الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

بَابُ الرِّبَا روضة الطالبين وعمدة المفتين النووي

بَابُ الرِّبَا روضة الطالبين وعمدة المفتين النووي
الكتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موضوع: الفقه علي مذهب الشافعي

فهرس بَاب الرِّبَا
  1. فَصْلٌ إِذَا بَاعَ مَالًا بِمَالٍ، فَلَهُ حَالَانِ
  2. فَصْلٌ مِعْيَارُ الشَّرْعِ الَّذِي تُرْعَى الْمُمَاثَلَةُ بِهِ
  3. فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمُدِّ عَجْوَةٍ
  4. فَصْلٌ فِي الْحَالِ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، الرِّبَوِيُّ ضَرْبَانِ. مَا يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَمَا لَا يَتَغَيَّرُ
  5. فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْجِنْسِيَّةِ
  6. العودة الي كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين
بَابُ الرِّبَا
إِنَّمَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ. فَأَمَّا الْمَطْعُومُ، فَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، أَمْ لَا، هَذَا هُوَ الْجَدِيدُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَالْقَدِيمُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ الطُّعْمِ الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ. فَعَلَى هَذَا، لَا رِبَا فِي السَّفَرْجَلِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ. وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الطُّعْمُ، وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ. وَالْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ: مَا يُعَدُّ لِلطُّعْمِ غَالِبًا تَقَوُّتًا، أَوْ تَأَدُّمًا، أَوْ تَفَكُّهًا، أَوْ غَيْرَهَا، فَيَدْخُلُ فِي الْفَوَاكِهِ، وَالْحُبُوبِ، وَالْبُقُولِ، وَالتَّوَابِلِ، وَغَيْرِهَا. وَسَوَاءٌ مَا أُكِلَ نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ، وَالطَّرْثُوثِ، وَمَا أُكِلَ غَالِبًا، وَمَا أُكِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ. وَيَجْرِي الرِّبَا فِي الزَّعْفَرَانِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ مَا أُكِلَ لِلتَّدَاوِي كَالْإِهْلِيلَجِ، وَالْبَلِيلَجِ، وَالسَّقَمُونِيَا وَغَيْرِهَا، وَمَا أُكِلَ لِغَرَضٍ آخَرَ. وَفِي «التَّتِمَّةِ» وَجْهٌ: أَنَّهُ مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّقَمُونِيَا، لَا رِبَا فِيهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالطِّينُ الْخُرَاسَانِيُّ، لَيْسَ رِبَوِيًّا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالْأَرْمَنِيُّ رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ دَوَاءٌ. وَدُهْنُ الْبَنَفْسَجِ، وَالْوَرْدِ، وَالَبَّانِ، رِبَوِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَدُهْنُ الْكَتَّانِ، وَالسَّمَكِ، وَحَبُّ الْكَتَّانِ، وَمَاءُ الْوَرْدِ، وَالْعُودِ، لَيْسَ رِبَوِيًّا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالزَّنْجَبِيلُ، وَالْمَصْطَكَى، رِبَوِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالْمَاءُ إِذَا صَحَّحْنَا بَيْعَهُ، رِبَوِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ، وَلَكِنْ مَا يُبَاحُ أَكْلُهُ عَلَى هَيْئَتِهِ كَالسَّمْكِ الصَّغِيرِ، عَلَى وَجْهٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، فَقِيلَ: يَثْبُتُ الرِّبَا فِيهِمَا

(3/379)


لِعَيْنِهِمَا، لَا لِعِلَّةٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْعِلَّةُ فِيهِمَا صَلَاحِيَةُ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: جَوْهَرِيَّةُ الْأَثْمَانِ غَالِبًا. وَالْعِبَارَتَانِ تَشْمَلَانِ التِّبْرَ، وَالْمَضْرُوبَ، وَالْحُلِيَّ، وَالْأَوَانِيَ مِنْهُمَا. وَفِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إِلَى الْفُلُوسِ إِذَا رَاجَتْ وَجْهٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِمَا لِانْتِفَاءِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ. وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ الْفُلُوسِ مِنَ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَغَيْرِهَا قَطْعًا.

فَصْلٌ إِذَا بَاعَ مَالًا بِمَالٍ، فَلَهُ حَالَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَا رِبَوِبَّيْنِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا. فَالْحَالُ الْأَوَّلُ يَشْمَلُ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا رِبَوِيٌّ، وَمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا.
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي هَذَا الْحَالِ، لَا تَجِبُ رِعَايَةُ التَّمَاثُلِ، وَلَا الْحُلُولِ، وَلَا التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْجِنْسُ، أَوِ اخْتَلَفَ. حَتَّى لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِحَيَوَانَيْنِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسِهِ، جَازَ. وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِي: فَتَارَةً يَكُونَانِ رِبَوِيَّيْنِ بِعِلَّتَيْنِ، وَتَارَةً بِعِلَّةٍ. فَإِنْ كَانَا بِعِلَّتَيْنِ، لَمْ تَجِبْ رِعَايَةُ التَّمَاثُلِ وَلَا التَّقَابُضِ وَلَا الْحُلُولِ.
وَمِنْ صُوَرِهِ: أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ فِي الْحِنْطَةِ، أَوْ يَبِيعَ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْفِضَّةِ، نَقْدًا، أَوْ نَسِيئَةً وَإِنْ كَانَا بِعِلَّةٍ. فَإِنِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ، بِأَنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَالْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ، ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الرِّبَا الثَّلَاثَةُ، فَتَجِبُ رِعَايَةُ التَّمَاثُلِ وَالْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، لَمْ تُعْتَبَرِ الْمُمَاثَلَةُ، وَيُعْتَبَرُ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ.

(3/380)


فَرْعٌ:
حَيْثُ اعْتَبَرْنَا التَّقَابُضَ، فَتَفَرَّقَا قَبْلَهُ، بَطَلَ الْعَقْدُ. وَلَوْ تَقَابَضَا بَعْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ العِوَضَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَا، بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ. وَفِي الْمَقْبُوضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَالتَّخَايُرُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، كَالتَّفَرُّقِ، فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَبْطُلُ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ. وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا بِالْقَبْضِ، فَقَبَضَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمُوَكَّلِ الْمَجْلِسَ، جَازَ، وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ.
فَرْعٌ:
قَدْ سَبَقَ: بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مَعَ زِيَادَةٍ لَا يَجُوزُ. فَلَوْ أَرَادَ بَيْعَ صِحَاحٍ بِمُكَسَّرَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ الزِّيَادَةِ، فَلَهُ طُرُقٌ.
مِنْهَا: أَنْ يَبِيعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ بِعَرْضٍ. فَإِذَا تَقَابَضَا وَتَخَايَرَا، أَوْ تَفَرَّقَا، اشْتَرَى مِنْهُ الدَّرَاهِمَ الْمُكَسَّرَةَ بِالدِّنَانِيرِ أَوِ الْعَرْضَ، فَيَصِحُّ ذَلِكَ، سَوَاءٌ اتَّخَذَهُ عَادَةً، أَمْ لَا. وَلَوِ اشْتَرَى الْمُكَسَّرَةَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوِ الْعَرْضِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالتَّخَايُرِ، جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالتَّخَايُرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ خِيَارِ الْعَاقِدِ الْآخَرِ، وَهُنَا يَحْصُلُ بِتَبَايُعِهِمَا الثَّانِي إِجَازَةُ الْأَوَّلِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُقْرِضَ صَاحِبَهُ الصِّحَاحَ، وَيَسْتَقْرِضَ مِنْهُ الْمُكَسَّرَةَ، ثُمَّ يُبْرِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ.

(3/381)


وَمِنْهَا: أَنْ يَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مَالَهُ لِلْآخَرِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَبِيعَ الصِّحَاحَ بِوَزْنِهَا مَكْسُورَةً، وَيَهَبَهُ صَاحِبُ الْمَكْسُورَةِ الزِّيَادَةَ، فَجَمِيعُ هَذِهِ الطُّرُقِ جَائِزَةٌ، إِذَا لَمْ يَشْرُطْ فِي إِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ وَبَيْعِهِ مَا يَفْعَلُهُ الْآخَرُ.
قُلْتُ: هَذِهِ الطُّرُقُ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً عِنْدَنَا، فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إِذَا نَوَيَا ذَلِكَ. وَدَلَائِلُ الْكَرَاهَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ:
لَوْ بَاعَ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةٍ، جَازَ، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِ الدِّينَارَ لِيَحْصُلَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْقَابِضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ عَشَرَةٌ عَلَيْهِ، فَأَعْطَاهُ عَشَرَةً عَدَدًا فَوُزِنَتْ، فَكَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ، كَانَ الدِّينَارُ الْفَاضِلُ لِلدَّافِعِ عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ إِذَا سَلَّمَ الدَّرَاهِمَ الْخَمْسَةَ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَهَا وَيَشْتَرِيَ بِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ. وَلَوْ بَاعَهُ كُلَّ الدِّينَارِ بِعَشَرَةٍ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةٌ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ خَمْسَةً أُخْرَى، فَقَبَضَهَا وَرَدَّهَا إِلَيْهِ عَنِ الثَّمَنِ، جَازَ، وَلَوِ اسْتَقْرَضَ الْخَمْسَةَ الْمَدْفُوعَةَ، لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَصْلٌ مِعْيَارُ الشَّرْعِ الَّذِي تُرْعَى الْمُمَاثَلَةُ بِهِ،

هُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ. فَالْمَكِيلُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا، وَلَا يَضُرُّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْكَيْلِ التَّفَاوُتُ وَزْنًا. وَالْمَوْزُونُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا، وَلَا يَضُرُّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْوَزْنِ التَّفَاوُتُ كَيْلًا.

(3/382)


وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، مَوْزُونَانِ. وَالْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْمِلْحُ، وَنَحْوُهَا، مَكِيلَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَكِيلًا بِالْحِجَازِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ مَكِيلٌ، وَمَا كَانَ مَوْزُونًا، فَمَوْزُونٌ. فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَا اعْتِبَارَ بِإِحْدَاثِهِمْ. فَلَوْ كَانَ الْمِلْحُ قِطَعًا كِبَارًا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُسْحَقُ وَيُبَاعُ كَيْلًا، فَإِنَّهُ الْأَصْلُ. وَأَصَحُّهُمَا: يُبَاعُ وَزْنًا اعْتِبَارًا بِهَيْئَتِهِ فِي الْحَالِ. وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَتَجَافَى فِي الْكَيْلِ، يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ كَانَ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ يُكَالُ، أَمْ يُوزَنُ؟ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يُوزَنُ مَرَّةً وَيُكَالُ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنْ كَانَ أَكْبَرَ جَرْمًا مِنَ التَّمْرِ، اعْتُبِرَ فِيهِ الْوَزْنُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَصْغَرَ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: تُعْتَبَرُ عَادَةُ الْوَقْتَ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: عَادَةُ الْوَقْتِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ. فَإِنِ اخْتَلَفَتْ وَلَا غَالِبَ، اعْتَبَرْنَا شِبْهَ الْأَشْيَاءِ بِهِ. وَالثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ. وَالرَّابِعُ: الْكَيْلُ. وَالْخَامِسُ: يُعْتَبَرُ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِهِ. وَالسَّادِسُ: يُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْخِلَافَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْءِ أَصْلٌ مَعْلُومُ الْعِيَارِ. أَمَّا إِذَا اسْتُخْرِجَ مَا هَذَا حَالُهُ مِنْ أَصْلٍ. فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِأَصْلِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَسَوَاءٌ الْمِكْيَالُ الْمُعْتَادُ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَائِرُ الْمَكَايِيلِ الْمُحْدَثَةِ بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّا إِذَا عَرَفْنَا التَّسَاوِيَ بِالتَّعْدِيلِ فِي كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، تَكْتَفِي بِهِ وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ قَدْرَ مَا فِي كُلِّ كِفَّةٍ. وَفِي الْكَيْلِ بِالْقَصْعَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَادُ الْكَيْلُ بِهِ، تَرَدُّدٌ لِلْقَفَّالِ. وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ. وَالْوَزْنُ بِالطَّيَّارِ وَالْقَرَسْطُونِ وَزْنٌ. وَأَمَّا الْمَاءُ، فَقَدْ يَتَأَتَّى بِهِ الْوَزْنُ، بِأَنْ يُوضَعَ الشَّيْءُ فِي ظَرْفٍ وَيُلْقَى فِي الْمَاءِ، وَيُنْظَرَ قَدْرُ غَوْصِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ.
قُلْتُ: قَدْ عَوَّلَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَفِي الزَّكَاةِ، فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِهِ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(3/383)


فَرْعٌ:
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، كُلُّهُ فِي مُقَدَّرٍ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ. أَمَّا مَا لَا يُقَدَّرُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، كَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ: إِنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَيْفَ شَاءَ، حَتَّى قَالَ الْقَفَّالُ: لَوْ جُفِّفَ شَيْءٌ مِنْهَا، وَكَانَ يُوزَنُ فِي جَفَافِهِ، فَلَا رِبَا فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ فِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ حَالُ الرُّطُوبَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ الرِّبَا فِيهِ، فَإِنَّهُ فِي حَالِ الْجَفَافِ مَطْعُومٌ مُقَدَّرٌ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ: إِنَّ فِيهِ الرِّبَا، جَازَ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَأَمَّا بِجِنْسِهِ، فَيُنْظَرُ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُجَفَّفُ، كَالْبِطِّيخِ الَّذِي يُفَلَّقُ، وَحَبِّ الرُّمَّانِ الْحَامِضِ، وَكُلِّ مَا يُجَفَّفُ مِنَ الثِّمَارِ، وَإِنْ مُقَدَّرًا كَالْمِشْمِشِ، وَالْخَوْخِ، وَالْكُمِّثْرَى الَّذِي يُفَلَّقُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ، وَيَجُوزُ حَالَ الْجَفَافِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَى الشَّاذِّ: لَا يَجُوزُ، إِذْ لَيْسَ لَهُ حَالُ كَمَالٍ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُجَفَّفُ، كَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ؟ فِيهِ وَفِي الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَا تُجَفَّفُ، كَالرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ، وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَجُوزُ، كَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ، كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَيْلُهُ، كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ، بِيعَ وَزْنًا. وَإِنْ أَمْكَنَ، كَالتُّفَّاحِ وَالتِّينِ، فَيُبَاعُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: وَزْنًا، وَلَا بَأْسَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِتَفَاوُتِ الْعَدَدِ.
فَرْعٌ:
لَوْ أَرَادَ شَرِيكَانِ قِسْمَةَ رِبَوِيٍّ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ: إِنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ، لَمْ يَجُزْ

(3/384)


قِسْمَةُ الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَلَا الْمَوْزُونِ كَيْلًا. وَمَا لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، لَا يُقَسَّمُ أَصْلًا. وَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إِفْرَازٌ، جَازَ قِسْمَةُ الْمَكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ، وَجَازَ قِسْمَةُ الرُّطَبِ وَنَحْوِهِ وَزْنًا. وَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ خَرْصًا. وَيَجُوزُ قِسْمَتُهُمَا خَرْصًا إِذَا قُلْنَا: إِفْرَازٌ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ.
فَرْعٌ:
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ جُزَافًا، وَلَا بِالتَّخْمِينِ وَالتَّحَرِّي. فَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةٍ، أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ جُزَافًا، وَخَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ شَرْطٌ. وَشَرْطُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَلِهَذَا، لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَعْلَمُ أَهِيَ أُخْتُهُ، أَمْ مُعْتَدَّةٌ، أَمْ لَا؟ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَسَوَاءٌ جَهِلَا الصُّبْرَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ مُكَايَلَةً، أَوْ كَيْلًا بِكَيْلٍ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِتِلْكَ مُوَازَنَةً، أَوْ وَزْنًا بِوَزْنٍ، فَإِنْ كَالَا، أَوْ وَزَنَا، وَخَرَجَتَا سَوَاءً، صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَّا، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَصِحُّ فِي الْكَبِيرَةِ بِقَدْرِ مَا يُقَابِلُ الصَّغِيرَةَ، وَلِمُشْتَرِي الْكَبِيرَةِ الْخِيَارُ. وَحَيْثُ صَحَّحْنَا، فَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَقَابُضِ الْجُمْلَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، لَمْ يَبْطُلِ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِكَيْلِهَا مِنْ صُبْرَتِكَ، وَصُبْرَةُ الْمُخَاطَبِ أَكْبَرُ، صَحَّ. ثُمَّ إِنْ كَالَا فِي الْمَجْلِسِ وَتَقَابَضَا، تَمَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ تَقَابَضَا الْجُمْلَتَيْنِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْكَيْلِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ جُزَافًا، جَازَ، وَلَوْ بَاعَهَا بِهَا صَاعًا بِصَاعٍ، أَوْ بِصَاعَيْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.
قُلْتُ: قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إِذَا بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ، صَاعًا بِصَاعٍ، وَخَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ، صَحَّ. وَإِنْ تَفَاضَلَتَا، فَرَضِيَ صَاحِبُ الزَّائِدَةِ بِتَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ، تَمَّ

(3/385)


الْبَيْعُ، وَلَزِمَ الْآخَرَ قَبُولُهَا. وَإِنْ رَضِيَ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِقَدْرِهَا مِنَ الزَّائِدَةِ، أُقِرَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ تَشَاحَّا، فُسِخَ الْبَيْعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمُدِّ عَجْوَةٍ

وَمَقْصُودُهُ: أَنْ يَشْتَمِلَ الْعَقْدُ عَلَى رِبَوِيٍّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَيَخْتَلِفَ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، جِنْسًا، أَوْ نَوْعًا، أَوْ صِفَةً، وَهُوَ ضَرْبَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ الرِّبَوِيُّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ جِنْسًا، وَالثَّانِي: يَكُونُ جِنْسَيْنِ. فَالْأَوَّلُ: فِيهِ تَقَعُ الْقَاعِدَةُ الْمَقْصُودَةُ.
فَمِنْ صُوَرِهِ: أَنْ يَخْتَلِفَ الْجِنْسُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، كَمَا إِذَا بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ، وَدِرْهَمًا بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، أَوْ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ، أَوْ بِصَاعَيْ حِنْطَةٍ، أَوْ بِصَاعَيْ شَعِيرٍ.
وَمِنْ صُوَرِهِ: أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ أَوِ الصِّفَةُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، كَمَا إِذَا بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَمُدَّ صَيْحَانِيٍّ، بِمُدِّ عَجْوَةٍ، وَمُدِّ صَيْحَانِيٍّ، أَوْ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ، أَوْ بِمُدَّيْ صَيْحَانِيٍّ، أَوْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ جَيِّدَةٍ، وَمِائَةَ دِينَارٍ رَدِيئَةٍ [بِمِائَتَيْ] دِينَارٍ جَيِّدٍ، أَوْ رَدِيءٍ، أَوْ وَسَطٍ، أَوْ بِمِائَةِ جَيِّدٍ، وَمِائَةِ رَدِيءٍ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَظَائِرِهَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ إِذَا بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ، وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ، وَالْمُدَّانِ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِمِثْلِهِمَا، وَصَاعَا الْحِنْطَةِ مِنْ صُبْرَةٍ، وَكَذَا الشَّعِيرُ، صَحَّ. وَيُحْكَى هَذَا عَنِ الْقَاضِيَيْنِ أَبِي الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٍ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ. وَحَكَى صَاحِبُ «الْبَيَانِ» وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ، إِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ. وَالْمَعْرُوفُ مَا سَبَقَ.

(3/386)


وَمِنْ صُوَرِ هَذَا الْأَصْلِ: أَنْ يَبِيعَ دِينَارًا صَحِيحًا وَدِينَارًا مُكَسَّرًا بِدِينَارٍ صَحِيحٍ وَآخَرَ مُكَسَّرٍ، أَوْ بِصَحِيحَيْنِ، أَوْ بِمُكَسَّرَيْنِ إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُكَسَّرِ دُونَ الصَّحِيحِ، وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّ صِفَةَ الصِّحَّةِ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ. ثُمَّ إِنَّ الْأَصْحَابَ، أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ فِي حِكَايَتِهِمُ الْمَذْهَبَ. وَحَكَى صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» : أَنَّهُ إِذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ، بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْمُدِّ الْمَضْمُومِ إِلَى الدِّرْهَمِ وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنَ الْمُدَّيْنِ. وَهَلْ يَبْطُلُ فِي الدِّرْهَمِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنَ الْمُدَّيْنِ؟ فِيهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَا لَوْ بَاعَهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ، بِصَاعَيْ حِنْطَةٍ، أَوْ بِصَاعَيْ شَعِيرٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولًا عَلَى مَا فَصَّلَهُ. وَلَوْ كَانَ الْجَيِّدُ مَخْلُوطًا بِالرَّدِيءِ، فَبَاعَ صَاعًا مِنْهُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِجَيِّدٍ، أَوْ بِرَدِيءٍ، جَازَ؛ لِأَنَّ التَّوْزِيعَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَمَيُّزِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنِ الْآخَرِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا وَسَطًا بِجَيِّدٍ، أَوْ رَدِيءٍ، فَيَجُوزُ. ثُمَّ صُوَرُ الْبُطْلَانِ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إِذَا قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ. فَلَوْ فُصِّلَ، فَتَبَايَعَا مُدَّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ، وَجَعَلَا الْمُدَّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ، وَالدِّرْهَمَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ، أَوْ جَعَلَا الْمُدَّ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ، وَالدِّرْهَمَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ جَازَ، وَكَانَ كَصَفْقَتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الرِّبَوِيُّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ جِنْسَيْنِ، وَفِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ آخَرُ، فَاخْتَلَفَتْ عِلَّةُ الرِّبَا، بِأَنْ بَاعَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ، جَازَ. وَإِنِ اتَّفَقَتْ، فَإِنْ كَانَ التَّقَابُضُ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْعِوَضَيْنِ، بِأَنْ بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ، بِصَاعَيْ تَمْرٍ، أَوْ بِصَاعِ تَمْرٍ وَصَاعِ مِلْحٍ، جَازَ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ التَّقَابُضُ شَرْطًا فِي الْبَعْضِ فَقَطْ، بِأَنْ بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَدِرْهَمًا، بِصَاعَيْ شَعِيرٍ، فَفِيهِ قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ مِنَ الشَّعِيرِ، لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ. وَمَا يُقَابِلُ الْحِنْطَةَ يُشْتَرَطُ فِيهِ.

(3/387)


فَرْعٌ:
لَوْ بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ، وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا زُوَانٌ، أَوْ عُقَدُ التِّبْنِ، أَوْ مَدَرٌ، أَوْ حَبَّاتُ شَعِيرٍ، لَمْ يَجُزْ. وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ، بِأَنْ يَكُونَ الْخَلِيطُ قَدْرًا لَوْ مُيِّزَ ظَهَرَ عَلَى الْمِكْيَالِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ، لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا دُقَاقُ تِبْنٍ، أَوْ قَلِيلُ تُرَابٍ، لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي تَضَاعِيفِ الْحِنْطَةِ، وَلَا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مُوَزُونًا بِجِنْسِهِ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا قَلِيلُ تُرَابٍ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوَزْنِ. وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَبَّاتٌ مِنَ الْآخَرِ يَسِيرَةٌ ; صَحَّ، وَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَصِحَّ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يُضْبَطُ ذَلِكَ بِالتَّأْثِيرِ فِي الْكَيْلِ، وَلَا بِالتَّمَوُّلِ، بَلْ ضَبْطُ الْكَثِيرِ أَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ الْمَخَالِطُ لِلْحِنْطَةِ قَدْرًا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهُ لِيُسْتَعْمَلَ شَعِيرًا، وَكَذَا بِالْعَكْسِ.
فَرْعٌ:
لَوْ بَاعَ دَارًا بِذَهَبٍ، فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنُ ذَهَبٍ، أَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ بِدَارٍ فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ، وَقُلْنَا: الْمَاءُ رِبَوِيٌّ، صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، كَبَيْعِ دَارٍ مُوِّهَتْ بِذَهَبٍ تَمْوِيهًا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِذَهَبٍ.

فَصْلٌ فِي الْحَالِ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، الرِّبَوِيُّ ضَرْبَانِ.

مَا يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَمَا لَا يَتَغَيَّرُ.

(3/388)


فَالْمُتَغَيِّرُ، تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي بَيْعِ الْجِنْسِ مِنْهُ بِالْجِنْسِ فِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ. فَمِنْهُ: الْفَوَاكِهُ، فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ حَالَ الْجَفَافِ خَاصَّةً، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِتَمْرٍ وَلَا رُطَبٍ، وَلَا بَيْعُ الْعِنَبِ بِعِنَبٍ وَلَا زَبِيبٍ، وَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ لَهَا حَالُ جَفَافٍ، كَالتِّينِ، وَالْمِشْمِشِ، وَالْخَوْخِ، وَالْبِطِّيخِ وَالْكُمِّثْرَى اللَّذَيْنِ يُفَلَّقَانِ، وَالْإِجَّاصِ، وَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ، لَا يُبَاعُ رُطَبُهَا بِرُطَبِهَا وَلَا بِيَابِسِهَا. وَحُكِيَ وَجْهٌ فِي الْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ، وَمَا لَا يَعُمُّ تَجْفِيفُهُ عُمُومَ تَجْفِيفِ الرُّطَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ أَحْوَالِهَا. وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَدِيدِ بِالْعَتِيقِ، إِلَّا أَنْ تَبْقَى فِي الْجَدِيدِ نَدَاوَةٌ بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَثَرُ زَوَالِهَا فِي الْمِكْيَالِ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ حَالُ جَفَافٍ، كَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ، وَالرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ، وَالْبِطِّيخِ وَالْكُمِّثْرَى اللَّذَيْنِ لَا يُفَلَّقَانِ، وَالرُّمَّانِ الْحُلْوِ، وَالْبَاذِنْجَانِ، وَالْقَرْعِ، وَالْبُقُولِ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَوَّزَ الْمُزَنِيُّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَيُسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، صُورَةُ الْعَرَايَا، وَسَتَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ:
يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنَ الْقِشْرِ وَالتِّبْنِ، مَا دَامَتْ عَلَى هَيْأَتِهَا بَعْدَ تَنَاهِي جَفَافِهَا. فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ خَرَجَتْ عَنِ الْكَمَالِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنَ الْمَطْعُومَاتِ، كَالدَّقِيقِ، وَالسَّوِيقِ، وَالْخُبْزِ، وَالنَّشَا، وَلَا بِمَا فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنَ الْحِنْطَةِ، كَالْمَصْلِ فَفِيهِ الدَّقِيقُ، وَالْفَالُوذَجِ فَفِيهِ النَّشَا. وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَشْيَاءِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، لِخُرُوجِهَا عَنْ حَالِ الْكَمَالِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ كَيْلًا، وَجَعَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْقَوْلَ، فِي أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالدَّقِيقَ جِنْسَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَحَكَى الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ قَوْلًا: أَنَّهُ يَجُوزُ

(3/389)


بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ، كَالدُّهْنِ بِالدُّهْنِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْخُبْزِ الْجَافِّ الْمَدْقُوقِ بِمِثْلِهِ كَيْلًا. وَقَوْلٌ: أَنَّ الْحِنْطَةَ مَعَ السَّوِيقِ جِنْسَانِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ شَاذَّةٌ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَا الْمَبْلُولَةِ بِمِثْلِهَا وَلَا بِغَيْرِهَا. وَإِنْ جُفِّفَتِ الْمَبْلُولَةُ، لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِتَفَاوُتِ جَفَافِهَا، وَالْحِنْطَةُ الَّتِي فُرِكَتْ وَأُخْرِجَتْ مِنَ السَّنَابِلِ وَلَمْ يَتِمَّ جَفَافُهَا، كَالْمَبْلُولَةِ. وَالنُّخَالَةُ لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً، وَكَذَا الْحِنْطَةُ الْمُسَوَّسَةُ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ اللُّبِّ، فَيَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْحِنْطَةِ وَبَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا.
فَرْعٌ:
السِّمْسِمُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُبُوبِ الَّتِي تُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَدْهَانُ حَالَ كَمَالِهَا مَا دَامَتْ عَلَى هَيْأَتِهَا كَالْأَقْوَاتِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ طَحِينِهَا بِطَحِينِهَا، كَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ. وَأَمَّا دُهْنُهَا الْمُسْتَخْرَجُ، فَكَامِلٌ، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِمَا يُطْرَحُ فِيهِ مِنْ مِلْحٍ وَنَحْوِهِ.
فَرْعٌ:
قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ حَالَتَا كَمَالٍ، كَالزَّبِيبِ وَالْخَلِّ كَامِلَانِ، وَأَصْلُهُمَا الْعِنَبُ. وَكَذَا الْعَصِيرُ، كَامِلٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَجُوزُ بَيْعُ عَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ، وَعَصِيرِ الرُّطَبِ بِعَصِيرِ الرَّطَبِ. وَالْمِعْيَارُ فِيهِ وَفِي الدُّهْنِ الْكَيْلُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكُسْبِ بِالْكُسْبِ وَزْنًا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلْطٌ. فَإِنْ كَانَ، لَمْ يَجُزْ.

(3/390)


فَرْعٌ:
الْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ، كَدُهْنِ الْوَرْدِ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَالنَّيْلُوفَرِ، كُلُّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنَ السِّمْسِمِ. فَإِذَا قُلْنَا: يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنْ رَبَّى السِّمْسِمَ فِيهَا ثُمَّ اسْتَخْرَجَ دُهْنَهُ. وَإِنِ اسْتَخْرَجَ الدُّهْنَ ثُمَّ طُرِحَتْ أَوْرَاقُهَا فِيهِ، لَمْ يَجُزْ.
فَرْعٌ:
عَصِيرُ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ الثِّمَارِ، كَعَصِيرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، وَكَذَا عَصِيرُ قَصَبِ السُّكَّرِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ، بِخَلِّ الرُّطَبِ، وَخَلِّ الْعِنَبِ، بِخَلِّ الْعِنَبِ كَيْلًا. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِمِثْلِهِ، وَلَا خَلِّ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا مَاءً، فَيَمْتَنِعُ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ، وَلَا خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا مَاءً. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ إِذَا قُلْنَا: الْمَاءُ رِبَوِيٌّ.
قُلْتُ: فَإِنْ قُلْنَا: الْمَاءُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ جَوَازُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ، فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْخَلَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ الْمَاءَيْنِ. وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الطَّرِيقَ - الْبَغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ «التَّعْلِيقُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ» . وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ اقْتَصَرُوا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ، وَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ.

(3/391)


فَرْعٌ:
اللَّبَنُ كَامِلٌ، فَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، سَوَاءٌ فِيهِ الْحَلِيبُ، وَالْحَامِضُ، وَالرَّائِبُ الْخَاثِرُ، مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلِيًّا بِالنَّارِ، فَيُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَيْلًا. وَلَا مُبَالَاةَ بِكَوْنِ مَا يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنَ الْخَاثِرِ أَكْثَرَ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَيْلِ، كَالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ جَمِيعًا. وَيَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالسَّمْنِ كَيْلًا إِنْ كَانَ ذَائِبًا، وَوَزْنًا إِنْ كَانَ جَامِدًا، قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» ، وَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ. الْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يُوزَنُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يُكَالُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَاءٌ. وَمَالَ الْمُتَوَلِّي إِلَى الْمَنْعِ. وَالْمَذْهَبُ: الْجَوَازُ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ، وَلَا الْمَصْلِ بِالْمَصْلِ، وَلَا الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ، وَلَا بِالسَّمْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِمَا اتُّخِذَ مِنْهُ، كَالسَّمْنِ وَالْمَخِيضِ وَغَيْرِهِمَا.
فَرْعٌ:
الرِّبَوِيُّ الْمَعْرُوضُ عَلَى النَّارِ، ضَرْبَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْمَعْرُوضُ لِلْعَقْدِ وَالطَّبْخِ، كَالدِّبْسِ وَاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدِّبْسِ بِالدِّبْسِ، وَالسُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ، وَالْفَانِيذِ بِالْفَانِيذِ، وَاللِّبَأِ بِاللِّبَأِ، عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ بِقَصَبِ السُّكَّرِ، وَلَا بِالسُّكَّرِ، كَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ، وَبِالتَّمْرِ. أَمَّا اللَّحْمُ، إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَا طَرِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَا مُقَدَّدَيْنِ، جَازَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مِنَ الْمِلْحِ مَا يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَنَاهَى جَفَافُهُ، بِخِلَافِ

(3/392)


التَّمْرِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ الْجَدِيدُ مِنْهُ بِالْعَتِيقِ وَبِالْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ، وَأَثَرُ الرُّطُوبَةِ الْبَاقِيَةِ، لَا تَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ، وَاللَّحْمُ مَوْزُونٌ، فَيَظْهَرُ أَثَرُ الرُّطُوبَةِ فِي الْوَزْنِ. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ اللَّحْمُ مَطْبُوخًا وَلَا مَشْوِيًّا. فَأَمَّا الْمَطْبُوخُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بِمِثْلِهِمَا وَلَا بِالنَّيِّءِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَعْرُوضُ لِلتَّمْيِيزِ وَالتَّصْفِيَةِ، فَهُوَ كَامِلٌ، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، كَالسَّمْنِ. وَفِي الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ كَامِلٌ كَالْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ، وَمِعْيَارُهُ مِعْيَارُ السَّمْنِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّهْدِ بِالشَّهْدِ، وَلَا بِالْعَسَلِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّمْعِ بِالْعَسَلِ وَبِالشَّهْدِ؛ لِأَنَّ الشَّمْعَ لَيْسَ رِبَوِيًّا.
فَرْعٌ:
التَّمْرُ إِذَا نُزِعَ نَوَاهُ، بَطَلَ كَمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمِثْلِهِ، وَلَا بِغَيْرِ مَنْزُوعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ بِمِثْلِهِ فَقَطْ. وَمُفَلَّقُ الْمِشْمِشِ، وَالْخَوْخِ، وَنَحْوِهِمَا، لَا يَبْطُلُ كَمَالُهُ بِنَزْعِ النَّوَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا يَبْطُلُ كَمَالُ اللَّحْمِ بِنَزْعِ عَظْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ صَلَاحُهُ بِبَقَائِهِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ نَزْعُ الْعَظْمِ فِي جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: الِاشْتِرَاطُ. وَالثَّانِي: يُسَامَحُ بِهِ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْفَخِذِ بِالْجَنْبِ، وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ الْعِظَامِ، كَمَا لَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ النَّوَى.

(3/393)

فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْجِنْسِيَّةِ

قَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، أَنَّ بَيْعَ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ، يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ. وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ، يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. وَالتَّجَانُسُ وَعَدَمُهُ، قَدْ يَظْهَرَانِ، وَقَدْ يَشْتَبِهَانِ، فَمَا ظَهَرَ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَنْصِيصٍ عَلَيْهِ، وَمَا اشْتَبَهَ، يَحْتَاجُ. فَمِنْ ذَلِكَ، لُحُومُ الْحَيَوَانَاتِ، هَلْ هِيَ جِنْسٌ، أَمْ أَجْنَاسٌ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُمَا أَجْنَاسٌ. فَإِنْ قُلْنَا: جِنْسٌ، فَالْحَيَوَانَاتُ الْبَرِّيَّةُ وَحْشِيُّهَا وَأَهْلِيُّهَا كُلُّهَا جِنْسٌ، وَكَذَا الْبَحْرِيَّةُ كُلُّهَا جِنْسٌ. وَفِي الْبَحْرِيَّةِ مَعَ الْبَرِّيَّةِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: جِنْسٌ. وَالثَّانِي: جِنْسَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: أَجْنَاسٌ، فَحَيَوَانُ الْبَرِّ مَعَ الْبَحْرِ جِنْسَانِ، وَالْأَهْلِيُّ مَعَ الْوَحْشِيِّ جِنْسَانِ. ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَاسٌ، فَلُحُومُ الْإِبِلِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلُحُومُ الْبَقَرِ جَوَامِيسِهِا وَغَيْرِهَا جِنْسٌ، وَالْغَنَمُ ضَأْنُهُا وَمَعِزُهَا جِنْسٌ، وَالْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ جِنْسٌ، وَالظِّبَاءُ جِنْسٌ. وَفِي الظَّبْيِ مَعَ الْإِبِلِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَاسْتَقَرَّ جَوَابُهُ أَنَّهُمَا كَالضَّأْنِ وَالْمَعِزِ. وَأَمَّا الطُّيُورُ، فَالْعَصَافِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ، وَالْبَطُّوطُ جِنْسٌ. وَعَنِ الرَّبِيعِ: أَنَّ الْحَمَامَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ، جِنْسٌ. فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُمْرِيُّ، وَالدُّبْسِيُّ، وَالْفَوَاخِتُ. وَاخْتَارَ هَذَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ، وَصَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَجَعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنْسًا. وَسُمُوكُ الْبَحْرِ جِنْسٌ. وَأَمَّا غَنَمُ الْمَاءِ وَبَقَرُهُ وَغَيْرُهُمَا، فَفِيهَا - مَعَ السَّمَكِ - أَوْ مَعَ مِثْلِهَا، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهَا أَجْنَاسٌ. وَفِي الْجَرَادِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ مَنْ جِنْسِ اللُّحُومِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ لُحُومِ الْبَرِّيَّاتِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ لُحُومِ الْبَحْرِيَّاتِ.

(3/394)


قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا أَعْضَاءُ الْحَيَوَانِ الْوَاحِدِ، كَالْكَرِشِ، وَالْكَبِدِ، وَالطِّحَالِ، وَالْقَلْبِ، وَالرِّئَةِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا أَجْنَاسٌ. وَالْمُخُّ، جِنْسٌ آخَرُ، وَكَذَا الْجِلْدُ.
قُلْتُ: الْمَعْرُوفُ، أَنَّ الْجِلْدَ لَيْسَ رِبَوِيًّا، فَيَجُوزُ بَيْعُ جِلْدٍ بِجُلُودٍ وَبِغَيْرِهَا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَحْمُ الظَّهْرِ مَعَ شَحْمِ الْبَطْنِ، جِنْسَانِ. وَسَنَامُ الْبَعِيرِ مَعَهُمَا، جِنْسٌ آخَرُ. وَالرَّأْسُ، وَالْأَكَارِعُ، مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ. وُفِي الْأَكَارِعِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ. وَأَمَّا الْأَدِقَّةُ وَالْخُلُولُ وَالْأَدْهَانُ، فَهِيَ أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَكَذَا عَصِيرُ الْعِنَبِ مَعَ عَصِيرِ الرُّطَبِ. وَحُكِيَ فِي الْأَدِقَّةِ قَوْلٌ أَنَّهَا جِنْسٌ، وَوَجْهٌ أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الْخُلُولِ وَالْأَدْهَانِ، وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ عَصِيرِ الرُّطَبِ. وَالْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْغَنَمِ مُتَفَاضِلًا، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِمَا يُتَّخَذُ مِنَ الْآخَرِ. وَلَبَنُ الضَّأْنِ وَالْمَعِزِ جِنْسٌ، وَلَبَنُ الْوَعْلِ مَعَ الْمَعِزِ الْأَهْلِيِّ جِنْسَانِ. وَبُيُوضُ الطَّيْرِ أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا أَجْنَاسٌ. وَزَيْتُ الزَّيْتُونِ مَعَ زَيْتِ الْفُجْلِ، وَالتَّمْرُ الْمَعْرُوفُ مَعَ التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ، أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي الْبِطِّيخِ الْمَعْرُوفِ مَعَ الْهِنْدِيِّ، وَالْقِثَّاءِ مَعَ الْخِيَارِ، وَجْهَانِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُمَا جِنْسَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْبُقُولُ، كَالْهِنْدِبَاءِ وَالنُّعْنُعِ وَغَيْرِهِمَا، أَجْنَاسٌ إِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا رِبَوِيَّةٌ. وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَكُسْبُهُ، جِنْسَانِ، كَالْمَخِيضِ مَعَ السَّمْنِ. وَفِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ خَلِّهِ، وَالسُّكَّرِ مَعَ الْفَانِيذِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: جِنْسَانِ. وَالسُّكَّرُ الطَّبَرْزَدُ وَالنَّبَاتُ، جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَالسُّكَّرُ الْأَحْمَرُ مَعَ الْأَبْيَضِ، جِنْسٌ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عَكَرُ الْأَبْيَضِ، إِلَّا أَنَّ صِفَتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ.

(3/395)


فَرْعٌ:
بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ مِنْ جِنْسِهِ بَاطِلٌ، خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ. وَإِنْ بَاعَهُ بِحَيَوَانٍ مَأْكُولٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَلَحْمِ غَنَمٍ بِبَقَرَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا: اللُّحُومُ جِنْسٌ، بَطَلَ. وَإِنْ قُلْنَا: أَجْنَاسٌ، بَطَلَ أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنْ بَاعَهُ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، بَطَلَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَفِي بَيْعِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ وَالْكُلْيَةِ وَالرِّئَةِ بِالْحَيَوَانِ، وَالسَّنَامِ بِالْبَعِيرِ، وَلَحْمِ السَّمَكِ بِالشَّاةِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْبُطْلَانُ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي بَيْعِ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْبُوغًا. فَإِنْ دُبِغَ فَلَا مَنْعَ.
فَرْعٌ:
لَا يَجُوزُ بَيْعُ دُهْنِ السِّمْسِمِ وَلَا كُسْبِهِ بِالسِّمْسِمِ، وَلَا دُهْنِ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ، وَلَا بَيْعُ السَّمْنِ بِاللَّبَنِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا، وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ كَيْلًا مَعَ قِشْرِهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ، وَلُبِّ اللَّوْزِ بِلُبِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ فِي قِشْرِهِ وَزْنًا، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الشَّاةِ بِشَاةٍ لَيْسَ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، بِأَنْ جَرَى الْبَيْعُ عَقِيبَ الْحَلْبِ، فَإِنْ كَانَ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ بَاعَ شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَبَيْعُ بَيْضٍ بِدَجَاجَةٍ كَبَيْعِ لَبَنٍ بِشَاةٍ. وَلَوْ بَاعَ لَبَنَ شَاةٍ بِبَقَرَةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، فَإِنْ قُلْنَا: الْأَلْبَانُ جِنْسٌ، لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا، فَقَوْلَانِ، لِلْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ مَا يُقَابِلُ اللَّبَنَ مِنَ اللَّبَنِ، يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ، وَمَا يُقَابِلُ الْحَيَوَانَ، لَا يُشْتَرَطُ.

(3/396)


فَرْعٌ:
يَجْرِي الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ جَرَيَانَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية