الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل الرابع: شروط الصلاة علي المذاهب الأربعة الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزُّحَيْلِيّ

 
الشرط في اللغة: فهو العلامة، وفي الشريعة: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء

اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات
  1. الفصل الرابع: شروط الصلاة
  2. شروط وجوب الصلاة
    1. الإسلام
    2. البلوغ
    3. العقل
    4. زوال الأعذار أو الموانع في أثناء وقت الصلاة
    5. حدوث الأعذار في وقت الصلاة بعد مضي قدر ما يسعها
  3. شروط صحة الصلاة
    1. الشرط الأول - معرفة دخول الوقت
    2. الشرط الثاني ـ الطهارة عن الحدثين
    3. الشرط الثالث ـ الطهارة عن الخبث
  4. مسائل متفرعة على طهارة الثوب والبدن والمكان
    1. أولا ـ طهارة الثوب والبدن
    2. ثانيا ـ طهارة المكان
    3. الشرط الرابع ـ ستر العورة
  5. شروط الساتر
  6. الصلاة في الثوب الحرام
  7. عادم الساتر
  8. انكشاف العورة فجأة
  9. صلاة العراة جماعة
  10. حد العورة
    1. مذهب الحنفية
    2. مذهب المالكية
    3. مذهب الشافعية
    4. مذهب الحنابلة
  11. عورة المرأة مع محارمها الرجال
  12. عورة المسلمة أمام الكافرة
  13. العورة المنفصلة
  14. صوت المرأة
  15. عورة المرأة أمام أقاربها المحارم أو النساء المسلمات
  16. حد عورة الصغير
  17. الشرط الخامس ـ استقبال القبلة
    1. الاجتهاد في القبلة
    2. الخطأ في الاجتهاد
    3. الصلاة في الكعبة
    4. صلاة النافلة على الراحلة للمسافر
  18. الشرط السادس ـ النية
    1. شروط النية
    2. مقارنة النية للتكبير
    3. تعيين المنوي
    4. محل النية
  19. آراء الفقهاء في النية
    1. الحنفية
    2. المالكية
    3. الشافعية
    4. الحنابلة
  20. الشك في النية
  21. تغيير النية
    1. الشرط السابع والثامن: الترتيب في أداء الصلاة، وموالاة أفعالها
    2. الشرط التاسع: ترك الكلام الأجنبي عن الصلاة
    3. الشرط العاشر ـ ترك الفعل الكثير من غير جنس الصلاة
    4. الشرط الحادي عشر ـ ترك الأكل والشرب
  22.  العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
 
الفَصْلُ الرَّابع: شروطُ الصَّلاة تتوقف صحة الصلاة على توافر شروط وأركان معينة لها.
أما الشرط في اللغة: فهو العلامة، وفي الشريعة: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، وكان خارجًا عن حقيقته أو ماهيته.
وأما الركن في اللغة: فهو الجانب الأقوى، وفي الاصطلاح: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، وكان جزءًا ذاتيًا تتركب منه الحقيقة أو الماهية. ويطلق على كل من الشرط والركن وصف الفرضية، فكل منهما فرض، لذا عنون بعض الفقهاء لهذا البحث بفروض الصلاة.
والشرطان نوعان: شروط تكليف أو وجوب، وشروط صحة أو أداء، وشروط الوجوب: هي ما يتوقف عليها وجوب الصلاة كالبلوغ عاقلًا، وشروط الصحة: هي ما يتوقف عليها صحة الصلاة كالطهارة.

شروط وجوب الصلاة:
تجب الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل، لا مانع عنده كالحيض والنفاس، فتكون شروط وجوب الصلاة ثلاثة (١):
(١) مراقي الفلاح: ص٢٨، القوانين الفقهية: ص٤٤، الشرح الصغير:٢٣١/ ١، ٢٣٣،٢٦٠ - ٢٦٥، الشرح الكبير:٢٠١/ ١، مغني المحتاج:١٣٠/ ١ - ١٣٢، المهذب:٥٣/ ١ ومابعدها، المغني:٣٩٦/ ١ - ٤٠١،٦١٥، كشاف القناع:٣٠٦/ ١،٣٦٤، المحرر في الفقه الحنبلي:٢٩/ ١ - ٣٣.
 
١ً - الإسلام: 
تجب الصلاة على كل مسلم ذكر أو أنثى، فلا تجب على كافر عند الجمهور وجوب مطالبة بها في الدنيا، لعدم صحتها منه، لكن تجب عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة، لتمكنه من فعلها باعتناق الإسلام؛ لأن الكافر عند الجمهور مخاطب بفروع الشريعة أو الإسلام في حال كفره.
ولا تجب عند الحنفية على الكافر، بناء على مبدئهم في أن الكافر غير مطالب بفروع الشريعة، لا في حكم الدنيا ولا في حكم الآخرة.
ولا قضاء بالاتفاق على الكافر إذا أسلم، لقوله تعالى: ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفَر لهم ما قد سلف﴾ [الأنفال:٣٨/ ٨] ولقوله ﷺ: «الإسلام يجبُّ ما قبله» (١) أي يقطعه، والمراد أنه يذهب أثر المعاصي التي قارفها حال كفره. أما المرتد فيلزمه عند غير الحنفية قضاء الصلاة بعد إسلامه تغليظًا عليه، ولأنه التزمها بالإسلام، فلا تسقط عنه بالجحود كحقوق الآدميين المالية. ولا قضاء عليه عند الحنفية كالكافر الأصلي.
وأما الطاعات وأفعال الخير التي يفعلها الكافر: فلا تنفعه في الآخرة إن مات كافرًا لقوله تعالى: ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل، فجعلناه هباء منثورًا﴾ [الفرقان:٢٣/ ٢٥].
وأما في الدنيا فتنفعه في سعة رزقه ومعيشته.
وإن أسلم يثاب عليها ولا يجُبُّها (يقطعها) الإسلام، لحديث حكيم بن حزام عند مسلم وغيره: أنه قال لرسول الله ﷺ: أرأيت أمورًا كنت أتحنث بها في
(١) رواه أحمد والطبراني والبيهقي عن عمرو بن العاص. وأخرج مسلم في صحيحه معناه من حديث عمرو أيضًا بلفظ: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله» (نيل الأوطار:٢٩٩/ ١).
 
الجاهلية، هل لي فيها من شيء؟ فقال له رسول الله ﷺ: أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير» وقال ﵇: «إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زَلِفها - أي قدمها - وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مئة ضعف، والسيئة
بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها» (١).
وقال النووي: الصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم الإجماع فيه أن الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم ومات على الإسلام، أن ثواب ذلك يكتب له (٢).

٢ً- البلوغ: 
لا تجب الصلاة على الصبي، لقوله ﷺ: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» (٣).
ولكن يؤمر الصغير ذكرًا أو أنثى بالصلاة، تعويدًا له، إذا بلغ سبع سنين أي صار مميزًا، ويضرب - باليد لا بخشبة بما لا يزيد عن ثلاث ضربات إن أفاد وإلا فلا - على تركها لعشر سنين زجرًا له، لقوله ﷺ: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع» (٤) أي بحيث لا يشملهم ساتر واحد مع التجرد، فإن استقل كل منهم بساتر فلا يمنع والتفريق لعشر أمر مندوب، ويحرم تلاصق البالغين بعورتيهما بقصد اللذة، ويكره من غير لذة كتلاصقهم بالصدر.
(١) رواه البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري.
(٢) نيل الأوطار: (٣٠٠/ ١).
(٣) رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر، وهو صحيح. ورواه أحمد وأبو داود والحاكم والنسائي وابن ماجه أيضًا عن عائشة بلفظ: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر» (نيل الأوطار:٢٩٨/ ١ ومابعدها).
(٤) رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمرو، وهو صحيح (نيل الأوطار:٢٩٨/ ١). والأمر موجه للولي لا للصغير، لقوله تعالى: ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها﴾ [طه:١٣٢/ ٢٠]، ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا ...﴾ [التحريم:٦/ ٦٦].
 
٣ً - العقل: 
فلا تجب الصلاة عند الجمهور غير الحنابلة على المجنون والمعتوه ونحوهما كالمغمى عليه إلا إذا أفاقوا في بقية الوقت؛ لأن العقل مناط التكليف، كما ثبت في الحديث السابق: «عن المجنون حتى يبرأ» لكن يسن لهم القضاء عند الشافعية. وقال الحنابلة: يجب القضاء على من تغطى عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح، لأن ذلك لا يسقط الصوم، فكذا الصلاة.
ولا تطلب الصلاة ولا تقضى من حائض ونفساء، ولو طرّحت نفسها بضرب أو دواء ونحوها.
ويجب القضاء على السكران، لتعديه بالسكر.
ويجب القضاء على نائم ويجب إعلامه إذا ضاق الوقت، ودليل القضاء حديث: «من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» (١) وهذا دليل على وجوب قضاء الصلوات المفروضة المتروكة عمدًا أو سهوًا، مهما طال الزمان.
قال النووي في المجموع: ويسن إيقاظ النائم للصلاة ولا سيما إذا ضاق وقتها، ففي سنن أبي داود «أن النبي ﷺ خرج يومًا إلى الصلاة، فلم يمر بنائم إلا أيقظه» وكذا إذا رآه أمام المصلين، أو كان نائمًا في الصف الأول، أو محراب المسجد، أو كان نائمًا على سطح لا حجاز له، لورود النهي عنه، أو كان نائمًا
(١) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
 
بعضه في الشمس وبعضه في الظل، أو كان نائمًا بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، أو كان نائمًا قبل صلاة العشاء، أو بعد صلاة العصر، أو نام خاليًا وحده، أو كانت المرأة نائمة مستلقية ووجهها إلى السماء، أو نام الرجل منبطحًا فإنها ضجعة يبغضها الله، ويستحب أن يوقظ غيره لصلاة الليل، وللتسحر، والنائم بعرفات، وقت الوقوف؛ لأنه وقت طلب وتضرّع. قال الإسنوي: وهذا بخلاف ما لو رأى شخصًا يتوضأ بماء نجس، فإنه يلزمه إعلامه.

زوال الأعذار أو الموانع في أثناء وقت الصلاة:
إذا زالت هذه الأسباب المانعة من وجوب الصلاة، فبلغ الصبي، أو أفاق المجنون، أو طهرت الحائض أوالنفساء، أو أسلم الكافر، وبقي من الوقت عند الحنابلة والشافعية في الأظهر قدر تكبيرة الإحرام، فأكثر، وجب قضاء الصلاة. كما يجب عند جمهور الفقهاء غير الحنفية قضاء الصلاة الأخرى التي يمكن جمعها مع الصلاة التي زال المانع في وقتها.
فإن زال المانع بمقدار تكبيرة الإحرام عند الشافعية والحنابلة في آخر وقت العصر، وجب قضاء الظهر أيضًا، وإن زال المانع في آخر وقت العشاء، وجب قضاء المغرب أيضًا؛ لاتحاد وقتي الظهر والعصر، ووقتي المغرب والعشاء في العذر، ففي الضرورة أولى. وذلك بشرط أن يخلو الشخص من الموانع قدر الطهارة، والصلاتين أخف ما يجزئ، كركعتين في صلاة المسافر.
أما المالكية فقالوا: إن أدرك قدر خمس ركعات في الحضر، وثلاث في السفر من وقت الثانية وجبت الأولى أيضًا؛ لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر، فوجبت بإدراكه، كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار، بخلاف ما لو أدرك دون ذلك.
 
وإن أدرك قدر ركعة فقط، وجبت الأخيرة وسقطت الأولى.
وإن بقي من الوقت ما يسع أقل من ركعة، سقطت الصلاتان.
وقال الحنفية: لا تجب إلا الصلاة التي زال المانع في وقتها وحدها؛ لأن وقت الأولى خرج في حال العذر، فلم تجب، كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئًا. وهذا في تقديري هو المعقول؛ لأن الصلاة تجب بوقت معين، فإذا فات الوقت، سقط الوجوب.

حدوث الأعذار في وقت الصلاة بعد مضي قدر ما يسعها:
وهذا يتصور في الجنون والإغماء والحيض والنفاس، ولا يتصور في الكفر والصبا، فلو جن البالغ أو أغمي عليه، أو حاضت المرأة أو نُفست في أول الوقت أو أثناءه بحيث يمكنه أداء الصلاة، وجب عليه عند الجمهور غير الحنفية قضاء تلك الصلاة، إن مضى قدر الفرض مع الطهر، ولا تجب الصلاة الثانية التي تجمع معها؛ لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إلا إذا صلاهما جمعًا، بخلاف العكس.
ودليل الجمهور على وجوب قضاء الصلاة صاحبة الوقت؛ أن أول أجزاء الوقت هو سبب الإيجاب، أي علامة توجه الخطاب الشرعي، فمتى ابتدأ صار المكلف مطالبًا بالفعل، مخيرًا في جميع أجزاء الوقت، إذا كان أهلًا للتكليف أول الوقت، لقوله تعالى: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس﴾ [الإسراء:٧٨/ ١٧] فقد جعل الدلوك علامة على توجه الخطاب إلى المكلف، ولما بينت السنة أوائل الأوقات وأواخرها وقال الرسول ﷺ: «الوقت ما بين هذين» كما سبق، دل ذلك على التوسع على المكلف. ومتى وجب الواجب في الذمة استقر ولم يسقط. وهذا الرأي هو الأصح لدي.
 
وقال الحنفية (١): لاتجب صلاة ذلك الوقت على أصحاب الأعذار هؤلاء؛ لأن سبب إيجاب الصلاة: هو الجزء الذي يتصل به الأداء من الوقت، فإن لم يؤد تعين الجزء الأخير الذي يسع الواجب للسببية، وبعد خروج الوقت تضاف السببية إلى جملة الوقت.

شروط صحة الصلاة:
يشترط لصحة الصلاة: الإسلام والتمييز والعقل، كما يشترط ذلك لوجوب الصلاة، فتصح الصلاة من المميز، لكن لا تجب عليه، وهناك أحد عشر شرطًا أخرى متفق عليها بين الفقهاء: وهي دخول الوقت، والطهارة عن الحدثين، والطهارة عن النجس، وستر العورة، واستقبال القبلة، والنية، والترتيب في أداء الصلاة، وموالاة فعلها، وترك الكلام إلا بما هو من جنسها أو من مصالحها، وترك الفعل الكثير من غير جنس الصلاة، وترك الأكل والشرب (٢).

الشرط الأول - معرفة دخول الوقت:
لا تصح الصلاة بدون معرفة الوقت يقينًا أو ظنًا بالاجتهاد، فمن صلى بدونها لم تصح صلاته، وإن وقعت في الوقت، لتكون عبادته بنية جازمة، لاشك فيها، فمن شك لم تصح صلاته؛ لأن الشك ليس بجازم. والدليل: هو قوله تعالى:
(١) هذا الخلاف بين الرأيين أمر أصولي معروف يرجع إليه في كتب الأصول في بحث الواجب الموسع.
(٢) مراقي الفلاح: ص ٣٣، ٣٩، ٥٣، فتح القدير:١٧٩/ ١ - ١٩١، البدائع:١١٤/ ١ - ١٤٦/ ١، تبيين الحقائق:٩٥/ ١ - ١٠٣، الدر المختار:٣٧٢/ ١ - ٤١٠، اللباب:٦٤/ ١ - ٦٨، ٨٦، القوانين الفقهية: ص٥٠ - ٥٧، بداية المجتهد:١٠٥/ ١ - ١١٤، الشرح الصغير:٢٦٥/ ١ - ٣٠٢، مغني المحتاج:١٤٢/ ١ - ١٥٠، ١٨٤ - ١٩٩، المهذب:٥٩/ ١ - ٦٩، الحضرمية: ص٤٩ - ٥٥، المغني:٤٣١/ ١ - ٤٥٣، ٥٧٧ - ٥٠٨، ٦/ ٢، كشاف القناع:٢٨٧/ ١ - ٣٧٤، المحرر في الفقه الحنبلي:٢٩/ ١، حاشية الباجوري:١٤١/ ١ - ١٤٩.
 
﴿إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا﴾ [النساء:١٠٣/ ٤]، أي فرضًا مؤقتًا محدودًا بوقت. وقد سبق بحث مواقيت الصلاة، والاجتهاد في الوقت.

الشرط الثاني - الطهارة عن الحدثين (١):
الأصغر والأكبر (الجنابة والحيض والنفاس)، بالوضوء والغسل، أو التيمم. لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق﴾ ... إلى قوله سبحانه: ﴿وإن كنتم جنبًا فاطهروا﴾ [المائدة:٦/ ٥]، ولقوله ﷺ: «لايقبل الله صلاة بغير طهور» (٢) «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (٣).
والطهارة عن الحدث شرط في كل صلاة، مفروضة أو نافلة، كاملة أو ناقصة كسجدة التلاوة، وسجدة الشكر.
فإذا صلى بغير طهارة، لم تنعقد صلاته.
وإذا تعمد الحدث بطلت الصلاة بالإجماع، إلا في آخر الصلاة فلا تبطل عند الحنفية، وإن سبقه الحدث بطلت صلاته حالًا عند الشافعية والحنابلة، لقوله ﷺ: «إذا فسا أحدكم في الصلاة، فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته» (٤). وقال الحنفية: لا تبطل في الحال وإنما تبطل بمكثه قدر أداء ركن بعد سبق الحدث مستيقظًا بلا عذر. فإن وجد عذر كرعاف مثلًا بنى على صلاته إن شاء (أي أكملها من بعد وقت العذر) بعد استكمال الطهارة، وإن شاء استأنف الصلاة، أي ابتدأها من جديد، ويخرج من الصلاة واضعًا يده على أنفه تسترًا.
(١) الحدث لغة: الشيء الحادث، وشرعًا: ما نعية شرعية تقوم بالأعضاء إلى غاية وصول المزيل لها.
(٢) رواه الجماعة إلا البخاري عن ابن عمر.
(٣) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة، وهو صحيح.
(٤) رواه الخمسة وصححه ابن حبان عن علي بن طلق (سبل السلام:١٣١/ ١).
 
وقال المالكية كالحنفية: يجوز البناء على الصلاة في حالة الرعاف بشروط ستة بعد أن يخرج من الصلاة ممسكًا أنفه من أعلاه وهو مارنه، لا من أسفله من الوترة لئلا يبقى الدم في طاقتي أنفه، وهذه الشروط هي:
الأول: إن لم يتلطخ بالدم بما يزيد على درهم، وإلا قطع الصلاة.
الثاني: ولم يجاوز أقرب مكان ممكن، لغسل الدم فيه، فإن تجاوزه بطلت الصلاة.
الثالث: أن يكون المكان الذي يغسل فيه قريبًا، فإن كان بعيدًا بعدًا فاحشًا بطلت.
الرابع: ألا يستدبر القبلة بلا عذر، فإن استدبرها لغير عذر بطلت.
الخامس: ألا يطأ في طريقه نجسًا، وإلا بطلت.
السادس: ألا يتكلم في مضيه للغسل، فإن تكلم ولو سهوًا بطلت.

الشرط الثالث - الطهارة عن الخبث: أي النجاسة الحقيقية.
يشترط لصحة الصلاة الطهارة عن النجس الذي لا يعفى عنه في الثوب والبدن والمكان حتى موضع القدمين واليدين والركبتين، والجبهة على الأصح عند الحنفية، لقوله تعالى: ﴿وثيابك فطهر﴾ [المدثر:٤/ ٧٤]، قال ابن سيرين: هو الغسل بالماء، ولخبر الصحيحين السابق: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» ولحديث الأعرابي المتقدم الذي بال في المسجد: «أريقوا على بوله ذ َنوبًا - دلوًا - من ماء» فالآية دلت على وجوب طهارة الثوب، والحديث الأول دل على وجوب طهارة البدن، والحديث الثاني دل على وجوب طهارة المكان.
 
ومشهور مذهب المالكية: أن الطهارة من النجس سنة مؤكدة. والذي اعتبره شرطًا كالشيخ خليل وشراحه جرى على القول بأنها فرض مع الذكر والقدرة.

مسائل متفرعة على طهارة الثوب والبدن والمكان:
 
أولًا - طهارة الثوب والبدن: 
 أـ لو وقعت ثياب المصلي كالعباءة على أرض نجسة عند السجود: لا يضر ذلك عند الحنفية؛ لأن المفسد للصلاة عندهم أن يكون النجس في موضع قيامه أو جبهته أوفي موضع يديه أو ركبتيه.
وتفسد الصلاة عند الشافعية والحنابلة، فلا تصح صلاة ملاقٍ بعضُ لباسه أو بدنه نجاسة؛ لأن ثوب المصلي تابع له، وهو كعضو سجوده (١).
ب - جهل النجاسة: لو صلى حاملًا نجاسة غير معفو عنها، ولا يعلمها: تبطل صلاته في المذاهب الثلاثة (غير المالكية) وعليه قضاؤها، لأن الطهارة مطلوبة في الواقع، ولو مع جهله بوجود النَّجِس أو بكونه مبطلًا، لقوله تعالى: ﴿وثيابك فطهر﴾ [المدثر:٤/ ٧٤] والمشهور عند المالكية: أن الطهارة من الخبث أو إزالة النجاسة واجبة في حال الذكر والقدرة، فمن صلى بها ذاكرًا قادرًا، أعاد، ويسقط الوجوب بالعجز والنسيان، فلا يعيد إن صلى ناسيًا أو عاجزًا (٢).
جـ - الثوب المتنجس أو المكان النجس: إن لم يجد المصلي غير ثوب عليه نجاسة غير معفو عنها ولم يتيسر غسل النجاسة، أو وجد الماء ولم يجد من يغسلها
(١) رد المحتار:٣٧٤/ ١ - ٥٨٥، مغني المحتاج:١٩٠/ ١، الشرح الكبير لابن قدامة:٤٧٥/ ١.
(٢) فتح القدير:١٧٩/ ١، الدر المختار:٣٧٣/ ١، مغني المحتاج: ١٨٨/ ١، الشرح الصغير:٦٤/ ١،٢٩٣، كشاف القناع:٢٢/ ١، المغني:١٠٩/ ١، المهذب:٥٩/ ١ ومابعدها، المجموع:١٦٣/ ١.
 
وهو عاجز عن غسلها، أو وجده ولم يرض إلا بأجرة ولم يجدها، أو وجدها ولم يرض إلا بأكثر من أجرة المثل، أو حبس على نجاسة، واحتاج إلى فرش السترة عليها، لم يجز لبس الثوب النجس عند الشافعية لأنه سترة نجسة، وجاز لبسه عند الحنفية والمالكية والحنابلة، والصلاة به، وصلى عند المالكية قائمًا عُرْيانًا إن لم يجد ثوبًا يستر به عورته، لأن ستر العورة مطلوب عند توفر القدرة على سترها، والمعتمد الإعادة في الوقت إن وجد ثوبًا طاهرًا، إن صلى بنجس أو بحرير أو بذهب ولو خاتمًا، أو صلى عريانًا.
ويصلي في حال فقد الساتر جالسًا، يومئ إيماءً عند الحنابلة والحنفية، عملًا بفعل ابن عمر، روى الخلال بإسناده عن ابن عمر في قوم انكسرت مراكبهم، فخرجوا عراة، قال: «يصلون جلوسًا، يومئون إيماءً برؤوسهم» وروى عبد الرزاق عن ابن عباس، قال: «الذي يصلي في السفينة، والذي يصلي عريانًا، يصلي جالسًا». أما في حالة وجود الساتر النجس فيصلي فيه، ولا يعيد، ولا يصلي عريانًا؛ لأن الستر آكد من إزالة النجاسة، فكان أولى، ولأن النبي ﷺ قال: «غطِّ فخذك» وهذا عام، ولأن السترة متفق على اشتراطها، والطهارة من النجاسة مختلف فيها، فكان المتفق عليه أولى.
ويصلي عند الشافعية عريانًا متمًا الأركان، ولا إعادة عليه على المذهب عندهم، لأن الصلاة مع العري يسقط بها الفرض. لكن لو كان على بدنه نجاسة غير معفو عنها، ولم يجد ما يغسل به، صلى وأعاد كفاقد الطهورين؛ لأن الصلاة مع النجاسة لا يسقط بها الفرض.
وفصل الحنفية (١) في الأمر فقالوا:
(١) تبيين الحقائق:٩٨/ ١.
 
إن كان ربع الثوب فأكثر طاهرًا، صلى فيه حتمًا، ولم يصل عريانًا؛ لأن الربع كالكل، يقوم مقامه في مواضع منها كشف العورة (١)، ويتحتم عليه تقليل النجاسة بقدر الإمكان، ويلبس أقل ثوبيه نجاسة.
وإن كان أقل من ربعه طاهرًا، ندب صلاته فيه بالقيام والركوع والسجود، وجاز أن يصلي عاريًا بالإيماء، والصلاة في ثوب نجس الكل أحب من الصلاة عريانًا. وهذا رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف (٢). وإذا لم يجد المسافر ما يزيل به النجاسة أو يقللها، صلى معها، أو عاريًا، ولا إعادة عليه، والقاعدة عندهم: أن فاقد ما يزيل به النجاسة يصلي معها، ولا إعادة عليه، ولا على فاقد ما يستر عورته. والصلاة عُرْيانًا: أن يمد رجليه إلى القبلة لكونه أستر، ويومئ إيماء بالركوع والسجود وهو أفضل من الصلاة قائمًا؛ لأن الستر آكد.
د - جهالة محل النجاسة في الثوب: إذا وجد ثوب متنجس، ولكن خفي عليه موضع النجاسة:
يكفي عند الحنفية غسل طرف من الثوب، ولو من غير تحر، ويطهر. ويغسل الثوب كله أو البدن كله عند الشافعية إن كان الخفاء في جميعه، وكذلك يغسل كله على الصحيح إن ظن طرفًا، لأن الثوب والبدن واحد. ولو اشتبه عليه طاهر ونجس من ثوبين أو بيتين، اجتهد فيهما للصلاة (٣).
(١) أقام الشرع الربع مقام الكل في كثير من المواضع، كما في حلق المحرم ربع رأسه، ومسح ربع الرأس في الوضوء، وكشف العورة، إذ الموضع موضع احتياط.
(٢) الدر المختار:١٨٣/ ١ ومابعدها، البدائع:١١٧/ ١، الشرح الصغير:٢٨٣/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج:١٨٦/ ١، حاشية الباجوري:١٤٤/ ١، المهذب:٦٠/ ١ - ٦١، المغني:٥٨٧/ ١،٥٩٢،٥٩٤، فتح القدير:١٨٤/ ١، اللباب:٦٦/ ١، مراقي الفلاح: ص٣٨.
(٣) المهذب: ٦١/ ١، مغني المحتاج:١٨٩/ ١.
 
هـ - طرف الثوب على نجاسة: لو كان على المصلي ثوب أو غيره وطرفه واقع على نجاسة كطرف عمامته الطويلة أو كمه الطويل المتصل بنجاسة:
لم تصح صلاته عند الشافعية كالمسألة الأولى، وإن لم يتحرك الطرف الذي يلاقي النجاسة بحركته أثناء قيامه وقعوده أو ركوعه وسجوده؛ لأن اجتناب النجاسة في الصلاة شرع للتعظيم، وهذا ينافيه هنا. وذلك بخلاف ما لو سجد على متصل بالنجاسة حيث تصح الصلاة إن لم يتحرك بحركته؛ لأن المطلوب في السجود كونه مستقرًا على غيره، لحديث «مكّن جبهتك» فإذا سجد على متصل بنجس لم يتحرك بحركته، حصل المقصود، وعلى هذا لا يضر في صحة الصلاة نجس يحاذي صدر المصلي في الركوع والسجود وغيرهما على الصحيح، لعدم ملاقاته له.
وقال الحنفية: تصح صلاته إن لم يتحرك الطرف النجس بحركته، فإن تحرك لم تصح؛ لأن الشرط عندهم طهارة ثوب المصلي وما يتحرك بحركته، أو يعد حاملًا له، كما سيأتي. وذلك بخلاف ما لم يتصل كبساط طرفه نجس، وموضع الوقوف والجبهة طاهر، فلا يمنع صحة الصلاة (١).
وـ إمساك حبل مربوط بنجس: إذا أمسك المصلي حبلًا مربوطًا بنجس، كالحبل الذي يمسك به كلب بقلادة في عنقه، أو دابة أو مركب صغير يحملان نجسًا:
لم تصح صلاته عند الشافعية في الأصح؛ لأن الكلب سواء أكان صغيرًا أم كبيرًا نجس العين عندهم، ويصبح المصلي في هذه الحالة حاملًا نجسًا، لأنه إذا مشى
(١) الدر المختار ورد المحتار:٣٧٣/ ١، مغني المحتاج:١٩٠/ ١، المهذب: ٦١/ ١، مراقي الفلاح: ص٣٨.لكن لو جعل طرف الحبل تحت رجله، صحت صلاته في جميع الصور عند الشافعية.
 
انجر معه. بخلاف السفينة الكبيرة التي لا تنجر بجره، فإنها كالدار، تصح الصلاة بحبل متصل بها.
وتصح صلاته عند الحنفية كالحالة السابقة في حالة إمساك الكلب بناء على الراجح عندهم أنه ليس بنجس العين، بل هو طاهر الظاهر، كغيره من الحيوانات سوى الخنزير، فلا ينجس إلا بالموت. وذلك إذا لم يسل من الكلب ما يمنع الصلاة (١).
ز - حمل بيضة صار مُحُّها (٢) دمًا: لو صلى المصلي حاملًا بيضة مَذِرة (فاسدة) صار محها دمًا، جاز عند الحنفية، كمسألة الكلب، لأن الدم في معدن البيض، والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة، بخلاف ما لو حمل قارورة فيها بول، فلا تجوز صلاته؛ لأنه في غير معدنه.
ولا تصح صلاته في الحالتين عند الشافعية في أصح الوجهين في البيضة، وفي الصحيح في القارورة؛ لأنه يكون حاملًا نجاسة (٣)
ح - حمل صبي صغير في الصلاة: لو حمل المصلي صبيًا صغيرًا عليه نجس: تبطل صلاته عند الحنفية إن لم يستمسك بنفسه؛ لأنه يعد حاملًا للنجاسة، ويشترط عندهم طهارة ما يعد حاملًا له أي باستثناء ما يكون في الجوف كمسألة الكلب والبيضة السابقة. وتصح صلاته إن كان الصغير يستمسك بنفسه؛ لأنه لا يعد حاملًا للنجاسة.
(١) الدر المختار رد المحتار: ٣٧٤/ ١، مغني المحتاج، والمهذب: المكان السابق، المجموع:١٥٥/ ٣ ومابعدها.
(٢) المح: خالص كل شيء. والمراد هنا صفرة البيض أو كل ما في البيض.
(٣) رد المحتار، المكان السابق، المهذب: المكان السابق، المجموع:١٥٧/ ٣.
 
وقال الشافعية كالحنفية وغيرهم اتفاقًا لا خلاف فيه: لا يضر حمل الصبي الذي لا تظهر عليه نجاسة، فلو حمل حيوانًا طاهرًا في صلاته، صحت صلاته؛ لأن النبي ﷺ حمل أمامة بنت أبي العاص في صلاته (١)، ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة هو كالنجاسة التي في جوف المصلي (٢).
ط - وصل العظم بنجس: قال الشافعية: لو وصل عظمه المنكسر بنجس لفقد الطاهر، فهو معذور تصح صلاته معه للضرورة (٣).

ثانيًا - طهارة المكان:
  تشترط طهارة مكان المصلي مباشرة، فإن لم تباشره النجاسة جازت الصلاة كما في الصور الآتية:
أـ الصلاة على بساط عليه نجاسة: إذا صلى على بساط عليه نجاسة: فإن صلى على الموضع النجس، فلا تصح صلاته بالاتفاق؛ لأنه ملاق للنجاسة، ووضع العضو على النجاسة بمنزلة حملها. وإن صلى على موضع طاهر، صحت صلاته اتفاقًا أيضًا، ولو كان البساط صغيرًا في الأصح عند الحنفية؛ لأنه غير ملاق للنجاسة ولا حامل لما هو متصل بالنجاسة (٤).
ب - الصلاة على موضع نجس بحائل: إن فرش على الأرض النجسة شيئًا وصلى عليه، جاز بالاتفاق إن صلح الفرش ساترًا للعورة؛ لأنه غير مباشر للنجاسة ولا حامل لما هو متصل بها. فإن لامس النجاسة من ثقوب الفرش،
(١) حديث أمامة رواه البخاري ومسلم.
(٢) رد المحتار، المهذب، المكان السابق، المجموع:١٥٦/ ٣.
(٣) مغني المحتاج: ١٩٠/ ١.
(٤) رد المحتار، المكان السابق، مغني المحتاج:١٩٠/ ١، المهذب:٦٢/ ١، مراقي الفلاح: ص٣٨.
 
بطلت صلاته (١)، وأضاف الحنفية: أنه تجوز الصلاة على لِبْد (فرش سميك) وجهه الأعلى طاهر، والأسفل نجس، وعلى ثوب طاهر وبطانته نجسة إذا كان غير مخيط بها، لأنه كثوبين فوق بعضهما.
جـ - النجاسة في بيت أو صحراء: إذا كانت النجاسة في بيت أو صحراء وعرف مكانها، صلى في المواضع الخالية عن النجاسة.
وإن خفي عليه موضعها: تحرى المكان الطاهر وصلى عند الحنفية.
وقال الشافعية (٢): إن كانت الأرض واسعة كصحراء، فصلى في موضع منها جاز؛ لأنه غير متحقق لها، ولأن الأصل فيها الطهارة، ولا يمكن غسل جميعها.
وإن كانت الأرض صغيرة كبيت، لم يجز أن يصلي فيه حتى يغسله، كما في حالة الشك بنجاسة جزء من الثوب؛ لأن البيت ونحوه يمكن غسله وحفظه من النجاسة، فإذا نجس أمكن غسله، وإذا خفي موضع النجاسة منه غسله كله كالثوب.
وإن كانت النجاسة في أحد البيتين واشتبها عليه، تحرى، كما يتحرى في الثوبين.
وإن حبس في موضع نجس - حُش (هو الخلاء)، وجب عليه أن يصلي عند جمهور العلماء، لقوله ﷺ: «وإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم» (٣) وقياسًا على المريض العاجز عن بعض الأركان.
(١) رد المحتار، المهذب، المكان السابق.
(٢) المهذب:٦٢/ ١، المجموع:١٦٠/ ١ ومابعدها.
(٣) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة بلفظ: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ..».
 
وإذا صلى يجب عليه أن يتجافى عن النجاسة في قعوده بيديه وركبتيه وغيرهما القدر الممكن، ويجب عليه أيضًا الإيماء أو الانحناء في السجود إلى القدر الذي لو زاد عليه لاقى النجاسة، ولا يسجد على الأرض، على الصحيح؛ لأن الصلاة قد تجزئ مع الإيماء، ولا تجزئ مع النجاسة.
وتجب عليه الإعادة في موضع طاهر على الجديد الأصح، ومستحبة على القديم، لأنه ترك الفرض لعذر نادر غير متصل، فلم يسقط عنه الفرض، كما لو ترك السجود ناسيًا. والذي يعتبر فرضًا هو الصلاة الثانية في أصح الأوجه عند الشافعية.

الشرط الرابع - ستر العورة:
العورة لغة: النقص، وشرعًا: ما يجب ستره وما يحرم النظر إليه، والمعنى الأول هو المراد هنا في الصلاة. يشترط ستر العورة عن العيون، ولو كان خاليًا في ظلمة عند القدرة في رأي الجمهور. وقال الحنفية: يجب الستر بحضرة الناس إجماعًا، وفي الخلوة على الصحيح، فلو صلى في الخلوة عريانًا، ولو في بيت مظلم، وله ثوب طاهر، لا يجوز (١).
ويجب ستر العورة في الصلاة وغيرها ولو في الخلوة إلا لحاجة كاغتسال وتغويط واستنجاء.
والدليل على وجوب الستر: قوله تعالى: ﴿خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ [الأعراف٧/ ٣١] قال ابن عباس: المراد به: الثياب في الصلاة.
(١) رد المحتار:٣٧٥/ ١.
 
وقوله ﷺ: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» (١) والخمار: ما يغطى به رأس المرأة، وقوله ﵇: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه» (٢).
وأجمع العلماء على وجوب سترة المرأة مطلقًا، في الصلاة وغيرها.

شروط الساتر:
١ ً - يجب أن يكون صفيقًا كثيفًا: فالواجب الستر بما يستر لون البشرة ولايصفها من ثوب صفيق أو جلد أو ورق، فإن كان الثوب خفيفًا أو رقيقًا يصف ما تحته أو يتبين لون الجلد من ورائه، فيعلم بياضه أو حمرته، لم تجز الصلاة به؛ لأن الستر لا يحصل بذلك. وإن كان يستر لونها، ويصف الخلقة أو الحجم؛ جازت الصلاة به؛ لأن هذا مما لا يمكن التحرز منه، حتى ولو كان الساتر صفيقًا، لكنه عند الشافعية للمرأة مكروه، وللرجل خلاف الأولى.
وقال الشافعية: شرط الساتر: ما يمنع لون البشرة، ولو ماء كدرًا أو طينًا، لاخيمة ضيقة وظلمة، ويجب عندهم أن يكون الساتر طاهرًا، وقال المالكية: إن ظهر ما تحته فهو كالعدم، وإن وصف فهو مكروه (٣).
٢ً - والشرط عند الشافعية والحنابلة: أن يشمل المستور لبسًا ونحوه، فلا تكفي الخيمة الضيقة والظلمة. وتكفي الظلمة عند الحنفية والمالكية للضرورة؛ لأن
(١) رواه الحاكم، وقال: إنه على شرط مسلم، ورواه أيضًا الخمسة إلا النسائي وصححه ابن خزيمة عن عائشة. والمراد بالحائض: البالغ التي بلغت سن الحيض؛ لأن الحائض في زمن حيضها لاتصح صلاتها، بخمار ولا غيره (نيل الأوطار:٦٧/ ٢).
(٢) رواه أبو داود عن عائشة، وهو حديث مرسل (نصب الراية:٢٩٩/ ١).
(٣) القوانين الفقهية: ص٥٤. الواجب عندهم هو ستر العورة عن غيره، ولو حكما كمكان مظلم، لا سترها عن نفسه، على المفتى به.
 
٣ً - والمطلوب هو ستر العورة من جوانبها، على الصحيح عند الحنفية، وغيرهم من الفقهاء، فلا يجب الستر من أسفل أو من فتحة قميصه، فلو صلى على زجاج يصف ما فوقه، جاز.
وإن وجد مإ يستر بعض عورته، يجب سترها ولو بيده في الأصح عند الشافعية، لحصول المقصود، فإن كفى الساتر سوأتيه أو الفرجين تعين لهما، وإن كفى أحدهما تعين عليه ستر القُبُل ثم الدبر عند الشافعية، وبالعكس عند الحنفية والمالكية. ويجب أن يزر قميصه أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره.

الصلاة في الثوب الحرام: 
 يصح الستر مع الحرمة عند المالكية والشافعية، وتنعقد الصلاة مع الكراهة التحريمية عند الحنفية: بما لا يحل لبسه كثوب حرير للرجل، ويأثم بلا عذر، كالصلاة في الأرض المغصوبة.
وقال الحنابلة: لا تصح الصلاة بالحرام كلبس ثوب حرير، أو صلاة في أرض مغصوبة ولو منفعتها أو بعضها، أو صلاة في ثوب ثمنه كله أو بعضه حرام أو كان متختمًا بخاتم ذهب، إن كان عالمًا ذاكرًا (١)، لما روى أحمد عن ابن عمر: «من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام، لم يقبل الله له صلاة، ما دام عليه» ثم أدخل أصبعيه في أذنيه وقال: «صُمَّتا إن لم يكن النبي ﷺ سمعته يقوله» (٢)،
(١) كشاف القناع: ٣١٣/ ١، المغني:٥٨٧/ ١ ومابعدها.
(٢) لكن في إسناده رجلان: هاشم وبقية، قال البخاري: هاشم غير ثقة، وبقية: مدلّس.
 
ولحديث عائشة: «من عمل عملًا ليس عليه
أمرنا فهو رد» (١)، ولأن قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه، فلم يقع عبادة كالصلاة في زمن الحيض، وكالنجس.
فإن جهل كونه حريرًا أو غصبًا، أو نسي كونه حريرًا أو غصبًا، أو حبس بمكان غصب أو نجس، صحت صلاته؛ لأنه غير آثم.
وأجاز المالكية والحنفية الصلاة بثوب نجس كما أوضحت سابقًا.
واتفق علماء المذاهب: أن ستر العورة واجب ولو بإعارة، فإن صلى عريانًا مع وجود ثوب عارية، أو مع وجود ثوب من حرير طاهر عند الجمهور غير الحنابلة، بطلت صلاته. ولو وُعد به، ينتظر ما لم يخف فوات الوقت، وهو الأظهر عند الحنفية، ويلزمه الشراء بثمن المثل (٢) كالمقرر في شراء الماء سابقًا.

عادم الساتر: 
من لم يجد ساترًا لعورته: صلى عريانًا عند المالكية؛ لأن ستر العورة مطلوب عند القدرة، ويسقط بالعجز.
وصلى قاعدًا يومئ إيماء عند الحنابلة، عملًا بفعل ابن عمر كما أبنت سابقًا في الشرط الثالث.
ويجب عليه أن يصلي عند الشافعية والحنفية ولو بطين يتطين به يبقى إلى تمام صلاته، أو بماء كدر غير صاف، وتكفيه الظلمة للاضطرار عند الحنفية والمالكية، وباليد عند الشافعية في الأصح وعند الحنابلة لحصول المقصود كما تقدم، ويصلي قائمًا عند الشافعية متممًا الأركان، ولا إعادة عليه على المذهب عندهم كما أوضحت. ويصلي قاعدًا موميًا بركوع وسجود عند الحنفية والحنابلة، وهو أفضل من الصلاة قائمًا بإيماء أو بركوع وسجود؛ لأن الستر أهم من أداء الأركان.
(١) رواه أحمد ومسلم عن عائشة، وهو صحيح.
(٢) الدر المختار: ٣٨٢/ ١، المجموع:١٩٣/ ٣ ....
 
قال الحنابلة: ومن كان في ماء وطين ولم يمكنه السجود على الأرض إلا بالتلوث بالطين والبلل بالماء صلى على دابته، يومئ بالركوع والسجود (١).

انكشاف العورة فجأة: 
إن انكشفت عورة المصلي فجأة بالريح مثلًا عن غير عمد، فستره في الحال، لم تبطل صلاته عند الشافعية والحنابلة لانتفاء المحذور، وإن قصر أو طال الزمان، بطلت بسبب تقصيره، ولأن الكثير يفحش انكشاف العورة فيه، ويمكن التحرز منه، فلم يعف عنه (٢).
وقال المالكية: تبطل الصلاة مطلقًا بانكشاف العورة المغلظة.
وقال الحنفية: إذا انكشف ربع العضو من أعضاء العورة، فسدت الصلاة إن استمر بمقدار أداء ركن، بلا صنعه، فإن كان بصنعه فسدت في الحال.

صلاة العراة جماعة: 
الجماعة مشروعة للعراة، فلهم عند الشافعية والحنابلة أن يصلوا فرادى أو جماعة، وفي حال الصلاة جماعة يقف الإمام معهم في الصف وسطًا، ويكون المأمومون صفًا واحدًا، حتى لا ينظر بعضهم إلى عورة بعض، فإن لم يمكن إلا صفين، صلوا وغضوا الأبصار.
وإن اجتمع نسوة عراة، استحب لهن الجماعة، وتقف المرأة الإمام وسطهن في كل حال لأنهن عورات؛ لأن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، كما هو الثابت في السنة. ويصلون قيامًا مع إتمام جميع الأركان عند الشافعية، ويومئون إيماء، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم عند الحنابلة.
وهل الأفضل أن يصلوا جماعة أو فرادى؟
(١) المغني:٥٩٩/ ١.
(٢) مغني المحتاج:١٨٨/ ١، المغني:٥٨٠/ ١ .....
 
قال الشافعية: إن كانوا عُمْيًا أو في ظلمة بحيث لا يرى بعضهم بعضًا، استحبت الجماعة بلا خوف، ويقف إمامهم قُدَّامهم. وإن كانوا بحيث يرون، فأصح الأقوال أن الجماعة والانفراد سواء.
وإن وجد مع إنسان كسوة، استحب أن يعيرهم، فإن لم يفعل، لم يغصب منه؛ لأن صلاتهم تصح من غير سترة.
وقال المالكية والحنفية: يصلون فرادى، ويتباعد بعضهم من بعض، وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة ويتقدمهم إمامهم (١). وإن لم يمكن تفرقهم صلوا جماعة قيامًا صفًا واحدًا مع ركوع وسجود، إمامهم وسطهم، غاضين أبصارهم وجوبًا.

حد العورة: 
يشترط عند أئمة المذاهب لصحة الصلاة ستر العورة كما تقدم، لكن الفقهاء اختلفوا في حد العورة للرجل والأمة والمرأة الحرة، فما آراؤهم تفصيلًا؟
مذهب الحنفية (٢):
أـ عورة الرجل: هي ما تحت سرته إلى ما تحت ركبته، فالركبة من الفخذ عورة في الأصح، عملًا بالمأثور عندهم: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» أو «مادون سرته حتى يجاوز ركبته» (٣) ولحديث ضعيف عند الدارقطني: «الركبة من
(١) المجموع:١٩١/ ٣ ومابعدها، المهذب:٦/ ١، المغني:٥٩٦/ ١،٥٩٨، الشرح الكبير مع الدسوقي: ٢٢١/ ١.
(٢) الدر المختار ورد المحتار:٣٧٥/ ١ - ٣٩٧، تبيين الحقائق للزيلعي:٩٥/ ١ - ٩٧ .....
(٣) هذا مأخوذ من أحاديث ثلاثة: الأول - حديث الدارقطني وأحمد وأبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «.. فإذا زوج أحدكم أمته، عبده أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة، فإن تحت السرة إلى الركبة من العورة» وهو ضعيف. والثاني - حديث الحاكم عن عبد الله بن جعفر «مابين السرة إلى الركبة عورة» وهو موضوع، الثالث - حديث الدارقطني عن أبي أيوب: «ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل السرة من العورة» وهو غريب (نصب الراية:٢٩٦/ ١ - ٢٩٧).
 
: العورة» (١).
ب - الأمَة (الرقيقة): كالرجل في العورة، مع ظهرها وبطنها وجنبها، لقول عمر رضي الله: «ألق عنك الخمار يا دفار، أتتشبهين بالحرائر» (٢)، ولأنها تخرج لحاجة مولاها في ثياب مهنتها عادة، فاعتبرت كالمحارم في حق الأجانب عنها دفعًا للحرج.
جـ - المرأة الحرة ومثلها الخنثى: جميع بدنها حتى شعرها النازل في الأصح، ما عدا الوجه والكفين، والقدمين ظاهرهما وباطنهما على المعتمد لعموم الضرورة، والصوت على الراجح (٣) ليس بعورة، لكن ظهر الكف عورة على المذهب، والأصح أن باطن الكفين وظاهرهما ليسا بعورة. والقدمان ليسا بعورة في حق الصلاة على المعتمد، والصحيح أنهما عورة في حق النظر والمس. واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها﴾ [النور:٣١/ ٢٤] والمراد محل زينتهن، وما ظهر منها: الوجه والكفان، كما قال ابن عباس وابن عمر، وبقوله ﷺ: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان» (٤) وبحديث عائشة السابق: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفه» (٥).
(١) نصب الراية:٢٩٧/ ١
(٢) قال عنه الزيلعي: غريب وبمعناه روى عبد الرازق عن عمر، ورواه البيهقي، وقال: الآثار بذلك عن عمر صحيحة (نصب الراية:٣٠٠/ ١).
(٣) لكن نغمة المرأة، وتليينه أي تمطيط الصوت عورة في الأذان وغيره، فلا يحل سماعه.
(٤) رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود، وقال: حديث حسن صحيح غريب، ورواه ابن حبان أيضًا (نصب الراية:٢٩٨/ ١).
(٥) أخرجه أبو داود، وهو حديث مرسل.
 
وبحديث عائشة المتقدم أيضًا: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» والخمار: ما يغطى به رأس المرأة.
وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة، أي الفجور بها، أو الشهوة. والمعنى أنها تمنع من الكشف خوفًا أن يرى الرجال وجهها، فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة.
ولا يجوز النظر إلى وجه المرأة والفتى الأمرد بشهوة، إلا لحاجة، كقاض أو شاهد أو للشهادة عليها، وخاطب يريد زواجها، فينظر ولو عن شهوة، بنية العمل بالسنة، لا قضاء الشهوة، وكذا في حال المداواة إلى موضع المرض بقدر الضرورة.
والمعتمد عند الحنفية: أن كشف ربع عضو من أعضاء العورة (الغليظة وهي القبل والدبر وما حولهما، أو المخففة: وهي ما عدا السوأتين) (١) إن استمر بمقدار أداء ركن، بدون تعمد، وإنما سهوًا، يبطل الصلاة؛ لأن ربع الشيء له حكم الكل، كما تقدم سابقًا. ولا تبطل بما دون ذلك، فمن كشف ربع بطن أو فخذ أو شعر نزل من الرأس، أو دبر، أو ذكر، أو أنثيين، أو فرج بطلت صلاته، إن استمر مقدار أداء ركن، وإلا لا يبطل.

مذهب المالكية (٢):
يجب ستر العورة عن أعين الناس إجماعًا، أما في الصلاة فالصحيح من المذهب وجوب ستر ما يأتي:
(١) لا فرق بين العورتين إلا من حيث أن حرمة النظر إلى الغليظة أشد.
(٢) الشرح الصغير:٢٨٥/ ١، بداية المجتهد:١١١/ ١، القوانين الفقهية: ص٥٣، الشرح الكبير: ٢١١/ ١ - ٢١٧، شرح الرسالة:٩٨/ ١.
 
أـ عورة الرجل في الصلاة: هي المغلظة فقط وهي السوأتان وهما من المقدم: الذكر مع الأنثيين، ومن المؤخر: ما بين الأليتين. فيجب إعادة الصلاة في الوقت لمكشوف الأليتين فقط، أو مكشوف العانة. فليس الفخذ عورة عندهم، وإنما السوأتان فقط، لحديث أنس: «أن النبي ﷺ يوم خيبر حَسَر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه» (١).
ب - عورة الأمة هي السوأتان مع الأليتين، فإذا انكشف منها شيء من ذلك أو كشفت فخذًا كله أو بعضه، أعادت أبدًا في الوقت، كالرجل. ووقت الإعادة في الظهر والعصر للاصفرار، وفي المغرب والعشاء: الليل كله، وفي الصبح لطلوع الشمس.
جـ - عورة الحرة المغلظة: جميع البدن ما عدا الصدر والأطراف من رأس ويدين ورجلين. وما قابل الصدر من الظهر كالصدر. فإن انكشف من العورة المخففة شيء من صدرها أو أطرافها، ولو ظهر قدم لا باطنه، أعادت في الوقت الضروري السابق بيانه: في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين الليل كله، وفي الصبح للطلوع.
هذا بالنسبة للصلاة. أما بالنسبة للرؤية والصلاة أيضًا فيجب ولا يشترط ستر عورة الرجل وعورة الأمة. أما عورة الحرة أمام امرأة أخرى مسلمة أو كافرة، فهي للرؤية ما بين السرة والركبة.
كما يجب على الحرة أمام رجل أجنبي، أي ليس بمحرم لها ستر جميع البدن
(١) رواه أحمد والبخاري (نيل الأوطار:٦٤/ ٢) ويؤيده حديث آخر رواه أحمد عن عائشة: «أن رسول الله ﷺ كان جالسًا كاشفًا عن فخذه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على حاله، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه ..» (نيل الأوطار:٦٣/ ٢).
 
غير الوجه والكفين، أما هما فليسا بعورة، وإن وجب عليها سترها لخوف الفتنة، ولا يجوز للرجل أن يرى من المرأة المَحْرم ولو بمصاهرة ورضاع صدرها ونحوه غير الوجه والأطراف وإن لم يلتذ، خلافًا للشافعية وغيرهم الذين أجازوا رؤية ما عدا ما بين السرة والركبة، وذلك فسحة، والأطراف تشمل العنق والرأس وظهر القدم.
يتبين من ذلك أن العورة في الرجل والمرأة بالنسبة للصلاة: مغلظة ومخففة. فالمغلظة للرجل: السوأتان (القبل وحلقة الدبر)، والمخففة له: ما زاد على السوأتين مما بين السرة والركبة. والمغلظة للأمة: الأليتان وما بينهما من فم الدبر، والفرج وما والاه من العانة. والمخففة: الفخذ وما فوق العانة للسرة.
والمغلظة للحرة: جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر، والمخففة لها: هي جميع البدن ما عدا الوجه والكفين.
فمن صلى مكشوف شيء من العورة المغلظة مع الذِّ كْر والقدرة على الراجح ولو بشراء أو إعارة، بطلت صلاته، ويعيد أبدًا على المشهور.
ومن صلى مكشوف شيء من العورة المخففة، لا تبطل صلاته، وإن كان كشفها مكروهًا ويحرم النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة أن يعيد الصلاة في الوقت الضروري (في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين: الليل كله، وفي الصبح للطلوع).
ويحرم النظر للعورة ولو بلا لذة إذا كانت غير مستورة، أما النظر إليهما مستورة فهو جائز بخلاف جسها من فوق الساتر، فإنه لا يجوز.
والعورة بالنسبة للرؤية: للرجل ما بين السرة والركبة، وللمرأة أمام رجل
 
أجنبي جميع بدنها غير الوجه والكفين، وأمام محارمها جميع جسدها غير الوجه والأطراف: وهي الرأس والعنق واليدان والرجلان، إلا أن يخشى لذة، فيحرم ذلك، لا لكونه عورة. والمرأة مع المرأة أو مع ذوي محارمها كالرجل مع الرجل: ترى ما عدا ما بين السرة والركبة، وأما المرأة في النظر إلى الأجنبي فهي كحكم الرجل مع ذوات محارمه وهو النظر إلى الوجه والأطراف (الرأس واليدين والرجلين).

مذهب الشافعية (١):
أـ عورة الرجل: ما بين سُرَّته وركبته (٢) في الصلاة والطواف وأمام الرجال الأجانب والنساء المحارم، لما روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال: «عورة المؤمن ما بين سرته إلى ركبته» وروى البيهقي «وإذا زوج أحدكم أمته - عبده أو أجيره - فلا تنظر - أي الأمة - إلى عورته» وروي في ستر الفخذ أحاديث، منها: «لا تُبرز فخِذاك، ولا تنظر إلى فخذي حي ولا ميت» (٣) ومنها قوله ﷺ لجَرْهد الأسلمي: «غطِّ فخذك، فإن الفخذ عورة» (٤).
فالسرة والركبة ليستا من العورة على الصحيح، لحديث أنس السابق في مذهب المالكية المتضمن إظهار النبي ﷺ فخذه. لكن يجب ستر شيء من الركبة لستر الفخذ، ومن السرة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما أبان الشافعية والحنابلة والمالكية في الأصول (٥).
(١) مغني المحتاج:١٨٥/ ١، المهذب:٦٤/ ١، المجموع:١٧٠/ ٣ - ١٧٦.
(٢) السرة: الموضع الذي يقطع من المولود، والركبة: موصل ما بين أطراف الفخذ وأعالي الساق.
(٣) رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبزار، وفيه علة (نيل الأوطار:٦٢/ ٢).
(٤) رواه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن، وصححه ابن حبان (المصدر السابق:٦٣/ ١).
(٥) شرح الإسنوي:١٢٧/ ١، المدخل إلى مذهب أحمد: ص٦١، مختصر ابن الحاجب: ص٣٨.
 
وأماعورة الرجل أمام النساء الأجانب بالنسبة للنظر، فجميع بدنه، وفي الخلوة: السوأتان فقط.
وقد رد على استدلال المالكية بحديث أنس وعائشة المتضمنين أن الفخذ ليست بعورة، بوجوه أربعة:
الأول: أنه حكاية فعل، وطرف الفخذ قد يتسامح في كشفه، لا سيما في مواطن الحرب ومواقف الخصام، والمقرر في الأصول: أن القول أرجح من الفعل.
والثاني: أن حديث أنس وعائشة لا يقويان على معارضة تلك الأقوال الصحيحة العامة لجميع الرجال.
والثالث: حديث عائشة في رواية مسلم فيه تردد: «كان رسول الله ﷺ مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه» والساق ليس بعورة إجماعًا، فهو مشكوك في المكشوف.
والرابع: غاية ما في هذه الواقعة بكشف الفخذ: أن يكون ذلك خاصًا بالنبي ﷺ؛ لأنه لم يظهر فيها دليل يدل على التأسي به في مثل ذلك، فيكون الواجب التمسك بالأقوال الناصعة على أن الفخذ عورة (١).
ب - عورة الأمة كالرجل في الأصح، إلحاقًا لها بالرجل بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة، ولأن الرأس والذراع مما تدعو الحاجة إلى كشفه.
جـ - عورة الحرة ومثلها الخنثى: ما سوى الوجه والكفين، ظهرهما وبطنهما من رؤوس الأصابع إلى الكوعين (الرسغ أو مفصل الزند) لقوله تعالى: ﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها﴾ [النور:٣١/ ٢٤]، قال ابن عباس وعائشة رضي
(١) نيل الأوطار:٦٤/ ٢، المجموع:١٧٦/ ٣.
 
الله عنهم: «هو الوجه والكفان» ولأن النبي ﷺ نهى المرأة الحرام (المحرمة بحج أو عمرة) عن لبس
القفازين والنقاب (١)، ولو كان الوجه عورة لما حرم سترهما في الإحرام، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء، وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء، فلم يجعل ذلك عورة.
وإذا انكشف بعض العورة في الصلاة مع القدرة على سترها بطلت صلاته، إلا إن كشفها ريح أو سهوًا، فسترها في الحال فلا تبطل، كما تقدم سابقًا. وإن كشفت بغير الريح أو بسبب بهيمة أو غير مميز فتبطل.
ولا يجب على الرجل ستر عورته عن نفسه، لكنه يكره نظره إليها.
وعورة المرأة الحرة بالنسبة للنظر: خارج الصلاة جميع بدنها أمام الرجال الأجانب، وأمام النساء الكافرات ما عدا ما يبدو عند المهنة أي الخدمة والاشتغال بقضاء حوائجها. وأما أمام النساء المسلمات والرجال المحارم: فعورتها كالرجل ما بين السرة والركبة.
ودليل العلماء كافة على وجوب ستر العورة وعدم جواز نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة: حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة في الثوب الواحد» (٢) وحديث بَهْز بن حَكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله، عوراتُنا ما نأتي منها، وما نَذَر؟ قال: احفظ عورتَك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك، قلتُ: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت ألا يراها أحد، فلا يَرَينَّها، قلت: فإذا
(١) في صحيح البخاري عن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: «ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين».
(٢) رواه مسلم وأبو داود والترمذي (نيل الأوطار:٦١/ ٢).
 
كان أحدنا خاليًا؟ قال: فالله ﵎ أحقُ أن يُسْتَحيا منه» (١) فهو يدل على أن التعري في الخلاء غير جائز. ويؤيده حديث ابن عمر عند الترمذي بلفظ: «قال رسول الله ﷺ: إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط»، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم».
واستدل البخاري على جواز التعري في الغسل بقصة موسى وأيوب.

مذهب الحنابلة (٢):
أـ عورة الرجل: ما بين سرته وركبته، للأحاديث السابقة التي استدل بها الحنفية والشافعية، وليست سرته وركبتاه من عورته، لحديث عمرو بن شعيب السابق: «.. فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة» وحديث أبي أيوب الأنصاري بلفظ: «أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة» (٣)، ولأن الركبة حد، فلم تكن من العورة كالسرة. والخنثى المشكل كالرجل، إذ لا نوجب عليه الستر بأمر محتمل متردد.
ويجب بالإضافة لذلك لصحة الصلاة في ظاهر المذهب: أن يستر الرجل أحد منكبيه، ولو بثوب خفيف يصف لون البشرة؛ لأن وجوب ستر المنكبين بالحديث، ولفظه: «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد، ليس على عاتقه منه شيء» (٤) وهذا نهي يقتضي التحريم، ويقدم على القياس، وروى أبو داود عن بريدة قال: «نهى رسول الله ﷺ أن يصلي في لحاف، ولا يتوشح به».
(١) رواه الخمسة إلا النسائى (المصدر السابق).
(٢) المغني:٥٧٧/ ١ - ٥٨٢، ٦٠١ - ٦٠٦، كشاف القناع: ٣٠٦/ ١ - ٣١٥، غاية المنتهى: ٩٧/ ١ - ٩٩.
(٣) رواه أبو بكر بإسناده.
(٤) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة.
 
لكن من لم يجد إلا ما يستر عورته فقط أو منكبيه فقط، ستر عورته وصلى قائمًا وجوبًا، وترك ستر منكبيه، لقوله ﷺ: «إذا كان الثوب واسعًا، فخالف بين طرفيه، وإن كان ضيقًا فاشدده على حَقْوك» (١) أي خصرك.
وعلى الرجل أن يستر عورته في الصلاة عن النظر، حتى عن نفسه، فلو رأى عورته من جيب واسع لقميصه، إذا ركع أو سجد، وجب زره ونحوه ليسترها، لعموم الأمر بستر العورة.
كما يجب عليه سترها ولو في خلوة أو ظلمة، لحديث بَهْز بن حكيم السابق «احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك ...».
ولا يجب سترها بحصير وحفيرة وطين وماء كدر؛ لأن ذلك لا يثبت، وفي الحفيرة حرج.
وإن انكشف من العورة يسير، لم تبطل صلاته، لما رواه أبو داود عن عمرو ابن سلمة الذي كانت تنكشف عنه بردته لقصرها إذا سجد.
وإن انكشف من العورة شيء كثير، تبطل صلاته. والمرجع في التفرقة بين اليسير والكثير إلى العرف والعادة.
لكن إن انكشف الكثير من العورة عن غير عمد، فستره في الحال، من غير تطاول الزمان، لم تبطل؛ لأن اليسير من الزمان أشبه اليسير في القَدْر. فإن طال كشفها، أو تعمد كشفها، بطلت الصلاة مطلقًا.
ب - عورة الأمة كالرجل: ما بين السرة والركبة على الراجح، لحديث عمرو ابن شعيب السابق مرفوعًا: «إذا زوج أحدكم عبده - أمَتَه أو أجيره - فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن ما تحت السرة إلى ركبته عورة».
(١) رواه أبو داود.
 
هذا بالنسبة لعورة الأمة في الصلاة، بقصد التخفيف عنها، ودفع الحرج والتيسير عليها وعلى الآخرين، لانشغالها بخدمة سيدها، ولأن من شأن الأمة الابتذال والقيام بالأعمال، ولضعف الميل إليها غالبًا، أما بالنسبة للنظر فيحرم على الناس غير السيد إدمان النطر إلى الإماء، منعًا من الفتنة، وللأمر بغض البصر عن جميع النساء.
جـ - عورة الحرة البالغة: جميع بدنها سوى وجهها، وكفيها على الراجح - عند جماعة - من الروايتين، لقوله تعالى: ﴿ولا يبدين زينتهن إلا ماظهر منها﴾ [النور:٣١/ ٢٤]، قال ابن عباس وعائشة: «وجهها وكفيها» (١) وليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها في الصلاة، بدليل الأحاديث السابقة عند الشافعية. والدليل على وجوب تغطية القدمين: ما روت أم سلمة قالت: «قلت: يا رسول الله، أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: نعم، إذا كان سابغًا يغطي ظهور قدميها» (٢) وهذا يدل على وجوب تغطية القدمين، ولأنه محل لا يجب كشفه في الإحرام، فلم يجز كشفه في الصلاة كالساقين.
ويجزئ المرأة من اللباس ما سترها الستر الواجب، لحديث أم سلمة السابق والمستحب أن تصلي المرأة في دِرْع (قميص سابغ يغطي قدميها) وخمار يغطي رأسها وعنقها، وجلباب تلتحف به من فوق الدرع. وحكم انكشاف شيء من عورة المرأة غير الوجه والكفين بالتفرقة بين اليسير والكثير، كحكم الرجل سابقًا.

وعورة المرأة مع محارمها الرجال: 
هي جميع بدنها ما عدا الوجه والرقبة واليدين والقدم والساق.
(١) رواه البيهقي، وفيه ضعف، وخالفهما ابن مسعود.
(٢) رواه أبو داود، وقال: وقفه جماعة على أم سلمة، ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار. وروى الترمذي حديثًا عن ابن عمر في موضوعه، وقال: حديث حسن صحيح.
 
وجميع بدن المرأة حتى الوجه والكفين خارج الصلاة عورة كما قال الشافعية، لقوله ﷺ السابق: «المرأة عورة».
ويباح كشف العورة لنحو تداوٍ وتخل في الخلاء، وختان، ومعرفة بلوغ، وبكارة وثيوبة، وعيب.

عورة المسلمة أمام الكافرة: 
عورة الحرة المسلمة أمام الكافرة عند الحنابلة والمالكية كالرجل المحرم: ما بين السرة والركبة. وقال الحنفية والشافعية: جميع البدن ماعدا مايظهر عند المهنة أي الأشغال المنزلية.
ومنشأ الخلاف تفسير المراد من آية النور ﴿ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن﴾ .. إلى أن قال: ﴿أو نسائهن﴾ [النور:٣١/ ٢٤] فال الحنابلة وآخرون: المراد بهن: عموم النساء، بلا فرق بين المسلمات والكافرات، فيجور للمرأة المسلمة أن تبدي من زينتها للمرأة الكافرة ما يحل لها أن تبديه للمسلمة.
وقال الحنفية والشافعية: إن المراد بهن خصوص النساء المسلمات، أي المختصات بهن في الصحبة والأخوة في الدين، وعلى هذا فلا يحل للمسلمة أن تبدي شيئًا من زينتها الباطنة للكافرة (١).

العورة المنفصلة: 
يحرم النظر إلى عورة الرجل عند الحنفية والشافعية متصلة كانت أو منفصلة من شعر أو ذراع أو فخذ.
وقال الحنابلة: العورة المنفصلة لا يحرم النظر إليها لزوال حرمتها بالانفصال.
(١) تفسير آيات الأحكام بالأزهر:١٦٤/ ٣.
 
وقال المالكية: يجوز النظر إلى العورة المنفصلة حال الحياة، ويحرم النظر إلى العورة المنفصلة بعد الموت كالمتصلة.

صوت المرأة:
 صوت المرأة عند الجمهور ليس بعورة؛ لأن الصحابة كانوا يستمعون إلى نساء النبي ﷺ لمعرفة أحكام الدين، لكن يحرم سماع صوتها بالتطريب والتنغيم ولو بتلاوة القرآن، بسبب خوف الفتنة.
وعبارة الحنفية: الراجح أن صوت المرأة ليس بعورة.
والخلاصة: أن العلماء اتفقوا على أن الفرجين عورة، وأن السرة ليست بعورة وأن عورة الرجل ما بين السرة والركبة، وأن عورة المرأة في الصلاة ما عدا الوجه والكفين، وما عدا القدمين عند الحنفية، وأن عورتها خارج الصلاة جميع بدنها. واختلفوا في الركبة، فقال الحنفية: إنها عورة، وقال الجمهور: إنها ليست بعورة، ولكن يجب ستر شيء منها ومن السرة، لأنها مقدمة الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وأما عورة المرأة أمام أقاربها المحارم أو النساء المسلمات،
 
فهي ما بين السرة والركبة عند الحنفية والشافعية، وقال المالكية: جميع بدنها ما عدا الوجه والأطراف: وهي الرأس والعنق واليدان والرجلان. وقال الحنابلة: جميع بدنها ما عدا الوجه والرقبة والرأس واليدين والقدم والساق فالقدم ليس بعورة عند الحنابلة والحنفية.

حد عورة الصغير: 
اختلف الفقهاء في بيان حد عُمره الصغير والصغيرة، بين متشدد كالشافعية، ومخفف كالمالكية، ومتوسط كالحنابلة والحنفية.
قال الحنفية (١): لا عورة للصغير جدًا وهو من عُمره أربع سنين فأقل، فيباح
(١) الدر المختار ورد المحتار:٣٧٨/ ١.
 
النظر إلى بدنه ومسه. ثم ما دام لم يشته فعورته القُبُل والدبر، ثم تغلظ عورته إلى عشر سنين، أي تعتبر عورته: الدبر وما حوله من الأليتين والقبل وما حوله. وبعد العاشرة تعتبر عورته كعورة البالغ في الصلاة وخارجها، سواء أكان ذكرًا أم أنثى.
وقال المالكية (١): يفرق بين الذكر والأنثى:
أـ في الصلاة: عورة الصغير الذكر المأمور بالصلاة وهو بعد تمام السبع: هي السوأتان والأليتان والعانة والفخذ، فيندب له سترها كحالة الستر المطلوب من البالغ.
وعورة الصغيرة المأمورة بالصلاة: ما بين السرة والركبة، ويندب لها سترها كالستر المطلوب من البالغة.
ب - خارج الصلاة: ابن ثمان سنين فأقل لا عورة له، فيجوز للمرأة النظر إلى جميع بدنه وتغسيله ميتًا. وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة يجوز لها النظر إلى جميع بدنه، ولكن لا يجوز لها تغسيله. وابن ثلاث عشرة سنة فأكثر عورته كعورة الرجل.
وبنت سنتين وثمانية أشهر لا عورة لها. وبنت ثلاث سنين إلى أربع لا عورة لها في النظر، فينظر إلى بدنها، ولها عورة في المس فليس للرجل أن يغسلها، والمشتهاة كبنت ست كالمرأة، لا يجوز للرجل النظر إلى عورتها ولا تغسيلها.
وقال الشافعية (٢): عورة الصغير ولو غير مميز كالرجل: ما بين السرة والركبة. وعورة الصغيرة كالكبيرة أيضًا في الصلاة وخارجها.
(١) الشرح الصغير:٢٦٧/ ١، الشرح الكبير مع الدسوقي:٢١٦/ ١.
(٢) مغني المحتاج:١٨٥/ ١.
 
وقال الحنابلة (١): الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين: لا عورة له، فيباح النظر إليه ومس جميع بدنه. وابن سبع إلى عشر عورته الفرجان فقط في الصلاة وخارجها، وبنت سبع إلى عشر عورتها في الصلاة: ما بين السرة والركبة، وأما خارج الصلاة فمثل الكبيرة: أمام المحارم عورتها ما بين السرة والركبة ويستحب لها الاستتار وستر الرأس كالبالغة احتياطًا، وأمام الأجانب: عورتها جميع بدنها إلا الوجه والرقبة والرأس، واليدين إلى المرفقين، والساق والقدم. وابن عشر كالكبير تمامًا. ويظهر لي أن هذا الرأي ورأي الحنفية أولى لاتفاقه مع حديث الأمر بالصلاة لسبع، والضرب عليها لعشر.

الشرط الخامس - استقبال القبلة:
اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، لقوله تعالى: ﴿ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ [البقرة:١٥٠/ ٢] إلا في حالتين: في شدة الخوف، وصلاة النافلة للمسافر على الراحلة. وقيد المالكية والحنفية شرط الاستقبال بحالة الأمن من عدو وسبع وبحالة القدرة، فلا يجب الاستقبال مع الخوف، ولا مع العجز كالمربوط والمريض الذي لا قدرة له على التحول ولا يجد من يحوله، فيصلي لغيرها إلى أي جهة قدر، لتحقق العذر.
واتفق العلماء على أن من كان مشاهدًا معاينًا الكعبة: ففرضه التوجه إلى عين الكعبة يقينًا. ومثله عند الحنابلة: أهل مكة أوالناشئ بها وإن كان هناك حائل محدث كالحيطان بينه وبين الكعبة.
(١) كشاف القناع:٣٠٨/ ١ وما بعدها.
 
وأما غير المعاين للكعبة ففرضه عند الجمهور (غير الشافعية) إصابة جهة الكعبة (١)، لقوله ﷺ: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (٢) وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة، ولأنه لو كان الفرض إصابة عين الكعبة، لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة، فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها. وهذا هو الأرجح لدي.
وقال الشافعي في الأم: فرضه - أي الغائب عن مكة - إصابة العين أي عين الكعبة؛ لأن من لزمه فرض القبلة، لزمه إصابة العين، كالمكي، ولقوله تعالى: ﴿وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ [البقرة:١٥٠/ ٢]، أي أنه يجب عليه التوجه إلى الكعبة، فلزمه التوجه إلى عينها كالمعاين (٣).
والمطلوب عند أئمة المذاهب في إصابة جهة الكعبة محاذاتها ببدنه وبنظره إليها (٤)، بأن يبقى شيء من الوجه مسامتًا (محاذيًا) للكعبة، أو لهوائها عند الجمهور غير المالكية، بحيث لو امتد خط من وجهه في منتصف زاوية قائمة، لكان مارًا على الكعبة أو هوائها، والكعبة: من الأرض السابعة إلى العرش، فمن صلى في الجبال العالية والآبار العميقة السافلة، جاز، كما يجوز على سطحها وفي جوفها، ولو افترض زوالها، صحت الصلاة إلى موضع جدارها.
(١) الدر المختار:٣٩٧/ ١ - ٤٠٦، الشرح الصغير:٢٩٢/ ١ - ٢٩٦، الشرح الكبير:٢٢٢/ ١،٢٢٨، القوانين الفقهية: ص٥٥، كشاف القناع:٣٥٠/ ١،٣٦٤، المغني:٣٥٠،٣٦٤، المغني:٤٣١/ ١ - ٤٥٢، اللباب: ٦٧/ ١، مراقي الفلاح: ص٣٤، تبيين الحقائق:١٠٠/ ١ ومابعدها.
(٢) رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، عن أبي هريرة. وهذا في قبلة أهل المدينة والشام.
(٣) المجموع:١٩٤/ ٣، ٢١٢، المهذب:٦٧/ ١، حاشية الباجوري: ١٤٧/ ١ ومابعدها.
(٤) قال الشافعية: يجب استقبالها حقيقة في الواقف والجالس، وحكمًا في الراكع والساجد، ويجب استقبالها بالصدر والوجه لمن كان مضطجعًا، وبالوجه والأخمصين إن كان مستلقيًا.
 
وقال المالكية: الواجب استقبال بناء الكعبة، ولا يكفي استقبال الهواء لجهة السماء.

الاجتهاد في القبلة:
يجب التحري والاجتهاد في القبلة أي بذل المجهود لنيل المقصود بالدلائل على من كان عاجزًا عن معرفة القبلة، واشتبهت عليه جهتها، ولم يجد أحدًا ثقة يخبره بها عن علم أي يقين ومشاهدة لعينها، فمن وجده اتبعه؛ لأن خبره أقوى من الاجتهاد.
والدليل على وجوب التحري: ما روى عامر بن ربيعة أنه قال: «كنا مع رسول الله ﷺ في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله ﷺ، فنزلت ﴿فأينما تولوا فثَمَّ وجه الله﴾ [البقرة:١١٥/ ٢]» (١).
ومن لم يجد ثقة يقلده اعتمد على الدلائل كالفجر والشفق والشمس والقطب وغيره من الكواكب، والريح الشرقي أو الغربي أو الجنوبي، وغيرها كثير، وأضعفها الرياح وأقواها نجم القطب في الليل.
والقطب: نجم صغير من بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي، ويختلف باختلاف الأقاليم، ففي مصر يكون خلف أذن المصلي اليسرى، وفي العراق يكون خلف اليمنى، وفي أكثر اليمن يكون قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وفي الشام وراءه.
(١) أخرجه الترمذي وابن ماجه، لكن قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذا ك، وفيه ضعيف. وفيه حديث آخر ضعيف عن جابر رواه الحاكم والبيهقي والدارقطني (نصب الراية:٣٠٤/ ١).
 
الخطأ في الاجتهاد:
إن تيقن الخطأ في اجتهاده، فقال الحنفية: إن كان في الصلاة استدار وبنى عليها أي أكمل صلاته، فلو صلى كل ركعة لجهة، جاز. وإن كان بعد الصلاة صلى الصلاة القادمة، ولا إعادة عليه لما مضى، لإتيانه بما في وسعه، قال علي: «قبلة المتحري جهة قصده» ومن صلى بلا تحرٍ وأصاب، لم تصح صلاته، لتركه فرض التحري، إلا إذا علم إصابته بعد فراغه، فلا يعيد بالاتفاق عندهم.
ومن أمَّ قومًا في ليلة مظلمة، فتحرى القبلة وصلى إلى جهة أخرى، وتحرى من خلفه، وصلى كل واحد منهم إلى جهة، وكلهم خلف الإمام، فمن علم منهم بحال إمامه تفسد صلاته، ومن لم يعلم ما صنع الإمام، صحت صلاته وأجزأه، لوجود التوجه إلى جهة التحري، ومخالفة المأمومين لإمامهم لا تمنع صحة الصلاة، كالصلاة في جوف الكعبة.
وقال المالكية: إن تبين المجتهد في القبلة خطأ: يقينًا أو ظنًا، في أثناء الصلاة، قطعها إن كان بصيرًا منحرفًا كثيرًا، بأن استدبر أو شرّق أو غرب، وابتدأها بإقامة، ولا يكفي تحوله لجهة القبلة.
وإن كان أعمى، أو كان منحرفًا انحرافًا يسيرًا، فلا إعادة عليه. وإن كان بصيرًا منحرفًا كثيرًا أو ناسيًا للجهة التي أداه اجتهاده إليها، أو التي دله عليها العارف، أعاد في الوقت على المشهور.
وقال الشافعية: إن تيقن الخطأ في الصلاة أوبعدها، استأنفها أي أعادها من جديد؛ لأنه تعين له يقين الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء، فلم يعتد بما مضى، كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه.
 
وإن تغير اجتهاده للصلاة الثانية، فأداه اجتهاده إلى جهة أخرى، صلى الصلاة الثانية إلى الجهة الثانية، ولا يلزمه إعادة ما صلاه إلى الجهة الأولى، كالحاكم إذا حكم باجتهاده، ثم تغير اجتهاده، لم ينقض ما حكم فيه بالاجتهاد الأول.
ويجتهد لكل فرض، فإن تحير، صلى كيف شاء، ويقضي وجوبًا لأن ذلك أمر نادر.
وقال الحنابلة: إن بان له يقين الخطأ وهو في الصلاة، استدار إلى جهة الكعبة، وبنى على ما مضى من الصلاة، كما قرر الحنفية؛ لأن ما مضى منها كان صحيحًا، فجاز البناء عليه، كما لو لم يبن له الخطأ. وكذلك تستدير الجماعة مع الإمام إن بان لهم الخطأ في حال واحدة.
وإن تبين خطأ اجتهاده بعد الصلاة، بأن صلى إلى غير جهة الكعبة يقينًا لم يلزمه الإعادة، ومثل المجتهد في هذا: المقلد الذي صلى بتقليده، وهذا موافق لمذهب الحنفية.
أما من صلى في الحضر إلى غير الكعبة سواء أكان بصيرًا أم أعمى، ثم بان له الخطأ، فعليه الإعادة؛ لأن الحضر ليس بمحل الاجتهاد؛ لأن من فيه يقدر على معرفة القبلة بالمحاريب، ويجد من يخبره عن يقين غالبًا، فلا يكون له الاجتهاد، كالقادر على النص في سائر الأحكام.
والخلاصة: أن الحنفية والحنابلة يقررون البناء على الصلاة في أثنائها، ولا يوجبون الإعادة في حال الاجتهاد. وتبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة إلا المقيم في الحضر عند الحنابلة. والمالكية والشافعية يقررون قطع الصلاة إذا عرف الخطأ فيها، وإعادة الصلاة إذا عرف الخطأ بعدها، لكن المالكية يوجبون الإعادة في الوقت
 
الضروري فقط. والشافعية يوجبون الإعادة مطلقًا في الوقت وبعده، لتبين فساد الأولى.

هذا ويتعلق بشرط الاستقبال بحث أمرين: الصلاة في الكعبة، وصلاة المسافر على الراحلة.

الصلاة في الكعبة:
عرفنا أنه لا بد شرعًا من استقبال جزء من الكعبة، وعند غير المالكية: أو استقبال هوائها إلى السماء، والثابت عنه ﷺ أنه دخل الكعبة المشرفة يوم فتح مكة مرة واحدة وصلى فيها، روى ابن عمر أنه قال لبلال: هل صلى النبي ﷺ في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين السَّاريتين عن يسارك إذا دخلتَ، ثم خرج، فصلى
في وجهة الكعبة ركعتين» (١).
وإذا كان ابن عباس عند البخاري وغيره روى «أنه ﷺ كبَّر في البيت ولم يصل فيه» فإنه يقدم حديث ابن عمر، لأنه مثبت، وحديث ابن عباس لأنه نافي، والمقرر عند جمهور الفقهاء غير الشافعية: أنه إذا تعارض المثبت والنافي قدم المثبت، لأنه يشتمل على زيادة علم (٢) ولأن ابن عمر كان مع النبي ﷺ ولم يكن ابن عباس معه، وأما نفي أسامة الصلاة فلأنه نقل ما لاحظه من اشتغال النبي ﷺ بالدعاء في ناحية وأسامة في ناحية، وذلك في حال الظلمة بسبب إغلاق باب الكعبة (٣).
(١) رواه أحمد والبخاري: ورواه البخاري ومسلم أيضًا عن ابن عمر، وفيه بيان الأشخاص الذين معه، وهم أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة (نيل الأوطار:١٤٠/ ٢).
(٢) مسلم الثبوت:١٦٢/ ٢، المستصفى:١٢٩/ ٢، التلويح على التوضيح:١٠٩/ ٢، الإحكام للآمدي١٨٦/ ٣.
(٣) راجع نيل الأوطار:١٤١/ ٢ وما بعدها.
 
وقد أقر الفقهاء مشروعية الصلاة في جوف الكعبة، فقال الحنفية (١): يصح أداء الصلاة فرضًا أو نفلًا ولوجماعة في الكعبة أو على سطحها وإن لم يتخذ سترة، لكنه يكره الصلاة فوقها، لإساءة الأدب، باستعلائه عليها، وترك التعظيم المطلوب لها، ونهي النبي عنه. وإن صلى الإمام بجماعة، فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام جاز، ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته، لتقدمه على الإمام.
وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام، تحلَّق الناس حول الكعبة، وصلوا بصلاة الإمام، فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام، جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام؛ لأن التقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الجانب.
وقال الشيخ خليل من المالكية (٢): يجوز لأي جهة الصلاة في الكعبة وعلى سطحها نفلًا غير مؤكد، ومنه سنن الرواتب كأربع ركعات قبل الظهر والضحى والشفْع (سنة العشاء)، كما يجوز النفل مستقبل القبلة في الحِجْر أي حجر إسماعيل. ولا تصح عندهم الفرائض في داخل الكعبة.
وتكره السنن المؤكدة كالوتر والعيدين وركعتي الفجر وركعتي الطواف.
ولا تجوز صلاة الفرض في الكعبة أو في الحِجْر، فإن وقع، أعاده بوقت ضروري (وهو في الظهرين للاصفرار وفي العشاءين الليل كله، وفي الصبح حتى طلوع الشمس). وتبطل صلاة الفرض على ظهر الكعبة، ويعاد أبدًا؛ لأن الواجب استقبال البناء، ولا يكفي استقبال الهواء لجهة السماء.
(١) البدائع:١١٥/ ١، فتح القدير:٤٧٩/ ١ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص٧٠، اللباب:١٣٨/ ١ ومابعدها.
(٢) الشرح الصغير:٢٩٧/ ١، القوانين الفقهية: ص٤٩.
 
والخلاصة: إن هذا التفصيل الذي قرره العلامة خليل والقول بجواز هذه الصلاة هو حكم ضعيف عند المالكية، كما صرح شارح خليل. وقال ابن جزي المالكي: تكره الصلاة على ظهر الكعبة، وتمنع في المذهب الفرائض داخل الكعبة.
وقال الشافعية (١): تجوز الصلاة فرضًا أو نفلًا في الكعبة أو على سطحها إن استقبل من بنائها أوترابها شاخصًا (سترة) ثابتًا كعتبة وباب مردود أو عصا مسمَّرة أو مثبتة فيه، قدر ثلثي ذراع تقريبًا فأكثر بذراع الآدمي، وإن بعد عنه ثلاثة أذرع فأكثر.
وإنما صح استقبال هوائها لمن هو خارج عنها، فلأنه يعد حينئذ متوجهًا إليها كالمصلي على أعلى منها كأبي قبيس، بخلاف القريب منها المصلي فيها أو عليها.
وأجاز الحنابلة (٢) أيضًا صلاة النافلة في الكعبة أو على سطحها، ولا تصح صلاة الفريضة لقوله تعالى: ﴿وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ [البقرة:١٥٠/ ٢]، والمصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها، والنافلة مبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صلاتها قاعدًا، أو إلى غير القبلة في السفر على الراحلة.

صلاة النافلة على الراحلة للمسافر:
يجوز التطوع على الراحلة للمسافر باتجاه مقصده بإجماع العلماء، ولما ثبت في السنة، عن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله ﷺ، وهو على راحلته يسبِّح، يومئ برأسه، قِبَل أي وِجْهة توجَّه، ولم يكن يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة (٣).
(١) المجموع:١٩٧/ ٣، الحضرمية: ص٥٢، المهذب:٦٧/ ١.
(٢) كشاف القناع:٣٥٤/ ١، المغني:٧٣/ ٢.
(٣) متفق عليه (نيل الأوطار:١٤٤/ ٢) والراحلة في الأصل: الناقة التي تصلح للرحل، والمراد كل حيوان وإن لم يكن من الابل.
 
وللفقهاء آراء وشروط في صلاة النافلة على الراحلة:
قال الحنفية (١): إن قبلة العاجز لمرض أو ركوب على دابة جهة قدرته، ولو مضطجعًا، ويصلي بإيماء أي يتوجه العاجز إلى أي جهة قدر، سواء أكان مسافرًا أم خائفًا من عدو أو سبع أو لص، أم هاربًا من العدو. لكن يشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف الضرر، كأن تذهب القافلة وينقطع، فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة، حتى في ابتداء الصلاة بتكبيرة الإحرام.
والجائز هو صلاة النفل والسنن المؤكدة إلا سنة الفجر، فلا تجوز صلاة الفرض، والواجب بأنواعه كالوتر، والمنذور، وصلاة الجنازة، أي لا يجوز ذلك على الدابة بلا عذر لعدم الحرج.
والنافلة تجوز للمقيم الراكب خارج المصر لمسافة يجوز القصر فيها (وهي ٩٨كم) كما تجوز للمسافر بالأولى، فالأول في حكم الثاني.
وتتم الصلاة بالإيماء بالركوع والسجود، إلى أي جهة توجهت دابته للضرورة، ولا يشترط استقبال القبلة في الابتداء كما ذكرت، لأنه لما جازت الصلاة إلى غير جهة الكعبة، جاز الافتتاح إلى غير جهتها.
وظاهر المذهب والأصح: أنه تصح الصلاة ولو كان على سرج الدابة أو ركابها نجس كثير.
وقال المالكية (٢): يجوز للمسافر الراكب في السفر الذي يخاف إن نزل لصًا أو سبعًا أن يتنفل بالصلاة ولو بوتر، على الدابة إلى القبلة وغيرها بحسب اتجاه
(١) الدر المختار ورد المحتار:٤٠٢/ ١،٦٥٤ - ٦٥٨.
(٢) القوانين الفقهية: ص٥٥، الشرح الصغير:٢٩٨/ ١ - ٣٠٢.
 
الدابة، ولو كان بمَحْمِل (وهو ما يركب فيه من مِحَفَّة (١) أو هَوْدَج ونحوهما مما يجلس فيه) ويصلي فيه متربعًا.
والراكب يصلي بالإيماء، فيومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يتكلم ولا يلتفت، ولا يشترط طهارة الأرض.
واشترطوا لجواز التنفل صوب السفر شروطًا:
١ً - أن يكون السفر طويلًا سفر قصر (٩٨ كم) ومشروعًا، فلا يتنفل العاصي بسفره.
٢ً - وأن يكون راكبًا لا ماشيًا ولا جالسًا. أما الراكب في السفينة فيصلي إلى القبلة، فإن دارت السفينة استدار.
٣ً - وأن يكون راكب دابة من حمار أو بغل أو فرس أوبعير، لا سفينة أو راجل.
٤ً- وأن يكون ركوبه لها على الوجه المعتاد، لا مقلوبًا، أو جاعلًا رجليه معًا لجنب واحد.
ولا تصح صلاة فرض على ظهر الدابة، وإن كان المصلي مستقبلًا القبلة إلا في أحوال أربع هي:
أولها - حالة التحام القتال مع العدو الكافر أو غيره، من كل قتال جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، ولا يعيد الملتحم.
(١) المحفة: مركب من مراكب النساء كالهَوْدَج، إلا أنها لاتُقبَّب كما تقبب الهوادج.
 
ثانيها - حالة الخوف من عدو كسبع أو لص إن نزل عن دابته، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، وإن لم يمكن صلى لغير القبلة. فإن أمن الخائف بعد صلاته، أعاد في الوقت.
ثالثها - الراكب في خضخاض (قليل) من ماء، لا يطيق النزول فيه أو خشي تلطخ ثيابه، وخاف خروج الوقت الاختياري (المعتاد) أو الضروري (١) ويصلي الفرض على الدابة إيماء، فإن لم يخف خروج الوقت أخر الصلاة لآخر الاختياري.
رابعها - حالة مرض الراكب الذي لا يطيق النزول معه، فيؤدي الفريضة إيماء على الدابة للقبلة بعد إيقافها، كما يؤديها على الأرض بالإيماء.
وقال الشافعية (٢): يجوز للمسافر سفرًا مباحًا طويلًا أو قصيرًا صلاة النافلة على الراحلة، ولا يجوز ذلك للعاصي بسفره والهائم، ولا للماشي، فعليهم إتمام الشروط والأركان كلها من استقبال القبلة وإتمام الركوع والسجود، ولا يمشي الماشي إلا في قيامه وتشهده.
ويومئ المتنفل بركوعه وسجوده، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، ويشترط أن يبدأ الصلاة بالاتجاه إلى القبلة إن أمكنه. ولا تصح صلاة الآخذ بزمام الدابة إذا كان بها نجاسة. وإن وطئت نجاسة رطبة أو جافة لم تفارقها بطلت صلاته، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
(١) الوقت عند الثلاثة (المالكية والحنفية والشافعية) نوعان: وقت الاختيار: وهو الوقت المعروف لكل صلاة. ووقت الضرورة: هو الذي يمتد أكثر من الوقت الاختياري، وهو الذي يجوز فيه جمع الصلاتين. (انظر القوانين الفقهية: ص٤٣ ومابعدها).
(٢) حاشية الباجوري:١٤٨/ ١ ومابعدها، المهذب: ٦٩/ ١، المجموع:٢١٤/ ٣ ومابعدها. مغني المحتاج:١٤٢/ ١ ومابعدها.
 
أـ إن كان الراكب في مَرْقَد أو هودج (محمل واسع)، لزمه أن يتوجه إلى القبلة في جميع صلاته وإتمام الأركان كلها أو بعضها الذي هو الركوع والسجود، لتيسره عليه، وإن لم يسهل عليه ذلك، فلا يلزمه إلا التوجه للقبلة في تكبيرة إحرامه إن سهل عليه: بأن تكون الدابة واقفة وأمكنه تحريفها، أو تكون سائرة وبيده زمامها، وهي سهلة القيادة. فإن كانت صعبة أو لم يمكن تحريفها، أو كانت مقطورة لم يلزمه التوجه للقبلة للمشقة واختلال أمر السير عليه. ويحرم انحراف المصلي عن طريقه إلا إلى القبلة.
ودليل اشتراط استقبال القبلة في ابتداء الصلاة: حديث أنس ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ إذا كان في السفر، وأراد أن يصلي على راحلته تطوعًا، استقبل القبلة، وكبر، ثم صلى، حيث توجهت به» (١).
ب - وأما الملاح في سفينة (أي قائدها) فلا يلزمه التوجه للقبلة لمشقة ذلك عليه.
وقال الحنابلة (٢): يجوز للمسافر الراكب لا الماشي، سفرًا طويلًا أو قصيرًا أن يتطوع في السفر على الراحلة إذا قصد جهة معينة، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، قال جابر: «بعثني رسول الله ﷺ في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع» (٣) ولا يسقط الاستقبال إذا تنفل في الحضر كالراكب السائر في مصره أو قريته؛ لأنه ليس مسافرًا، وليس للهائم والتائه والسائح التنفل؛ إذ ليس له جهة معينة.
(١) رواه أحمد وأبو داود، وأخرجه الشيخان بنحو ما هنا (نيل الأوطار:١٧٢/ ٢).
(٢) المغني:٤٣٢/ ١ - ٤٣٨،٦٠٠، كشاف القناع:٣٥٠/ ١ - ٣٥٣.
(٣) رواه أبو داود.
 
ويجوز أن يصلي على البعير والحمار وغيرهما، قال ابن عمر: «رأيت رسول الله ﷺ يصلي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر» (١) لكن إن صلى على حيوان نجس، فلا بد أن يكون بينهما سترة طاهرة. وقبلة المصلي: حيث كانت وجهته، ولا يجوز انحرافه عن جهة سيره عند الإمكان إلا إلى القبلة، فإن فعل ذلك مغلوبًا أو نائمًا فهو على صلاته. وإن كان في مركب أو سفينة كبيرة يدور فيه كيفما شاء، ويتمكن من الصلاة إلى القبلة والركوع والسجود، فعليه استقبال القبلة في صلاته، ويسجد على ماهو عليه إن أمكن ذلك. وإن قدر على الاستقبال دون الركوع والسجود، استقبل القبلة وأومأ بهما.
وإن عجز عن الاستقبال سقط بغير خلاف، كما يسقط الاستقبال لأعذار أخرى كالتحام حرب وهرب من سيل أو نار أو سبع ونحوه، ولو كان العذر نادرًا كمريض عجز عن الاستقبال، وكمقعد عجز عمن يديره إلى القبلة وكمربوط ونحوه. وإن عجز عن الاستقبال في ابتداء صلاته، كراكب راحلة لا تطيعه، أو كان في قافلة (قطار) فليس عليه استقبال القبلة في شيء من الصلاة. ولا يلزم الملاح في سفينة الاتجاه إلى القبلة ولو في الفرض، لحاجته إلى تسيير السفينة وإن أمكنه افتتاح الصلاة إلى القبلة، كراكب راحلة منفردة تطيعه، ففي إلزامه التوجه إلى القبلة روايتان عن أحمد:
إحداهما وهي الراجحة: يلزمه، لحديث أنس السابق في مذهب الشافعية، وعلى هذا يلزم الراكب إذا تنفل على راحلته افتتاح النافلة إلى القبلة بالدابة، بأن يديرها إلى القبلة إن أمكنه بلا مشقة، أو يدور بنفسه إلى القبلة إن أمكنه ذلك بلا مشقة.
(١) رواه أبو داود والنسائي.
 
والثانية: لا يلزمه، لأنه جزء من أجزاء الصلاة، فأشبه سائر أجزائها، ولأن ذلك لا يخلو من مشقة، فسقط، وخبر أنس السابق يحمل على الفضيلة والندب.
ويجوز للمسافرالتنفل على الراحلة ولو كانت النافلة وترًا أو غيره من سنن الرواتب وسجود التلاوة. والماشي في السفر لا تباح له الصلاة في حال مشيه، بل يلزمه افتتاح النافلة إلى القبلة، كما يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة على الأرض لتيسر ذلك عليه مع متابعة سيره، ويفعل باقي الصلاة إلى جهة سيره.
وأما الصلاة على الراحلة لأجل المرض، ففيه روايتان:
إحداهما: ىجوز؛ لأن المشقة بالنزول في المرض أشد منها بالنزول في المطر. ومن صلى على الراحلة لمرض أو مطر، فليس له ترك الاستقبال.
والثانية: لا يجوز ذلك؛ لأن ابن عمر (كان يُنزل مرضاه) ولأنه قادر على الصلاة أو على السجود، فلم يجز تركه كغير المريض.
والخلاصة: أن الفقهاء اتفقوا على جواز الصلاة على الراحلة في السفر الطويل، وعلى كون الصلاة بالإيماء، واختلفوا في السفر القصير، فأجازها الشافعية والحنابلة، ومنعها المالكية والحنفية.
وليس استقبال القبلة شرطًا عند الحنفية والمالكية، وهو شرط عند الشافعية والحنابلة في بداية الإحرام بالصلاة عند الإمكان، ويسقط بالعجز، بأن لم يمكنه افتتاح النافلة إلى القبلة، بلا مشقة، كأن يكون مركوبه حَرُونًا تصعب عليه إدارته.
ولا يضر اشتمال الدابة على نجاسة عند الحنفية والمالكية، ويضر ذلك عند الشافعية، وتصح الصلاة عند الحنابلة بشرط وجود ساتر، إذ إنه يشترط لصحة التنفل طهارة محل المصلي نحو سرج وإكاف كغيره، لعدم المشقة فيه، فإن كان
 
المركوب نجس العين، أو أصاب موضع الركوب منه نجاسة، وفوقه حائل طاهر، من برذعة ونحوها، صحت الصلاة، وإن وطئت دابته نجاسة، لم تبطل صلاته عند الحنابلة.
ولا تصح صلاة الفرض على الدابة إلا إذا أتى بها كاملة الأركان مستوفية الشروط. ومن صلى في سفينة عليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك، وعليه إذا غيرت جهتها أن يدور لو دارت السفينة وهو يصلي.

الشرط السادس - النية:
النية من شروط الصلاة عند الحنفية والحنابلة، وكذا عند المالكية على الراجح، وهي من فروض الصلاة أو أركانها عند الشافعية ولدى بعض المالكية؛ لأنها واجبه في بعض الصلاة، وهو أولها، لا في جميعها، فكانت ركنًا كالتكبير والركوع.
وهي لغة: القصد، وشرعًا: عزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى. بأن يقصد بعمله الله تعالى، دون شيء آخر من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح أو نحوه. وهذا هو الإخلاص.
والنية واجبة في الصلاة باتفاق العلماء لتمييز العبادة عن العادة، وليتحقق في الصلاة الإخلاص لله تعالى؛ لأن الصلاة عبادة، والعبادة إخلاص العمل بكليته لله تعالى، قال الله تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ [البينة:٨٩/ ٥]، قال الماوردي: والإخلاص في كلامهم النية. ودل الحديث المعروف على إيجابها أيضًا، وهوقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (١) فلا تصح الصلاة بدون النية بحال.
(١) رواه الأئمة الستة في كتبهم عن عمر بن الخطاب ﵁ (نصب الراية:٣٠١/ ١).
 
وكمال النية: أن يستشعر المصلي الإيمان، وينوي التقرب إلى الله بالصلاة، ويعتقد وجوبها وأداءها في ذلك اليوم، ويعينها، وينوي عدد ركعاتها، وينوي الإمامة أو المأمومية (الاقتداء) أو الانفراد، ثم ينوي تكبيرة الإحرام. والواجب باتفاق الفقهاء استصحاب حكم النية دون حقيقتها، بمعنى أنه لا ينوي قطعها، فلو ذهل عنها وعزبت (غابت عنه) في أثناء الصلاة، لم يضر.

شروط النية:
  إن شروط النية: الإسلام، والتمييز، والعلم بالمنوي.

مقارنة النية للتكبير: 
 يشترط اتصال النية بالصلاة بلا فاصل أجنبي عند الحنفية (١) بين النية والتكبيرة، والفاصل عمل لا يليق بالصلاة كالأكل والشرب ونحو ذلك، أما إذا فصل بينهما بعمل يليق بالصلاة كالوضوء والمشي إلى المسجد، فلا يضر، فلونوى، ثم توضأ أو مشى إلى المسجد، فكبر، ولم تحضره النية، جاز، لعدم الفاصل الأجنبي، بدليل أن من أحدث في الصلاة، له البناء عليها بعد تجديد الوضوء.
ويندب اقتران النية بتكبيرة الإحرام، خروجًا من الخلاف، ولا يصح أن تتأخر النية عن التحريمة في الصحيح.
وكذلك يجوز تقديم النية في الحج، فلو خرج من بيته يريد الحج، فأحرم ولم تحضره النية، وكذلك الزكاة تجوز بنية وجدت عند الإفراز.
ولا تجزئ النية المتأخرة عن التكبير في الصلاة، أما الصوم فيجوز تأخيرها عن البدء به للضرورة، ولا ضرورة في الصلاة.
وقال الحنابلة (٢): الأفضل مقارنة النية للتكبير، خروجًا من خلاف من
(١) تبيين الحقائق:٩٩/ ١.
(٢) كشاف القناع:٣٦٧/ ١.
 
أوجبه، فإن تقدمت النية على التكبير بزمن يسير بعد دخول الوقت في أداء وراتبة، ولم يفسحها، وكان ذلك مع بقاء إسلامه، بأن لم يرتدّ، صحت صلاته؛ لأن تقدم النية على التكبير بالزمن اليسير لا يخرج الصلاة عن كونها منوية، ولا يخرج الفاعل عن كونه ناويًا مخلصًا، ولأن النية من شروط الصلاة، فجاز تقدمها كبقية الشروط، وفي طلب المقارنة حرج ومشقة، فيسقط لقوله تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ [الحج:٢٢/ ٨٧]، ولأن أول الصلاة من أجزأئها، فكفى استصحاب النية فيه كسائرها.
وقال المالكية (١): يجب استحضار النية عند تكبيرة الإحرام، أو قبلها بزمن يسير.
وقال الشافعية (٢): يشترط اقتران النية بفعل الصلاة، فإن تراخى عنه سمي عزمًا، ولو قال: «نويت أن أصلي الظهر، الله أكبر، نويت» بطلت صلاته؛ لأن قوله «نويت» بعد التكبيرة كلام أجنبي عن الصلاة، وقد طرأ بعد انعقاد الصلاة، فأبطلها.

تعيين المنوي: 
يشترط تعيين نوع الفرض الذي يصليه باتفاق الفقهاء، كالظهر أو العصر، لأن الفروض كثيرة، ولا يتأدى واحد منها بنية فرض آخر.

محل النية:  
محل التعيين هو القلب بالاتفاق، ويندب عند الجمهور غير المالكية التلفظ بالنية، وقال المالكية: يجوز التلفظ بالنية، والأولى تركه في صلاة أو غيرها. والأصح عند الشافعية (٣) أيضًا وجوب نية الفرضية، دون الإضافة إلى الله تعالى، فتكون شروط النية عندهم ثلاثة، القصد، والتعيين،
(١) الشرح الصغير:٣٠٥/ ١.
(٢) حاشية الباجوري:١٤٩/ ١.
(٣) مغني المحتاج:١٤٩/ ١.
 
والفرضية.

آراء الفقهاء في النية:
تفصيل آراء المذاهب في النية فيما يأتي:

قال الحنفية (١):
الكلام في النية يتناول مواضع ثلاثة: تفسير النية، وكيفية النية، ووقت النية.
آـ تفسير النية: النية: هي الإرادة، فنية الصلاة: هي إرادة الصلاة لله تعالى، والإرادة عمل القلب، فمحل النية: هو القلب: بأن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي، ولا يشترط الذكر باللسان، وإنما يستحب إعانة للقلب الجمع بين نية القلب وتلفظ اللسان.
أما التعيين فهو أفضل وأحوط عمومًا، ثم إن كانت الصلاة فرضًا كظهر وعصر مثلًا أو واجبًا كالوتر وسجود التلاوة والنذر وصلاة العيدين، فلابد من التعيين، كما لابد من تعيين اليوم أو الوقت في حالة القضاء، ولا يلزم نية القضاء. أما الأداء فلا يلزم قرن النية باليوم أو الوقت، كما لا يلزم تعيين عدد الركعات.
وأما صلاة النفل ولو سنة الفجر والتراويح وغيرها في الصحيح، فيكفيها مطلق النية، والاحتياط: التعيين، فينوي مراعيًا صفة النافلة بالتراويح أو سنة الوقت.
ولا تبطل نية الصلاة أو الصوم بتعليقها بمشيئة الله، لأن محل النية: القلب.
والمعتمد أن العبادات ذات الأفعال تنسحب نيتها على كلها.
(١) البدائع/١٢٧/ ١ ومابعدها، الدر المختار:٤٠٦/ ١ ومابعدها، تبيين الحقائق:٩٩/ ١ ومابعدها، فتح القدير:١٨٥/ ١ ومابعدها، اللباب:٦٦/ ١.
 
ولو أدرك شخص القوم في الصلاة، ولم يدر أفرض أم تراويح، ينوي الفرض، فإن كانوا هم فيه صح، وإن لم يكن فيه تقع نفلًا.
ب - كيفية النية: إن كان المصلي منفردًا: عين نوع الفرض أو الواجب، وإن كان تطوعًا تكفيه نية الصلاة، كما ذكرت.
وإن كان المصلي إمامًا: عين كما سبق، ولا يشترط للرجل نية إمامة الرجال، ويصح اقتداؤهم به بدون نية إمامتهم. ويشترط له نية إمامة النساء لصحة اقتدائهن به، والفرق أنه لو صح اقتداء المرأة بالرجل، فربما تحاذيه، فتفسد صلاته، فيلحقه الضرر من غير اختياره، فشرط نية اقتدائها به، حتى لا يلزمه الضرر من غير التزامه ورضاه، وهذا المعنى منعدم في جانب الرجال. والخلاصة: تلزم نية الإمام في صورة واحدة: وهي حالة صلاة الرجل إمامًا بالنساء.
وإن كان مقتديًا: عين أيضًا كما سبق، ويحتاج لزيادة نية الاقتداء بالإمام، كأن ينوي فرض الوقت والاقتداء بالإمام فيه، أو ينوي الشروع في صلاة الإمام، أو ينوي الاقتداء بالإمام في صلاته.
جـ - وقت النية: يندب أن تكون النية وقت التكبير، أي مقارنًا له، ويصح عندهم تقديم النية على التحريمة، إذا لم يوجد بينهما عمل يقطع أحدهما عن الآخر، والقران ليس بشرط.

وقال المالكية (١):
النية: قصد الشيء، ومحلها القلب، ونية الصلاة فرض والراجح أنها شرط
(١) الشرح الكبير مع الدسوقي:٢٣٣/ ١،٥٢٠، الشرح الصغير وحاشية الصاوي:٣٠٣/ ١ - ٣٠٥، القوانين الفقهية: ص٥٧، بداية المجتهد:١١٦/ ١.
 
بأن يقصد بقلبه أداء فرض الظهر مثلًا، والقصد للشيء خارج عن ماهية الشيء، والأولى ترك التلفظ بها، إلا الموسوس فيستحب له التلفظ ليذهب عنه اللبس، ويجب أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام، فإن تأخرت النية أو تقدمت بوقت كثير، بطلت اتفاقًا، وإن تقدمت بوقت يسير، فقيل وهو المختار: تصح كالحنفية، وقيل: تبطل كالشافعية.
ويجب التعيين في الفرائض، والسنن الخمس (وهي الوتر والعيد والكسوف والخسوف (١) والاستسقاء) وسنة الفجر، دون غيرها من النوافل، كالضحى والرواتب والتهجد، فيكفي فيه نية مطلق نفل، وينصرف للضحى إن كان قبل الزوال، ولراتب الظهر إن كان قبل صلاته، أو بعده، ولتحية المسجد إن كان حين الدخول فيه، وللتهجد إن كان في الليل، وللشفع (سنة العشاء) إن كان قبل الوتر.
ولا يشترط نية الأداء أو القضاء أو عدد الركعات، فيصح القضاء بنية الأداء وعكسه.
ويستثنى من وجوب التعيين صورة واحدة: وهي ما إذا دخل شخص المسجد، فوجد الإمام يصلي، فظن أن صلاته هي الجمعة، فنواها، فتبين أنها الظهر، فتصح، وعكس ذلك باطل.
وتجب نية الانفراد، والمأمومية، ولا تجب نية الإمامة إلا في الجمعة والجمع بين الصلاتين تقديمًا للمطر، والخوف، والاستخلاف (٢)، لكون الإمام شرطًا فيها، وزاد ابن رشد: الجنائز، فلو ترك الإمام نية الإمامة في الجمعة بطلت الصلاة
(١) المعتمد فيه: أنه مندوب.
(٢) لاستخلاف: أن يقدم الإمام أو المصلون أحد المصلين لمتابعة الصلاة، في حال فساد صلاة الإمام بالحدث وغيره، وذلك قبل خروج الإمام من المسجد.
 
عليه وعلى المأمومين، ولو تركها في صلاة الجمع تقديمًا للمطر بطلت الثانية، وإذا تركها في صلاة الخوف تبطل الصلاة على الطائفة الأولى من المأمومين فقط، وتصح للإمام وللطائفة الثانية، ولو تركها في صلاة الاستخلاف، صحت له، وبطلت على المأمومين.

وقال الشافعية (١):
النية: قصد الشيء مقترنًا بفعله، ومحلها القلب، ويندب النطق بها قبيل التكبير. ولو عقب النية بقوله: إن شاء الله بقلبه أو لسانه، فإن قصد التبرك ووقع الفعل بمشيئة الله تعالى، لم يضره. وإن قصد به التعليق أو الشك، لم يصح. فإن كانت الصلاة فرضًا ولو فرض كفاية كصلاة الجنازة، أو قضاء كالفائتة، أو معادة، أو نذرًا، يجب ثلاثة أمور: نية الفرضية (أي يلاحظ ويقصد كون الصلاة فرضًا)، وقصد إيقاع الفعل (بأن يقصد فعل الصلاة لتتميز عن سائر الأفعال) وتعيين نوع الفرضية من صبح أو ظهر مثلًا: بأن يقصد إيقاع صلاة فرض الظهر مثلًا (٢).
ويشترط أن يكون ذلك مقارنًا لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام، وهذا هو المقصود عندهم بالاستحضار والمقارنة العرفيين (أي يستحضر قبل التحريمة فعل الصلاة من أقوالها وأفعالها في أولها وآخرها ولو إجمالًا على المعتمد، ويقرن ذلك الاستحضار السريع في الذهن في أثناء تكبيرة الإحرام). وإن كانت الصلاة نفلًا ذات وقت كسنن الرواتب، أو ذات سبب كالاستسقاء، وجب أمران: قصد فعله، وتعيينه كسنة الظهرأو عيد الفطر أو الأضحى، ولا يشترط نية النفلية على الصحيح.
(١) حاشية الباجوري:١٤٩/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج:١٤٨/ ١ - ١٥٠، ٢٥٢ - ٢٥٣، المهذب:٧٠/ ١، المجموع:٢٤٣/ ٣ - ٢٥٢.
(٢) نظمها بعضهم قائلًا:
يا سائلي على شروط النية ... القصد والتعيين والفرضية
 
ويكفي في النفل المطلق (وهو الذي لا يتقيد بوقت ولا سبب نحو تحية المسجد وسنة الوضوء): نية فعل الصلاة.
ولا تجب الإضافة إلى الله تعالى؛ لأن العبادة لاتكون إلا له ﷾، لكن تستحب ليتحقق معنى الإخلاص.
ويستحب نية استقبال القبلة وعدد الركعات خروجًا من الخلاف، فلو أخطأ في العدد، كأن نوى الظهر ثلاثًا أو خمسًا، لم تنعقد صلاته، كما يستحب نية الأداء والقضاء.
والأصح أنه يصح الأداء بنية القضاء وعكسه في حالة العذر، كجهل الوقت بسبب غيم أو نحوه، فلو ظن خروج الوقت، فصلاها قضاء، فبان بقاؤه، أو ظن بقاء الوقت فصلاها أداء، فبان خروجه، صحت صلاته.
كذلك تصح صلاته في حالة عدم العذر إذا قصد المعنى اللغوي، لاستعمال كل بمعنى الآخر، تقول: قضيت الدين وأديته، بمعنى واحد، وهو دفعه.
أما إذا فعل ذلك بلا عذر، ولم ينو المعنى اللغوي، لم تصح صلاته لتلاعبه.
ولا يشترط التعرض للوقت، فلو عين اليوم وأخطأ، لم يضر. ومن عليه فوائت لا يشترط أن ينوي ظهر يوم كذا، بل يكفيه نية الظهر مثلًا. ولا يندب ذكر اليوم أو الشهر أو السنة على المعتمد.
والنية شرط في جميع الصلاة، فلو شك في النية، هل أتى بها أو لا، بطلت صلاته.
ولا يشترط للإمام نية الإمامة، بل يستحب ليحوز فضيلة الجماعة، فإن لم ينو لم تحصل له، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نوى. وتشترط نية الإمامة في
 
حالات أربع: في الجمعة، والصلاة المجموعة مع غيرها للمطر جمع تقديم، والصلاة المعادة في الوقت جماعة، والصلاة التي نذر أن يصليها جماعة للخروج من الإثم.
ويشترط للمقتدي نية الاقتداء: بأن ينوي المأموم مع تكبيرة الإحرام الاقتداء أو الائتمام أو الجماعة بالإمام الحاضر أو بمن في المحراب ونحو ذلك؛ لأن التبعية عمل، فافتقرت إلى نية، إذ ليس للمرء إلا ما نوى. ولا يكفي إطلاق نية الاقتداء، من غير إضافة إلى الإمام. فلو تابع بلا نية، أو مع الشك فيها، بطلت صلاته إن طال انتظاره.

وقال الحنابلة (١):
النية: عزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى، فلا تصح الصلاة بدونها بحال. ومحلها القلب وجوبًا، واللسان استحبابًا.
فإن كانت الصلاة فرضًا: اشترط أمران: تعيين نوع الصلاة: ظهرًا أو عصرًا أو غيرهما، وقصد الفعل، ولا يشترط نية الفرضية (٢) بأن يقول: أصلي الظهر فرضًا.
أما الفائتة: فإن عينها بقلبه أنها ظهر اليوم، لم يحتج إلى نية القضاء ولا الأداء، ويصح القضاء بنية الأداء أو عكسه إذا بان خلاف ظنه.
وإن كانت الصلاة نافلة: فيجب تعيينها إن كانت معينة أو مؤقتة بوقت كصلاة الكسوف والاستسقاء، والتراويح والوتر، والسنن الرواتب.
(١) المغني:٤٦٤/ ١ - ٤٦٩،٢٣١/ ٢، كشاف القناع:٣٦٤/ ١ - ٣٧٠.
(٢) قال ابن قدامة: والصحيح أنه لابد من التعيين، وتقع الصلاة للمعهود.
 
ولا يجب تعيينها إن كانت مطلقة، كصلاة الليل، فيجزئه نية الصلاة لاغير، لعدم التعيين فيها، فهم كالشافعية في هذا.
وقالوا: إذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها، لم تصح؛ لأن النية عزم جازم، ومع التردد لا يحصل الجزم، وهذا باتفاق الفقهاء. وإن دخل في الصلاة بنية صحيحة، ثم نوى قطعها والخروج منها، بطلت عند الجمهور؛ لأن النية شرط في جميع الصلاة، وقد قطعها بما حدث. وقال أبو حنيفة: لا تبطل بذلك؛ لأنها عبادة صح دخوله فيها، فلم تفسد بنية الخروج منها، كالحج.

الشك في النية:
  إن شك في أثناء الصلاة، هل نوى أو لا؟ أو شك في تكبيرة الإحرام، استأنفها، كما قال الشافعية؛ لأن الأصل عدم ما شك فيه. فإن ذكر أنه كان قد نوى، أو كبر قبل قطعها، فله البناء أي الإكمال؛ لأنه لم يوجد مبطل لها. وإن عمل في الصلاة عملًا مع الشك، بطلت الصلاة، كما قال الشافعية.

تغيير النية:
  إذا أحرم بفريضة، ثم نوى نقلها إلى فريضة أخرى، بطلت الاثنتان، لأنه قطع نية الأولى، ولم ينو الثانية عند الإحرام، وهذا متفق مع الشافعية أيضًا. فإن حول الفرض إلى نفل ففيه رأيان عند الشافعية والحنابلة، أرجحهما أنها تنقلب نفلًا؛ لأن نية الفرض تتضمن نية النفل، بدليل أنه لو أحرم بفرض، فبان أنه لم يدخل وقته، كانت صلاته نافلة، والفرض لم يصح، ولم يوجد ما يبطل النفل.
ولا يشترط إضافة الفعل إلى الله تعالى في العبادات كلها، بأن يقول: أصلي لله، أو أصوم لله، ونحوه؛ لأن العبادات لا تكون إلا لله، بل يستحب ذلك خروجًا من خلاف من أوجبه. كما لا يشترط أيضًا ذكر عدد الركعات، ولا استقبال القبلة، كما قال الشافعية.
 
ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام، إما مقارنة لها أو متقدمة عليها بزمن يسير، كما قال المالكية والحنفية، لكن الأفضل المقارنة، كما تقدم.
ويشترط لصحة الجماعة: أن ينوي الإمام والمأموم حالهما، فينوي الإمام أنه إمام، والمأموم أنه مأموم في أول الصلاة إلا في صورتين: الأولى: أن يكون المأموم مسبوقًا، فله أن يقتدي بعد سلام إمامه بمسبوق مثله في غير الجمعة. والثانية: ما إذا اقتدى مقيم بمسافر يقصر الصلاة، فله أن يقتدي بمثله في بقية الصلاة.

الشرط السابع والثامن: الترتيب في أداء الصلاة، وموالاة أفعالها.
الحقيقة أن كلًا منهما شرط لأركان الصلاة.

الشرط التاسع: ترك الكلام الأجنبي عن الصلاة:

الصلاة عبادة خالصة لله تعالى، لا يجوز الكلام فيها، فتبطل صلاة من تكلم بحرفين مفهمين ولو لمصلحة الصلاة مثل: قم أو اقعد، أو بحرف مفهم نحو (ق) من الوقاية، و(ع) من الوعي،
و(ف) من الوفاء، و(ش) من الوشي، وكذا مَدَّة بعد حرف في الأصح عند الشافعية، وإن لم يفهم، نحو «آ» والمدُّ: ألف، أو واو، أو ياء، فالممدود في الحقيقة حرفان.
لخبر مسلم عن زيد بن أرقم: «كنا نتكلم في الصلاة، حتى نزلت: - وقوموا لله قانتين - فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام».
وخبر معاوية بن الحَكَم السُّلَمِي الذي قال لمن عطس في الصلاة: «يرحمك الله» فقال له النبي ﷺ: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما
 
هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (١). وسيأتي في بحث مبطلات الصلاة تفصيل هذا الموضوع.

الشرط العاشر - ترك الفعل الكثير من غير جنس الصلاة:
وهو ما يخيل للناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة. وسيأتي تفصيل الكلام فيه في بحث مبطلات الصلاة.

الشرط الحادي عشر - ترك الأكل والشرب:
وسيأتي توضيحه في مبطلات الصلاة.
هذا وقد أضاف الشافعية شروطًا خمسة أخرى: وهي العلم بفرضية الصلاة؛ وألا يعتقد فرضًا من فروضها سنة؛ وألا يمضي ركن قولي أو فعلي مع الشك في نية الصلاة: هل نوى أو أتم النية أو أتى ببعض أجزائها أو بعض شروطها؛ وألا ينو قطع الصلاة أو يتردد في قطعها، فمتى نوى قطعها، ولو بالخروج منها إلى أخرى، أو تردد فيه أو في الاستمرار فيها بطلت، لمنافاة ذلك للجزم بالنية؛ وعدم تعليق قطعها بشيء، فإن علقه بشيء ولو محالًا، بطلت، لمنافاته للجزم بالنية.
انتهى الجزء الأول من كتاب الفقه الإسلامي وأدلته
(١) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود، وقال: (لايحل) مكان (لا يصلح) وفي رواية لأحمد: «إنما هي التسبيح والتكبير والتحميد وقراءة القرآن» (نيل الأوطار:٣١٤/ ٢).

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية