها ألا وهو الأدب، وتربية النفوس، وبناء الإنسان على الفضائل، والزهد عن الدنيا والرغبة فيما عند الله.
3-    يوظف فصاحته ولغته وبلاغته في فَهْم مراد الله ورسوله؛ يقول أبو حيان الزناوي: (ما رأيت أحدًا أقدر على انتزاع المعاني من القرآن والاستشهاد على ذلك من اللغة من الشافعي) .
4-    ويتميز شعرُ الشافعي رحمه الله أيضًا (أنه لم يكن يَقصد منه التكسبَ أو التقربَ إلى أصحاب المال والجاه والسلطان، بل كان شعرُه في أغلبه يتناول الحكمة ومناجاة الخالق، والدعاء والاستغفار والتندم على المعاصي) .
5-    يؤمن الشافعي بأن الشعر ديوان العرب التراثي، ومادة تاريخهم، وسجل حياتهم، وكنز مفرداتهم، وحافظ لهويتهم وحياتهم، ولذا يهتم به ويستمع إلى كلام الشعراء بكل جدية من أجل فَهْم معاني القرآن والسنة، ولذا جعل علماء علوم القرآن والتفسير معرفة الشعر الجاهلي شرطًا أساسيًّا من شروط المفسر والمفتي .
 

المبحث الرابع: نماذج من الاستشهاد بالشعر العربي في تفسير القرآن:
1-    قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تعالى: ({وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، والأقراء عنده الأطهار، والله أعلم بدلالتين بمولاهما: الكتاب الذي دلت عليه السنة والأخرى اللسان، قال: قال الله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وقال عليه الصلاة والسلام: في غير حديث لما طلق ابن عمر امرأته وهي حائض: يرتجعها، فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك) .
فالقرء : (اسم يطلق على الطهر حقيقة، ويستعمل في الحيض مجازًا، لما ذكره الشافعي رحمه الله من أن القرء الجشم، واستشهادًا بقول الشاعر (الطويل):
أفي كل عام أنت جاشم غزوة  = تشد لأقصاها غريم عزائكا
مورثة مالًا وفي الحي رفعة =  لما ضاع فيها من قروء نسائكَا
2-    قال الله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3].
 قال الإمام الشافعي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (أَنْ لَا يَكْثُرَ من تَعُولُونَ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ على وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَبَاحَ له أَكْثَرَ منها"؛ انتهى) .
قال الكسائي: (ومن العرب الفصحاء من يقول: عال يعول: إذا كثر عياله).
قلت: (أي الأزهري): وهذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي في تفسير الآية؛ لأن الكسائي لا يحكي عن العرب إلا ما حفِظه وضبطه، وقول الشافعي نفسه حجَّة؛ لأنه عربي اللسان فصيح اللهجة، وقد اعترض عليه بعض المتحذلقين فخطَّأه، وقد عجِل ولم يتثبَّت فيما قال، ولا يجوز للحضري أن يعجل إلى إنكار ما لا يعرفه من لغات العرب)؛ انتهى .
3-    قال رحمه الله في بيان حد الوجه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6].
قال الشافعي رضي الله عنه : والنزعتان من الرأس، أما النزعتان فهما البياض الذي يستعلي في مقدم الرأس من جانبيه، وهما من الرأس، وقد ذهب قوم إلى أنهما من وجه لذهاب الشعر عنهما، واتصال بشرة الوجه بهما، واستشهدوا بقول الشاعر وهو هدبة بن خشرم (الطويل):
ولا تنكحي إن فرق الدهر بيننا *** أغم القفا والوجه ليس بأنزعا
فأضاف النزعة إلى الوجه فعلم أنها منه وهذا خطأ.
والدليل على أن النزعتين من الرأس دخولهما في حد الرأس، وليس ذهاب الشعر عنهما بمخرج لهما من حكم الرأس.
كما أن الأجلح والأَجْلَهَ الذي قد ذهب الشعر من مقدم رأسه كله، والأجلح الذي قد ذهب شعر ناصيته كله لا يخرج ذلك عن حكم الرأس وإن ذهب شعره، كذلك الأنزع فهذا دليل، ولأن الأغم هو الذي قد انحدر شعر رأسه في جبهته وكذلك الأنزع، ثم لا يدل على أن ما انحدر في الجبهة من شعر الأغم والأنزع من شعر الرأس، كذلك لا يدل على أن ما استعلى في الرأس من بياض الأنزع من الوجه فهذا دليل، ولأن العرب مجمعة على أن النزعة من الرأس، وذلك ظاهر في شعرهم قال الشاعر (الطويل):
ليالي لوني واضح وذؤابتي  = غرابيب في رأس امرئ غير أنزعا
4-    قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150]، و(( شَطْرُهُ )) جِهَتُه في كلام العرب.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ(الوافر):
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولًا ***وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ (الوافر ):
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ أَقِيــمِي *** صُدُورَ العِيسِ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ (البسيط):
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ  *** هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر (البسيط):
إِنَّ العَسِيرَ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا ** فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي: يريد: تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا: تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبيِّن أن شطر الشيء: قصدُ عينِ الشيء: إذا كان مُعَايَنًا، فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبًا، فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
5-    وفي تفسير قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
سئل الشافعي عن الملامسة، فقال: هو المس باليد، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة .. الحديث) ، والملامسة أن يلمس الثوب بيده يشتريه ولا يقبله..
قال الشافعي قال الشاعر (الطويل):
لَمَستُ بِكَفّي كَفَّهُ أَبتَغي الغِنى *** وَلَم أَدرِ أَنَّ الجودَ مِن كَفِّهِ يُعدي
فَرُحتُ وَقَد أَشبَهتُ في الجودِ حاتمًا *** فَضَيَّعتُ ما أَعطى وَأَتلَفتُ ما عِندي
فَلا أَنا مِنهُ ما أَفادَ ذَوُو الغِنى ** أَفَدتُ وَأَعداني فَأَتلَفتُ ما عِندي
6-    قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عز وجل -: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
قال الشَّافِعِي رحمه الله : (المثابة في كلام العرب: الموضع يثوب الناس إليه.
ويثوبون: يعودون إليه بعد الذهاب منه، وقد يقال ثاب إليه: اجتمع إليه.
فالمثابة: تجمع الاجتماع، ويثوبون: يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين.
قال ورقة بن نوفل يذكر البيت (الطويل):
مثابًا لأفناء القبائل كلها = تخبُّ إليه اليعملات الذوامل
وقال خداش بن زهير النصري (الطويل):
فما برحت بكر تثوب وتدعى = ويلحق منهم أولون وآخِر
7-    قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235].
أنه الجماع، قاله الشافعي ، وسمُي سرًّا: لأنه يسر ولا يظهر، واستشهد الشافعي بقول امرئ القيس (الطويل).
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني *** كبرت وألا يُحسن السرَّ أمثالي
كذبت لقد أصبي على المرء عرسه *** وأمنع عرسي أن يزني بها الخالي
وقال آخر (الوافر):
ويحرم سر جارتهم عليهم = ويأكل جارهم أنفَ القصاع
وقال جرير يرثي امرأته (الكامل):
كانت إذا هجر الخليل فراشَها * خزن الحديث وعفت الأسرار
قال الشافعي فإذا علم أن حديثها مخزون، فخزن الحديث ألا يباح به سرًّا ولا علانية، فإذا وصفها بهذا فلا معنى للعفاف غير الأسرار والأسرار الجماع.
8-    قال الشَّافِعِي - رحمه الله في تفسير السعي من كلام الله ، (ومعقول أن السعي - في هذا الموضع - العمل؛ لا السعي على الأقدام، قال الله - عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: 19].
وقال زهير (الطويل):
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهُمُ *** فلم يفعلوا ولم يُلامُوا ولم يالُوا
وما يكُ من خير أبوه فإنما *** توارثه آباء آبائهمُ قبلُ
وهل يحمل الخطيَّ إلا وشيجُهُ *** وتغرس - إلا في منابتها – النخلُ
 

=خاتمة:
    بعد هذه الجولة المباركة مع علمٍ من أعلام الأمة، وفقيه من أبرز فقهائها، ألا وهو الإمام الشافعي رحمه الله، والتي بينا من خلالها مكانة هذا الإمام وفضله في أكثر العلوم الإسلامية واللغوية، فقهًا وتأصيلًا وتقعيدًا، نبيِّن ما توصلنا إليه من نتائج ومعايير عامة ظهرت لي، يتبعها توصيات من خلال هذا البحث المتواضع:
1-    جهود الإمام الشافعي رحمه الله في تفسير القرآن باللغة وأساليها، ومعرفته التامة بعلوم الشريعة وفروعها، وقدرته وبراعته على انتزاع المعاني الدقيقة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والاستدلال باللغة وأشعار العرب.
2-    أن فهم معاني المفردات اللغوية الغريبة التي وردت في القرآن الكريم إلى الشعر العربي هي طريقة الصحابة رضي الله عنهم، وخاصة حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل أصحابه عن معنى قوله تعالى في الآية  من سورة النحل: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47]، فيقوم له شيخ من هذيل، فيقول له: هذِه لغتنا، التخوف: التنقص، فيقول له عمر: هل تعرف العرب ذلك في أشعاره؟ فيقول له: نعم، ويروا قول الشاعر (البسيط):
تخوف الرحل منها تامكًا قردًا ... كما تخوف عود النبعة السفن
فيقول عمر رضي الله عنه لأصحابه: عليكم بديوانكم لا تضلوا، قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.

توصيات:
1-    أهمية دراسة اللغة العربية وفروعها من أدب وصرف ونحو وبلاغة وشعر، ليتمرس طالب العلم على الاستقلالية في فَهْم مراد الله ورسوله على ضوء القواعد والأصول التي وضعها لنا علماؤنا الأجلاء، وخاصة حفظ الشعر الجاهلي القديم، وإلى عهد قريب كان من توصيات العلماء حفظ المعلقات السبع، ودراسة معانيها وشروحاتها  لَما تميزت به من اللغة القويمة والمفردات الدقيقة، وهي ثروة لغوية وأدبية لا مثيل لها، وهي اللغة الفصيحة المستخدمة آنذاك، والتي نزل بها القرآن والسنة النبوية المطهرة.
2-    أهمية جمع تفاسير أئمة المذاهب الأخرى على غرار تفسير الشافعي رحمه الله، حتى يعرف طالب العلم منهجهم في استنباط الأحكام الفقهية من مؤلفاتهم، وما دوَّنوه من مصنفات وما كتبه تلامذتهم، والمكتبة الإسلامية اليوم بحاجة لمثل هذه التفاسير التي تبيِّن دلالة القرآن والسنة، فهم أقرب إلى عصر النبوة، وأعرف بأساليب العرب ولغتهم....
والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على النبي المختار، ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه الأطهار، اللهم تقبل منا إنك أنت العزيز الحكيم، وتبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم.





عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية