الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الاعتبار ببقاء الجنة والنار 3

الفهرس


اسم الكتاب: الاعتبار ببقاء الجنة والنار
تأليف: تقي الدين السبكي

اقرأ أيضا:

الاعتبار ببقاء الجنة والنار 1
الاعتبار ببقاء الجنة والنار 2

فإن قلت: قد روي عن الحسن الأحقاب لا يدري أحد ما هي ولكن الحقب سبعون ألف سنة اليوم منها كألف سنة مما تعدون. قلت: إن ثبت ذلك عنه يرجع الجواب إلى بعض ما تقدم من الصفة أو إلغاء المفهوم أو أن الذي لا يتناهى يقال إنه لا يدري أحد ما هو وإن كان يدري أنه لا يتناهى فإن دراية عدم العدد يلزم منها عدم دراية العدد، فإن قلت: قد قال هذا المصنف إن قول الحسن لا يدري ما هي يقتضي أن لها عدداً والله أعلم به ولو كانت لا عدد لها لعلم كل أحد أنه لا عدد لها، قلت: إن قوله لا يدري ما هي يقتضي أن لها عدداً ليس بصحيح لأنه لم يقل لا يدري عددها بل قال لا يدري ما هي وما هي أعم المطالب فيدخل فيه المتناهي وغير المتناهي وقوله ولو كانت لا عدد لها لعلم كل أحد بذلك فقد يعلمه بعض الناس دون بعض، والحاصل أن الأحقاب قيل محدودة وهو قول الزجاج القائل بأن (لا يذوقون صفة) وقيل غير محدودة وقيل الآية منسوخة بقوله تعالى "فلن نزيدكم إلا عذاباً" ولا يستبعد النسخ في الأخبار ولا سيما مثل هذا فإن هذا مما يقبل التغيير وهو أمر مستقبل والأكثرون على أنها غير محدودة وأن المراد كلما مضى حقب جاء حقب.


فإن قلت: فما تقول فيما روي عن الحسن البصري أنه سئل عن هذه الآية فقال: الله أعلم بالأحقاب فليس فيها عدد إلا الخلود؟ قلت: قول صحيح لا يخالف لما تقدم وتصريحه بالخلود بين مراده، فإن قلت: فقد قال هذا المصنف إن قول الحسن حق فإنهم خالدون فيها لا يخرجون منها ما دامت باقية. قلت: قوله إن قول الحسن حق صحيح، وأما فهمه إياه وتفسيره الخلود بعدم الخروج منها ما دامت باقية فليس بصحيح، وليس ذلك بخلود فإنك إذا قلت فلان خالد في هذه الدار الفانية لا يصح وحقيقة الخلود التأبيد وقد يستعمل في المكث الطويل مجازاً وأما استعماله في الخلود في مكان إلى حين فنائه فهذا معنى ثالث لم يسمع من العرب فإن قلت: ما تقول في قول من قال إن الآية في عصاة المؤمنين قلت: ضعيف لقوله "إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا". اللهم إلا أن نجعلها عامة ويكون التعليل ليس للجميع بل لبعضهم وقد يجيء في الكلام الفصيح مثل ذلك أو يراد بالطاغي الكفار فإنها مرصاد لهم والعصاة فيها تبع لهم فجاء قوله "لابثين فيها أحقابا" للتابعين والمتبوعين جميعاً ثم جاء التعليل للمتبوعين لأنهم الأصل.

فإن قلت: قوله تعالى في سورة الأنعام "يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس" إلى قوله "مثواكم النار خالدين فيها إلا ما شاء الله" وأولياؤهم هم الكفار لقوله "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" وقوله في سورة هود في أهل الجنة وأهل النار "إلا ما شاء ربك" على ماذا يحمل إذا كانتا باقيتين؟ قلت: قد تكلم الناس في ذلك وأكثروا وذكر أبو عمرو الداني في تصنيف له في ذلك سبعة وعشرين قولا ليس فيها أن الكفار يخرجون من النار وإنما أقوال أخر منها أنه استثناء المدة التي قبل دخولهم أو الأزمنة التي يكون أهل النار فيها في الزمهرير ونحوه وأهل الجنة فيها هو أعلى منها من رضوان الله وما لا يعلمه إلا هو أو أنه استثناء معلق بالمشيئة وهو لا يشاء خروجهم فهو أبلغ في التأبيد أو أن إلا بمعنى الواو كقوله إلا الفرقدان أو أنها بمعنى سوى حكاه الكوفيون كقوله "إلا ما قد سلف" وقوله "لو فيهما آلهة إلا الله" أو أن الاستثناء لما بعد السموات والأرض كقوله لا تكسل حولاً إلا ما شئت معناه الزيادة على الحول أو أنه لعصاة المؤمنين والذي يدل على التأبيد قوله في الجنة "عطاءً غير مجذوذ" فلو لم يكن مؤبدا لكان مقطوعاً فيتعين الجمع بين أول الآية وآخرها فبقي يقيناً الاستثناء على ظاهر هذا المجاز في قوله "عطاء غير مجذوذ" وليس التجوز فيه بأولى من التجوز في الاستثناء ويرجح التجوز في الاستثناء الأدلة على التخليد وقوله في النار "إن ربك فعال لما يريد" يناسب الوعيد والزيادة في العذاب ولا يناسب الانقطاع.

واعلم أن "ما شاء ربك" ظاهره استثناء مدة زمانية من قوله "ما دامت السموات والارض" ويحتمل أن يراد بها ظرف مكان ويكون الاستثناء من الضمير في فيها ويراد به الطبقة العليا التي هي لعصاة المؤمنين فكأنه قال إلا ما شاء ربك من أمكنة جهنم، فإن قلت قد قال أبو نضرة: القرءان كله ينتهي إلى هذه الآية "إن ربك فعال لما يريد" قلت: هذا كلام صحيح والله يفعل ما يريد وليس في ذلك أنه يخرج الكفار من النار، فإن قلت: قد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وقتادة الله أعلم بتثنيته على ما وقعت. قلت: صحيح لأن تعيين كل واحد من الأقوال التي حكيناها ضعيف والله أعلم به وبغيره وليس في كلام أبي سعيد وقتادة ما يحتمل خروج الكفار من النار.

فإن قلت: قد روى الطبراني عن يونس عن ابن أبي ذئب عن ابن زيد في قوله "عطاء غير مجذوذ" قال أخبرنا الذي شاء لأهل الجنة فقال "عطاء غير مجذوذ" ولم يخبرنا بالذي شاء لأهل النار. قلت: هذا الذي يقتضي أن ابن زيد يقول بعدم الانقطاع لأنه جعل "عطاء غير مجذوذ" هو الذي شاءه وهو الذي بعد الاستثناء فكذا يكون في أهل النار أن الاستثناء لا يدل على الانقطاع ولكنه لم يبين ما بعده بل قال تعالى "إن ربك فعال لما يريد" فان قلت: فقد قال السدّي إنها يوم نزلت كانوا يطمعون في الخروج. قلت: إن صح هذا عن السدي أنها يوم نزلت كانوا يطمعون في الخروج فهو محمول على أنه حملها على العصاة لأن الطامعين هم المسلمون.

فإن قلت: قد روى عبد بن حميد في تفسيره عن سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال عمر رضي الله عنه لو لبث أهل النار في النار بقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون. قلت: الحسن لم يسمع من عمر وقد رأيت هذا الأثر في تفسير عبد في موضعين في أحدهما يخرجون وفي الآخر يرجون لا تصريح فيه فقد يحصل لهم رجاء ثم ييأسون ويخرجون يحتمل أن يكون من النار إلى الزمهرير ويحتمل أن يكون ذلك في عصاة المؤمنين فلم يجيء في شيء من الآثار أنه في الكفار.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية