الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل السادس المبحث الأول: سنن الصلاة الداخلة فيها علي المذاهب الأربعة الفِقْهُ للزُّحَيْلِيّ

الفصل السادس: سنن الصلاة وصفتها ومكروهاتها والأذكار الواردة عقبها علي المذاهب الأربعة الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزُّحَيْلِيّ

اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات

  1. الفصل السادس: سنن الصلاة وصفتها ومكروهاتها والأذكار الواردة عقبها
  2. المبحث الأول ـ سنن الصلاة الداخلة فيها
  3. الحنفية
  4. الأدب فيها
  5. المالكية
  6. عند الشافعية
  7. الأبعاض
  8. الهيئات
  9. الحنابلة
  10. بيان سنن الصلاة الداخلة فيها
  11. رفع اليدين للتحريمة
  12. زمن الرفع
  13. حالة الأصابع
  14. الجهر بتكبيرة الإحرام
  15. رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام
  16. مقارنة إحرام المقتدي لإحرام إمامه
  17. وضع اليد اليمنى على ظهر اليسرى
  18. النظر إلى موضع السجود
  19. دعاء الثناء أو الاستفتاح
  20. التعوذ أو الاستعاذة
  21. التأمين
  22. السكتة اللطيفة
  23. تفريج القدمين
  24. قراءة سورة بعد الفاتحة
  25. نوع السورة المقروءة
  26. مواطن الجهر والإسرار في القراءة
  27. الدعاء أثناء القراءة
  28. متى وكيف تقرأ السورة؟
  29. المستحب في مقادير السور في الصلوات
  30. تحديد مقادير السور
  31. حد الجهر والإسرار
  32. التكبير عند الركوع والسجود والرفع منه، وعند القيام
  33. يسن في الركوع ما يأتي
  34. التسميع والتحميد
  35. وضع الركبتين، ثم اليدين، ثم الوجه
  36. هيئات السجود الأخرى
  37. أـ وضع الوجه بين الكفين عند الحنفية
  38. ب ـ مباعدة الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه
  39. جـ ـ تجب الطمأنينة
  40. د ـ التسبيح في السجود
  41. هـ ـ الدعاء في السجود
  42. الجلوس بين السجدتين، مطمئنا مفترشا الرجل
  43. الدعاء بين السجدتين
  44. جلسة الاستراحة
  45. التشهد الأول، والافتراش له
  46. وضع اليدين على الفخذين
  47. قراءة الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة من الصلوات المفروضة
  48. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله في التشهد الأخير
  49. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة
  50. السيادة لمحمد صلى الله عليه وسلم
  51. الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
  52. الدعاء بالعربية
  53. الالتفات يمينا ثم شمالا بالتسليمتين
  54. خفض التسليمة الثانية عن الأولى
  55. مقارنة المقتدي لسلام الإمام
  56. انتظار المسبوق فراغ الإمام من التسليمتين،
  57. ذكر الشافعية أنه يسن الخشوع وتدبر القراءة والأذكار،
  58. آداب الصلاة عند الحنفية
  59. التبليغ خلف الإمام
  60. سنن الصلاة إجمالا في كل مذهب
  61. مذهب الحنفية
  62. مذهب المالكية
  63. مذهب الشافعية
  64. الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل في الصلاة
  65. مذهب الحنابلة
  66. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 


الفَصْلُ السَّادس: سُنَنُ الصَّلاة وصفتُها ومكروهاتُها والأذكارُ الواردة عقبها وفيه مباحث سبعة:
ويلاحظ أن أنواع سنن الصلاة: سنن الصلاة قسمان: إما داخل فيها، وإما خارج عنها كالاستياك المذكور سابقًا، وكسترة المصلي وغير ذلك مما يأتي توضيحه.

المبحث الأول - سنن الصلاة الداخلة فيها:
سنن الصلاة: هي الأقوال والأفعال التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل يعاتب ويلام، ولا تنجبر إذا تركت بسجود السهو، ولا تبطل الصلاة بتركها عمدًا.

والسنة كما ذكر الحنفية (١):  

مافعله رسول الله ﷺ بطريق المواظبة، ولم يتركها إلا لعذر، كدعاء الثناء، والتعوذ، وتكبيرات الركوع والسجود.
وللصلاة عندهم سنن وآداب، 

والأدب فيها: 

ما فعله رسول الله ﷺ مرة أو مرتين، ولم يواظب عليه، كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود على الثلاثة، والزيادة على القراءة المسنونة، وقد شرع لإكمال السنة.
(١) فتح القدير والعناية:١٩٤/ ١، البدائع:١٩٨/ ١ - ٢٢٠، تبيين الحقائق:١٠٦/ ١ - ١٣٢، الدر المختار:٤٤٧/ ١ - ٥١١، مراقي الفلاح: ص٤١ - ٤٤.
 
والسنة أو الأدب عندهم دون الواجب، لأن الواجب في الصلاة: ما تجوز الصلاة بدونه، ويجب بتركه ساهيًا سجدتا السهو.
وذكروا للصلاة إحدى وخمسين سنة، وسبعة آداب.

وذكر المالكية (١) 

 للصلاة أربع عشرة سنة، وثمانية وأربعين أدبًا. والسنة عندهم: ما طلبه الشرع وأكد أمره وعظم قدره وأظهره في الجماعة. ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه كالوتر وصلاة العيدين.
والمندوب عندهم: ما طلبه الشرع طلبًا غير جازم، وخفف أمره، ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، كصلاة أربع ركعات قبل الظهر. ويُسجد سجود السهو لثمان من السنن وهي: السورة، والجهر، والإسرار، والتكبير، والتحميد، والتشهدان، والجلوس لهما.

وسنن الصلاة عند الشافعية (٢) نوعان: أبعاض وهيئات.

 
والأبعاض: 

هي التي يجبر تركها بسجود السهو وهي ثمانية (٣):
التشهد الأول، والقعود له، والصلاة على النبي ﷺ بعده، وعلى آله بعد التشهد الأخير، والقنوت في الصبح ووتر النصف الأخير من رمضان، والقيام للقنوت، والصلاة على النبي ﷺ، وعلى آله بعد القنوت.
(١) الشرح الصغير:٣١٧/ ١ - ٣٣٧، الشرح الكبير:٢٤٢/ ١، القوانين الفقهية: ص٥٠ ومابعدها،٥٨، ٦٠.
(٢) تحفة الطلاب مع حاشية الشرقاوي،١٩٥/ ١ - ٢١٦،حاشية الباجوري:١٦٧/ ١ - ١٨١،١٩٣ ومابعدها، مغني المحتاج:١٥٢/ ١ - ١٨٤، المهذب:٧١/ ١ - ٨٢، المجموع:٣٥٦/ ٣.
(٣) بل أوصلها الشافعية إلى عشرين بعضًا سنذكرها في بحث سجود السهو، وسميت أبعاضًا تشبيهًا لها بالأبعاض الحقيقية أي الأركان، في مطلق الجبر.
 
والهيئات: 

هي أربعون كالتسبيحات ونحوها لا يجبر تركها بسجود السهو.
والسنة أو المستحب عندهم إن تركها المصلي لا يعود إليها بعد التلبس بفرض آخر، فمن ترك التشهد الأول مثلًا، فذكره بعد اعتداله مستويًا، لا يعود إليه لكنه يسجد للسهو، فإن عاد إليه عامدًا عالمًا بتحريمه، بطلت صلاته، أما إن عاد إليه ناسيًا أنه في الصلاة، فلا تبطل صلاته، ويلزم القيام عنه فورًا عند تذكره ثم يسجد للسهو. هذا إن كان المصلي إمامًا أو منفردًا.
فإن كان المصلي مأمومًا عاد وجوبًا لمتابعة إمامه؛ لأن المتابعة آكد من التلبس بالفرض، فإن لم يعد عامدًا عالمًا، بطلت صلاته إذا لم ينو المفارقة، فإن نواها لم تبطل.

وقال الحنابلة (١):  

ما ليس بفرض نوعان: واجبات، وسنن. والواجبات: وهي ما تبطل الصلاة بتركه عمدًا، وتسقط سهوًا أو جهلًا، ويجبر تركها سهوًا بسجود السهو، وهي ثمانية:
١ - التكبير (الله أكبر) للانتقال في محله: (وهو ما بين انتهاء فعل وابتداء فعل آخر) لأنه ﷺ كان يكبر كذلك، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فلو شرع المصلي في التكبير قبل الانتقال، كأن يكبر للركوع أو السجود قبل هُوِّيه إليه، لم يجزئه، ويجزئه فميا بين ابتداء الانتقال وانتهائه.
وهذا التكبير غير تكبيرتي الإحرام، وتكبيرة ركوع مأموم أدرك إمامه راكعًا، فإن الأولى ركن، والثانية سنة للاجتزاء عنها بتكبيرة الإحرام.
٢ - التسميع: أي قول (سمع الله لمن حمده) لإمام، ومنفرد دون مأموم.
(١) كشاف القناع:٤٥٠/ ١،٤٥٥ - ٤٦٠، المغني:٤٦٢/ ١ - ٥٥٩
 
٣ - التحميد: أي قول (ربنا لك الحمد) لكل من الإمام والمأموم والمنفرد.
٤ - تسبيح الركوع: (سبحان ربي العظيم).
٥ - تسبيح السجود: (سبحان ربي الأعلى).
٦ - دعاء (رب اغفر لي) بين السجدتين. والواجب مرة واحدة في كل ما سبق، والأكمل أن يكرر ذلك مرارًا، وأدنى الكمال: ثلاث.
٧ - التشهد الأول: لأنه ﷺ فعله وداوم على فعله وأمر به، وسجد للسهو حين نسيه. وأقله: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله).
٨ - الجلوس للتشهد الأول. وهذا وما قبله واجب على غير مأموم قام إمامه عنه سهوًا.
وأما السنن: فهي سنن أقوال وأفعال وهيئات. وسنن الأقوال سبع عشرة وهي (الاستفتاح، والتعوذ، والبسملة، والتأمين، وقراءة السورة في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية والثلاثية، وفي صلاة الفجر، والجمعة، والعيدين، وفي التطوع كله، والجهر والإخفات في محلهما، وقول: ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد بعد التحميد في حق الإمام والمنفرد، دون المأموم، وما زاد على المرة من تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي: بين السجدتين، والتعوذ في التشهد الأخير، أي قول: أعوذ با لله من عذاب جهنم ... الخ، والدعاء في آخر التشهد الأخير، والصلاة في التشهد الأخير على آل النبي ﷺ والبركة فيه، أي قول: وبارك على محمد وعلى آل محمد ... الخ، وما زاد على المجزئ من التشهد الأول، والقنوت في الوتر).
 
وما سوى ذلك: سنن أفعال وهيئات (١)، كسكون الأصابع مضمومة ممدودة حال رفع اليدين مبسوطة (ممدودة الأصابع) مضمومة الأصابع مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه، عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه، وحطهما عقب ذلك.

بيان سنن الصلاة الداخلة فيها:

 
ً - رفع اليدين للتحريمة: 

لا خلاف في استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لافتتاح الصلاة، وذلك حَذْو (مقابل) المنكبين عند المالكية (٢) والشافعية، ويخير عند الحنابلة في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه. وقال الحنفية: يحاذي الرجل بإبهاميه أذنيه، وترفع المرأة حذاء منكبيها فقط؛ لأنه أستر لها. قال ابن قدامة: ومعناه أن يبلغ بأطراف أصابعه ذلك الموضع. وقال النووي: معناه أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه وابهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه، واعتمد المالكية هذه الكيفية. وأضاف الفقهاء: ويسن إمالة أطراف الأصابع نحو القبلة لشرفها.
ودليل الحنفية: حديث وائل بن حجر: «أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل في الصلاة، وكبّر، وصفَّهما حيال أذنيه» (٣) وحديث البراء بن عازب: «كان رسول الله ﷺ إذا صلى، رفع يديه حتى تكون إبهامه حذاء أذنيه» (٤) وحديث أنس: «رأيت رسول الله ﷺ كبر، فحاذى بإبهاميه أذنيه» (٥).
(١) سميت هيئة لأنها صفة في غيرها.
(٢) يعتبر ذلك عندهم من الآداب أو الفضائل.
(٣) رواه مسلم (نصب الراية:٣١٠/ ١).
(٤) رواه أحمد وإسحاق بن راهويه والدارقطني والطحاوي (نصب الراية:٣١١/ ١).
(٥) رواه الحاكم والدارقطني (المرجع السابق).
 
ودليل الشافعية والمالكية: حديث ابن عمر ﵄: «أنه ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة» (١).
ودليل الحنابلة على التخيير: أن كلا الأمرين مروي عن رسول الله ﷺ، فالرفع إلى حذو المنكبين: في حديث أبي حميد (٢) وابن عمرو علي وأبي هريرة. والرفع إلى حذو الأذنين: رواه وائل بن حجر ومالك بن الحويرث (٣).

زمن الرفع: 

 وقت الرفع في الأصح عند الحنفية: أنه يرفع أولًا، ثم يكبر؛ لأن في فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى.
وقال المالكية: ترفع اليدان مبسوطتين ظهورهما للسماء وبطونهما للأرض على صفة الخائف، عند الشروع في تكبيرة الإحرام، لا عند غيره.
وقال الشافعية والحنابلة: إنه يرفع مع ابتداء تكبيرة الإحرام، ويكون انتهاؤه مع انقضاء التكبير، ولا يسبق أحدهما صاحبه، فإذا انقضى التكبير حط يديه، فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما؛ لأنه سنة فات محلها، وإن ذكره في أثناء التكبير رفع؛ لأن محله باق. فإن لم يمكنه رفع يديه إلى المنكبين، رفعهما قدر ما يمكنه، وإن أمكنه رفع إحداهما دون الأخرى رفعها، لقول النبي ﷺ: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وإن لم يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما؛ لأنه يأتي بالسنة.

حالة الأصابع: 

قال الحنفية والمالكية والشافعية: يسن نشر الأصابع أي ألا
(١) متفق عليه.
(٢) رواه الجماعة إلا مسلمًا.
(٣) حديث وائل رواه مسلم كما بينا، وحديث مالك رواه مسلم وأحمد (انظر نيل الأوطار:١٧٩/ ٢ - ١٨٣).
 
تضم كل الضم، ولا تفرج كل التفريج، بل تترك على حالها منشورة، أي مفرقة تفريقًا وسطًا؛ لأنه ﷺ كان إذا كبّر، رفع يديه، ناشرًا أصابعه» (١) أي مفرقًا أصابعه.
وقال الحنابلة: يستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع، ويضم بعضها إلى بعض، لما روى أبو هريرة قال: «كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا» (٢) والمد: ما يقابل النشر.

الجهر بتكبيرة الإحرام: 

 قال المالكية (٣): يندب لكل مصل إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا الجهر بتكبيرة الإحرام، وأما تكبيرات الانتقال فيندب للإمام دون غيره الجهر بها، والأفضل لغير الإمام الإسرار بها.


رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام: 

قال الحنفية والمالكية: لا يسن رفع اليدين في غير الإحرام عند الركوع أو الرفع منه، لأنه لم يصح ذلك عندهم عن النبي ﷺ، واستدلوا بما روي عن ابن عمر: «كان رسول الله ﷺ يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود» (٤).
واستدلو بفعل ابن مسعود، قال: «ألا أصلي بكم صلاة رسول الله ﷺ؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول أمره. وفي لفظ: «فكان يرفع يديه أول مرة، ثم لا يعود» (٥)
وقال أيضاَ: «صليت مع رسول الله ﷺ، وأبي بكر، وعمر، فلم
(١) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة بلفظ «كان إذا كبر للصلاة نشرأصابعه» (نيل الأوطار:١٧٦/ ٢).
(٢) رواه الخمسة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:١٧٦/ ٢).
(٣) الشرح الكبير مع الدسوقي:٢٤٤/ ١، الشرح الصغير وحاشية الصاوي:٣٢٢/ ١.
(٤) قال الحافظ ابن حجر: وهو مقلوب موضوع (نيل الأوطار:١٨١/ ٢).
(٥) أخرجه أبو داود والنسائي، والترمذي وقال: حديث حسن (نصب الراية:٣٩٤/ ١).
 
يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة» (١).
وقال الشافعية والحنابلة: يسن رفع اليدين في غير الإحرام: عند الركوع، وعند الرفع منه، أي عند الاعتدال، لما ثبت في السنة المتواترة عن واحد وعشرين صحابيًا (٢)، منها الحديث المتفق عليه عن ابن عمر قال: «كان النبي ﷺ إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحَذْو مِنْكَبيه، ثم يكبّر، فإذا أراد أن يركع، رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك أيضًا، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» (٣).
وأضاف الشافعية في الصواب عندهم كما قال النووي: أنه يستحب الرفع أيضًا عند القيام من التشهد الأول، بدليل حديث نافع: أن ابن عمر ﵄: «كان إذا دخل الصلاة، كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ابن عمر ذلك إلى رسول الله ﷺ» (٤).
والخلاصة: يراعى في رفع اليدين أن تكون الأصابع منشورة مفرقة وسطًا عند الجمهور، مضمومة عند الحنابلة، وأن تكون الأيدي باتفاق الفقهاء في اتجاه القبلة، بحيث يستقبلها المصلي ببطونها، لشرف القبلة.
(١) رواه الدارقطني والبيهقي، وهو ضعيف، والصواب أنه مرسل (المرجع السابق:٣٩٦/ ١).
(٢) راجع النظم المتناثر من الحديث المتواتر للسيد محمد جعفر الكتاني: ص٥٨، وقال البخاري في تصنيف له في الرد على منكري الرفع: رواه سبعة عشر من الصحابة، ولم يثبت عن أحد منهم عدم الرفع.
(٣) نيل الأوطار:١٧٩/ ٢ - ١٨٢.
(٤) رواه البخاري في صحيحه (المجموع:٤٢٤/ ٣).
 
٢ً - مقارنة إحرام المقتدي لإحرام إمامه: 

 قال الحنفية: تسن هذه المقارنة، لقوله ﷺ: «إذا كبر - أي الإمام - فكبر» بشرط ألا يفرغ المقتدي من لفظ (الله أكبر) قبل فراغ الإمام منه.


٣ً - وضع اليد اليمنى على ظهر اليسرى: 

 قال الجمهور غير المالكية: يسن بعد التكبير أن يضع المصلي يده اليمنى على ظهر كف ورسغ اليسرى، لما رواه وائل بن حجْر أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل في الصلاة، وكبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد» (١)، ومارواه قَبيصة بن هُلب عن أبيه قال: «كان رسول الله ﷺ يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه» (٢) وما رواه سهل بن سعد قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة» (٣) وعن ابن مسعود: «أن النبي ﷺ مرّ به، وهو واضع شماله على يمينه، فأخذ يمينه، فوضعها على شماله» (٤).
وصفة الوضع عند الحنابلة والشافعية: أن يضع يده اليمنى على كوع اليسرى أو ما يقاربه، لحديث ابن حجر السابق، علمًا بأن الكوع طرف الزند مما يلي الإبهام، أما عند الحنفية: فهو أن يجعل باطن كف اليمنى على ظاهر كف اليسرى، محلقًا الرجل بالخنصر والإبهام على الرسغ. أما المرأة فتضع يديها على صدرها من غير تحليق لأنه أستر لها.
(١) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، والنسائي واللفظ له.
(٢) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
(٣) رواه البخاري.
(٤) رواه أبو داود.
 
ويضعهما عند الحنفية والحنابلة تحت السُّرة، لما روي عن علي أنه قال: «من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة» (١)، وهذا ينصرف إلى سنة النبي ﷺ.
والمستحب عند الشافعية: أن يجعلهما تحت الصدر فوق السرة، مائلًا إلى جهة اليسار؛ لأن القلب فيها، فتكونان على أشرف الأعضاء، وعملًا بحديث وائل بن حجر السابق: «رأيت رسول الله ﷺ يصلي، فوضع يديه على صدره، إحداهما على الأخرى» ويؤيده حديث آخر عند ابن خزيمة في وضع اليدين على هذه الكيفية.
وقال المالكية: يندب إرسال اليدين في الصلاة بوقار، لا بقوة، ولايدفع بهما من أمامه لمنافاته للخشوع. ويجوز قبض اليدين على الصدر في صلاة النفل لجواز الاعتماد فيه بلا ضرورة، ويكره القبض في صلاة الفرض لما فيه من الاعتماد أي كأنه مستند، فلو فعله لا للاعتماد، بل استنانًا لم يكره، وكذا إذا لم يقصد شيئًا فيما يظهر.
والراجح المتعين لدي هو قول الجمهور بوضع اليد اليمنى على اليسرى، وهو المتفق مع حقيقة مذهب مالك الذي قرره لمحاربة عمل غير مسنون: وهو قصد الاعتماد، أي الاستناد، أو لمحاربة اعتقاد فاسد: وهو ظن العامي وجوب ذلك.

٤ً - النظر إلى موضع السجود: 

قال الشافعية وغيرهم: يستحب النظر إلى موضع سجود المصلي؛ لأنه أقرب إلى الخشوع، ولما روى ابن عباس ﵄ قال: «كان رسول الله ﷺ إذا
(١) رواه أحمد وأبو داود.
 
استفتح الصلاة لم ينظر إلا إلى موضع سجوده» (١) وذلك إلا عند التشهد فينظر إلى سبابته التي يشير بها (٢).

٥ً - دعاء الثناء أو الاستفتاح: 

 قال المالكية: يكره دعاء الاستفتاح، بل يكبر المصلي ويقرأ، لما روى أنس قال: «كان النبي ﷺ وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين» (٣).
وقال الجمهور: يسن دعاء الاستفتاح بعد التحريمة في الركعة الأولى، وهو الراجح لدي، وله صيغ كثيرة، المختار منها عند الحنفية والحنابلة:
(سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك) لما روت عائشة، قالت: «كان النبي ﷺ إذا استفتح الصلاة، قال: سبحانك اللهم وبحمد ك، وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك» (٤). وسبحانك: من التسبيح: وهو تنزيه الله تعالى، وتبارك اسمك: من البركة وهي ثبوت الخبر الإلهي في الشيء، وتعالى جَدُّك: الجَدُّ: العظمة، وتعالى: تفاعل من العلو، أي
(١) قال النووي: حديث ابن عباس هذا، غريب لا أعرفه، وروى البيهقي أحاديث من رواية أنس وغيره بمعناه، وكلها ضعيفة (المجموع:٢٧٢/ ٣) لكن روى الجماعة إلا مسلمًا والترمذي عن أنس عن النبي ﷺ قال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهُنَّ أو لتُخطَفَنَّ أبصارهم» وفي حديث مرسل عن ابن سيرين أن تقليب البصر كان سببًا في نزول آية ﴿الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ [المؤمنون:٢/ ٢٣] (نيل الأوطار:١٨٩/ ٢).
(٢) روى أحمد والنسائي وأبو داود عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله ﷺ إذا جلس في التشهد: وضع يده اليمنى علي فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة، ولم يجاوز بصرُه إشارته» (نيل الأوطار:١٨٩/ ٢).
(٣) متفق عليه.
(٤) رواه أبو داود، وللدارقطني مثله من رواية أنس، وللخمسة مثله من حديث أبي سعيد، وأخرج مسلم في صحيحه أن عمر كان يجهر به (نيل الأوطار:١٩٥/ ٢).
 
علت عظمتك على عظمة كل أحد غيرك، أو علا جلالك وعظمتك. ومعناه إجمالًا: تنزيهًا لك يارب، وإنما أنزهك بحمدك، دام خبر اسمك في كل شيء، وعلا جلالك، ولا معبود غيرك.
قالوا: ولايخفى أن ماصح عن النبي ﷺ أولى بالإيثار والاختيار.
والمختار عند الشافعية صيغة:
(وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسُكي، ومحيايَ ومماتِي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) لما رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن علي ابن أبي طالب (١) وهو آية قرآنية ماعدا مايناسب المسلم في آخره: وهو «من المسلمين» وأصلها (أول المسلمين) كما روى مسلم.
ومعناه: قصدت بعبادتي خالق السموات والأرض، مائلًا إلى الدين الحق وهو الإسلام، مبتعدًا عن كل شرك بالله، مخلصًا كل شيء لله، فصلاتي وعبادتي وحياتي وموتي لله، وأنا مسلم.
وأجاز الإمام أحمد الاستفتاح بغير: (سبحانك اللهم)، وأجاز الحنفية في النافلة الجمع بين الثناء والتوجه، لكن في صلاة الجنازة يقتصر على الثناء فقط.
وإذا شرع الإمام في القراءة الجهرية أو غيرها، لم يكن للمقتدي عند الحنابلة والحنفية على المعتمد (٢) أن يقرأ الثناء، سواء أكان مسبوقًا أم مدركًا، أي لاحقًا الإمام بعد الابتداء بصلاته، أو مدركًا الإمام بعد مااشتغل بالقراءة، لأن الاستماع
(١) نيل الأوطار:١٩١/ ٢ - ١٩٢، وفي رواية لمسلم: «وأنا أول المسلمين» قال الشافعي: لأنه ﷺ كان أول مسلمي هذه الأمة.
(٢) رد المحتار:٤٥٦/ ١، المغني:٥٦٥/ ١.
 
للقرآن في الجهرية فرض، وفي السرية يسن تعظيمًا للقراءة، فكان سنة غير مقصودة لذاتها، وعدم قراءة المؤتم في السرية لا لوجوب الإنصات، بل لأن قراءة الإمام له قراءة. ويستفتح المأموم ويستعيذ عند الحنابلة في الصلاة السرية، أو الجهرية في مواضع سكتات الإمام.
ويجوز عند الشافعية (١) البدء بنحو (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، ونحو (الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلًا) ونحو (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد).
ويستحب الجمع بين جميع ذلك للمنفرد، ولإمام قوم محصورين راضين بالتطويل. ويزاد على ذلك لهما: (اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لايهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسَعْديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت ربي وتعاليت، فلك الحمد على ماقضيت، أستغفرك وأتوب إليك).
ويستحب التوجه عند الشافعية في افتتاح الفريضة والنافلة، للمنفرد والإمام والمأموم، حتى وإن شرع إمامه في الفاتحة أو أمَّن هو لتأمين إمامه قبل شروعه فيه، ولكن لايبدأ به إذا بدأ هو بالفاتحة أو بالتعوذ، فإنهم قالوا: لايستحب إلا بشروط خمسة:
(١) حاشية الباجوري:١٧١/ ١ ومابعدها.
 
أولًا - أن يكون في غير صلاة الجنازة، فليس فيها توجه، وإنما يسن فيها التعوذ.
ثانيًا - ألا يخاف فوت وقت الأداء: وهو مايسع ركعة، فلو لم يبق من الوقت إلا مايسع ركعة لم يسن التوجه.
ثالثًا - ألا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة، فإن خاف ذلك لم يسن، وإن بدأ به قرأ بقدره من الفاتحة.
رابعًا - ألا يدرك الإمام في غير القيام، فلو أدركه في الاعتدال مثلًا لم يسن. وإن أدركه في التشهد، وسلَّم الإمام أو قام قبل أن يجلس معه، سن له الافتتاح به.
خامسًا- ألا يشرع في التعوذ أو القراءة ولو سهوًا، فإن شرع لم يعد له.

٦ً - التعوذ أو الاستعاذة (١) قبل القراءة في الصلاة:

قال المالكية: يكره التعوذ والبسملة قبل الفاتحة والسورة، لحديث أنس السابق: «أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين».
وقال الحنفية: يتعوذ في الركعة الأولى فقط.
وقال الشافعية والحنابلة: يسن التعوذ سرًا في أول كل ركعة قبل القراءة، بأن يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وعن أحمد أنه يقول: (أعوذ بالله السميع
(١) أي الاستجارة إلى ذي منعة، على جهة الاعتصام به من المكروه.
 
العليم من الشيطان الرجيم) (١) ثم يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) سرًا عند الحنفية والحنابلة، وجهرًا في الجهرية عند الشافعية كما قدمنا، واستدلوا على سنية التعوذ بقوله تعالى: ﴿فإذا قرأت القرآن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ [النحل:٩٨/ ١٦].

- التأمين:
 

هو أن يقول المصلي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا: (آمين) أي استجب، بعد الانتهاء من الفاتحة، وذلك عند الحنفية والمالكية سرًا، وعند الشافعية والحنابلة: سرًا في الصلاة السرية، وجهرًا فيما يجهر فيه بالقراءة. ويؤمن المأموم مع تأمين إمامه.
ودليلهم حديث أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أمَّن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ماتقدم من ذنبه» وقال ابن شهاب الزهري: كان رسول الله ﷺ يقول: آمين (٢).
وأضاف الحنابلة (٣): فإن نسي الإمام التأمين أمن المأموم، ورفع صوته، ليذكّر الإمام، فيأتي به؛ لأنه سنة قولية إذا تركها الإمام أتى بها المأموم كالاستعاذة، وإن أخفاها الإمام جهر بها المأموم. وإن ترك المصلي التأمين نسيانًا أو عمدًا حتى شرع في قراءة السورة لم يأت به؛ لأنه سنة فات محلها.
(١) دليله ما رواه أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح، ثم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من هَمْزه ونفْخه ونَفْثه» وقال ابن المنذر: «جاء عن النبي ﷺ أنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» (نيل الأوطار:١٩٦/ ٢ ومابعدها).
(٢) رواه الجماعة إلا أن الترمذي لم يذكر قول ابن شهاب (نيل الأوطار:٢٢٢/ ٢).
(٣) المغني:٤٩٠/ ١.
 
والدليل على كون التأمين سرًا عند المالكية والحنفية قول ابن مسعود: «أربع يخفيهن الإمام: التعوذ والتسمية والتأمين والتحميد» (١) أي قول: ربنا لك الحمد.
ودليل الجهر به عند الشافعية والحنابلة: حديث أبي هريرة: «كان رسول الله ﷺ إذا تلا: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول» (٢) وحديث وائل بن حُجْر: «سمعت النبي ﷺ قرأ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، يُمدُّ بها صوته» (٣).

- السكتة اللطيفة:
 

 قال الشافعية (٤): ست سكتات لطيفة تسن في الصلاة بقدر: (سبحان الله) إلا التي بين: آمين والسورة، فهي في حق الإمام في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة. ويسن للإمام أن يشتغل فيها بقراءة أو دعاء سرًا، والقراءة أولى، فمعنى السكوت فيها: عدم الجهر، وإلا فلا يطلب السكوت حقيقة في الصلاة.
والسكتات الست: هي مابين التوجه والتعوذ، ومابين التحرم والتوجه، وبين التعوذ والبسملة، وبين الفاتحة وآمين، وبين آمين والسو رة، وبين السورة وتكبيرة الركوع، أي ثلاثة قبل الفاتحة وثلاثة بعد الفاتحة. والحكمة من السكتة الرابعة: أن يعلم المأموم أن لفظة (آمين) ليست من القرآن.
وقال الحنابلة (٥): يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة يستريح
(١) فتح القدير:٢٠٤/ ١، والقول رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي.
(٢) رواه أبو داود وابن ماجه وقال: حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتجَّ بها المسجد (نيل الأوطار:٢٢٤/ ٢).
(٣) رواه أحمد وأبو داود والترمذي (المصدر السابق).
(٤) حاشية الباجوري:١٧٢/ ١، مغني المحتاج:١٦٣/ ١.
(٥) المغني:٤٩١/ ١،٤٩٥.
 
فيها، ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة، كيلا ينازعوه فيها، كما يستحب السكوت عقب التكبير، وبعد الانتهاء من القراءة، وبعد الفاتحة قبل قوله: «آمين».
ودليل مشروعية السكتات: حديث سمرة: «أن النبي ﷺ كان يسكت سكتتين، إذا استفتح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها» وفي رواية: «سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: غير المغضوب عليهم ولا الضالين» (١) ففيه دليل على مشروعية سكتات ثلاث: بعد التكبير، وبعد الفاتحة، وبعد القراءة كلها.
وقال الحنفية والمالكية: السكتة مكروهة. إلا أن المالكية (٢) قالوا في بحث وجوب الفاتحة على المشهور: يندب الفصل بسكوت، أو ذكر وهو أولى بين تكبيرة الإحرام والركوع، لئلا تلتبس تكبيرة الإحرام بتكبيرة الركوع، فإن لم يفصل وركع أجزأه.
وقال الحنفية (٣): يخير مصلي الفريضة (المفترض) على المذهب في الركعتين الأخريين (الثالثة والرابعة) بين قراءة الفاتحة وتسبيح ثلاثًا، وسكوت قدرها، ولايكون مسيئًا بالسكوت، لثبوت التخيير عن علي وابن مسعود، وهو الصارف لمواظبة النبي على الفاتحة عن الوجوب.

- تفريج القدمين: قال الحنفية: 

 يسن تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع؛ لأنه أقرب إلى الخشوع.
(١) رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وابن ماجه بمعناه (نيل الأوطار:٢٣٩/ ٢).
(٢) الشرح الكبير:٢٣٨/ ١، الشرح الصغير: ٣١٠/ ١.
(٣) الدر المختار:٤٧٧/ ١.
 
وقال الشافعية: يفرق بين القدمين بمقدار شبر، ويكره لصق إحدى القدمين بالأخرى حيث لاعذر؛ لأنه تكلف ينافي الخشوع.
وقال المالكية والحنابلة: يندب تفريج القدمين، بأن يكون بحالة متوسطة بحيث لايضمهما ولايوسعهما كثيرًا حتى يتفاحش عرفًا.

- قراءة سورة بعد الفاتحة:  

هذا واجب عند الحنفية كما بينا، سنة عند الجمهور في الركعتين الأولى والثانية من كل صلاة، ويجهر بهما فيما يجهر فيه بالفاتحة، ويسر فيما يسر بها فيه، لفعل النبي ﷺ، فإن أبا قتادة روى: «أن النبي ﷺ كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، يسمع الآية أحيانًا، وكان يقرأ في الركعتين الأوليين من العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية، وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية» (١) وروى أبو برزة «أن النبي ﷺ كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المئة» (٢) وقد اشتهرت قراءة النبي ﷺ للسورة مع الفاتحة في صلاة الجهر، ونقل نقلًا متواترًا وأمر به معاذًا، فقال: «اقرأ بالشمس وضحاها، وبسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى» (٣).


نوع السورة المقروءة: 

قال الحنفية (٤): لا بأس بأن يقرأ سورة ويعيدها في
(١) متفق عليه، ورواه أبو داود، وزاد: قال: فظننا أنه يريد بذلك أن يُدْرِك الناس في الركعة الأولى (نيل الأوطار:٢٢٦/ ٢).
(٢) متفق عليه.
(٣) متفق عليه.
(٤) الدر المختار:٥١٠/ ١ - ٥١١.
 
الثانية، وأن يقرأ في الركعة الأولى من محل، وفي الثانية من محل آخر، ولو كان المقروء من سورة واحدة إن كان بينهما آيتان أو أكثر.
ويكره الفصل بسورة قصيرة، وأن يقرأ منكوسًا، بأن يقرأ في الثانية أعلى مما قرأ في الأولى؛ لأن ترتيب السور في القرآن من واجبات التلاوة، وإنما جوز للصغار تسهيلًا لضرورة التعليم، واستثنوا من كراهة التنكيس: أن يختم القرآن، فيقرأ من البقرة.
ولو قرأ في الأولى ﴿الكافرون﴾ [الكافرون:١٠٩/ ١] وفي الثانية ﴿ألم تر﴾ [الفيل:١٠٥/ ١] أو ﴿تبت﴾ [المَسد:١١١/ ١]، ثم تذكر القراءة يتم. ولا يكره في النفل شيء من ذلك.
وقراءة ثلاث آيات تبلغ قدر أقصر سورة من آية طويلة؛ لأن التحدي والاعجاز وقع بذلك القدر، لا بالآية. والأفضلية ترجع إلى كثرة الثواب. والعبرة الأكثر آيات في قراءة سورة وبعض سورة.

مواطن الجهر والإسرار في القراءة: 

اتفق الفقهاء على أنه يسن الجهر في الصبح والمغرب والعشاء والجمعة والعيدين والتراويح ووتر رمضان، ويسر في الظهر والعصر. وللفقهاء في النوافل كالوتر وغيره تفصيل:
فقال الحنفية: يجب الجهر على الإمام في كل ركعات الوتر في رمضان، وصلاة العيدين، والتراويح. ويجب الإسرار على الإمام والمنفرد في صلاة الكسوف والاستسقاء والنوافل النهارية. وأما النوافل الليلية فهو مخير فيها.
ويخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية أداء، أو قضاء في وقتها أو غيروقتها، إلا أن الجهر أفضل في الجهرية ليلًا. أما الصلاة السرية فيجب عليه أن يسر بها على الصحيح.
 
ويجب على المأموم الإنصات في كل حال.
وقال المالكية: يندب الجهر في جميع النوافل الليلية، والسر في جميع النوافل النهارية إلا النافلة التي لها خطبة كالعيد والاستسقاء، فيندب الجهر فيها.
ويندب للمأموم الإسرار.
وقال الشافعية: يسن الجهر في العيدين وخسوف القمر والاستسقاء والتراويح ووتر رمضان وركعتي الطواف ليلًا أو وقت الصبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة فيتوسط فيها بين الجهر والإسرار، والتوسط: أن يجهر تارة، ويسر أخرى، اتباعًا للسنة، إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه. والعبرة في قضاء الفريضة بوقته أي وقت القضاء على المعتمد. وجهر المرأة دون جهر الرجل. ومحل جهرها إن لم تكن بحضرة أجانب.
وقال الحنابلة: يسن الجهر في صلاة العيد والاستسقاء والكسوف والتواويح والوتر إذا وقع بعد التراويح، ويسر فيما عدا ذلك.
ويخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، كما قال الحنفية.

الدعاء أثناء القراءة: 

يستحب طلب الرحمة والمغفرة عند قراءة آية رحمة، والتعوذ من النار عند المرور بذكره؛ لأن النبي ﷺ كان يقول عند ذكر الجنة والنار: «أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار» (١) وكان لا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله ﷿ واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ﷿، ورَغب إليه (٢)، وكان إذا قرأ ﴿أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى﴾؟ [القيامة:٤٠/ ٧٥]، قال:
(١) رواه أحمد وابن ماجه بمعناه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه.
(٢) رواه أحمد عن عائشة.
 
«سبحانك، فَبَلى» (١)، كذلك يسن التسبيح عند آية التسبيح نحو ﴿فسبح باسم ربك العظيم﴾ [الواقعة:٧٤/ ٥٦] وأن يقول عند آخر ﴿والتين﴾ [التين:١/ ٩٥] وآخر القيامة: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وفي آخر المرسلات: آمنا بالله.

متى وكيف تقرأ السورة؟  

قال الشافعية: ولا سورة في الجهرية للمأموم، بل يستمع، فإن بعد، أو كانت الصلاة سرية، قرأ في الأصح؛ إذ لا معنى لسكوته. وغير الشافعية قالوا: لاسورة على المأموم.
وقال المالكية والحنابلة: ويسن أن يفتتح السورة بقراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) ويندب كمال سورة بعد الفاتحة، فلا يقتصر على بعضها، ولا على آية أو أكثر، ولو من الطوال، ويندب قراءة خلف إمام سرًا في الصلاة السرية، وفي أخيرة المغرب، وأخيرتي العشاء.
ويكره تكرير السورة عند الجمهور في الركعتين، بل المطلوب أن يكون في الثانية سورة غير التي قرأها في الأولى، أنزل منها لا أعلى، فلا يقرأ في الثانية (سورة القدر) بعد قراءته في الأولى (سورة البينة). وقال الحنفية: لا بأس أن يقرأ سورة ويعيدها في الثانية. ويندب عند الجمهور تقصير قراءة ركعة ثانية عن قراءة ركعة أولى في فرض، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يندب تطويل الركعة الأولى في الفجر فقط. والفتوى على قول محمد كالجمهور بتطويل الركعة الأولى في كل الصلوات على الثانية، اتباعًا للسنة، رواه الشيخان في الظهر والعصر، ورواه مسلم في الصبح، ويقاس غير ذلك عليه.
(١) رواه أبو داود عن موسى بن أبي عائشة (راجع نيل الأوطار:٣٢٣/ ٢).
 
ويندب باتفاق الفقهاء أن يكون ترتيب السور في الركعتين على نظم المصحف، فتنكيس السور مكروه. ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها؛ لأن أبا سعيد قال: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر». وجاز الجمع بين السورتين فأكثر في صلاة النافلة؛ لأن النبي ﷺ «قرأ في ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء» أما الفريضة: فالمستحب أن يقتصر على سورة مع الفاتحة من غير زيادة عليها؛ لأن النبي ﷺ هكذا كان يصلي أكثر صلاته.

المستحب في مقادير السور في الصلوات: 

يسن أن تكون السورة لإمام جماعة محصورين رضوا بالتطويل في صلاة الفجر من طوال المفصَّل (١) باتفاق الفقهاء، وفي الظهر أيضًا عند المالكية والحنفية والشافعية، أما عند الحنابلة فمن أوساط المفصل (٢)، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل. وقال المالكية: العصر كالمغرب يقرأ فيه.
والدليل حديث أبي هريرة قال: «ما رأيت رجلًا أشبه صلاة برسول الله ﷺ من فلان، قال سليمان بن يسار: فصليت خلفه، فكان يقرأ في الغداة بطوال المفصل، وفي المغرظ بقصاره، وفي العشاء بوسط المفصل» (٣) والحكمة في إطالة القراءة في الفجر والظهر: طول وقتهما، وليدركهما من كان في غفلة بسبب النوم آخر الليل وفي القيلولة. والتوسط في العصر لانشغال الناس بالأعمال آخر النهار، وفي العشاء لغلبة النوم والنعاس. والتخفيف في المغرب لضيق وقته.
والحديث الجامع للقراءة في الصلوات عن جابر بن سمرة: «أن النبي ﷺ كان
(١) سمي بالمفصل لكثرة فواصله، وفصله بالبسملة وهو السبع السابع من القرآن.
(٢) دليلهم ما كتبه عمر إلى أبي موسى أن: «اقرأ في الصبح بطوال المفصَّل، واقرأ في الظهر بأوساط المفصل، واقرأ في المغرب بقصار المفصل» رواه أبو حفص.
(٣) رواه أحمد والنسائي، ولفظه له.
 
يقرأ في الفجر بـ ﴿ق والقرآن المجيد﴾ [ق:٥٠/ ١] ونحوها، وكان صلاته بعد إلى تخفيف. وفي رواية: كان يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحوَ ذلك، وفي الصبح أطولَ من ذلك» (١) وفي رواية: «كان إذا دحَضَت - مالت - الشمس، صلى الظهر، وقرأ بنحو من: والليل إذا يغشى، والعصر كذلك، والصلوات كلِّها كذلك إلا الصبح، فإنه كان يطيلها» (٢).
وروى ابن ماجه عن ابن عمر قال: «كان النبي ﷺ يقرأ في المغرب: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد» ويندب للإمام التخفيف عمومًا، لحديث جابر: أن النبي ﷺ قال: «يا معاذ، أفتَّانٌ أنت؟! أو قال: أفاتن أنت، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى» (٣) وفي رواية عند البخاري وغيره: «من أمَّ بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة».

تحديد مقادير السور: 

 للفقهاء آراء في تحديد السور الطوال والأوساط والقصار:
قال الحنفية في المعتمد عندهم (٤): طوال المفصل: من سورة الحجرات إلى آخر البروج (أو قدر أربعين أو خمسين آية) وأوساط المفصل: من الطارق إلى أول البينة (أو مقدار خمس عشرة آية)، وقصار المفصل: من البينة إلى آخر القرآن الكريم (أو مقدار خمس آيات في كل ركعة).
(١) رواهما أحمد ومسلم.
(٢) رواه أبو داود (نيل الأوطار:٢٣١/ ٢).
(٣) متفق عليه (نيل الأوطار:٢٣٥/ ٢).
(٤) الدر المختار ورد المحتار:٥٠٤/ ١، تبيين الحقائق:١٣٠/ ١.
 
وقال المالكية (١): طوال المفصل: من الحجرات إلى سورة النازعات. وأوسط المفصل من عبس إلى سورة: والليل. وقصاره من سورة (والضحى) إلى آخر القرآن.
وقال الشافعية (٢): طوال المفصل: من الحجرات إلى النبأ (عمَّ)، وأوسطه من النبأ إلى الضحى، وقصاره: من الضحى إلى آخر القرآن. ويقرأ في الركعة الأولى من صبح الجمعة ﴿الم تنزيل﴾ [السجدة:٣٢/ ١] وفي الثانية: ﴿هل أتى﴾ [الإنسان:٧٦/ ١] لما ثبت من حديث أبي هريرة (٣).
وقال الحنابلة (٤): أول المفصل سورة ﴿ق﴾ [ق:٥٠/ ١] وقيل: الحجرات.
وأوضح الحنابلة أنه يقرأ بما وافق مصحف عثمان، وهو ماصح تواتره وسنده ووافق اللغة، ولا تصح الصلاة ويحرم قراءة بما يخرج عن مصحف عثمان، كقراءة ابن مسعود وغيرها من القراءات الشاذة (وهي التي اختل فيها ركن من أركان القراءة المتواترة الثلاثة: موافقة العربية ولو بوجه، وموافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا، وصح إسنادها) (٥).

حد الجهر والإسرار: 

قال الحنفية: أقل الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه كأهل الصف الأول، فلو سمع واحد أو اثنان لا يجزئ. وأقل المخافتة إسماع نفسه أو من بقربه من رجل أو رجلين.
(١) الشرح الصغير:٣٢٥/ ١، الشرح الكبير:٢٤٧/ ١.
(٢) حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب:٢٠٥/ ١، شرح المحلي على المنهاج:١٥٤/ ١.
(٣) رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود (نيل الأوطار:٢٧٧/ ٣).
(٤) كشاف القناع:٣٩٩/ ١ ومابعدها،٤٠٢.
(٥) نيل الأوطار:٢٣٧/ ٢.
 
وقال المالكية: أقل جهر الرجل أن يسمع من يليه، وأقل سره: حركة اللسان. أما المرأة فجهرها إسماع نفسها. وقال الشافعية والحنابلة: أقل الجهر: أن يسمع من يليه ولو واحدًا، وأقل السر أن يسمع نفسه، أما المرأة فلا تجهر بحضرة أجنبي.

- التكبير عند الركوع والسجود والرفع منه، وعند القيام: 

بأن يقول: (الله أكبر) وهو ثابت بإجماع الأمة، لقول ابن مسعود: «رأيت النبي ﷺ يكبّر في كل رفع وخفض، وقيام وقعود» (١) وهو يدل على مشروعية التكبير في هذه الأحوال إلا في الرفع من الركوع، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده. وقد قال الحنابلة بوجوب التكبير، كوجوب (سمع الله لمن حمده) وقول (ربي اغفر لي) بين السجدتين، والتشهد الأول.


ويسن في الركوع ما يأتي:
أـ أخذ الركبتين باليدين وتمكين اليدين من الركبتين، وتسوية الظهر أثناء الركوع، وتفريج الأصابع للرجل، أما المرأة فلا تفرجها، ونصب الساقين، وتسوية الرأس بالعجز، وعدم رفع الرأس أو خفضه، ومجافاة الرجل عضديه عن جنبيه، بدليل حديث أبي مسعود عقبة بن عَمْرو: «أنه ركع فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يصلّي» (٢) وحديث مصعب بن سعد قال: صليت إلى جنب أبي، فطبَّقت بين كفَّيَّ، ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني عن ذلك، وقال: كنا نفعل هذا، وأمرنا
(١) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه (نيل الأوطار:٢٤٠/ ٢) وفي معناه حديث آخر عن أبي موسى رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (المرجع السابق: ص٢٤١ ومابعدها).
(٢) رواه أحمد وأبو داود والنسائي (المصدر السابق: ص٢٤٣ ومابعدها).
 
أن نضع أيدينا على الركب» (١) وحديث أبي حميد الساعدي في بيان صفة صلاة الرسول ﷺ: «أن النبي ﷺ وضع يديه على ركبتيه، ووَتَر يديه فنحاهما عن جنبيه» (٢) وحديث وابصة بن معبد عند ابن ماجه: «رأيت رسول الله ﷺ يصلي، فكان إذا ركع، سوَّى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر» وحديث عائشة عند مسلم: «وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك».
ب - أن يقول: (سبحان ربي العظيم) وهو الحد الأدنى، وأدنى الكمال ثلاثًا عند الجمهور، ولا حد له عند المالكية، ويضيف المالكية والشافعيةوالحنابلة (وبحمده). والدليل حديث حذيفة قال: «صليت مع النبي ﷺ، فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وما مرَّت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إلا تعوذ منها» (٣) وحديث عقبة بن عامر أنه قال: «لما نزلت: فسبح باسم ربك العظيم، قال النبي ﷺ: اجعلوها في ركوعكم» وحديث ابن مسعود أن النبي ﷺ: «إذا ركع أحدكم، فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه» (٤).
ولا يزيد الإمام عن التسبيحات الثلاث، ويكره له ذلك، تخفيفًا على المأمومين. ولكن عند الشافعية: يزيد المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل: «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي» (٥).
(١) رواه الجماعة (المصدر السابق: ص٢٤٤).
(٢) حديث صحيح رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه البخاري مختصرًا (المرجع السابق: ص١٨٤).
(٣) رواه الخمسة وصححه الترمذي (المرجع السابق: ص٢٤٥).
(٤) رواهما أبو داود وابن ماجه وأحمد (المرجع السابق: ص٢٤٦).
(٥) رواه مسلم ما عدا الجملة الأخيرة، فقد زادها ابن حبان في صحيحه.
 
وقال الحنفية: وكره تحريمًا إطالة ركوع، أو قراءة لإدراك الجائي إن عرفه، وإلا فلابأس به، وهذا موافق لبقية الأئمة، والاطمئنان في الركوع واجب في المذاهب الأربعة كما بينا سابقًا.

- التسميع والتحميد:
 

أي قول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد (١): للإمام سرًا في التحميد وللمنفرد عند الحنفية وفي المشهور عند الحنابلة، وأما المقتدي فيقول فقط عند الحنابلة وعلى المعتمد عند الحنفية: (ربنا لك الحمد) أو (ربنا ولك الحمد) أو (اللهم ربنا ولك الحمد) والأول عند الشافعية أولى لورود السنة به، وأفضله عند الحنفية الأخير، ثم (ربنا ولك الحمد) ثم الأول. والأفضل عند الحنابلة والمالكية: (ربنا ولك الحمد).
وعند المالكية: الإمام لا يقول: (ربنا لك الحمد) والمأموم لا يقول: (سمع الله لمن حمده) والمنفرد يجمع بينهما حال القيام، لا حال رفعه من الركوع، إذ الرفع يقترن بـ (سمع الله)، فإذا اعتدل قال: (ربنا ...) الخ.
والخلاصة: إن المقتدي عند الجمهور يكتفي بالتحميد.
ويسن عند الشافعية: الجمع بين التسميع والتحميد في حق كل مصل، منفرد وإمام ومأموم.
والدليل على الجمع لدى الشافعية: حديث أبي هريرة قال: «كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صُلْبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد ...»
(١) أي ربنا استجب لنا، ولك الحمد على هدايتك إيانا.
 
الحديث متفق
عليه، وفي رواية لهما: «ربنا لك الحمد» (١).
ودليل التفرقة بين الإمام والمأموم لدى الجمهور: حديث أنس: أن رسول الله ﷺ قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد» (٢).
ويسن عند الشافعية والحنابلة القول: (ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) أي بعدهما كالعرش والكرسي وغيرهما مما لا يعلمه إلا هو، ويزيد المنفرد وإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل: (أهلَ الثناء والمجد (٣)، أحقُّ ما قال العبد (٤)، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدُّ) (٥).
ودليلهم حديث ابن عباس: أن النبي ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربَّنا لك الحمد، مِلء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ماشئت بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ» (٦) وكذلك حمله الحنفية على حال الانفراد (٧).

- وضع الركبتين، ثم اليدين، ثم الوجه عند الهوي للسجود، وعكس ذلك عند الرفع من السجود.
هذا عند الجمهور غير المالكية، لحديث وائل بن حجر السابق: «رأيت رسول الله ﷺ إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه».
(١) متفق عليه (نيل الأوطار:٢٤٩/ ٢ ومابعدها).
(٢) متفق عليه (المرجع السابق: ص٢٥١).
(٣) أي يا أهل المدح والعظمة.
(٤) مبتدأ، خبره: (لا مانع لما أعطيت) وأما قوله: (وكلنا لك عبد) فهو جملة معترضة.
(٥) أي لا ينفع ذا الغنى عندك أو ذا الحظ في الدنيا، حظه في العقبى، إنما ينفعه طاعتك.
(٦) رواه مسلم والنسائي (نيل الأوطار:٢٥١/ ٢).
(٧) منية المصلي للجلبي: ص٣١٨.
 
وقال المالكية: يضع يديه، ثم ركبتيه عند السجود، ويرفع ركبتيه ثم يديه عند الرفع منه، لحديث أبي هريرة: «إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه ثم ركبتيه» وقد سبق بيان ذلك ولا ترجيح بين الكيفيتين.

- هيئات السجود الأخرى:

  أـ وضع الوجه بين الكفين عند الحنفية، 

وتوجيه الأصابع مضمومة مكشوفة نحو القبلة باتفاق المذاهب، ووضع اليدين حذو (مقابل) المنكبين في أثناء السجود عند غير الحنفية وإبرازهما من ثوبه والاعتماد على بطونهما، والتفرقة بقدر شبر بين القدمين والركبتين والفخذين عند الشافعية.
وعلى هذا يكون توجيه أصابع الرجلين نحو القبلة سنة.
دليل الحالة الأولى: حديث وائل بن حجر: «أنه ﷺ كان إذا سجد وضع وجهه بين كفيه» (١).
والحكمة من ضم أصابع اليدين هو التوجه نحو القبلة لشرفها، ولأن في السجود تنزل الرحمة، وبالضم ينال أكثر (٢)، ودليل الضم وتوجيه الأصابع للقبلة: حديث أبي حميد الساعدي: «فإذا سجد، وضع يديه غير مفترش، ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة» (٣).
ودليل الحالة الثالثة: حديث أبي حميد الساعدي: «أن النبي ﷺ كان إذا سجد وضع كفيه حذو منكبيه» (٤).
(١) رواه مسلم، وأبو داود.
(٢) رد المحتار والدر المختار:٤٦٥/ ١،٤٧٠.
(٣) رواه البخاري (نصب الراية:٣٨٨/ ١).
(٤) رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه.
 
ودليل إبراز اليدين من الثوب حديث أبي هريرة: «نهى رسول الله ﷺ أن يشتمل الصمَّاء بالثوب الواحد ليس على أحد شقيه منه، يعنى شيء» (١).
وأما الاعتماد على بطون اليدين فلكونه أعون على الحركة وأبلغ في الخشوع والتواضع، وأما التفرقة بين القدمين ونحوهما فلا تباع السنة في ذلك.

ب - مباعدة الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، 

وذراعيه عن الأرض في السجود في غير زحمة، وتفريقه بين ركبتيه ورجليه.
أما المرأة فتضم بطنها إلى فخذيها وفي جميع أحوالها؛ لأنه أستر لها (٢).
ودليل حالة الرجل أحاديث: منها:
حديث ميمونة: «أن النبي ﷺ كان إذا سجد جافى، حتى لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت» (٣).
وحديث عبد الله بن بُحَيْنة قال: «كان رسول الله ﷺ إذا سجد يُجنِّح في سجوده، حتى يُرى وَضَحُ إبطيه» (٤) أي بياض إبطيه.
وحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله ﷺ قال: «إذا سجد فَرَّج بين فخذيه، غير حامل بطنَه على شيء من فخذيه» (٥).
(١) متفق عليه، واشتمال الصماء: أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا ولا يبقي ما تخرج منه يده (نيل الأوطار:٧٦/ ٢).
(٢) وتسمى حالة الرجل: التخوية، وحالة المرأة: التطامن. ويعبر بعض الفقهاء بعبارة للرجل: (ومجافاة ضَبْعيه جنبيه وسطًا) والضبع: ما فوق المرفق إلى الإبط.
(٣) رواه مسلم. والبهيمة: صغار أولاد الضأن والمعز (نصب الراية:٣٨٧/ ١).
(٤) متفق عليه (نيل الأوطار:٢٥٦/ ٢).
(٥) رواه أبو داود (المصدر السابق: ص٢٥٧).
 
وحديث أنس في النهي عن ترك المجافاة، عن النبي ﷺ قال: «اعتدلوا في السجود، ولا يبسُطُ أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» (١).

جـ - تجب الطمأنينة 

باتفاق المذاهب كما بينا، ويستحب وضع الأنف مع الجبهة كما ذكرنا، لحديث أبي حميد: «أن النبي ﷺ كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه» (٢).


د - التسبيح في السجود: 

بأن يقول: «سبحان ربي الأعلى» مرة في الحد الأدنى، وثلاثًا وهو أدنى الكمال، وهو سنة بالاتفاق لحديث ابن مسعود السابق: «... وإذا سجد، فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات».
وحديث حذيفة: أنه سمع رسول الله ﷺ إذا سجد، قال: «سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات» (٣).
قال الحنفية: ولا يزيد الإمام على ذلك تخفيفًا على المأمومين، ولا حد للتسبيح عند المالكية.
وزاد المالكية والشافعية والحنابلة: (وبحمده) ويزيد عند الشافعية المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل: (سُبُّوح قدُّوس رب الملائكة والروح، اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين).
(١) رواه الجماعة (المصدر السابق: ص٢٥٦) ومعنى «لايبسط، ولا يفترش في رواية» واحد، أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالفراش والبساط، قال القرطبي: ولا شك في كراهة هذه الهيئة، ولا في استحباب نقيضها. وفي رواية: «افتراش الكلب» بدل: (انبساط الكلب) ومعناهما واحد.
(٢) رواه أبو داود والترمذي وصححه (نيل الأوطار:٢٥٧/ ٢).
(٣) رواه ابن ماجه، وأبو داود، ولم يقل (ثلاث مرات).
 
ودليلهم على الجملة الأولى حديث عائشة: «أن رسول الله ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده: سبّوح قُدُّوس، ربُّ الملائكة والروح» (١) وسبّوح قُدُّوس: من صفات الله، والمراد: المسبَّح والمقدس، فكأنه يقول: مسبح مقدس، ومعنى (سبّوح) المبرأ من النقائص والشريك وكل ما لا يليق بالألوهية. وقدوس: المطهر من كل مالا يليق بالخالق.
وبقية التسبيح رواه مسلم.

هـ - الدعاء في السجود (٢): 

قال الحنفية: لا يأتي المصلي في ركوعه وسجوده بغير التسبيح، على المذهب، وما ورد محمول على النفل، ويندب الدعاء في السجود عند المالكية بما يتعلق بأمور الدين أو الدنيا، أو الآخرة، له أو لغيره، خصوصًا أو عمومًا، بلا حدّ، بل بحسب ما يسر الله تعالى. ولا بأس عند الحنابلة بالدعاء المأثور أو الأذكار.
ويتأكد طلب الدعاء في السجود عند الشافعية.
ودليلهم خبر مسلم وغيره: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، فقِمِن أن يستجاب لكم» (٣) أي أكثروا الدعاء في سجودكم، فحقيق أن يستجاب لكم.
وعن أبي سعيد أن النبي ﷺ قال: يا معاذ، إذا وضعت وجهك ساجدًا، فقل: اللهم أعني على شكرك وحسن عبادتك».
(١) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (نيل الأوطار:٢٤٦/ ٢).
(٢) الدر المختار:٤٧٢/ ١، تبيين الحقائق:١١٨/ ١، الشرح الصغير:٣٢٩/ ١، المغني:٥٢٢/ ١، حاشية الباجوري:١٧٧/ ١، مغني المحتاج:١٨١/ ١
(٣) رواه أحمد ومسلم وأبو داود
 
وقال علي ﵁: «أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد، وهو ساجد: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي» (١).
وعن أبي هريرة: «أن النبي ﷺ كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دِقَّه وجِلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره» (٢).

- الجلوس بين السجدتين، مطمئنًا مفترشًا الرجل رجله اليسرى، 

وناصبًا اليمنى، موجهًا أصابعه نحو القبلة، واضعًا يديه على فخذيه، بصورة مبسوطة، بحيث تتساوى رؤوس الأصابع مع الركبة.
أما المرأة فتتورك عند الحنفية، بأن تجلس على أليتها، وتضع الفخذ على الفخذ، وتخرج رجلها اليسرى من تحت وركها اليمنى؛ لأنه أستر لها.
والدليل على هيئة الجلوس هذه للرجل: حديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله ﷺ: «ثم ثنى رجله اليسرى، وقعد عليها، ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه، ثم هوى ساجدًا» وحديث عائشة: «وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى» (٣).
وقال ابن عمر: «من سنة الصلاة: أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة» (٤).
ويكره الإقعاء: وهو أن يفرش قدميه، ويجلس على عقبيه، لحديث علي: قال رسول الله ﷺ: «لاتُقْعِ بين السجدتين» وحديث أنس: «قال لي رسول الله ﷺ: إذا رفعت رأسك من السجود فلا تُقع كما يقعي الكلب» (٥).
(١) رواهما سعيد بن منصور في سننه.
(٢) رواه مسلم وأبو داود ومعنى «دقة وجله» قليله وكثيره (نيل الأوطار:٢٨٩/ ٢).
(٣) متفق عليه.
(٤) رواه النسائي.
(٥) رواهما ابن ماجه.
 
ويسن عند الشافعية والحنابلة الاعتماد بيديه على الأرض عند القيام عن سجود أو قعود اتباعًا للسنة، والنهي عن ذلك ضعيف (١).

- الدعاء بين السجدتين: 

 ليس عند الحنفية (٢) بين السجدتين دعاء مسنون، كما ليس بعد الرفع من الركوع دعاء، ولا في الركوع والسجود على المذهب كما قدمنا، وما ورد محمول على النفل أو التهجد.
ولم يذكر المالكية هذا الدعاء من مندوبات الصلاة، وذكره ابن جزي فيما يقال بين السجدتين.
والدعاء مشروع عند الشافعية والحنابلة؛ بل قال الحنابلة: إنه واجب، وأدناه أن يقول مرة: (رب اغفر لي) وأدنى الكمال عندهم أن يقول ذلك: ثلاث مرات كالكمال في تسبيح الركوع والسجود.
وصيغة هذا الدعاء عند الشافعية والمالكية والحنابلة: (رب اغفر لي وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني، وعافني) وقال الحنابلة: لايجوز في الصلاة، بغير الوارد في السنة، ولايجوز بما ليس من أمر الآخرة، كحوائج الدنيا وملاذها، وتبطل الصلاة به.
ودليل المشروعية: ماروى حذيفة: «أنه صلى مع النبي ﷺ، فكان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي» (٣).
(١) شرح الحضرمية:٤٦.
(٢) الدر المختار:٤٧٢/ ١، تبيين الحقائق:١١٨/ ١.
(٣) رواه النسائي وابن ماجه (نيل الأوطار:٢٦٣/ ٢).
 
وروي عن ابن عباس أنه قال: «كان رسول الله ﷺ يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني» (١).
وفي رواية لمسلم: «أن رجلًا أتى النبي ﷺ، فقال: يارسول الله كيف أقول حين أسأل ربي، قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني، وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك» أي لأن الغفر الستر، والعافية: اندفاع البلاء عن الإنسان، والأرزاق نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم.

جلسة الاستراحة: 

المشهور عند الشافعية (٢): سنُّ جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية تسمى جلسة الاستراحة، في كل ركعة يقوم عنها فلا تسن عقب سجدة التلاوة، اتباعًا لما ثبت في السنة عند البخاري. وروى الجماعة إلا مسلمًا وابن ماجه عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي ﷺ يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته، لم ينهض حتى يستوي قاعدًا» (٣).
ولا تستحب جلسة الاستراحة عند الجمهور، إذ لم تذكر في حديث أبي حميد الساعدي في بيان صفة صلاة رسول الله ﷺ (٤).

- التشهد الأول، والافتراش له 

كالجلوس بين السجدتين، والتورك في التشهد الأخير:
(١) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، إلا أنه قال: «في صلاة الليل»، وقال أبو داود فيه (وعافني) مكان (واجبرني) (نيل الأوطار: ٢٦٣/ ٢، سبل السلام:١٨٤/ ١).
(٢) مغني المحتاج:١٧١/ ١ ومابعدها.
(٣) رواه الجماعة إلا مسلمًا وابن ماجه (نيل الأوطار:٢٦٩/ ٢).
(٤) نيل الأوطار:١٨٤/ ٢.
 
وصيغة التشهد عند الشافعية كما تقدم: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله).
وقد اتفق الفقهاء على مشروعية التشهد الأول والجلوس له، على أنهما سنتان عند الجمهور، وواجبان عند الحنفية، بدليل الأمر به وسقوطه بالسهو، قال ابن مسعود: «إن محمدًا ﷺ قال: إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه، فليدع ربه ﷿» (١).
واستدل الحنابلة على وجوبه بفعل النبي ﷺ ومداومته على فعله، وأمره به في حديث ابن عباس، فقال: «قولوا: التحيات لله» وسجد للسهو حين نسيه، وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولاتستحب عند الجمهور الزيادة على هذا التشهد ولا تطويله، وقال الحنابلة أيضًا: إذا أدرك المسبوق بعض الصلاة مع الإمام، لم يزد المأموم على التشهد الأول، بل يكرره حتى يسلم الإمام.
ويسن أن يضم إليه عند الشافعية: الصلاة على النبي ﷺ في آخره، فيقول: (اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي).
ويلاحظ أن كلًا من التشهد الأول والأخير سنة عند المالكية، والتشهدان واجبان عند الحنفية، وكذا القعود الأول ولو في نفل في الأصح، والأول سنة أو
(١) رواه أحمد والنسائي (نيل الأوطار:٢٧١/ ٢) وهذه هي الصيغة المفضلة عند الحنفية والحنابلة، وقد عرفنا الصيغة المختارة عند الشافعية، وعند المالكية، وعبارة: ثم ليتخير: فيها الإذن بكل دعاء أراد المصلي أن يدعو به من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن إثمًا. وهو رأي الجمهور، وقال أبو حنيفة: لايجوز إلا بالدعوات المأثورة في القرآن والسنة.
 
بعض، والأخير فرض عند الشافعية، والأول واجب والأخير فرض عند الحنابلة. ويسن باتفاق الفقهاء الإسرار بقراءة التشهد، لأن النبي ﷺ لم يكن يجهر به، قال ابن مسعود: «من السنة إخفاء التشهد» (١) ولأنه ذكر غير القراءة كالتسبيح، فاستحب إخفاؤه.
وأما صفة الجلوس للتشهد الأول: فهي الافتراش عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو أن يجلس على كعب يسراه بعد أن يضجعها، وينصب يمناه. وتتورك المرأة عند الحنفية؛ لأنه أستر لها، ودليل الافتراش حديث عائشة: «وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى» (٢)
وحديث وائل بن حجر: «أنه رأى النبي ﷺ يصلي، فسجد، ثم قعد فافترش رجله اليسرى» (٣) وحديث أبي حميد «أن النبي ﷺ جلس - للتشهد - فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته» (٤) وحديث رفاعة بن رافع «أن النبي ﷺ قال للأعرابي: إذا سجدت، فمكِّن لسجودك، فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى» (٥).
وقال المالكية: يجلس متوركًا في التشهد الأول والأخير، لما بينا، ولما روى ابن مسعود: «أن النبي ﷺ كان يجلس في وسط الصلاة وآخرها متوركًا» (٦).
(١) رواه أبو داود.
(٢) رواه مسلم وأحمد وأبو داود (المصدر السابق:٢٧٥/ ٢).
(٣) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وفي لفظ لسعيد بن منصور قال: صليت خلف رسول الله ﷺ، فلما قعد، وتشَهَّد، فرش قدمه اليسرى على الأرض وجلس عليها (نيل الأوطار:٢٧٣/ ٢).
(٤) رواه البخاري (نيل الأوطار:٢٧٥/ ٢).
(٥) رواه أحمد (المرجع السابق).
(٦) المغني:٥٣٣/ ١
 
وقال الحنفية: الجلوس للتشهد الأخير كالتشهد الأول، يكون مفترشًا، لحديث أبي حميد.
وقال الشافعية والحنابلة: يسن التورك للتشهد الأخير، وهو كالافتراش، لكن يخرج يسراه من جهة يمينه، ويلصق وَرِكَه بالأرض، بدليل حديث أبي حميد: «حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته، أخَّر رِجْله اليسرى، وقعد على شقه متوركًا، ثم سلم» (١).
والأصح عندهم: يفترش المسبوق والساهي.
والخلاص ة: أنه يسن التورك في التشهد الأخير عند الجمهور، ولا يسن عند الحنفية، إلا أن الحنابلة قالوا: لا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان، فلايتورك في تشهد الصبح.

- وضع اليدين على الفخذين: 

بحيث تكون رؤوس أصابعهما على الركبتين، ورفع الإصبع السبابة من اليمنى فقط عند الشهادة في التشهد:
قال الحنفية (٢): يضع يمناه على فخذه اليمنى، ويسراه على اليسرى، ويبسط أصابعه، كالجلسة بين السجدتين، مفرجة قليلًا، جاعلًا أطرافها عند ركبتيه، ولا يأخذ الركبة في الأصح، والمعتمد أنه يشير بسبابة يده اليمنى عند الشهادة، يرفعها عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى، بقوله: (لا إله)، ويضعها عند إثبات الألوهية لله وحده، بقوله: (إلا الله) ليكون الرفع إشارة إلى النفي، والوضع إشارة إلى الإثبات، ولا يعقد شيئًا من أصابعه.
(١) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي (نيل الأوطار:١٨٤/ ٢).
(٢) الدر المختار: ٤٧٤/ ١.
 
ودليلهم رواية في صحيح مسلم عن ابن الزبير تدل على ذلك؛ لأنه اقتصر فيها على مجرد الوضع والإشارة (١).
وقال المالكية (٢): ترسل اليد اليسرى، ويعقد من اليد اليمنى في حال تشهده ما عدا السبابة والإبهام: وهو الخنصر والبنصر والوسطى، بجعل رؤوسها باللُّحْمة التي بجنب الإبهام، مادًَّا إصبعه السبابة كالمشير بها، فتصير الهيئة هيئة التسعة والعشرين؛ لأن مدَّ السبابة مع الإبهام صورة عشرين، وقبض الثلاثة تحت الإبهام صورة تسع.
ويندب دائمًا تحريك السبابة تحريكًا وسطًا من أول التشهد إلى آخره، يمينًا وشمالًا، لا لجهة: فوق وتحت، واستدلوا بحديث وائل بن حجر: أنه قال في صفة صلاة رسول الله ﷺ: «ثم قعد فافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه، وركبته اليسرى، وجعل حد مِرْفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلَّق حَلْقةً، ثم رفع أُصبعه، فرأيته يحركها (٣)، يدعو بها» (٤).
وقال الشافعية والحنابلة (٥) السنة وضع اليدين على الفخذين في الجلوس
(١) نيل الأوطار:٢٨٣/ ٢.
(٢) الشرح الصغير:٣٣٠/ ١.
(٣) قال البيهقي: يحتمل أن يكون مراده بالتحريك: الإشارة بها، لا تكرير تحريكها، حتى لا يعارض حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بلفظ: «كان يشير بالسبابة ولا يحركها، ولا يجاوز بصره إشارته» قال ابن حجر: وأصله في مسلم دون قوله: «ولا يجاوز بصره» (نيل الأوطار:٢٨٣/ ٢).
(٤) رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي (المصدر السابق) وروى البيهقي حديثًا ضعيفًا عن ابن عمر: «تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان».
(٥) مغني المحتاج:١٧٢/ ١ ومابعدها، حاشية الباجوري:١٧٧/ ١، المغني:٥٣٤/ ١.
 
للتشهد الأول والأخير، يبسط يده اليسرى منشورة، مضمومة الأصابع في الأصح عند الشافعية، بحيث تسامت رؤوسها الركبة، مستقبلًا بجميع أطراف أصابعها القبلة، فلا تفرج الأصابع؛ لأن تفريجها يزيل الإبهام عن القبلة.
ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض منها الخنصر والبنصر، وكذا الوسطى في الأظهر عند الشافعية، أما عند الحنابلة: فإنه يحلق الإبهام مع الوسطى.
ويشير بالسبابة (أو المُسبِّحة)، ويرفعها عند قوله: «إلا الله» ولا يحركها، لفعله ﷺ، ويديم نظره إليها، لخبر ابن الزبير السابق.
والأظهر عند الشافعية والحنابلة: ضم الإبهام إلى السبابة، كعاقد ثلاثة وخمسين، بأن يضعها تحتها على طرف راحته. ولو أرسل الإبهام والسبابة معًا، أو قبضهما فوق الوسطى، أو حلَّق بينهما برأسهما أو وضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام، أتى بالسنة، لورود جميع ذلك، لكن الأول أفضل كما قال الشافعية؛ لأن رواته أفقه.
ودليلهم حديث ابن عمر: «أن النبي ﷺ وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثًا وخمسين، وأشار بالسبابة» (١)، ودليلهم على عدم تحريك الأصبع: حديث عبد الله بن الزبير: «كان النبي ﷺ يشير بأصبعه إذا دعا، ولايحركها» (٢) وحديث سعد بن أبي وقاص قال: «مرَّ علي النبي ﷺ وأنا أدعو بأصابعي، فقال: أحد، أحد، وأشار بالسبابة» (٣).
(١) رواه مسلم. وكون هذه الكيفية ثلاثة وخمسين طريقة لبعض الحاسبين، وأكثرهم يسمونها تسعة وخمسين، وآثر الفقهاء الأول تبعًا للفظ الخبر.
(٢) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان.
(٣) رواه النسائي.
 
- قراءة الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة من الصلوات المفروضة:
 

تسن على الصحيح عند الحنفية ولو ضم إليها سورة لا بأس به؛ لأن القراءة في هاتين الركعتين مشروعة من غير تقدير. وهي فرض عند الشافعية، وواجبة للإمام والمنفرد عند المالكية والحنابلة.
دليل الحنفية: هو أن الفاتحة لا تتعين في الصلاة، وتجزئ قراءة آية من القرآن في أي موضع كان، لقوله تعالى: ﴿فاقرؤوا ما تيسر من القرآن﴾ [المزمل:٢٠/ ٧٣] ﴿فاقرؤوا ما تيسر منه﴾ [المزمل:٢٠/ ٧٣]، وقوله ﷺ للمسيء صلاته: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن»، ولأن الفاتحة وسائر القرآن سواء في سائر الأحكام، فكذا في الصلاة. وقد وردت آثار عن بعض الصحابة (علي وابن مسعود) بسنيتها، فصرف الوجوب الظاهر من الأحاديث للمواظبة على الفاتحة إلى السنية، وهو أدنى ما تدل عليه الأحاديث.
ودليل الجمهور: حديث عبادة بن الصامت: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (١)، وبما أن القراءة (أي قراءة شيء من القرآن» فرض أو ركن في الصلاة، فكانت معينة كالركوع والسجود.
وأما خبر المسيء صلاته فمقيد بما روى الشافعي بإسناده عن رفاعه بن رافع أن النبي ﷺ قال للأعرابي: «ثم اقرأ بأم القرآن، وما شاء الله أن تقرأ» (٢) فهو محمول على الفاتحة، وما تيسر معها من القرآن مما زاد عليها.
(١) متفق عليه بين أحمد وأصحاب الكتب الستة.
(٢) ورواه أيضًا أبو داود (نيل الأوطار:٢٣٢/ ٢).
 
ً- الصلاة على النبي ﷺ وعلى آله في التشهد الأخير: 

قال الحنفية (١): الصلاة على النبي وعلى آله - الصلوات الإبراهيمية: سنة وكذلك قال المالكية (٢): تسن الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد الأخير، كما أن كل تشهد (أول أو أخير ولو في سجود سهو) هو سنة مستقلة.
وقال الشافعية والحنابلة (٣): تجب الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير، أما الصلاة على الآل فيه فهي سنة عند الشافعية، واجبة عند الحنابلة.
ودليل الوجوب عند الحنابلة: حديث كعب بن عُجرة السابق: «إن النبي ﷺ خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا الله كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» (٤)، وروى الأثرم عن فضالة بن عبيد: «سمع النبي ﷺ رجلًا يدعو في صلاته لم يمجد ربه، ولم يصل على النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: عجل هذا، ثم دعاه النبي ﷺ فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ﷺ، ثم لِيَدْعُ بعد بما شاء» والأمر يقتضي الوجوب، وصفة الصلاة على النبي وآله: تكون على النحو المذكور في حديث كعب.
واستدل الشافعية على وجوب الصلاة على النبي ﷺ بالأمر القرآني: ﴿ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا﴾ [الأحزاب:٥٦/ ٣٣] وبالحديث السابق،
(١) الدر المختار:٤٧٨/ ١.
(٢) الشرح الصغير:٣١٩/ ١.
(٣) مغني المحتاج:١٧٣/ ١ ومابعدها، المغني:٥٤١/ ١.
(٤) متفق عليه بين أحمد والشيخين.
 
وبحديث آخرفي معناه رواه الدارقطني وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وقال: إنه على شرط مسلم، وبحديث أبي مسعود عند أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه (١). .وأقل الصلاة على النبي ﷺ، وآله: اللهم صل على محمد وآله، والزيادة إلى «مجيد» سنة.
وأما كون الصلاة على الآل سنة، فلخبر أبي زرعة: «الصلاة على النبي ﷺ أمر، من تركها أعاد» ولم يذكر الصلاة على آله.
ودليل الحنفية والمالكية على السنية مطلقًا (الصلاة على النبي وآله): أن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعلم كيفيته، وهي لا تفيد الوجوب. قال الشوكاني (٢): إنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدل على مطلوب القائلين بالوجوب، وعلى فرض ثبوته، فترك تعليم المسيء للصلاة، لا سيما مع قوله ﷺ: «فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك» قرينة صالحة لحمله على الندب. ويؤيد ذلك قوله لابن مسعود بعد تعليمه التشهد: «إذا قلت هذا، أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» (٣).

الصلاة على النبي ﷺ في غير الصلاة: أما الصلاة على النبي في غير الصلاة فهي مندوبة، لا واجبة، فقد حكى الطبري الإجماع على أن محمل الآية على الندب. وقال الحنفية (٤): هي فرض مرة واحدة في العمر، والمذهب أنه تستحب على التكرار كلما ذكر النبي ﷺ، ولو اتحد المجلس في الأصح وعليه الفتوى.
(١) نيل الأوطار:٢٨٤/ ٢ ومابعدها.
(٢) نيل الأوطار:٢٨٨/ ٢.
(٣) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني.
(٤) الدر المختار:٤٨٠/ ١، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي:١٠٨/ ١.
 
السيادة لمحمد ﷺ: 

 قال الحنفية والشافعية (١): تندب السيادة لمحمد في الصلوات الإبراهيمة؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب، فهو أفضل من تركه. وأما خبر «لا تسودوني في الصلاة» فكذب موضوع (٢). وعليه: أكمل الصلاة على النبي وآله: «اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد» (٣).


٢١ ً - الدعاء بعد الصلاة على النبي ﷺ: 

يدعو المصلي بما هو مأثور عن الرسول ﷺ عند الحنفية، أو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة عند الأئمة الآخرين، والمأثور أفضل. ويندب تعميم الدعاء؛ لأنه أقرب إلى الإجابة، ومن الدعاء العام: (اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزمًا) أي جزمًا.
ومن الدعاء المأثور: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ومنه: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) (٤) ومنه
(١) الدر المختار:٤٧٩/ ١، حاشية الباجوري:١٦٢/ ١، شرح الحضرمية: ص٤٧.
(٢) أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب للحوت البيروتي: ص٢٥٣.
(٣) خص إبراهيم بالذكر، لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا في القرآن لنبي غيره، قال تعالى: ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾ [هود:٧٣/ ١١] وآل سيدنا محمد: هم بنو هاشم وبنو المطلب. وآل سيدنا إبراهيم: إسماعيل وإسحاق وأولادهما.
(٤) رواه البخاري ومسلم، اللفظ للبخاري عن أبي بكر الصديق ﵁ (نيل الأوطار:٢٨٧/ ٢).
 
أيضًا: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) (١) ومنه: (اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم) ومنه: (اللهم اغفر لي ما قدمت وماأخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت) (٢).
وكان ابن مسعود ﵁ يدعو بكلمات، منها: «اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد» (٣). وعن معاذ ابن جبل قال: لقيني النبي ﷺ فقال: إني أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (٤) وعن ابن عباس: أن النبي ﷺ صلّى فجعل يقول في صلاته أو في سجوده: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، واجعل لي نورًا، أو قال: واجعلني نورًا» (٥).
(١) رواه الشيخان واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وأوجب بعض العلماء هذا الدعاء (سبل السلام:١٩٤/ ١).
(٢) رواه مسلم من حديث علي ﵁.
(٣) رواه الأثرم.
(٤) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، قال الحافظ ابن حجر: سنده قوي (نيل الأوطار:٢٩١/ ٢).
(٥) مختصر من صحيح مسلم (نيل الأوطار:٢٩٢/ ٢)
 
قال الحنفية: ولا يجوز أن يدعو في صلاته بما يشبه كلام الناس، مثل (اللهم ارزقني كذا) مثلًا، أو بما لا يستحيل حصوله من الناس مثل: (اللهم زوجني فلانة) مثلًا، وهومكروه تحريمًا، ويُبطل الصلاة إن وجد قبل القعود للتشهد الأخير وقدر التشهد، ويفوت الواجب لوجوده بعد القعود قبل السلام بخروجه به من الصلاة دون السلام.
وقد استدلوا بحديث مسلم السابق: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن».
وأجاز غير الحنفية الدعاء بماشاء الإنسان، بدليل ما ثبت في السنة عن بعض الصحابة كابن مسعود وأبي هريرة (١) وغيرهما، وبدليل حديث ابن مسعود السابق في التشهد: «ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به»، وفي رواية: «ثم يتخير من المسألة ما شاء»، وفي رواية «ليتخير بعد من الكلام ما شاء» (٢).

الدعاء بالعربية: 

يكون الدعاء بالعربية باتفاق الفقهاء، قال الحنفية: الدعاء بغير العربية حرام، لكن تصح أذكار الصلاة عند أبي حنيفة خلافًا لصاحبيه بغير العربية، مع الكراهة التحريمية. وقال الشافعية: ويترجم للدعاء والذكر المندوب العاجز عنه بالعربية لعذره، لا القادر عليه في الأصح لعدم عذره (٣).
(١) قد ورد في الدعاء بعد التشهد ألفاظ أخرى، منها ما روى أبو داود عن ابن مسعود «أنه ﷺ كان يعلمهم من الدعاء بعد التشهد: اللهم ألف على الخير بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش والفتن، ماظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا». وأخرج أبو داود أيضًا عن أبي هريرة: «أنه ﷺ قال لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهَّد، ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال ﷺ: حول ذلك ندندن أنا ومعاذ» وفيه أنه يدعو الإنسان بأي لفظ شاء من مأثور وغيره (سبل السلام:١٩٥/ ١).
(٢) الرواية الأولى والثانية عن أحمد، والثالثة عند البخاري (نصب الراية:٤٢٨/ ١).
(٣) مغني المحتاج:١٧٧/ ١، الدر المختار:٤٨٦/ ١.
 
ً - الالتفات يمينًا ثم شمالًا بالتسليمتين:
 

عرفنا أن السلام واجب عند الحنفية، ركن عند الجمهور، ويسن عند الجميع الالفتات يمينًا وشمالًا حتى يرى بياض خده، قائلًا عند الجمهور: «السلام عليكم ورحمة الله» ويزيد عند المالكية «وبركاته» والأول هو الواجب عند المالكية والشافعية، والتسليمتان واجبتان عند الحنفية والحنابلة.
ودليل سنية الالتفات: حديث مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: «كنت أرى النبي ﷺ يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده»، وفي رواية الدارقطني: «كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض خده».
ودليل إضافة (وبركاته) عند المالكية حديث ابن مسعود ووائل بن حجر السابقين. وقد عرفنا أنه ينوي بالسلام من عن يمينه ويساره من ملائكة وإنس وجن. وينوي الإمام السلام على المقتدين، وهم ينوون الرد عليه، إلا أنه عند الحنفية ينوون الرد عليه في التسليمة الأولى إن كانوا في جهة اليمين، وفي التسليمة الثانية إن كانوا في جهة اليسار، وعند الشافعية بالعكس.
قال القفال الشاشي الكبير: والمعنى في السلام أن المصلي كان مشغولًا عن الناس وقد أقبل عليهم» (١).
استقبال القبلة في السلام: يرى الحنفية أنه يسن التيامن في التسليمة الأولى، ثم يسلم عن يساره في الثانية. ويرى المالكية أن المأموم يندب له التيامن كليًا بتسليمة التحليل من الصلاة. أما الإمام والمنفرد، فيشير عند النطق بالتسليمة
(١) مغني المحتاج:١٧٧/ ١.
 
للقبلة، ويختمها بالتيامن عند النطق بالكاف والميم من (عليكم) حتى يرى من خلفه صفحة وجهه.
وقال الشافعية والحنابلة: يبتدئ السلام مستقبل القبلة، قائلًا «السلام عليكم» ثم يلتفت ويتم سلامه قائلًا: (ورحمة الله) لقول عائشة: «كان النبي ﷺ يسلم تلقاء وجهه» معناه ابتداء السلام، ورحمة الله: يكون في حال التفاته.

- خفض التسليمة الثانية عن الأولى: 

يسن ذلك عند الحنفية والحنابلة؛ لأن الأولى للإعلام، فيجهر بها، وقد حصل العلم بالجهر بها، فلا يشرع الجهر بغيرها.
وقال المالكية: يسن الجهر بتسليمة التحليل فقط دون تسليمة الرد، بل يندب السرفيها، أي يسن للإمام والمأموم والمنفرد الجهر بالتسليمة يخرج بها من الصلاة، ويندب السر في تسليمة المقتدي للرد على إمامه وعلى من يساره من إمام ومأموم. وقال الحنابلة: يجهر الإمام بالتسليمة الأولى فقط، ويسر غيره التسليمتين.

- مقارنة المقتدي لسلام الإمام: 

 يسن ذلك عند أبي حنيفة موافقة للإمام، كما تسن مقارنته في غير التسليم من تكبير الإحرام وتكبيرات الانتقال.
وأما الصاحبان والشافعية: فإنه يسن عندهم في التسليم المعاقبة والبعدية عن الإمام، لئلا يسرع المأموم بأمور الدنيا.
وأضاف الشافعية القول: إنه تنقضي القدوة بسلام الإمام، فللمأموم أن يشتغل بدعاء ونحوه، ثم يسلم. ولو اقتصر الإمام على تسليمة، فللمأموم أن يسلم ثنتين، لإحراز فضيلة الثانية، ولزوال المتابعة بالأولى.
 
- انتظار المسبوق فراغ الإمام من التسليمتين،

 لوجوب المتابعة، حتى يعلم ألا سهو عليه. وهذه سنة عند الحنفية.


٢٦ً - ذكر الشافعية أنه يسن الخشوع وتدبر القراءة والأذكار، 

ودخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب من الشواغل الدنيوية؛ لأنه أعون على الخضوع والخشوع.


آداب الصلاة عند الحنفية:
عرفنا أن الأدب: ما فعله الرسول ﷺ مرة أو مرتين، ولم يواظب عليه كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود، والزيادة على القراءة المسنونة. وقد شرع لإكمال السنة. ومن هذه الآداب عند الحنفية ما يأتي (١):
١ً - إخراج الرجل كفيه من كميه عند تكبيرة الإحرام، لقربه من التواضع إلا لضرورة، كبرد. أما المرأة فتستر كفيها حذرًا من كشف ذراعيها.
٢ً - نظر المصلي إلى موضع سجوده قائمًا، وإلى ظاهر قدميه راكعًا، وإلى أرنبة أنفه ساجدًا، وإلى حجره جالسًا، وإلى منكبيه مسلِّمًا، تحصيلًا للخشوع في الصلاة، ملاحظًا قوله ﷺ: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك» (٢).
هذا تفصيل لبعض الحنفية، والمنقول في ظاهر الرواية: هو النظر إلى محل سجوده، كما قال الشافعية.
(١) مراقي الفلاح: ص٤٤، الدر المختار:٤٤٦/ ١ ومابعدها، تبيين الحقائق:١٠٨/ ١ ومابعدها.
(٢) سأل جبريل النبي ﷺ عن الإحسان: فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يرا ك» رواه مسلم عن عمر ﵁.
 
٣ً - إمساك فمه عند التثاوب، فإن لم يقدر غطاه بظهر يده اليسرى، أو كمه؛ لأن التغطية بلا ضرورة مكروهة.
٤ً - دفع السعال ما استطاع؛ لأنه بلا عذر مفسد للصلاة.
٥ً - قيام الإمام والمؤتم في حالة الإقامة عند القول: «حي على الفلاح» لأنه أمر به فيجاب. هذا إذا كان الإمام حاضرًا بقرب المحراب. فإن لم يكن حاضرًا يقوم كل صف حين ينتهي إليه الإمام على الأظهر. وإن دخل الإمام من قدام، قاموا حين يقع بصرهم عليه. وإن أقام الإمام بنفسه في مسجد، فلا يقف المؤتمون حتى يتم إقامته.
ويشرع الإمام في الصلاة مذ قيل: (قد قامت الصلاة) ولو أخر حتى أتمها، لا بأس به إجماعًا. وهو قول أبي يوسف والأئمة الثلاثة غير الحنفية، وهو أعدل المذاهب.

التبليغ خلف الإمام:
اتفق الفقهاء على أنه يسن (وعند المالكية: يندب) للإمام الجهر بقدر الحاجة بالتكبير والتسميع والسلام، لإعلام من خلفه، فإن عجز جاز التبليغ من غيره؛ لأن أبا بكر في مرض النبي ﷺ كان يبلِّغ المؤتمين تكبيره. أما المؤتم والمنفرد فيسمع نفسه، وقال المالكية: يندب لكل مصلٍ الجهر بتكبيرة الإحرام، كما بينا.
فإن كان من خلف الإمام يسمعه، كره التبليغ من غيره لعدم الحاجة إليه.
ويجب أن يقصد المبلِّغ سواء أكان إمامًا أم غيره الإحرام للصلاة بتكبيرة الإحرام، فلو قصد الإعلام فقط، لم تنعقد صلاته، وكذا لاتنعقد عند الشافعية إذا أطلق، فلم يقصد شيئًا، فإن قصد مع الإحرام الإعلام، صحت الصلاة عند الشافعية والحنفية.
 
أما غير تكبيرة الإحرام من تكبيرة الانتقال والتسميع والتحميد: فإن قصد بها التبليغ فقط، فلا تبطل صلاته عند الجمهور، وإنما يفوته الثواب.
لكن قال الحنفية (١): إن قصد بذلك مجرد إعجاب الناس بتبليغه، فسدت صلاته على الراجح، كما أن من رفع صوته زيادة على الحاجة، فقد أساء، والإساءة دون الكراهة.
وقال الشافعية: إذا قصد بذلك مجرد التبليغ، أو لم يقصد شيئًا، بطلت صلاته إن كان غير عامي، أما العامي فلا تبطل صلاته، ولو قصد الإعلام فقط.
ودليل مشروعية التبليغ: الحديث المتفق عليه عن جابر، قال: «صلى بنا رسول الله ﷺ وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله ﷺ كبر أبو بكر ليسمعنا».

سنن الصلاة إجمالًا في كل مذهب:
 

يحسن تعداد سنن الصلاة في المذاهب كلًا على حدة، لما فيها من اختلافات بسبب عد بعض الفرائض في مذهب، سنة في مذهب آخر.


مذهب الحنفية:
للصلاة آداب ذكرناها مستقلة، وسنن إحدى وخمسون (٢) وهي ما يأتي (٣):
١ً - رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين للرجل، وحذاء المنكبين للمرأة الحرة.
٢ً - ترك الأصابع على حالها بحيث لا يضمها ولا يفرقها.
(١) رد المحتار:٤٤٣/ ١ ومابعدها،٥٥١، مغني المحتاج:١٦٥/ ١، المغني:٤٦٢/ ١، الشرح الصغير:٤٤٨/ ١.
(٢) يلاحظ أنه قد ينقص الترقيم عن هذا العدد؛ لأنه قد تضم سنتان فأكثر تحت رقم واحد.
(٣) مراقي الفلاح: ص٤١ - ٤٤.
 
٣ً - مقارنة إحرام المقتدي لإحرام إمامه.
٤ً - وضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت سرته، ووضع المرأة يديها على صدرها.
٥ً، ٦ً، ٧ً - الثناء، والتعوذ للقراءة، والتسمية سرًا أول كل ركعة قبل الفاتحة.
٨ً، ٩ً، ١٠ً - التأمين، والتحميد، والإسرار بهما وبالثناء والتعوذ والتسمية.
١١ً - الاعتدال عند ابتداء التحريمة وانتهائها من غير طأطأة الرأس.
١٢ً - جهر الإمام بالتكبير والتسميع والسلام.
١٣ً - تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع.
١٤ً - أن تكون السورة بعد الفاتحة من طوال المفصل في الفجر والظهر، ومن أوساطه في العصر والعشاء، ومن قصاره في المغرب إن كان مقيمًا، ويقرأ أي سورة شاءإن كان مسافرًا.
١٥ً - إطالة القراءة في الركعة الأولى في كل الصلوات، على المفتى به عند الحنفية، وهو قول محمد.
١٦ً، ١٧ً - تكبير الركوع والسجود عند كل خفض ورفع، إلا في الرفع من الركوع فيسن التسميع، والتسبيح فيهما ثلاثًا: سبحان ربي العظيم في الركوع، سبحان ربي الأعلى في السجود.
١٨ً - أخذ ركبتيه بيده حال الركوع.
 
١٩ً - تفريج الرجل أصابع يديه في الركوع، والمرأة لا تفرجها.
٢٠ً،٢١ً - بسط ظهره في الركوع، وتسوية رأسه بعجزه.
٢٢ً،٢٣ً - الاعتدال مطمئنًا أو الرفع من الركوع والسجود.
٢٤ً - وضع الركبتين ثم اليدين ثم الوجه عند النزول للسجود، وعكسه عند الرفع منه.
٢٥ً - كون السجود بين كفيه، ووضع يديه حذو منكبيه.
٢٦ً - مجافاة أو مباعدة الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض في حال السجود.
٢٧ً - إلصاق المرأة بطنها بفخذيها في السجود.
٢٨ً - الجلوس بين السجدتين، والأصح أنه واجب عند الحنفية.
٢٩ً - وضع اليدين على الفخذين في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد.
٣٠ً - افتراش الرجل رجله اليسرى، ونصب اليمنى، مع توجيه أصابع القدم للقبلة في جلوس السجدتين والتشهد.
٣١ً - تورك المرأة: أن تجلس على أليتيها، وتضع إحدى فخذيها على الأخرى، وتخرج رجلها اليسرى من تحت وركها اليمنى، لأنه أستر لها.
٣٢ً - الإشارة بالسبابة عند الشهادة فقط، برفعها عند (لا إله) ووضعها عند: (إلا الله).
٣٣ً - قراءة الفاتحة فيما بعد الركعتين الأولين.
٣٤ً - الصلاة على النبي ﷺ في الجلوس الأخير،

والمختار في صفتها (١): «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» وهي الموافقة لما في الصحيحين وغيرهما.
٣٥ً - الدعاء بعد الصلاة على النبي ﷺ بما يشبه ألفاظ القرآن والسنة.
٣٦ً - الالتفات يمينًا ثم شمالًا بالتسليمتين.
٣٧ً - أن ينوي الإمام بالتسليمتين من خلفه من المصلين والملائكة الحفظة (٢) وصالحي الجن.
٣٨ً - أن ينوي المأموم الرد على إمامه في السلام في الجهة التي هو فيها، فإن كان في جهة اليمين نوى فيها، وإن كان في جهة اليسار نوى فيها، وإن حاذاه نواه في التسليمتين، مع القوم والملائكة وصالح الجن.
٣٩ً - أن ينوي المنفرد بسلامه الملائكة فقط؛ إذ ليس معه غيرهم.
٤٠ً - أن يخفض صوته في سلامه الثاني عن الأول.
٤١ً - مقارنته لسلام الإمام.
٤٢ً - أن يبدأ باليمين في سلامه.
(١) رد المحتار:٤٧٨/ ١.
(٢) الحفظة: أي الكرام الكاتبون. والحفظة تتغير، لحديث الصحيحين: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ..» وكاتب السيئات يفارق الإنسان عند جماع وخلاء وصلاة (الدر المختار ورد المحتار:٤٩٣/ ١).
 
٤٣ً - أن ينتظر المسبوق فراغ إمامه من سلامه الثاني، حتى يعلم أنه ليس عليه سجود سهو.

مذهب المالكية:
للصلاة سنن ومندوبات، وسننها أربع عشرة وهي ما يأتي (١):
١ً - قراءة آية بعد الفاتحة في الركعتين الأولى والثانية من الفرض الوقتي المتسع وقته. ويقوم مقام الآية بعض آية طويلة له بال نحو: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ [البقرة:٢٥٥/ ٢]، وإتمام السورة مندوب.
٢ً - القيام لقراءة ما زاد على الفاتحة في الفرض، فلو استند لشيء حال قراءتها بحيث لو أزيل لسقط، لم تبطل صلاته، أما إن جلس فقرأها جالسًا، فتبطل لإخلاله بهيئة الصلاة؛ لأن القيام في الفريضة فرض. أما القيام في النفل فهو سنة.
٣ً - الجهر في الصبح والجمعة وأولتي المغرب والعشاء.
٤ً - الإسرار في الظهر والعصر وأخيرة المغرب وأخيرتي العشاء. ويتأكد الجهر والإسرار بالفاتحة دون السورة بعدها.
وهذه السنن الأربع مخصوصة بالفرض، فلا تسن في النفل. وأقل جهرالرجل، والمرأة حيث لا أجانب: إسماع من يليه فقط، لو فرض أن بجانبه أحدًا متوسط السمع. وأقل السر للرجل والمرأة: حركة اللسان.
٥ً - كل تكبيرة غير تكبيرة الإحرام.
(١) الشرح الصغير:٣١٧/ ١ - ٣٢٢.
 
٦ً - كل لفظ «سمع الله لمن حمده» لإمام ومنفرد حال رفعه من الركوع، لا مأموم، فلا تسن في حقه، بل يكره له قولها.
٧ً - كل تشهد، سواء أكان الأول أم غيره، ولو في سجود سهو.
٨ً - كل جلوس تشهد.
٩ً - الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد الأخير، بأي لفظ كان، وأفضلها: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد).
١٠ً - السجود على صَدْر القدمين، وعلى الركبتين والكفَّيْن. والمشهور عند المالكية أن السجود الواجب إنما يكون على الجبهة.
١١ً - رد المقتدي السلام على إمامه، وعلى من يساره إن وجد، إن شاركه في ركعة فأكثر، لا أقل. ويجزئ في سلام الرد: «سلام عليكم» أو «وعليكم السلام».
١٢ً - جهر بتسليمة التحليل (١) فقط، دون تسليمة الرد.
١٣ً - إنصات المقتدي للإمام في حالة الجهر، حتى ولو سكت الإمام أو لم يسمعه المأموم.
١٤ً - الزائد على الطمأنينة الواجبة بقدر ما يجب.
وبه يتبين أن المالكية يتفقون مع الحنفية في تحديد السنن فيما عدا القيام للقراءة
(١) هي التسليمة التي يحل بها كل ما كان ممنوعًا في الصلاة.
 
والتشهد والجلوس له، والسجود على الأعضاء الستة، وإنصات المقتدي لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية.
ومندوبات الصلاة عند المالكية ثمانية وأربعون (١)، أهمها ما يأتي:
١ً - نية الأداء في الحاضرة، والقضاء في الفائتة.
٢ً - نية عدد الركعات.
٣ً - الخشوع، وهو استحضار عظمة الله تعالى وهيبته وأنه لا يعبد ولا يقصد سواه. واستحضار امتثال أمره بتلك الصلاة وهذا هو المندوب، وأما أصل الخشوع فواجب.
٤ً - رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام فقط، لا عند غيرها من ركوع ورفع منه.
٥ً - إرسال اليدين بوقار، وجاز قبضهما على الصدر في النفل، وكره القبض في الفرض، لما فيه من الاعتماد، أي كأنه مستند إلى شيء.
٦ً - إكمال سورة بعد الفاتحة، فلا يقتصر على بعضها، ولا على آية ولو طويلة.
٧ً - قراءة سورة في الركعة الثانية غير التي قرأها في الركعة الأولى، في صلاة الفرض، لا في النفل. ويكره تكريرالسورة في الركعتين في الفرض، كما يكره فيه قراءة سورتين في ركعة. ويجوز بالنفل قراءة أكثر من سورة بعد الفاتحة. والمعتمد أنه يكره أيضًا تكرير السورة في الركعة في النفل.
(١) الشرح الصغير:٣٢٣/ ١ - ٣٣٧.
 
٨ً - تطويل قراءة الصبح والظهر على أن تكون قراءة الظهر دون الصبح. وأول المفصل على المعتمد: الحجرات. والتطويل لمنفرد، وإمام جماعة محصورين طلبوا التطويل، وإلا فالتقصير في حق الإمام أفضل؛ لأن الناس قد يكون فيهم الضعيف وذو الحاجة.
٩ً - تقصير القراءة في العصر والمغرب، فيقرأ فيهما من قصار المفصَّل بدءًا من سورة: والضحى.
١٠ً - توسط القراءة في العشاء، وأوسط المفصل: عبس، وآخره سورة: والليل.
١١ً - تقصير الركعة الثانية عن الركعة الأولى في الزمن. وتجوز المساواة مع خلاف الأولى. ويكره تطويل الثانية عن الأولى.
١٢ً - إسماع المصلي نفسه في السر؛ لأنه أكمل، وللخروج من خلاف من أوجبه.
١٣ً - قراءة المأموم خلف الإمام في الصلاة السرية، وأخيرة المغرب، وأخيرتي العشاء.
١٤ً - تأمين المنفرد والمأموم مطلقًا أي في السرية والجهرية بعد: «ولا الضالين» إن سمع المأموم إمامه، وتأمين الإمام في الصلاة السرية فقط.
١٥ً - الإسرار بالتأمين لكل مصل.
١٦ً - تسوية ظهر المصلي في الركوع.
١٧ً - وضع اليدين على الركبتين في الركوع، وتمكين اليدين من الركبتين فيه أيضًا.
 
١٨ً - نصب الركبتين في الركوع، فلا يحنيهما قليلًا.
١٩ً - التسبيح في الركوع بأن يقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده) وفي السجود بأن يقول: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ولا يدعو ولا يقرأ في الركوع، ويدعو مع التسبيح في السجود.
٢٠ً - مباعدة (مجافاة) الرجل مِرْفقيه عن جنبيه، بأن يُجنِّح بهما تجنيحًا.
٢١ً - التحميد للمنفرد والمقتدي بأن يقول بعد (سمع الله لمن حمده): (اللهم ربنا ولك الحمد) وجاز حذف الواو، وإثباتها أولى. فالإمام لا يقول حال القيام: (ربنا ولك الحمد) كما لا يقول المأموم: (سمع الله لمن حمده) وإنما يقول بعد الاعتدال قائمًا: (ربنا) الخ، ويجمع المنفرد بينهما.
٢٢ً - التكبير حال الخفض للركوع أو السجود، وحال الرفع من السجود في السجدة الأولى، وحال القيام من التشهد الأول.
٢٣ً - تمكين الجبهة والأنف من الأرض في السجود. ويعتبر كالأرض ما اتصل بها من سطح كسرير أو سقف ونحوهما.
٢٤ً - تقديم اليدين على الركبتين حال الانحطاط للسجود، وبالعكس عند القيام للقراءة.
٢٥ً - وضع اليدين حذْو (أي قبالة) الأذنين أو قربَهما في سجوده، بحيث تكون أطراف أصابعهما حذو الأذنين.
٢٦ً - ضم أصابع اليدين ورؤوسها لجهة القبلة.
٢٧ً - مجافاة (مباعدة) الرجل في السجود بطنه عن فخذيه، فلا يجعل بطنه
 
عليهما ومجافاة مِرْفقيه عن رُكْبتيه، وضبْعيه (ما فوق المرفق إلى الإبط) عن جنبيه مباعدة وسطًا في الجميع.
وأما المرأة: فتكون منضمة في جميع أحوالها، سترًا لها.
٢٨ً - رفع العجز عن الرأس في السجود، فإن تساويا أو كان الرأس أعلى، لم تبطل الصلاة عند المالكية، وتبطل في الأصح عند الشافعية، والحنفية.
٢٩ً - الدعاء في السجود بما يتعلق بأمور الدين أو الدنيا أو الآخرة لنفسه أو لغيره خصوصًا أو عمومًا، بلا حدّ، بل بحسب ما يسر الله تعالى، كالتسبيح فيه، يندب بلا حد، ويقدم على الدعاء.
٣٠ً - الإفضاء (الافتراش) في الجلوس بين السجدتين أو في التشهد الأول أو الأخير: وهو جَعْل الرجل اليسرى مع الإلية على الأرض، وقدم اليسرى جهة الرِجْل اليمنى، ونَصْبُ قدم اليمنى على قدم اليسرى خلفها، وجعل باطن إبهام اليمنى على الأرض.
٣١ً - وضع الكفين في الجلوس على رأس الفخذين بحيث تكون رؤوس أصابعهما على الركبتين.
٣٢ً - تفريج الرجل الفخذين في الجلوس، فلا يلصقهما، بخلاف المرأة.
٣٣ً - عقد ما عدا السبابة والإبهام وهو الخنصر والبنصر والوسطى من اليمنى في جلوس التشهد مطلقًا (الأخير أو غيره) تحت الإبهام، مع مدّ السبابة والإبهام، وتحريك السبابة دائمًا يمينًا وشمالًا، من أول التشهد إلى آخره، تحريكًا وسطًا.
٣٤ً - القنوت (١) في صلاة الصبح بأي لفظ نحو: (اللهم اغفر لنا وارحمنا)
(١) أي الدعاء والتضرع.
 
ومحله قبل الركوع في الركعة الثانية، وندب إسراره ككل دعاء في الصلاة. وندب لفظه الوارد عن النبي ﷺ، وهو الذي اختاره الإمام مالك ﵁، وهو: «اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونَخْنَع لك، ونخلع (١) ونترك من يَكْفُرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد (٢)، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك، إن عذابك الجدَّ (٣) بالكافرين ملحق» (٤).
٣٥ً - الدعاء قبل السلام وبعد الصلاة على النبي ﷺ: بما أحب.
٣٦ً - إسرار الدعاء كالتشهد؛ لأن كل دعاء يندب إسراره.
٣٧ً - تعميم الدعاء؛ لأن التعميم أقرب للإجابة. ومن الدعاء العام: (اللهم اغفر لنا (٥) ولوالدينا ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزمًا) أي جزمًا. (اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، ربناآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) أي أعطنا هداية وعافية وصلاح حال في الدنيا، ولحوقًا بالأخيار وإدخالًا تحت شفاعة النبي المختار، في الآخرة، واجعل بيننا وبين النار وقاية، حتى لا ندخلها.
وأحسن الدعاء: ما ورد في الكتاب أو السنة، ثم ما فتح به على العبد.
(١) نخنع: أي نخضع ونذل لك. ونخلع: نترك كل شاغل يشغل عنك لقوله تعالى: ﴿ففروا إلى الله﴾ [الذاريات:٥٠/ ٥١].
(٢) نحفد: نجدّ لحضرتك.
(٣) الجدُّ: أي الحق.
(٤) هذه رواية الإمام مالك. وملحق: اسم فاعل أو اسم مفعول أي لاحق بهم أو ملحق.
(٥) أي معاشر الحاضرين في الصلاة.
 
٣٨ً - تيامن المأموم بتسليمة التحليل كلها فقط. وأما الإمام والمنفرد فيشير عند النطق بها للقبلة، ويختمها بالتيامن عند النطق بالكاف والميم من (عليكم) حتى يرى من خلفه صفحة وجهة.
٣٩ً - سترة لإمام ومنفرد على الراجح. وأما المأموم: فالإمام سترته. والسترة: ما يجعله المصلي أمامه لمنع المارين بين يديه. وسنفصل الكلام فيها.

مذهب الشافعية:
السنن عندهم كما ذكرنا نوعان: أبعاض ثمانية سردناها، بل هي عشرون نذكرها في بحث سجود السهو. وهيئات منها أربعون (١) أهمها ما يأتي، علمًا بأنهم كالحنابلة لا يفرقون بين السنة والمندوب والمستحب.
١ - رفع يديه حذو (مقابل) منكبيه في تحرُّم وركوع ورفع منه، كما روى الشيخان، ومعناه: أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه. والأصح رفع يديه مع ابتداء التكبير والتسميع.
٢ - إمالة أطراف الأصابع نحو القبلة، وتفريجها.
٣ - وضع يمين على شمال، وجعلهما تحت صدره وفوق سرته، اتباعًا للسنة كما روى ابن خزيمة.
٤، ٥ - دعاء افتتاح وتعوذ بفرض أو نفل، والافتتاح نحو «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي
(١) تحفة الطلاب للأنصاري: ص٤٤ - ٤٩، حاشية الشرقاوي على التحفة:١٩٩/ ١ - ٢١٥، مغني المحتاج:١٥٢/ ١ - ١٨٤.
 
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين» (١).
٦، ٧ - جهر وإسرار بقراءة الفاتحة والسورة في محلهما المعروف، اتباعًا كما روى الشيخان، وفي الصبح والجمعة والعيدين وخسوف القمر والاستسقاء وأوَّلَتي العشاءين، والتراويح، ووتر رمضان، وركعتي الطواف ليلًا، أو وقت الصبح. والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة فيتوسط فيها بين الجهر والإسرار، إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه.
والعبرة في قضاء الفريضة بوقت القضاء على المعتمد. والتوسط في نافلة الليل، أي بين الجهر والإسرار، لقوله تعالى: ﴿ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها﴾ [الإسراء:١١٠/ ١٧]، وجهر المرأة دون جهر الرجل إذا لم تكن بحضرة أجانب.
٨ - تأمين عقب قراءة الفاتحة، وجهر به في جهرية. أما السرية فيسر كل مصل به.
ويلاحظ أن هناك أحوالًا خمسة يجهر فيها المأموم خلف الإمام: وهو التأمين مع إمامه، ودعاؤه في قنوت الصبح، وفي قنوت الوتر في النصف الأخير من رمضان، وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس، وإذا فتح على إمامه.
٩ - قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين (٢) للإمام وغيره، إلا المأموم في الجهرية إذا جهر إمامه، فتكره السورة له، وإلا فاقد الطهورين ذا الحدث الأكبر، ومصلي الجنازة، وإلا المسبوق، فله القراءة في الركعتين الثالثة والرابعة من صلاة نفسه؛ لأن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته.
(١) رواه مسلم إلا لفظ (مسلمًا) فابن حبان.
(٢) رواه الشيخان في الظهر والعصر، وقيس بهما غيرهما.
 
وأقل القراءة: آية طويلة أو ثلاث آيات كالكوثر.
ويسن تطويل قراءة الركعة الأولى عن الثانية، كما يسن كون السورتين متواليتين، وعلى ترتيب المصحف، وعكسه خلاف الأفضل.
ويحصل أصل السنة بقراءة شيء من القرآن، لكن السورة أحب، وإن كانت أقصر، إلا في التراويح فقراءة بعض السورة الطويلة أفضل؛ لأن السنة فيها القيام بجميع القرآن.
والمتنفل بركعتين تسن له السورة أيضًا، فإن تنفل بأكثر من ركعتين، فالأصح الذي أفتى به الأكثرون عدم استحباب السورة في الركعتين الثالثة والرابعة كالفريضة، وهذا خلافًا للحنفية.
ويستحب في ركعتي سنة الصبح التخفيف، فيقرأ في الأولى: ﴿قولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا...﴾ (الآية:١٣٦ من البقرة)، وفي الثانية: ﴿قل: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء...﴾ (الآية: ٦٤ من آل عمران) كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي ﷺ.
وفي رواية لمسلم: «يقرأ فيهما: قل: ياأيه االكافرون، وقل: هو الله أحد» (١).
ويسن لصبح الجمعة في الأولى: ﴿الم﴾ [السجدة:١/ ٣٢]، وفي الثانية: ﴿هل أتى﴾ [الإنسان:١/ ٧٦]، اتباعًا للسنة (٢). فإن ترك ﴿الم﴾ في الأولى، سن أن يأتي بها في الثانية. وأن اقتصر على بعضهما، أو قرأ غيرهما، خالف السنة. وإن ضاق الوقت عنهما، أتى بالممكن، ولوآية السجدة، وبعض ﴿هل أتى﴾. وقال بعض الشافعية: لا تستحب المداومة عليهما ليعرف أن ذلك غير واجب.
(١) المجموع:٣٤٩/ ١ - ٣٥٢.
(٢) رواه الشيخان.
 
١٠ - التكبير في كل خفض ورفع من غير ركوع (١)، إلا تكبيرة الإحرام فإنها فرض.
١١ - وضع راحتيه على ركبتيه في الركوع، وتفرقة أصابعه للقبلة حالة الوضع (٢)
١٢ - التسبيح في الركوع ثلاثًا: (سبحان ربي العظيم) (٣) مع زيادة «وبحمده» وهو أدنى الكمال.
١٣ - التسميع أي قول: (سمع الله لمن حمده) (٤) لكل مصل إمامًا أو غيره عند رفعه من الركوع، ويسن الجهر به للإمام والمبلِّغ إن احتيج إليه؛ لأنه من أذكار الانتقال، ولا يجهر بقوله: (ربنا لك الحمد) كالتسبيح وغيره من الأذكار. لكن قد عمت البلوى بالجهر به، وترك الجهر بالتسميع؛ لأن أكثر الأئمة والمؤذنين صاروا جهلة بسنة سيد المرسلين.
وإذا انتصب المصلي معتدلًا قائمًا أرسل يديه، وقال: «ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد» (٥)، ويزيد المنفرد وإمام جماعة التطويل: «أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد» (٦).
(١) ثبت ذلك في الصحيحين من فعله ﷺ.
(٢) الأول رواه الشيخان، والثاني رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.
(٣) رواه أبو داود.
(٤) أي تقبل منه حمده، وجازاه عليه، وقيل: غفر له، رواه الشيخان مع خبر «صلوا كما رأيتموني أصلي».
(٥) أخرجه البخاري ومسلم من رواية رفاعة بن رافع.
(٦) رواه مسلم.
 
١٤ - أن يضع في سجوده ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه (١).
١٥ - التسبيح في السجود ثلاثًا: «سبحان ربي الأعلى» (٢) مع إضافة «وبحمده» وهو أدنى الكمال.
١٦ - وضع يديه حِذْو منكبيه في السجود، وضم أصابعه منشورة نحو القبلة (٣).
١٧ - مجافاة الرجل عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه في ركوعه وسجوده. أما المرأة والخنثى فلا يجافيان، بل يضمان بعضهما إلى بعض؛ لأنه أستر لها، وأحوط للخنثى. ويسن أيضًا تفرقة ركبتيه وكذا قدميه بشبر (٤).
١٨ - توجيه المصلي رجلًا كان أو غيره أصابع رجليه نحو القبلة (٥).
١٩ - الدعاء في الجلوس بين السجدتين: بأن يقول: (ربي اغفر لي وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني واهدني وعافني) (٦)
٢٠ - الافتراش في جلوسه بين سجدتيه، وفي جلوس تشهد أول: بأن يجلس على يسراه، وينْصِبَ يمناه (٧).والحكمة: أن المصلي مستوفز للحركة غالبًا، والحركة عن الافتراش أهون.
(١) رواه الترمذي وحسنه.
(٢) رواه بلا تثليث مسلم، ورواه أبو داود بالتثليث.
(٣) الأول رواه أبو داود وصححه النووي. والضم والنشر رواه البخاري.
(٤) ثبت في الأحاديث الصحيحة.
(٥) رواه البخاري.
(٦) روى بعضه أبو داود، وباقيه ابن ماجه.
(٧) رواه الترمذي وصححه في الجلوس بين السجدتين، ورواه البخاري في جلوس التشهد.
 
١٤ - أن يضع في سجوده ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه (١).
١٥ - التسبيح في السجود ثلاثًا: «سبحان ربي الأعلى» (٢) مع إضافة «وبحمده» وهو أدنى الكمال.
١٦ - وضع يديه حِذْو منكبيه في السجود، وضم أصابعه منشورة نحو القبلة (٣).
١٧ - مجافاة الرجل عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه في ركوعه وسجوده. أما المرأة والخنثى فلا يجافيان، بل يضمان بعضهما إلى بعض؛ لأنه أستر لها، وأحوط للخنثى. ويسن أيضًا تفرقة ركبتيه وكذا قدميه بشبر (٤).
١٨ - توجيه المصلي رجلًا كان أو غيره أصابع رجليه نحو القبلة (٥).
١٩ - الدعاء في الجلوس بين السجدتين: بأن يقول: (ربي اغفر لي وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني واهدني وعافني) (٦)
٢٠ - الافتراش في جلوسه بين سجدتيه، وفي جلوس تشهد أول: بأن يجلس على يسراه، وينْصِبَ يمناه (٧).والحكمة: أن المصلي مستوفز للحركة غالبًا، والحركة عن الافتراش أهون.
٢١ - جلوس استراحة: بعد سجدة ثانية يقوم عنها مفترشًا (٨)، وذلك بقدر الطمأنينة، ولا يضر زيادتها على قدر الجلوس بين السجدتين على المعتمد. ويأتي بها المأموم وإن تركها الإمام.
٢٢ - الاعتماد على الأرض بيديه عند قيامه من جلوسه (٩)، أو سجوده؛ لأنه أبلغ في الخشوع والتواضع، وأعون للمصلي.
٢٣ - رفع يديه عند قيامه من تشهد أول (١٠).
٢٤ - تورك في التشهد الأخير: بأن يلصق وركه الأيسر بالأرض، وينصب رجله اليمنى (١١)، إلا أن يريد سجود سهو، أو يطلق بأن لم يرده ولا عدمه، فيفترش، لاحتياجه إلى السجود بعد.
٢٥ - وضع يديه على فخذيه، وقبض أصابع يده اليمنى، إلا المسبّحة، فيشير بها منحنية عند «إلا الله» بلا تحريك، وينشر أصابع اليسرى مضمومة (١٢).
٢٦ - ألا يجاوز بصرُه إشارته بالمسبحة (١٣).
٢٧ - التعوّذ من العذاب بعد التشهد الأخير (١٤)، ويسن الدعاء بغير ذلك كاللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت
(١) رواه الترمذي وحسنه.
(٢) رواه بلا تثليث مسلم، ورواه أبو داود بالتثليث.
(٣) الأول رواه أبو داود وصححه النووي. والضم والنشر رواه البخاري.
(٤) ثبت في الأحاديث الصحيحة.
(٥) رواه البخاري.
(٦) روى بعضه أبو داود، وباقيه ابن ماجه.
(٧) رواه الترمذي وصححه في الجلوس بين السجدتين، ورواه البخاري في جلوس التشهد.
(٨) رواه البخاري في الاستراحة. وأما الافتراش فرواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
(٩) رواه البخاري.
(١٠) رواه الشيخان.
(١١) رواه البخاري.
(١٢) رواه مسلم إلا «عدم التحريك» فأبو داود.
(١٣) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(١٤) لخبر مسلم السابق: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال».
 
أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا كبيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
٢٩،٢٨ - التسليمة الثانية (١)، ونية الخروج من الصلاة من أول التسليمة الأولى، فلو نوى الخروج قبل ذلك، بطلت صلاته، وإن نواه في أثنائها أو بعدها لم تحصل السنة.
٣٠ - تحويل وجهه يمينًا وشمالًا في تسليمتيه، حتى يرى في الأولى خده الأيمن، وفي الثانية خده الأيسر (٢). وينوي السلام على من عن يمينيه وشماله ومحاذيه من ملائكة ومؤمني إنس وجن. ويسن أن يدرج السلام ولا يمده، وأن يسلم المأموم بعد سلام الإمام، ولو قارنه جاز كبقية الأركان إلا تكبيرة الإحرام.
٣١ - الاستياك ولو بِخرقة لا أصبعه عند قيامه إلى الصلاة (٣) ولو لفاقد الطهورين إلا بعد الزوال للصائم، فيكره له. وقد سبق تفصيل الكلام في السواك، وهو من السنن الخارجة عن الصلاة.
٣٢ - الخشوع في الصلاة كلها: وهو حضور القلب وسكون الجوارح: بأن يستحصر أنه بين يدي الله تعالى، وأن الله مطلع عليه، لقوله تعالى: ﴿قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ [المؤمنون:١/ ٢٣ - ٢]، وقوله ﷺ: «ما من عبد مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بوجهه وقلبه إلا وجبت له الجنة» (٤) وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: «أن
(١) رواه مسلم.
(٢) رواه ابن حبان في صحيحه.
(٣) لخبر الصحيحين السابق: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» أي أمر إيجاب.
(٤) رواه مسلم.
 
النبي ﷺ رأى رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (١).
٣٣ - تدبر القراءة: أي تأملها؛ لأن بذلك يحصل مقصود الخشوع والأدب، قال تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها﴾ [سورة سيدنا محمد:٢٤/ ٤٧] ويسن ترتيل القراءة: وهو التأني فيها، ويكره تركه والإسراع في القراءة.
ويسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله الرحمة، أو بآية عذاب أن يستعيذ منه (٢)، أو بآية تسبيح أن يسبح، أو بآية مَثَل أن يتفكر. وإذا قرأ: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾ [التين:٨/ ٩٥]، قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين؛ وإذا قرأ: ﴿فبأي حديث بعده يؤمنون﴾ [المرسلات:٥٠/ ٧٧] قال: آمنت بالله؛ وإذا قرأ: ﴿فمن يأتيكم بماء معين؟﴾ [الملك:٣٠/ ٦٧]، قال: الله رب العالمين.
٣٤ - تدبر الذِّكر: قياسًا على القراءة.
٣٥ - دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب من الشواغل الدنيوية: للذم على ترك الأول، قال تعالى في صفة المنافقين: ﴿وإذا قاموا إلى الصلاة، قاموا كسالى﴾ [النساء:١٤٢/ ٤]، والكسل: الفتور عن الشيء والتواني فيه، وضده النشاط، ولأن فراغ القلب أعون على الخضوع والخشوع.
(١) رواه الترمذي: وهو ضعيف.
(٢) روى أحمد عن عائشة قالت: «كنت أقوم مع رسول الله ﷺ ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله ﷿ واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ﷿ ورغب إليه» (نيل الأوطار:٣٢٣/ ٢).
 
ويكره أن يفكر في صلاته في أمر دنيوي أو مسألة فقهية. أما التفكر في أمور الآخرة، فلا بأس به، وأما فيما يقرؤه فمستحب.
٣٦ - تنبيه الإمام على الخطأ في صلاته ونحو ذلك (١):
يسن للرجل الذي نابه شيء في صلاته، كتنبيه إمامه لنحو سهو، وإذنه لداخل استأذن في الدخول عليه، وإنذاره أعمى مخافة أن يقع في محذور أو نحو ذلك كغافل وغير مميز، ومن قصد ظالم أو نحوسبع: أن يسبح فيقول: «سبحان الله» بشرط ألا يقصد التنبيه وحده، وإلا بطلت الصلاة.
وأما المرأة: فتصفق بضرب بطن اليمين على اليسار، أو عكسه.
والدليل هو خبر الصحيحين: «من نابه شيء في صلاته، فليسبح، وإنما التصفيق للنساء» (٢) ومثلهن الخناثى ..
وهذه سنة متفق عليها، إلا أن المالكية قالوا: الشأن لمن نابه شيء وهو يصلي التسبيح (سبحان الله) ويكره التصفيق للمرأة.

الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل في الصلاة: 

ذكر الشافعية أربعة أمور تخالف فيها المرأة الرجل في الصلاة يمكن ملاحظتها مما سبق، وهي ما يأتي (٣):
١ً - الرجل يجافي مرفقيه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه في الركوع والسجرد. والمرأة تضم بعضها إلى بعض، فتلصق بطنها بفخذيها وتضم ركبتيها وقدميها في ركوعها وسجودها؛ لأنه أستر لها.
(١) مغني المحتاج:١٩٧/ ١ ومابعدها، المغني:١٧/ ٢ومابعدها، كشاف القناع:٤٤٤/ ١، فتح القدير:٢٨٥/ ١، الشرح الصغير:٣٤٢/ ١.
(٢) رواه أيضًا النسائي وأبو داود (نيل الأوطار:٣٢٠/ ٢).
(٣) حاشية الباجوري:١٧٨/ ١ - ١٨١.
 
٢ً - يجهر الرجل في موضع الجهر، ويسر في موضع الإسرار، كما بينا سابقًا، وتخفض المرأة صوتها إن صلت بحضرة الرجال الأجانب، بحيث لا يسمعها من صلت بحضرته من الأجانب، دفعًا للفتنة، وإن كان الأصح أن صوتها ليس بعورة، فلا يحرم سماع صوت المرأة ولو مغنية، إلا عند خوف الفتنة، بأن كان لو اختلى الرجل بها، لوقع بينهما مُحرَّم.
٣ً - إذا ناب الرجل شيء في الصلاة سبَّح، فيقول: «سبحان الله» بقصد الذكر فقط أو مع الإعلام، أو أطلق، ولا تبطل صلاته، لكن إن قصد الإعلام فقط بطلت صلاته.
أما المرأة إذا نابها شيء في الصلاة، فتصفق، وإن كانت خالية عن الرجال الأجانب على المعتمد، بضرب بطن اليمين على ظهر الشمال، فلو ضربت بطنًا ببطن بقصد اللعب، ولو قليلًا، مع علم التحريم، بطلت صلاتها، فلو لم تقصد اللعب لم تبطل صلاتها. والخنثى كالمرأة في التصفيق والضم وغيرهما.
ولا يضر التصفيق وإن كثر وتوالى حيث كان بقدر الحاجة. وكذا لو صفق الرجل فإنه لا يضر وإن كثر وتوالى، ولا تبطل الصلاة؛ لأن الفعل خفيف، فأشبه تحريك الأصابع في سبحة، أو لنحو جرب.
ولا تبطل الصلاة بالتصفيق ولو بقصد الإعلام، ولو من الرجل على المعتمد، بخلاف التسبيح بقصد الإعلام فإنه يبطل الصلاة؛ لأن التسبيح لفظ يصلح لقصد الذكر، والتصفيق فعل لا يصلح له.
أما التصفيق خارج الصلاة فيكره بلا قصد اللعب على المعتمد عند الرملي، ولو بقصد اللعب على المعتمد عند ابن حجر، وذلك منعًا من التشبه بالعرب في
 
الجاهلية: ﴿وما كان صلاتُهم عند البيت إلا مُكاءً وتصدية، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ (١).
٤ً - عورة الرجل: ما بين سرته وركبته في الصلاة والطواف وأمام الرجال الأجانب والنساء المحارم. أما عند النساء الأجانب فعورته جميع بدنه، وعورته في الخلوة: السوأتان فقط. والأمة كالرجل.
وليست السرة والركبة من العورة، لكن يجب ستر جزء منهما ليتحقق ستر العورة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.
وجميع بدن المرأة الحرة في الصلاة عورة إلا وجهها وكفيها، أما خارج الصلاة فعورتها جميع البدن.

مذهب الحنابلة:
سنن الصلاة عندهم ثلاث وسبعون، وهي قسمان: قولية وفعلية (٢). السنن القولية سبع عشرة، وقد ذكرناها في بدء البحث، والسنن الفعلية ست وخمسون تقريبًا أهمها ما يأتي، علمًا بأنهم كالشافعية لا يفرقون بين السنة والمندوب والمستحب.
١، ٢، ٣ - رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام: بأن تكون مبسوطة (ممدودة الأصابع) مضمومة الأصابع، مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه عند الإحرام.
٤ - جهر الإمام بتكبيرة الإحرام، بحيث يسمع المأمومون ليكبروا، فإنهم لا يجوزون التكبير إلا بعد تكبيره.
(١) الآية٣٥ من الأنفال. والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق.
(٢) كشاف القناع:٤٥٠/ ١،٤٥٧ - ٤٦٠، المغني:٤٦٢/ ١ - ٥٥٩.
 
٥، ٦ - رفع اليدين على الهيئة السابقة عند الركوع وعند الرفع من الركوع، وحطهما عقب ذلك.
٧، ٨ - وضع اليمين على كوع (١) الشمال، حال القيام والقراءة، وجعلهما تحت سرته بعد إحرامه.
٩ - نظر المصلي إلى موضع سجوده حال قيامه.
١٠، ١١ - ترتيل القراءة والتخفيف فيها للإمام، للحديث السابق: «من أم بالناس فليخفف».
١٢، ١٣ - إطالة الركعة الأولى، وتقصير الركعة الثانية في غير صلاة الخوف.
١٤ - تفريج المصلي بين قدميه حال قيامه يسيرًا.
١٥، ١٦ - قبض ركبتيه بيديه حال الركوع، مفرجتي الأصابع.
١٧، ١٨ - مد ظهره مستويًا، وجعل رأسه حيال ظهره، فلا يخفضه ولا يرفعه.
١٩ - مجافاة عضديه عن جنبيه في الركوع.
٢٠، ٢١ - البدء في سجوده بوضع ركبتيه قبل يديه، ورفع يديه أولًا في القيام من السجود.
٢٢، ٢٣ - تمكين كل أعضاء السجود من الأرض، أي تمكين كل جبهته،
(١) الكوع: هو العظم الذي يلي إبهام اليد، والبوع: العظم الذي يلي إبهام الرجل، والكرسوع: العظم الذي يلي خنصر اليد، والرسغ: المفصل بين الكف والساعد.
 
وكل أنفه وأطرافه، ومباشرة المصلَّى بيديه وجبهته بأن لا يكون ثم حائل متصل به، وعدم المباشرة بركبتيه.
٢٤ - مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه في السجود.
٢٥ - التفريق بين ركبتيه في سجوده، ونصب قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة في السجود وفي الجلوس بين السجدتين أو للتشهد.
٢٦ - وضع يديه في السجود حذو منكبيه، مبسوطة الأصابع.
٢٧ - توجيه أصابع يديه في السجود مضمومة نحو القبلة.
٢٨ - القيام من السجود إلى الركعة الثانية على صدور قدميه، معتمدًا بيديه على ركبتيه في النهوض لبقية صلاته، إلا أن يشق عليه، فيعتمد على الأرض.
٢٩، ٣٠، ٣١ - الافتراش في الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول، والتورك في التشهد الثاني.
٣٢ - ٣٥ - وضع اليدين على الفخذين، مبسوطتين، مضمومتي الأصابع، مستقبلًا بها القبلة، في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول والثاني.
٣٦ - قبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى، وتحليق إبهامه مع الوسطى في التشهد مطلقًا.
٣٧ - الإشارة بالسبابة عند ذكر الله تعالى في التشهد.
٣٨، ٣٩ - ضم أصابع اليسرى في التشهد، وجعل أطراف أصابعها جهة القبلة.
 
٤٠ - الإشارة بوجهه نحو القبلة في ابتداء السلام.
٤١، ٤٢ - الالتفات يمينًا وشمالًا في تسليمه، وزيادة التفات اليمين على الشمال.
٤٣ - أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، كما قال الشافعية.
٤٤ - الخشوع في الصلاة: للآية السابقة: ﴿الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ [المؤمنون:٢/ ٢٣]
وللحديث السابق وقول النبي ﷺ في العابث بلحيته: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه»
والخشوع: معنى يقوم في االنفس يظهر منه سكون الأطراف.
والمرأة فيما فيما تقدم كالرجل إلا أنها لا يسن لها المجافاة السابقة في الركوع والسجود، بل السنة لها أن تجمع نفسها، وتجلس مسدلة رجلها عن يمينها، وهو الأفضل. ويجب عليها الإسرار بالقراءة إن كان يسمعها أجنبي. والخنثى المشكل كالأنثى.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية