الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

بَابُ الْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا الروضة للنووي

الكتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موضوع: الفقه علي مذهب الشافعي

فهرس بَابُ الْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا
  1. فَصْلٌ فِي ضَبْطِ صَحِيحِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَفَاسِدِهَا
  2. فَصْلٌ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ شَرْطٌ
  3. فَصْلٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا
  4. فَصْلٌ إِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ حَذَفَا الشَّرْطَ
  5. فَصْلٌ يَحْرُمُ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لَبَادٍ
  6. فَصْلٌ يَحْرُمُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ
  7. فَصْلٌ يَحْرُمُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ
  8. فَصْلٌ يَحْرُمُ النَّجْشُ
  9. فَصْلٌ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا
  10. فَصْلٌ بَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مِمَّنْ يُتَوَهَّمُ اتِّخَاذُهُ إِيَّاهُ نَبِيذًا، أَوْ خَمْرًا، مَكْرُوهٌ
  11. فَصْلٌ لَيْسَ مِنَ الْمَنَاهِي بَيْعُ الْعِينَةِ
  12. فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ، وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ، وَكُتُبِ الْحَدِيثِ
  13. العودة الي كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين
بَابُ الْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا

مَا وَرَدَ فِيهِ النَّهْيُ مِنَ الْبُيُوعِ، قَدْ يُحْكَمُ بِفَسَادِهِ وَهُوَ الْأَغْلَبُ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى النَّهْيِ. وَقَدْ لَا يُحْكَمُ بِفَسَادِهِ، لِكَوْنِ النَّهْيِ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّةِ الْبَيْعِ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ. فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْوَاعٌ. مِنْهَا: بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَقَدْ سَبَقَ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَبَيْعُ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، وَبَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ. وَسَنَشْرَحُهَا بَعْدُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْغَرَرِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ مَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَقَدْ سَبَقَ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَفِيهِ تَفْسِيرَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَ غَائِبًا. وَالثَّانِي: مَا لَا يَمْلِكُهُ لِيَشْتَرِيَهُ فَيُسَلِّمَهُ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُمَا فِي شَرَائِطِ الْمَبِيعِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ -، وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ: أَنَّهُ ضِرَابُهُ، وَقِيلَ: أُجْرَةُ ضِرَابِهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَاؤُهُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ، تَقْدِيرُهُ: بَدَلُ عَسْبِ الْفَحْلِ. وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

(3/397)


نُهِيَ عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفَحْلِ. وَالْحَاصِلُ: إِنْ بُذِلَ عِوَضًا عَنِ الضِّرَابِ، إِنْ كَانَ بَيْعًا، فَبَاطِلٌ قَطْعًا، وَكَذَا إِنْ كَانَ إِجَارَةً عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبُ الْأُنْثَى صَاحِبَ الْفَحْلِ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، هُوَ نَتَاجُ النَّتَاجِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ إِلَى أَنْ يَلِدَ وَلَدُ هَذِهِ الدَّابَّةِ. كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقِيلَ: هُوَ بَيْعُ وَلَدِ نَتَاجِ هَذِهِ الدَّابَّةِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَهْلُ اللُّغَةِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْمَلَاقِيحِ، وَهِيَ مَا فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ مِنَ الْأَجِنَّةِ، الْوَاحِدَةُ: مَلْقُوحَةٌ. وَبَيْعُ الْمَضَامِينِ، وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ. وَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ.
أَحَدُهَا: تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ، أَوْ فِي ظُلْمَةٍ، فَيَلْمَسُهُ الْمُسْتَامُ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا، بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لَمْسُكَ مَقَامَ نَظَرِكِ، وَلَا خِيَارَ لَكَ إِذَا رَأَيْتَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا، فَيَقُولُ: إِذَا لَمَسْتَهُ فَهُوَ مَبِيعٌ لَكَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ. وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا. وَفِي الْأَوَّلِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَقَالَهُ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي، لَهُ حُكْمُ الْمُعَاطَاةِ. وَالْمَذْهَبُ: الْجَزْمُ بِالْبُطْلَانِ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ، وَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ، فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قَرِينَةِ الْبَيْعِ، هِيَ نَفْسُ الْمُعَاطَاةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنِّي إِذَا نَبَذْتُهُ إِلَيْكَ، لَزِمَ الْبَيْعُ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ نَبْذُ الْحَصَاةِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْحَصَاةِ، وَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ

(3/398)


هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا، أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِيَ الْحَصَاةَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بَيْعًا، فَيَقُولَ: إِذَا رَمَيْتُ الْحَصَاةَ، فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ لَكَ بِكَذَا، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي جَمِيعِهَا.
وَمِنْهَا: بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» . أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي دَارِي بِكَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ نَقْدًا، أَوْ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً، فَخُذْهُ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ أَوْ شِئْتُ أَنَا، وَهُوَ بَاطِلٌ. أَمَّا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا، وَبِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ، وَنِصْفَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ، نِصْفُهُ بِسِتِّمِائَةٍ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي تَوْزِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُثَمَّنِ بِالسَّوِيَّةِ، وَآخِرُهُ يُنَاقِضُهُ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْمَجْرِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ - وَهُوَ مَا فِي الرَّحِمِ، وَقِيلَ: هُوَ الرِّبَا. وَقِيلَ: هُوَ الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ السِّنِينَ، وَلَهُ تَفْسِيرَانِ.
أَحَدُهُمَا: بَيْعُ ثَمَرَةِ النَّخْلَةِ سِنِينَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا سَنَةً، عَلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَضَتِ السَّنَةُ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا، فَتَرُدُّ إِلَيَّ الْمَبِيعَ وَأَرُدُّ إِلَيْكَ الثَّمَنَ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْعُرْبَانِ. وَيُقَالُ: الْعُرْبُونُ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ غَيْرِهِ وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ دَرَاهِمَ، عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَذَ السِّلْعَةَ، فَهِيَ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِلَّا، فَهِيَ لِلْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ مَجَّانًا. وَيُفَسَّرُ أَيْضًا بِأَنْ يَدْفَعَ دَرَاهِمَ إِلَى صَانِعٍ لِيَعْمَلَ لَهُ خُفًّا أَوْ خَاتَمًا أَوْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا، عَلَى أَنَّهُ إِنْ رَضِيَهُ، فَالْمَدْفُوعُ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِلَّا، فَهُوَ لِلْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَسْوَّدَ، وَالْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(3/399)


وَمِنْهَا: بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، لَا يَصِحُّ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُمُ الْحَدِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلسِّلَاحِ.
قُلْتُ: بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، صَحِيحٌ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ والرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْهِرَّةِ. قَالَ الْقَفَّالُ: الْمُرَادُ: الْهِرَّةُ الْوَحْشِيَّةُ، إِذْ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةُ اسْتِئْنَاسٍ وَلَا غَيْرِهِ.
قُلْتُ: مَذْهَبُنَا: أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ مِنْ أَوْجُهٍ، ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي صِحَّتِهِ. وَالثَّانِي: جَوَابُ الْقَفَّالِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ النَّاسَ يَتَسَامَحُونَ بِهِ وَيَتَعَاوَرُونَهُ. هَذِهِ أَجْوِبَةُ الْخَطَّابِيُّ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا: النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ.
وَمِنْهَا: النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. وَالشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إِلَى فَاسِدٍ، وَصَحِيحٍ. فَالْفَاسِدُ: يُفْسِدُ الْعَقْدَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمِنَ الْفَاسِدِ، إِذَا بَاعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ، بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ دَارَهُ، أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ دَارَهُ، وَبِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ عَشَرَةً، فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ. فَإِذَا أَتَيَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي، نَظَرَ، إِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ، صَحَّ، وَإِلَّا، فَلَا؛ لِأَنَّهُمَا يَأْتِيَانِ بِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، كَذَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُ. وَالْقِيَاسُ: صِحَّتُهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْإِمَامُ، وَحَكَاهُ عَنْ شَيْخِهِ فِي كِتَابِ «الرَّهْنِ» . وَلَوِ اشْتَرَى زَرْعًا، وَشَرَطَ عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَحْصُدَهُ، بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: فِيهِ قَوْلَانِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. وَقِيلَ: شَرْطُ الْحَصَادِ بَاطِلٌ. وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَفْرَدَ الشِّرَاءَ

(3/400)


بِعِوَضٍ وَالِاسْتِئْجَارَ بِعِوَضٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ، عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِجَارَةَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ هَذَا الزَّرْعَ، وَاسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى حَصَادِهِ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ: بِعْتُ وَأَجَّرْتُ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ. وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ هَذَا الزَّرْعَ بِعَشَرَةٍ، وَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَصْدِهِ بِدِرْهَمٍ، صَحَّ الشِّرَاءُ، وَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ. وَنَظَائِرُ مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ تُقَاسُ بِهَا، كَمَا إِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ صَبْغَهُ، وَخِيَاطَتَهُ، أَوْ لَبَنًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ طَبْخَهُ، أَوْ نَعْلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْعَلَ بِهِ دَابَّتَهُ، أَوْ عَبْدًا رَضِيعًا عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّ إِرْضَاعَهُ، أَوْ مَتَاعًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَالْبَائِعُ يَعْرِفُ بَيْتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، بَطَلَ قَطْعًا. وَلَوِ اشْتَرَى حَطَبًا عَلَى ظَهْرِ بَهِيمَةٍ مُطْلَقًا، فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيُسَلِّمُهُ إِلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ، أَمْ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَشْتَرِطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَقْتَضِي حَمْلَهُ إِلَى دَارِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ، فَمِنْ أَنْوَاعِهِ شَرْطُ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ فِي الثَّمَنِ. فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا، بَطَلَ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوْ أَجَّلَ الثَّمَنَ أَلْفَ سَنَةٍ، بَطَلَ الْعَقْدُ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ هَذِهِ الْمُدَّةَ. فَعَلَى هَذَا، يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْأَجَلِ، احْتِمَالُ بَقَائِهِ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: لَا يُشْتَرَطُ احْتِمَالُ بَقَائِهِ إِلَيْهِ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى وَارِثِهِ، لَكِنَّ التَّأْجِيلَ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَبْعُدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إِلَيْهِ، فَاسِدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ مَوْضِعُ الْأَجَلِ، إِذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ. فَأَمَّا ذِكْرُهُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ أُسَلِّمَهَا فِي وَقْتِ كَذَا، فَبَاطِلٌ، يُبْطِلُ الْبَيْعَ. وَلَوْ حَلَّ الْأَجَلُ، فَأَجَّلَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مُدَّةً، أَوْ زَادَ فِي الْأَجَلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ، فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ. كَمَا أَنَّ بَدَلَ الْإِتْلَافِ لَا يَتَأَجَّلُ وَإِنْ

(3/401)


أَجَّلَهُ. وَلَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى إِنْسَانٍ بِإِمْهَالِهِ مُدَّةً، لَزِمَ وَرَثَتَهُ إِمْهَالُهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَلْزَمُ، قَالَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» .
وَلَوْ أَسْقَطَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ الْأَجَلَ، فَهَلْ يَسْقُطُ حَتَّى يَتَمكَّنَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ، وَالصِّفَةُ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ، أَوِ الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ، لَوْ أَسْقَطَ صِفَةَ الْجَوْدَةِ وَالصِّحَّةِ، لَمْ تَسْقُطْ. وَمِنْ أَنْوَاعِهِ، شَرْطُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: شَرْطُ الرَّهْنِ، وَالْكَفِيلِ، وَالشَّهَادَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، أَوْ يَتَكَفَّلَ بِهِ كَفِيلٌ، أَوْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا. وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَشْرُطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كَفِيلًا بِالْعُهْدَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ. وَالْمُعْتَبَرُ فِي الرَّهْنِ الْمُشَاهَدَةُ أَوِ الْوَصْفُ بِصِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ. وَفِي الْكَفِيلِ الْمُشَاهَدَةُ، أَوِ الْمَعْرِفَةُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ، كَقَوْلِهِ: رَجُلٌ مُوسِرٌ ثِقَةٌ. هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ لِلْأَصْحَابِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الِاكْتِفَاءُ بِالْوَصْفِ أَوْلَى مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، لَمْ يَكُنْ مُبْعِدًا. وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْكَفِيلِ. فَإِذَا أَطْلَقَ، أَقَامَ مَنْ شَاءَ كَفِيلًا، وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَادَّعَى الْإِمَامُ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا، وَرَدَّ الْخِلَافَ إِلَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الشُّهُودَ، هَلْ يَتَعَيَّنُونَ؟ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِكَوْنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عِنْدَ عَدْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ إِنِ اتَّفَقَا عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ عَدْلٍ، وَإِلَّا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ عَدْلٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ رَهْنُهُ غَيْرَ الْمَبِيعِ. فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ، بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ، إِلَّا الْإِمَامَ، فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْبَدَاءَةَ بِالتَّسْلِيمِ بِمَنْ؟ فَإِنْ قُلْنَا: بِالْبَائِعِ أَوْ يُجْبِرَانِ، أَوْ لَا يُجْبِرَانِ، بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ. وَإِنْ قُلْنَا: بِالْمُشْتَرِي، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا.

(3/402)


وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ، سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِالثَّمَنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَرُدَّهُ إِلَيْهِ، بَطَلَ الْبَيْعُ أَيْضًا. وَلَوْ رَهَنَهُ بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، صَحَّ إِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَلَا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ لَهُ. وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، فَهُوَ كَرَهْنِ الْمَبِيعِ بِدَيْنٍ آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ. ثُمَّ إِذَا لَمْ يَرْهَنِ الْمُشْتَرِي مَا شَرَطَهُ، أَوْ لَمْ يَشْهَدْ، أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلِ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَلَا إِجْبَارَ، لَكِنْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ. وَلَا يَقُومُ رَهْنٌ وَكَفِيلٌ آخَرُ مَقَامَ الْمُعَيَّنِ. فَإِنْ فَسَخَ، فَذَاكَ. وَإِنْ أَجَازَ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدَيْنِ، فَامْتَنَعَا مِنَ التَّحَمُّلِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الشَّاهِدَيْنِ، فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ، وَإِلَّا، فَلَا. وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الرَّهْنِ، فَهَلَكَ الْمَرْهُونُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ تَعَيَّبَ، أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلَا خِيَارَ. وَلَوِ ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَوْ تَعَيَّبَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ، فَلَا أَرْشَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ:
فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ. وَالثَّانِي: يَبْطُلَانِ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. فَإِذَا صَحَّحْنَا الشَّرْطَ، فَذَاكَ إِذَا أَطْلَقَ، أَوْ قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ تُعْتِقَهُ عَنْ نَفْسِكَ. أَمَّا إِذَا قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ تُعْتِقَهُ عَنِّي، فَهُوَ لَاغٍ. ثُمَّ فِي الْعِتْقِ الْمَشْرُوطِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى،

(3/403)


كَالْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ، فَعَلَى هَذَا لِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَطْعًا. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، فَالْوَلَاءُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَمْ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ. فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْعِتْقِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى، أُجْبِرَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا: لِلْبَائِعِ، لَمْ يُجْبَرْ، بَلْ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْإِجْبَارِ، قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَوْلَى إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الطَّلَاقِ، فَيُعْتِقُهُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلٍ، وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يُعْتِقَ عَلَى قَوْلٍ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ احْتِمَالَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ الْحَبْسُ. فَإِذَا قُلْنَا: الْعِتْقُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ، فَأَسْقَطَهُ، سَقَطَ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ لَا يُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ، كَالْأَجَلِ، فَلَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ عَنِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْبَائِعِ، وَلَمْ يَأْذَنْ، لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ أَذِنَ، أَجْزَأَهُ عَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ، وَالْوَطْءُ وَالْإِكْسَابُ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ قُتِلَ، كَانَتِ الْقِيمَةُ لَهُ، وَلَا يُكَلِّفُهُ صَرْفَهَا إِلَى عَبْدٍ آخَرَ لِيُعْتِقَهُ. وَلَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عِتْقَهُ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ أَوْلَدَ الْجَارِيَةَ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْإِعْتَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الثَّمَنُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرَهُ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بِمِثْلِ نِسْبَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَالثَّالِثُ: لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ أَجَازَ الْعَقْدَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَرَدَّ مَا أَخَذَ مِنَ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. وَالرَّابِعُ: يَنْفَسِخُ. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لِلْبَائِعِ، أَمْ مُطَّرِدَةٌ، سَوَاءٌ قُلْنَا: لَهُ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى؟ فِيهِ رَأْيَانِ لِلْإِمَامِ. أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي.
قُلْتُ: وَهَذَا الثَّانِي، مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِطْلَاقِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يُكَاتِبَهُ، أَوْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ

(3/404)


أَوْ سَنَةٍ، أَوْ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَهَا وَقْفًا، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَشَرْطِ الْإِعْتَاقِ. وَجَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي شَرْطِ الْإِعْتَاقِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوَلَاءِ. فَأَمَّا إِذَا شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ كَوْنَ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا: أَنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطُ أَيْضًا، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْوَجْهُ عَنْ غَيْرِ الْإِمَامِ. وَلَوِ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْوَلَاءِ دُونَ شَرْطِ الْإِعْتَاقِ، بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِيَ الْوَلَاءُ إِنْ أَعْتَقْتَهُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا، ذَكَرَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» . وَلَوِ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوِ ابْنَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا، لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، فَإِنَّهُ يُعْتِقُ عَلَيْهِ قَبْلَ إِعْتَاقِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
قُلْتُ: قَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ «كَفَّارَةِ الظِّهَارِ» عَنِ ابْنِ كَجٍّ: أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَحَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا، هَلْ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ؟ وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَالْمَذْهَبُ: بُطْلَانُ الْبَيْعِ. وَعَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ: أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ فِي ضَبْطِ صَحِيحِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَفَاسِدِهَا

قَالَ الْأَصْحَابُ: الشَّرْطُ ضَرْبَانِ: مَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ. فَالْأَوَّلُ: كَالْإِقْبَاضِ وَالِانْتِفَاعِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهَا، فَلَا يَضُرُّ التَّعَرُّضُ لَهَا وَلَا يَنْفَعُ. وَالثَّانِي: قِسْمَانِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ. فَالْأَوَّلُ: قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ، كَشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُثَمَّنِ، كَشَرْطِ أَنْ يَكُونَ

(3/405)


الْعَبْدُ خَيَّاطًا، أَوْ كَاتِبًا، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا، كَشَرْطِ الْخِيَارِ. فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَتَصِحُّ فِي أَنْفُسِهَا. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: نَوْعَانِ. مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، وَمَا يَتَعَلَّقُ.
فَالْأَوَّلُ: كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا الْهَرِيسَةَ، وَلَا يَلْبَسَ إِلَّا الْخَزَّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، بَلْ يَلْغُو، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ. وَقَالَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» : لَوْ شَرَطَ الْتِزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بِأَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ، أَوْ يَصُومَ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ، أَوْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ. وَمُقْتَضَى هَذَا فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ. وَالثَّانِي: كَشَرْطِهِ أَنْ لَا يَقْبِضَ مَا اشْتَرَاهُ، أَوْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِهِمَا، وَكَشَرْطِ بَيْعِ آخَرَ، أَوْ قَرْضٍ، وَكَشَرْطِ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ إِنْ بَاعَهُ فَنَقَصَ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ وَأَشْبَاهُهَا فَاسِدَةٌ تُفْسِدُ الْبَيْعَ، إِلَّا الْإِعْتَاقَ عَلَى مَا سَبَقَ.
فَرْعٌ:
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ، لَا مِنْ مَالِكِ الْأُمِّ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا بَيْعًا مُطْلَقًا، دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ. وَلَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَلَوْ كَانَتِ الْأُمُّ لِإِنْسَانٍ، وَالْحَمْلُ لِآخَرَ، فَبَاعَ الْأُمَّ لِمَالِكِ الْحَمْلِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا بِحُرٍّ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ. وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً، أَوْ دَابَّةً بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْجَارِيَةِ قَطْعًا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ، أَمْ لَا. إِنْ قُلْنَا: لَا، لَمْ يَصِحَّ، وَإِلَّا،

(3/406)


صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا، أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنَ اللَّبَنِ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَإِنَّهُ وَصْفٌ تَابِعٌ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ الْجُبَّةَ بِحَشْوِهَا، فَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ، فَذِكْرُهُ تَأْكِيدٌ لِلَفْظِ الْجُبَّةِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ، فَإِذَا قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: فِي صُورَةِ الْجُبَّةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَفِي صُورَةِ الدَّابَّةِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا حَسَنٌ. وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا وَشَرَطَ وَضْعَهَا لِرَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا، وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَحَمْلِ الدَّابَّةِ وَالْجَارِيَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَلَوْ بَاعَ شَاةً بِشَرْطِ أَنَّهَا لَبُونٌ، فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ، لَكِنَّ الصِّحَّةَ هُنَا أَقْوَى. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَصِحُّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ صِفَةٍ فِيهَا لَا يَقْتَضِي وُجُودَ اللَّبَنِ فِيهَا حَالَةَ الْعَقْدِ، فَهُوَ كَشَرْطِ الْكِتَابَةِ فِي الْعَبْدِ. فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، كَانَ كَشَرْطِ الْحَمْلِ قَطْعًا. وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا رِطْلًا مِنَ اللَّبَنِ، بَطَلَ الْبَيْعُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ. وَلَوْ بَاعَ لَبُوْنًا، وَاسْتَثْنَى لَبَنَهَا، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى الصَّحِيحِ، كَاسْتِثْنَاءِ حَمْلِ الْجَارِيَةِ، وَالْكُسْبِ فِي بَيْعِ السِّمْسِمِ، وَالْحَبِّ فِي بَيْعِ الْقُطْنِ.
فَرْعٌ:
وَمِنَ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ بِاتِّفَاقٍ، أَوْ عَلَى خِلَافٍ، مَسَائِلُ نُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا مُخْتَصَرَةً.

(3/407)


مِنْهَا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ الثِّمَارِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَذْرُوعًا، بِشَرْطِ أَنْ يُكَالَ بِمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ بِوَزْنٍ [مُعَيَّنٍ] ، أَوْ بِذَرْعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ، فَفِيهِ خِلَافٌ نَشْرَحُهُ فِي بَابِ السَّلَمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي مَعْنَاهُ، تَعْيِينُ رَجُلٍ يَتَوَلَّى الْكَيْلَ أَوِ الْوَزْنَ.
وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ سُكْنَاهَا، أَوْ دَابَّةً اسْتَثْنَى ظَهْرَهَا، إِنْ لَمْ يُبَيِّنِ الْمُدَّةَ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا، وَإِنْ بَيَّنَهَا، لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ.
وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِنْ كَانَ حَالًّا، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْبَدَاءَةَ بِالتَّسْلِيمِ بِمَنْ؟ فَإِنْ جَعْلَنَا ذَلِكَ [مِنْ] مُقْتَضَى الْعَقْدِ، لَمْ يَضُرَّ ذِكْرُهُ، وَإِلَّا، فَيُفْسِدُ الْعَقْدَ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ [هَذِهِ] الصُّبْرَةَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ صَاعًا، فَإِنْ أَرَادَ هِبَةَ صَاعٍ أَوْ بَيْعِهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إِنْ خَرَجَتْ عَشَرَةَ [آصُعٍ] أَخَذْتُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَتِ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّةَ كُلِّ صَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً، صَحَّ. فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً، فَقَدْ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ وَتُسْعًا بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، عَلَى أَنْ أَنْقُصَكَ صَاعًا، فَإِنْ أَرَادَ رَدَّ صَاعٍ إِلَيْهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إِنْ خَرَجَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ، أَخَذْتُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَتِ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً، صَحَّ. فَإِنْ كَانَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ، فَقَدْ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَتُسْعٍ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ الْعِلْمِ أَيْضًا؛ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنِ الْمَحْمَلِ الْمَذْكُورِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ صَاعًا، أَوْ أَنْقُصَكَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ، فَهُوَ فَاسِدٌ.

(3/408)


وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ، فَخَرَجَتْ دُونَ الْمِائَةِ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: صِحَّةُ الْبَيْعِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ قَطْعًا لِلْإِشَارَةِ، وَصَارَ كَالْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ فَعَلَى هَذَا، لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ، وَلَا يَسْقُطُ بِحَطِّ الْبَائِعِ مِنَ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ. وَإِذَا أَجَازَ، يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبِقِسْطِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَلَوْ خَرَجَتْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ، فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْقَوْلَانِ. فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ. فَإِنْ أَجَازَ، كَانَتْ كُلُّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى، وَيُنَزَّلُ شَرْطُهُ مَنْزِلَةً مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَعِيبًا فَخَرَجَ سَلِيمًا، لَا خِيَارَ لَهُ. فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا تَفْسَخْ، فَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ شَائِعًا وَلَكَ الزِّيَادَةُ، لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْبَائِعِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ: لَا تَفْسَخْ لِأَزِيدَكَ فِي الثَّمَنِ لَمَا زَادَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ خِيَارُ الْبَائِعِ بِلَا خِلَافٍ. وَيُقَاسُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا إِذَا بَاعَ الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، أَوِ الْقَطِيعَ عَلَى أَنَّهُ عِشْرُونَ شَاةً، أَوِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ صَاعًا، وَحَصَلَ نَقْصٌ أَوْ زِيَادَةٌ. وَفَرَّقَ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» بَيْنَ الصُّبْرَةِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ: إِنْ زَادَتِ الصُّبْرَةُ، رَدَّ الزِّيَادَةَ. وَإِنْ نَقَصَتْ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي، أَجَازَ بِالْحِصَّةِ، وَفِيمَا سِوَاهَا يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدَكَ مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ عَلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ، فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ أَلْفٌ، وَعَلَى الْآمِرِ خَمْسُمِائَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ عَلَيَّ كَذَا.

(3/409)


فَصْلٌ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ شَرْطٌ،

فَذَلِكَ الشَّرْطُ ضَرْبَانِ: صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ، نَظَرَ: إِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ كَمَا سَبَقَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، مَا إِذَا عُيِّنَ الشُّهُودُ لِتَوْثِيقِ الثَّمَنِ، وَقُلْنَا: لَا يَتَعَيَّنُونَ، فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ، فَسَدَ الْبَيْعُ بِفَسَادِهِ، لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَلَنَا قَوْلٌ رَوَاهُ أَبُو ثَوْرٍ: أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ بِحَالٍ؛ لِقِصَّةِ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ، كَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، فَهَلْ يَفْسَدُ الْبَيْعُ لِفَسَادِهِمَا؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَفْسَدُ، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَالثَّانِي: لَا، كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ. وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، أَوْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، فَفِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَصْلٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا

، إِمَّا لِشَرْطٍ فَاسِدٍ، وَإِمَّا لِسَبَبٍ آخَرَ، ثُمَّ قَبَضَهُ، لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْقَبْضِ، وَلَا يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَيَلْزَمْهُ رَدُّهُ، وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهِ كَالْمَغْصُوبِ. وَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ، لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ. وَلَا يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ وَوَجْهٌ لِلْإِصْطَخْرِيِّ: أَنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَيُقَدَّمُ بِهِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَتَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ، أَمْ

(3/410)


تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ. وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ، فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ، وَإِنْ تَلِفَ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ، كَالْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كُلَّ لَحْظَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِرَدِّهِ. وَفِي وَجْهٍ: تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ. وَفِي وَجْهٍ: يَوْمَ الْقَبْضِ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ هَذَا الْخِلَافِ بِالْأَقْوَالِ. وَكَيْفَ كَانَ، فَالْمَذْهَبُ: اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ. وَمَا حَدَثَ مِنَ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ، كَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ، وَالْمُتَّصِلَةِ، كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَزَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ عِنْدَ التَّلَفِ. وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْعَبْدِ مُدَّةً، لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا لَا يَرْجِعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً، فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ جَاهِلِينَ، فَلَا حَدَّ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ. وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ، وَجَبَ الْحَدُّ إِنِ اشْتَرَاهَا بِمَيْتَةٍ، أَوْ دَمٍ. وَإِنِ اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ، أَوْ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ، فَلَا حَدَّ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُمَلِّكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ الْحَدُّ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ، وَإِنْ كَانَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ. وَإِذَا لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ، وَجَبَ الْمَهْرُ. فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَجَبَ مَعَ مَهْرِ الْبِكْرِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ. أَمَّا مَهْرُ الْبِكْرِ، فَلِلِاسْتِمْتَاعِ بِبِكْرٍ. وَأَمَّا الْأَرْشُ، فَلِإِتْلَافِ الْبَكَارَةِ. وَإِنِ اسْتَوْلَدَهَا، فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلشُّبْهَةِ. فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. بِخِلَافِ مَا لَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً وَاسْتَوْلَدَهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةً، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ فِي الْحَالِ أُمَّ وَلَدٍ. فَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا فِي وَقْتٍ، فَقَوْلَانِ. وَإِنْ نَقَصَتْ بِالْحَمْلِ أَوِ الْوَضْعِ، لَزِمَهُ الْأَرْشُ. وَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ مَيِّتًا، فَلَا قِيمَةَ. لَكِنْ إِنْ سَقَطَ بِجِنَايَةٍ، وَجَبَتِ الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَالْغُرَّةِ، وَيُطَالِبُ

(3/411)


بِهِ الْمَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنَ الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي. وَلَوْ مَاتَتْ فِي الطَّلْقِ، لَزِمَهُ قِيمَتُهَا، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِشُبْهَةٍ فَأَحْبَلَهَا فَمَاتَتْ فِي الطَّلْقِ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَأَخَوَاتُهَا، مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ «الرَّهْنِ» وَاضِحَةٌ.
فَرْعٌ:
لَوِ اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا، فَبَاعَهُ لِآخَرَ، فَهُوَ كَالْغَاصِبِ يَبِيعُ الْمَغْصُوبَ. فَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِ الثَّانِي، لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَى الْمَالِكِ. فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، نَظَرَ، إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِمَا سَوَاءً، أَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الثَّانِي أَكْثَرَ، رَجَعَ الْمَالِكُ بِالْجَمِيعِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ. وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ، فَضَمَانُ النَّقْصِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْبَاقِي يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي. وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ فِي يَدِ الثَّانِي، يُطَالِبُ بِهِ الْأَوَّلَ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَا حُكْمُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.

فَصْلٌ إِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ حَذَفَا الشَّرْطَ،

لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَذْفُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ. وَفِي وَجْهٍ: يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِنْ حُذِفَ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَلَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ، أَوْ زَادَ إِثْبَاتُ الْخِيَارِ، أَوِ الْأَجَلِ، أَوْ قَدْرُهُمَا، نَظَرَ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، لَمْ يَلْحَقْ بِالْعَقْدِ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ وَالصَّدَاقِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا الْحَطُّ، لَا يُلْحَقُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ، حَتَّى إِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِمَا سُمِّيَ فِي الْعَقْدِ، لَا بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ. وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْإِلْحَاقَاتُ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي زَمَنِ خِيَارِ الشَّرْطِ، فَأَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: لَا يُلْحَقُ،

(3/412)


وَصَحَّحَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» . وَالثَّانِي: يُلْحَقُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ، دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ، قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ، وَالْقَفَّالُ. وَالثَّالِثُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: يُلْحَقُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ. فَعَلَى هَذَا فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ، وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَصَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، أَوْ قُلْنَا: مَوْقُوفٌ وَفُسِخَ الْعَقْدُ، فَأَمَّا إِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي، أَوْ قُلْنَا إِنَّهُ مَوْقُوفٌ وَأُمْضِيَ الْعَقْدُ، فَلَا يُلْحَقُ كَمَا بَعْدَ اللُّزُومِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْجَوَازَ مُطَّرِدٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ. فَإِذَا قُلْنَا: يُلْحَقُ، فَالزِّيَادَةُ تَلْزَمُ الشَّفِيعَ كَمَا تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ. وَفِي الْحَطِّ قَبْلَ اللُّزُومِ، مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ. فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْعَقْدِ، انْحَطَّ عَنِ الشَّفِيعِ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: مَا يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ، لَهُ حُكْمُ الْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فِي إِفْسَادِهِ، وَيَنْحَطُّ جَمِيعُ الثَّمَنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ.

الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْمَنَاهِي: مَا لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. فَمِنْهُ الِاحْتِكَارُ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ، وَلَا يَدَعَهُ لِلضُّعَفَاءِ، وَيَحْبِسَهُ لِيَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ. وَلَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ لِيَبِيعَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ. وَلَا بَأْسَ بِإِمْسَاكِ غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ لِيَبِيعَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَبِيعَ مَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ. وَفِي كَرَاهَةِ إِمْسَاكِهِ وَجْهَانِ. ثُمَّ تَحْرِيمُ الِاحْتِكَارِ يَخْتَصُّ بِالْأَقْوَاتِ.
وَمِنْهَا: التَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ.
وَمِنْهَا: التَّسْعِيرُ، وَهُوَ حَرَامٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ دُونَ الرُّخْصِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَجْلُوبًا، حَرُمَ التَّسْعِيرُ. وَإِنْ كَانَ يُزْرَعُ فِي الْبَلَدِ وَيَكُونُ عِنْدَ الْقُنَاةِ، جَازَ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا التَّسْعِيرَ، فَذَلِكَ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَيَلْحَقُ بِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا سَعَّرَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ، فَخَالَفَ، اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ. وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي «التَّتِمَّةِ» .

(3/413)

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: صِحَّةُ الْبَيْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ يَحْرُمُ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لَبَادٍ،

وَهُوَ أَنْ يَقْدُمَ إِلَى الْبَلَدِ بَدَوِيٌّ أَوْ قَرَوِيٌّ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ، لِيَرْجِعَ إِلَى وَطَنِهِ، فَيَأْتِيهِ بَلَدِيٌّ فَيَقُولُ: ضَعْ مَتَاعَكَ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ لَكَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى مِنْ هَذَا السِّعْرِ. وَلِتَحْرِيمِهِ، شُرُوطٌ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ فِيهِ. وَهَذَا شَرْطٌ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَنَاهِي. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ الْمَجْلُوبُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، كَالْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا. فَأَمَّا مَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا نَادِرًا، فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَظْهَرَ بِبَيْعِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ سَعَةٌ فِي الْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِكِبَرِ الْبَلَدِ، أَوْ قِلَّةِ مَا مَعَهُ، أَوْ لِعُمُومِ وَجُودِهِ وَرُخْصِ السِّعْرِ، فَوَجْهَانِ أَوْفَقُهُمَا لِلْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَعْرِضَ الْحَضَرِيُّ، ذَلِكَ عَلَى الْبَدَوِيِّ وَيَدْعُوَهُ إِلَيْهِ. أَمَّا إِذَا الْتَمَسَ الْبَدَوِيُّ مِنْهُ بِيعَهُ تَدْرِيجًا، أَوْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ فِي الْبَلَدِ لِيَبِيعَهُ كَذَلِكَ، فَسَأَلَ الْبَلَدِيَّ تَفْوِيضَهُ إِلَيْهِ، فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ، وَلَوْ أَنَّ الْبَلَدِيَّ اسْتَشَارَ الْبَلَدِيَّ فِيمَا فِيهِ حَظُّهُ، فَهَلْ يُرْشِدُهُ إِلَى الِادِّخَارِ وَالْبَيْعِ عَلَى التَّدْرِيجِ؟ وَجْهَانِ. حَكَى الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِرْشَادُهُ إِلَيْهِ، أَدَاءً لِلنَّصِيحَةِ. وَعَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ: أَنَّهُ لَا يُرْشِدُهُ إِلَيْهِ تَوْسِيعًا عَلَى النَّاسِ. ثُمَّ لَوْ بَاعَ الْبَلَدِيُّ لِلْبَدَوِيِّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِ التَّحْرِيمِ، أَثِمَ وَصَحَّ الْبَيْعُ.
قُلْتُ: قَالَ الْقَفَّالُ: الْإِثْمُ عَلَى الْبَلَدِيِّ دُونَ الْبَدَوِيِّ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(3/414)


فَصْلٌ يَحْرُمُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ،

وَهُوَ أَنْ يَتَلَقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ طَعَامًا إِلَى الْبَلَدِ، فَيَشْتَرِيَهِ مِنْهُمْ قَبْلَ قُدُومِهِمُ الْبَلَدَ وَمَعْرِفَةِ سِعْرِهِ. وَشَرْطُ تَحْرِيمِهِ، أَنْ يَعْلَمَ النَّهْيَ وَيَقْصِدَ التَّلَقِّي. فَلَوْ خَالَفَ فَتَلَقَّى وَاشْتَرَى، أَثِمَ، وَصَحَّ الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمُوا وَيَعْلَمُوا السِّعْرَ، وَبَعْدَهُ يَثْبُتُ لَهُمُ الْخِيَارُ إِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ أَخَبْرَ كَاذِبًا أَوْ لَمْ يُخْبِرْ. وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجْهَانِ. الْأَصَحُّ: لَا خِيَارَ لَهُمْ. وَلَوِ ابْتَدَأَ الْقَادِمُونَ فَالْتَمَسُوا مِنْهُ الشِّرَاءَ وَهُمْ عَالِمُونَ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرُ عَالِمِينَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ التَّلَقِّي، بَلْ خَرَجَ لِشُغُلٍ مِنِ اصْطِيَادٍ وَغَيْرِهِ، فَرَآهُمْ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَعْصِي؛ لِعَدَمِ التَّلَقِّي، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: يَعْصِي؛ لِشُمُولِ الْمَعْنَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا خِيَارَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مَغْبُونِينَ. وَقِيلَ: إِنْ أَخْبَرَ بِالسِّعْرِ كَاذِبًا، فَلَهُمُ الْخِيَارُ. وَحَيْثُ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي: يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَلَوْ تَلَقَّى الرُّكْبَانَ وَبَاعَهُمْ مَا يَقْصِدُونَ شِرَاءَهُ مِنَ الْبَلَدِ، فَهَلْ هُوَ كَالْمُتَلَقِّي لِلشِّرَاءِ؟ وَجْهَانِ.

فَصْلٌ يَحْرُمُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ.

وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ، فَيَجِيءَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ وَيَقُولَ: رُدَّهُ حَتَّى أَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ، أَوْ يَقُولَ لِمَالِكِهِ: اسْتَرِدَّهُ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ. فَأَمَّا مَا يُطَافُ بِهِ فِيمَنْ يَزِيدُ وَطَلَبَهُ طَالِبٌ، فَلِغَيْرِهِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ، إِذَا حَصَلَ

(3/415)


التَّرَاضِي صَرِيحًا. فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، وَلَكِنْ جَرَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، فَفِي التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَحْرُمُ. فَإِنْ لَمْ يَجْرِ شَيْءٌ، بَلْ سَكَتَ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالرَّدِّ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَيَحَرُمُ أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ. فَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ: افْسَخْ لِأَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ أَرْخَصَ. وَالشِّرَاءُ عَلَى شِرَائِهِ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ: افْسَخْ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ. وَشَرَطَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ، أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا غَبْنَا مُفْرِطًا. فَإِنْ كَانَ، فَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ وَيَبِيعَ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ النَّصِيحَةِ.
قُلْتُ: هَذَا الشَّرْطُ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي بَيْعِهِ، ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ عَلَى الصَّحِيحِ.

فَصْلٌ يَحْرُمُ النَّجْشُ

وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلْبَيْعِ وَهُوَ غَيْرُ رَاغِبٍ فِيهَا لِيَغُرَّ غَيْرَهَ. فَإِنِ اغْتَرَّ بِهِ إِنْسَانٌ فَاشْتَرَاهَا، صَحَّ الْبَيْعُ، ثُمَّ لَا خِيَارَ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّاجِشُ بِمُوَاطَأَةٍ مِنَ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ، فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: أَعْطَيْتُ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ كَذَا، فَصَدَّقَهُ وَاشْتَرَاهُ، فَبَانَ خِلَافُهُ، قَالَ ابْنَ الصَّبَّاغِ: فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، الْوَجْهَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِتَعْصِيَةِ النَّاجِشِ، وَشَرَطَ فِي تَعْصِيَةِ الْبَائِعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ النَّجْشَ خَدِيعَةٌ، وَتَحْرِيمُ الْخَدِيعَةِ وَاضِحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، مَعْلُومٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا

(3/416)


الْحَدِيثَ، وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، إِنَّمَا عُرِفَ تَحْرِيمُهُ مِنَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ فَلَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ هَذَا الْخَبَرَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، إِضْرَارٌ أَيْضًا، وَتَحْرِيمُ الْإِضْرَارِ مَعْلُومٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ، وَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ التَّعْصِيَةِ بِمَنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ.

فَصْلٌ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا

، وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ فِي الْعِتْقِ، وَلَا فِي الْوَصِيَّةِ. وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَجْهَانِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَلَدَهَا الصَّغِيرَ، ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا، جَازَ، وَحُكْمُ التَّفْرِيقِ فِي الرَّهْنِ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ. وَإِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ تَسْلِيمِهِ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْبَزَّازُ: الْقَوْلَانِ فِي التَّفْرِيقِ بَعْدَ أَنْ تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، أَمَّا قَبْلَهُ، فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَإِلَى مَتَى يَمْتَدُّ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ؟ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: إِلَى الْبُلُوغِ. وَأَظْهَرُهُمَا: إِلَى بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ تَقْرِيبًا. وَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَلَوْ فَرَّقَ بَعْدَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، يَصِحُّ قَطْعًا. وَلَوْ كَانَتِ الْأُمُّ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرًّا، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَا مَنْعَ مِنْ بَيْعِ الرَّقِيقِ مِنْهُمَا. وَهَلِ الْجَدَّةُ وَالْأَبُ وَسَائِرُ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ؟ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي فِي كِتَابِ «السِّيَرِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنِ اللَّبَنِ، جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ الشَّاذُّ فِي مَنْعِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا، هُوَ فِي التَّفْرِيقِ بِغَيْرِ الذَّبْحِ. وَأَمَّا ذَبْحُ أَحَدِهِمَا، فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(3/417)


فَصْلٌ بَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مِمَّنْ يُتَوَهَّمُ اتِّخَاذُهُ إِيَّاهُ نَبِيذًا، أَوْ خَمْرًا، مَكْرُوهٌ

. وَإِنْ تَحَقَّقَ اتِّخَاذُهُ ذَلِكَ، فَهَلْ يَحْرُمُ، أَوْ يُكْرَهُ؟ وَجْهَانِ. فَلَوْ بَاعَ، صَحَّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: التَّحْرِيمُ. ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْإِحْيَاءِ» : بَيْعُ الْغِلْمَانِ الْمُرْدِ، إِنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ بِالْغِلْمَانِ، لَهُ حُكْمُ بَيْعِ الْعِنَبِ مِنَ الْخِمَارِ. وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي إِلَى مَعْصِيَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَيْعُ السِّلَاحِ لِلْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، مَكْرُوهٌ، وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ. وَتُكْرَهُ مُبَايَعَةُ مَنِ اشْتَمَلَتْ يَدُهُ عَلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَلَالُ أَكَثُرَ، أَوْ بِالْعَكْسِ. فَلَوْ بَاعَهُ، صَحَّ.
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ دَخَلَ قَرْيَةً يَسْكُنُهَا مَجُوسٌ، لَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ اللَّحْمِ مِنْهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَهْلِيَّةَ الذَّابِحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ، فَلَا يَزَالُ إِلَّا يَقِينٌ أَوْ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ لَيْسَ مِنَ الْمَنَاهِي بَيْعُ الْعِينَةِ

- بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْيَاءِ نُونٌ - وَهُوَ أَنْ

(3/418)


يَبِيعَ غَيْرَهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا. وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ نَقْدًا وَيَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ إِلَى أَجَلٍ، سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ، أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ صَارَتِ الْعِينَةُ عَادَةً لَهُ غَالِبَةً فِي الْبَلَدِ، أَمْ لَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ، وَأَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَايِينِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: بِأَنَّهُ إِذَا صَارَ عَادَةً لَهُ، صَارَ الْبَيْعُ الثَّانِي كَالْمَشْرُوطِ فِي الْأَوَّلِ، فَيَبْطُلَانِ جَمِيعًا.

(3/419)


فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ، وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ، وَكُتُبِ الْحَدِيثِ

وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: يُكْرَهُ بَيْعُ الْمُصْحَفِ. قُلْتُ: وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى كَرَاهَةِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يُكْرَهُ، وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، يَجُوزُ بَيْعُهَا بِلَا كَرَاهَةٍ.
وَمِنَ الْمَنَاهِي: الْبَيْعُ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهَا. وَمِنْهَا فِي الْحَدِيثِ: نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ تَأْوِيلَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ بِهِ: الْمُكْرَهُ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إِنْ أُكْرِهَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ صَحَّ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ، فَتَحْتَاجُ إِلَى بَيْعِ مَا مَعَهُ بِالْوَكْسِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُبْتَاعَ مِنْهُ، بَلْ يُعَانَ، إِمَّا بِهِبَةٍ، وَإِمَّا بِقَرْضٍ، وَإِمَّا بِاسْتِمْهَالِ صَاحِبِ الدَّيْنِ. فَإِنِ اشْتَرَى مِنْهُ صَحَّ.

(3/420)


وَمِنْهَا: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا فِيهِ عَيْبٌ، إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَهُ، وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ.
وَمِنْهَا: النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الِاعْتِكَافِ.
وَمِنْهَا: يُكْرَهُ غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعِينَةِ، وَسَبَقَ بَيَانُهُ.
وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» . قَالَ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ

(3/421)


عَلَى مَا إِذَا أَفْرَدَ مَاءَ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ، بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شُرْبِهَا مِنَ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ وَادٍ، صَحَّ، وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا. وَكَذَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي إِنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مُجْتَمِعًا، فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ مُفْرَدًا وَتَابِعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية