الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل الخامس: أركان الصلاة علي المذاهب الأربعة الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزُّحَيْلِيّ

الفصل الخامس: أركان الصلاة علي المذاهب الأربعة الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزُّحَيْلِيّ

اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات
 
  1. الفصل الخامس: أركان الصلاة
  2. أركان الصلاة (أو فرائضها)، وواجباتها عند الحنفية
  3. اختلف الفقهاء في تصنيف وتعداد مطالب الصلاة الأساسية
    1. واجبات الصلاة
    2. أركان الصلاة عند غير الحنفية
    3. قال المالكية
    4. قال الشافعية
    5. قال الحنابلة
  4. أركان الصلاة المتفق عليها
    1. الركن الأول ـ التحريمة أو تكبيرة الإحرام
    2. الركن الثاني ـ القيام في الفرض لقادر عليه، وكذا في الواجب كنذر وسنة في الأصح عند الحنفية
    3. المقدار المفروض من القيام
  5. هل يشترط الاستقلال في القيام؟
  6. صلاة المريض أو متى يسقط القيام؟
  7. من حالات العجز المسقطة للقيام
  8. كيفية صلاة العاجز المريض
    1. قال الحنفية
    2. قال المالكية
    3. قال الشافعية
    4. مذهب الحنابلة
  9. الركن الثالث ـ القراءة لقادر عليها
    1. البسملة عند الحنفية
    2. قراءة المقتدي
    3. البسملة عند الشافعية
    4. يشترط في القراءة
    5. البسملة عند المالكية
    6. قال الحنابلة: البسملة آية من الفاتحة
  10. الركن الرابع ـ الركوع
  11. الاطمئنان في الركوع
  12. الركن الخامس ـ الرفع من الركوع والاعتدال
  13. الركن السادس ـ السجود مرتين لكل ركعة
  14. الاطمئنان في السجود
  15. التنكس
  16. مكان الصلاة
    1. الركن السابع ـ الجلوس بين السجدتين
    2. الركن الثامن ـ القعود الأخير مقدار التشهد
    3. صفة الجلوس
  17. صيغة التشهد
  18. معاني ألفاظ التشهد
  19. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير
  20. التشهد بالعربية
    1. الركن التاسع ـ السلام
    2. صيغة السلام
  21. نية الخروج من الصلاة بالسلام
    1. الركن العاشر: الطمأنينة في أفعال معينة
    2. الركن الحادي عشر: ترتيب الأركان على النحو المشروع في صفة الصلاة في السنة
  22. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
 
الفَصْلُ الخامِس: أركانُ الصَّلاةِ 
 
 أركان الصلاة (أو فرائضها)، وواجباتها عند الحنفية: 
بحث الفقهاء تحت عنوان (صفة الصلاة أي كيفيتها) نظام الصلاة، المشتمل على الأركان والشروط، والأبعاض: وهي السنن المجبورة بسجود السهو، والهيئات: وهي السنن التي لا تجبر. والمقصود بكيفية الصلاة: الصورة الوصفية لها.
والركن كالشرط في أنه لا بد منه، إلا أن الشرط: هو الذي يتقدم على الصلاة، ويجب استمراره فيها كالطهر والستر، ونحوهما مما سبق بيانه، والركن: ما تشمل عليه الصلاة، كالركوع والسجود، ونحوهما مما سيبحث هنا، ولا يسقط الركن عمدًا ولا سهوًا ولا جهلًا، وسمي ركنًا تشبيهًا له بركن البيت الذي لا يقوم إلا به؛ لأن الصلاة لا تتم إلا به. وعلى هذا يكون الركن: هو الواجب فعله وكان جزءًا من حقيقة الفعل، والشرط: هو الواجب فعله ولكنه ليس جزءًا من حقيقة الفعل، بل من مقدماته.

وقد اختلف الفقهاء في تصنيف وتعداد مطالب الصلاة الأساسية:
فقال الحنفية (١): فرائض الصلاة ستة: التحريمة قائمًا، والقيام، والقراءة
(١) اللباب شرح الكتاب: ٦٨/ ١ - ٧٧، الدر المختار ورد المحتار: ٤٠٦/ ١، ٤١٠ ومابعدها، ٤٢٤ - ٤٣٧، مراقي الفلاح: ص٣٧، ٣٩ ومابعدها، فتح القدير: ١٩٢/ ١ - ٢٢٦، البدائع:١٠٥/ ١، ١٦٠ - ١٦٣.
 
والركوع، والسجود، والقَعْدة الأخيرة مقدار التشهد. هذا ما ذكره القدوري وهو رأي محمد، إلا أن المعتمد عندهم أن تكبيرة الإحرام شرط عندهم كالنية وهو رأي أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافًا لجمهور الفقهاء.

واجبات الصلاة:
واجبات الصلاة ثمانية عشر، والواجب عندهم ما ثبت بدليل فيه شبهة، وحكمه: استحقاق العقاب بتركه عمدًا، لكن لا تفسد الصلاة بتركه، ويلزم سجود السهو لنقص الصلاة بترك الواجب سهوًا، ويجب إعادة الصلاة بترك الواجب عمدًا، أو سهوًا إن لم يسجد سجود السهو له. وإن لم يعدها، يكون فاسقًا آثمًا، كما هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم.
وهذه الواجبات هي ما يأتي:
١ ً - افتتاح الصلاة بلفظ (الله أكبر) لا في صلاة العيدين فقط.
٢ ً - قراءة الفاتحة: لقوله ﷺ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (١) وهذا عندهم لنفي الكمال؛ لأنه خبر آحاد، لا ينسخ قوله تعالى: ﴿فاقرؤوا ما تيسر من القرآن﴾ [المزمل:٢٠/ ٧٣]، فوجب العمل به. ويسجد للسهو بترك أكثرها، لا أقلها؛ لأن الواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف أكثرها، لا كلها.
وقال الجمهور (غير الحنفية): إن قراءة الفاتحة ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة. إلا أن الشافعية قالوا: هي ركن مطلقًا، وقال المالكية: هي فرض لغير المأموم في صلاة جهرية.
٣ ً - قراءة سور ة بعد الفاتحة: يجب قراءة سورة قصيرة كالكوثر ونحوها،
(١) رواه الأئمة الستة في كتبهم عن عبادة بن الصامت (نصب الراية:٣٦٥/ ١).
 
وهو ثلاث آيات قصار، تقدر بثلاثين حرفًا، كقوله تعالى: ﴿ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر﴾ [المدثر:٢١/ ٤٧ - ٢٢ - ٢٣] أو آية طويلة أو آيتان بمقدار ثلاثين حرفًا.
ودليلهم على الوجوب: حديث أبي سعيد الخدري: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسر» (١) والأمر للوجوب.
وقال الجمهور: تسن قراءة سورة أو آيات بعد الفاتحة، لقول أبي هريرة: «في كل صلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله ﷺ أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير» (٢).
٤ ً - يجب قراءة السورة في الركعتين الأوليين من الفرض على المذهب، لمواظبة النبي ﷺ على القراءة فيهما. ولا يكره تحريمًا بل تنزيهًا في الركعتين الأخريين (الثالثة والرابعة) على المختار. ولو ترك السورة في ركعة أو ركعتين من أوليي المغرب أو العشاء، وجب قراءتها في الأصح في أخرى العشاء، وثالثة المغرب مع الفاتحة جهرًا بهما على الأصح، ويقدم الفاتحة، ثم يقرأ السورة. ولو ترك الفاتحة لا يكررها في الأخريين. وتجب أيضًا في جميع ركعات الوتر لمشابهته السنة، وفي جميع ركعات النافلة؛ لأن كل شفع (أي ركعتين) من النافلة صلاة على حدة، ولحديث أبي سعيد المتقدم بلفظ «لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وسورة في فريضة أو غيرها» (٣).
(١) رواه أبو داود وابن حبان وأحمد وأبو يعلى الموصلي، رفعه بعضهم ووقفه بعضهم (نصب الراية:٣٦٤/ ١).
(٢) حديث موقوف رواه الشيخان (البخاري ومسلم) عن أبي هريرة (نصب الراية: ٣٦٥/ ١).
(٣) حديث ضعيف رواه ابن عدي في الكامل (نصب الراية: ٣٦٣/ ١).
 
٥ ً - تقديم الفاتحة على قراءة السورة، لمواظبة النبي ﷺ على ذلك. فلو بدأ بالسورة قبل الفاتحة سهوًا، ثم تذكر، قطع القراءة، وقرأ الفاتحة، ثم السورة، ويسجد للسهو، كما لو كرر الفاتحة ثم قرأ السورة، لتأخير الابتداء بالفاتحة في الحالة الأولى، ولتأخير القراءة في الحالة الثانية.
ولو تذكر الفاتحة قبل الركوع، قرأها، ثم قرأ سورة، وسجد للسهو.
٦ ً - ضم الأنف للجبهة في السجود، لمواظبة النبي ﷺ عليه. ولا تجوز الصلاة بالاقتصار على الأنف في السجود، على الصحيح.
٧ ً - مراعاة الترتيب فيما شرع مكررًا من الأفعال في الصلاة وهو السجدة الثانية: والأدق أن يقال: رعاية الترتيب بين القراءة والركوع، وفيما يتكرر في كل ركعة، فيأتي بالسجدة الثانية قبل الانتقال لغيرها من أفعال الصلاة، بدليل المواظبة منه ﷺ على مراعاة الترتيب. ومعنى كون الترتيب فيما يتكرر في كل ركعة واجبًا: أن الصلاة بعد إعادة ما قدمه لا تفسد بترك الترتيب صورة، الحاصل بزيادة ما قدمه.
فلو نسي سجدة من الركعة الأولى (١)، قضاها، ولو بعد القعود الأخير، أو بعد السلام قبل الكلام، ثم يعيد التشهد والقعود، ويسجد للسهو بعد التسليمة الأولى، ثم يتشهد.
أما ما لا يتكرر في كل ركعة أو في كل الصلاة ماعدا القراءة كترتيب القيام والركوع والسجود الأول والقعود الأخير، فإن الترتيب فيه فرض، وعلى هذا فترتيب القيام على الركوع، والركوع على السجود فرض. فلو ركع قبل القراءة
(١) سواء أكانت السجدة صُلْبية أي من صلب الصلاة، أو تلاوية وهي السجدة التي تجب بسبب تلاوة آية من آيات السجود.
 
صح ركوعه، لأنه لا يشترط في الركوع أن يكون مترتبًا على قراءة في كل ركعة. بخلاف الترتيب بين الركوع والسجود مثلًا، فإنه فرض، فلو سجد قبل الركوع لم يصح سجود هذه الركعة؛ لأن أصل السجود يشترط ترتبه على الركوع في كل ركعة، كترتيب الركوع على القيام.
٨ ً - الاطمئنان في الأركان: بتسكين الجوارح في الركوع والسجود ونحوهما من الرفع والاعتدال، حتى تطمئن مفاصله قدر تسبيحة في الركوع والسجود والرفع منهما، ويستقر كل عضو في محله، لمواظبته ﷺ على ذلك كله، ولحديث المسيء صلاته، وقول النبي ﷺ له: «ارجع فصلّ، فإنك لم تصلِّ» ثم علمه كيفية الطمأنينة: «إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في الصلاة كلها» (١).
٩ ً - القعود الأول في صلاة ثلاثية أو رباعية: لمواظبة النبي ﷺ عليه، وسجوده للسهو لما تركه وقام ساهيًا (٢). ويجب ترك الزيادة فيه كما يجب ترك الزيادة في كلمات التشهد، أو بعد تمام التشهد.
١٠ ً- قراءة التشهد في القعود الأول، في الصحيح، لقوله ﷺ: «إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله ...» (٣) والأمر للوجوب.
وقال غير الحنفية عن هذين الأمرين: إنهما سنة؛ لأن عدم تداركه من النبي يدل على عدم وجوبه.
(١) متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الأوطار: ٢٦٤/ ٢).
(٢) رواه الجماعة عن عبد الله بن بُحَيْنَة (نيل الأوطار: ٢٧٣/ ٢).
(٣) رواه أحمد والنسائي عن ابن مسعود (نيل الأوطار:٢٧١/ ٢).
 
١١ ً - قراءة التشهد في الجلوس الأخير، لمواظبة النبي ﷺ عليه. أما الجلوس الأخير فهو فريضة. ويسجد للسهو بترك بعض أو كل من التشهدين: الأول والأخير.
١٢ ً - القيام إلى الركعة الثالثة من غير تراخ بعد قراءة التشهد الأول: فلو زاد عليه بمقدار أداء ركن ساهيًا، وأقل الزيادة المفوتة للواجب عن التشهد الأول مقدار (اللهم صل على محمد) فقط على المذهب، سجد للسهو، لتأخير واجب القيام للثالثة.
١٣ ً - لفظ (السلام) دون (عليكم) مرتين في آخر الصلاة، عن اليمين واليسار، لمواظبة النبي ﷺ، وأما (عليكم ورحمة الله) فهو سنة. وكل من التسليمة الأولى، والثانية واجب في الأصح، فلو فرغ المقتدي قبل فراغ الإمام، فتكلم أو أكل، فصلاته تامة.
وليس السلام فرضًا، لحديث ابن مسعود: «أن النبي ﷺ كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يُرى بياض خدِّه» (١) وهو يدل على مشروعية التسليمتين. وقال غير الحنفية: السلام للخروج من الصلاة فرض.
١٤ ً - جهر (٢) الإمام بالقراءة في ركعتي الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، ولو قضاء، وفي صلاة الجمعة والعيدين، والتراويح، والوتر في رمضان، لفعله ومواظبته ﷺ.
أما المنفرد: فهو مخير بين الجهر والإسرار، والأفضل الجهر، ليكون الأداء على هيئة الجماعة.
(١) رواه الخمسة وصححه الترمذي، وأخرجه أيضًا الدارقطني وابن حبان، وله ألفاظ، وأصله في صحيح مسلم (نيل الأوطار:٢٩٢/ ٢).
(٢) الجهر: إسماع الغير ولو واحدًا، والإسرار: إسماع النفس، في الصحيح.
 
والمتنفل بالليل مخير أيضًا بين الجهر والإسرار، ويكتفي بأدنى الجهر لئلا يصير نائمًا، لأنه ﷺ جهر في التهجد بالليل، وكان يؤنس اليقظان، ولا يوقظ الوسنان. وسئلت عائشة: كيف كانت قراءة النبي ﷺ بالليل؟ فقالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما أسرَّ، وربما جهر (١).
١٥ ً - إسرار الإمام والمنفرد في صلاتي الظهر والعصر، وفيما عدا الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، وفي صلاة النفل بالنهار.
١٦ ً، ١٧ - قنوت الوتر، وتكبيرات العيدين (وهي ثلاث في كل ركعة)، وتكبيرة القنوت عند أبي حنيفة وعند الصاحبين: هي سنة كالوتر نفسه، وتجب تكبيرة الركوع في الركعة الثانية من صلاة العيد تبعًا لتكبيرات الزوائد فيها، لاتصالها بها، بخلاف تكبيرة الركوع في الركعة الأولى.
١٨ ً - إنصات المقتدي، ومتابعة الإمام، في صلاة الجماعة.

أركان الصلاة عند غير الحنفية:
 
قال المالكية كما ذكر العلامة خليل وشرّاح متنه (٢):
 فرائض الصلاة أربع عشرة فريضة وهي: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام لها في الفرض، وقراءة الفاتحة للإمام والمنفرد، والقيام لها أي (الفاتحة) بفرض، والركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والسلام، والجلوس له، والطمأنينة في جميع الأركان. والاعتدال بعد الركوع والسجود، وترتيب الأركان بأن يقدم النية على تكبيرة الإحرام، ثم الفاتحة، ثم الركوع، ثم الاعتدال، ثم السجود .. الخ
(١) رواه الخمسة وصححه الترمذي، ورجاله رجال الصحيح، عن عائشة (نيل الأوطار: ٥٩/ ٣).
(٢) الشرح الصغير: ٣٠٣/ ١ - ٣١٧، الشرح الكبير:٢٣١/ ١ - ٢٤٢، القوانين الفقهية: ص٥١،٥٧ - ٦٦.
 
ووضع المالكية ضابطًا للأركان فقالوا: الصلاة مركبة من أقوال وأفعال، فجميع أقوالها ليست بفرائض إلا ثلاثة: تكبيرة الإحرام، والفاتحة والسلام، وجميع أفعالها فرائض إلا ثلاثة: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، والجلوس للتشهد، والتيامن بالسلام.

وقال الشافعية (١): أركان الصلاة ثلاثة عشر وهي:
النية، وتكبيرة الإحرام، القيام في الفرض للقادر عليه، والفاتحة لكل مصلي إلا المعذور لسبق أو غيره، الركوع، والسجود مرتين، والجلوس بين السجدتين، التشهد الأخير، القعود في التشهد الأخير، الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد الأخير قاعدًا، السلام، الترتيب كما ذكر.
والفرض لا ينوب عنه سجود السهو، بل إن تذكره وهو في الصلاة أو بعد السلام والزمان قريب أتى به وبنى على صلاته وسجد للسهو.

وقال الحنابلة (٢): أركان الصلاة أربعة عشر وهي:
تكبيرة الإحرام، والقيام في فرض لقادر عليه، وقراءة الفاتحة في كل ركعة للإمام والمنفرد، والركوع، والاعتدال بعده، والسجود، والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في هذه الأفعال (الركوع وما بعده)، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد الأخير عند أكثر الحنابلة، والجلوس له وللتسليمتين، والتسليمتان، وترتيب الأركان، على النحو المذكور. والفرض أو الركن لا يسقط عمدًا ولا سهوًا ولا جهلًا.
(١) مغني المحتاج:١٤٨/ ١ - ١٨٤.
(٢) المغني:٤٦٠/ ١ - ٥٥٨، كشاف القناع: ٤٥٠/ ١ - ٤٥٥.
 
وسنفصل الكلام في هذه الأركان كلها، علمًا بأن النية بحثت في الشروط عملًا بمنهج الحنفية والحنابلة وبعض المالكية (ابن رشد وابن جزي)، والمعتمد عند المالكية أن النية ركن، وأن الإحرام عبارة عن النية والتكبير.

أركان الصلاة المتفق عليها:
يلاحظ أن الفقهاء اتفقوا على ستة فروض أو أركان وهي: التحريمة، والقيام، والقراءة، والركوع، والسجود، والقعدة الأخيرة مقدار التشهد إلى قوله: «عبده ورسوله».

الركن الأول - التحريمة أو تكبيرة الإحرام:
هي أن يقول المصلي قائمًا مسمعًا نفسه: (الله أكبر) (١) إلا في حال العجز عن القيام، وذلك بالعربية، لمن قدر عليها، لا بغيرها من اللغات، وبلا فصل بين المبتدأ والخبر عند المالكية والحنابلة بكلمة أخرى ولا بسكوت طويل.
هذا إذا كان المصلي غير إمام، فأدناه أن يسمع نفسه، فإن كان إمامًا يستحب له أن يجهر بالتكبير ليسمع من خلفه (٢) والتكبير ركن لا شرط، فلا تنعقد الصلاة إلا بقول (الله أكبر)، وإن عجز عن التكبير كأن كان أخرس أو عاجزًا عن التكبير بكل لسان، سقط عنه. وإن قدر على الإتيان ببعضه، أتى به، إن كان له معنى (٣).
(١) سميت هذه التكبيرة بتكبيرة الإحرام؛ لأنه يحرم على المصلي ما كان حلالًا له قبلها من موانع الصلاة كالأكل والشرب والكلام ونحوذلك، ويقصد بها الذكر الخالص لله تعالى الذي يحرم به المصلي على نفسه الاشتغال بما سوى الله.
(٢) المجموع:٢٥٨/ ٣، المغني:٤٦٢/ ١.
(٣) الشرح الصغير:٣٠٥/ ١ ومابعدها، المغني:٤٦٠/ ١ - ٤٦٤، كشاف القناع:٤٥١/ ١.
 
ودليلهم على اشتراط لفظ (الله أكبر) وأنه ركن: هو قوله تعالى: ﴿وربَّك فكبر﴾ [المدثر:٣/ ٧٤]، والحديث السابق عن علي: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير» (١) وحديث رفاعة بن رافع: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة، فيقول: الله أكبر» (٢)، وقال ﵇ للمسيء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر» (٣) وقال ﷺ أيضًا: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» قرن التكبير بالقراءة، فدل على أنه مثله في الركنية.
وقال الشافعية ومحمد من الحنفية (٤) كالمالكية والحنابلة: التكبير ركن لا شرط، إلا أن الشافعية قالوا: لا تضر زيادة لا تمنع اسم التكبير، مثل (الله الأكبر)؛ لأنه لفظ يدل على التكبير، وعلى زيادة مبالغة في التعظيم، ومثل (الله الجليل أكبر) في الأصح، وكذا كل صفة من صفاته تعالى، إذا لم يطل بها الفصل، لبقاء النظم. ويشترط إسماع نفسه التكبير كالقراءة وسائر الأركان القولية، ويُبين التكبير كما أوضح الشافعية والحنابلة، ولا يمد في غير موضع المد، فإن فعل بحيث تغير المعنى، مثل أن يمد الهمزة الأولى، فيقول (آلله) أو يمد (آكبر) أو يزيد ألفًا بعد باء (أكبر)، لم يصح؛ لأن المعنى يتغير به. والأصح عند الشافعية: أن من عجز عن التكبير بالعربية أتى بمدلول التكبير بأي لغة شاء. ووجب التعلم إن قدر عليه. ومن عجز عن النطق بالتكبير كأخرس، لزمه تحريك لسانه، وشفتيه ولهاته ما أمكنه، فإن عجز نواه بقلبه.
(١) رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن علي بن أبي طالب.
(٢) رواه أصحاب السنن الأربعة والطبراني.
(٣) متفق عليه.
(٤) مغني المحتاج:١٥٠/ ١ ومابعدها، اللباب:٦٨/ ١.
 
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف (١): التحريمة شرط، لا ركن، وقولهما هو المعتمد لدى الحنفية، لقوله تعالى: ﴿وذكر اسم ربه فصلى﴾ [الأعلى:٨٧/ ١٥] قالوا: المراد بالذكر هنا التحريمة، وهي غير الصلاة، بدليل العطف عليها، والعطف يقتضي المغايرة، ولأن حديث علي السابق «وتحريمها التكبير» أضيف التحريم فيه إلى الصلاة، والمضاف غير المضاف إليه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.
وتظهر ثمرة الخلاف بين الشيخين (أبي حنيفة وأبي يوسف) القائلين بالشرطية وبين محمد القائل بفرضية التكبير. فيما لو أحرم حاملًا النجاسة، فألقاها فور فراغه من التكبير، أو كان مكشوف العورة، فسترها عند فراغه من التكبير، أو كان منحرفًا عن القبلة، فاستقبلها عند الفراغ من التكبير، أو شرع في التكبير بالظهر قبل الزوال مثلًا، ثم زالت الشمس بعد فراغه من التكبير، تجوز الصلاة عند الشيخين، ولا تجوز عند محمد.
وكذلك إذا فسدت الفريضة، تنقلب نفلًا عند الشيخين، وعند محمد: لاتنقلب. واتفق الحنفية على أن التحريمة ركن في صلاة الجنازة كبقية تكبيراتها.
وقد عرفنا في بحث واجبات الصلاة: أنه يجب عند الحنفية بدء الصلاة بلفظ (الله أكبر) ويكره تحريمًا الشروع بغير هذا اللفظ.
وأجاز أبو حنيفة ومحمد افتتاح الصلاة بكل تعبير خالص لله تعالى، فيه تكبير وتعظيم، كقول المصلي: الله أجل، الله أعظم، وكبير أو جليل، والرحمن أعظم، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والحمد لله، ونحوه، لأن ذلك كله يؤدي
(١) فتح القدير:١٩٢/ ١،١٩٨ ومابعدها، الدر المختار ورد المحتار: ٤١١/ ١،٤٢١، تبيين الحقائق: ١٠٣/ ١، اللباب، المكان السابق، الدرر شرح الغرر:٦٦/ ١.
 
معنى التكبير، ويشتمل على معنى التعظيم، فأشبه قوله: (الله أكبر) ولو افتتح الصلاة بـ (اللهم اغفر لي) لا يجوز؛ لأنه مشوب بحاجته، فلم يكن تعظيمًا، ولو افتتح بقوله: (اللهم) فالأصح أنه يجزئه؛ لأن معناه: يا الله.
وخص أبو يوسف الافتتاح بالتكبيرومشتقاته، مثل: (الله أكبر) والكبير، والكُبَّار، وتردد في (الله كبير) ومن عجز عن التكبير كالأخرس، سقط عنه ذلك، لتعذر الواجب في حقه، وتكفيه النية عن التحريمة.
وقال أبو حنيفة: إنه يجزئ التكبير بغير العربية، لقول الله تعالى: ﴿وذكر اسم ربه، فصلى﴾ [الأعلى:١٥/ ٨٧]، وهذا قد ذكر اسم ربه.
أما الصاحبان فقالا كالشافعية: إن كان لا يحسن العربية أجزأه غيرها، فإن كان يحسنها وكبر بغير العربية لا يجزئه لقوله ﷺ: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (١).
واشترط الحنفية لأداء تكبيرة الإحرام عشرين شرطًا: وهي دخول الوقت، واعتقاد دخوله أو غلبة الظن به، وستر العورة، والطهر من الحدث والنجاسة المانعة عن البدن والثوب والمكان، والقيام لقادر عليه في غير نفل، وفي سنة فجر، ونية اتباع الإمام (وهو في الواقع شرط لصحة الاقتداء لا لصحة التحريمة)، والنطق بها: (وهو أن يسمع بها نفسه، فمن همس بها أو أجراها على قلبه لا تجزئه، كجميع أقوال الصلاة)، وتعيين الفرض أنه ظهر أوعصر مثلًا، وتعيين الوجوب كركعتي الطواف والعيدين والوتر والمنذرو وقضاء أفسده، وأن تكون بجملة ذكر خالص لله غير مشوب بحاجته وأهوائه، ولا يصح باستغفار نحو اللهم اغفر لي، وصح بلفظ (اللهم) في الأصح: مثل (الله أكبر) فلا يصير شارعًا بأحدهما في
(١) رواه البخاري وأحمد.
 
ظاهر الرواية، وألا تكون مع بسملة، وأن تكون بجملة عربية لمن قدر عليها، فلا يصح شروعه بغيرها، إلا إذا عجز، فيصح بالفارسية كالقراءة في الصلاة، والأصح أنه يصح الشروع في الصلاة بالتكبير بغير العربية، وإن قدر عليها اتفاقًا عندهم، بخلاف القراءة، وأن تخلو عن ترك هاء لفظ الجلالة: (الله)، وترك مد همزة (الله) وهمزة (أكبر) ومد باء (أكبر) وألا يكون هناك فاصل بين النية والتحريمة بكلام مباين ونحوه من أكل وشرب، وألا تسبق النية بتكبيرته، فلو فرغ منه قبل فراغ إمامه، لم يصح شروعه، وأن يؤديها مستقبلًا القبلة إلا لعذر، أو لتنفل راكب خارج البلد.
واشترط جمهور الفقهاء ألا يكبر المأموم حتى يفرغ إمامه من التكبير، للحديث المتفق عليه: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا» وأجاز الحنفية مقارنة المأموم في التكبير وغيره، فيكبر معه كما يركع معه.

الركن الثاني - القيام في الفرض لقادر عليه، وكذا في الواجب كنذر وسنة في الأصح عند الحنفية (١):

لقوله تعالى: ﴿وقوموا لله قانتين﴾ [البقرة:٢٣٨/ ٢] أي مطيعين وقيل: خاشعين، وقوله ﷺ في حديث عمران بن حصين: «صل قائمًا» (٢).
(١) تبيين الحقائق:١٠٤/ ١، فتح القدير:١٩٢/ ١،٢٠٤،٢٧٨، الشرح الصغير:٣٠٧/ ١،٣١٢،٣٦٠، مغني المحتاج:١٥٣/ ١ ومابعدها، كشاف القناع:٤٥٠/ ١، المهذب:٧٠/ ١، الشرح الكبير مع الدسوقي:٢٣١/ ١،٢٣٧،٢٥٥ - ٢٥٧، غاية المنتهى:١٣٨/ ١، ١٥١.
(٢) رواه الجماعة والحاكم عن عمران بلفظ: «كانت بي بواسير، فسألت النبي عن الصلاة، فقال: صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب». زاد النسائي: «فإن لم تستطع فمستلقيًا، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها» (نصب الراية:١٧٥/ ٢).
 
ولا يجب القيام في النافلة، فتصح مع القدرة على القيام؛ لأن مبنى النوافل على التيسير والأخذ بالرفق، ولأن النوافل كثيرة، فلو وجب فيها القيام شَقَّ وانقطعت النوافل.
ولا يجب أيضًا على المريض العاجز عن القيام، سواء في الفريضة أم النافلة؛ لأن التكليف بقدر الوسع، ومن عجز عن القيام قعد كيف شاء.
وحدّ القيام عند الحنفية: أن يكون بحيث لو مدّ يديه لا ينال ركبتيه. وعند المالكية والحنابلة: ألا يكون في حالة جلوس ولا في حالة انحناء بحيث يصير راكعًا. ولا يضر خفض الرأس على هيئة الإطراق لأنه لا يخرجه عن كونه يسمى قائمًا.
وعند الشافعية: يشترط نصب فَقَار المصلي (١)؛لأن اسم القيام دائر معه، ولايشترط نصب رقبته؛ لأنه يستحب إطراق الرأس. فإن وقف منحنيًا أو مائلًا يمنة أو يسرة، بحيث لا يسمى قائمًا، لم يصح قيامه لتركه الواجب بلا عذر. والانحناء المنافي للقيام: أن يصير إلى الركوع أقرب، فلو كان أقرب إلى القيام أو استوى الأمران صح. فهم إذن كالمالكية والحنابلة.
ومن لم يطق انتصابًا بسبب مرض أو تقوس ظهر بسبب الكبر، فالصحيح أنه يقف كذلك، ويزيد انحناءه إن قدر.

والمقدار المفروض من القيام: 
هو عند الحنفية بقدر القراءة المطلوبة فيه، وهو بقدر قراءة الفاتحة وسورة وتكبيرة الإحرام.
وعند الجمهور: بقدر تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة فقط؛ لأن الفرض عندهم قراءة الفاتحة، وأما السورة بعدها فهي سنة.
(١) أي فقرات الظهر أو مفاصله
 
هل يشترط الاستقلال في القيام؟ قال الحنفية: 
يشترط للقادر الاستقلال في الفرض، فمن اتكأ على عصاه، أو على حائط ونحوه، بحيث يسقط لو زال، لم تصح صلاته، فإن كان لعذر صحت.
أما في التطوع أوالنافلة: فلا يشترط الاستقلال بالقيام سواء أكان لعذر أم لا، إلا أن صلاته تكره لأنه إساءة أدب، وثوابه ينقص إن كان لغير عذر.
وقال المالكية: يجب القيام مستقلًا في الفرائض للإمام والمنفرد حال تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والهوي للركوع، وأما حال قراءة السورة فهو سنة، فلو استند إلى شيء بحيث لو أزيل لسقط، فإن كان في غير قراءة السورة، بطلت صلاته؛ لأنه لم يأت بالفرض الركني، وإن كان في حال قراءة السورة لم تبطل وكره استناده، ولو جلس في حال قراءة السورة بطلت صلاته لإخلاله بهيئة الصلاة. وأما المأموم فلا يجب عليه القيام لقراءة الفاتحة، لو استند حال قراءتها لعمود بحيث لو أزيل لسقط، صحت صلاته.
وقال الشافعية: لا يشترط الاستقلال في القيام، فلو استند إلى شيء، أجزأه مع الكراهة، لوجود اسم القيام. لكن لو استند إلى شيء بحيث لو رفع قدميه إن شاء، ظل مستندًا ولم يسقط، لم تصح صلاته؛ لأنه لا يسمى قائمًا، بل معلقًا نفسه.
وقال الحنابلة: يشترط الاستقلال في القيام للقادر عليه في فرض، فلو استند استنادًا قويًا على شيء بلا عذر، بطلت صلاته.
 
صلاة المريض أو متى يسقط القيام؟ 
 اتفق الفقهاء على أنه يسقط القيام في الفرض والنافلة للعاجز عنه لحديث عمران بن حصين السابق: «صل قائمًا، فإن لم تستطع، فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» فإن قدر على بعض القراءة ولو آية قائمًا، لزمه بقدرها.
ويسقط القيام أيضًا عند جمهور الفقهاء غير الشافعية للعريان، فإنه يصلي قاعدًا بالإيماء إذا لم يجد ساترًا يستر به عورته، كما قدمنا.

ومن حالات العجز المسقطة للقيام: 
حالة المداواة: كمن يسيل جرحه إذا قام، أو أثناء مداواة العين استلقاء. ومنها: حالة سلس البول: فإذا كان يسيل بوله لو قام، وإن قعد لم يسل، صلى قاعدًا، ولا إعادة عليه حتى عند الشافعية في الأصح.
ومنها: حالة الخوف من عدو بحيث إذا قام، رآه العدو، صلى قاعدًا ولا إعادة عليه حتى عند الشافعية أيضًا.
ومنها: عند الحنابلة قصر سُقِف لعاجز عن خروج كالحبس، وصلاة خلف إمام حي عاجز.

كيفية صلاة العاجز المريض:
للفقهاء آراء متقاربة في كيفية صلاة المريض، وبعضها أيسر من بعض.

قال الحنفية (١):
أـ إذا عجز المريض عن القيام، سقط عنه، وصلى قاعدًا كيف تيسر له، يركع
(١) اللباب: ١/ ١٠٠ وما بعدها، فتح القدير: ١/ ٣٧٥ وما بعدها، البدائع ١/ ١٠٥ وما بعدها، تبيين الحقائق ١/ ١٩٩ - ٢٠٤.
 
ويسجد إن استطاع، فإن لم يستطع الركوع والسجود، أو السجود فقط، أو مأ إيماء برأسه، وجعل إيماءه للسجود أخفض من ركوعه، تفرقة بينهما، لحديث عمران بن حصين المتقدم.
ولا يرفع إلى وجهه شيئًا مثل الكرسي والوسادة، يسجد عليه، لنهيه ﷺ عن ذلك، روى جابر: أن النبي ﷺ عاد مريضًا، فرآه يصلي على وسادة، فأخذها، فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلي عليه، فرمى به، وقال: صل على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك (١).
ب - فإن لم يستطع القعود، استلقى على ظهره، وجعل رجليه إلى القبلة، وأومأ بالركوع والسجود.
وإن استلقى على جنبه، ووجهه إلى القبلة، وأومأ، جاز، والكيفية أو الهيئة الأولى هنا أولى؛ لأن إشارة المستلقي تقع إلى هواء الكعبة، وإشارة المضطجع على جنبه تقع إلى جانب قدميه، أي أن الاستلقاء عندهم أولى من الاضطجاع، وعلى الشق الأيمن أولى من الأيسر.
جـ - فإن لم يستطع الإيماء برأسه: أخر الصلاة، ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه، ولا بحاجبيه؛ لأنه لا عبرة به، عملًا بالحديثين السابقين عن عمران وجابر، ولأن إقامة البدل عن هيئة الصلاة الواجبة شرعًا بالرأي ممتنع، ولا قياس على الرأس؛ لأنه يتأدى به ركن الصلاة، دون العين والحاجبين والقلب.
ولا تسقط عنه الصلاة، ويجب عليه القضاء، ولو كثرت الصلوات إذا كان يفهم مضمون الخطاب، وهو الصحيح كما ذكر في الهداية. وذكر في البدائع
(١) أخرجه البزار والبيهقي، وأبو يعلى الموصلي، ورواه الطبراني عن ابن عمر (نصب الراية: ١٧٥/ ٢ ومابعدها).
 
وغيرها عدم لزوم القضاء إذا كثرت الصلوات، فزاد المتروك عن صلاة يوم وليلة، وإن كان المصلي يفهم الخطاب الشرعي؛ لعدم القدرة على الصلاة، ومنعًا من الوقوف في الحرج، وهو المختار وعليه الفتوى.
وإن قدر المريض على القيام، ولم يقدر على الركوع والسجود، لم يلزمه القيام، وجاز أن يصلي قاعدًا يومئ برأسه إيماء. والأفضل الإيماء قاعدًا؛ لأنه أشبه بالسجود، لكون رأسه أخفض إلى الأرض.
وإن صلى الصحيح بعض صلاته قائمًا، ثم حدث به مرض، أتمها قاعدًا، يركع ويسجد، أو يومئ إن لم يستطع الركوع والسجود، أو مستلقيًا إن لم يستطع القعود؛ لأن بناء الأدنى على الأعلى، وبناء الضعيف على القوي أولى من الإتيان بالكل ضعيفًا.
ومن صلى قاعدًا يركع ويسجد لمرض به، ثم صح في خلالها، بنى على صلاته قائمًا؛ لأن البناء كالاقتداء، والقائم يقتدي بالقاعد.
وإن كان المريض صلى بعض صلاته بإيماء، ثم قدر في خلالها على الركوع والسجود، استأنف (جدد) الصلاة؛ لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء لايجوز.

وقال المالكية (١):
أـ إذا لم يقدر المصلي على القيام استقلالًا لعجز أو لمشقة فادحة كدوخة في صلاة الفرض، جاز فيه الجلوس، ولا يجوز الاضطجاع إلا لعذر.
ويجوز أداء بعض الصلاة قائمًا وبعضه جالسًا باتفاق أهل المذهب.
(١) الشرح الصغير:٣٥٨/ ١ - ٣٦٣، الشرح الكبير:٢٥٧/ ١ - ٢٦٢.
 
ب - ومن قدر على القيام في الفرض، ولكن خاف به ضررًا كالضرر المبيح للتيمم (وهو خوف حدوث مرض من نزلة أو إغماء أو زيادته لمتصف به، أو تأخر برء)، أو خاف بالقيام خروج حدث كريح، استند ندبًا لحائط أو على قضيب أو لحبل معلَّق بسقف البيت يمسكه عند قيامه، أو على شخص غير جنب أوحائض. فإن استند على جنب أو حائض أعاد بوقت ضروري.
وإن صلى جالسًا مستقلًا عن غيره، مع القدرة على القيام مستندًا، صحت صلاته.
جـ - وإن تعذر القيام بحالتيه (مستقلًا أو مستندًا)، جلس وجوبًا إن قدر، وإن لم يقدر جلس مستندًا.
وتربع ندبًا للجلوس البديل عن القيام: وهو حالة تكبيرة الإحرام، والقراءة والركوع، ثم يغير جلسته في الجلوس بين السجدتين والتشهد.
د - وإن لم يقدر على الجلوس بحالتيه (مستقلًا أو مستندًا)، صلى على شق أيمن ندبًا، فأيسر إن عجز عن الأيمن، ثم مستلقيًا على ظهر ورجلاه للقبلة، فإن لم يقدر فعلى بطنه ورأسه للقبلة.
والشخص القادر على القيام فقط، دون الركوع والسجود والجلوس، أومأ للركوع والسجود قائمًا.
والقادر على القيام مع الجلوس، أومأ للركوع من القيام، وأومأ للسجود من الجلوس، فإن خالف فيهما، بطلت صلاته.
وإذا أومأ للسجود من قيام أوجلوس، حَسَر (رفع) عمامته عن جبهته وجوبًا، بحيث لو سجد لأمكن وضع جبهته بالأرض، أو بما اتصل بها من فرش ونحوه.
 
وإن كان بجبهته قروح، فسجد على أنفه، صحت صلاته؛ لأنه أتى بما في طاقته من الإيماء، علمًا بأن حقيقة السجود: وضع الجبهة على الأرض.
وإن قدر المصلي على جميع الأركان، في الركعة الأولى، إلا أنه إذا سجد بعد أن أتم الركوع وقراءة الفاتحة، لا يقدر على القيام، صلى الركعة الأولى بسجدتيها، وتمم صلاته جالسًا.
هـ - إن لم يقدر المصلي على شيء من الأركان إلا على نية، بأن ينوي الدخول في الصلاة ويستحضرها، أو قدر على النية مع إيماء بطرف، وجبت الصلاة بما قدر عليه، وسقط عنه غير المقدور عليه. وإن قدر مع ذلك على (السلام) سلم.
ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بما قدر عليه، مادام المكلف في عقله.

وقال الشافعية (١):
أـ إن لم يقدر على القيام في الفرض مع نصب عموده الفقري، وقف منحنيًا؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
ب - وإن عجز عن القيام أصلًا (بأن لحقته مشقة شديدة لا تحتمل في العادة كدوران رأس راكب السفينة)، قعد كيف شاء، لخبر عمران بن حصين، وركع محاذيًا جبهته قُدَّام ركبتيه، والأفضل أو الأكمل: أن يحاذي موضع سجوده. وكل من ركوعه وسجوده على وزان ركوع القائم في المحاذاة بحسب النظر، لأنه يسن للمصلي النظر إلى موضع سجوده.
وقعوده مفترشًا كهيئة الجالس للتشهد الأول أفضل من تربعه في الأظهر؛
(١) مغني المحتاج: ١٥٤/ ١ ومابعدها، الحضرمية: ص٣٨ ومابعدها، تحفة الطلاب: ص٦٩.
 
لأنها هيئة مشروعة في الصلاة، فكانت أولى من غيرها، ويكره الإقعاء بأن يجلس على وركيه ناصبًا ركبتيه، لما فيه من التشبه بالكلب والقرد.
جـ - فإن لم يقدر على القعود: بأن نالته المشقة السابقة، اضطجع وجوبًا على جنبه، مستقبلًا القبلة بوجهه ومقدم بدنه. والجنب الأيمن أفضل للاضطجاع عليه من الأيسر، والأيسر بلا عذر مكروه.
د - فإن لم يقدر على الاضطجاع، استلقى، ويرفع وجوبًا رأسه بشيء كوسادة ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه، إلا أن يكون في الكعبة وهي مسقوفة، فيجوز له الاستلقاء على ظهره، وعلى وجهه وإن لم تكن مسقفة؛ لأنه كيفما توجه، فهو متوجه لجزء منها. ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فيومئ برأسه للركوع والسجود، وإيماؤه للسجود أكثر، بقدر إمكانه.
هـ - فإن لم يقدر، أومأ بطرفه (أي بصره) إلى أفعال الصلاة.
وـ فإن لم يقدر، أجرى الأركان على قلبه، مع السنن، بأن يمثل نفسه قائمًا وراكعًا، وهكذا؛ لأنه الممكن.
فإن اعتقل لسانه، أجرى القراءة وغيرها على قلبه كذلك.
ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتًا، لوجود مناط التكليف.
ومتى قدر على مرتبة من المراتب السابقة في أثناء الصلاة، لزمه الإتيان بها.
ز - للقادر على القيام، أن يتنفل قاعدًا، أو مضطجعًا في الأصح، لا مستلقيًا، ويقعد للركوع والسجود ولا يومئ بهما إن اضطجع، لعدم وروده في السنة.
 
وأجر القاعد القادر نصف أجر القائم، والمضطجع نصف أجر القاعد لحديث ثابت في ذلك.
والخلاصة: إن المريض يصلي كيف أمكنه ولو موميًا ولا يعيد، والغريق والمحبوس يصليان موميين ويعيدان.

ومذهب الحنابلة (١) كالشافعية، فإنهم قالوا:
أـ يجب أن يصلي المريض قائمًا إجماعًا في فرض، ولو لم يقدر إلا بصفة ركوع، لحديث عمران بن حصين مرفوعًا: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه الجماعة، وزاد النسائي: «فإن لم تستطع فمستلقيًا» وحديث «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه مااستطعتم».
ويصلي قائمًا ولو بالاستناد إلى شيء آخر بأجرة مثله أو زائدة يسيرًا إن قدر عليها، فإن لم يقدر على الأجرة، صلى على حسب ما يستطيع، وهذا يوافق رأي المالكية.
ب - فإن لم يستطع المريض القيام أو شق عليه مشقة شديدة لضرر من زيادة مرض، أو تأخر برء ونحوه، فإنه يصلي قاعدًا لما تقدم من الخبر، متربعًا ندبًا كمتنفل أي كما قال المالكية، وكيف قعد جاز كالمتنفل، ويثني رجليه في ركوع وسجود، كمتنفل.
جـ - فإن لم يستطع القعود، أو شق عليه، فيصلي على جنب، لما تقدم في حديث عمران.
والصلاة على الجنب الأيمن أفضل من الصلاة على الجنب الأيسر، لحديث
(١) كشاف القناع:٥٨٧/ ١ - ٥٨٩، المغني:١٤٣/ ٢ - ١٤٩.
 
علي مرفوعًا: «يصلي المريض قائمًا، فإن لم يستطع، صلى قاعدًا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا، صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقيًا، رجلاه مما يلي القبلة» (١) فإن صلى على الجنب الأيسر، جاز، لظاهر خبر عمران، ولتحقق استقبال القبلة.
د - ويصح أن يصلي على ظهره، ورجلاه إلى القبلة، مع القدرة على الصلاة على جنبه، لأنه نوع الاستقبال (٢)، مع الكراهة. فإن تعذر عليه أن يصلي على جنبه تعين الظهر، لما تقدم في حديث علي.
ويلزمه الإيماء بركوعه وسجوده برأسه ما أمكنه، لحديث «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم»، ويكون سجوده أخفض من ركوعه وجوبًا، لحديث علي، وليتميز أحدهما عن الآخر.
هـ - فإن عجز عن الإيماء برأسه لركوعه وسجوده كأسير عاجز، أومأ بطرفه (أي عينه) ونوى بقلبه، لما روى زكريا الساجي عن علي بن أبي طالب أنه ﷺ قال: «فإن لم يستطع أومأ بطرفه».
وـ فإن عجز عن الإيماء بطرفه، فيصلي بقلبه، مستحضرًا القول إن عجز عنه بلفظه، ومستحضرًا الفعل بقلبه، لقوله تعالى: ﴿وماجعَل عليكم في الدين من حَرج﴾ [الحج:٧٨/ ٢٢]، وقوله: ﴿لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها﴾ [البقرة:٢٨٦/ ٢]، وقوله ﷺ: «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم».
(١) رواه الدارقطني.
(٢) ولهذا يوجه الميت كذلك عند الموت.
 
ولا تسقط الصلاة حينئذ عن المكلف، ما دام عقله ثابتًا، لقدرته على أن ينوي بقلبه، مع الإيماء بطرفه أو بدونه، ولعموم أدلة وجوب الصلاة (١)
والخلاصة: إن أقصى حالات التيسير للمريض هو الإيماء بالرأس عند الحنفية، والإيماء بالطرف (البصر أو العين) أو مجرد النية عند المالكية، وإجراء الأركان على القلب عند الشافعية والحنابلة.
واتفق الكل على أنه لا تسقط الصلاة عن المرء ما دام في عقله، ويجب قضاؤها عند الحنفية إن لم يستطع الإيماء برأسه.

الركن الثالث - القراءة لقادر عليها:
الركن عند الحنفية (٢) الذي هو فرض عملي في جميع ركعات النفل والوتر، وفي ركعتين من الفرض، للإمام والمنفرد: هو قراءة آية من القرآن، لقوله تعالى: ﴿فاقرؤوا ما تيسر من القرآن﴾ [المزمل:٢٠/ ٧٣]، ومطلق الأمر للوجوب، ولقوله ﷺ: «لا صلاة إلا بقراءة» (٣) وأقل الواجب عند أبي حنيفة: هو آية بمقدار ستة أحرف مثل ﴿ثم نظر﴾ [المدثر:٢١/ ٧٤]، ولو تقديرًا، مثل ﴿لم يلد﴾ [الإخلاص:٣/ ١١٢]، إذ أصله ﴿لم يولد﴾ [الإخلاص:٣/ ١١٢] وقال الصاحبان: فرض القراءة ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة، بمقدار ثلاث آيات قصيرة.
(١) وأما حديث الدَّارمي وغيره عن ابن عمر مرفوعًا: «يصلي المريض قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع فمستلقيًا، فإن لم يستطع فالله أولى بالعذر» فإسناده ضعيف.
(٢) الدر المختار ورد المحتار:٤١٥/ ١، فتح القدير:١٩٣/ ١،٢٠٥، ٣٢٢ ومابعدها، البدائع:١١٠/ ١، تبيين الحقائق:١٠٤/ ١ ومابعدها.
(٣) رواه مسلم عن أبي هريرة.
 
وأما تعيين القراءة في الركعتين الأوليين من الفرض فهو واجب، لقول علي ﵁: «القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين» وعن ابن مسعود وعائشة: «التخيير في الأخريين، إن شاء قرأ، وإن شاء سبح» وكذلك قراءة الفاتحة والسورة، أو ثلاث آيات، هو واجب أيضًا (١).
ليست الفاتحة عندهم فرضًا في الصلاة مطلقًا، لا في السرية ولا في الجهرية، لا على الإمام، ولا على المأموم، بل تكره قراءتها للمأموم.

البسملة عند الحنفية:
ليست البسملة آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور إلا من سورة النمل في أثنائها، لحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: «صليت مع رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان ﵃، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» (٢).
لكن يقرأ المنفرد بسم الله الرحمن الرحيم مع الفاتحة في كل ركعة سرًا، كما أنه يسر بالتأمين، فالتسمية والتأمين يسر بهما القارئ. أما الإمام فلا يقرأ البسملة ولا يسر بها لئلا يقع السر بين جهرين، قال ابن مسعود: «أربع يخفيهن الإمام: التعوذ، والتسمية، والتأمين، والتحميد» (٣)
وأدلتهم ما يأتي:
١ً - قوله تعالى: ﴿فاقرؤوا ما تيسر من القرآن﴾ [المزمل:٢٠/ ٧٣] هو أمر
(١) قد تفرض القراءة في جميع ركعات الفرض الرباعي: كما لو استخلف الإمام مسبوقًا بركعتين، وأشار أنه لم يقرأ في الركعتين الأوليين.
(٢) رواه مسلم وأحمد.
(٣) أي ربنا لك الحمد، رواه ابن أبي شيبة عن ابراهيم النخعي.
 
بمطلق قراءة، فتتحقق بأدنى ما يطلق عليه اسم القرآن، وبما أن قراءة القرآن ليست فرضًا خارج الصلاة بالإجماع بدليل سياق الآية، فتعين أن تكون فرضًا في الصلاة.
٢ً - لا تجوز الزيادة بخبر الواحد الظني على ما ثبتت فرضيته بالدليل القطعي في القرآن، ولكن خبر الواحد يوجب العمل به، لا فرضيته، فقالوا بوجوب قراءة الفاتحة فقط، أي أن الصلاة تصح بتركها مع الكراهة التحريمية.
٣ً - جاء في حديث المسيء صلاته المتقدم: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسرمعك من القرآن» (١) فالواجب هو مطلق القراءة، كما دل القرآن، ولو كانت قراءة الفاتحة فرضًا أو ركنًا لعلَّمه إياها، لجهله بالأحكام وحاجته إليها.
٤ً - أما حديث «لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» الذي رواه الأئمة الستة عن عبادة بن الصامت (٢)، فهو محمول على نفي الفضيلة، لا نفي الصحة كحديث «لاصلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (٣).

قراءة المقتدي:
أما المقتدي: فلا قراءة عليه عند الحنفية للأدلة الآتية (٤):
١ ً - الكتاب: قال تعالى: ﴿وإذا قرئ القرآن، فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم
(١) انظر نصب الراية:٣٦٦/ ١.
(٢) انظر نصب الراية:٣٦٥/ ١.
(٣) حديث ضعيف رواه الدارقطي عن جابر وعن أبي هريرة ﵄.
(٤) البدائع:١١٠/ ١ ومابعدها، مقارنة المذاهب في الفقه للأستاذين شلتوت والسايس: ص٢٥ومابعدها.
 
ترحمون﴾ [الأعراف:٢٠٤/ ٧]، قال الإمام أحمد: «أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة» وهي تأمر بالاستماع والإنصات، والاستماع خاص بالجهرية، والإنصات يعم السرية والجهرية، فيجب على المصلين أن يستمعوا فيما يجهر به، وأن ينصتوا فيما يسر به. وبما أن الأحاديث تطلب القراءة، فقد أصبحت دلالة الآية مفيدة للوجوب، الذي يقتضي مخالفته كراهة التحريم.
٢ ً - السنة: قال النبي ﷺ: «من صلى خلف إمام، فإن قراءة الإمام له قراءة» (١) وهو يشمل السرية والجهرية. وقال ﵇ أيضًا: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» (٢).
وفي حديث آخر: أن النبي ﷺ صلى الظهر، فجعل رجل يقرأ خلفه: سبح اسم ربك الأعلى، فلما انصرف، قال: «أيكم قرأ» أو أيكم القارئ، فقال الرجل: أنا، فقال: لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها» (٣) أي نازعنيها. وهذا يدل على إنكار القراءة في صلاة سرية، ففي الجهرية أولى.
٣ ً - القياس: لو وجبت القراءة على المأموم، لما سقطت عن المسبوق كسائر الأركان، فقاسوا قراءة المؤتم على قراءة المسبوق في حكم السقوط، فتكون غير مشروعة.
وقال الجمهور (٤) (غير الحنفية): ركن القراءة الواجبة في الصلاة: هو
(١) رواه أبو حنيفة عن جابر رضي ال عنه.
(٢) رواه مسلم عن أبي هريرة.
(٣) متفق عليه عن عمران بن حصين.
(٤) الشرح الصغير:٣٠٩/ ١، بداية المجتهد:١١٩/ ١ ومابعدها، الشرح الكبير مع الدسوقي:٢٣٦/ ١، مغني المحتاج:١٥٦/ ١ - ١٦٢، المغني:٣٧٦/ ١ - ٤٩١، ٥٦٢ - ٥٦٨، كشاف القناع:٤٥١/ ١، المهذب:٧٢/ ١، المجموع:٢٨٥/ ٣ ومابعدها، حاشية الباجوري:١٥٣/ ١ - ١٥٦.
 
الفاتحة، لقوله ﷺ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وقوله أيضًا: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ
فيها بفاتحة الكتاب» (١)، ولفعله ﷺ كما في صحيح مسلم، مع خبر البخاري: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وأما قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة فهو سنة، وأما المأموم فيقرأ في الصلاة السرية الفاتحة والسورة، ولا يقرأ شيًا عند المالكية والحنابلة في الجهرية، ويقرأ الفاتحة فقط في الجهرية عند الشافعية (٢). وفي ظاهر كلام أحمد أنه استحسن قراءة بعض الفاتحة في سكتة الإمام الأولى، ثم يقرأ بقية الفاتحة في السكتة الثانية. ويستمع بينهما لقراءة الإمام.
إلا أن الشافعية قالوا: تتعين قراءة الفاتحة حفظًا أو نظرًا في مصحف أو تلقينًا أو نحو ذلك، في كل ركعة للإمام والمأموم والمنفرد، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية، فرضًا أم نفلًا، للأدلة المذكورة هنا، ولحديث عبادة بن الصامت ﵁ قال: «صلى رسول الله ﷺ الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف، قال: إني أراكم تقرءون وراء إمامكم؟! قال: قلنا: يا رسول الله، إي وا لله، قال: لاتفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ فيها» (٣) فهذا نص صريح خاص بقراءة المأموم دال على فرضيتها، وظاهر النفي متجه إلى الإجزاء، أي لا تجزئ، وهو كالنفي للذات في المآل.
فلو تركها ناسيًا لا يجزيه في الجديد؛ لأن ما كان ركنًا من الصلاة، لم يسقط فرضه بالنسيان كالركوع والسجود. ولا تسقط عن المصلي إلا لمسبوق في ركعة،
(١) رواه ابنا خزيمة وحبان في صحيحيهما.
(٢) المجموع:٣٤٤/ ٣ - ٣٥٠.
(٣) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان (سبل السلام:١٧٠/ ١).
 
فإن الإمام يتحملها عنه. وكالمسبوق: زحمة أو نسيان أنه في الصلاة، أو بطء حركة، بأن لم يقم من السجود إلا والإمام راكع أو قريب من الركوع، أو شك بعد ركوع إمامه في قراءة الفاتحة فتخلف لها.

والبسملة عند الشافعية آية من الفاتحة، 
لما رواه البخاري في تاريخه أنه ﷺ عدّ الفاتحة سبع آيات، وعدّ: بسم الله الرحمن الرحيم آية منها. وروى الدارقطني عن أبي هريرة أنه ﷺ قال: «إذا قرأتم الحمد لله، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» (١)، ولأن الصحابة ﵃ أثبتوها فيما جمعوا من القرآن، فيدل على أنها آية منها.
وإن كان في صلاة جهرية جهر بها، كما يجهر في سائر الفاتحة، لما روى ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ جهر ببسم الله الرحمن الرحيم (٢) ولأنها تقرأ على أنها آية من القرآن، بدليل أنها تقرأ بعد التعوذ، فكان سنتها الجهر كسائر الفاتحة.
وتشديدات الفاتحة الأربع عشرة شدة هي منها، ثلاث منها في البسملة، فلو خفف منها تشديدة، بطلت قراءة تلك الكلمة، لتغييره النظم.

ويشترط في القراءة:  
عدم اللحن المخل بالمعنى كضم تاء: أنعمت، أو كسرها ممن يمكنه التعلم، وكقراءة شاذة: وهي غير السبعة إن غيرت المعنى كقراءة ﴿إنما
(١) وهناك أحاديث أخرى في موضوع البسملة، منها ما رواه البخاري ومسلم وابن خزيمة بإسناد صحيح عن أم سلمة. وهذا الحديث رواه الدارقطني وصوب وقفه (سبل السلام:١٧٣/ ١)
(٢) رويت أحاديث الجهر بالبسملة إما في البخاري وإما في مسلم وإما فيهما عن ستة من الصحابة: أبي هريرة وأم سلمة وابن عباس وأنس وعلي بن أبي طالب وسمرة بن جندب ﵃ (المجموع:٣٠٢/ ٣).
 
يخشى الله من عباده العلماء﴾ [فاطر:٢٨/ ٣٥] برفع الأول ونصب الثاني، أو زادت ولو حرفًا أو نقصت، فمتى فعل شيئًا من ذلك بطلت قراءته.
وقال المالكية (١): تصح القراءة بالقراءة الشاذة إن وافقت رسم المصحف العثماني، وإن لم تجز القراءة بها. وتصح القراءة بلحن في القراءة ولو بالفاتحة إن لم يتعمد، وأثم الإمام إن وجد غيره ممن يحسن القراءة. وتصح القراءة بغير تمييز بين ضاد وظاء، كما في لغة العرب الذين يقلبون الضاد ظاء. ولا تصح القراءة إن تعمد اللحن أو تبديل الحروف بغيرها، ولا يصح الاقتداء به.
ولو أبدل صادًا بظاء لم تصح في الأصح قراءته لتلك الكلمة، لتغييره النظم واختلاف المعنى.
ويجب ترتيبها (بأن قرأ آياتها على نظمها المعروف) وموالاتها (بأن يصل بعض كلماتها ببعض من غير فصل إلا بقدر التنفس) عملًا بالسنة: «صلوا كما رأيتموني أصلي» فإن تخللها ذكر كالتحميد عند العطاس، قطع الموالاة. أما إن كان الفاصل متعلقًا بالصلاة كالتأمين لقراءة الإمام، وفتحه (٢) عليه إذا توقف في القراءة، وسؤال الرحمة، والتعوذ من العذاب، وسجود التلاوة لقراءة إمامه، فلا يقطع الموالاة في الأصح. ويقطع الموالاة السكوت الطويل، لإشعاره بالإعراض مختارًا، وكذا اليسير إن قصد به قطع القراءة في الأصح، عملًا بالنية.
وإن جهل إنسان الفاتحة بكمالها بأن لم يمكنه معرفتها لعدم معلم أو مصحف أو نحو ذلك، أجزأه بدلها بما يعادل حروفها في الأصح، من سبع آيات متوالية أو
(١) الشرح الصغير:٤٣٧/ ١.
(٢) الفتح على الإمام: هو تلقين الآية عند التوقف فيها، ومحله إذا سكت، فلا يفتح عليه مادام يردد التلاوة.
 
متفرقة، فإن عجز عنها أتى بسبعة أنواع من ذكر أو دعاء يتعلق بالآخرة لا الدنيا بحيث لا ينقص عن حروفها، لما روى أبو داود وغيره «أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا، فعلمني ما يجزيني عنه، فقال: قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
فإن لم يحسن شيئًا قرآنًا ولا ذكرًا، وقف بقدر الفاتحة.
ويسن عقب الفاتحة بعد سكتة لطيفة: (آمين) (خفيفة الميم بالمد، ويجوز القصر) أي استجب، سواء أكان في صلاة أم لا، ولكن في الصلاة أشد استحبابًا، لما روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن وائل بن حُجْر، قال: «صليت خلف رسول الله ﷺ، فلما قال - ولا الضالين - قال: آمين، ومدّ بها صوته» وروى البخاري عن أبي هريرة: «إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».
ويؤمن مع تأمين إمامه، ويجهر به في الأظهر (١)، تبعًا لإمامه للاتباع، رواه ابن حبان وغيره وصححوه، مع خبر: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وتسن للإمام والمنفرد قراءة سورة بعد الفاتحة، إلا في الركعتين الثالثة والرابعة في الأظهر، اتباعًا للسنة، رواه الشيخان، فإن سُبق بهما المأموم من صلاة نفسه، قرأها فيهما حين تداركهما، على النص؛ لأن مافاته المسبوق مع الإمام بالنسبة إليه هو أول صلاته، وما أدركه معه هوآخر صلاته، لئلا تخلو صلاته من سورتين.
(١) يجهر المأموم خلف الإمام في خمسة مواضع: أربعة مواضع تأمين: يؤمن مع تأمين الإمام، وفي دعائه في قنوت الصبح، وفي قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان، وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس. وإذا فتح على الإمام بآية
 
ولا يقرأ المأموم سورة في الصلاة الجهرية، إلا إن كان بعيدًا لا يسمع الإمام، أو كان به صمم أو سمع صوتًا لا يفهمه. ويقرأ سورة في الصلاة السرية في الأصح، إذ لا معنى لسكوته.
وقال المالكية على المشهور: والحنابلة: يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة على الإمام والمنفرد، ولا يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية وإنما يستحب أن يقرأها في السرية؛ لأن الأمر القرآني بالاستماع والإنصات للقرآن خاص بالصلاة الجهرية، بدليل «أن النبي ﷺ انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ أحد منكم آنفًا؟ فقال رجل: نعم، يا رسول الله، قال: فإني أقول: ما لي أنازَع القرآن، فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﷺ فيما يجهر فيه من الصلوات بالقراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله ﷺ» (١) وهذا صريح في كراهة القراءة للمؤتم حالة الجهر.
أما دليلهم على استحباب القراءة في حالة السر: فهو قول النبي ﷺ: «إذا أسررت بقراءتي فاقرءوا» (٢).
وألحق الحنابلة بالصلاة السرية: كل ما لا يجهر فيه من حالات عدم السماع لبعد أو آفة أو سكوت الإمام، أي كما قال الشافعية؛ لأن المأموم في كل تلك الأحوال غير سامع للقراءة، فلا يحصل له مقصود الاستماع.
ويظهر لي أن هذا الرأي هو أولى الآراء، توفيقًا بين دلالة الآية على وجوب الاستماع للقرآن، ودلالة الحديث على القراءة في السر، وعدم وجود مسوغ للإنصات في السرية، لكني لا أطمئن إلى ترك الفاتحة مطلقًا، للحديث المتفق عليه
(١) رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن أبي هريرة، وقال: حديث حسن.
(٢) رواه الدارقطني والترمذي.
 
والمتواتر عن عبادة وغيره: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن» وهودليل واضح على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، ولأن الظاهر فيه بحسب الأصل هو نفي الصحة، لا نفي الكمال والفضيلة.

وليست البسملة عند المالكية آية من الفاتحة، 
فلا يقرؤها في الصلاة المكتوبة، جهرًا كانت أو سرًا، لا في الفاتحة، ولا في غيرها من السور. ويجب عند المالكية كغيرهم تعلم الفاتحة إن أمكن التعلم، فإن لم يمكن التعلم لخرس ونحوه، أو لم يجد معلمًا أو ضاق الوقت، ائتم وجوبًا بمن يحسنها إن وجده، وتبطل إن تركه، وإن لم يجده صلى منفردًا. ويندب الإسرار عندهم بالتأمين لكل مصل طلب منه أي كما قال الحنفية.

وقال الحنابلة: 
البسملة آية من الفاتحة يجب قراءتها في الصلاة، لكن يقرأ بها سرًا، ولا يجهر بها.
ويلزم المصلي عند الحنابلة كما قال الشافعية بقراءة الفاتحة مرتبة مشددة غير ملحون فيها لحنًا يغير المعنى، فإن ترك ترتيبها أو شدَّة منها، أو لحن لحنًا يحيل المعنى، مثل أن يكسر كاف (إياك) أو يضم تاء (أنعمت) أو يفتح ألف الوصل في (اهدنا) لم تصح قراءته، إلا أن يكون عاجزًا عن غير هذا، وإن قطع قراءة الفاتحة بذكر من دعاء أو قراءة أو سكوت يسير أو قال: آمين في أثناء قراءة الإمام، لا تنقطع قراءته. وقال المالكية على المعتمد: إن اللحن لا يبطل الصلاة ولو غيَّر المعنى.
وأقل ما يجزئ في الفاتحة: قراءة مسموعة يسمعها نفسه، أو يكون بحيث يسمعها لو كان سميعًا، كما هو المقرر في تكبيرة الإحرام، فإن ما دون ذلك ليس بقراءة. والمستحب: أن يأتي بها مرتلة معربة يقف فيها عند كل آية، ما لم يؤد ذلك
 
إلى التمطيط، لقوله تعالى: ﴿ورتل القرآن ترتيلًا﴾ [المزمل:٤/ ٧٣]. وقال المالكية: تجزئ القراءة وإن لم يسمع نفسه.
وقد أجمع الفقهاء على أنه لا تجزئ القراءة بغير العربية (١)، ولا الإبدال بلفظها لفظًا عربيًا آخر، سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن، لقوله تعالى: ﴿قرآنًا عربيًا﴾ [يوسف:٢/ ١٢]، وقوله سبحانه: ﴿بلسان عربي مبين﴾ [الشعراء:١٩٥/ ٢٦] ولأن القرآن معجزة بلفظه ومعناه، فإذا غيّر خرج عن نظمه، فلم يكن قرآنًا ولامثله، وإنما يكون تفسيرًا له، والتفسير غير المفسر، وليس مثل القرآن المعجز المتحدى بالإتيان بسورة مثله. لكن أجاز بعض الحنفية لعاجز عن القراءة بالعربية أن يقرأ الفاتحة بغير العربية (٢).
والتأمين عند الحنابلة وغيرهم سنة للإمام والمأموم للأحاديث السابقة، ويسن عند الحنابلة كالشافعية أن يجهر الإمام والمأموم بالتأمين فيما يجهر فيه بالقراءة، ويخفيه فيما يخفي فيه القراءة.

الركن الرابع - الركوع:
الركوع لغة: مطلق الانحناء، وشرعًا: الانحناء بالظهر والرأس معًا حتى تبلغ يداه (أوراحتاه) ركبتيه، وأقله: أن ينحني حتى تنال راحتاه ركبتيه، وأكمله: تسوية ظهره وعنقه (أي يمدّهما بانحناء خالص بحيث يصيران كالصفيحة الواحدة) اتباعًا كما رواه مسلم، ونصب ساقيه وفخذيه، ومساواة رأسه بعجزه، ويكفيه أخذ ركبتيه
(١) ثبت عن أبي حنيفة أنه رجع عن القول بجواز القراءة بغير العربية، ولم يعمل بقوله السابق أحد من مقلديه أو من غيرهم.
(٢) البدائع ١/ ١١٢.
 
بيديه وتفرقة أصابعه لجهة القبلة، ولا يرفع رأسه ويكفيه أخذ ركبتيه بيديه وتفرقة أصابعه لجهة القبلة، ولا يرفع رأسه ولا يخفضه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه بالنسبة للرجل، أما المرأة
فتضم بعضها إلى بعض، ومن تقوس ظهره يزيد في الانحناء قليلًا إن قدر عليه (١).
ودليل فرضية الركوع: قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا﴾ [الحج:٧٧/ ٢٢]، وحديث المسيء صلاته «... ثم اركع حتى تطمئن راكعًا» وللإجماع على فرضيته.
ودليل وضع اليدين على الركبتين: ما ذكره أبو حميد في صفة صلاة رسول الله ﷺ: «رأيته إذا ركع، أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره» يعني عصره حتى يعتدل.
ودليل مشروعية التفريق بين الأصابع: ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو: أنه ركع، فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرَّج بين أصابعه من وراء ركبتيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يصلي» (٢).
ودليل عدم رفع الرأس وعدم خفضه: قول عائشة ﵂: «كان رسول الله ﷺ إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك» (٣) وجاء في الحديث عن النبي ﷺ «أنه كان إذا ركع، لو كان قدح ماء على ظهره ما تحرك» وذلك لاستواء ظهره.
(١) فتح القدير:١/ ١٩٣،٢٠٨ وما بعدها، الدر المختار: ١/ ٤١٦، الشرح الصغير: ١/ ٣١٣، القوانين الفقهية: ص ٦٢، مغني المحتاج: / ١٦٣، وما بعدها، المغني: ١/ ٤٩٩ وما بعدها، كشاف القناع: ١/ ٤٥٢، المهذب: ١/ ٧٤.
(٢) رواه أحمد وأبو داوود والنسائي (نيل الأوطار: ٢/ ٢٤٣ وما بعدها).
(٣) متفق عليه.
 
ويشترط عند الشافعية والحنابلة ألا يقصد بركوعه غيره، فلو هوى للتلاوة، فجعله ركوعًا، لم يكفه.

الاطمئنان في الركوع: 
أقل الاطمئنان في الركوع: هو أن يمكث في هيئة حتى تستقر أعضاؤه راكعًا قدر تسبيحة في الركوع والسجود وفي الرفع منهما. وهو واجب عند الحنفية كما بينا لقوله تعالى: ﴿اركعوا واسجدوا﴾ [الحج:٢٢/ ٧٧] ولم يذكر الطمأنينة، وفرض عند الجمهور كما أشرنا، لحديث المسيء صلاته: «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا» وروى أبو قتادة أن النبي ﷺ قال: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قيل: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولاخشوعها» (١)، وقال أيضًا: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع والسجود» (٢). إلا أن أبا حنيفة ومحمد قالا: هذه الأحاديث أخبار آحاد، فلا يزاد بها فرض على النص القرآني ﴿اركعوا واسجدوا﴾ [الحج:٧٧/ ٢٢] لئلا يلزم منه نسخ المتواتر بالآحاد؛ لأن الزيادة على النص نسخ عندهم. وقال أبو يوسف الاطمئنان فريضة.

الركن الخامس - الرفع من الركوع والاعتدال:
قال أبو حنيفة ومحمد (٣): القيام من الركوع والاعتدال (الاستواء) والجلوس بين السجدتين واجب لا ركن؛ لأنه من مقتضيات الطمأنينة (تعديل الأركان)، ولقوله تعالى: ﴿اركعوا واسجدوا﴾ [الحج:٧٧/ ٢٢] ويحصل
(١) رواه أحمد والحاكم عن أبي قتادة الطيالسي، ورواه أيضًا أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري (نيل الأوطار:٢٦٨/ ٢).
(٢) رواه البخاري.
(٣) رد المختار:٤٣٣ - ٤٣٢/ ١، فتح القدير:١/ ٢١٠ ومابعدها.
 
الركوع بمجرد الانحناء ولم يأمر الله به وإنما أمر بالركوع والسجود والقيام، فلا يفرض غيره، ولمواظبة النبي ﷺ على الاعتدال قائمًا، وللأمر به في حديث المسيء صلاته: «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا» وهذا يدل على الوجوب لثبوته بخبر آحاد، فلو تركه أو ترك شيئًا منه ساهيًا، يلزمه سجود السهو، ولو تركه عمدًا كره أشد الكراهة، ويلزمه أن يعيد الصلاة في الوقت، وتكون الإعادة جبرًا للأولى؛ لأن الفرض لا يتكرر.
هذا ويلاحظ أن المشهور في مذهب الحنفية هو القول بسنية القيام من الركوع والجلسة بين السجدتين وتعديلهما، وروي وجوبها، وهو الموافق للأدلة. وهو الصواب وقول الكمال بن الهمام ومن بعده من متأخري الحنفية.
وقال أبو يوسف والأئمة الآخرون (١): الرفع من الركوع والاعتدال قائمًا مطمئنًا ركن أو فرض في الصلاة، وهو أن يعود إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع، سواء أكان قائمًا أم قاعدًا، أو يفعل مقدوره إن عجز. ولا يقصد غيره، فلو رفع فَزَعًا (خوفًا) من شيء كحية، لم يكف رفعه لذلك عن رفع الصلاة، كما صرح الشافعية.
وإذا سجد ولم يعتدل، لم تصح وبطلت صلاته، لتركه ركنًا من أركان الصلاة. لقوله ﷺ للمسيء صلاته: «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا» وداوم النبي على فعله، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ونفى النبي ﷺ كون ما فعل المسيء صلاة، فدل كل ذلك على أن الاعتدال والطمأنينة ركن، ويدخل فيه الرفع من الركوع لاستلزامه له.
(١) رد المختار: المكان السابق، اللباب: ١/ ٧٣، القوانين الفقهية: ص٦٢، الشرح الصغير: ١/ ٣١٣، ٣٢٨، مغني المحتاج: ١/ ١٦٥ـ١٧٠/ المهذب: ١/ ٧٥، المغني: ١/ ٥٠٨، ٥١٤، ٥١٦، كشاف القناع: ١/ ٤٥٢، بداية المجتهد: ١/ ١٣٠.
 
الركن السادس - السجود مرتين لكل ركعة:
السجود لغة: الخضوع والتذلل، أو التطامن والميل، وشرعًا: أقله وضع بعض الجبهة مكشوفة على الأرض أو غيرها من المُصلَّى، لخبر: «إذا سجدت، فمكِّن جبهتك ولا تنقر نقرًا» (١) وخبر خباب بن الأرت: «شكونا إلى رسول الله ﷺ حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا، أي لم يزل شكوانا» (٢). وأكمل السجود: وضع جميع اليدين والركبتين والقدمين والجبهة مع الأنف.
وهو فرض بالإجماع، لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا﴾ [الحج:٢٢/ ٧٧] ولمواظبة النبي ﷺ، وأمره به المسيء صلاته: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» ولإجماع الأمة.
والواجب عند المالكية (٣): سجود على أيسر جزء من الجبهة: وهي ما فوق الحاجبين وبين الجبينين. ويندب إلصاق جميع الجبهة بالأرض وتمكينها، ويندب السجود على أنفه أيضًا، ويعيد الصلاة لتركه في الوقت الضروري (وهو في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين لطلوع الفجر وفي الصبح لطلوع الشمس) مراعاة لمن يقول بوجوبه، فلو سجد على جبهته دون أنفه، لم يكفه، والمشهور في المذهب: أنه يجزئ السجود على الجبهة بخلاف الأنف، وإن عجز عن السجود على الجبهة أومأ للسجود، كمن كان بجبهته قروح تؤلمه إن سجد.
وذكر الشافعية والحنفية والحنابلة: أن من منعه الزحام عن السجود على
(١) رواه ابن حبان في صحيحه.
(٢) رواه البيهقي بسند صحيح، ورواه مسلم بغير جباهنا وأكفنا.
(٣) الشرح الصغير: ١/ ٣١٤، لقوانين الفقهية: ص٦٣، بداية المجتهد: ١/ ١٣٣ ومابعدها.
 
أرض أو نحوها مع الإمام، فله السجود على شيء من إنسان أو متاع أو بهيمة أو نحو ذلك، لقول عمر فيما رواه البيهقي بإسناد صحيح: «إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه».
وأما السجود على اليدين والركبتين وأطراف القدمين فهو سنة. ودليلهم حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب - أعضاء - وجههُ وكفّاه وركبتاه وقدماه» (١).
واتفق العلماء (٢) على أن السجود الكامل يكون على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين وأطراف القدمين، لحديث ابن عباس: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه، واليدين، والرُّكبتين، والقدمين» (٣) وفي رواية «أُمِرَ النبي ﷺ أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا (٤): الجبهة واليدين والركبتين، والرِّجلين» والمراد من عدم كف الشعر والثوب: عدم رفع الثوب والشعر عن مباشرة الأرض، فيشبه المتكبرين.
ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب. ونقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده.
(١) رواه الجماعة إلا البخاري (نيل الأوطار: ٢/ ٢٥٧).
(٢) فتح القدير: ١/ ٢١٢ـ٢١٤، مراقي الفلاح: ص٤٥، تبيين الحقائق: ١/ ١١٦ ومابعدها، مغني المحتاج: ١/ ١٦٨ـ١٧٠، المغني: ١/ ٥١٥، ٢/ ٣١٣، كشاف القناع: ١/ ٤٥٣، مغني المحتاج: ١/ ٢٩٨، المهذب: ١/ ٧٥، الدر المختار ورد المحتار: ١/ ٤١٦.
(٣) متفق عليه بين البخاري ومسلم (نيل الأوطار: ٢/ ٢٥٨).
(٤) جملة معترضة بين المجمل والمبين، والمراد بالشعر: شعر الرأس، وظاهره أن ترك الكف واجب حال الصلاة، لاخارجها، ورده القاضي عياض؛ بأنه خلاف ماعليه الجمهور، فإنهم كرهوا ذلك للمصلي، سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخلها، والحكمة من المنع حتى لايشبه المتكبرين.
 
واتفق علماء الحنفية وغيرهم على أنه إن قتصر في السجود على الجبهة دون الأنف، جاز. لكن قال أبو حنيفة: يخير المصلي بين الجبهة وبين الأنف، فإن اقتصر على أحدهما، جاز ويكره، مستدلًا بالرواية السابقة لحديث ابن عباس المذكور؛ لأنه ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف، ولأن المأمور به في كتاب الله تعالى هو السجود ﴿واسجدوا﴾ [الحج:٧٧/ ٢٢]، والسجود المأمور به: هو وضع بعض الوجه الذي هو محل السجود إجماعًا، وهو يتحقق بالأنف، فاشتراط وضع آخر معه زيادة بخبر الواحد، فوجب أن يجوز الاقتصار عليه كالجبهة، بخلاف الذقن والخد ونحوهما، لأنه ليس بمحل للسجود إجماعًا، لكن ضم الأنف للجبهة في السجود واجب عندهم كما بينت.
وقال الصاحبان: لا يجوز الاقتصار في السجود على الأنف إلا لعذر، للحديث السابق الذي عُدّ فيه الجبهة في الأعضاء السبعة، وهذا هو الراجح عند الحنفية.
ووضع اليدين والركبتين سنة عند الحنفية لتحقق السجود بدونهما. وأما وضع القدمين فهو فريضة في السجود، كما ذكر القدوري.
والخلاصة: إن فرض السجود عند الحنفية والمالكية يتحقق بوضع جزء من الجبهة ولو كان قليلًا، والواجب عند الحنفية وضع أكثرها، ويتحقق الفرض أيضًا بوضع أصبع واحدة من القدمين، فلو لم يضع شيئًا من القدمين لم يصح السجود. وأما تكرار السجود فهو أمر تعبدي، أي لم يعقل معناه على قول أكثر مشايخ الحنفية، تحقيقًا للابتلاء (الاختبار) ولو سجد على كَوْر عمامته إذا كان على جبهته أو فاضل (طرف) ثوبه، جاز عند الحنفية والمالكية والحنابلة، ويكره إلا من عذر لحديث أنس «كنا نصلي مع رسول الله ﷺ في شدة
الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن
 
يمكِّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» (١). ولا خلاف في عدم وجوب كشف الركبتين، لئلا يفضي إلى كشف العورة، كما لا يجب كشف القدمين واليدين، لكن يسن كشفها، خروجًا من الخلاف.
ودليل جواز ترك كشف اليدين: حديث عبد الله بن عبد الرحمن قال: «جاءنا النبي ﷺ، فصلى بنا في مسجد بني الأشهل، فرأيته واضعًا يديه في ثوبه إذا سجد» (٢).
وقال الشافعية: إن سجد على متصل به كطرف كمّه الطويل أو عمامته، جاز إن لم يتحرك بحركته؛ لأنه في حكم المنفصل عنه. فإن تحرك بحركته في قيام أو قعود أو غيرهما كمنديل على عاتقه، لم يجز. وإن كان متعمدًا عالمًا، بطلت صلاته، وإن كان ناسيًا أوجاهلًا، لم تبطل، وأعاد السجود. وتصح صلاته فيما إذا سجد على طرف ملبوسه ولم يتحرك بحركته. وضعف الشافعية الأحاديث الواردة في السجود على كور العمامة، أو أنها محمولة على حالة العذر (٣).
والشافعية والحنابلة متفقون على وجوب السجود على جميع الأعضاء السبعة المذكورة في الحديث السابق، ويستحب وضع الأنف مع الجبهة عند الشافعية، لكن يجب عند الحنابلة وضع جزء من الأنف. واشترط الشافعية أن يكون السجود على بطون الكفين وبطون أصابع القدمين، أي أنه يكفي وضع جزء من كل واحد من هذه الأعضاء السبعة كالجبهة، والعبرة في اليدين ببطن الكف، سواء الأصابع والراحة، وفي الرجلين ببطن الأصابع، فلا يجزئ الظهر منها ولا الحرف.
(١) رواه الجماعة (نيل الأوطار: ٢/ ٢٦٠).
(٢) رواه أحمد وابن ماجه، وقال: على ثوبه (نيل الأوطار: ٢/ ٢٦١).
(٣) نيل الأوطار: ٢/ ٢٦٠.
 
الاطمئنان في السجود: 
 يجب أن يطمئن المصلي في سجوده، والطمأنينة فرض عند الجمهور واجب عند الحنفية، لحديث المسيء صلاته: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» كما يجب عند الشافعية: أن ينال ثقل رأسه محل سجوده، للخبر السابق: «إذا سجدت فمكِّن جبهتك» ومعنى ذلك: أن يتحامل بحيث لو فرض تحته قطن أو حشيش لا نكبس، وظهر أثره في يده.
يتضح مما سبق أنه يشترط لصحة السجود: الطمأنينة، وكشف الجبهة عند الشافعية، ولا يشترط ذلك عند الجمهور، وكون السجود على الجبهة بالاتفاق، ويضم لها القدمان عند الحنفية، واليدان والركبتان والقدمان عند الشافعية والحنابلة، والأنف أيضًا عند الحنابلة، وأن يكون السجود على ما تستقر عليه جبهة المصلي، 
 
والتنكس: 
وهو استعلاء أسافل المصلي وتسفل أعاليه إلا لزحمة سجد فيها على ظهر مصل آخر، كما أوضح الشافعية والحنفية. وأن يقصده عند الشافعية، فلو سقط لوجهه، وجب العود إلى الاعتدال.
والسنة في هيئة السجود عند الجمهور: أن يضع المصلي على الأرض ركبتيه أولًا، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه. ويرفع أولًا وجهه ثم يديه ثم ركبتيه، لحديث وائل ابن حُجْر قال: «رأيت رسول الله ﷺ إذا سجد، وضع رُكبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه، قبل ركبتيه» (١) قال الخطابي: هذا أصح من حديث أبي هريرة الآتي في مذهب مالك. فإن عكس الترتيب المذكور أجزأ، مع مخالفة السنة إلا من عذر.
وقال المالكية: يندب تقديم اليدين على الركبتين عند السجود، وتأخير اليدين عن الركبتين عند القيام للقراءة، لحديث أبي هريرة: «إذا سجد أحدكم، فلا يبرك
(١) رواه الخمسة إلا أحمد (نيل الأوطار: ٢/ ٢٥٣).
 
كما يبرك البعير، وليضع يديه ثم ركبتيه» (١) قال ابن سيد الناس: أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح.
وتوسط النووي فقال: لا يظهر لي ترجيح أحد المذهبين.

مكان الصلاة:
قال المالكية: تكره الصلاة على غير الأرض وما تنبته. وقال الحنابلة: تصح الصلاة على الثلج بحائل أو لا، إذا وجد حجمه لاستقرار أعضاء السجود، كما تصح على حشيش وقطن منتفش إذا وجد حجمه، وإن لم يجد حجمه، لم تصح صلاته، لعدم استقرار الجبهة عليه (٢).

الركن السابع - الجلوس بين السجدتين:
الجلوس بين السجدتين مطمئنًا ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية (٣)، لحديث المسيء صلاته: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا» وفي الصحيحين «كان ﷺ إذا رفع رأسه، لم يسجد حتى يستوي جالسًا».
وأضاف الشافعية: ويجب ألا يقصد برفعه غيره، فلورفع فزعًا من شيء لم يكف، وألا يُطوِّله، ولا الاعتدال؛ لأنهما ركنان قصيران ليسا مقصودين لذاتهما، بل للفصل بين السجدتين.
(١) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وقال الخطابي كما ذكرنا: حديث وائل بن حجر أثبت من هذا. وقال الترمذي: غريب لانعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه (نيل الأوطار: ٢/ ٢٥٥).
(٢) القوانين الفقهية: ص٤٩، كشاف القناع: ١/ ٣٤٦.
(٣) رد المحتار: ١/ ٤٣٢ ومابعدها، الشرح الصغير: ١/ ٣١٤، القوانين الفقهية: ص٦٤، مغني المحتاج: ١/ ١٧١، المغني: ١/ ٥٢٢ ومابعدها، كشاف القناع: ١/ ٤٥٣.
 
والسنة في هيئة السجود: أن يجلس بين السجدتين مفترشًا: وهو أن يثني رجله اليسرى، ويبسطها ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدًا عليها، لتكون أطراف أصابعه إلى القبلة. وذلك للاتباع، كما سيأتي في صفة صلاة رسول الله ﷺ: «ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه، ثم هوى ساجدًا» وفي حديث عائشة أن النبي ﷺ «وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى» (١).
ويضع يديه على فخذيه قريبًا من ركبتيه، منشورتي الأصابع، اليمنى واليسرى سواء.

الركن الثامن - القعود الأخير مقدار التشهد:
هذا فرض عند الحنفية إلى قوله: (عبده ورسوله) على الصحيح، فلو فرغ المقتدي قبل فراغ الإمام، فتكلم أو أكل، فصلاته تامة، وهو مع التشهد الأخير والصلاة على النبي ﷺ بعده قاعدًا بمقدار: (اللهم صل على محمد) ركن عند الشافعية والحنابلة. والركن عند المالكية هو بمقدار الجلوس للسلام (٢). ويلاحظ أن التشهد الأول كالأخير واجب عند الحنفية، سنة عند الجمهور، كما أن الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير سنة عند الحنفية والمالكية.
استدل الحنفية: بحديث ابن مسعود ﵁ حين علّمه النبي التشهد،
(١) متفق عليه (نصب الراية: ١/ ٤١٨).
(٢) فتح القدير مع العناية: ١/ ١١٣، البدائع: ١/ ١١٣، تبيين الحقائق: ١/ ١٠٤، الشرح الكبير: ١/ ٢٤٠ ومابعدها، ٢٥١، القوانين الفقهية: ص٦٤، مغني المحتاج: ١/ ١٧٢، المغني: ١/ ٥٣٢ ومابعدها، كشاف القناع: ١/ ٤٥٣ ومابعدها، بداية المجتهد: ١/ ١٢٥.
 
فقال له النبي ﷺ: «إذا قلت هذا، أو فعلت هذا، فقد تمت صلاتك» (١) أي إذا قلت التشهد أو فعلت القعود، فقد تمت صلاتك. فإنه ﷺ علق تمام الصلاة بالفعل، وهو القعود، سواء قرأ التشهد أو لم يقرأ، لأنه علقه بأحد الأمرين من قرادة التشهد والقعود، والقراءة لم تشرع بدون القعود، حيث لم يفعلها رسول الله ﷺ إلا فيه، فكان القعود هو المعلق به تمام الصلاة في الحقيقة، لاستلزامه القراءة، وكل ما علق بشيء لا يوجد بدونه، وبما أن تمام الصلاة واجب، أو فرض، وتمام الصلاة لا يوجد بدون القعود، فالقعود واجب أي فرض؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وكون خبر ابن مسعود خبر آحاد أثبت الفرضية، فلأنه بيان لمجمل الكتاب، ويصلح البيان الظني لذلك، بخلاف قراءة الفاتحة مع نص القرآن؛ لأن نص القراءة ليس بمجمل، بل هو خاص، فتكون الزيادة عليه نسخًا بخبر الواحد، وهو لايجوز.
واستدل المالكية على أن التشهد والقعود ليسا بواجب: بأنهما يسقطان بالسهو، فأشبها السنن.
وأما الشافعية والحنابلة فاستدلوا: بأن النبي ﷺ فعل الجلوس، وداوم على فعله، وأمر به في حديث ابن عباس، وقال: «قولوا: التحيات لله» (٢) وسجد للسهو حين نسيه، وقد قال ﵇: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وقال ابن
(١) هذه رواية مدرجة عند الدارقظني، فهي في حكم الموقوف عليه. وهناك لفظ آخر عند أبي دواد وأحمد: «وإذا قلت هذا، وقضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» (نيل الأوطار: ٢/ ٢٩٨، نصيب الراية: ١/ ٤٢٤) وسيأتي في ركن السلام حديث آخر للحنفية.
(٢) رواه مسلم وأبو داود (نيل الأوطار: ٢/ ٢٨١).
 
مسعود: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، فقال النبي ﷺ: لاتقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله ..» (١) الخ.
والدلالة منه بوجهين:
أحدهما - التعبير بالفرض، والثاني: الأمر به وفرضه في جلوس آخر الصلاة. وأما الجلوس له، فلأنه محله، فيتبعه.
وأما فرضية الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير، فلإجماع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة، فتعين وجوبها فيها، ولحديث «قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... الخ» (٢) وفي رواية «كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: قولوا .. الخ» (٣) والمناسب لها من الصلاة، التشهد آخرها، فتجب فيه، أي بعده. وقد صلى النبي ﷺ على نفسه في الوتر، كما رواه أبو عوانة في مسنده، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ولم يخرجها شيء عن الوجوب. ومما يدل على الوجوب حديث علي عند الترمذي وقال: حسن صحيح: «البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي» وقد ذكر النبي في التشهد، ومن أقوى الأدلة على الوجوب ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي ﷺ بلفظ: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد ...» الحديث.
(١) رواه الدارقطني والبيهقي وقالا: إسناده صحيح.
(٢) متفق عليه.
(٣) رواها الدارقطني وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وقال: إنه على شرط مسلم.
 
والصلاة على النبي سنة عند الشافعية على الأظهر في التشهد الأول، لبنائه على التخفيف، ولا تسن على الآل في التشهد الأول، وتسن الصلاة على الآل (وهم بنو هاشم وبنو المطلب) في التشهد الأخير، وقيل: تجب فيه لقوله ﷺ في الحديث السابق: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» والأمر يقتضي الوجوب.

صفة الجلوس:
صفة الجلوس للتشهد الأخير عند الحنفية، كصفة الجلوس بين السجدتين، يكون مفترشًا كما وصفنا، سواء أكان آخر صلاته أم لم يكن، بدليل حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله ﷺ «أن النبي ﷺ جلس - يعني للتشهد - فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته» (١) وقال وائل بن حجر: «قدمت المدينة، لأنظرن إلى صلاة رسول الله ﷺ، فلما جلس - يعني للتشهد - افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ونصب رجله اليمنى» (٢)
وقال المالكية: يجلس متوركًا في التشهد الأول والأخير (٣)، لما روى ابن مسعود «أن النبي ﷺ كان يجلس في وسط الصلاة وآخرها متوركًا» (٤).
وقال الحنابلة والشافعية: يسن التورك في التشهد الأخير، وهو كالافتراش، ولكن يخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض، بدليل ما جاء في حديث
(١) رواه البخاري، وهو حديث صحيح حسن (نيل الأوطار: ٢/ ٢٧٥).
(٢) أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (نصب الراية: ١/ ٤١٩، نيل الأوطار: ٢/ ٢٧٣).
(٣) الشرح الصغير: ١/ ٣٢٩ ومابعدها.
(٤) المغني: ١/ ٥٣٣.
 
أبي حميد الساعدي: «حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته، أخرَّ رجله اليسرى، وقعد على شقه متوركًا، ثم سلَّم» (١) والتورك في الصلاة: القعود على الورك اليسرى، والوركان: فوق الفخذين كالكعبين فوق العضدين. لكن قال الحنابلة: لا يتورك في تشهد الصبح؛ لأنه ليس بتشهدٍ ثانٍ، والذي تورك فيه النبي بحديث أبي حميد هو التشهد الثاني للفرق بين التشهدين، وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيه، فلاحاجة إلى الفرق.
والخلاصة: إن التورك في التشهد الثاني سنة عند الجمهور، وليس بسنة عند الحنفية.

صيغة التشهد:
للتشهد صيغتان مأثورتان:
فقال الحنفية والحنابلة (٢):التشهد هو: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وهو التشهد الذي علَّمه النبي ﷺ لعبد الله بن مسعود ﵁ (٣).
وقال الإمام مالك: أفضل التشهد: تشهد عمر بن الخطاب ﵁ (التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات لله) وسائره كتشهد ابن مسعود السابق.
وقال الشافعية (٤): أقل التشهد: التحيات لله، سلام عليك أيها
(١) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه البخاري مختصرًا (نيل الأوطار: ٢/ ١٨٤).
(٢) فتح القدير: ١/ ٢٢١، القوانين الفقهية: ص٦٥، المغني: ١/ ٥٣٤ ومابعدها/ ٥٣٩.
(٣) رواه الجماعة (نيل الأوطار: ٢/ ٢٧٨، نصيب الراية: ١/ ٤١٩).
(٤) مغني المحتاج: ١/ ١٧٤
 
النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. وأكمل التشهد: ما ورد في حديث ابن عباس قال: «كان رسول الله ﷺ يُعلِّمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله» (١).

معاني ألفاظ التشهد:
معنى (التحيات لله): الثناء على الله تعالى بأنه مالك مستحق لجميع التحيات الصادرة من الخلق. وهي جمع تحية يقصد بها البقاء والعظمة والملك، وقيل: السلام. والمباركات: الناميات. والصلوات: الصلوات الخمس وغيرها من العبادات الفعلية. والطيبات: الأعمال الصالحة. والسلام: أي اسم الله عليك، أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي. وعلينا: أي الحاضرين من إمام ومأموم وملائكة وغيرهم. والعباد: جمع عبد. والصالحين: جمع صالح، وهو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق عباده. ومعنى رسول الله، هو الذي يبلغ خبر من أرسله، وسمي تشهدًا لما فيه من النطق بالشهادتين.

الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير:
 أقل الصلاة على النبي، الذي هو الركن عند الشافعية والحنابلة في التشهد الأخير: «اللهم صل على محمد» لظاهر الآية: ﴿يا أيها الذين آمنوا، صلوا عليه
(١) رواه مسلم وأبو داود بهذا اللفظ، ورواه الترمذي وصححه كذلك، لكنه ذكر السلام منكَّرًا، ورواه ابن ماجه كمسلم لكنه قال: (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» (نيل الأوطار: ٢/ ٢٨١).
 
وسلموا تسليمًا﴾ (١) [الأحزاب:٥٦/ ٣٣] وهي تدل على الوجوب؛ لأن الأمر للوجوب، علمًا بأنه قد حصل السلام على النبي في التشهد بقوله: «السلام عليك» وأما الصلاة على الآل فهي سنة.
وأكمل الصلاة على النبي أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وقد ثبتت هذه الصيغة عند البخاري ومسلم، بل عند الجماعة عن كعب بن عُجْرة، قال: «إن النبي ﷺ خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علّمنا الله، كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» (٢).
وقال الحنفية والمالكية: الصلاة على النبي سنة كما سيأتي.

التشهد بالعربية:
يشترط موالاة التشهد، وكونه بالعربية، هو وسائر أذكار الصلاة المأثورة، فلا يجوز من قدر على العربية التشهد والصلاة على النبي ﷺ بغيرها، كما ذكرنا في التكبير والقراءة، فإن عجز مؤقتًا حتى يتعلم تشهد بلغته، كالأخرس. ومن قدر على تعلم التشهد والصلاة على النبي ﷺ، لزمه ذلك، لأنه من فروض الأعيان،
(١) الصلاة من الله على عباده: الرحمة والرضوان، ومن الملائكة: الدعاء والاستغفار، ومن الأمة: دعاء وتعظيم للنبي لإظهار مكانته عند ربه، ولنيل الثواب الجزيل، كما ورد ﵇: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا».
(٢) رويت هذه الصيغة وغيرها عن أبي مسعود، وعلي وأبي هريرة وطلحة بن عبيد الله (انظر نيل الأوطار: ٢/ ٢٨٤ ومابعدها، تفسير ابن كثير: ٢/ ٥٠٧).
 
فلزمه كالقراءة. فإن صلى قبل تعلمه مع إمكانه، لم تصح صلاته. وإن خاف فوات الوقت، أو عجز عن تعلمه، أتى بما يمكنه، وأجزأه للضرورة. وإن لم يحسن بالكلية، سقط كله (١).

الركن التاسع - السلام:
السلام الأول للخروج من الصلاة حال القعود فرض عند المالكية، والشافعية، والتسليمتان: فرض عند الحنابلة (٢)، إلا في صلاة جنازة ونافلة وسجدة تلاوة وشكر، فيخرج منها بتسليمة واحدة، وتنقضي الصلاة عند المالكية والشافعية بالسلام الأول، وعند الحنابلة بالسلام الثاني.
ودليلهم قوله ﷺ: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» (٣)، ولأن النبي ﷺ «كان يسلم من صلاته» (٤) ويديم ذلك، ولا يخل به، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (٥) وقال ابن المنذر: «أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائز».
(١) المغني: ١/ ٥٤٥، مغني المحتاج: ١/ ١٧٧.
(٢) القوانين الفقهية ص٦٦، مغني المحتاج: ١/ ١٧٧، حاشية الباجوري: ١/ ١٦٣، كشاف القناع: ١/ ٤٥٤، المغني: ١/ ٥٥١ـ٥٥٨، الشرح الصغير: ١/ ٣١٥ـ٣٢١، الشرح الكبير: ١/ ٢٤٠ ومابعدها.
(٣) رواه مسلم، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وهو حديث متواتر رواه سبعة من الصحابة (النظم المتناثر: ص٧٥).
(٤) ثبت ذلك عن النبي ص بأحاديث متعددة منها حديث ابن مسعود: «أن النبي ص كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده» رواه الخمسة وصححه الترمذي، ومنها حديث عامر بن سعد عن أبيه، قال: «كنت أرى النبي ص يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى يُرى بياض خده» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه (نيل الأوطار: ١/ ٢٩٢).
(٥) رواه البخاري.
 
وقال الحنفية (١): السلام ليس بفرض، بل واجب والواجب تسليمتان، فلو قعد قدر التشهد، ثم خرج من الصلاة بسلام أو كلام أو فعل أو حدث، أجزأه ذلك، فالفرض: إنما هو الخروج من الصلاة بصنع المصلي، عملًا بحديث ابن مسعود السابق: «إذا قضيت هذا تمت صلاتك» ولأن السلام لم يذكر في حديث المسيء صلاته. وتنقضي الصلاة عندهم بالسلام الأول قبل قوله (عليكم).
ومما يدل على عدم فرضية السلام، وأن الفرض في آخر الصلاة هو القعود بمقدار التشهد: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن رسول الله ﷺ قال: إذا قضى الإمام الصلاة، وقعد، فأحدث قبل أن يتكلم، فقد تمت صلاته، ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة» (٢) ويؤيده حديث ابن عباس: «أن رسول الله ﷺ كان إذا فرغ من التشهد، أقبل علينا بوجهه، وقال: من أحدث حدثًا بعد ما يفرغ من التشهد، فقد تمت صلاته» (٣).

صيغة السلام:
أقل ما يجزئ في واجب السلام مرتين عند الحنفية: السلام، دون قوله: «عليكم»،وأكمله وهو السنة أن يقول: (السلام عليكم ورحمة الله) مرتين.
وينوي الإمام بالتسليمتين السلام على من يمينه ويساره من الملائكة ومسلمي الإنس والجن. ويسن عدم الإطالة في لفظه والإسراع فيه لحديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود: (حذف التسليم سنة) قال ابن المبارك: معناه ألا يمد مدًا.
(١) فتح القدير:٢٢٥/ ١، تبيين الحقائق:١٠٤/ ١، الدر المختار:٤١٨/ ١، البدائع:١١٣/ ١.
(٢) رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي، وقال عنه الترمذي: هذا حديث ليس له إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده (نصب الراية:٦٣/ ٢).
(٣) رواه أبو نعيم الأصفهاني، وهو غريب، ورواه غيره مرسلًا، ورواه ابن أبي شيبة والبيهقي عن علي (نصب الراية:٦٣/ ٢).
 
وأقل ما يجزئ عند الشافعية والحنابلة: (السلام عليكم) مرة عند الشافعية، ومرتين عند الحنابلة وأكمله: (السلام عليكم ورحمة الله) مرتين يمينًا وشمالًا، ملتفتًا في الأولى حتى يرى خده الأيمن، وفي الثانية: الأيسر، ناويًا السلام على من عن يمينه ويساره من ملائكة وإنس وجن. وينوي الإمام أيضًا زيادة على ما سبق السلام على المقتدين. وهم ينوون الرد عليه وعلى من سلم عليهم من المأمومين، فينويه المقتدون عن يمين الإمام عند الشافعية بالتسليمة الثانية، ومن عن يساره بالتسليمة الأولى. وأما من خلفه وأمامه فينوي الرد بأي التسليمتين شاء.
ودليل ذلك حديث سمرة بن جندب قال: «أمرنا رسول الله ﷺ أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض» (١).
وقال الحنفية: ينوي المأموم الرد على الإمام في التسليمة الأولى إن كان في جهة اليمين، وفي التسليمة الثانية إن كان في جهة اليسار، وإن حاذاه نواه في التسليمتين. وتسن نية المنفرد الملائكة فقط.
ولا يندب زيادة (وبركاته) على المعتمد عند الشافعية والحنابلة، ودليلهم يتفق مع دليل الحنفية: وهو حديث ابن مسعود وغيره المتقدم: «أن النبي ﷺ كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يُرى بياض خده».
فإن نكس السلام فقال: (عليكم السلام) لم يجزه عند الشافعية والحنابلة. والأصح عندهم ألا يجزيه: (سلام عليكم).

نية الخروج من الصلاة بالسلام:
والأصح عند الشافعية: أنه لا تجب نية الخروج من الصلاة، قياسًا على
(١) رواه أحمد وأبو داود.
 
سائرالعبادات، ولأن النية السابقة منسحبة على جميع الصلاة، ولكن تسن خروجًا من الخلاف، وهذا هو مشهور مذهب المالكية وهو المعتمد، ويسن بالتسليمتين معًا نية الخروج من الصلاة عند الحنابلة، لتمييز الصلاة عن غيرها، كما تتميز بتكبيرة الإحرام، فإن لم ينو، بطلت صلاته، والصحيح المنصوص عن أحمد: أنه لاتبطل صلاته. ولا يستحب نصًا الرد على الإمام والمأموم، فإن نوى مع الخروج من الصلاة السلام على الحفظة من الملائكة، والإمام والمأموم، جاز، لحديث سمرة عند أبي داود: «أمرنا النبي ﷺ أن نرد على الإمام، وأن يسلم بعضنا على بعض» وقال بعض الحنابلة: ينوي بالأولى الخروج من الصلاة، وينوي بالثانية السلام على الملائكة الحفظة والمأمومين إن كان إمامًا، والرد على الإمام والملائكة إن كان مأمومًا.
وأقل ما يجزئ عند المالكية: (السلام عليكم) بالعربية، ويجزئ (سلام عليكم) وأكمله:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) لما رواه أبو داود عن وائل بن حُجْر، ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه وابن ماجه من حديث ابن مسعود (١) ويسلّم المأموم عند المالكية ثلاثًا: واحدة يخرج بها من الصلاة، وأخرى يردها على إمامه، والثالثة: إن كان على يساره أحد، رد عليه، في مشهور المذهب.
ويسن رد المقتدي السلام على إمامه، وعلى من يساره إن وجد وشاركه في ركعة فأكثر، لا أقل.
ودليل جواز الاقتصار على تسليمة واحدة عند المالكية والشافعية حديث عائشة قالت: «كان رسول الله ﷺ يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه» وحديث
(١) انظر نيل الأوطار:٢٩٤/ ٢.
 
سلمة بن الأكوع قال: «رأيت رسول الله ﷺ صلى فسلم تسليمة واحدة» (١) ولأنه بالتسليمة الأولى قد خرج بها من الصلاة، فلم يشرع مابعدها كالثانية. ودليل إيجاب التسليمتين عند الحنفية والحنابلة: حديث ابن مسعود السابق، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم أن النبي ﷺ قال: «إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخده، ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله».

الركن العاشر: الطمأنينة في أفعال معينة:
الطمأنينة ركن أو شرط ركن عند الجمهور (٢) في الركوع والاعتدال منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، وواجب عند الحنفية للأمر بها في حديث المسيء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في الصلاة كلها» (٣) ولحديث حذيفة: «أنه رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال له: ما صليت، ولو مِتَّ على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا ﷺ» (٤) وظاهره أنها ركن واحد في الكل، لأنه يعم القيام (٥).
والطمأنينة: سكون بعد حركة، أو سكون بين حركتين بحيث ينفصل مثلًا رفعه عن هويه. وأقلها: أن تستقر الأعضاء في الركوع مثلًا بحيث ينفصل الرفع عن الهوي كما قال الشافعية. وذلك بقدر الذكر الواجب لذاكره، وأما الناسي
(١) رواهما ابن ماجه.
(٢) ركن عند المالكية والحنابلة وبعض الشافعية، وشرط في الركن عند بعض الشافعية.
(٣) متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الأوطار:٢٦٤/ ٢).
(٤) رواه البخاري.
(٥) الدر المختار ورد المحتار:٤٣٢/ ١، الشرح الصغير:٣١٦/ ١، حاشية الباجوري: ١٥٧/ ١،١٥٩، كشاف القناع:٤٥٣/ ١.
 
فبقدر أدنى سكون، كما قال بعض الحنابلة، والصحيح من المذهب: أنها السكون وإن قل.
أو هي تسكين الجوارح قدر تسبيحة في الركوع والسجود، والرفع منهما، كما قال الحنفية.
أو هي استقرار الأعضاء زمنًا ما في جميع أركان الصلاة، كما قال المالكية.

الركن الحادي عشر: ترتيب الأركان على النحو المشروع في صفة الصلاة في السنة:
الترتيب ركن عند الجمهور، واجب في القراءة وفيما يتكرر في كل ركعة، وفرض فيما لايتكرر في كل الصلاة أو في كل ركعة كترتيب القيام على الركوع، وترتيب الركوع على السجود، عند الحنفية (١)،بأن يقدم النية على تكبيرة الإحرام، والتكبيرة على الفاتحة، والفاتحة على الركوع، والركوع على الرفع منه، والاعتدال على السجود، والسجود على السلام، والتشهد الأخير على الصلاة على النبي ﷺ عند الشافعية والحنابلة.
والدليل أنه ﷺ كان يصلي الصلاة مرتبة، وعلمها للمسيء صلاته مرتبة بـ «ثم»، ولأنها عبادة تبطل عند الجمهور غير الحنفية بالحدث، فكان الترتيب فيها ركنًا كغيره.
ويترتب على كون الترتيب ركنًا عند الجمهور، وكما ذكر الشافعية: أن من تركه عمدًا كأن سجد قبل ركوعه، بطلت صلاته إجماعًا لتلاعبه. وإن سها
(١) الدر المختار:٤٢٩/ ١ - ٤٣١، الشرح الصغير:٣١٧/ ١، حاشية الباجوري:١٦٤/ ١، مغني المحتاج: ١٧٨/ ١ ومابعدها، كشاف القناع:٤٥٥/ ١، الشرح الكبير للدردير:٢٤١/ ١.
 
عن الترتيب فما فعله بعد المتروك لغو؛ لوقوعه في غير محله. فإن تذكر المتروك قبل بلوغ مثله من ركعة أخرى، فعله بعد تذكره فورًا، فإن تأخر بطلت صلاته.
وإن لم يتذكر حتى بلغ مثله، تمت به ركعته المتروك آخرها كسجدته الثانية منها، وتدارك الباقي من صلاته؛ لأنه ألغى ما بينهما.
ولو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة، سجدها وأعاد تشهده.
وإن كانت السجدة من ركعة أخرى غير الأخيرة، أو شك هل ترك السجدة من الأخيرة أو من غيرها، لزمه ركعة؛ لأن الناقصة قد تكمَّلت، بسجدة من الركعة التي بعدها، وألغي باقيها.
وإن قام للركعة الثانية، وتذكر أنه ترك سجدة من الركعة الأولى: فإن كان قد جلس بعد سجدته التي قام عنها ولو للاستراحة، سجد فورًا من قيامه. وإن لم يكن قد جلس، جلس مطمئنًا، ثم سجد.
وإن علم في آخر صلاة رباعية ترك سجدتين أو ثلاث، جهل موضعها، وجب عليه ركعتان، أخذًا بأسوأ الافتراضات، فتنجبر الركعة الأولى بسجدة من الثانية، ويلغو باقيها، وتنجبر الركعة الثالثة بسجدة من الرابعة ويلغو باقيها.
وإن علم ترك أربع سجدات، فعليه سجدة وركعتان. فإن كانت خمسًا أو ستًا فعليه ثلاث ركعات. وإن كانت سبعًا فعليه سجدة وثلاث ركعات.
وإن تذكر ترك ركن بعد السلام: فإن كانت النية، أو تكبيرة الإحرام، بطلت صلاته، وإن كان غيرهما، بنى على صلاته السابقة إن قرب الفاصل، ولم يأت بمناف للصلاة كمس نجاسة. ولا يضر استدبار القبلة إن قصر زمنه عرفًا، ولا الكلام إن قل عرفًا أيضًا، لأنهما يحتملان في الصلاة.
 
وإن طال الفصل عرفًا استأنف، أي ابتدأ صلاة جديدة.
ويترتب على كون الترتيب واجبًا فيما يتكرر في كل ركعة عند الحنفية (١): أنه لو سجد ثم ركع، لم يعتبر سجوده، ويلزمه سجود آخر، فإن سجده صحت صلاته لتحقيق الترتيب المطلوب، ويلزمه سجود السهو، لتقديمه السجود المفروض.
ولو قعد القعود الأخير، وتذكر سجدة صلبية (٢)، فإنه يسجدها، ويعيد القعود، ويسجد للسهو، لاشتراط الترتيب بين القعود وما قبله، ويبطل القعود بالعود إلى السجدة الصلبية أو التلاوية.
ولو ترك ركوعًا، فإنه يقضيه مع ما بعده من السجود.
ولو تذكر قيامًا أو قراءة، صلى ركعة.
ولو نسي سجدة من الركعة الأولى، قضاها ولو بعد السلام قبل الكلام، ثم يتشهد، ثم يسجد للسهو، ثم يتشهد، أي يقرأ التشهد إلى (عبده ورسوله) فقط.
(١) رد المحتار:٤٢٩/ ١ - ٤٣٢، البدائع:١٦٣/ ١.
(٢) السجدة الصلبية: هي السجدة التي هي من صلب الصلاة أي جزء منها، ومثلها في الحكم السجدة التلاوية؛ لأنها لما وقعت في الصلاة أعطيت حكم الصلبية.
 
 

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية