الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

المبحث الرابع ـ مكروهات الصلاة عند المذاهب الأربعة

المبحث الرابع ـ مكروهات الصلاة

اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات

  1. المبحث الرابع ـ مكروهات الصلاة
  2. المطلب الأول ـ ما يكره في الصلاة
  3. يكره تحريما عند الحنفية ترك واجب من واجبات الصلاة عمدا
  4. ترك سنة من سنن الصلاة عمدا
  5. يكره عند المالكية تعوذ وبسملة قبل الفاتحة والسورة بفرض،
  6. يكره عند المالكية دعاء قبل القراءة للفاتحة أو السورة، وأثناءها
  7. تطويل القراءة في الركعة الثانية على الأولى،
  8. تكرار سورة واحدة في ركعة واحدة، أو في ركعتين في الفرض،
  9. القراءة بعكس ترتيب القرآن
  10. يكره عند المالكية وغيرهم القراءة في ركوع أو سجود أو إتمام قراءة السورة في الركوع،
  11. العبث القليل
  12. تشبيك الأصابع، والتخصر
  13. تغميض العينين
  14. الالتفات في الصلاة بلا حاجة مهمة،
  15. رفع البصر إلى السماء
  16. القيام على رجل واحدة، أو رفع رجل عن الأرض واعتماد على الأخرى
  17. الصلاة حاقنا بالبول، أو حاقنا بالغائط، أو حازقا بالريح
  18. البصاق أو التنخم في غير المسجد أمامه، أو عن يمينه،
  19. قال المالكية: يكره التفكر في أمر دنيوي، أو حمل شيء بكم أو فم إذا لم يمنعه مخارج الحروف،
  20. التثاؤب؛
  21. قال الشافعية والحنابلة: يكره الاستناد إلى جدار أو نحوه
  22. يكره تنزيها عند الحنفية رد السلام بالإشارة باليد أو الرأس؛
  23. قراءة سورة أو آية في الركعتين الأخيرتين من الفريضة.
  24. الجهر بالقراءة في موضع الإسرار، والإسرار في موضع الجهر،
  25. يكره عند الشافعية: الزيادة في جلسة الاستراحة على قدر الجلوس بين السجدتين، وإطالة التشهد الأول،
  26. عقص الشعر وتشمير الكم.
  27. الإقعاء
  28. افتراش ذراعيه
  29. قال المالكية كما بينا: يكره التصفيق في صلاة ولو من امرأة
  30. الصلاة في ثياب البذلة (التي يلبسها في بيته)، والمهنة (أي الخدمة)
  31. الصلاة في السراويل أو الإزار مع القدرة على لبس القميص، والصلاة حاسرا
  32. الصلاة بثياب فيها تصاوير الحيوان أو الإنسان
  33. قال الحنفية: يكره تنزيها قيام بجملته في المحراب،
  34. الصلاة إلى نار موقدة،
  35. السدل في الصلاة
  36. اشتمال الصماء
  37. قال الحنابلة: تكره الصلاة في الثوب الأحمر،
  38. قال المالكية: يكره لباس محدد للعورة لرقته أو لضيقه وإحاطته،
  39. الاضطباع
  40. الإتيان بأذكار الانتقال كالتكبير والتسميع والتحميد في غير محلها،
  41. ترك اتخاذ السترة أمام المصلي،
  42. المطلب الثاني ـ الأماكن التي تكره الصلاة فيها
  43. الصلاة في قارعة الطريق،
  44. الصلاة في داخل الحمام
  45. الصلاة في معاطن الإبل، أي مباركها
  46. الصلاة في المزبلة والمجزرة
  47. الكنيسة (معبد النصارى) والبيعة (معبد اليهود) ونحوهما من أماكن الكفر
  48. الصلاة في المقبرة
  49. الصلاة فوق الكعبة
  50. المطلب الثالث ـ ما لايكره فعله في الصلاة
  51. المطلب الرابع ـ ما تحرم الصلاة فيه (الصلاة في الموضع المغصوب)
  52. الأرض المسخوط عليها
  53. ملحق بأنواع اللباس في الصلاة
  54. ١ - ما يجزئ من اللباس
  55. ٢ - ثياب الفضيلة
  56. ٣ - الثياب المكروهة
  57. ٤ - ما يحرم لبسه والصلاة فيه
  58. ٥ - ما تخالف فيه المرأة الرجل
  59. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

 

 المبحث الرابع - مكروهات الصلاة:
فيه أربعة مطالب: ما يكره في الصلاة، والأماكن التي تكره الصلاة فيها، مالايكره فعله، ما تحرم الصلاة فيه.
والكراهة عند الجمهور تنزيهية، وعند الحنفية إما تنزيهية: وهي خلاف الأولى. وإما تحريمية وهي المقصودة عند الإطلاق، وهي ما نهي عنه شرعًا بدليل ظني الثبوت وليس فيه صارف عن التحريم. فإن وجد الصارف له عن التحريم فهي تنزيهية.
وترك السنة المؤكدة يكره تحريمًا، وترك السنة غير المؤكدة كترك صلاة الضحى تنزيهًا، وترك المستحب أو المندوب خلاف الأولى. ويستحب عند الفقهاء لمن أتى بالصلاة على وجه مكروه إعادتها ما دام الوقت باقيًا.

المطلب الأول - ما يكره في الصلاة:
يكره في الصلاة ما يأتي (١):

١ ً - يكره تحريمًا عند الحنفية ترك واجب من واجبات الصلاة عمدًا: 

كترك قراءة الفاتحة أو قراءة سورة بعدها، أو جهر في صلاة سرية أو إسرار في جهرية، وتصح الصلاة بترك الواجب، لكن يجب إعادتها، ويكره عندهم رفع اليدين عند إرادة الركوع والرفع منه، ولا تفسد الصلاة على الصحيح.
(١) فتح القدير:١/ ٢٩٠ - ٢٩٧، البدائع:١/ ٢١٥ - ٢٢٠، الدر المختار:١/ ٥٩٧ - ٦١٣، الشرح الصغير:١/ ٣٣٧ - ٣٤٢، القوانين الفقهية: ص ٥١ ومابعدها، مغني المحتاج:١/ ٢٠١ - ٢٠٣، المهذب:١/ ٨٨ ومابعدها، كشاف القناع:١/ ٤٣١ - ٤٤٦، المغني:١/ ٤٩٥.
 
٢ ً - ترك سنة من سنن الصلاة عمدًا: 

كترك دعاء الثناء أو التوجه، أو التسبيح في الركوع أو السجود، أو التكبير والتسميع والتحميد، أو رفع الرأس أو خفضه في الركوع، أو تحويل أصابع قدميه أو يديه عن القبلة، وهذا متفق عليه.


٣ ً - يكره عند المالكية تعوذ وبسملة قبل الفاتحة والسورة بفرض، 

 ويجوزان بنفل، وتركهما أولى ما لم يراع الخلاف، فالإتيان بالبسملة أولى خروجًا من الخلاف.


٤ ً - يكره عند المالكية دعاء قبل القراءة للفاتحة أو السورة، وأثناءها أي القراءة.

 
٥ ً - تطويل القراءة في الركعة الثانية على الأولى، وقدره الحنفية بأكثر من ثلاث آيات.

 
٦ ً - تكرار سورة واحدة في ركعة واحدة، أو في ركعتين في الفرض، 

 أما النفل فلا يكره عند الحنفية. ولا يكره عند الحنابلة تكرار سورة في ركعتين، لما روى زيد بن ثابت أنَّ النَّبي ﷺ «قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما» (١)، وإنما يكره تكرار الفاتحة في ركعة؛ لأنها عندهم ركن. قال الحنفية (٢): يكره أن يتخذ سورة بعينها للصلاة لا يقرأ فيها غيرها.


٧ ً - القراءة بعكس ترتيب القرآن وهذا متفق عليه: 

كأن يقرأ في الركعة الأولى «اللهب» أو «الكافرون»؛ لأن المنقول عن النبي ﷺ
(١) رواه سعيد بن منصور في سننه.
(٢) الكتاب مع اللباب:١/ ٧٩.
 
القراءة في الركعة الثانية بسورة بعد السورة التي قرأها في الركعة الأولى في النظم القرآني، وروي عن ابن مسعود «أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسًا؟ قال: ذلك منكوس القلب» وفسره أبو عبيدة: بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها أخرى، هي قبلها في النظم.

٨ ً - يكره عند المالكية وغيرهم القراءة في ركوع أو سجود أو إتمام قراءة السورة في الركوع، 

وإتمام الفاتحة في الركوع مبطل للصلاة حيث كانت الفاتحة فرضًا، وقال الحنفية بالكراهة التحريمية؛ لأن الفاتحة ليست فرضًا عندهم. واستثنى المالكية: أن يقصد في السجود الدعاء فلا يكره، كأن يقول: ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾ [آل عمران:٨/ ٣] ويكره الدعاء في الركوع، وقبل التشهد الأول أو الأخير، ويكره الجهر بالتشهد مطلقًا، كما يكره للمأموم بعد سلام الإمام الجهر بالدعاء المطلوب في الصلاة في سجود أو غيره.
ويكره أيضًا تخصيص دعاء دائمًا لا يدعو بغيره، فالأفضل أن يدعو تارة بالمغفرة، وتارة بسعة الرزق، وتارة بصلاح النفس أو الولد أو الزوجة، وتارة بغير ذلك من أمور الدنيا والآخرة، والله ذو الفضل العظيم. ومن أعظم الدعوات الجامعة أن يقول: «اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك ورسولك ﷺ، وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك ورسولك ﷺ».

٩ ً - العبث القليل 

بيده (١) بالثياب أو البدن أو اللحية، أو وضع يده على فمه أو تغطية أنفه (وهو التلثم) بدون حاجة، والكراهة هنا تحريمية عند الحنفية، بدليل ما رواه القضاعي عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا: «إن الله كره لكم ثلاثًا: العبث في الصلاة، والرفث في الصيام، والضحك في المقابر» فإن كان لحاجة كإزالة العرق
(١) العبث لغة: عمل ما لا فائدة فيه، والمراد هنا: فعل ما ليس من أفعال الصلاة؛ لأنه ينافي الصلاة.
 
عن وجهه أو التراب المؤذي، أو للتثاؤب، فلا يكره. ومن العبث: «فرقعة الأصابع، وتقليب الحصى، وتسويتها في مكان سجوده» للنهي الصحيح عنه، روى الجماعة عن مُعَيقب عن النبي ﷺ قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: «إن كنت فاعلًا فواحدة» (١) وروى أبو داود عن أبي ذر مرفوعًا: «إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمس الحصى، فإن الرحمة تواجهه».
ودليل كراهة العبث هو النهي عنه في السنة، ولمنافاته لهيئة الخشوع، وقد مدح الله الخاشعين في صلاتهم بقوله سبحانه: ﴿قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ [المؤمنون:١ - ٢/ ٢٣] ونهى النبي ﷺ عن فرقعة الأصابع فقال: «لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة» (٢) وروى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة» ويكره للمرأة أن تنتقب في الصلاة، لأن وجه المرأة ليس بعورة، فهي كالرجل.
وصرح الحنابلة (٣) بأنه لا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة، كأن يحمل الرجل ولده في الصلاة الفريضة، لحديث أبي قتادة وحديث عائشة: «أنها استفتحت الباب، فمشى النبي ﷺ، وهو في الصلاة حتى فتح لها» (٤)، وأمر النبي ﷺ بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب (٥). فإذ رأى العقرب، خطا إليها، وأخذ النعل وقتلها، ورد النعل إلى موضعها، وهذا جائز بلا كراهة اتفاقًا.
(١) أجاز الحنفية تسوية الحصى مرة لسجوده، وتركها أولى؛ لأنه إذا تردد الحكم بين سنة وبدعة، كان ترك السنة راجمًا على فعل البدعة، مع أنه يمكن التسوية قبل الشروع في الصلاة (رد المحتار ٦٠٠/ ١).
(٢) رواه ابن ماجه عن علي بلفظ «لا تفقِّع أصابعك في الصلاة» (نيل الأوطار:٣٣٠/ ٢).
(٣) المغني:٢٤٧/ ٢ - ٢٤٩.
(٤) حديث عائشة رواه أحمد وأصحاب السنن ما عدا ابن ماجه، وحسنه الترمذي.
(٥) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وصححه ابن حبان والحاكم.
 
وقال أحمد: وإذا رأى صبيين يقتتلان يتخوف أن يلقي أحدهما صاحبه في البئر، فإنه يذهب إليهما، فيخلصهما، ويعود إلى صلاته.
ويرجع في تحديد الفعل الكثير واليسير إلى العرف، وكل ما شابه فعل النبي ﷺ فهو يسير.
وإن فعل أفعالًا متفرقة، لو جمعت كانت كثيرة، وكل واحد منها بمفرده يسير، فهي في حد اليسير، بدليل حمل النبي ﷺ لأمامة، في كل ركعة، ووضعها. لكن قال الحنفية: يكره حمل الطفل، وما ورد منسوخ بحديث «إن في الصلاة لشغلًا» وما كثر وزاد على فعل النبي ﷺ أبطل الصلاة، سواء أكان لحاجة أم غيرها، إلا أن يكون لضرورة، فيكون بحكم الخائف، فلا تبطل صلاته به. وقال المالكية: يكره قتل برغوث ونحوه في الصلاة، والحنفية كالحنابلة فإنهم قالوا: يكره كل عمل قليل بلا عذر كتعرض لقملة قبل الأذى. ويكره أيضًا رفع أو جمع الثوب باليدين في الركوع والسجود، وجمع الشعر وضمه، لحديث: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوبًا ولا شعرًا» (١) والكراهة تحريمية. كما يكره مسح غبار الجبهة قبل الانصراف من الصلاة، لما رواه ابن ماجه: «إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته» عند الحنفية.

١٠ ً - تشبيك الأصابع، والتخصر: 

 وهو أن يضع يده على خاصرته. وهذا متفق عليه، لحديث أبي سعيد أن النبي ﷺ قال: «إذا كان أحدكم في المسجد، فلا يُشَبِّكنَّ، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة، ما دام
في
(١) رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
 
المسجد حتى يخرج منه» (١) وروى ابن ماجه عن ابن عمر أنه قال - في الذي يصلي وقد شبك أصابعه - «تلك هي صلاة المغضوب عليهم».
وحديث أبي هريرة: «أن النبي ﷺ نهى عن التخصر في الصلاة» (٢) وفرقعة الأصابع وتشبيكها ولو منتظرًا الصلاة أو ماشيًا إليها، والتخصر مكروه تحريمًا عند الحنفية، وكذلك يكره تنزيهًا التخصر خارج الصلاة، ولا يكره التشبيك والفرقعة خارج الصلاة.

١١ ً - تغميض العينين 

 إلا لخوف وقوع بصره على ما يشغله عن صلاته، روى ابن عدي في حديث بسند ضعيف: «إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه» لأن السنة النظر إلى موضع سجوده وفي التغميض تركها، والكراهة تنزيهية بالاتفاق.


١٢ ً - الالتفات في الصلاة بلا حاجة مهمة، 

ولو بجميع جسده ما دامت رجلاه للقبلة، وإلا بطلت الصلاة. هذا ما قاله المالكية.
وقال الحنفية: يكره تنزيهًا الالتفات بالعنق فقط أي بالوجه كله أو ببعضه، وببصره، ولا تفسد الصلاة بتحويل صدره على المعتمد. أما لو نظر بمؤخر عينه يمنة أو يسرة من غير أن يلوي عنقه، لا يكره، قال ابن عباس: «كان النبي ﷺ يلحظ في الصلاة يمينًا وشمالًا، ولا يلوي عنقه خلف ظهره» (٣).
(١) رواه أحمد، وروى أحمد وأبو داود والترمذي حديثًا آخر في معناه عن كعب بن عُجرة، وروى ابن ماجه أيضًا حديثًا آخر عن كعب بن عجرة أن النبي ﷺ فرج بين أصابع رجل كان قد شبك أصابعه في الصلاة (نيل الأوطار:٣٢٨/ ٢ - ٣٣٠).
(٢) رواه الجماعة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:٣٣٠/ ٢).
(٣) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه (نصب الراية:٨٩/ ١).
 
وقال الشافعية: يكره الالتفات بالوجه إلا لحاجة، فلا يكره؛ لأنه ﷺ «كان في سفر، فأرسل فارسًا إلى شِعْب، من أجل الحرس، فجعل يصلي، وهويلتفت إلى الشعب» (١). فإن حول صدره عن القبلة بطلت صلاته، لانحرافه عن القبلة.
وقال الحنابلة: يكره في الصلاة التفات يسير بلا حاجة. وتبطل الصلاة إن استدار المصلي بجملته أو استدبر القبلة، لتركه الاستقبال بلاعذر، ما لم يكن في الكعبة، أو في شدة خوف، أو إذا تغير اجتهاده، فلا تبطل إن التفت بجملته، أو استدبر القبلة، لسقوط الاستقبال حينئذ، وفي حالة تغير الاجتهاد؛ لأنها صارت قبلته. ولا تبطل الصلاة لو التفت بصدره ووجهه؛ لأنه لم يستدر بجملته.
ودليل كراهة الالتفات لغير حاجة باتفاق المذاهب: حديث عائشة، قالت: «سألت رسول الله ﷺ عن التَّلفُّت في الصلاة، فقال: اختلاس يختلِسه الشيطان من العبد» (٢) وحديث أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: «لايزال الله مقبلًا على العبد في صلاته، مالم يلْتفِت، فإذا صرَف وجهه، انصرف عنه» (٣) وحديث أنس قال: «قال لي رسول الله ﷺ: إيَّاك والالتفاتَ في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هَلَكَة فإن كان لابُدّ، ففي التطوع، لا في الفريضة» (٤) وفي العبارة الأخيرة الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع، والمنع من ذلك في صلاة الفرض، ومما يجيز الالتفات لحاجة حديث علي بن شيبان: «قال: قدمنا على النبي ﷺ وصلينا معه، فلمح بمؤخر عينه رجلًا لايقيم صلبه في الركوع والسجود، فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (٥).
(١) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(٢) رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود (نيل الأوطار:٣٢٧/ ٢، نصب الراية:٨٩/ ٢).
(٣) رواه أحمد والنسائي وأبو داود (المصدران السابقان).
(٤) رواه الترمذي وصححه (المصدران السابقان).
(٥) رواه ابن حبان في صحيحه.
 
من العبد» (١) وحديث أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يزال الله مقبلًا على العبد في صلاته، ما لم يلْتفِت، فإذا صرَف وجهه، انصرف عنه» (٢) وحديث أنس قال: «قال لي رسول الله ﷺ: إيَّاك والالتفاتَ في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هَلَكَة، فإن كان لابُدّ، ففي التطوع، لا في الفريضة» (٣) وفي العبارة الأخيرة الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع، والمنع من ذلك في صلاة الفرض، ومما يجيز الالتفات لحاجة حديث علي بن شيبان: «قال: قدمنا على النبي ﷺ وصلينا معه، فلمح بمؤخر عينه رجلًا لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (٤).

١٣ ً - رفع البصر إلى السماء: 

وهذا متفق عليه، لحديث أنس، قال: قال النبي ﷺ: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: لينتهين عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم» (٥).
لكن قال المالكية: إن كان ذلك للموعظة والاعتبار بآيات السماء، فلا يكره. واستثنى الحنابلة حالة التجشي، فلا يكره.

١٤ ً - القيام على رجل واحدة، أو رفع رجل عن الأرض واعتماد على الأخرى 

 إلا لضرورة أو عذر، كوجع الأخرى فلا كراهة حينئذ؛ لأنه تكلف ينافي الخشوع.
وأضاف المالكية: وكره إقران القدمين دائمًا في جميع صلاته. وذكر الشافعية
(١) رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود (نيل الأوطار:٣٢٧/ ٢، نصب الراية:٨٩/ ٢).
(٢) رواه أحمد والنسائي وأبو داود (المصدران السابقان).
(٣) رواه الترمذي وصححه (المصدران السابقان).
(٤) رواه ابن حبان في صحيحه.
(٥) رواه البخاري.
 
أنه يكره تقديم رجل على الأخرى، ولصق رجل بالأخرى، حيث لا عذر؛ لأنه تكلف ينافي الخشوع. ولا بأس بالاستراحة على إحدى الرجلين لطول القيام أو نحوه.

١٥ ً - الصلاة حاقنًا بالبول، أو حاقنًا بالغائط، أو حازقًا بالريح

 إن وسع الوقت، أو مع توقان الطعام الحاضر أو القريب الحضور، أي اشتهائه بحيث يختل الخشوع لو قدم الصلاة عليه، وهذا متفق عليه، لقوله ﷺ: «لا صلاة - أي كاملة - بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» (١) أي البول والغائط. والشرب كالأكل. والصلاة مع مدافعة الأخبثين مكروهة تحريمًا عند الحنفية.
وتكره الصلاة حال النعاس الشديد وهو الذي لا يأمن ضبط قراءته والسهو فيها، لحديث الشيخين عن عائشةرضي الله عنها قالت: «إذا نَعَس أحدكم وهو يصلي، فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه».

١٦ ً - البصاق أو التنخم في غير المسجد أمامه، أو عن يمينه، 

لحديث الشيخين وأحمد: «إذا كان أحدكم في الصلاة، فإنما يناجي ربه، فلا يبزُقن بين يديه، ولا عن يمينه» زاد البخاري: «فإن عن يمينه ملكًا، ولكن يساره أو تحت قدمه».
ويكره البصاق أيضًا وهو في غير الصلاة عن يمينه وأمامه إذا كان متوجهًا إلى القبلة، إكرامًا لها.

١٧ ً - قال المالكية: يكره التفكر في أمر دنيوي،

 أو حمل شيء بكم أو فم إذا لم يمنعه مخارج الحروف، وإلا منع وبطلت، أو حمد لعاطس أو بشارة بشر بها
(١) رواه مسلم عن عائشة.
 
وهو يصلي، بأن يقول: الحمد لله، أو حكّ جسد لغير ضرورة إن قل، والكثير مبطل، وكره تبسم قليل اختيارًا، والكثير مبطل ولو اضطرارًا.
وقال الحنابلة: يكره حمله ما يشغله عن إكمال صلاته؛ لأنه يذهب بالخشوع. ويكره إخراج لسانه وفتح فمه، ووضعه فيه شيئًا؛ لأن ذلك يخرجه عن هيئة الصلاة. ولا يكره وضع شيء في يده وكمه، إلا إذا شغله عن كمال الصلاة، فيكره.

١٨ ً - التثاؤب؛
 

لأنه من التكاسل والامتلاء ومن الشيطان، والأنبياء محفوظون منه، فإن غلبه فليكظم ما استطاع لقوله ﷺ: «التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع» (١) وفي رواية لمسلم: «فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخله»، ويكره التمطي أيضًا، لأنه يخرجه عن هيئة الخشوع ويؤذن بالكسل، ولحديث الدارقطني عن أبي هريرة: «نهى أن يتمطى الرجل في الصلاة، أو عند النساء إلا عند امرأته أو جواريه» والكراهة هنا تنزيهية عند الحنفية إلا إن تعمده فيكره تحريمًا؛ لأنه عبث، والعبث مكروه تحريمًا في الصلاة، وتنزيهًا خارجها.


١٩ ً - قال الشافعية والحنابلة: يكره الاستناد إلى جدار أو نحوه 

مما يسقط بسقوطه إذا ظل قائمًا، إلا لحاجة إليه، فلا يكره معها؛ لأن النبي ﷺ «لما أسنَّ وأخذه اللحم، اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه» (٢).
فإن سقط المصلي لو أزيل، أو كان يمكنه رفع قدميه عن الأرض، بطلت صلاته؛ لأنه بمنزلة غير القائم.
(١) رواه الشيخان، وفي رواية للترمذي: «فليضع يده على فمه» وألحق الكم باليد.
(٢) رواه أبو داود (نيل الأوطار:٣٣١/ ٢).
 
ويكره الاعتماد على يده في جلوسه، لقول ابن عمر: «نهى النبي ﷺ أن يجلس الرجل في الصلاة وهومعتمد على يده» (١).

٢٠ ً - يكره تنزيهًا عند الحنفية رد السلام بالإشارة باليد أو الرأس؛ 

لأنه سلام، حتى لو صافح بنية التسليم، تفسد صلاته، ويكره كل إشارة بالعين أو اليد ونحوها.
ويستحب عند الشافعية حتى للناطق رد السلام بالإشارة، ولمن عطس أن يحمد الله، ويسمع نفسه. ولو قال المأموم: استعنا بالله بعد قراءة الإمام ﴿إياك نستعين﴾ [الفاتحة:٥/ ١]، بطلت صلاته إن لم يقصد تلاوة أو دعاء.
ولا يكره عند المالكية رد السلام بالإشارة على مسلّم عليه، وإنما هو مطلوب.
ولكن يكره عندهم إشارة للرد برأس أو يد على مشمِّت شمته وهو يصلي قائلًا له: (يرحمك الله) إذا ارتكب المكروه، وحمد لعطاسه.
وتجوز عندهم الإشارة الخفيفة لأي حاجة، كما يجوز عند الحنفية تكليم المصلي وإجابته برأسه، كما لو طلب منه، فأومأ بنعم أو لا.
أما الرد بالكلام فمبطل للصلاة اتفاقًا.

٢١ ً - قراءة سورة أو آية في الركعتين الأخيرتين من الفريضة. 

واستثنى الشافعية المسبوق الذي سبق بالأولى والثانية، فله أن يقرأ السورة في الأخيرتين من صلاة الإمام؛ لأنهم أولياه، إذ إن ما أدركه المأموم هو أول صلاته. فإن لم يمكنه قراءتها فيهما قرأ في أخيرتيه، لئلا تخلو صلاته من السورة. ولو سبق بالأولى فقط قرأها في الثانية والثالثة.
(١) رواه أحمد وأبو داود (نيل الأوطار:٣٣١/ ٢).
 
٢٢ ً - الجهر بالقراءة في موضع الإسرار، والإسرار في موضع الجهر، 

والجهر عند الشافعية خلف الإمام. ويحرم الجهر إن شوش على غيره. ويسجد حينئذ على المشهور عند المالكية سجود السهو (١).


٢٣ ً - يكره عند الشافعية: الزيادة في جلسة الاستراحة 

 على قدر الجلوس بين السجدتين، وإطالة التشهد الأول، ولو بالصلاة على الآل فيه، والدعاء فيه، لبنائه على التخفيف، وترك الدعاء في التشهد الأخير خروجًا من خلاف من أوجبه، ومقارنة الإمام في أفعال الصلاة وأقوالها، للخلاف في صحة صلاته حينئذ.
وهذه الكراهة الأخيرة تفوت فضيلة الجماعة، كالانفراد عن الصف، وترك فرجة فيه مع سهولة سدها، وهو مكروه أيضًا عند الحنفية، وتبطل الصلاة عند الحنابلة إن صلى وحده، والعلو على الإمام، والانخفاض عنه لغير حاجة ولو في المسجد، والاقتداء بالمخالف ونحو الفاسق والمبتدع، واقتداء المفترض بالمتنفل، ومصلي الظهر بمصلي العصر مثلًا وعكسه (٢)، ويكره تنزيهًا أيضًا عند الحنفية ارتفاع الإمام بما يقع به الامتياز عن المأمومين وعكسه، لما أخرجه الحاكم: «أنه ﷺ نهى أن يقوم الإمام فوق، ويبقى الناس خلفه» وعللوه بأنه تشبه بأهل الكتاب، فإنهم يتخذون لإمامهم دكانًا أي مرتفعًا.

٢٤ ً - عقص الشعر (٣) وتشمير الكم.
 

وقيد المالكية كراهة تشمير الكم: بأن يكون لأجل الصلاة.
ودليل كراهة العقص ما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي رافع قال: «نهى النبي ﷺ أن يصلي الرجل ورأسه معقوص» والكراهة تنزيهية بالاتفاق. وقيد الحنفية
(١) القوانين الفقهية: ص٧٨.
(٢) شرح الحضرمية: ص٥٦.
(٣) أي ليه وإدخال أطرافه في أصوله، وبعبارة أخرى: ضفره.
 
كراهة التشمير تحريمًا برفع الكم إلى المرفقين، فلا يكره مادونهما، وكذا مادونهما كما في كتاب البحر.

٢٥ ً - الإقعاء: 

وهو أن يضع أليتيه على الأرض، وينصب ركبتيه. وقال المالكية: إنه محرم بهذا المعنى، ولا يبطل الصلاة على الأظهر، والمكروه عندهم له صور أربع، منها: أن يجعل بطون أصابعه للأرض، ناصبًا قدميه، جاعلًا أليتيه على عقبيه، أو يجلس على القدمين، وظهورهما للأرض.
ودليل كراهة الإقعاء: حديث أبي هريرة: «نهاني رسول الله ﷺ عن ثلاث: عن نقرة كنقر الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب» (١)، وعن علي، قال: قال النبي ﷺ: «لا تُقْع بين السجدتين» وعن أنس قال: قال ﷺ: «إذا رفعت رأسك من السجود، فلا تُقْع كما يُقْعي الكلب» (٢).
ويكره تنزيهًا التربع بغير عذر في الصلاة، لترك الجلسة المسنونة، ولا يكره خارجها؛ لأنه ﵊ كان جل جلوسه مع أصحابه التربع، وكذا عمر ﵁.

٢٦ ً - افتراش ذراعيه: 

أي مدُّهما كما يفعل السبع. لحديث عائشة في صحيح مسلم: «وكان ينهى عن عُقْبة الشيطان (٣)، وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع» والكراهة هنا تحريمية عند الحنفية.


٢٧ ً - قال المالكية كما بينا: يكره التصفيق في صلاة 

 ولو من امرأة لحاجة تتعلق بالصلاة كسهو إمامه، أو سلامه بعد ركعتين في رباعية، أو بغير الصلاة
(١) أخرجه أحمد في مسنده (نصب الراية:٩٢/ ٢).
(٢) رواهما ابن ماجه.
(٣) وهو الإقعاء وهو أن يضع أليتيه على عَقِبيه بين السجدتين، وهذا معناه عند العرب. أما عند أهل الحديث: فهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه.
 
كمنع مارّ بين يدي المصلي، أو تنبيه على أمر ما. والشأن المطلوب شرعًا لمن نابه شيء - وهو يصلي - التسبيح بأن يقول: سبحان الله.
وتكره في المذهب المالكي الصلاة على غير الأرض وما تنبته، كما ذكرنا سابقًا.

٢٨ ً - الصلاة في ثياب البِذْلة (التي يلبسها في بيته)، والمهنة (أي الخدمة) 

إن كان له غيرها، وإلا فلا يكره. لقوله تعالى: ﴿خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ [الأعراف:٣١/ ٧] أي صلاة. والكراهة هنا تنزيهية اتفاقًا.


٢٩ ً - الصلاة في السراويل أو الإزار 

مع القدرة على لبس القميص، والصلاة حاسرًا (كاشفًا) رأسه، للتكاسل، ولا بأس به بقصد التذلل، لأن مبنى الصلاة على الخشوع. والكراهة هنا تنزيهية اتفاقًا، والمستحب شرعًا أن يصلي الرجل في ثوبين: قميص ورداء، أو قميص وسراويل، لما روى أبو داود وغيره عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزين له، فمن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى، ولا يشتمل اشتمال اليهود» كما يستحب تغطية الرأس.


٣٠ ً - الصلاة بثياب فيها تصاوير الحيوان أو الإنسان (١)، 

 لقول أبي طلحة: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» (٢) ولأنه يشبه حامل الصنم، ولحديث عائشة عن البخاري عن أنس قال: «كان قِرام - ستر رقيق - لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي ﷺ: أميطي عنك
(١) المغني:٥٩٠/ ١، كشاف القناع:٤٣٢/ ١، غاية المنتهى:١٠٣/ ١، المهذب:٦٦/ ١، المجموع:١٨٥/ ٣.
(٢) متفق عليه.
 
قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي» وكونه غير حرام أن زيد بن خالد روى الحديث الأول عن أبي طلحة عن النبي ﷺ؛ وقال في آخره: «إلا رقما في ثوب» (١).
وتكره الصلاة إلى صورة منصوبة أو تمثال فوق رأسه أو بين يديه أو بحذائه يمنة أو يسرة، ولوفي وسادة منصوبة لا مفروشة؛ لأنه يشبه سجود الكفار إليها، والتشبه بعبادة الأوثان والأصنام.
ويكره السجود على الصورة ولو كانت صغيرة عند الحنابلة والشافعية، وقال الحنفية (٢): لا يكره إن كانت تحت قدميه؛ لأنه مهانة، أو محل جلوسه، أو في يده؛ لأنها مستورة بثيابه، أوعلى خاتمه بنقش غير مستبين، ولا يكره المستتر بكيس أو صورة أو ثوب آخر. والكراهة هنا تحريمية عند الحنفية، وأبان الحنفية أنه لا تكره الصلاة مع وجود صورة صغيرة لا تتبين تفاصيل أعضائها للناظر قائمًا، وهي على الأرض، ولا الصورة المقطوعة الرأس أو الوجه أو ممحوة عضو لا تعيش بدونه، ولاصورة شيء غير ذي روح من النبات ونحوه؛ لأن كل هذه المذكورات لا تعبد. وخبر مسلم عن جبريل «إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب أو صورة» مخصوص بغير المهانة.
وقال الحنفية: لا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق؛ لأنهما لا يعبدان. ولا بأس أن يصلي على ثوب فيه تصاوير، لأنه فيه استهانة بالصور. ولا تكره الصلاة لو كانت الصورة على وسادة ملقاة، أو على بساط مفروش.
(١) متفق عليه.
(٢) الدر المختار ورد المحتار:٦٠٦/ ١ ومابعدها، فتح القدير:٢٩٤/ ١ ومابعدها، البدائع:١١٥/ ١.
 
ويكره الصليب في ثوب، لحديث عائشة: «أن رسول الله ﷺ كان لا يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه» (١).

٣١ ً - قال الحنفية: يكره تنزيهًا قيام بجملته في المحراب، 

لا سجوده فيه مع وجود قدميه خارجه، لئلا يمتاز الإمام عن المأمومين في المكان؛ لأن المحراب في معنى بيت آخر، وذلك صنيع أهل الكتاب؛ إلا إذا ضاق المكان، فلا كراهة.
وقالوا أيضًا: يكره تنزيهًا عد الآي والسور والتسبيح باليد في الصلاة مطلقًا، فرضًا أو نفلًا؛ لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة، ولا يكره خارجها، ويكره أن يصلي أمام متحدثين تصدر عنهم أصوات، أو شغل، أو نائمين يخشى خروج شيء منهم مضحك.
ويكره أيضًا السجود على كور عمامته إذا أصابت الجبهة الأرض، وإلا لم تصح الصلاة. ويكره الاعتجار: وهو لَفّ العمامة على الرأس وترك وسطه مكشوفًا.
وقالوا: لا بأس باتخاذ المسبحة لغير رياء.

٣٢ ً - الصلاة إلى نار موقدة، 

لما فيها من التشبه بالمجوس عبدة النار، وهذا كما قدمنا في بحث السترة متفق عليه، والكراهة تنزيهية اتفاقًا، إلا أن الشافعية لم يذكروا ذلك من المكروهات.


٣٣ ً - السدل في الصلاة: 

أي إرسال الثوب أو الرداء على الكتفين بلا لبس معتاد (كالحرام والملاءة) بدون أن يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر. وهو عند غير
(١) رواه أبو داود وأحمد (نيل الأوطار:١٠٢/ ٢).
 
المالكية مكروه بلا عذر، وإلا فلا يكره (١)، لحديث أبي هريرة: أن النبي ﷺ نهى عن السَّدْل في الصلاة، وأن يُغطِّي الرجل فاه (٢)
والكراهة تحريمية عند الحنفية. وقال المالكية: إلقاء الرداء على الكتفين مندوب، بل يتأكد لإمام المسجد (كالبرنس المغربي) المعروف.

٣٤ ً - اشتمال الصمَّاء: 

وهو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا، ولايبقي ما تخرج منه يده. وفسره بأن يلتحف بثوب واحد، ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبيه، فيبدو منه فرجه. فعلى هذا التفسير يكون النهي للتحريم، وتفسد الصلاة معه (٣).
فإن لم يظهر الفرج بأن اشتمل بالثوب (كالحِرام ونحوه) بحيث لا يدع منفذًا يخرج منه يديه، كان مكروهًا اتفاقًا، والكراهة تحريمية عند الحنفية. لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي ﷺ «أنه نهى عن لبستين: اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شيء» (٤).
قال الشيرازي في المهذب: ويكره اشتمال الصماء: وهو أن يلتحف بثوب، ثم يخرج يده من قبل صدره (٥).
(١) الدر المختار:٥٩٧/ ١ ومابعدها، البدائع:٢١٨/ ١ ومابعدها، المجموع:١٨٣/ ٣، كشاف القناع:٣١٩/ ١، غاية المنتهى:١٠١/ ١، المغني:٥٨٤/ ١.
(٢) رواه أبو داود، ولأحمد والترمذي عن أبي هريرة النهي عن السدل، ولابن ماجه: النهي عن تغطية الفم (نيل الأوطار:٧٧/ ٢ ومابعدها) وذكر للسدل معنى آخر كالإسبال: وهو إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.
(٣) المغني:٥٨٤/ ١، نيل الأوطار:٧٦/ ٢.
(٤) نيل الأوطار:٧٦/ ٢.
(٥) المجموع:١٨٢/ ٣، المهذب:٦٥/ ١.
 
٣٥ ً - قال الحنابلة (١): تكره الصلاة في الثوب الأحمر،
 

كما يكره للرجال لبسه: لما روى أحمد عن بعض الصحابة: «نهاني رسول الله ﷺ عن لبس الحمرة» وعن عبد الله بن عمرو، قال: «دخل على النبي ﷺ رجل عليه بردان أحمران فسلم فلم يرد النبي ﷺ» (٢).وقال الحنفية (٣): يكره تنزيهًا لبس المعصفر والمزعفر: الأحمر والأصفر للرجال، ولا بأس بسائر الألوان للنساء.
وقال مالك: يكره الثوب الأحمر لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في المهنة والبيوت. وأباح الشافعي لبس الثياب المصبوغة بالأحمر (٤).

٣٦ ً - قال المالكية (٥): يكره لباس مُحدِّد للعورة لرقته أو لضيقه وإحاطته، 

 كسراويل، ولو بغير صلاة؛ لأنه ليس من زي السلف.


٣٧ ً - الاضطباع: 

وهو أن يجعل الرداء تحت إبطه الأيمن، ثم يلقي طرفه على كتفه الأيسر، ويترك الآخر مكشوفًا. وهو داخل في كيفية اشتمال الصماء المنهي عنه في الحديث السابق.


٣٨ ً - الإتيان بأذكار الانتقال 

كالتكبير والتسميع والتحميد في غير محلها، كأن يكبر للركوع بعد أن يتم ركوعه، أو يقول: سمع الله لمن حمده، بعد تمام القيام؛ لأن السنة أن يكون ابتداء الأذكار عند ابتداء الانتقال.
وقال الحنابلة: إن ذلك مبطل للصلاة إن تعمده.
(١) المغني: ٥٨٦/ ١.
(٢) رواه الترمذي وأبو داود (جامع الأصول: ١١/-٢٨).
(٣) الدر المختار:٢٥٢/ ٥.
(٤) القسطلاني شرح البخاري:٤٣٠/ ٨.
(٥) الشرح الكبير:٢١٧/ ١ ومابعدها.
 
وقال المالكية: إن ذلك خلاف المندوب.

٣٩ ً - ترك اتخاذ السترة أمام المصلي، كما بينا.

وأخيرًا .. قال الحنفية: يكره تحريمًا استقبال القبلة بالفرج في بيت الخلاء، للنهي عنه في السنة، ويكره الاستدبار، لما فيه من ترك التعظيم لها. وحديث النهي: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا أو غربوا» (١).
وهذا من المكروهات خارج الصلاة، وقد قدمنا الكلام عليه في بحث آداب قضاء الحاجة.

المطلب الثاني - الأماكن التي تكره الصلاة فيها:
حرم الحنابلة الصلاة في هذه الأماكن، وكره الشافعية والحنفية ذلك (٢) والكراهة تحريمية عند الحنفية، لثبوت النهي عنها في السنة، ويذكرونها عادة في شروط الصلاة عند طهارة المكان، روى ابن عمر: «أن رسول الله ﷺ نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمَجْزرة، والمَقْبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي أعطان الإبل، وفوق ظهر بيت الله» (٣) وهو إن صح يدل على تحريم الصلاة في هذه المواطن وهو رأي الحنابلة. وحكمة النهي وتفصيل الحكم فيها يتجلى فيما يأتي:
(١) رواه الأئمة عن أبي أيوب الأنصاري (نصب الراية:١٠٢/ ٢).
(٢) البدائع:١١٥/ ١ ومابعدها، الشرح الصغير:٢٦٧/ ١ ومابعدها، القوانين الفقهية: ص٤٩،٥٢، مغني المحتاج:٢٠٣/ ١، حاشية قليوبي وعميرة:١٢٠/ ١، المهذب: ٦٣/ ١، المجموع:١٦٤/ ٣ - ١٦٨، المغني:٦٧/ ٢ - ٧٦، كشاف القناع:٣٤١/ ١ - ٣٤٩.
(٣) رواه عبد بن حميد في مسنده، وابن ماجه والترمذي، وقال: إسناده ليس بذاك القوي، ففيه راو ضعيف (نيل الأوطار:١٣٨/ ٢).
 
١ ً - الصلاة في قارعة الطريق، 

أي أعلاه أو أوسطه: مكروهة عند الحنفية والشافعية (١)؛ لأن الطريق ممر الناس، فلا يؤمن من المرور، ولا من النجاسة، إذ لا تخلو من الأرواث والأبوال، فينقطع الخشوع بممر الناس، فإن صلى فيه، صحت الصلاة؛ لأن المنع لترك الخشوع، أو لمنع الناس من الطريق، وذلك لا يوجب بطلان الصلاة، ولقوله ﷺ: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا:» وفي لفظ: «فحيثما أدركتك الصلاة، فصل، فإنه مسجد» وفي لفظ: «أينما أدركتك الصلاة فصل، فإنه مسجد» (٢). وذكر الشافعية: أن الصلاة تكره في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد.
وقال المالكية: تجوز الصلاة بلا كراهة في محجة الطريق والمزبلة والمقبرة والحمام والمجزرة، أي وسطها إن أمنت النجاسة. فإن لم تؤمن بأن كانت محققة أو مظنونة فهي باطلة، وإن كانت مشكوكة أعيدت على الأرجح في الوقت، إلا إذا صلى في الطريق لضيق المسجد وشك في الطهارة فلا إعادة عليه.
ولكن تظل الكراهة إن صلى بطريق من يمر بين يديه.
وقال الحنابلة: تحرم الصلاة ولا تصح في قارعة الطريق (٣) والمزبلة والمقبرة والمجزرة والحمام ومعاطن الإبل، كما لا تصح الصلاة في أسطحتها؛ لأن الهواء تابع للقرار فيها، بدليل أن الجنب يمنع من اللبث على سطح المسجد، وأن من حلف لا يدخل دارًا يحنث بدخول سطحها.
(١) المعتمد عند الشافعية: الكراهة في طريق البنيان لا البرية.
(٢) متفق عليه.
(٣) قارعة الطريق: يعني التي تقرعها الأقدام. ومحجة الطريق: الجادة المسلوكة التي تسلكها السابلة أي المارة.
 
ولا تصح الصلاة في ساباط على طريق؛ لأن الهواء تابع للقرار فيها، ولا على سطح نهر؛ لأن الماء كالطريق لا يصلى عليه.
واستثنوا صلاة الجنازة في المقبرة وعلى سطحها، فإنها تصح، كما استثنوا طريق البيوت القليلة وما علا عن جادة الطريق يمنة ويسرة، فتصح الصلاة فيه بلا كراهة، لأنه ليس بمحجة. وتجوز الصلاة في هذه الأماكن لعذر، كأن حبس فيها.
وقالوا: المنع من هذه المواضع تعبدي، لا لعلة معقولة بوهم النجاسة ونحوه. ودليلهم العمل بنص رواية ابن عمر. هذا ماذكر في كشاف القناع. وقال ابن قدامة في المغني: الصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه المواضع إلا المقبرة؛ لأن قوله ﷺ: «جعلت لي الأرض مسجدًا» يتناول الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته. لكن يكره أن يصلي إلى هذه المواضع، فإن فعل صحت صلاته. وعليه يكون رأي الحنابلة كالجمهور.
ودليلهم على استثناء المقابر: حديثان صحيحان وهما: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك، وقال: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (١) فلا تصح الصلاة إلى القبور للنهي عنها، ويصح إلى غيرها لبقائها في عموم الإباحة، وامتناع قياسها على ما ورد النهي فيه.

٢ ً - الصلاة في داخل الحمام: 

مكروهة عند الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأنها مأوى الشياطين، ومظنة انكشاف العورات، ومصب الغسالات والنجاسات عادة.
(١) الحديث الأول رواه مسلم والنسائي عن جندَب بن عبد البَجَلي. والثاني رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ: «قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (نيل الأوطار:١٣٦/ ٢، الجامع الصغير:٨٠/ ٢).
 
٣ ً - الصلاة في معاطن الإبل، 

أي مباركها (١): مكروهة عند القائلين بنجاسة أبوالها وأرواثها، وهم الحنفية والشافعية، أو لما فيها من النفور، فربما نفرت، وهو في الصلاة، فتؤدي إلى قطعها، أو أذى يحصل له منها، أو تشويش الخاطر الملهي عن الخشوع في الصلاة.
وتكره الصلاة في مبارك الإبل عند المالكية أيضًا، للعلة السابقة غير النجاسة، ولا تكره في مرابض (مجالس) الغنم والبقر، بدليل حديث أبي هريرة: «صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل» (٢) وعدم كراهة الصلاة في مرابض الغنم متفق عليه.
وتعاد الصلاة في الوقت عندهم إن صليت في معاطن الإبل، وإن أمنت النجاسة، أو فرش فراش طاهر، تعبدًا على الأظهر.

٤ ً - الصلاة في المزبلة والمجزرة:  

مكروهة عند غير المالكية، لمجاورة النجاسة، أو مظنة وجودها، فالأولى موضع النجاسة، ومجمع الأوساخ والنفايات والذباب والثانية: موضع ذبح الحيوان. وذلك إذا بسط على الموضع طاهرًا وصلى عليه، وإلا لم تصح الصلاة؛ لأنه مصل على نجاسة، وتكره عند الشافعية على الحائل إذا كانت النجاسة محققة، فإن بسطه على ما غلبت فيه النجاسة، لم تكره.
والْحُش (٣) المعد لنجاسة أولى بمنع الصلاة فيه من بابه وموضع الكنيف
(١) أي موضع بروكها عند شربها، والمعاطن: جمع معطن، والعطن: مبرك الإبل حول الماء.
(٢) رواه أحمد والترمذي وصححه (نيل الأوطار:١٣٧/ ٢) والمرابض للغنم كالمعاطن للإبل فهي المراقد.
(٣) بفتح الحاء وضمها: وهو ما أعد لقضاء الحاجة، ولو مع طهارته من النجاسة. وأصله لغة: البستان، ثم أطلق على محل قضاء الحاجة؛ لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، وهي الحشوش، فسميت الأخلية في الحضر حشوشًا.
 
(مجمع الأوساخ)، وسطحه؛ لأنه لما منع الشرع من ذكر الله والكلام فيه، كان منع الصلاة فيه من باب أولى.

٥ ً - الكنيسة (معبد النصارى) والبِيعة (معبد اليهود) ونحوهما من أماكن الكفر: 

تكره الصلاة فيها عند الجمهور وابن عباس، مطلقًا عامرة أو دارسة؛ إلا لضرورة كحر أو برد أو مطر، أو خوف عدو أو سبع، فلا كراهة.
وحكمة الكراهة: أنها مأوى الشياطين، لأنها لا تخلو من التماثيل والصور، ولأنها موضع فتنة وأهواء، مما يمنع الخشوع.
وقالت الحنابلة: لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة، وقد رخص فيها الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والشعبي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، وروي أيضًا عن عمر وأبي موسى الأشعري. واستدلوا: بأن النبي ﷺ صلى في الكعبة وفيها صور (١)، وهي داخلة في عموم قوله ﵇: «فأينما أدركتك الصلاة، فصل، فإنه مسجد».
قال النووي في المجموع: وتكره الصلاة في مأوى الشياطين كالخمارة وموضع المكس ونحو ذلك من المعاصي الفاحشة.

٦ ً - الصلاة في المقبَرة: 

مكروهة عند الجمهور غير المالكية، لنجاسة ما تحتها بالصديد ولما فيها من التشبه باليهود، كما في الحديث السابق: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري بعدي مسجدًا»، ولهم تفصيل في شأن الصلاة في المقابر:
(١) حقق ابن القيم في زاد المعاد أن النبي ﷺ دخل الكعبة يوم فتح مكة، فأزال الصور منها، ثم كبر في جهاتها الأربع، ولم يصل.
 
قال الحنفية: تكره الصلاة في المقبرة إذا كان القبر بين يدي المصلي، بحيث لو صلى خاشعًا وقع بصره عليه. أما إذا كان خلفه أو فوقه أو تحته فلا كراهة على التحقيق، كما لا كراهة في الموضع المعد للصلاة بلا نجاسة ولا قذر، ولا تكره الصلاة مطلقًا في أماكن قبور الأنبياء.
وقال الشافعية: تكره الصلاة في المقبرة التي لم تنبش، سواء أكانت القبور أمامه أم خلفه أم عن يمينه أم شماله، أم تحته، إلا مقابر الأنبياء وشهداء المعركة؛ لأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وإنما هم أحياء في قبورهم يصلون، كما أن الشهداء أحياء، إلا إن قصد تعظيمهم فيحرم. أما المقبرة المنبوشة فلاتصح الصلاة فيها بغير حائل ومعه تكره.
وقال الحنابلة: المقبرة: ما احتوت على ثلاثة قبور فأكثر في أرض موقوفة للدفن، فإن لم تحتو على ثلاثة فالصلاة فيها صحيحة بلا كراهة إن لم يستقبل القبر، وإلا كره.
ولا تصح الصلاة عندهم في المقابر، لحديث أبي سعيد مرفوعًا: «الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام» (١) وتكره الصلاة إلى المقبرة بلا حائل لحديث أبي مَرْثد الغَنَوي: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها» (٢).
وحديث ابن عمر: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا» (٣).
(١) رواه الخمسة إلا النسائي، وأخرجه أيضًا الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، قال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب، روي مرسلًا (نيل الأوطار:١٣٣/ ٢).
(٢) رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه (نيل الأوطار:١٣٤/ ٢).
(٣) رواه الجماعة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:١٣٥/ ٢).
 
وذلك سواء حدث المسجد بعد المقبرة أم حدثت المقبرة بعده، حوله أو في قبلته.

٧ ً - الصلاة فوق الكعبة: 

مكروهة لما فيها من ترك التعظيم المأمور به، ولعدم وجود السترة الثابتة بين يدي المصلي، لأنه مصلٍ على البيت لا إلى البيت. ولكن تصح الصلاة على ظهر الكعبة أو في الكعبةإذا كانت نافلة بالاتفاق، ولا تصح الفريضة فيهما عند المالكية والحنابلة، وتصح فيهما الصلاة مطلقًا فرضًا أو نفلًا عند الحنفية والشافعية، كما بينا في شرط استقبال القبلة؛ لأن النبي ﷺ (صلى في البيت ركعتين) إلا أنه إن صلى تلقاء الباب، أو على ظهرها وكان بين يديه شيء من بناء الكعبة متصل بها، صحت صلاته عند الحنابلة، فإن لم يكن بين يديه شاخص، لا تصح صلاته عندهم؛ لأنه غير مستقبل لشيء منها.
لكن قال ابن قدامة (١): والأولى أنه لا يشترط كون شيء منها بين يديه؛ لأن الواجب استقبال موضعها وهوائها، دون حيطانها، بدليل ما لو انهدمت الكعبة، صحت الصلاة إلى موضعها، ولو صلى على جبل عال يخرج عن مسامتتها، صحت صلاته إلى هوائها، فكذا ههنا.

المطلب الثالث - ما لايكره فعله في الصلاة:
تبين مما سبق أن الصلاة لا تكره في الأفعال الآتية عند الحنفية (٢):
١ - لا بأس بالصلاة إلى ظهر إنسان قائم أو قاعد، ولو كان يتحدث ما لم يكن منه تشويش للصلاة؛ لأن ابن عمر ربما كان يستتر بمولاه (نافع) في بعض أسفاره.
(١) المغني:٧٤/ ٢.
(٢) مراقي الفلاح: ص٥٩.
 
٢ - ولا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق لأنهما لايعبدان.
٣ - لا يكره السجود على بساط فيه تصاوير لذي روح، لم يسجد عليها؛ لأن فيه استهانة بالصور بالوطء عليها.
٤ - لا يكره باتفاق العلماء قتل حية وعقرب ونحوهما من كل حيوان مؤذ، ولو بضربتين، ما لم يقتض ذلك عملًا كثيرًا، ولو أدى إلى الانحراف عن القبلة، لحديث أبي هريرة السابق: «أن النبي ﷺ أمر بقتل الأسودين في الصلاة: العقرب والحية» (١).
٥ - لا مانع من نفض ثوبه بعمل قليل، كيلا يلتصق بجسده في الركوع، تحاشيًا عن ظهور الأعضاء.
٦ - لا بأس باتفاق العلماء بالفتح على الإمام من المأموم إذا أرتج عليه، أو غلط في التلاوة، لما فيه من التنبيه إلى ما هو مشروع في الصلاة، كما سيأتي في بحث مبطلات الصلاة.
٧ - المراوحة بين الرِجْلين: بأن يعتمد مرة على هذه، ومرة على هذه، لأنه أدعى لطول القيام، وتكره إذا كثرت، لدلالتها على الملل وهو مكروه.

المطلب الرابع - ما تحرم الصلاة فيه (الصلاة في الموضع المغصوب):
الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع؛ لأن اللبث فيها يحرم في غير الصلاة، فلأن يحرم في الصلاة أولى (٢).
(١) رواه الخمسةوصححه الترمذي (نيل الأوطار:٣٣٦/ ٢).
(٢) المجموع:١٦٩/ ٣، المهذب:٦٤/ ١، البدائع:١١٦/ ١، المغني:٥٨٨/ ١، و٧٤/ ٢، كشاف القناع:٣١٣/ ١، ٣٤٣ - ٣٤٦.
 
وهل تصح الصلاة في المكان المغصوب؟
قال الجمهور غير الحنابلة: الصلاة صحيحة؛ لأن النهي لا يعود إلى الصلاة، فلم يمنع صحتها، كما لو صلى وهو يرى غريقًا يمكنه إنقاذه، فلم ينقذه، أو حريقًا يقدر على إطفائه فلم يطفئه، أو مطلَ غريمه الذي يمكن إيفاؤه وصلى. ويسقط بها الفرض مع الإثم، ويحصل بها الثواب، فيكون مثابًا على فعله، عاصيًا بمقامه، وإثمه إذن للمكث في مكان مغصوب.
وقال الحنابلة في الأرجح عندهم: لا تصح الصلاة في الموضع المغصوب، ولو كان جزءًا مشاعًا، أو في ادعائه الملكية، أو في المنفعة المغصوبة من أرض أو حيوان أو بادعاء إجارتها ظالمًا، أو وضع يده عليها بدون حق؛ لأنها عبادة أتى بها على الوجه المنهي عنه، فلم تصح، كصلاة الحائض وصومها؛ لأن النهي يقتضي تحريم الفعل واجتنابه والتأثيم بفعله، فكيف يكون مطيعًا بما هو عاص به، ممتثلًا بما هو محرم عليه، متقربًا بما يبعد به؟! فإن حركاته وسكناته من القيام والركوع والسجود أفعال اختيارية، هو عاص بها منهي عنها. ويختلف الأمر عن إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق؛ لأن أفعال الصلاة في نفسها منهي عنها.
وأضاف الحنابلة: أنه يصح الوضوء والأذان وإخراج الزكاة والصوم والعقود كالبيع والنكاح وغيرهما، والفسوخ كالطلاق والخلع، في مكان مغصوب؛ لأن البقعة ليست شرطًا فيها، بخلاف الصلاة.
وتصح الصلاة في بقعة أبنيتها غصب، ولو استند إلى الأبنية لإباحة البقعة المعتبرة في الصلاة.
وتصح صلاة من طولب برد وديعة أو رد غصب، قبل دفعها إلى صاحبها، ولو بلا عذر؛ لأن التحريم لا يختص بالصلاة.
 
ولو صلى على أرض غيره ولو كانت مزروعة بلا ضرر ولا غصب، أو صلى على مصلاه بلا غصب ولا ضرر، جاز وصحت صلاته.
وإن صلى في غصب من بقعة أو غيرها جاهلًا أو ناسيًا كونه غصبًا، صحت صلاته؛ لأنه غير آثم.
وإذا حبس في مكان غصب، صحت صلاته، لحديث: «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

الأرض المسخوط عليها: 

-وتصح الصلاة في الأرض المسخوط عليها، كأرض الخسف، وكل بقعة نزل فيها عذاب، كأرض بابل، وأرض الحِجْر (١)، ومسجد الضرار (٢)، وتكره الصلاة في هذه المواضع؛ لأن هذا المسجد موضع مسخوط عليه، وقد قال النبي ﷺ يوم مر بالحجر: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم» (٣).


ملحق بأنواع اللباس في الصلاة:
ذكر الشافعية والحنابلة أنواعًا أربعة للباس (٤):

١ - ما يجزئ من اللباس:
هو ثوب واحد يستر العورة، وبعضه - عند الحنابلة - أو غيره على عاتقه لما
(١) ديار ثمود بين المدينة والشام، وهم قوم صالح ﵇.
(٢) هو مسجد بناه المنافقون، مجاور لمسجد قباء في المدينة، ليكون مركزًا للمؤامرات، وفيه نزلت الآيات: ﴿والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل ...﴾ (الآية١٠٧من سورة التوبة).
(٣) تفسير ابن كثير:٥٥٦/ ٢.
(٤) المغني:٥٨٢/ ١ - ٥٨٨، المهذب:٦٤/ ١ - ٦٦.
 
روى عمرو بن سلمة «أنه رأى رسول الله ﷺ يصلي في ثوب واحد، في بيت أم سلمة، قد ألقى طرفيه على عاتقه» (١)، وعن جابر أن النبي ﷺ قال: «إذا كان الثوب واسعًا، فالتحف به، وإذا كان ضيقًا، فائتزر به» (٢) وغير ذلك من الأحاديث.
ويجب ستر العورة بما لا يصف البشرة من ثوب صفيق أو جلد أو ورق، فإن ستر بما يظهر منه لون البشرة من ثوب رقيق، لم يجز؛ لأن الستر لا يحصل بذلك.

٢ - ثياب الفضيلة:
وهو أن يصلي الرجل في ثوبين أو أكثر، فإنه أبلغ وأعم في الستر، روي عن عمر أنه قال: «إذا أوسع الله فأوسعوا، جمع رجل عليه ثيابه، صلى رجل في إزار وبرد، أو في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء، في تُبّان وقميص» (٣)، وقال عمر أيضًا: «إذا كان لأحدكم ثوبان، فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب واحد، فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود» (٤).
والمستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: خمار تغطي به الرأس والعنق، ودِرْع تغطي به البدن والرجلين، وملحفة صفيقة، تستر بها الثياب، لقول عمر ﵁: «تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: درع وخمار وإزار» ولقول عبد الله ابن عمر ﵄: «تصلي في الدرع، والخمار والملحفة».
(١) متفق عليه.
(٢) رواه البخاري وغيره.
(٣) رواه البخاري، والتُبَّان: بالضم والتشديد: سروال صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة، وقد يكون للملاَّحين.
(٤) رواه أبو داود.
 
والمستحب أن تكثف المرأة جلبابها، حتى لايصف أعضاءها، وتجافي الملحفة عنها في الركوع والسجود، حتى لايصف ثيابها.

٣ - الثياب المكروهة:

اشتمال الصماء:
وهو أن يلتحف بثوب، ثم يخرج يديه من قبل صدره، كالعباءة اليوم. وقيل: أن يضطبع بالثوب ليس عليه غيره. ومعنى الاضطباع: أن يضع وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على منكبيه الأيسر، ويبقى منكبه الأيمن مكشوفًا. وقد سبق بيان ذلك في مكروهات الصلاة.
ويكره السدل أيضًا: وهو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، ولا يضم الطرفين بيديه، كالحرام أو الملاءة الآن. وقد سبق بيانه.
ويكره أيضًا إسبال القميص والإزار والسراويلات على وجه الخيلاء، لأن النبي ﷺ قال: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» (١) وقوله أيضًا: «من أسبل إزاره في صلاته خيلاء، فليس من الله جل ذكره في حل ولا حرام» (٢).
ويكره أن يغطي الرجل وجهه أو فمه، لما ذكرنا من حديث أبي هريرة «أن النبي ﷺ نهى أن يغطي الرجل فاه».
وروي عن الحنابلة في كراهة التلثم على الأنف روايتان: إحداهما: يكره لأن ابن عمر كرهه. والأخرى: لا يكره: لأن النهي ورد في تغطية الفم.
(١) متفق عليه.
(٢) رواه أبو داود عن ابن مسعود، ورواه أيضًا الترمذي والنسائي عن ابن عمر، وقال الترمذي: حديث صحيح.
 
وتكره الصلاة في الثوب المزعفر للرجل، وكذلك المعصفر؛ لأن «النبي ﷺ نهى الرجال عن التزعفر» (١) وروى مسلم عن علي قال: «نهاني النبي ﷺ عن لباس المعصفر» وقال عبد الله بن عمرو: «رأى النبي ﷺ علي ثوبين معصفرين، فقال: إن هذا من ثياب الكفار، فلا تلبسهما».
ولا يكره شد الوسط بمنطقة أو مئزر أو ثوب أو شد قباء.
ويكره للرجال عند الحنابلة لبس الثوب الأحمر والصلاة فيه، لحديث عبد الله ابن عمرو السابق: أن النبي ﷺ لم يرد السلام على رجل عليه بردان أحمران، قال ابن القيم: وقد صح عنه ﷺ من غير معارض النهي عن لبس المعصفر والأحمر (٢).

٤ - ما يحرم لبسه والصلاة فيه:
وهو قسمان:
أـ قسم يعم الرجال والنساء: وهو نوعان: الأول: النجس: فلا تصح الصلاة فيه ولا عليه؛ لأن الطهارة من النجاسة شرط.
والثاني: المغصوب، وتصح الصلاة فيه عند الجمهور، ولا تصح فيه عند الحنابلة كما بينا.
ب - ما يختص تحريمه بالرجال دون النساء: وهو الحرير، والمنسوج بالذهب، والمموه به، يحرم لبسه وافتراشه في الصلاة وغيرها. لقوله ﷺ: «حرم لباس
(١) رواه الشيخان (البخاري ومسلم).
(٢) زاد المعاد:٤٤١/ ١، ط الرسالة.
 
الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم» (١) وقوله أيضًا: «لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة» (٢).
ولا خلاف في تحريم الحرير على الرجال إلا لعارض أو عذر. وسيأتي مزيد بيان لذلك في بحث الحظر والإباحة.

٥ - ما تخالف فيه المرأة الرجل:
يسن للمرأة مخالفة الرجل في ستة أمور ذكرها الشافعية:
أولًا - تضم بعضها إلى بعض في السجود، بأن تضم مرفقيها إلى جنبيها وتلصق بطنها بفخذيها، أما الرجل فيباعد مرفقيه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه، لحديث رواه البيهقي في المرأة (٣).
ثانيًا - تخفض المرأة صوتها في حضرة الرجال الأجانب، أما الرجل فيسن له الجهر في الصلاة الجهرية.
ثالثًا - تصفق المرأة بيدها اليمنى على ظهر كف اليسرى إذا نابها شيء أثناء الصلاة، أما الرجل فيسبح بصوت مرتفع، لحديث رواه الشيخان عن سهل بن سعد (٤).
رابعًا - جميع بدن المرأة عورة إلا الوجه والكفين، أما الرجل فعورته ما بين سرته وركبته، كما تقدم في شروط الصلاة.
(١) أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي موسى، وقال: حديث حسن صحيح.
(٢) متفق عليه عن عمر بن الخطاب ﵁.
(٣) نصه: أن النبي ﷺ مرّ على امرأتين تصليان، فقال: «إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل».
(٤) نصه: «من رابه شيء في صلاته فليسبِّح، فإنه إذا سبَّح التُفت إليه، وإنما التصفيق للنساء».
 
خامسًا - تسن الإقامة للمرأة دون الأذان، فيكره لها رفع صوتها به، أما الرجل فيسن له الأذان والإقامة عند كل صلاة مكتوبة في مذهب الشافعية.
سادسًا - تقف المرأة وسط النساء في إمامتهن، وخلف الرجال في إمامة الرجل، أما الرجل فيتقدم المأمومين، ويقف الرجال في الصف الأول (١).

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية