الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل الخامس: إثبات الوقف شرعا وقانونا

الفصل الخامس: إثبات الوقف شرعا وقانونا

  اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات

  1. الفصل الخامس: إثبات الوقف شرعا وقانونا
  2. الفصل السادس - مبطلات الوقف
  3. موقف القانون من انتهاء الوقف
  4. الفصل السابع - نفقات الوقف
  5. مذهب الحنفية
  6. مذهب المالكية
  7. مذهب الشافعية والحنابلة
  8. الفصل الثامن: استبدال الوقف وبيعه حالة الخراب
  9. قال الحنفية
  10. آلات المسجد
  11. بيع أنقاض المسجد ونحوه
  12. جعل شيء من المسجد طريقا وبالعكس
  13. حالات الاستبدال
  14. شروط الاستبدال
  15. مسائل أربع يجوز فيها استبدال العامر من الأرض
  16. مذهب المالكية في بيع الموقوف
  17. الأوقاف بالنسبة لبيعها ثلاثة أقسام
  18. الخلو
  19. مذهب الشافعية في بيع الموقوف
  20. مذهب الحنابلة
  21. موقف القانون من الاستبدال
  22. الفصل التاسع ـ الوقف في مرض الموت
  23. الفصل العاشر ـ ناظر الوقف
  24. أولا ـ تعيين الناظر
  25. ثانيا ـ شروط الناظر
  26. ثالثا ـ وظيفة الناظر
  27. الحنفية
  28. الإجارة الطويلة
  29. الموقوف عليه الغلة أو السكنى ولو رجلا معينا
  30. مذهب المالكية
  31. مذهب الشافعية
  32. الحنابلة
  33. رابعا ـ عزل الناظر
  34. ذكر الحنفية
  35. النزول عن الوظائف
  36. المالكية
  37. رأى الشافعية
  38. قرر الحنابلة
  39. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي     

 

 الفَصْلُ الخامس: إثبات الوقف شرعًا وقانونًا:

 المقرر شرعًا أن الشهادة إحدى طرق إثبات الوقفية، ويشترط في ادعاء الوقف: بيان الوقف ولو كان قديمًا، ويقبل في إثباته الشهادة على الشهادة، وشهادة النساء مع الرجال، والشهادة بالشهرة والتسامع بأن يقول الشاهد: أشهد بالتسامع وتقبل شهادة التسامع لبيان المصرف، كقولهم على مسجد كذا، ولبيان مستحقين، ولاتقبل لإثبات شرائطه في الأصح. أما صك الكتابة فلا يصلح حجة؛ لأن الخط يشبه الخط.
واشتراط تحديد العقار الموقوف لايطلب لصحة الوقف؛ لأن الشرط كونه معلومًا، وإنما هو شرط لقبول الشهادة الوقفية (١).
وعلى هذا كان عمل المحاكم الشرعية في مصر وسورية، ثم نصت المادة الأولى من قانون الوقف المصري رقم (٤٨ لسنة ١٩٥٢) على اشتراط إشهاد رسمي من الواقف، أمام إحدى المحاكم الشرعية التي بدائرتها أعيان الوقف كلها أو أكثرها، سدًا للباب أمام الدعاوى الباطلة لإثبات الوقفيات بشهادات الزور، وهذا يتفق مع الحكم القانوني الذي يشترط التسجيل في السجل العقاري لكل تصرف واقع على العقار، أيًا كان العقار، وأيًا كان التصرف الواقع عليه.
وذكر الخصاف حكم الوقف إذا انقطع ثبوته فقال: إن الأوقاف التي تقادم أمرها، ومات شهودها، فما كان لها من رسوم في دواوين القضاة، وهي في أيديهم، أجريت على رسومها الموجودة في دواوينهم استحسانًا إذا تنازع أهلها فيها. ومالم يكن لها رسوم في دواوين القضاة، فمن أثبت حقًا فيها عند التنازع حكم له به.
(١) رد المحتار: ٤٠٨/ ٣، ٤٤١ - ٤٤٤.
 
الفَصْلُ السَّادس - مبطلات الوقف: يبطل الوقف إذا اختل شرط من شروطه السابقة.
وذكر المالكية مبطلات الوقف وأهمها مايأتي (١):
١ً - حدوث مانع: مثل إن مات الواقف أو أفلس، أو مرض مرضًا متصلًا بموته قبل القبض بطل الوقف، ورجع للوارث في حال الموت، وللدائن في الإفلاس، فإن أجازه نفذ، وإلا بطل.
٢ً - إن سكن الواقف الدار قبل تمام عام بعد أن حيز عنه، أو أخذ غلة الأرض لنفسه، بطل التحبيس.
٣ً - الوقف على معصية ككنيسة وكصرف غلة الموقوف على خمر أو شراء سلاح لقتال حرام، باطل.
٤ً - الوقف على حربي باطل، ويصح على ذمي. وهذا متفق عليه.
٥ً - الوقف على نفسه ولو مع شريك غير وارث، مثل وقفته على نفسي مع فلان، فإنه يبطل مايخصه، وكذا مايخص الشريك.
٦ً - الوقف على أن النظر للواقف، يبطل لما فيه من التحجير.
٧ً - الجهل بسبق الوقف عن الدين إن كان الوقف على محجوره: فمن وقف على محجوره (أي الذي يشرف عليه) وقفًا وحازه له، وعلى الواقف دين، ولم يعلم هل الدين قبل الوقف أو بعده، فإن الوقف يبطل، ويباع لتسديد الدين، تقديمًا للواجب على التبرع، عند الجهل بالسبق، مع ضعف الحوز (القبض).
(١) القوانين الفقهية: ص٣٧٠ ومابعدها، الشرح الصغير: ١٠٧/ ٤ - ١٠٨، ١١٦ - ١١٨.
 
٨ً - عدم التخلية (أي عدم ترك الواقف) بين الناس وبين الموقوف عليه الذي هو مثل المسجد والرباط والمدرسة قبل حصول المانع، فإنه يبطل الوقف، ويكون ميراثًا.
٩ً - وقف الكافر لنحو مسجد ورباط ومدرسة وغيرها من القرَب الإسلامية. وهذا رأي الحنفية أيضًا.
ويكره على الراجح كراهة تنزيه الوقف على البنين دون البنات؛ لأنه يشبه عمل الجاهلية من حرمان البنات من إرث أبيهن، فإن حدث الوقف نفذ ولم يفسخ على الأصح. ويكره اتفاقًا هبة الرجل لبعض ولده ماله كله، أو جُلَّه. وكذا يكره أن يعطي ماله كله لأولاده، ليقسم بينهم بالسوية بين الذكور والإناث. فإن قسمه بينهم على قدر مواريثهم، فهو جائز. ويصح الوقف بالاتفاق على العكس وهو وقفه على بناته دون بنيه.

موقف القانون من انتهاء الوقف:
نص القانون المصري رقم (٤٨ لسنة ١٩٥٢) في المواد (١٦ - ١٨) على انتهاء الوقف بانتهاء المدة المعينة، أو بانقراض الموقوف عليهم، وكذلك ينتهي في كل حصة بانقراض أهلها قبل انتهاء المدة المعينة أو قبل انقراض الطبقة التي ينتهي الوقف بانقراضها. وذلك مالم يدل كتاب الوقف على عود هذه الحصة إلى باقي الموقوف عليهم أو بعضهم، فإن الوقف في هذه الحالة لاينتهي إلا بانقراض هذا الباقي أو بانتهاء المدة.
وينتهي الوقف أيضًا للتخرب والضآلة بقرار من المحكمة بناء على طلب ذي الشأن.
 
ويصير الوقف المنتهي ملكًا للواقف إن كان حيًا، وإلا فلمستحقه وقت الحكم بانتهائه.

الفَصْلُ السَّابع - نفقات الوقف: نفقة الوقف من ريعه بالاتفاق، مع اختلافات في شرط الواقف وغيره.

 
مذهب الحنفية (١):

 الواجب أن يبدأ من ريع الوقف أي غلته، بعمارته بقدر مايبقى الوقف على الصفة التي وقف عليها، وإن خرب بني على صفته، سواء شرط الواقف النفقة من الغلة أو لم يشرط؛ لأن قصد الواقف صرفه الغلة مؤبدًا، ولاتبقى دائمة إلا بالعمارة، فيثبت شرط العمارة اقتضاء، ولأن الخراج بالضمان.
وإن وقف دارًا على سكنى ولده، فالعمارة على من له السكنى من ماله؛ لأن الغرم بالغنم، فإن امتنع من له السكنى من العمارة، أو عجز بأن كان فقيرًا، آجرها الحاكم لمن شاء، وعمرها بأجرتها كعمارة الواقف، ثم ردها بعد العمارة إلى من له السكنى؛ لأن عمارتها رعاية الحقين: حق الواقف وحق صاحب السكنى. ولا يجبر الممتنع على العمارة، لما فيه من إتلاف ماله. ولا تصح إجارة من له السكنى، بل المتولي أو القاضي. ولا عمارة على من له الاستغلال؛ لأنه لا سكنى له، وإنما عمارته على من له السكنى، فلو سكن لا تلزمه الأجرة الظاهرة، لعدم الفائدة، إلا إذا احتيج للعمارة، فيأخذها المتولي ليعمر بها.
وما انهدم من بناء الوقف وآلته: وهي الأداة التي يعمل بها كآلة الحراثة في ضيعة الوقف، أعاده الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج الوقف إليه، وإن استغنى
(١) فتح القدير: ٥٣/ ٥ ومابعدها، الكتاب مع اللباب: ١٨٤/ ٢ ومابعدها، الدر المختار: ٤١٢/ ٣ - ٤١٧.
 
عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيها، حتى لا يتعذر عليه الصرف وقت الحاجة. وإن تعذر إعادة عينه، بيع وصرف ثمنه إلى المرمَّة (الإصلاح) صرفًا للبدل إلى مصرف المبدل.
ولايجوز أن يقسم المنهدم وكذا بدله بين مستحقي الوقف؛ لأنه جزء من العين الموقوفة، ولا حق لهم فيها، إنما حقهم في المنفعة، فلا يصرف لهم غير حقهم.

ومذهب المالكية (١) مثل الحنفية: 

يجب على الناظر إصلاح الوقف إن حصل به خلل من غلته، وإن شرط الواقف خلافه، فلا يتبع شرطه في الإصلاح؛ لأنه يؤدي إلى إتلافه وعدم بقائه، وهو لا يجوز.
ويكري الناظر دار السكنى الموقوفة إن حصل بها خلل، ويخرج الساكن منها، إن لم يصلحها بعد أن طلب منه الإصلاح، فإذا أصلحت رجعت بعد مدة الإجارة للموقوف عليه. وإن أصلحها لم يخرج منها.
فإن لم تكن للموقوف غلات، فينفق عليه من بيت المال، فإن لم يكن يترك حتى يخرب، ولا يلزم الواقف النفقة.
وينفق على خيول الجهاد ودوابه من بيت المال، ولا يلزم الواقف بشيء من نفقتها، ولا تؤجر لينفق عليها من غلتها. فإن لم يكن بيت مال للمسلمين أو لم يمكن التوصل إليه، بيع الحيوان، وعوِّض به سلاح ونحوه مما لا نفقة له.

ومذهب الشافعية والحنابلة (٢):

 أن نفقة الموقوف ومؤن تجهيزه وعمارته من
(١) الشرح الصغير: ١٢٤/ ٤ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص ٣٧٢.
(٢) المهذب: ٤٤٥/ ١، مغني المحتاج: ٣٩٥/ ٢، المغني: ٥٩٠/ ٥، كشاف القناع: ٢٩٣/ ٤.
 
حيث شرطها الواقف من ماله، أو من مال الوقف؛ لأنه لما اتبع شرطه في سبيل الوقف، وجب اتباع شرطه في نفقته. فإن لم يمكن فمن غلة الموقوف أو منافعه كغلة العقار؛ لأن الحفاظ على أصل الوقف لا يمكن إلا بالإنفاق عليه من غلته، فكان الإنفاق من ضرورته.
فإذا تعطلت منافعه، فالنفقة ومؤن التجهيز لا العمارة عند الشافعية من بيت المال. وأما عند الحنابلة: فإن تعطلت منافع الحيوان، فنفقته على الموقوف عليه؛ لأنه ملكه، ويحتمل وجوبها في بيت المال، ويجوز بيعه، كما سأبين.
وقال المالكية والحنابلة والشافعية عن زكاة الموقوف (١): إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم فحصل لبعضهم من ثمر الشجر أو حب الأرض نصاب وهو خمسة أوسق، فعليهم الزكاة؛ لأنهم يملكون الناتج. وإذا صار الوقف للمساكين فلا زكاة فيه.
وأوجب الإمام مالك الزكاة على الواقف في الموقوف على غير المعين نحو الفقراء والمساكين إذا كان خمسة أوسق، بناء على أنه ملك الواقف، فيزكي على ملكه. وأما الموقوف على المعينين، فيشترط في حصة كل واحد منه خمسة أوسق.

الفَصْلُ الثَّامن: استبدال الوقف وبيعه حالة الخراب:

 يقصد بالوقف دوام الانتفاع به، وتحصيل الثواب والأجر بنفعه، فإذا آل إلى الخراب، فماذا يكون مصيره؟
أجاز الفقهاء استبداله وبيعه للضرورة بشروط وقيود وتفصيلات لديهم.
(١) المغني: ٥٨٢/ ٥، تكملة المجموع: ٥٩٧/ ١٤، الفروق: ١١١/ ٢ ومابعدها.
 
قال الحنفية (١):

  للمسجد بمجرد القول (أي الوقف) على المفتى به صفة الأبدية، فلا تنسلخ عنه صفة المسجدية ولو استغني عنه، فلو خرب المسجد وليس له ما يعمر به، وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر، يبقى مسجدًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف أبدًا إلى قيام الساعة، وبرأيهما يفتى، فلا يعود إلى ملك الباني وورثته، ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر، سواء أكانوا يصلون فيه أم لا. ولا يحل وضع جذوع على جدار المسجد، ولو دفع الأجرة.
وقال محمد: إذا انهدم الوقف وليس له من الغلة ما يعمر به، فيرجع إلى الباني أو ورثته.
ويجري الخلاف المذكور في بسط المسجد وحصره وقناديله إذا استغني عنها، ينقل عند أبي يوسف في رواية عنه إلى مسجد آخر، ويرجع إلى مالكه عند محمد إذا خرج عن الانتفاع المقصود للواقف بالكلية.
وعلى هذا الخلاف: في الرباط (٢) والبئر إذا لم ينتفع بهما، فيصرف على قول لأبي يوسف في رواية ثانية عنه وقف المسجد والرباط والبئر والحوض إلى أقرب مسجد أو رباط أو حوض إليه. لكن المفتى به في تأبيد المسجد قول الشيخين كما تقدم: وهو أنه لا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر، وإذا خرب المسجد يبقى مسجدًا أبدًا.

لكن في آلات المسجد

 نحو القنديل والحصير بخلاف أنقاضه: الفتوى على قول محمد وهو ردها إلى واقفها أو إلى ورثته. وأما أنقاضه فيفتى فيها كما ذكر
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٤٠٦/ ٣ - ٤٠٨، ٤١٩ ومابعدها، ٤٢٤ - ٤٢٧، فتح القدير: ٥٨/ ٥ ومابعدها، البدائع: ٢٢٠/ ٦.
(٢) الرباط: هو الذي يبنى للفقراء.
 
بقول أبي يوسف وأبي حنيفة وهو أن المسجد لا يعود ميراثًا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر، أي لا تعود عندهما الأنقاض للواقف أو ورثته عند إمكان البيع.
وإذا وقف الواقف وقفين على المسجد، أحدهما على العمارة، والآخر إلى إمامه أو مؤذنه، فللحاكم إذا قل المخصص للإمام ونحوه أن يصرف من فاضل وقف المصالح والعمارة إلى الإمام والمؤذن باستصواب أهل الصلاح من أهل المحلة، إن كان الوقف متحدًا؛ لأن غرضه إحياء وقفه، وهو يحصل بهذا النقل؛ لأنهما حينئذ كشيء واحد. ففي حال اتحاد الواقف والجهة يجوز المناقلة.
وإن اختلف أحدهما (الواقف والجهة) بأن بنى رجلان مسجدين أو رجل مسجدًا ومدرسة، ووقف عليهما أوقافًا، لا يجوز للحاكم نقل مخصص أحدهما للآخر.

بيع أنقاض المسجد ونحوه: 

 إذا انهدم وقف، ولم يكن له شيء يعمر منه، ولا أمكن إجارته ولا تعميره، ولم تبق إلا أنقاضه من حجر وطوب وخشب، صح بيعه بأمر الحاكم، ويشترى بثمنه وقف مكانه، فإذا لم يمكن الشراء، رده إلى ورثة الواقف إن وجدوا، وإن لم يوجدوا يصرف للفقراء. والبيع بإذن القاضي وصرف ثمنه إلى بعض المساجد مبني على قول لأبي يوسف في رواية ثانية عنه، والرد إلى الورثة أو إلى الفقراء على قول محمد، وهو جمع حسن، حاصله أنه يعمل بقول أبي يوسف حيث أمكن، وإلا فبقول محمد.
والخلاصة: الاتجاه في الفتوى عند مشايخ الحنفية بيع الأنقاض وصرف ثمنها إلى مسجد آخر أو رباط آخر؛ لأن غرض الواقف انتفاع الناس بالموقوف، وكيلا يأخذها المتغلبون.
 
جعل شيء من المسجد طريقًا وبالعكس: 

 إذا جعل الباني بدون اعتراض أهل المحلة شيئًا من الطريق مسجدًا لضيقه، ولم يضر بالمارين، جاز؛ لأنهما للمسلمين. وكذا العكس وهو ما إذا جعل في المسجد ممرًا، جاز لكل أحد أن يمر فيه، حتى الكافر، إلا الجنب والحائض والدواب.
ويجوز للإمام جعل الطريق مسجدًا، لا عكسه، لجواز الصلاة في الطريق، ولا يجوز أن يتخذ المسجد طريقًا.

حالات الاستبدال: الاستبدال عند الحنفية ثلاثة أنواع:
الأول - أن يشرطه الواقف لنفسه أو لغيره، أو لنفسه وغيره، بأن شرط الواقف في وقفيته الاستبدال بالموقوف أرضًا أخرى، أو شرط بيعه، جاز الاستبدال على الصحيح، ويشتري بالثمن أرضًا أخرى إذا شاء، فإذا فعل، صارت الأرض الثانية كالأولى في شرائطها.
الثاني - ألا يشرطه الواقف، بأن شرط عدمه أو سكت، لكن صار الموقوف بحيث لا ينتفع به بالكلية، بألا يحصل منه شيء أصلًا، أو لا يفي بمؤنته، فهو أيضًا جائز على الأصح إذا كان بإذن القاضي، وكان رأيه المصلحة فيها.
الثالث - ألا يشرطه الواقف أيضًا، ولكن فيه نفع في الجملة، وبدله خير منه ريعًا ونفقًا. وهذا لايجوز استبداله على الأصح المختار.

شروط الاستبدال:

 إذا كان الوقف عقارًا غير مسجد، فالمعتمد أنه يجوز للقاضي الاستبدال به للضرورة بلا شرط الواقف، بشروط ستة:
١ً - أن يخرج الموقوف عن الانتفاع به بالكلية، أي يصبح عديم المنفعة.
 
٢ً - ألا يكون هناك ريع للوقف يعمر به.
٣ً - ألا يكون البيع بغبن فاحش.
٤ً - أن يكون المستبدل قاضي الجنة: وهو ذو العلم والعمل، لئلا يؤدي الاستبدال إلى إبطال أوقاف المسلمين، كما هو الغالب في الزمن الأخير.
٥ً - أن يستبدل به عقار لا دراهم ودنانير، لئلا يأكلها النظار؛ ولأنه قل أن يشتري بها الناظر بدلًا. وأجاز بعضهم الاستبدال به نقودًا، ما دام المستبدل قاضي الجنة.
٦ً - ألا يبيعه القاضي لمن لا تقبل شهادته له، ولا لمن له عليه دين، خشية التهمة والمحاباة.
فإذا لم تتوافر هذه الشروط كان بيع الوقف باطلًا لا فاسدًا. وإذا صح بيع الحاكم بطل وقفية ما باعه، ويبقى الباقي على ما كان.

وهناك مسائل أربع يجوز فيها استبدال العامر من الأرض وهي:
الأولى - لو شرطه الواقف.
الثانية - إذا غصبه غاصب وأجرى عليه الماء، حتى صار بحرًا، فيضمن القيمة، ويشتري المتولى بها أرضًا بدلًا.
الثالثة - أن يجحده الغاصب ولا بينة، وأراد دفع القيمة، فللمتولي أخذها ليشتري بها بدلًا.
الرابعة - أن يرغب إنسان فيه ببدل أكثر غلة أحسن مكانًا، فيجوز على قول أبي يوسف، وعليه الفتوى.
 
مذهب المالكية في بيع الموقوف:

  ذكر المالكية (١) 

أن الأوقاف بالنسبة لبيعها ثلاثة أقسام:
أحدها - المساجد: لا يحل بيعها أصلًا بالإجماع.
الثاني - العقار لا يباع وإن خرب، ولا يجوز الاستبدال به غيره من جنسه، كاستبداله بمثله غير خرب، ولا يجوز بيع أنقاضه من أحجار أو أخشاب، لكن إن تعذر عودها في الموقوف، جاز نقلها في مثله.
ويجوز بيع العقار الموقوف في حالة واحدة: وهي أن يشترى منه بحسب الحاجة لتوسعة مسجد أو طريق.
الثالث - العروض والحيوان إذا ذهبت منفعتها، كأن يهرم الفرس، ويخلَق الثوب، بحيث لا ينتفع بهما، يجوز بيع الموقوف وصرف ثمنه في مثله، فإن لم تصل قيمته إلى شراء شيء كامل، جعلت في نصيب من مثله. فمن وقف شيئًا من الأنعام لينتفع بألبانها وأصوافها وأوبارها، فنسلها كأصلها في الوقف، فما فضل من ذكور نسلها عن النزو، وما كبر من إناثها، فإنه يباع، ويعوض عنه إناث صغار، لتمام النفع بها.
وهذا قول ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: لا يباع أصلًا.

الخلو:

  بناء على ما قرره المالكية من منع بيع الوقف وأنقاضه، ولو خرب، هل يجوز للناظر إذا خرب الوقف وتعذر عوده لإنتاج غلة وأجرة، بأن لم يجد ما يعمر به من ريع الوقف، ولا أمكنه إجارته بما يعمره: أن يأذن لمن يعمره من عنده
(١) القوانين الفقهية: ص ٣٧١، الشرح الصغير: ٩٩/ ٤، ١٠١، ١٢٥ - ١٢٧، الشرح الكبير: ٩٠/ ٤ ومابعدها، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ص ٤٠.
 
ببناء أو غرس على أن البناء أو الغراس يكون للباني أو الغارس ملكًا وخلوًا يباع ويورث عنه؛ لأن العمارة تكون لصاحبها، ويجعل في نظير الأرض الموقوفة حُكرًا (مبلغًا دائمًا) يدفع للمستحقين أو لخدمة المسجد؟
أفتى بعضهم وهو الشيخ الخرشي بالجواز، وأجازه الحنفية (١)، وهذا هو الذي يسمى خلوًا، وقال الدردير شارح متن خليل: وهي فتوى باطلة قطعًا، وحاشا المالكية أن يقولوا بذلك؛ لأن منفعة الموقوف موقوفة، لا تملك بهذا العمل.

مذهب الشافعية في بيع الموقوف:
قال الشافعية (٢):
١ً - إذا انهدم مسجد أو خرب وانقطعت الصلاة فيه، وتعذرت إعادته، أو تعطل بخراب البلد مثلًا، لم يعد إلى ملك أحد، ولم يجز التصرف فيه بحال ببيع أو غيره؛ لأن ما زال الملك فيه لحق الله تعالى لا يعود إلى الملك بالاختلال، كما لو أعتق عبدًا، ثم مرض مرضًا مزمنًا، لايعود ملكًا لسيده. وتصرف غلة وقفه لأقرب المساجد إليه إذا لم يتوقع عوده، وإلا حفظ.
وإن خيف على المسجد السقوط، نقض، وبنى الحاكم بأنقاضه مسجدًا آخر، إن رأى ذلك، وإلا حفظه. والبناء بقربه أولى. ولا يبني به بئرًا، كما لا يبني بأنقاض بئر خربت مسجدًا، بل بئرًا أخرى، مراعاة لغرض الواقف ما أمكن.
ولو وقف الواقف على قنطرة، فاحترقت الوادي، واحتيج إلى قنطرة أخرى، جاز نقلها إلى محل الحاجة.
(١) رد المحتار: ٤٢٨/ ٣.
(٢) المهذب: ٤٤٥/ ١، مغني المحتاج: ٣٩٢/ ٢ ومابعدها، تكملة المجموع: ٦١٢/ ١٤ ومابعدها.
 
وغلة وقف الثغر (وهو الطرف الملاصق من بلادنا لبلاد الكفار) إذا حصل فيه الأمن، يحفظه الناظر، لاحتمال عوده ثغرًا.
ويدخر من زائد غلة المسجد على ما يحتاج إليه ما يعمره، بتقدير هدمه، ويشتري له بالباقي عقارًا ويقفه؛ لأنه أحفظ له.
وتقدم عمارة الموقوف على حق الموقوف عليهم، لما فيها من حفظ الوقف.
ويصرف ريع الموقوف على المسجد وقفًا مطلقًا أو على عمارته: في مصالح المسجد من بناء وتجصيص وسلم ومظلات للتظليل بها، ومكانس يكنس بها، ومساحي ينقل بها التراب، وأجرة قيِّم، لا أجرة مؤذن وإمام وحصر ودهن؛ لأن القيِّم يحفظ العمارة، بخلاف الباقي. فإن كان الوقف لمصالح المسجد، صرف من ريعه لمن ذكر، لا في التزويق والنقش، بل لو وقف عليها لم يصح.
٢ً - الأصح جواز بيع حُصْر المسجد الموقوفة إذا بليت، وجذوعه إذا انكسرت، ولم تصلح إلا للإحراق، لئلا تضيع ويضيق المكان به من غير فائدة، فتحصيل نزر يسير من ثمنها يعود إلى الوقف أولى من ضياعها، ولا تدخل تصفيتها تحت بيع الوقف؛ لأنها صارت في حكم المعدومة، ويصرف ثمنها في مصالح المسجد. فإن صلحت لغير الإحراق كاتخاذ ألواح أو أبواب منها، فلا تباع قطعًا.
والأصح جواز بيع نخلة موقوفة جفت إذا لم يمكن الانتفاع بجذعها بإجارة وغيرها، وبهيمة زمِنت؛ لأن ما لا يرجى منفعته، فكان بيعه أولى من تركه، بخلاف المسجد، فإن المسجد يمكن الصلاة فيه مع خرابه، وقد يعمر الموضع، فيصلى فيه.
 
وقيمة المبيع لها حكم القيمة التي توجد من متلف الوقف أو منقطع الآخر، وهو أن تصرف لأقرب الناس إلى الواقف، فإن لم يكونوا صرف إلى الفقراء والمساكين، أو مصالح المسلمين.
فإن أمكن الانتفاع بجذع الشجرة الموقوفة الجافة بإجارة وغيرها، لم ينقطع الوقف على المذهب، إدامة للوقف في عينها، ولا تباع ولا توهب، للخبر السابق عن عمر في أول بحث الوقف. والحاصل أن الشافعية في الجملة والمالكية أشد الآراء في عدم جواز بيع الوقف.

ومذهب الحنابلة (١):
أـ إذا خرب الوقف وتعطلت منافعه، كدار انهدمت، أو أرض خربت وعادت مواتًا، ولم تمكن عمارتها، أو مسجد انصرف أهل القرية عنه، وصار في موضع لايصلى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضع، أو تشعب جميعه، فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه، بيع جميعه.
واستدلوا بما روي أن عمر ﵁ كتب إلى سعد، لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة: انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصل. وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يظهر خلافه، فكان إجماعًا. ولأن فيما ذكر استبقاء الوقف بمعناه، عند تعذر إبقائه بصورته، فوجب البيع.
ب - وإذا بيع الوقف، فأي شيء اشتري بثمنه، مما يرد على أهل الوقف،
(١) المغني: ٥٧٥/ ٥ - ٥٧٩، المغني والشرح الكبير: ٢٢٥/ ٦.
 
جاز، سواء أكان من جنسه أم من غير جنسه؛ لأن المقصود المنفعة، لا الجنس، لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف فيها؛ لأنه لا يجوز تغيير المصرف، مع إمكان المحافظة عليه، كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع، مع إمكان الانتفاع به.
جـ - وإذا لم يف ثمن الفرس الحبيس لشراء فرس أخرى، أعين به في شراء فرس حبيس، يكوِّن بعض الثمن؛ لأن المقصود استبقاء منفعة الوقف الممكن استبقاؤها، وصيانتها عن الضياع، ولا سبيل إلى الصون إلا بهذه الطريق.
د - وإذا لم تتعطل مصلحة الوقف بالكلية، لكن قلَّت، وكان غيره أنفع منه وأكثر فائدة على أهل الوقف، لم يجز بيعه؛ لأن الأصل تحريم البيع، وإنما أبيح للضرورة، صيانة لمقصود الوقف عن الضياع، مع إمكان تحصيله، وإمكان الانتفاع به، وإن قل النفع، اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعًا، فيكون وجوده كالعدم.
هـ - لا يجوز نقل المسجد وإبداله وبيع ساحته، وجعلها سقاية وحوانيت إلا عند تعذر الانتفاع به.
ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة كالنخلة وغيرها بعد أن صار مسجدًا، وقال أحمد: لا أحب الأكل منها، ولو قلعها الإمام لجاز؛ لأن المسجد لم يبن لهذا، وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن؛ ولأن الشجرة تؤذي المسجد، وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها، ويسقط ورقها في المسجد وثمرها، وتسقط عليها العصافير والطير، فتبول في المسجد، وربما رمى الصبيان ثمرها بالحجارة.
أما إن كانت النخلة في أرض، فجعلها صاحبها مسجدًا، والنخلة فيها، فلا بأس.
 
وـ وما فضل من حصر المسجد وزيته، ولم يحتج إليه، جاز أن يجعل في مسجد آخر، أويتصدق منه على فقراء جيرانه وغيرهم. وكذلك إن فضل شيء من قصبه أو شيء من أنقاضه.

موقف القانون من الاستبدال: 

 نص القانون المصري رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ في المادة ١٤ على مصير أموال البدل:
تشتري المحكمة - بناء على طلب ذوي الشأن - بأموال البدل المودعة بخزانتها عقارًا أو منقولًا محل العين الموقوفة، ولها أن تأذن بإنفاقها في إنشاء مستغل جديد.
ويجوز لها - إلى أن يتيسر ذلك - أن تأذن باستثمار أموال البدل بأي وجه من وجوه الاستثمار الجائز شرعًا.
كما أن لها أن تأذن بإنفاقها في عمارة الوقف، دون رجوع في غلته.
وإذا كانت هذه الأموال ضئيلة، ولم يتيسر استثمارها، ولم يحتج إلى إنفاقها في العمارة، اعتبرت كالغلة، وصرفت مصرفها.
وصدر في سورية القانون رقم (١٠٤) في ١٩٦٠/ ٣/‏١٩ المتضمن جواز استبدال بعض العقارات (ذات الإجارة الطويلة) والقانون رقم (١٦٣) في ١٩٥٨/ ٩/‏٢٧ لاستبدال العقارات الوقفية المقرر عليها حق من حقوق القرار ذات الإجارة الطويلة، كالمرصد والحكر والكدك والمقاطعة والإجارتين والقميص ومشد المسَكَة، والكردار والقيمة (١).
(١) المرصد: هو في الأصل دين يثبت على الوقف لمستأجر عقار مقابل ماينفعه بإذن المتولي على تعميره عند عدم وجود غلة في الوقف، ثم يؤجر منه بأجرة مخفضة، لما له من دين على الوقف (رد المحتار: ٤٣٦/ ٣).
وحق الحُكْر أو المقاطعة: حق قرار مرتب على الأرض الموقوفة بإجارة مديدة تعقد بإذن القاضي يدفع فيها المستحكر لجانب الوقف مبلغًا يقارب قيمة الأرض، ويرتب مبلغ آخر ضئيل، يستوفى سنويًا لجهة الوقف من المستحكر أو ممن ينتقل إليه هذا الحق، على أن يكون للمستحكر حق الغرس والبناء وسائر وجوه الانتفاع (رد المحتار: ٤٢٨/ ٣).
والكَدِك: لفظ تركي الأصل، يطلق على ما هو ثابت في الحوانيت الموقوفة ومتصل بها اتصال قرار ودوام، لعلاقته الثابتة بالعمل الذي يمارس في هذا العقار. وقد جرت العادة أن ينشئ مستأجر عقار الوقف هذا الكدك فيه من ماله لنفسه على حسب حاجته بإذن متولي الوقف (رد المحتار: ١٧/ ٤) وقد يسمى الكدك «سكنى» في الحوانيت، كما يسمى «كردارًا» في الأراضي الزراعية.
وحق الإجارتين: عقد إجارة مديدة بإذن القاضي الشرعي على عقار الوقف المتوهن الذي يعجز الوقف عن إعادته إلى حالته من العمران السابق، بأجرة معجلة تقارب قيمته تؤخذ لتعميره، وأجرة مؤجلة ضئيلة سنوية يتجدد العقد عليها ودفعها كل سنة، وذلك كمخرج عد م جواز بيع الوقف ولا إجارته مدة طويلة، ومن هنا سميت بالإجارتين.
والقميص: حق لمستأجر دار الرحى الموقوفة يخوله البقاء فيها، لما له فيها من أدوات الطحن وآلاته ولوازمه.
ومشد المسكة: حق لمستأجر الأرض الموقوفة في البقاء بسبب ما له فيها من حراثة وسماد، إذ يتضرر لو أخرج منها (رد المحتار: ١٨/ ٤).
والقيمة: حق مستأجر البساتين الموقوفة في البقاء فيها كذلك، لما له من أصول المزروعات التي تدوم كالفصفصة أو من عمارة الجدر المحيطة التي أنشأها هو (المدخل لنظرية الالتزام للأستاذ الزرقاء،: ص ٤٠ - ٤٥).
 
الفصل التاسع - الوقف في مرض الموت:
أوضحت في بحث الشروط أنه يشترط في الواقف أهلية التبرع بألا يكون محجورًا عن التصرف، وبأن يكون مالكًا وقت الوقف ملكًا باتًا، ولو بسبب فاسد عند الحنفية. وبناء عليه فرع الحنفية (١): بأنه ينقض وقف استحق بملك أو شفعة، وإن جعله مسجدًا، وينقض وقف مريض أحاط دينه بماله، بخلاف شخص صحيح، أي أنه يبطل وقف مريض مديون يحيط الدين بماله، فيباع وينقض الوقف كما يبطل وقف راهن معسر.
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٣٩٤/ ٣، ٤٣٢، البدائع: ٢١٨/ ٦.
 
فإن لم يكن الدين محيطًا بمال الواقف، صح، واعتبر الوقف في مرض الموت كالهبة فيه، ينفذ كالوصية من الثلث، فإن خرج من الثلث أو أجازه الوارث، نفذ في الكل، وإلا بطل في الزائد على الثلث. فإن أجاز البعض، جاز بقدره.
والحاصل أن السلامة من المرض ليست شرطًا لصحة الوقف، وأن الواقف إذا وقف في حال المرض، جاز عند أبي حنيفة، ويعتبر من الثلث، ويكون بمنزلة الوصية بعد وفاته، حتى لا يتهم المريض بالإضرار بورثته أو دائنيه. أما عند الصاحبين، فالوقف جائز في حال الصحة والمرض على سواء.
ويتفرع على هذا الخلاف: أنه على رأي الإمام: لا يلزم الوقف ولا تزول ملكية الشيء عن ملك الواقف إلا إذا أضافه إلى ما بعد الموت أو حكم به حاكم. وعند الصاحبين: يزول بدون الإضافة.
وعلى قول أبي حنيفة: لو وقف مريض الموت على بعض الورثة، ولم يجزه باقيهم، لا يبطل أصل الوقف، وإنما يبطل ما جعل من الغلة لبعض الورثة دون بعض، فيصرف على قدر مواريثهم عن الواقف، ما دام الموقوف عليه حيًا، ثم يصرف بعد موته إلى من شرطه الواقف؛ لأنه وصية ترجع إلى الفقراء، وليس كوصية لوارث ليبطل أصله بالرد عليه.
ورأي الجمهور (١) القائلين بلزوم الوقف موافق لأبي حنيفة، يكون الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية في اعتباره من ثلث المال؛ لأنه تبرع، فاعتبر في مرض الموت من الثلث، كالعتق والهبة. فإذا خرج من الثلث نفذ من غير رضا
(١) المغني: ٥٧١/ ٥ - ٥٧٤، الشرح الصغير: ١٠٧/ ٤، ١١٠ ومابعدها، الشرح الكبير: ٧٨/ ٤، كشاف القناع: ٢٧٨/ ٤، مغني المحتاج: ٣٧٧/ ٢.
 
الورثة ولزم، وما زاد على الثلث لزم الوقف منه في قدر الثلث، ووقف الزائد على إجازة الورثة؛ لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض، فمنع التبرع بزيادة على الثلث، كالعطايا والعتق.
ولا يجوز عند الجمهور أيضًا الوقف في مرض الموت على بعض الورثة، فإن وقف، توقف الوقف على إجازة سائر الورثة؛ لأنه تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه، فمنع منه كالهبات، ولأن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز بالمنفعة، كالأجنبي فيما زاد على الثلث.
وعبارة المالكية فيه: بطل الوقف على وارث بمرض موته ولو كان من الثلث؛ لأن الوقف في المرض كالوصية، ولا وصية لوارث. وإن لم يكن الوقف في المرض على وارث، بل على غيره، ينفذ كسائر التبرعات من الثلث، فإن حمله الثلث صح، وإلا فلا يصح منه إلا ما حمله الثلث.
واستثنى المالكية الوقف المعقَّب (١)، سواء أكان له غلة أم لا: وهو ما وقفه المريض على أولاده ونسله وعقبه، فإن حمله الثلث صح، ويكون حكمه في القسم كالميراث للوارث، وليس ميراثًا حقيقة، إذ لا يباع ولا يوهب. فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين، ولو شرط الواقف تساويهما، ويكون للزوجة الثمن من مناب الأولاد وللأم السدس.
والخلاصة: أن وقف المريض لازم له لا يجوز الرجوع عنه عند الجمهور، وباطل عند المالكية؛ لأنه وصية لوارث (٢).
(١) أي أدخل في الوقف عقبًا.
(٢) قانون الوقف للشيخ فرج السنهوري: ص ١٨٩.
 
الفصل العاشر - ناظر الوقف:

 
أولًا - تعيين الناظر:
 

 يصح بالاتفاق (١) للواقف جعل الولاية والنظر لنفسه أو للموقوف عليه، أو لغيرهما، إما بالتعيين كفلان، أو بالوصف كالأرشد أو الأعلم أو الأكبر أو من هو بصفة كذا، فمن وجد فيه الشرط، ثبت له النظر عملًا بالشرط، وفي وقف علي ﵁ شرط النظر لابنه الحسن، ثم لابنه الحسين ﵄.
واتبع شرط الواقف في تعيين الناظر، فإن لم يشرط الواقف النظر لأحد، فالنظر للقاضي في رأي المالكية وعلى المذهب لدى الشافعية؛ لأن له النظر العام، فكان أولى بالنظر فيه، ولأن الملك في الوقف عند الجمهور غير المالكية لله تعالى.
وقال الحنابلة: يكون النظر حينئذ للموقوف عليه إن كان آدميًا معينًا كزيد، ولكل واحد على حصته إن كان الموقوف عليه جمعًا محصورًا كأولاده أو أولاد زيد، عدلًا كان أو فاسقًا؛ لأنه ملكه وغلته، ويكون النظر للحاكم أو نائبه إن كان الموقوف عليه غير محصور كالوقف على جهة لا تنحصر كالفقراء والمساكين والعلماء والمجاهدين، أو الموقوف على مسجد أو مدرسة أو رباط أو قنطرة وسقاية ونحوها؛ لأنه ليس له مالك معين.
وقال الحنفية: تكون الولاية لنفس الواقف، سواء شرطها لنفسه أو لم يشترطها لأحد في ظاهر المذهب، ثم لوصيه إن كان، وإلا فللحاكم.
ويجوز تعدد النظار، وقد نصت المادة (٤٨) من قانون الوقف المصري على أنه لا تقيم المحكمة أكثر من ناظر واحد إلا لمصلحة.
(١) الدر المختار ورد المحتار: ٤٢١/ ٣ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص ٣٧١ وما بعدها، مغني المحتاج: ٣٩٣/ ٢، كشاف القناع: ٢٩٣/ ٤، ٢٩٧، ٢٩٨ ومابعدها، الشرح الكبير: ٨٨/ ٤.
 
قال الحنابلة: إذا تعدد النظار وكان لهما النظر معًا لم يصح تصرف أحدهما مستقلًا عن الآخر، عملًا بشرط الواقف.

ثانيًا - شروط الناظر: شرط الناظر ما يلي (١):
١ً - العدالة الظاهرة وإن كان الوقف على معينين رشداء؛ لأن النظر ولاية، كما في الوصي والقيم. والعدالة: التزام المأمورات واجتناب المحظورات الشرعية. وهذا شرط عند الجمهور، وقال الحنابلة: لا تشترط العدالة، ويضم إلى الفاسق عدل، كما يضم إلى ناظر ضعيف قوي أمين.
٢ً - الكفاية: وهي قوة الشخص وقدرته على التصرف فيما هو ناظر عليه. ووصف الكفاية يغني عن اشتراط الاهتداء إلى التصرف. والكفاية تتطلب وجود التكليف أي البلوغ والعقل. ولا تشترط في الناظر الذكورة؛ لأن عمر أوصى إلى حفصة ﵂.
فإن لم تتوافر العدالة أو الكفاية نزع الحاكم الوقف منه، حتى وإن كان الواقف هو الناظر. فإن زال المانع عاد النظر إليه عند الشافعية إن كان مشروطًا في الوقف، منصوصًا عليه.
٣ً - الإسلام إن كان الموقوف عليه مسلمًا، أو كانت الجهة كمسجد ونحوه، لقوله تعالى: ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا﴾ [النساء:١٤١/ ٤] فإن كان الوقف على كافر معين، جاز شرط النظر فيه لكافر. هذا ما ذكره الحنابلة، ولم يشترط الحنفية الإسلام في الناظر.
(١) المراجع السابقة.
 
ثالثًا - وظيفة الناظر: 

وظيفة الناظر عند التفويض العام له (١): حفظ الوقف وعمارته وإيجاره وزرعه والمخاصمة فيه، وتحصيل الغلة من أجرة أو زرع أو ثمر، وقسمتها بين المستحقين، وحفظ الأصول والغلات على الاحتياط؛ لأنه المعهود في مثله، وعليه الاجتهاد في تنمية الموقوف وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق، ويقبل قوله فيما ذكر إن كان متبرعًا، فإن لم يكن متبرعًا لم يقبل عند الحنابلة قوله إلا ببينة. وإن كان الناظر مقيدًا ببعض ما سبق تقيد به.


وإذا عمل الناظر أثناء عمارة الوقف فيأخذ - كما أبان الحنفية (٢) - قدر أجرته،

 وذكروا أيضًا أنه يراعى شرط الواقف في إجارته وغيرها، لأن شرط الواقف كنص الشارع، ولا يجوز للقيم الزيادة في المدة، وإنما الزيادة للقاضي؛ لأن له ولاية النظر لفقير وغائب وميت. فلو أهمل الواقف مدة الإجارة قيل عند الحنفية: تطلق الزيادة للقيم، وقيل: تقيد بسنة.


الإجارة الطويلة: 

ويفتى عندهم بمدة السنة في الدار، وبثلاث سنين في الأرض إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك، بحسب الزمان والموضع، فهو أمر يختلف باختلاف المواضع واختلاف الزمان. والفتوى عندهم على إبطال الإجارة الطويلة في الأوقاف وأرض اليتيم وأرض بيت المال ولو بعقود مترادفة، كل عقد سنة، لتحقق محذور وهو أن طول المدة يؤدي إلى إبطال الوقف. لكن هذا عند عدم الحاجة، فإذا اضطر إليها لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرة سنين مقبلة، يزول المحذور الموهوم عند وجود الضرر المتحقق.
(١) مغني المحتاج، كشاف القناع، المكان السابق، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: ٨٩/ ٤.
(٢) الدر المختار ورد المحتار: ٤١٤/ ٣ ومابعدها، ٤٣٤ - ٤٤٠.
 
جاء في الفتاوى البزازية: لو احتيج لذلك يعقد الناظر عقودًا مترادفة، ففي الدار كل عقد سنة بكذا، وفي الأرض كل عقد ثلاث سنين، بأن يقول: آجرك الدار الفلانية سنة (٤٩) بكذا، وآجرتك إياها سنة خمسين بكذا، وآجرتك إياها سنة (٥١) بكذا، وهكذا إلى تمام المدة، ويكون العقد الأول لازمًا، وما عداه مضاف إلى المستقبل، والصحيح أن الإجارة المضافة تكون لازمة، ويؤخذ حينئذ برواية: كون الأجرة تملك، للحاجة في الإجارة المضافة، إلى اشتراط التعجيل.
ويؤجر الموقوف بأجر المثل، فلا يجوز بالأقل المشتمل على غبن فاحش. ولا يضر الغبن اليسير (وهو ما يتغابن الناس فيه، أي ما يقبلونه ولا يعدونه غبنًا). ولو رخص الناظر الأجرة بعد العقد، لا يفسخ العقد إذا طلب المستأجر فسخه، للزوم الضرر على الوقف. ولو زاد الأجرة عن أجر المثل بعد العقد بأجر المثل، أي الذي كان وقت العقد، يجدد العقد بالأجرة الزائدة، قال ابن عابدين: والظاهر أن قبول المستأجر الزيادة يكفي عن تجديد العقد.
والمستأجر الأول أولى من غيره إذا قبل الزيادة.

والموقوف عليه الغلة أو السكنى ولو رجلًا معينًا:

  لا يملك الإجارة، ولا الدعوى إذا غصب منه الموقوف إلا بتولية أو إذن قاض بالدعوى والإيجار؛ لأن حقه في الغلة، لا في عين الوقف.
وإذا آجر المتولي الموقوف بدون أجر المثل، لزم المستأجر لا المتولي تمام أجر المثل.
وتضمن منافع عقار الوقف المغصوب إذا عطلها الغاصب ولم ينتفع بها أو أتلفها، كما لو سكن الشخص بلا إذن، أوأسكنه المتولي بلا أجر، ويكون على
 
الساكن أجر المثل، ولو كان العقار غير معد للاستغلال، صيانة للوقف. ومثله منافع مال اليتيم.
ويفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه. ومتى قضي بالقيمة في غصب عقار الوقف وإجراء الماء عليه حتى صار بحرًا لا يصلح للزراعة، شرى الناظر بها عقارًا آخر، فيكون وقفًا بدل الأول.

ومذهب المالكية (١):

 جاز للناظر أن يكري الوقف السنة والسنتين إن كان أرضًا على معين كزيد أو عمرو، وإن لم يكن على معين، بأن كان على الفقراء أو العلماء أو نحوهم، فيكري لأربعة أعوام لا أكثر. وجاز الكراء لعشر سنوات لمن كان مرجع الوقف له، كأن يقف الأرض على زيد، ثم ترجع بعده لعمرو ملكًا أووقفًا، فيجوز لزيد أن يكريها لعمرو عشرة أعوام.
وجاز الكراء لضرورة إصلاح وقف خرب لمدة أربعين سنة أو خمسين لا أزيد.
ويكون الكراء بأجر المثل، فإن وقع بأقل من أجرة المثل، فسخ العقد المشتمل عليها، وقبلت الزيادة في العقود الأخرى.
ولا يقسم الناظر أجرة الوقف على المستحقين إلا لما مضى زمنه، فلو تعجل قبض أجرة عن مدة مستقبلة، لم يجز قسمها على الحاضرين، لاحتمال موت من أخذ، فيؤدي إلى إعطاء من لا يستحق، وحرمان غيره ممن يستحق.
وإذا كان الوقف على أناس معينين كفلان وفلان، فيسوى بينهم ولا تفضيل لأحد على الآخر.
(١) الشرح الصغير: ١٣٣/ ٤ - ١٣٧، الشرح الكبير: ٨٨/ ٤ ومابعدها.
 
أما إن كان الوقف على غير معينين كالفقراء وأبناء السبيل وأهل العلم، أو على قوم وأعقابهم أو على إخوته أو بني عمه، فضل الناظر في الغلة والسكنى بالاجتهاد مما يقتضيه الحال أهل الحاجة وأهل العيال.
ولا يُخرج ساكن بوقف بوصف استحقاقه، وإن استغنى، إلا لشرط من الواقف، كأن يقول: مادام فقيرًا أو محتاجًا، أو كان هناك عرف أو قرينة.
وإن بنى موقوف عليه بناء في الموقوف، أو غرس فيه شجرًا، فإن مات ولم يبين أنه وقف أو ملك، فوقف، ولا شيء فيه لوارثه. وإن بين أنه ملك فهو لوارثه، فيؤمر بنقضه أو بأخذ قيمته منقوضًا، وإلا كان وقفًا، ويأخذ ما صرفه من غلته، كالناظر إذا بنى أو أصلح، فإن لم يكن له غلة، فلا شيء له.
وللقاضي أن يجعل للناظر شيئًا من الوقف إذا لم يكن له شيء. وللناظر تغيير بعض الأماكن لمصلحة كتغيير الميضأة ونقلها لمحل آخر، وتحويل باب مثلًا من مكان لمكان آخر.

ومذهب الشافعية (١): 

 إذا أجر الناظر الموقوف على غيره بدون أجرة المثل، فإنه لا يصح قطعًا. وإذا أجر الناظر، فزادت الأجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة عليها، لم ينفسخ العقد في الأصح؛ لأن العقد قد جرى بالمصلحة في وقته، فأشبه ما إذا باع الولي مال الطفل، ثم ارتفعت القيم بالأسواق، أو ظهر طالب بالزيادة.
أما إذا أجر الناظر العين الموقوفة عليه، ولو بدون أجرة المثل، فإنه يصح قطعًا.
(١) مغني المحتاج: ٣٩٥/ ٢.
 
وخالفهم الحنابلة (١): 

 فقالوا: إن أجر الناظر العين الموقوفة بأنقص من أجرة المثل، صح عقد الإجارة، وضمن الناظر النقص عن أجرة المثل، إن كان المستحق غيره، وكان أكثر مما يتغابن به في العادة، كالوكيل إذا باع بدون ثمن، أو أجر بدون أجرة المثل.
ولا تنفسخ الإجارة حيث صحت، لو طلب الناظر زيادة عن الأجرة الأولى، وإن لم يكن فيها ضرر؛ لأنها عقد لازم من الطرفين.
ولو غرس الموقوف عليه أو بنى لنفسه، فيما هو وقف عليه وحده، فله الغراس والبناء، لأنه وضعه بحق. أما إن كان الغارس أو الباني شريكًا فيما غرس أو بنى فيه، بأن كان الوقف عليه وعلى غيره، أو كان له النظر فقط دون الاستحقاق، فغرسه أو بناؤه غير محترم، ولباقي الشركاء المستحقين هدمه.
ويأكل ناظر الوقف بمعروف نصًا، ولو لم يكن محتاجًا.

رابعًا - عزل الناظر: 

 تكاد تتفق وجهات النظر الفقهية حول عزل الناظر.


ذكر الحنفية (٢):

  أن للواقف عزل الناظر مطلقًا، وبه يفتى. ولو لم يجعل الواقف ناظرًا، فنصبه القاضي، لم يملك الواقف إخراجه.
ويجب على القاضي عزل الناظر، سواء أكان هو الواقف أم غير الواقف إذا كان خائنًا غير مأمون، أو عاجزًا، أو ظهر به فسق كشرب خمر ونحوه، أو كان يصرف ماله في غير المفيد كالكيمياء (أي السيمياء: تحويل المعادن إلى ذهب) حتى
(١) كشاف القناع: ٢٩٧/ ٤ ومابعدها.
(٢) الدر المختار: ٤٢١/ ٣ - ٤٢٣.
 
وإن شرط الواقف عدم عزل الناظر (١)، أو ألا ينزعه قاض ولا سلطان، لمخالفته لحكم الشرع، كالوصي فإنه ينزع وإن شرط الموصي عدم نزعه وإن خان.
ولا يجوز للقاضي عزل الناظر المشروط له النظر أو صاحب وظيفة بلا خيانة، أو عدم أهلية. ويصح عزل الناظر المعين من قبل القاضي لا من قبل الواقف، بلا خيانة، وليس للقاضي الثاني أن يعيده، وإن عزله الأول، بلا سبب، لحمل أمره على السداد، إلا أن تثبت أهليته.
وللناظر عزل نفسه عند القاضي، بتعيين غيره، ولا ينعزل بعزل نفسه حتى يبلغ القاضي.

النزول عن الوظائف:

  ومن حالات عزل الناظر نفسه: التنازل أو الفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيرها، فإن كان المتنازل له غير أهل، لم يقره القاضي، وإن كان أهلًا لا يجب عليه إقراره. وإذا فرغ الإنسان عن وظيفته سقط حقه، وإن لم يقر القاضي المتنازل له.
والتنازل يصح أمام القاضي أو أمام غيره، ويصح الفراغ عن الوظيفة بمال أو مجانًا، ولكن يصح للمفروغ له الرجوع بالمال الذي دفعه؛ لأنه اعتياض عن حق مجرد، وهو لا يجوز.
والحاصل أن الناظر ينعزل بعزل نفسه (أي بالاستقالة) أو بعزل الواقف إن عينه هو، أو بعزل القاضي. وقد نصت المادة (٥٢) من قانون الوقف المصري على أنه يجوز للمحكمة من أي درجة إحالة الناظر على محكمة التصرفات الابتدائية إذا رأت ما يدعو للنظر في عزله.
(١) هذه - كما تقدم - إحدى المسائل السبع التي يخالف فيها شرط الواقف.
 
ووافق المالكية (١) الحنفية: 

فقالوا: للناظر عزل نفسه، ولو ولاه الواقف. وللواقف عزله، ولو لغير جنحة، أما القاضي فلا يعزل ناظرًا إلا بجنحة.
وإذا عزل الناظر نفسه، فللحاكم تولية من شاء على الوقف، وتكون أجرته من ريعه، إذا كان المستحق غير معين كالفقراء. أما إن كان المستحق معينًا رشيدًا، فهو الذي يتولى أمر الوقف. وإن كان غير رشيد، فيتولى وليه أمره.

وكذلك رأى الشافعية (٢): 

 للناظر عزل نفسه، وللواقف الناظر عزل من ولاه، ونصب غيره مكانه، كما يعزل الموكل وكيله، وينصب غيره، إلا أن يشرط الواقف (٣) لشخص نظرَه، أي إشرافه حال الوقف، فليس له ولا لغيره عزله، ولو لمصلحة، لأنه لا تغيير لما شرطه، ولأنه لا نظر له حينئذ. أما الواقف غير الناظر فلا يصح منه تولية ولا عزل، بل هي للحاكم.
ولو شرط الواقف للناظر شيئًا من الريع، جاز، وإن زاد على أجرة المثل. بخلاف ما لو كان النظر له، وشرط لنفسه، فإنه لا يزيد على أجرة المثل.

وكذلك قرر الحنابلة (٤):

  للواقف عزل الناظر؛ لأنه نائبه، فأشبه الوكيل. وللموقوف عليه المعين وللحاكم عزل الناظر لأصالة ولايتهما، وللناظر عزل نفسه، كما هو المقرر في الوكالة. وليس للناظر المشروط له النظر عزل الناظر ولا توليته.
(١) الشرح الكبير: ٨٨/ ٤.
(٢) مغني المحتاج: ٣٩٥/ ٢.
(٣) هذا استثناء من جواز العزل.
(٤) كشاف القناع: ٣٠١/ ٤.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية