الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل الرابع - شروط الوقف

الفصل الرابع - شروط الوقف

 اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات 

  1. الفصل الرابع ـ شروط الوقف
  2. المبحث الأول ـ شروط الواقف
  3. أن يكون الواقف حرا مالكا
  4. أن يكون عاقلا
  5. أن يكون بالغا
  6. أن يكون رشيدا
  7. رأي الحنفية في وقف المدين
  8. وقف المريض مرض الموت
  9. وقف المرتد
  10. وقف الكافر
  11. وقف المكره
  12. وقف الأعمى
  13. وقف غير المرئي
  14. شرط الواقف كنص الشارع
  15. الحنفية
  16. المسائل السبع التي يجوز فيها مخالفة شرط الواقف
  17. المالكية
  18. الشافعية
  19. الحنابلة
  20. المبحث الثاني ـ شروط الموقوف
  21. الحنفية
  22. أن يكون الموقوف مالا متقوما عقارا
  23. أن يكون الموقوف معلوما
  24. أن يكون الموقوف مملوكا للواقف حين وقفه ملكا تاما
  25. أن يكون الموقوف مفرزا،
  26. أبو يوسف والشافعية والحنابلة
  27. القانون المصري
  28. استثنى القانون ثلاث حالات، أجاز فيها وقف الحصة الشائعة فيما لا يقبل القسمة
  29. المالكية
  30. الشافعية والحنابلة
  31. المبحث الثالث ـ شروط الموقوف عليه
  32. الموقوف عليه
  33. شروط الوقف على معين
  34. الفقهاء
  35. ذهب الحنفية
  36. رأى المالكية
  37. أوضح الشافعية
  38. مذهب الحنابلة
  39. الوقف على مرتد وحربي
  40. الوقف على مجهول
  41. الوقف على معدوم أصالة
  42. الوقف على بهيمة
  43. الوقف على ذمي أو على أهل الذمة
  44. الوقف على النفس باطل
  45. للواقف إن وقف على غيره كإنسان أو مسجد الانتفاع بالموقوف في حالات
  46. شروط الجهة الموقوف عليها
  47. الشرط الأول ـ أن يكون معلوما وأن يكون جهة خير وبر يحتسب الإنفاق عليها قربة لله تعالى
  48. الوقف على الأغنياء
  49. وقف غير المسلم
  50. الشرط الثاني ـ لأبي حنيفة ومحمد: أن يجعل آخر الوقف الأهلي بجهة لا تنقطع أبدا،
  51. المبحث الرابع ـ ألفاظ الوقف وشروط صيغة الوقف
  52. صيغة الوقف
  53. ألفاظ الوقف الخاصة به عند الحنفية
  54. ثبوت الوقف بالضرورة
  55. المذهب لدى المالكية
  56. مذهب الشافعية
  57. رأي الحنابلة
  58. شروط صيغة الوقف
  59. الشرط الأول ـ التأبيد
  60. القانون المصري
  61. الشرط الثاني ـ التنجيز
  62. الصيغة المنجزة
  63. الصيغة المعلقة
  64. صيغ التعليق
  65. الشرط الثالث - الإلزام
  66. الشرط الرابع - عدم الاقتران بشرط باطل: الشروط عند الحنفية ثلاثة
  67. الشروط عند الحنفية ثلاثة
  68. أ - شرط باطل
  69. ب - شرط فاسد
  70. جـ - شرط صحيح
  71. القانون المصري
  72. قال المالكية
  73. مذهب الشافعية
  74. الحنابلة
  75. الشرط الخامس عند الشافعية: بيان المصرف
  76. مقتضى ألفاظ الوقف التي يعبر بها عن الموقوف عليهم
  77. أ - الولد والأولاد
  78. ب - الذرية والنسل والعقب
  79. جـ - الآل والجنس وأهل البيت
  80. د - القرابة
  81. هـ - مراحل الإنسان
  82. وسبيل الله ونحوه
  83. الوقف الدائم من حيث الاتصال والانقطاع
  84. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي    

 

 الفصل الرابع - شروط الوقف:
يشترط لصحة الوقف شروط في الواقف، وفي الموقوف، وفي الموقوف عليه، وفي صيغة الوقف.

المبحث الأول - شروط الواقف:
يشترط في الواقف لصحة الوقف ونفاذه ما يأتي (١):
وهو أهلية التبرع كباقي التبرعات من هبة وصدقة وغيرها؛ لأن الوقف تبرع، ويمكن تحليل هذا الشرط إلى أربعة شروط هي:

١ - أن يكون الواقف حرًا مالكًا:  

فلا يصح وقف العبد؛ لأنه لا ملك له، ولا يصح وقف مال الغير ولا يصح وقف الغاصب المغصوب؛ إذ لا بد في الواقف من أن يكون مالكًا الموقوف وقت الوقف ملكًا باتًا، أو بسبب فاسد كالمشترى شراء فاسدًا والموهوب بهبة فاسدة بعد القبض في رأي الحنفية، وألا يكون محجورًا عن التصرف، وينقض وقف استحق بملك أو شفعة وإن جعله مسجدًا، ووقف مريض أحاط دينه بماله، ووقف محجور عليه لسفه أو دين. ولو أجاز المالك وقف فضولي، جاز.
(١) البدائع: ٢١٩/ ٦، الدر المختار ورد المحتار: ٣٩٤/ ٣ ومابعدها، ٤٣٤، القوانين الفقهية: ص٣٦٩، مغني المحتاج: ٣٧٦/ ٢ ومابعدها، كشاف القناع: ٢٧٩/ ٤، الشرح الكبير: ٧٧/ ٤، ٨٨، الشرح الصغير: ١٠١/ ٤، ١١٨، غاية المنتهى: ٣٠٠/ ٢ ومابعدها.
 
٢ - أن يكون عاقلًا: 

 فلا يصح وقف المجنون؛ لأنه فاقد العقل، ولا وقف المعتوه؛ لأنه ناقص العقل، ولا وقف مختل العقل بسبب مرض أو كبر؛ لأنه غير سليم العقل؛ لأن كل تصرف يتطلب توافر العقل والتمييز.

- أن يكون بالغًا: 

فلا يصح وقف الصبي، سواء أكان مميزًا أم غير مميز؛ لأن البلوغ مظنة كمال العقل، ولخطورة التبرع.
ويعرف البلوغ كما تقدم في مبحث النظريات الفقهية: إما بظهور العلامات الطبيعية كالاحتلام والعادة الشهرية، وإما ببلوغ سن الخامسة عشرة في رأي الأكثرين، أو سبع عشرة في رأي أبي حنيفة.
ويشترط القانون لصحة التبرع بلوغ سن الرشد: وهو إتمام (٢١) سنة في القانون المصري، وإتمام (١٨) سنة في القانون السوري.

٤ - أن يكون رشيدا ً

غير محجور عليه بسفه أو فلس أو غفلة ولو بالولي، كسائر التصرفات المالية. فلا يصح الوقف من السفيه والمفلس أو المغفل عند الجمهور، وقال الحنفية: لا ينفذ وقف المدين المفلس إلا بإجازة الدائنين، فعدم الحجر عليه شرط نفاذ عندهم، لا شرط صحة.


رأي الحنفية في وقف المدين: 

فصَّل الحنفية في وقف المدين على النحو الآتي:
أـ إذا كان الدين غير مستغرق لماله، ووقف ما زاد على ما يفي دينه، فوقفه صحيح نافذ، لعدم مصادمة حق الدائنين.
ب - إذا كان الدين مستغرقًا لماله: توقف نفاذ وقفه على إجازة الدائنين، سواء حجر عليه أم لم يحجر عليه، وسواء في حال مرض الموت، أم في حال الصحة،
 
وهذا في الحالة الأخيرة بحسب رأي متأخري الحنفية حماية لمصالح الدائنين، فإن أجازوه نفذ الوقف، وإن لم يجيزوه بطل. لكن الإجازة في حال مرض الموت لاتكون إلا بعد الموت، إذ لا يعرف كونه في مرض الموت إلا بعد الموت. وهذا موافق لما نص عليه القانون المدني المصري (م٢/ ٢٣٨) والقانون المدني السوري (م٢/ ٢٣٩) من أن تصرف المدين إذا كان تبرعًا، لا ينفذ في حق الدائن.

وقف المريض مرض الموت:

  تبين لدينا في بحث الحجر على المريض أن المذاهب متفقة على حجر المريض لحق الورثة في تبرعاته فقط فيما يزيد عن ثلث تركته، حيث لا دين عليه، فلا تصح تبرعاته من وقف وصدقة وهبة ووصية فيما زاد على ثلث ماله رعاية لحق الورثة في التركة، أما في حدود الثلث فما دونه، فيجوز تبرعه ومنه وقفه رعاية لمصلحته، في تحقيق الأجر والثواب له، بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ يعودني عام حَجّة الوداع، من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، فقلت: بالشطر؟ فقال: لا، ثم قال: الثلث، والثلث كبير أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». وسيأتي تفصيل آراء الفقهاء في الموضوع.


وقف المرتد: 

قال الحنفية (١): هناك حالتان:
الأولى - لو وقف المرتد في حال ردته، فوقفه موقوف عند الإمام أبي حنيفة، فإن عاد إلى الإسلام، صح، وإلا بأن مات أو قتل على ردته أو حكم بلحاقه بدار الحرب، بطل.
(١) رد المحتار على الدر المختار: ٣٩٤/ ٣ وما بعدها، ٤٣٤.
 
الثانية - لو وقف ثم ارتد - والعياذ بالله تعالى - بطل وقفه، حتى وإن عاد إلى الإسلام ما لم يجدد وقفه بعد عوده، لحبوط عمله بالردة. وعلى هذا التفصيل يفهم قولهم: تبطل أوقاف امرئ بارتداد.
ويصح عندهم وقف المرتدة؛ لأنها لا تقتل، إلا أن يكون على حج أو عمرة ونحو ذلك، فلا يجوز.

وقف الكافر: 

 أجاز الشافعية وقف الكافر ولو لمسجد، ويثاب على صدقاته في الدنيا، ولكن لا حظ له من الثواب في الآخرة، لما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعَم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يُجزى بها».


وقف المكره:

  اشترط الشافعية والمالكية والحنابلة في الواقف أن يكون مختارًا، فلا يصح الوقف من مكره، إذ لا تصح عبارته.


وقف الأعمى:

 لا يشترط البصر، فيصح وقف الأعمى، لصحة عبارته.


وقف غير المرئي: 

 لا يشترط كون الموقوف معلومًا للواقف، فيصح وقف ما لم يره، كما أبان الشافعية (١).


شرط الواقف كنص الشارع: 

 اتفق الفقهاء على هذه العبارة وهي أن شرط الواقف كنص الشارع، واختلفوا في مدلولها ومداها.
(١) مغني المحتاج: ٣٧٦/ ٢.
 
فقال الحنفية (١):

 قولهم «شرط الواقف كنص الشارع» (٢) أي في الفهم والدلالة ووجوب العمل به، وقد يراد بذلك في المفهوم، أي لا يعتبر مفهومه كما لا يعتبر في نصوص الشارع، عملًا بما هو مقرر عندهم من أن مفهوم المخالفة المسمى دليل الخطاب غير معتبر في النصوص، وهو يشمل أقسامًا خمسة: هي مفهوم الصفة، والشرط، والغاية، والعدد، واللقب، أي الاسم الجامد كثوب مثلًا.
والمراد بعدم اعتبار مفهوم المخالفة في النصوص: أن مثل قولك: أعط الرجل العالم، أو أعط زيدًا إن سألك، أو أعطه إلى أن يرضى، أو أعطه عشرة، أو أعطه ثوبًا، لا يدل على نفي الحكم عن المخالف للمنطوق، بمعنى أنه لا يكون منهيًا عن إعطاء الرجل الجاهل، بل هو مسكوت عنه، وباق على العدم الأصلي، حتى يأتي دليل يدل على الأمر بإعطائه، أو النهي عنه. وكذا بقية المفاهيم.
لكن يعتبر المفهوم في روايات الكتب المعبر عنه بقولهم: «مفهوم التصنيف حجة» لأن الفقهاء يقصدون بذكر الحكم في المنطوق نفيه عن المفهوم غالبًا، كقولهم: تجب الجمعة على كل ذكر حر، بالغ، عاقل، مقيم، فإنهم يريدون بهذه الصفات نفي الوجوب عن مخالفها، ويستدل به الفقيه على نفي الوجوب عن المرأة والعبد والصبي إلخ.
فعلى رأي الأصوليين من الحنفية في أصل المذهب: «لا يعتبر المفهوم في
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٤٢٦/ ٣، ٤٣٤، ٤٥٦ ومابعدها، ٤٧.
(٢) صرح الحنفية في الفتاوى الخيرية بأن الاعتبار في الشروط لما هو الواقع، لا لما كتب في مكتوب الوقف، فلو أقيمت بينة لما لم يوجد في كتاب الوقف، عمل بها، بلا ريب؛ لأن المكتوب خط مجرد، ولا عبرة به، لخروجه عن الحجج الشرعية.
 
الوقف» أي أن شرط الواقف لا يدل على نفي ما يخالفه، لكن المتأخرين من الحنفية قالوا: يعتبر المفهوم في غير النصوص الشرعية، عملًا بما هو معتبر في متفاهم الناس وعرفهم، فوجب اعتبار المفهوم في كلام الواقف؛ لأنه يتكلم على عرفه.
وبناء عليه: كما أن مفهوم التصنيف حجة، يعتبر المفهوم في عرف الناس والمعاملات والعقليات، ويكون التحقيق أن لفظ الواقف ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد، يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا.
والخلاصة: أنه عند الأصوليين من الحنفية لا يعتبر المفهوم في الوقف، ولكن في رأي المتأخرين يحمل كلام الواقف على عرف زمانه. فلو قال: وقفت على أولادي الذكور يصرف إلى الذكور منهم بحكم المنطوق، وأما الإناث فلا يعطى لهن، لعدم ما يدل على الإعطاء، إلا إذا دل في كلامه دليل على إعطائهن، فيكون مثبتًا لإعطائهن ابتداء، لا بحكم المعارضة، وبهذا يكون رأي المتأخرين؛ يعتبر المفهوم في غير النصوص الشرعية مما هو في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات.
ورتب الحنفية على هذه القاعدة: أن كل ما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص، والحكم به حكم بلا دليل، سواء أكان كلام الواقف نصًا أم ظاهرًا؛ لأنه يجب اتباعه، عملًا بقول المشايخ: شرط الواقف كنص الشارع.
ويراعى شرط الواقف في إجارة الموقوف، فإذا شرط الواقف ألا يؤجر الموقوف أكثر من سنة، والناس لا يرغبون في استئجارها، وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء، فليس للقيم الناظر أن يؤجرها أكثر من سنة، بل يرفع الأمر
 
للقاضي، حتى يؤجرها؛ لأن له ولاية النظر للفقراء والغائب والميت. فإن لم يشترط الواقف مدة أو فوض الرأي بما يراه القيم خيرًا وأنفع للفقراء، فللقيم ذلك بلا إذن القاضي.
وإن اشترط الواقف بيع الموقوف وصرف ثمنه لحاجته، أو إخراجه من الوقف إلى غيره، أوأن يهبه ويتصدق بثمنه، أو أن يهبه لمن شاء، أو أن يرهنه متى بدا له ويخرجه عن الوقف، بطل الوقف. أما إن اشترط الواقف شرطًا فاسدًا فيصح الوقف ويبطل الشرط. والشرط الفاسد: ما يكون منافيًا لعقد الوقف أو يكون غير جائز شرعًا، أو لا فائدة فيه، كاشتراط الرجوع في وقف المسجد متى شاء، وكالوقف على المفسدين وفي وجوه الفساد، وكاشتراط صرف الريع لمن يقرأ عند قبره أو في داره أو في مسجد معين نظير قراءته، وكاشتراط الواقف صرف الريع على ذريته في خصوص النفقة والكسوة أو صنع الخبز وتقديمه لطلبة العلم.

المسائل السبع التي يجوز فيها مخالفة شرط الواقف: 

 ذكر الحنفية سبع مسائل يجوز فيها مخالفة شرط الواقف وهي ما يأتي:
الأولى - لو شرط الواقف عدم الاستبدال بالموقوف شيئًا آخر.
الثانية - إذا شرط أن القاضي لا يعزل الناظر، فله عزل غير الأهل.
الثالثة - شرط ألا يؤجر وقفه أكثر من سنة، والناس لا يرغبون في استئجار سنة، أو كان في الزيادة نفع للفقراء، فللقاضي المخالفة، دون الناظر.
الرابعة - لو شرط أن يقرأ على قبره، فالتعيين باطل على القول بكراهة القراءة على القبر، والمختار خلافه.
الخامسة - شرط أن يتصدق بفاضل الغلة على من يسأل في مسجد كذا،
 
فللقيم التصدق على سائل في مسجد آخر، أو خارج المسجد، أو على من لا يسأل.
السادسة - لو شرط للمستحقين خبزًا ولحمًا معينًا كل يوم، فللقيم دفع القيمة نقدًا، والراجح أن الخيار لهم دلالة.
السابعة - تجوز الزيادة من القاضي على راتب الإمام المعلوم إذا كان لا يكفيه، وكان عالمًا تقيًا.

وقال المالكية (١): 

 اتبع شرط الواقف - أي وجوبًا - إن جاز ولو كان مكروهًا، ولم يمنع شرعًا، فإن لم يجز لم يتبع، فإن اشترط تخصيص الغلة لأهل مذهب من المذاهب الأربعة، أو بتدريس فئة في مدرسته أو بتخصيص إمام في مسجده، أو تخصيص ناظر، اتبع شرطه، لأنه جائز.


وكذلك قرر الشافعية (٢): 

 اتبع شرط الواقف كسائر الشروط المتضمنة للمصلحة، فلو وقف بشرط ألا يؤجر الموقوف أصلًا أو ألا يؤجر أكثر من سنة، صح الوقف. ويستثنى حال الضرورة، كما لو شرط ألا تؤجر الدار أكثر من سنة، ثم انهدمت، وليس لها جهة عمارة إلا بإجارة سنين، جاز إجارتها في عقود مستأنفة، وإن شرط الواقف ألا يستأنف؛ لأن المنع في هذه الحالة يفضي إلى تعطيله، وهو مخالف لمصلحة الوقف.
وإذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية اختص، كالمدرسة والرِّباط إذا شرط في وقفهما اختصاصهما بطائفة، اختصا بهم جزمًا. وكذا لو خص المقبرة بطائفة اختصاصهم بهم عند الأكثرين.
(١) الشرح الصغير: ١١٩/ ٤، القوانين الفقهية: ص ٣٧١.
(٢) مغني المحتاج: ٣٨٥/ ٢، المهذب: ٤٤٣/ ١.
 
وتصرف الغلة على شرط الواقف من الأثرة والتسوية والتفضيل والتقديم والتأخير، والجمع والترتيب، وإدخال من شاء بصفة، وإخراجه بصفة؛ لأن الصحابة ﵃ وقفوا وكتبوا شروطهم، فكتب عمر بن الخطاب ﵁ صدقة للسائل والمحروم والضيف ولذي القربى وابن السبيل وفي سبيل الله. وكتب علي كرم الله وجهه بصدقته: «ابتغاء مرضاة الله ليولجني الجنة، ويصرف النار عن وجهي، ويصرفني عن النار، في سبيل الله وذي الرحم والقريب والبعيد، لا يباع ولا يورث»، وكتبت فاطمة ﵂ بنت رسول الله ﷺ لنساء رسول الله ﷺ، وفقراء بني هاشم وبني المطلب.

وذكر الحنابلة (١) أيضًا:

 أنه يرجع وجوبًا إلى شرط الواقف، ولو كان الشرط مباحًا غير مكروه، ويعمل بالشرط في عدم إيجار الوقف، وفي قدر المدة، فإذا شرط ألا يؤجر أكثر من سنة، لم تجز الزيادة عليها، لكن عند الضرورة يزاد بحسبها، كما قال الشافعية.
ويرجع إلى شرط الواقف في قسمة الريع على الموقوف عليه، أي في تقدير الاستحقاق، مثل على أن للأنثى سهمًا، وللذكر سهمين أو بالعكس.
ويرجع أيضا إلى شرطه في تقديم وتأخير وفي جمع وفي ترتيب وفي تسوية وفي تفضيل، نحو وقفت على زيد وعمرو وبكر، ويبدأ بالدفع إلى زيد، أو يؤخر زيد، أو يقف على أولاده وأولادهم جاعلًا الاستحقاق في حالة واحدة، أو يقف على أولادهم ثم أولادهم، جاعلًا استحقاق بطن مرتبًا على آخر، أو يسوي بين المستحقين كقوله: الذكر والأنثى سواء، أو يفضل بينهم، كقوله للذكر مثل حظ الأنثيين ونحوه.
(١) كشاف القناع: ٢٨٦/ ٤ - ٢٩٠، غاية المنتهى: ٣٠٨/ ٢ - ٣١٠، المغني: ٥٥٢/ ٥.
 
فإن جهل شرط الواقف، عمل بأسلوب صرف من تقديم ممن يوثق به إن أمكن، فإن تعذر وكان الوقف على عمارة أوإصلاح، صرف بقدر الحاجة، وإن كان على قوم عمل بعادة جارية أي مستمرة إن كانت، ثم عمل بعرف مستقر في مقادير الصرف؛ لأن الغالب وقوع الشرط بحسب العرف. فإن لم يكن عرف، فيصرف بالتساوي.
وإن شرط الواقف إخراج من شاء من أهل الوقف بصفة كالغنى أو الفسق أو إدخاله بصفة كالفقر أو الصلاح، أو الأمرين معًا إخراجًا وإدخالًا، عمل به، كأنه جعل الاستحقاق معلقًا بصفة.
ولا خلاف في أنه إن شرط أن يبيع الموقوف متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه، لم يصح الشرط ولا الوقف؛ لأنه ينافي مقتضى الوقف.
وإن شرط الواقف إخراج من شاء من أهل الوقف، وإدخال من شاء من غير أهل الوقف، لم يصح الوقف، لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف، فأفسده، كما لو شرط ألا ينتفع الموقوف عليه بالموقوف.
وإن خصص مقبرة أو رباطًا أو مدرسة، أو إمامتها أو خطابتها بأهل بلد، أو مذهب كالحنابلة أو قبيلة، تخصصت كما قال الشافعية إعمالًا للشرط، إلا أن يقع بأهل بدعة، أو ألا ينتفع به، أو عدم استحقاق مرتكب الخير.
أما وقف الأمراء والسلاطين فلا يتبع شرطهم إلا إن كان فيه مصلحة للمساكين، كمدرس كذا وطالب كذا.
والخلاصة: اتفقت المذاهب على وجوب العمل بشرط الواقف كنص
 
الشارع. وقال بعض الفقهاء: نصوص الواقف كنصوص الشارع يعني في الفهم والدلالة، لا في وجوب العمل. وهذا منافٍ للمبدأ المقرر: أن الواقف والموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل قوله على العادة في خطابه.

المبحث الثاني - شروط الموقوف:
اتفق الفقهاء على اشتراط كون الموقوف مالًا متقومًا، معلومًا، مملوكًا للواقف ملكًا تامًا، أي لا خيار فيه.
ويحسن بيان شروط الموقوف في كل مذهب على حدة، لتنوعها.

فقال الحنفية (١): 

 يشترط في الموقوف أربعة شروط هي ما يأتي:


١ - أن يكون الموقوف مالًا متقومًا عقارًا:

  فلا يصح وقف ما ليس بمال كالمنافع وحدها دون الأعيان، وكالحقوق المالية مثل حقوق الارتفاق؛ لأن الحق ليس بمال عندهم.
ولايصح وقف ما ليس بمال متقوم شرعًا كالمسكرات وكتب الضلال والإلحاد، إذ لا يباح الانتفاع به، فلا يتحقق المقصود من الوقف وهو نفع الموقوف عليه ومثوبة الواقف.
ولا يصح وقف المنقول مقصودًا؛ لأن التأبيد شرط جواز الوقف، ووقف المنقول لا يتأبد، لكونه على شرف الهلاك. لكن يجوز وقفه تبعًا لغيره، كوقف حقوق الارتفاق من شرب ومسيل وطرق تبعًا للأرض. ويجوز استحسانًا وقف ما جرت العادة بوقفه كوقف الكتب وأدوات الجنازة ووقف المرجل لتسخين الماء،
(١) البدائع: ٢٢٠/ ٦، الدر المختار ورد المحتار: ٣٩٣/ ٣، ٣٩٥.
 
ووقف المرّ والقدوم في الماضي لحفر القبور، لتعامل الناس به، وما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن.
ولا يجوز عند أبي حنيفة وقف الكُراع (الخيول) والسلاح في سبيل الله تعالى؛ لأنه منقول، ولم تجر العادة به، ويجوز وقفها عند الصاحبين، ويباح عندهما بيع ما هرم منها أو صار بحال لا ينتفع به، فيباع ويرد ثمنه في مثله، للحديث المتقدم: «أما خالد فقد احتبس أكراعًا وأفراسًا في سبيل الله تعالى».

٢  ـ أن يكون الموقوف معلومًا: 

إما بتعيين قدره كوقف دونم أرض (ألف متر مربع) أو بتعيين نسبته إلى معين كنصف أرضه في الجهة الفلانية. فلا يصح وقف المجهول؛ لأن الجهالة تفضي إلى النزاع.
ولا يشترط لديهم تحديد العقار، ويشترط قانونًا في مصر بيان حدوده وأطواله ومساحته.

٣  - أن يكون الموقوف مملوكًا للواقف حين وقفه ملكًا تامًا: 

أي لا خيار فيه؛ لأن الوقف إسقاط مِلْك، فيجب كون الموقوف مملوكًا. فمن اشترى شيئًا بعقد بيع فيه خيار للبائع ثلاثة أيام، ثم وقفه في مدة الخيار، لم يصح الوقف؛ لأنه وقف مالا يملك ملكًا تامًا، لأن هذا البيع غير لازم.


٤  - أن يكون الموقوف مفرزًا، غير شائع في غيره إذا كان قابلًا للقسمة: 

لأن تسليم الموقوف شرط جواز الوقف عند محمد، والشيوع يمنع القبض والتسليم.


ولم يشترط أبو يوسف والشافعية والحنابلة هذا الشرط، 

 فأجازوا وقف المشاع؛ لأن التسليم ليس بشرط أصلًا، بدليل وقف عمر ﵁ مئة سهم بخيبر.
 
أما القانون المصري رقم (٤٨ لسنة ١٩٤٦):

  فقد أخذ برأي أبي يوسف في جواز وقف المشاع القابل للقسمة على جهة خيرية كمستشفى أو مدرسة، إذ لو حصل نزاع أمكن القضاء عليه بالقسمة والإفراز.
وأخذ هذا القانون برأي الإمام أبي حنيفة وصاحبيه في عدم صحة وقف الحصة الشائعة لتكون مسجدًا أو مقبرة إلا بعد إفرازها؛ لأن شيوعها يمنع خلوصها لله تعالى، ويجعلها عرضة لتغيير جهة الانتفاع بها، فتتحول إلى حانوت أو أرض مزروعة، ونحوها، وهو أمر مستنكر شرعًا.

وأخذ أيضًا برأي المالكية (١) في المادة (٨) بعدم جواز وقف الحصة الشائعة فيما لا يقبل القسمة؛ لأن شيوع الموقوف في غيره قد يحول دون استغلاله، وقد يكون مثارًا للمنازعات، 

ولكن استثنى القانون ثلاث حالات، أجاز فيها وقف الحصة الشائعة فيما لا يقبل القسمة 

 وهي:
الأولى - أن يكون باقي الحصة الشائعة موقوفًا، واتحدت الجهة الموقوف عليها الحصة الأخرى.
الثانية - أن تكون الحصة الشائعة جزءًا من عين مخصصة لمنفعة شيء موقوف، كجرَّار موقوف لأراضي وقفية.
الثالثة - أن تكون الحصة الشائعة حصةأو أسهمًا في شركات مالية، بشرط أن تكون طرق استغلال أموال الشركة جائزة شرعًا من صناعة أو زراعة أو تجارة، فإن كانت محرمة شرعًا كالطرق الربوية فلا يصح وقف أسهمها (٢).
(١) الشرح الصغير: ١٠٧/ ٤، ١٠٩، ١١٦.
(٢) الوقف لعيسوي: ص ٣١.
 
واشترط المالكية (١) في الموقوف: 

 أن يكون مملوكًا لا يتعلق به حق الغير، مفرزًا إذا كان غير قابل للقسمة، ويشمل المملوك ذات الشيء أو منفعته، كما يشمل الحيوان، فيصح أن يوقف على مستحق للانتفاع بخدمته أو ركوبه أو الحمل عليه، ويشمل أيضًا الطعام والدنانير والدراهم، وينزل رد بدله منزلة بقاء عينه، لكن المذهب جواز وقف الطعام والنقود كما بينت.
فلا يصح وقف مرهون، ومأجور حال تعلق حق الغير به، أي بأن أراد الواقف وقف المذكور من الآن، مع كونه مرتهنًا أو مستأجرًا؛ لأن في وقفه إبطال حق المرتهن منه، أما لو وقف ما ذكر قاصدًا وقفه بعد الخلاص من الرهن والإجارة، صح الوقف؛ إذ لا يشترط لديهم في الوقف التنجيز.

واشترط الشافعية والحنابلة (٢) 

 أن يكون الموقوف عينًا معينة (معلومة) - لا ما في الذمة - مملوكة ملكًا يقبل النقل بالبيع ونحوه، يمكن الانتفاع بها عرفًا كإجارة ولو حصة مشاعة منها، ويدوم الانتفاع بها انتفاعًا مباحًا مقصودًا.
فلا يصح وقف المنفعة وحدها دون الرقبة، كمنفعة العين المستأجرة، أوالمنفعة الموصى له بها، والوقف الملتزم في الذمة كقوله: وقفت دارًا، أو ثوبًا في الذمة، ولا وقف أحد داريه، ولاما لا يملك إلا إذا وقف الإمام شيئًا من أرض بيت المال، فإنه يصح، ولا ما لا يقبل النقل أو البيع كأم الولد والحمل، فلا يصح وقفه منفردًا، وإن صح عتقه. ولا يصح وقف حر نفسه، لأن رقبته غير مملوكة.
ولا يصح وقف مالا فائدة فيه أو ما لا منفعة منه، كوقف كلب وخنزير وسباع
(١) الشرح الكبير: ٧٧/ ٤.
(٢) مغني المحتاج: ٣٧٧/ ٢، المغني: ٥٨٣/ ٥ - ٥٨٧، كشاف القناع: ٢٦٩/ ٤ - ٢٧٢، غاية المنتهى: ٣٠٠/ ٢.
 
البهائم وجوارح الطير التي لا تصلح للصيد، والمراد بالفائدة: اللبن والثمرة ونحوهما، لكن يستثنى - كما ذكر الشافعية - وقف الفحل للضراب، فإنه جائز ولا تجوز إجارته.
ولا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالطعام والشراب غيرالماء، والشمع والريحان؛ لأن منفعة المطعوم في استهلاكه، ولأن الشمع يتلف بالانتفاع به، فهو كالمأكول والمشروب، ولأن المشمومات والرياحين وأشباهها تتلف على قرب من الزمان، فأشبهت المطعوم. ولا يصح وقف ما كان الانتفاع به غير مباح كوقف آلات الملاهي؛ لأن المنفعة القائمة منه غير مباحة، ولاوقف الدراهم والدنانير، للتزيين، فإنه لا يصح على الأصح المنصوص، لأنه انتفاع غير مقصود. أما الماء فيصح وقفه، ويصح وقف دهن على مسجد ليوقد فيه؛ لأن تنوير المسجد مندوب إليه.
واستيفاء منفعة الموقوف: إما بتحصيل المنفعة كسكنى الدار وركوب الدابة وزراعة الأرض، أو بتحصيل العين كالثمرة من الشجر، والصوف والوبر والألبان والبيض من الحيوان.
ويصح كون الموقوف عقارًا كأرض، أو شجرًا، أو منقولًا كالحيوان مثل وقف فرس على المجاهدين، وكالأثاث مثل بساط يفرش في مسجد ونحوه، وكالسلاح مثل سيف ورمح أو قوس على المجاهدين، وكالمصحف وكتب العلم ونحوه.
أما وقف العقار فلحديث عمر المتقدم بوقف مئة سهم من أرض خيبر، وأما الحيوان، فلحديث أبي هريرة مرفوعًا: «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا واحتسابًا، فإن شبعه وروثه، وبوله، في ميزانه حسنات» (١) وأما الأثاث والسلاح،
(١) رواه البخاري.
 
فلقوله ﷺ: «أما خالد فقد حبس أدرعه وأعتده في سبيل الله» (١) وما عدا المذكور فمقيس عليه؛ لأن فيه نفعًا مباحًا مقصودًا، فجاز وقفه كوقف السلاح.
وقد بينت في محل الوقف: أنه يصح عند الشافعية والحنابلة وقف المشاع مطلقًا وعند المالكية فيما يقبل القسمة، لحديث عمر أنه وقف مئة سهم من خيبر، فلو وقفه مسجدًا ثبت فيه حكم المسجد في الحال عند التلفظ بالوقف، فيمنع منه الجنب والسكران ومن عليه نجاسة تتعدى، وتتعين القسمة في وقف المشاع مسجدًا، لتعيينها طريقًا للانتفاع بالموقوف.

ويصح وقف الحلي للبس والإعارة، لحديث نافع السابق بوقف حفصة حليًا على نساء آل الخطاب.
ويصح وقف الدار ونحوها وإن لم يذكر حدودها إذا كانت معروفة للواقف.
ولا يصح عند الشافعية في الأصح وقف كلب معلَّم للصيد أو قابل للتعليم؛ لأنه غير مملوك.
ويصح عند الحنابلة وقف سباع البهائم وجوارح الطير التي تصلح للصيد؛ لإباحة الانتفاع به للضرورة.

المبحث الثالث - شروط الموقوف عليه:

 
الموقوف عليه: 

إما معين أو غيره، فالمعين: إما واحد أو اثنان أو جمع، وغير المعين أو الجهة: مثل الفقراء والعلماء والقراء والمجاهدين والمساجد والكعبة والرباط والمدارس والثغور وتكفين الموتى.
(١) متفق عليه، ولفظ البخاري «وأعتده» قال الخطابي: الأعتاد: ما يُعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد.
 
شروط الوقف على معين:

  يشترط في الوقف على معين بالاتفاق كونه أهلًا للتملك، 

واختلف الفقهاء في الوقف على المعدوم والمجهول وعلى نفسه.


ذهب الحنفية (١) 

 إلى أنه يصح الوقف على معلوم، أو معدوم، مسلم أو ذمي، أو مجوسي على الصحيح؛ لأن المجوس من أهل الذمة، ولا يصح وقف مسلم أو ذمي على كنيسة (بيعة) أو على حربي، أما عدم صحة وقف المسلم على بيعة: فلعدم كون هذا الوقف قربة في ذاته، وأما في الذمي فلعدم كونه قربة عندنا وعنده معًا، وأما الحربي فلأنا قد نهينا عن بر الحربيين. ويصح على المفتى به وهو قول أبي يوسف وغيره من أئمة الحنفية الوقف على نفس الواقف، أو على أن الولاية له.


ورأى المالكية (٢): 

 أنه يصح الوقف على أهل التملك، سواء أكان موجودًا أم سيوجد كالجنين الذي سيولد، وسواء ظهرت قربة كالوقف على فقيرأم لم تظهر قربة، كما لو كان الموقوف عليه غنيًا، أو لو كان الوقف من مسلم على ذمي وإن لم يكن كتابيًا، ولا يصح الوقف على حربي، أو على بهيمة. وبناء عليه يصح الوقف لديهم على الموجود والمعدوم والمجهول والمسلم والذمي والقريب والبعيد، إلا أن الوقف على من سيولد غير لازم بمجرد عقده، بل يوقف لزومه وتوقف غلته إلى أن يوجد، فيعطاها، ما لم يحصل مانع من الوجود كموت ويأس من وجوده، فترجع الغلة للمالك أو ورثته إذا مات. وعلى هذا فللواقف بيع الوقف قبل ولادة الموقوف عليه.
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٣٩٥/ ٣، ٤٢١، ٤٢٣ ومابعدها، فتح القدير: ٥٦/ ٥، اللباب: ١٨٥/ ٢.
(٢) الشرح الصغير: ١٠٢/ ٤ ومابعدها، ١١٦، الشرح الكبير: ٧٧/ ٤ - ٨٠، القوانين الفقهية: ص ٣٨٠
 
ويبطل الوقف على نفس الواقف، ولو مع شريك غير وارث، مثل: وقفته على نفسي مع فلان، فإنه يبطل ما يخصه، وكذا ما يخص الشريك، إلا أن يحوزه الشريك قبل المانع، فإن وقف على نفسه، ثم على أولاده وعقبه، رجع حبسًا (وقفًا) بعد موته، على عقبه إن حازوا قبل المانع، وإلا بطل، أي يبطل الوقف على النفس، أما على غيره فيصح، سواء تقدم الوقف على النفس أو تأخر أو توسط، كأن قال: وقفت على نفسي، ثم عقبي، أو وقفت على زيد ثم على نفسي، أو وقفت على زيد ثم على نفسي ثم على عمرو. هذا إن وقف في صحته، فإن وقف في مرضه، صح، من الثلث.

وأوضح الشافعية (١)

 أنه يشترط في الوقف على معين إمكان تمليكه حال الوقف عليه بكونه موجودًا في الخارج، فلا يصح الوقف على معدوم وهو الجنين لعدم صحة تملكه في الحال، سواء أكان مقصودًا أم تابعًا، فلو كان له أولاد وله جنين عند الوقف لم يدخل، ولا يصح الوقف على ولده، وهو لا ولد له، ولا على فقير أولاده، ولا فقير فيهم، ولا يصح الوقف على مجهول كالوقف على رجل غير معين، أو على من يختاره فلان؛ لأن الوقف تمليك منجز، فلم يصح في مجهول كالبيع والهبة.
ولايصح الوقف على العبد نفسه؛ لأنه ليس أهلًا للملك. لكن لو أطلق الوقف على العبد فهووقف على سيده، كما في الهبة والوصية. ولو أطلق الوقف على بهيمة أو قيده بعلفها، لغا الوقف عليها؛ لأنها ليست أهلًا للملك بحال، كما لا تصح الهبة لها ولا الوصية.
ولا يصح في الأصح الوقف على نفسه أو على مرتد أو حربي، لتعذر تمليك
(١) مغني المحتاج: ٣٧٩/ ٢ ومابعدها، المهذب: ٤٤١/ ١.
 
الإنسان ملكه لنفسه؛ لأن الملك حاصل له، وتحصيل الحاصل محال، ولأن المرتد والحربي عرضة للقتل فلا دوام له، والوقف صدقة جارية، فكما لا يوقف ما لا دوام له، لا يوقف على من لا دوام له أي مع كفره. ولا يصح الوقف قطعًا على الحربيين والمرتدين؛ لأنه جهة معصية، كما سأبين. ويجوز للواقف أن يشرط النظر لنفسه كما سيأتي.
ويصح الوقف من مسلم أو ذمي على ذمي معين، كصدقة التطوع، وهي جائزة عليه فهو في موضع القربة، ولكن يشترط في صحة الوقف عليه ألا يظهر فيه قصد معصية، فلو قال: وقفت على خادم الكنيسة لم يصح، كما لو وقف على حُصرها، وأن يكون مما يمكن تمليكه: فيمتنع وقف المصحف وكتب العلم الشرعي عليه. والجماعة المعينون من أهل الذمة كالواحد.
والمعاهد والمستأمن في الأوجه كالذمي إن حل بدارنا ما دام فيها، فإذا رجع لدار الحرب، صرف إلى من بعده، كما تصرف غلة الوقف إلى من بعد الذمي الموقوف عليه إذا لحق بدار الحرب.

ومذهب الحنابلة (١) إجمالًا كالشافعية:

  يشترط أن يقف على من يملك ملكًا مستقرًا، وأن يكون معلومًا موجودًا، فلا يصح الوقف على من لا يملك كالعبد مطلقًا، والميت، والحمل في البطن أصالة، والمَلَك والجن والشياطين؛ لأنهم لا يملكون، والعبد القن (الخالص العبودية) لا يملك ملكًا لازمًا، والمكاتب وإن كان يملك، لكن ملكه ضعيف غير مستقر. والحمل لا يصح تمليكه بغير الإرث والوصية، لكن يصح الوقف على الحمل تبعًا لغيره، مثل وقفت على أولادي أو على أولاد فلان، وفيهم حمل، فيشمله الوقف.
(١) كشاف القناع: ٢٧٤/ ٤ - ٢٧٧، المغني: ٥٥٠/ ٥ وما بعدها، ٥٧٠، ٥٨٥ - ٥٨٩
 
ولا يصح الوقف على مرتد وحربي؛ 

 لأن أموالهم مباحة في الأصل، ويجوز أخذها منهم بالقهر والغلبة، فما يتجدد لهم أولى بالأخذ، والوقف لا يجوز أن يكون مباح الأخذ؛ لأنه تحبيس الأصل.


ولا يصح الوقف على مجهول،

  كرجل ومسجد ونحوهما، ولا على أحد هذين الرجلين أو المسجدين، لتردده.


ولا يصح الوقف على معدوم أصالة، 

مثل وقفت على من سيولد لي، أو لفلان، أو على من يحدث لي أو لفلان؛ لأنه لا يصح تمليك المعدوم. ويصح الوقف على المعدوم تبعًا، كوقفت على أولادي ومن سيولد لي، أو على أولاد زيد ومن يولد له، أو على أولادي ثم أولادهم أبدًا. وهذا خلافًا للشافعية.


ولا يصح الوقف على بهيمة؛ 

لأنها ليست أهلًا للملك.


ويصح الوقف على ذمي أو على أهل الذمة؛ 

 لأنهم يملكون ملكًا محترمًا، ويجوز أن يتصدق عليهم، فجاز الوقف عليهم كالمسلمين، ودليل جواز وقف المسلم على الذمي: ما روي أن صفية بنت حيي زوج النبي ﷺ وقفت على أخ لها يهودي، ولأن من جاز أن يقف الذمي عليه، جاز أن يقف عليه المسلم كالمسلم. ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم من المارة والمجتازين، صح أيضًا؛ لأن الوقف عليهم، لا على الموضع.


والوقف على النفس باطل؛ 

 لأن من وقف شيئًا وقفًا صحيحًا، فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه وملك منافعه، فلم يجز أن ينتفع بشيء منها؛ لأن الوقف تمليك إما للرقبة أو المنفعة، وكلاهما لا يصح هنا، إذ لا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه، كبيعه ماله من نفسه، فإن فعل بأن وقف على نفسه ثم على ولده، صرف الوقف في الحال إلى من بعده. 

 

لكن للواقف إن وقف على غيره كإنسان أو مسجد الانتفاع بالموقوف في حالات هي ما يأتي:
 
١) - أن يقف شيئًا للمسلمين، فيدخل في جملتهم، مثل أن يقف مسجدًا، فله أن يصلي فيه، أو مقبرة فله الدفن فيها، أو بئرًا للمسلمين، فله أن يستقي منها، أو سقاية أوشيئًا يعم المسلمين، فيكون كأحدهم، وهذا لا خلاف فيه، وقد روي عن عثمان ﵁: أنه سبَّل بئر رومة، وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين.
٢) - أن يشترط الواقف في الوقف أن ينفق منه على نفسه، لما روى أحمد عن حِجْر المدري: أن في صدقة رسول الله ﷺ أن يأكل منها أهله بالمعروف غير المنكر، ولأن عمر ﵁ لما وقف قال: ولا بأس على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقًا غير متمول فيه، وكان الوقف في يده إلى أن مات، ولأنه إذا وقف وقفًا عامًا كالمساجد والسقايات والرباطات والمقابر، كان له الانتفاع به، فكذلك ههنا .....
ولا فرق بين أن يشترط لنفسه الانتفاع به مدة حياته، أو مدة معلومة معينة، وسواء قدر ما يأكل منه أو أطلقه، فإن عمر ﵁، لم يقدر ما يأكل الوالي أو يطعم، إلا بقوله: «بالمعروف».
ولم يجز مالك والشافعي ومحمد بن الحسن انتفاع الواقف بوقفه؛ لأنه إزالة الملك، فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه، كالبيع والهبة، وكما لو أعتق عبدًا بشرط أن يخدمه، ولأن ما ينفقه على نفسه مجهول، فلم يصح اشتراطه، كما لو باع شيئًا، واشترط أن ينتفع به.
٣) - أن يشرط الواقف أن يأكل من الوقف أهله، فيصح الوقف والشرط؛ لأن النبي ﷺ شرط ذلك في صدقته.
وإن شرط أن يأكل منه وليه ويطعم صديقًا، جاز؛ لأن عمر ﵁ شرط ذلك في صدقته التي استشار فيها رسول الله ﷺ.
 
فإن وليها الواقف، كان له أن يأكل، ويطعم صديقًا؛ لأن عمر ولي الصدقة.
وإن وليها أحد من أهله، كان له الولاية؛ لأن حفصة بنت عمر كانت تلي صدقته، بعد موته، ثم وليها بعدها عبد الله بن عمر.

شروط الجهة الموقوف عليها: 

يشترط في الموقوف عليه غير المعين ما يأتي (١):


الشرط الأول - أن يكون معلومًا وأن يكون جهة خير وبر يحتسب الإنفاق عليها قربة لله تعالى: 

 وهذا متفق عليه في المسلم فقط، بأن يكون الموقوف عليه قربة في ذاته، والجهة تتملك الموقوف حكمًا.
والبر: اسم جامع للخير، وأصله: الطاعة لله تعالى، والمراد اشتراط معنى القربة في الصرف إلى الموقوف عليه؛ لأن الوقف قربة وصدقة، فلا بد من وجودها فيما لأجله الوقف، إذ هو المقصود، مثل الوقف على الفقراء والعلماء والأقارب، أو على غير آدمي كالمساجد والمدارس، والمشافي (البيمارستانات) والملاجئ، والحج والجهاد وكتابة الفقه والقرآن، والسقايات (٢) والقناطر وإصلاح الطرق، وذكر الحنفية أنه يصح وقف الأكسية على الفقراء، فتدفع إليهم شتاء، ثم يردونها بعده. وإن وقف مصحفًا على أهل مسجد للقراءة جاز، إن كانوا يحصون،
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٣٩١/ ٣، ٣٩٤ ومابعدها، ٤١١، الشرح الكبير: ٧٧/ ٤ ومابعدها، الشرح الصغير: ١٠٢/ ٤ ومابعدها، ١١٦، مغني المحتاج: ٣٨٠/ ٢ ومابعدها، المهذب: ٤٤١/ ١، كشاف القناع: ٢٧٢/ ٤ ومابعدها، المغني: ٥٧٠/ ٥، ٥٨٧ ومابعدها.
(٢) السقايات جمع سِقاية: وهي في الأصل الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها، وتطلق على ما بني لقضاء الحاجة.
 
ويستوي فيه الأغنياء والفقراء. وإن وقفه على المسجد، جاز ولا يكون محصورًا فيه، ويجوز نقله منه إلى مسجد آخر، كما يجوز نقل كتب الأوقاف من محلها للانتفاع بها. ويصح الوقف على طلبة العلم؛ لأن الغالب فيهم الفقر. ولا يصح عند الحنفية الوقف على الأغنياء وحدهم؛ لأنه ليس بقربة.


الوقف على الأغنياء:
ويصح الوقف في الأصح عند الشافعية على جهة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء وأهل الذمة والفسقة، نظرًا إلى أن الوقف تمليك، والوقف كله قربة. ويصح بالاتفاق الوقف على أهل الذمة، ولأن الصدقة تجوز على الأغنياء. وحد الفقر والغنى بحسب المقرر في الزكاة، فمن تصح له الزكاة لفقره، يصح له الوقف لفقره أيضًا، وما لا فلا. والغني: من تحرم عليه الزكاة، إما لملكه أو لقوته وكسبه أو كفايته بنفقة غيره.
ويصح عند المالكية الوقف على الأغنياء، كما ذكر الشافعية.
ولا يصح عند الحنابلة الوقف على مباح كتعليم شعر مباح، ولا على مكروه كتعليم منطق لانتفاء القربة، ولا على الأغنياء كما سيأتي.
ولا يصح بالاتفاق وقف المسلم على جهة معصية كأندية الميسر ودور اللهو وجمعيات الإلحاد والضلال، لأنه ليس قربة في نظر الإسلام. وهناك أمثلة أخرى للمعصية من كتب المذاهب.
فلا يصح وقف المسلم عند الحنفية على بيعة أو كنيسة، لعدم كونه قربة في ذاته.
 
ولا يصح الوقف في مذهب المالكية على كنيسة، أو صرف الغلة في ثمن خمر أو حشيشة، أو سلاح لقتال غير جائز. والوقف على شرَبة الدخان باطل، وإن قالوا بجواز شربه.
ولا يصح الوقف من مسلم أو ذمي في رأي الشافعية على جهة معصية أو مالا قربة فيه كعِمارة وترميم الكنائس ونحوها من متعبدات الكفار للتعبد فيها، أو حصرها، أو قناديلها أو خدامها، أو كتب التوراة والإنجيل، أو السلاح لقطاع الطريق؛ أو لمن يرتد عن الدين؛ لأنه إعانة على معصية، والقصد بالوقف القربة إلى الله تعالى، فهما متصادمان.
أما عمارة كنائس لا للتعبد فيها وإنما لنزول المارّة، فيصح الوقف عليها.
ولا يصح الوقف لدى الحنابلة من مسلم أو ذمي على كنائس وبيوت نار وبيع وصوامع وأديرة، ومصالحها كقناديلها وفرشها ووقودها وسدنتها؛ لأنه - كما ذكر الشافعية - إعانة على معصية. وللإمام أن يستولي على كل وقف وُقف على هذه الجهات، ويجعلها على جهة قربات، إذا لم يعلم ورثة واقفها، وإلا فللورثة أخذها. ويصح الوقف على من ينزل الكنائس والأديرة ونحوها، أو على من يمر بها أو يجتاز من أهل الذمة فقط.
ولا يصح الوقف لديهم - كما قال الشافعية - على كتابة التوراة والإنجيل، ولو كان الوقف من ذمي، لوقوع التبديل والتحريف، وقد روي من غير وجه: «أن النبي ﷺ غضب لما رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة» ولا على كتب البدعة.
ولا يصح وقف الستور، وإن لم تكن حريرًا، لغير الكعبة كوقفها على الأضرحة؛ لأنه ليس بقربة.
 
والوصية كالوقف في كل ما ذكر، فتصح فيما يصح الوقف عليه، وتبطل فيما لا يصح عليه.
ولا يصح لديهم الوقف على طائفة الأغنياء وقطاع الطرق وجنس الفسقة والمغنين، ولا على التنوير على قبر، ولا على تبخيره، ولا على من يقيم عنده، أو يخدمه أويزوره زيارة فيها سفر؛ لأن المذكور ليس من البر.
ولايصح الوقف أيضًا على بناء مسجد على القبر، ولا وقف البيت الذي فيه القبر مسجدًا، لقول ابن عباس: «لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» (١).
ولا يصح الوقف على زخرفة المساجد ولا على عمارة القبور؛ لأنه إضاعة للمال وإتلاف له في غير منفعة.

وقف غير المسلم:

  اتفق فقهاؤنا على بطلان وقف غير المسلم على جهة معصية ليست قربة في دينه ولا في دين الإسلام، كالمراقص وأندية القمار.
واختفلوا فيما تختلف فيه أنظار الأديان (٢):
قال الحنفية: يشترط في وقف الذمي أن يكون الموقوف عليه قربة عندنا وعندهم، أي في نظر الإسلام وفي اعتقاد الواقف معًا، كالوقف على الفقراء أو على مسجد القدس؛ لأنه قربة في اعتقاد الواقف وفي نظر الإسلام. أما وقف غير المسلم على المسجد فغير صحيح؛ لأنه وإن كان قربة في نظر الإسلام ليس قربة في اعتقاد الواقف.
(١) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي.
(٢) رد المحتار: ٣٩٤/ ٣، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: ٧٨/ ٤، الشرح الصغير: ١١٨/ ٤، مغني المحتاج: ٣٨٠/ ٢، المغني: ٥٨٨/ ٥، كشاف القناع: ٢٧٣/ ٤.
 
وكذلك وقف غير المسلم الذمي على كنيسة أو بيعة غير صحيح؛ لأنه وإن كان قربة في اعتقاد الواقف، لكنه ليس قربة في نظر الإسلام.
وقال ابن رشد من المالكية: إذا وقف الذمي على كنيسة، فإن كان على ترميمها أو (مرمتها - إصلاحها) أو على الجرحى أو المرضى التي فيها، فالوقف صحيح معمول به. فإن ترافعوا إلينا لنحكم في أوقافهم، حكم الحاكم بينهم بحكم الإسلام من صحة الوقف وعدم بيعه. وإن كان الوقف على عباد الكنائس، حكم ببطلانه، فالعبرة إذن بكون الوقف قربة في اعتقاد الواقف فقط في الأحوال الجائزة.
والمعتمد لدى المالكية قول آخر لابن رشد: وهو بطلان وقف الذمي على الكنيسة مطلقًا، وبطلان وقف الكافر لنحو مسجد ورباط ومدرسة من القرب الإسلامية، فالعبرة إذن بكون الوقف على جهة خيرية عندنا وعندهم، كما قال الحنفية.
وقال الشافعية والحنابلة: العبرة بكون الوقف قربة في نظر الإسلام. سواء أكان قربة في اعتقاد الواقف أم لا.
فيصح وقف الكافر على المسجد؛ لأنه قربة في نظر الإسلام، ولا يصح وقفه على كنيسة أو بيت نار ونحوهما؛ لأنه ليس قربة في نظر الإسلام.
وأخذ القانون المصري (م٧) بمذهب الحنفية، وبقول بعض المالكية، فنص على أن: وقف غير المسلم صحيح، ما لم يكن على جهة محرمة في شريعته وفي الشريعة الإسلامية.
 
الشرط الثاني - لأبي حنيفة ومحمد (١): أن يجعل آخر الوقف الأهلي بجهة لا تنقطع أبدًا،

  فإن لم يذكر آخره لم يصح عندهما؛ لأن التأبيد شرط جواز الوقف، وتسمية جهة تنقطع توقيت له معنى، فيمنع الجواز، ولأنه يصبح حينئذ وقفًا على مجهول، فلم يصح، كما لو وقف على مجهول في ابتداء الوقف.
وقال أبو يوسف: ليس هذا بشرط، بل يصح وإن سمى جهة تنقطع، ويكون بعدها للفقراء، وإن لم يسمِّهم، إذ لم يثبت هذا الشرط عن الصحابة، ولأن قصد الواقف أن يكون آخره للفقراء، وإن لم يسمهم، فكان تسمية هذا الشرط ثابتًا دلالة وضمنًا، والثابت دلالة كالثابت نصًا.
وأخذ الجمهور (٢) غير الحنفية بقول أبي يوسف، أما المالكية فلم يشترطوا تأبيد الوقف، وقالوا: إن انقطع وقف مؤبد على جهة، بانقطاع الجهة التي وقف عليها، رجع وقفًا لأقرب فقراء عصبة الواقف، مع تساوي الذكر والأنثى، ولو شرط الواقف في وقفيته أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فيقدم الابن ثم ابنه، ثم الأب، ثم الأخ فابنه، ثم الجد، فالعم فابنه، فإن لم يوجدوا فللفقراء على المشهور.
وللشافعية قولان صحح صاحب المهذب أنه: إن وقف وقفًا مطلقًا ولم يذكر سبيله، يصح؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة، فصح مطلقًا كالأضحية. والأظهر لدى الشافعية أنه لايصح الوقف بدون بيان المصرف كما سيأتي في شروط الصيغة.
(١) البدائع: ٢٢٠/ ٦، الدر المختار: ٣٩٩/ ٣ - ٤٠٠، الكتاب مع اللباب: ١٨٢/ ٢.
(٢) الشرح الكبير: ٨٥/ ٤، الشرح الصغير: ٩٨/ ٤، ١٢١، المهذب: ٤٤١/ ١ ومابعدها، مغني المحتاج: ٣٨٤/ ٢، المغني: ٥٦٧/ ٥ - ٥٧٠، ٥٧٧، تكملة المجموع: ٥٨٦/ ١٥ - ٥٨٨.
 
لكن إن عيَّن سبيل الوقف، فلا بد من أن يكون على سبيل لا ينقطع أو لا ينقرض، كالفقراء والمجاهدين وطلبة العلم وما أشبهها.
وقال الحنابلة: إن كان الوقف غير معلوم الانتهاء، مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة، ولم يجعل آخره للمساكين، ولا لجهة غير منقطعة، فإن الوقف يصح؛ لأنه تصرف معلوم المصرف، فصح، كما لو صرح بمصرفه المتصل، ولأن الإطلاق إذا كان له عرف، حمل عليه، كنقد البلد وعرف المصرف.
واتفق الشافعية والحنابلة مع الرأي السابق للمالكية على أن الموقوف يصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقرب الناس إلى الواقف؛ لأن مقتضى الوقف الثواب على التأبيد، فحمل فيما سماه على شرطه، وفيما سكت عنه على مقتضاه، ويصير كأنه وقف مؤبد، فإذا انقرض المسمى، صرف إلى أقرب الناس إلى الواقف؛ لأنه من أعظم جهات الثواب. والأصح عند الشافعية أنه يختص المصرف وجوبًا بفقراء قرابة الرحم، لا الإرث، فيقدم ابن بنت على ابن عم.
والدليل عليه: قول النبي ﷺ: «لا صدقة، وذو رحم محتاج» (١) وحديث سلمان بن عامر عن النبي ﷺ: «الصدقة على المسلمين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة» (٢).
والراجح لدى الحنابلة، والشافعية في أحد القولين: أنه لا يختص صرف
(١) هذا جزء من حديث طويل عن أبي هريرة، رواه الطبراني في الأوسط، وجاء فيه: «يا أمة محمد، والذي بعثني بالحق، لا يقبل الله صدقة من رجل، وله قرابة محتاجون إلى صلته، ويصرفها إلى غيرهم» قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي، وهو ضعيف.
(٢) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم، وحسنه الترمذي.
 
الوقف حينئذ بالفقراء من أقارب الواقف، بل يشترك فيه الفقراء والأغنياء؛ لأن الوقف لا يختص بالفقراء، وإنما الغني والفقير في الوقف سواء.
فإن لم يكن للواقف أقارب، أو كان له أقارب، فانقرضوا، صرف إلى الفقراء والمساكين وقفًا عليهم؛ لأن القصد به الثواب الجاري على وجه الدوام.

المبحث الرابع - ألفاظ الوقف وشروط صيغة الوقف:

 
صيغة الوقف: 

ينعقد الوقف - كما تبين في ركن الوقف - بالإيجاب وحده ولو لمعين عند الحنفية والحنابلة، وكذا إذا كان على غير معين باتفاق العلماء، وبالإيجاب والقبول عند المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إذا كان على معين.

وألفاظ الوقف الخاصة به عند الحنفية (١):  

مثل أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على المساكين، أو موقوفة لله تعالى، أو على وجه الخير، أو البر.
والمفتى به عملا ًبالعرف هو ما قال أبو يوسف من الاكتفاء بلفظ (موقوفة) بدون ذكر تأبيد أو ما يدل عليه، كلفظ: صدقة، أو لفظ المساكين، ونحوه كالمسجد، وذلك إذا لم يكن وقفًا على معين كزيد، أو أولاد فلان، فإنه لا يصح حينئذ بلفظ (موقوفة) لمنافاة التعيين للتأبيد، ولذا فرق بين لفظ (موقوفة) وبين (موقوفة على زيد) حيث أجاز الأول دون الثاني؛ لأن الأول يصرف إلى الفقراء عرفًا، فإذا ذكر الولد صار مقيدًا، فلا يبقى العرف، إلا أن تعيين المسجد لا يضر؛ لأنه مؤبد، والتأبيد من حيث المعنى شرط باتفاق الحنفية على الصحيح.

ثبوت الوقف بالضرورة:  

قد يثبت الوقف بالضرورة كما تقدم، مثل أن
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٣٩٣/ ٣، ٣٩٧ - ٤٠١.
 
يوصي بغلة هذه الدار للمساكين أبدًا، أو لفلان وبعده للمساكين أبدًا، فإن الدار تصير وقفًا بالضرورة، كأنه قال: إذا مت فقد وقفت داري على كذا.
لكن إذا علق الوقف بالموت، كإذا مت فقد وقفت داري على كذا، فالصحيح أنه كوصية تلزم من الثلث بالموت، لا قبله، حتى ولو كان وقفًا على وارثه، وإن رده الورثة الموقوف عليهم، أو وارث آخر. لكن إذا ردوه تقسم غلة الثلث الذي صار وقفًا كالثلثين بقية التركة، فتصرف مصرف الثلثين على الورثة كلهم مادام الموقوف عليه حيًا، أما إذا مات فتقسم غلة الثلث الموقوف على من يصير له الوقف. وإذا مات بعض الموقوف عليهم، فإنه ينتقل سهمه إلى ورثته ما بقي أحد من الموقوف عليه حيًا.
وإذا قال: وقفت الدار في حياتي، وبعد وفاتي مؤبدًا، جاز، لكن عند الإمام أبي حنيفة: ما دام حيًا هو نذر بالتصدق بالغلة، فعليه الوفاء، وله الرجوع، ولو لم يرجع حتى مات، جاز من الثلث.
وإذا أقَّت الوقف بشهر أو سنة بطل باتفاق الحنفية، لعدم توافر شرط التأبيد، ولو وقف على رجل بعينه، عاد بعد موته لورثة الواقف.

والمذهب لدى المالكية (١):

 ينعقد الوقف إما بلفظ صريح، مثل: وقفت أو حبست أو سبَّلْت؛ أو بلفظ غير صريح، مثل: تصدقت إن اقترن بقيد؛ أو كان على جهة لا تنقطع؛ أو كان على مجهول محصور (٢). مثال المقترن بقيد يدل على المراد: تصدقت به على ألا يباع ولا يوهب، أو تصدقت به على فلان طائفة بعد طائفة، أو عقبهم أو نسلهم، فإن لم يقيد بقيد فهو ملك لمن تصدق به عليه. ومثال
(١) الشرح الكبير: ٨١/ ٤، ٨٤، الشرح الصغير: ١٠٣/ ٤ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص ٣٧٠.
(٢) المراد بالمحصور: ما يحاط بأفراده، وغير المحصور: مالا يحاط بأفراده كالفقراء والعلماء.
 
الجهة غير المنقطعة: إما على غير معين كتصدقت أو وقفت على الفقراء، أو على جهة كالتصدق به على المساجد. ومثال المجهول المنحصر: التصدق به على فلان وعقبه ونسله؛ لأن قوله (وعقبه) وما في معناه يدل على التأبيد.
وقد يكفي الفعل لانعقاد الوقف كالإذن للناس بالصلاة في الموضع الذي بناه مسجدًا.
وينوب عن الصيغة: التخلية بين الموقوف والموقوف عليه، كجعله مسجدًا أو مدرسة أو رباطًا أو بئرًا أو مكتبة، وإن لم يتلفظ بالوقف، وتعتبر التخلية حوزًا (قبضًا) حكميًا.

ومذهب الشافعية (١): 

 لا يصح الوقف إلا بلفظ، ويكون الوقف إما بلفظ صريح مثل وقفت كذا على كذا، أو أرضي موقوفة عليه، لاشتهاره لغة وعرفًا، والتسبيل والتحبيس صريحان أيضًا على الصحيح، لتكررهما شرعًا، واشتهارهما عرفًا، ولم ينقل عن الصحابة وقف إلا بهما.
ولو قال: تصدقت بكذا صدقة محرمة، أو موقوفة، أو لا تباع ولا توهب، فهو صريح في الأصح المنصوص في الأم؛ لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف. لكن هذا اللفظ صريح بغيره، وما قبله صريح بنفسه.
ولو قال: تصدقت فقط، فهو ليس بصريح في الوقف، ولا يحصل به الوقف، وإن نواه، لتردد اللفظ بين صدقة الفرض والتطوع والصدقة الموقوفة، لكن إن أضافه إلى جهة عامة كالفقراء ونوى الوقف، فيحصل الوقف. ويكون اللفظ صريحًا.
(١) مغني المحتاج: ٣٨١/ ٢ ومابعدها، المهذب: ٤٤٢/ ١.
 
وإما أن يكون الوقف بلفظ غير صريح: مثل حرمته للفقراء، أو أبَّدته عليهم، فهو في الأصح كناية؛ لأنهما لا يستعملان مستقلين، وإنما يؤكد بهما الألفاظ السابقة.
والأصح أن قوله: جعلت البقعة مسجدًا، تصير به مسجدًا، وإن لم يقل (لله) لأن المسجد لا يكون إلا وقفًا، فأغنى لفظه عن لفظ الوقف ونحوه. ولو بنى مسجدًا في موات، ونوى جعله مسجدًا، فإنه يصير مسجدًا، ولم يحتج إلى لفظ، فهذا مستثنى من اشتراط اللفظ للوقف.

ورأي الحنابلة (١): 

 الوقف إما بلفظ صريح أو كناية. فالصريح: مثل: وقفت وحبَّست وسبَّلت، ويكفي أحدهما، لاستعماله شرعًا وعرفًا. والكناية مثل: تصدقت، وحرّمت، وأبّدت، لأنه لفظ مشترك، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة، وفي صدقة التطوع، والتحريم صريح في الظهار، والتأبيد يستعمل في كل ما يراد تأبيده من وقف وغيره. ولا يصح الوقف بالكناية إلا بأحد أمور أربعة هي:
١ - نية المالك.
٢ - أو اقتران لفظ الكناية بأحد الألفاظ الخمسة وهي الألفاظ الصرائح الثلاث، ولفظا التحريم والتأبيد، فيقول: تصدقت بكذا صدقة موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة، أو مؤبدة، أو محرمة.
٣ - أو وصف الكناية بصفات الوقف، فيقول: تصدقت به صدقة لاتباع أو لا توهب، أو لا تورث.
(١) كشاف القناع: ٢٦٧/ ٤ ومابعدها.
 
٤ - أو يقرن الكناية بحكم الوقف، كأن يقول: تصدقت بأرضي على فلان، والنظر لي أيام حياتي، أو النظر لفلان، ثم من بعده لفلان.
ويصح الوقف أيضًا بفعل دال على الوقف عرفًا، مثل أن يجعل أرضه مقبرة، ويأذن بالدفن فيها إذنًا عامًا، أو يبني بنيانًا على هيئة مسجد، ويأذن للناس في الصلاة فيه إذنًا عامًا؛ لأن الإذن الخاص قد يقع على غير الموقوف، فلا يفيد دلالة الوقف، أو يؤذن ويقام فيما بناه مسجدًا؛ لأن الأذان والإقامة فيه كالإذن العام في الصلاة فيه. ولو جعل سفل بيته مسجدًا وانتفع بعلوه أو بالعكس، ولو لم يذكر استطراقًا، صح الوقف، ويستطرق إليه بحسب العادة.
أو يبني بيتًا لقضاء حاجة الإنسان، أي بالبول والغائط والتطهير، ويفتح بابه إلى الطريق للناس.
أو يملأ خابية أو نحوها من الماء على الطريق أو في المسجد ونحوه، لدلالة الحال على تسبيله.

شروط صيغة الوقف:
يشترط في الوقف ذاته أو في صيغة الوقف عند الفقهاء ما يأتي (١).

الشرط الأول - التأبيد: 

فلا يصح الوقف عند الجمهور غير المالكية بما يدل على التأقيت بمدة؛ لأنه إخراج مال على وجه القربة، فلم يجز إلى مدة. وإنما لا بد من اشتماله على معنى التأبيد، ولا يشترط التلفظ به، كالوقف على من لم ينقرض
(١) الدر المختار: ٣٩٤/ ٣، ٣٩٨، الشرح الصغير: ٩٨/ ٤، ١٠٥ - ١٠٦، الشرح الكبير: ٨٧/ ٤ - ٨٩، مغني المحتاج: ٣٨٣/ ٢ - ٣٨٥، كشاف القناع: ٢٦٩/ ٤، ٢٧٧ ومابعدها، المغني: ٥٥٢/ ٥،٥٧٠ - ٥٧٢، غاية المنتهى: ٣٠٤/ ٢.
 
قبل قيام الساعة، كالفقراء، أو على من ينقرض، ثم على من لا ينقرض كزيد، ثم الفقراء.
فإن اقترنت الصيغة بما يدل على تأقيت الوقف، مثل: وقفت هذا على كذا سنة أوشهرًا مثلًا، فباطل هذا الوقف، لفساد الصيغة؛ لأن المقصود من شرعية الوقف هو التصدق الدائم، وهو يقتضي أن يكون إنشاء الوقف على سبيل التأبيد.
وبناء عليه، شرط الحنفية أن يكون الموقوف عقارًا؛ لأنه هو الذي ينتفع به على وجه التأبيد، ولم يجيزوا وقف المنقول إلا تبعًا للعقار، أو ورد به النص، أو جرى العرف بوقفه. واشترطوا أيضًا أن يكون آخر مصارف الوقف الأهلي جهة بر لا تنقطع، ليدوم التصدق ويستمر.
أما المالكية فلم يشترطوا التأبيد في الوقف، وأجازوا الوقف سنة أو أكثر لأجل معلوم، ثم يرجع ملكًا للواقف أو لغيره، توسعة على الناس في عمل الخير.

أما القانون المصري (م٥) رقم (٤٨ لسنة ١٩٤٦)، فإنه جعل الوقف من حيث تأبيده وتوقيته ثلاثة أقسام:
١ - وقف لا يصح إلا مؤبدًا، وتوقيته باطل: وهو وقف المسجد والوقف على المسجد. وهذا رأي الجمهور غير المالكية.
٢ - وقف يجوز كونه مؤقتًا ومؤبدًا: وهو الوقف على غير المسجد كالمشافي والملاجئ والمدارس والفقراء ونحو ذلك. وهذا مأخود من مذهب المالكية للتوسعة على الناس في عمل الخير.
٣ - وقف لا يكون إلا مؤقتًا وتأبيده باطل: وهو الوقف الأهلي، فإن وقَّته بسنين وجب ألا تزيد على ستين سنة من وفاة الواقف، وإن وقَّته بطبقات وجب ألا
 
تزيد على طبقتين من الموقوف عليهم بعد الواقف. ولا سند لذلك التأقيت إلا المصلحة.
ثم ألغي الوقف الأهلي في سورية سنة (١٩٤٩)، وفي مصر سنة (١٩٥٢) بالقانون رقم (١٨٠).

الشرط الثاني - التنجيز:

 بأن يكون منجزًا في الحال غير معلَّق بشرط ولا مضاف إلى وقت في المستقبل؛ لأنه عقد (التزام) يقتضي نقل الملك في الحال، فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والهبة، في رأي الجمهور غيرالمالكية.


الصيغة المنجزة:  

هي التي تدل على إنشاء الوقف وترتب آثاره في الحال أي في وقت صدورها.


والصيغة المعلقة: 

هي التي لا تدل على إنشاء الوقف من حين صدورها، بل تدل على تعليق التصرف بأمر يحدث في المستقبل، مثل إذا جاء زيد فقد وقفت، أوإذا جاء غدًا أو رأس الشهر أو إذا كلمت فلانًا، فأرضي هذه صدقة موقوفة، يكون الوقف باطلًا عند الجمهور غير المالكية.

 وصيغ التعليق ثلاث:
أـ إن كان التعليق على أمر متردد بين الوجود وعدم الوجود، فلا يصح الوقف بها، مثل إن قدم ابني من السفر، فقد وقفت داري على كذا؛ لأن الوقف يقتضي نقل الملك، والتمليكات لا تقبل التعليق على أمر في المستقبل. وعلل الشافعية عدم صحة تعليق الوقف على شرط مستقبل بأنه عقد (التزام) يبطل بالجهالة، فلم يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع.
ب - إن كان التعليق على موت الواقف، صح الوقف بالاتفاق، مثل وقفت داري بعد موتي على الفقراء؛ لأنه تبرع مشروط بالموت، فصح كما لو قال: قفوا
 
داري بعد موتي على كذا؛ لأن عمر وصى، فكان في وصيته: «هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثَمْغًا صدقة» (١).
ويكون الوقف المعلق بالموت لازمًا، من حين قوله: هو وقف بعد موتي، وينفذ من غير إجازة الورثة، إن خرج من ثلث التركة.
جـ - إن كان التعليق على أمر محقق عند صدوره، صح الوقف أيضًا، مثل إن كانت هذه الأرض ملكي - وكانت ملكه وقت التكلم - فهي وقف على كذا؛ لأن التعليق صوري والصيغة فيها منجزة في الحقيقة. فهذا تعليق بكائن أو موجود للحال فلا ينافي عدم صحته معلقًا بالموت؛ لأن التعليق بالشرط الكائن تنجيز. وقال الشافعية: الظاهر صحة الوقف بقوله: جعلته مسجدًا إذا جاء رمضان.
والصيغة المضافة إلى زمن في المستقبل: هي التي تدل على إنشاء الوقف في الحال، ولكن تؤخر ترتيب حكمه إلى زمن مستقبل، مثل جعلت منزلي هذا وقفًا على كذا في أول العام الهجري المقبل.
وحكم هذه الصيغة عند الحنفية على التفصيل التالي:
إن كان الزمن المستقبل المضاف إلىه الوقف هو ما بعد الموت، فالوقف باطل عند أبي حنيفة، والصحيح أنه وصية لازمة بوقف من الثلث بالموت، لا قبله.
وإن كان الزمن المستقبل غير زمن الموت، مثل أول السنة الهجرية، فالصحيح من الروايتين عند الحنفية أن الوقف يصح، كما تصح الإجارة المضافة للمستقبل، والوقف يشبه الإجارة لأنه مثلها تمليك المنفعة، فيصح الوقف لو قال: داري صدقة وموقوفة غدًا.
(١) رواه أحمد، وروى نحوه أبو داود، وثمغ: مال بالمدينة لعمر وقفه.
 
والحاصل أنه لايجوز عند الجمهور تعليق الوقف على شرط في الحياة، مثل إذا جاء رأس الشهر فداري وقف.
وقال المالكية عن هذا الشرط: لايشترط في الوقف التنجيز، فيجوز مع التعليق كأن يقول: هو حبس على كذا بعد شهر أو سنة، أو يقول: إن ملكت دار فلان فهي وقف.

الشرط الثالث - الإلزام: 

لايصح عند الجمهور غير المالكية تعليق الوقف بشرط الخيار أو بخيار الشرط، معلومًا كان أو مجهولًا، بأن يقف شيئًا ويشرط لنفسه أو لغيره الرجوع فيه متى شاء، ويبطل الوقف كالهبة والعتق. لكن استثنى الحنفية وقف المسجد، فلو اتخذ مسجدًا على أنه بالخيار، جاز والشرط باطل.


الشرط الرابع - عدم الاقتران بشرط باطل:

 الشروط عند الحنفية ثلاثة:

 
أ - شرط باطل:

 وهو ماينافي مقتضى الوقف، كأن يشترط إبقاء الموقوف على ملكه، وحكمه: أنه يبطل به الوقف، لمنافاته حقيقة الوقف. وكذا لو شرط لنفسه الرجوع في الوقف متى شاء، يبطل به الوقف لمنافاته حكم الوقف وهو اللزوم. ولو شرط بيع الوقف وصرف ثمنه لحاجته، بطل الوقف.


ب - شرط فاسد: 

 وهو مايخل بالانتفاع بالموقوف، أو بمصلحة الموقوف عليه، أو يخالف الشرع. مثال الأول: أن يشترط صرف الريع إلى المستحقين، ولو احتاج الموقوف إلى التعمير، فهو فاسد؛ لأنه يخل بالانتفاع بالموقوف. ومثال الثاني: أن يشترط ألا يعزل الناظر من أولاده ولو خان، فهوفاسد؛ لأنه يخل بمصلحة الموقوف عليه. ومثال الثالث: أن يخصص جزءًا من الريع لارتكاب جريمة، فهو شرط فاسد؛ لأنه يخالف الشريعة. وحكمه: أنه لايبطل الوقف، بل يصح ويبطل الشرط.
 
جـ - شرط صحيح: 

هو كل شرط لاينافي مقتضى الوقف، ولايخل بالمنفعة، ولا يصادم الشرع، مثل اشتراط البدء من الريع بأداء الضرائب المستحقة، أوالبدء بالتعمير قبل الصرف إلى المستحقين. وحكمه: أنه يجب اتباعه وتنفيذه.


أما القانون المصري (م٦) رقم (٤٨ لسنة ١٩٤٦) 

فقد نص على أنه: «إذا اقترن الوقف بشرط غير صحيح، صح الوقف، وبطل الشرط» والشرط غير الصحيح يشمل الشرط الفاسد والباطل. وهذا رأي الصاحبين في الشرط الفاسد، ورأي لأبي يوسف في الشرط الباطل.


وقال المالكية: 

 إذا اشترط الواقف على مستحق الوقف إصلاحه أو دفع ضريبة بغير حق لحاكم ظالم، صح الوقف وألغي الشرط، ويصح في الأصح الإصلاح ودفع التوظيف من غلة الموقوف. كذلك لو شرط عدم البدء بإصلاح الموقوف أو عدم البدء بنفقته التي يحتاج إليها كنفقة الحيوان، صح الوقف، وبطل الشرط، وأنفق عليه من غلة الموقوف.


ومذهب الشافعية: 

 إن شرط الواقف أن يبيع الوقف، أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء، بطل الوقف على الصحيح كشرط الخيار السابق.


ووافقهم الحنابلة فقالوا: 

إن شرط الواقف في الوقف شرطًا فاسدًا كخيار فيه، أو بشرط تحويل الوقف عن الموقوف عليه إلى غيره، بأن قال: وقفت داري على كذا، على أن أحولها عن هذه الجهة، أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئت، أو بأن يخرج من شاء من أهل الوقف، ويدخل من شاء من غيرهم، لم يصح الوقف. وكذا إن شرط هبته أو بيعه متى شاء، أو متى شاء أبطله، لم يصح الوقف؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف. ولو شرط البيع عند خراب الوقف
 
وصرف الثمن في مثله، أو شرطه للمتولي بعده (وهو من ينظر في الوقف) فسد الشرط فقط، وصح الوقف مع إلغاء الشرط، كما في الشروط الفاسدة في البيع.

الشرط الخامس عند الشافعية: بيان المصرف: 

فلو اقتصر الواقف على قوله: وقفت كذا، ولم يذكر مصرفه، فالأظهر بطلانه، لعدم ذكر مصرفه، وهذا بخلاف الوصية، فإنها تصح وتصرف للمساكين؛ لأن غالب الوصايا للمساكين، فحمل الإطلاق عليه، بخلاف الوقف. وصحح صاحب المهذب القول الثاني وهو صحة الوقف بدون ذكر جهة الصرف؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة، فصح مطلقًا كالأضحية.
ولم يشترط الجمهور غير الشافعية ذكر جهة المصرف، قال المالكية: لايشترط في الوقف تعيين المصرف في محل صرفه، فجاز أن يقول: وقفته لله تعالى، من غير تعيين من يصرف له، وصرف فيما يصرف له في غالب عرفهم، وإلا يكن غالب في عرفهم، فالفقراء يصرف عليهم، هذا إذا لم يختص الموقوف بجماعة معينة، وإلا صرف لهم، ككتب العلم.

مقتضى ألفاظ الوقف التي يعبر بها عن الموقوف عليهم:
قد تصدر عن الواقف ألفاظ كالولد والعقب والنسل والذرية والقرابة والآل والأهل، فما المراد منها في المذاهب (١)؟.
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٤٨٢/ ٣ ومابعدها، فتح القدير: ٧٠/ ٥ - ٧٢، الشرح الكبير: ٩٢/ ٤ ومابعدها، الشرح الصغير: ١٢٨/ ٤ - ١٣٢، القوانين الفقهية: ص٣٧٠، المهذب: ٤٤٤/ ١ ومابعدها، كشاف القناع: ٣٠٧/ ٤ - ٣١٤، غاية المنتهى: ٣١٩/ ٢ ومابعدها، المغني: ٥٦٠/ ٥ - ٥٦٦.
 
أ - الولد والأولاد:

 إن قال الواقف: وقفت على ولدي أو على أولادي، تناول بالاتفاق ولد الصلب ذكورهم وإناثهم. أما لو قال: ولدي وولد ولدي، أو أولادي وأولاد أولادي، أو بنيّ وبني بنيّ، تناول الذكور والإناث من الأولاد، والراجح عند المالكية أنه لايتناول من أولاد الأولاد سوى الذكور دون الإناث.
قال الحنابلة: إذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده، استوى فيه الذكر والأنثى؛ لأنه تشريك بينهم، وإطلاق التشريك يقتضي التسوية. والمستحب أن يقسم الواقف الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وقال القاضي أبو يعلى: المستحب التسوية بين الذكر والأنثى؛ لأن القصد القربة على وجه الدوام، وقد استووا في القرابة. وإذا فضل بعضهم على بعض فهو على ماقال. ويوزع الوقف بطنًا بعد بطن، أي للأقرب فالأقرب.

ب - الذرية والنسل والعقب: 

 لو قال الواقف: على ذريتي أو نسلي أو عقبي، يشمل بالاتفاق أولاد الذكور دون أولاد الإناث، أي أولاد البنات، إلا بتصريح أو بقرينة كما قال الحنابلة.


جـ - الآل والجنس وأهل البيت: 

 يدخل فيهم العصبة من الأولاد والبنات، والإخوة والأخوات، والأعمام والعمات. واختلف في دخول الأخوال والخالات. وقال الحنفية: آله وجنسه وأهل بيته: كل من يناسبه إلى أقصى أب له في الإسلام، وهو الذي أدرك الإسلام، أسلم أم لا.
وذكر الحنفية: أنه يشمل الغني والفقير. والأصل عند الحنفية: أن الصغير يعد غنيًا بغنى أبويه وجديه فقط، والرجل والمرأة بغنى فروعها، وزوجها فقط، لكن قال الخصاف: والصواب عندي إعطاؤهم وإن كان تفرض نفقتهم على غيرهم.
 
د - القرابة: 

 أعم ماسبق، ويدخل فيه كل ذي رحم محرم من الواقف، من قبل الرجال والنساء، سواء المحرم أو غير المحرم على الأصح عند المالكية.
ورأى الحنفية: أن قرابته وأرحامه وأنسابه: كل من يناسبه إلى أقصى أب له في الإسلام من قبل أبويه، سوى أبويه وولده لصلبه، فإنهم لايسمون قرابة اتفاقًا، وكذا من علا منهم أو سفل عند أبي حنيفة ومحمد. ولا يكون الصرف لأقل من اثنين عند أبي حنيفة، وعند الصاحبين: يمكن الاكتفاء بواحد.
وعبارة الشافعية: إن وقف على جماعة من أقرب الناس إليه، صرف إلى ثلاثة من أقرب الأقارب.
وإن قيده بفقرائهم، اعتبر الفقر عند الحنفية وقت وجود الغلة، وهو المجوِّز لأخذ الزكاة، فلو تأخر صرف الغلة سنين لعارض، فافتقر الغني، واستغنى الفقير، شارك المفتقر وقت القسمة الفقير وقت وجود الغلة؛ لأن الصِلات إنما تملك حقيقة بالقبض، وطروء الغنى والموت لايبطل ما استحقه.
وإذا قال: الأقرب فالأقرب: فالمراد أقرب الناس رحمًا، لا بالإرث والعصوبة.
وإذا قال: الصلحاء الأقارب، فالصالح كما قال ابن عابدين: من كان مستورًا، ولم يكن مهتوكًا ولا صاحب ريبة، وكان مستقيم الطريقة، سليم الناحية، كامن الأذى، قليل الشر، ليس بمعاقر للنبيذ، ولاينادم عليه الرجال، ولا قذافًا للمحصنات، ولامعروفًا بالكذب. فهذا هو الصلاح، ومثله أهل العفاف والخير والفضل.
وإذا قال: الأحوج فالأحوج من القرابة، فيراد به من يملك الأقل من مائة درهم، فإن صار معه مائة درهم يقسم بينهم جميعًا بالسوية.
 
هـ - مراحل الإنسان: 

كما تقدم في الوصية.
إن الطفل والصبي والصغير: من لم يبلغ، فإن بلغ فلا شيء له.
والشاب والحَدَث: من البلوغ لتمام الأربعين، فإن أتم الأربعين فلا شيء له.
والكَهْل: من تمام الأربعين لتمام الستين.
والشيخ: من فوق الستين لآخر العمر. وليس فوق الشيخ شيء.
ويشمل ذلك كله الذكر والأنثى، كالأرمل يشمل الذكر والأنثى.

وسبيل الله ونحوه: 

ذكر الحنابلة أنه إن وقف على سبيل الله أو ابن السبيل أو الغارمين، فهم الذين يستحقون السهم من الزكوات؛ لأن المطلق من كلام الآدميين محمول على المعهود في الشرع. وسبيل الله هو الغزو والجهاد في سبيل الله.


الوقف الدائم من حيث الاتصال والانقطاع:
الوقف المؤبد إذا انقطع الموقوف عليه في حلقة من حلقاته أو اتصل أربعة أنواع (١):
١ً - إن كان معلوم الابتداء، والانتهاء غير منقطع، أي متصل الابتداء والانتهاء: مثل الوقف على المساكين أو على طائفة لايجوز بحكم العادة انقراضهم، صحيح بالاتفاق. أما إن كان منقطع الابتداء والانتهاء كالوقف على ولده، ولا ولد له، فالوقف باطل؛ لأن الولد الذي لم يخلق لايملك، فلا يفيد الوقف عليه شيئًا.
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٤٠٠/ ٣، ٤٨٠، الشرح الصغير: ١٢١/ ٤ - ١٢٤، المهذب: ٤٤١/ ١ ومابعدها، المغني: ٥٦٧/ ٥ - ٥٧٣.
 
٢ً - إن كان متصل الابتداء غير معلوم الانتهاء: مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة، ولم يجعل آخره للمساكين، ولا لجهة غير منقطعة، الوقف صحيح عند الجمهور؛ لأنه تصرف معلوم المصرف عرفًا، وينصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف، كما تقدم؛ لأن مقتضى الوقف الثواب، فحمل فيما سماه على شرطه، وفيما سكت عنه على مقتضاه، ويصير كأنه وقف مؤبد.
وقال محمد بن الحسن وبرأيه يفتى عند الحنفية: لايصح هذا الوقف، إذ لابد كما عرفنا من بيان جهة قربة لاتنقطع؛ لأن الوقف مقتضاه التأبيد، فإذا كان منقطعًا، صار وقفًا على مجهول، فلم يصح كما لو وقف على مجهول في الابتداء.
٣ً - إن كان الوقف منقطع الابتداء، متصل الانتهاء: مثل أن يقف على من لايجوز الوقف عليه، كنفسه أو عبده، أو كنيسة أو مجهول غير معين، فيه رأيان عند الشافعية والحنابلة: رأي: إنه باطل؛ لأن الأول باطل، ورأي: إنه يصح، وإذا قيل: إنه صحيح، صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه.
٤ً - إن كان الوقف صحيح الطرفين - الابتداء والانتهاء، منقطع الوسط، مثل أن يقف على ولده، ثم على غير معين، ثم على المساكين: فيه رأيان كمنقطع الانتهاء، وقيل عند الشافعية والحنابلة: إنه يصح، وقيل: إنه يبطل.
وإن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط، كرجل وقف على نفسه، ثم على أولاده، ثم على الكنيسة، ففي صحته رأيان، ومصرفه إلى مصرف الوقف المنقطع.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية