الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

أحكام الأموال الضائعة والمشتبهة والقراض والإجارة

أحكام الأموال الضائعة والمشتبهة والقراض والإجارة


كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي

محتويات

أحكام الأموال الضائعة والمشتبهة

(مسألة: ش): انكسر مركب وفيه بضائع لأناس، فغرق بعضها وسلم البعض ولم يعلم لمن هو، فإن علم انحصار المتداعين فيه ولو بانتفاء دعوى غيرهم وقف الأمر إلى البيان أو الصلح ولو بتفاوت من كاملين، ولا يشترط التواهب حينئذ كما قاله في الروضة خلافاً للعباب، ولا يجوز الصلح على أن يأخذه بعضهم ويعطي الآخر من غيره، لأن هذا بيع ومن شروطه تحقق ملك العوضين، وشرط الصيمري لصحة الصلح أن يقول كل للآخر هو له ويسأله حط شيء منه، ومتى وقع الصلح لم ينقطع حق كل لما أخذه، فلو ظهر أن ما بيد أحدهم للآخر أخذه ما لم يوجد تواهب ولو ضمناً كأن قسماه برضاهما اهـ. قلت: وذكر في التحفة كلام الصيمري لكن أطال في رده قال: لما يترتب على ذلك من الغرر العظيم، ومن أخرج متاعاً غرق ملكه عند الحسن البصري وردّ بالإجماع على خلافه اهـ.

(مسألة: ب ش): وقعت في يده أموال حرام ومظالم وأراد التوبة منها، فطريقة أن يرد جميع ذلك على أربابه على الفور، فإن لم يعرف مالكه ولم ييأس من معرفته وجب عليه أن يتعرفه ويجتهد في ذلك، ويعرفه ندباً، ويقصد رده عليه مهما وجده أو وارثه، ولم يأثم بإمساكه إذا لم يجد قاضياً أميناً كما هو الغالب في هذه الأزمنة اهـ. إذ القاضي غير الأمين من جملة ولاة الجور، وإن أيس من معرفة مالكه بأن يبعد عادة وجوده صار من جملة أموال بيت المال، كوديعة ومغصوب أيس من معرفة أربابهما، وتركة من لا يعرف له وارث، وحينئذ يصرف الكل لمصالح المسلمين الأهم فالأهم، كبناء مسجد حيث لم يكن أعم منه، فإن كان من هو تحت يده فقيراً أخذ قدر حاجته لنفسه وعياله الفقراء كما في التحفة وغيرها، زاد ش: نعم قال الغزالي إن أنفق على نفسه ضيق أو الفقراء وسع أو عياله توسط حيث جاز الصرف للكل، ولا يطعم غنياً إلا إن كان ببرية ولم يجد شيئاً، ولا يكتري منه مركوباً إلا إن خاف الانقطاع في سفره اهـ. وذكر نحو هذا في ك وزاد: ولمستحقه أخذه ممن هو تحت يده ظفراً، ولغيره أخذه ليعطيه به للمستحق، ويجب على من أخذ الحرام من نحو المكاسين والظلمة التصريح بأنه إنما أخذه للرد على ملاكه، لئلا يسوء اعتقاد الناس فيه، خصوصاً إن كان عالماً أو قاضياً أو شاهداً.
(مسألة: ك): اختلط حال الزوجين ولم يعلم لأيهما أكثر، ولا قرينة تميز أحدهما، وحصلت بينهما فرقة أو موت، لم يصح لأحدهما ولا وارثه تصرف في شيء منه قبل التمييز أو الصلح إلا مع صاحبه، إذ لا مرجح كما قالوا فيما لو اختلط حمامهما، وحينئذ فإن أمكن معرفتهما وإلا وقف الأمر حتى يصطلح الزوجان أو ورثتهما بلفظ صلح أو تواهب بتساو أو تفاوت إن كانوا كاملين، ويجب أن لا ينقص عن النصف في المحجور، نعم إن جرت العادة المطردة بأن أحدهما يكسب أكثر من الآخر كان الصلح والتواهب على نحو ذلك، فإن لم يتفقوا على شيء من ذلك فمن بيده شيء من المال فالقول قوله بيمينه أنه ملكه، فإن كان بيدهما فلكل تحليف الآخر ثم يقسم نصفين.

(مسألة: ج): استردّ مالاً من غاصب وأيس من معرفة مالكه كان لبيت المال ثم لمصالح المسلمين العامة وأمان الطرق ونحوها.
(مسألة): حكم ما يلقيه البحر من الأموال والأخشاب ونحو الآلات من كل ما دخل تحت يد مالك حكم المال الضائع، إن توقع معرفة ملاكه عادة حفظ وجوباً عند أمين، ولا يستحق آخذه جعلاً، وإن تكرر له من بعد أو أطلعه في سفينته، فإن أيس من معرفة مالكه صرف مصرف بيت المال.

(مسألة: ي): مرض رجل وعنده أموال، عروض بعضها أمانة وبعضها قراض وبعضها له أخذهما بذمته، فأوصى بالجميع إلى آخر يقبضها إلى أن يجيء فلان ومات، فباعها الوصي بأقل أثمانها وفوّت الثمن، حكم ببطلان تصرفات هذا الوصي الفاسق، ووجب رد المال إلى أهله، ويطالب البائع بالثمن، ويضمن الميت ذلك أيضاً، ككل أمين لتقصيرات أربع كل واحدة منها توجب الضمان وهي: تركة الإيصاء إلى عدل، وتركة الإشهاد على ذلك، وتركة تمييز ما لكل واحد بما يرفع الاشتباه عنه وتسليطه هذا الفاسق على أمانته، وإن كان إنما أعطاه بظن أنه أمين فبان خلافه لتقصيره بترك البحث، ويحكم ظاهراً بأن تك الأموال تركة ما لم يثبت في عين أنها لغيره، وحينئذ فالواجب لهم على الميت رؤوس أموالهم فقط، نعم إن تحقق أن أموالهم بضائع ولم يدر أهي هذه أم لا فلهم قيمة بضائعهم في التركة، ثم إن علم أعيان أهل الدين والبضائع وقدر ما لكل منهم صرف من بيده المال إن لم يكن وارث ولا وصي ثم قاض أمين أثمان البضائع إلى أربابها بحسب مالهم، وثمن مال الميت إلى مداينيه، وأهل البضائع إن لم تف أثمانها بحقوقهم،

نعم ما علم أنه أخذه لموكله أو مقارضه معيناً أو مجهولاً فلمن له البضاعة فقط، ثم إن اتفق الغرماء وأهل البضائع على شيء، وإلا نصب القاضي مخاصماً عن الميت، فإن فقد الحاكم أو لم يتأهل حكم من بيده المال والمدّعون عالماً، فمن أثبت ببينة ولو شاهداً ويميناً مع يمين الاستظهار قدراً معيناً ضارب مع الغرماء، ومن ادعى ديناً أو رأس مال ولم يعينه أو عينه بلا بينة لم تسمع دعواه ولم يعط شيئاً، نعم يلزم الوارث هنا وفيما يأتي إعطاء ما تيقن أنه على الميت، ولو علم أن عليه ديوناً وعنده أموال قراض وأمانة علم قدرها وجهل أربابها، فإن توقعت معرفتها حفظت وإلا فلبيت المال ككل مال أيس من معرفة مالكه، وإن جهلت الحقوق وأربابها أو الحقوق فقط حكم على المال بأنه تركة، نعم إن علم أنها اشتريت للموكلين والمقارضين، ولم يعلم عين ما لكل تركت أثمانها بيد عدل حتى يصطلحوا ولو بتفاوت إن لم يكن فيهم محجور، وإلا لم يجز نقصه عن سهمه، فإن تعذر الصلح والتداعي بين أهل الحقوق والميت اجتهد متولي المال في تعيين المستحقين من أهل الدين والقراض والوكالة والوديعة، وقدر الاستحقاق وقسمة الأثمان عليهم بغلبة الظن والقرائن كخط موثوق به، وإخبار من يقع في القلب صدقه ولو عبداً أو امرأة، فلو دلت قرينة في تعيين بعض الحقوق كلزيد ألف ولبقية الحقوق خمسة آلاف، أعطي زيد سدس الأثمان، وقسم الباقي على عدد الرؤوس كما لو لم يعلم شيء.

الشفعة

(مسألة: ش): لا تثبت الشفعة إلا في جزء شائع من أرض، وما ثبت فيها من بناء وشجر إن أجبر على قسمته شرعاً، فإذا طلب الشريك الشفعة بعد علمه ولو بعد زمن طويل استحقها بشرط مبادرته بعد العلم ويصدق بيمينه في الفورية، ولو بيع البناء أو الشجر دون الأرض فلا شفعة، كما لو كانت الأرض موقوفة أو ملك الغير.

(مسألة: ج): استأجر أرضاً متصلة بأملاكه بنصف غلتها مثلاً ثم باعها مالكها لآخر لم يستحق الشفعة، إذ هي ثابتة في مشترك لم يقسم، نعم إن كان له بها عناء زادت به لم يصح بيعها حتى يرضى صاحب العناء لأنها حينئذ كالمرهون.
(مسألة: ش): شفع الشفيع والمشتري غائب جاز، بل وجب على القاضي الأمين قبض الثمن، لأن ملك الشفيع متوقف إما على قبض المشتري الثمن أو رضاه بذمة الشفيع، أو حكم الحاكم بها، ومع ملكه في غير الأولى ليس له تسلم الشقص حتى يؤدي الثمن إلى نحو المالك، ثم الحاكم عند امتناعه أو غيبته.

[فائدة]: قال في التحفة: والأظهر أن الشفعة على الفور، وقد لا تجب في صور كالبيع بمؤجل، أو وأحد الشريكين غائب وكان أخبر بنحو زيادة فترك ثم بان خلافه، وكالتأخير لانتظار إدراك زرع وحصاده، أو ليعلم قدر الثمن، أو لتخليص نصيبه أو لجهله بأن له الشفعة، أو بأنها على الفور وهو ممن يخفى عليه ذلك، وكمدة خيار شرط لغير مشتر أو عفا وليه فلا يسقط حقه اهـ.

القراض

(مسألة: ي): شروط القراض اثنا عشر، كون العاقدين جائزي التصرف، والعامل بصير والمقارض له على المال ولاية، وكونه بإيجاب وقبول كقارضتك على كذا والربح بيننا نصفين مثلاً فيقول: قبلت، أو خذ هذه الدراهم بع واشتر فيها ولك ثلث الربح مثلاً، وكون رأس المال نقداً مضروباً ولو مغشوشاً راج لا عرضاً، ومعلوم القدر، وفي يد العامل لا في يد غيره، ولا أن لا يشتري إلا برأي، وكون العمل تجارة لا حرفة، كاشتر حنطة واخبزها وبعها والربح مشترك بينهما بالجزئية لا لأحدهما فقط ولا لغيرهما منه شيء، ولا كخمسة في المائة للعامل، وأن لا يضيق التجارة على العامل كلا تبع إلا لزيد، أو لا تأخذ إلا ياقوتاً أحمر، وأن لا يؤقت القراض بمدة كسنة، ولا التصرف كقارضتك، ولا تتصرف إلا بعد شهر، وأن يعين رأس المال لا على إحدى الصرتين ولا على دين كالثمن قبل قبضه، نعم لو قارضه على ألف نقداً بذمة العامل ثم عينها في المجلس وقبضها المالك ثم أقبضها للعامل صح بهذه القيود، وطريق تصحيح القراض في المال الغائب، ونحو البز أن يقول له المالك: وكل عني من يقبض منك أو من زيد المائة ويقارضك عليها ويسلمها لك، أو بع لي هذا البز ووكل عني من يقارضك على ثمنه بعد قبضه نقداً، وإذا تم القراض وجب على العامل حفظ المال، وأن لا يبيع أو يشتري من نفسه أو موكله، ولا يبيع نسيئة، ولا يسافر به بلا إذن فيها، ولا يشتري إلا ما يتوقع فيه الرّبح، ولا ينفق على نفسه أي إلا بإذنه كما في التحفة، وليس على المالك إلا أجرة حمل البضاعة الثقيلة والكيل والوزن إن لم يباشرها العامل بنفسه، وله أن يوكل غيره بإذن، والأجرة عليه لا على المالك ولا الرّبح، بل لو شرطت منه فسد إلا إن كانت الوكالة في معين بأجرة معلومة.

(مسألة: ك): أعطاه شيئاً وقال: بعه ولك نصف الرّبح، كان حكمه حكم القراض الفاسد يستحق أجرة المثل لأنه عمل طامعاً، إذ شرط القراض على نقد ناضّ بإيجاب وقبول ولم يوجد، كما لو أعطاه دراهم وقال له: اتجر في الكتان ولك في الربح الرّبع مثلاً، فله أجرة المثل أيضاً لعدم القبول وعزة الكتان.

(مسألة: ش): قارضه على مائة والربح بينهما على أن لا يسافر بها، ثم لما ظهر الربح سافر بها ضمن الكل أصلاً، وربحاً، إذ لا يملك العامل حصته إلا بالقسمة، نعم إن تعذر رده للمالك أو وكيله ثم القاضي فأمين فسافر به فلا ضمان، ولا ينفسخ القراض بسفره مطلقاً، فله التصرف إن لم تنقص قيمته هناك عن تلك البلد، ثم لو تلف المال بنحو نهب، فإن قلنا بارتفاع القراض حينئذ طولب بالبدل، واستقرت حصته إن كان بدل الربح من جنس رأس المال، وإلا لم تستقر إلا بالقسمة أو بعدمه، فالعقد باق في البدل، نعم لو عاد العامل إلى بلد القراض واعتاض عن المال المضمون بيده ارتفع الضمان، كالوكيل المتعدي يرتفع ببيعه ضمان الثمن.
(مسألة: ش): قارضه على ألف فتصرف في بعضها ثم تلف الباقي كان تلفه من أصل رأس المال، فيعود حينئذ إلى الباقي، حتى لو حصل ربح استحق فيه المشروط ولا يجبر به التالف، بخلاف ما لو تلف أو نقص شيء مما تصرف فيه فيجبر، إذ لا يأخد العامل شيئاً من الربح حتى يرد للمالك مثل ما تصرف فيه.

(مسألة: ش): باع المالك مال القراض صح بيعه ولو بعد ظهور الربح أو وجود راغب يدفع أكثر من رأس المال، كما لو كان رأس المال عبداً فأعتقه المالك أو وهبه، إذ لا يملك العامل حصته إلا بالقسمة، وحينئذ يلزمه للعامل حصته من الربح، ولا ينفسخ القراض فيتعلق بالقيمة.

[فائدة]: لا يعامل عامل القراض المالك بمال القراض، أي لا يبيعه إياه لأدائه إلى بيع ماله بماله، ولا يشتري منه بعين أو دين بشرط بقاء القراض بخلافه بلا شرط لتضمنه الفسخ، ولو كان له عاملان فليس لأحدهما معاملة الآخر إلا إن أثبت لكل الاستقلال لا إن شرط الاجتماع، قاله في التحفة. وقال (م ر): لا يعامل الآخر مطلقاً كالوصيين، قال (سم:) إن كان المراد بمعاملة الآخر أن الآخر يشتري من مال القراض لنفسه فالجواز قريب لا يتجه غيره، كما في الوصيين المستقلين فإن لأحدهما أن يشتري لنفسه من الآخر كما يأتي، وإن كان المراد أن الآخر يشتري للقراض من صاحبه بمال القراض فلا ينبغي إلا القطع بامتناع ذلك، فضلاً عن إجراء خلاف فيه مع ترجيح الجواز، لأن فيه مقابلة مال المالك بمال المالك، فكما امتنع بيعه من المالك فيمتنع بيع أحد العاملين من الآخر للقراض، إذ المال للمالك، فيلزم مقابلة ماله بماله، هذا إذا كان المال واحداً وكل منهما عامل فيه على الاستقلال، وكذا لو قارض أحدهما وحده على مال وقارض الآخر كذلك، ففيه التفصيل المذكور على الأوجه اهـ ملخصاً، وعبارة بج على الإقناع، ولا يعامل أحدهما الآخر إذا شرط عليهما الاشتراك، فإن انفرد كل منهما بمال وثبت له الاستقلال جاز له الشراء من الآخر، وهذا التفصيل هو المعتمد اهـ زي اهـ.

(مسألة: ب): قارض آخر مدة ثم طالبه بردّ المال فأقرّ به وماطله مدة أشهر حتى مات العامل ضمن المال باقياً وبدله تالفاً، ويصدّق العامل كوارثه في دعوى التلف لئلا يخلد في الحبس، إذ القراض والوكالة والوديعة من واد واحد، فيضمن في الكل حيث قصر، ومنه أن يطلبها المالك فيتراخى عن التخلية بلا عذر، من نحو صلاة أو أكل أو إشهاد على نحو وكيل طلبها من الأمين.

[فائدة]: ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض والعامل أنه قراض حلف العامل، كما أفتى به ابن الصلاح كالبغوي، لأن الأصل عدم الضمان، وخالفهما الزركشي ومن تبعه فرجحوا تصديق المالك، وجمع بعضهم بحمل الأوّل على ما إذا كان قبل التصرف، والثاني على ما بعده، أما قبل التلف فيصدق المالك، لأن العامل مدع عليه الإذن في التصرف وحصته من الربح والأصل عدمهما اهـ تحفة. واعتمد (م ر) كلام الزركشي قال: وكذا لو أقاما بينتين فتقدم بينة المالك أيضاً ولو كان المال باقياً وربح، وقال المالك قراض والعامل قرض صدق العامل اهـ زي، ولو استعمل العامل دواب القراض وجب عليه الأجرة من ماله للمالك أو المالك بلا إذن العامل لم يلزمه غير الإثم اهـ بج.

(مسألة: ش): مات عامل القراض وخلف عروضاً، فإن ثبت أنها من مال القراض أو من غيره ببينة أو تصادق فذاك، وإن اختلف المالك ووارث العامل حلف الوارث على نفي العلم، ثم إن وجد رأس المال في التركة أعطيه المالك فقط وإن لم يوجد، فإن نسب العامل إلى تقصير بأن مات بمرض ولم يوص به إلى قاض ثقة ثم إلى أمين ولم يميزه بإشارة إليه أو بيان جنسه وصفته ضمنه، فيباع له من العرض بقدره مع الربح إن تصادقا عليه، وإلا صدق الوارث في قدره بل وفي نفيه أصلاً، وإن لم ينسب إلى تقصير فلا لاحتمال تلفه قبل الموت وهو أمين، فلو ادعى على الوارث تفريط مورثه حلف على نفي العلم، أو أن مال القراض بيدك حلف على البت، وإن وجد في التركة أعيان يصلح كونها مال قراض.

[فائدة]: قال في فتح الجواد: يستقر ملك عامل القراض بأحذ ثلاثة أمور: إما بفسخ مع القسمة والمال وناض لأنها وحدها لبقاء العقد قبل الفسخ مع عدم تنضيض رأس المال حتى لو حصل بعدها ربح جبر بالربح المقسوم، أو بالفسخ مع النضوض والمراد به مصير مال القراض من جنس رأس المال، أو بإتلاف المالك بنحو إعتاق وألحق به التلف بآفة، وعلم مما تقرر أنه لا يستقرّ ملكه بقسمة العرض ولو مع الفسخ اهـ.

المساقاة والمغارسة والمخابرة والمناشرة

(مسألة: ب): اعلم أن المغارسة المعروفة بحضرموت جارية على خلاف المعتمد من المذهب، والعمل مستمر عليها في الجهات، وللعاملين بها على القول بها أحوال اصطلاحية جرت بها عادتهم واستمر عليها فعلهم من غير نكير ولا تقريع عليها، فعلى المعتمد إذا ساقى آخر على سقي خلعه إلى العتيق وله ثلث النخل مثلاً لا يستحق المساقي الجزء المشروط له، سواء قبل التعتيق وبعده، بل له أجرة المثل نقداً، كما لا يستحق مالك الأرض إلا أجرة مثل أرضه نقداً أيضاً، ويكون الخلع كله لمالك الوديّ أي النقيل، ولا يجوز لحاكم ولا مفت أن يحكم أو يفتي بخلاف المعتمد من مذهب إمامه هذا، ولما كان المشي بهذه المعاملة على جادة المذهب يترتب عليه أنواع من الضرر لوقوع الخاص والعام فيها، اختاروا العمل فيها بأوجه مرجوحة وأحوال اصطلاحية بينهم معلومة، إذ لا يمكن العمل في الجهة بغيرها، قال في القلائد: قال شيخنا عبد الله بلحاج: وجوازها أي المغارسة وجه مرجوح، وعمل أهل جهتنا عليه، وقد اصطلحوا على ذلك بحيث لا يرجعون لقول مفت إذا تنازعوا وشاع وذاع اهـ. ونقل عن أحمد مؤذن أنه يقسط الجزء المشروط للعامل على حسب ما عمل، حيث وقع نزاع واختلال شروط المساقاة أو فسخت أو ثبت تقصير، وأفتى بعض الفقهاء بأن العامل لا يستحق المشروط إلا بالفراغ وهو بلوغ الغرس التعتيق المعتاد قياساً على الجعالة، وأما بيع المساقي الجزء المشروط له قبل التعتيق فلا يصح للجهل بما يستحقه على القول بالتقسيط، أو لعدم استحقاقه له الآن على القول الثاني، وأما على المذهب فلا يستحق في الخلع شيئاً أصلاً كما تقدم.

(مسألة: ج): ما حكم المزارعة والمغارسة والمخابرة والمناشرة؟ ومن جوّزها من العلماء؟ أما المزارعة وهي العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك والمخابرة كذلك، إلا أن البذر من العامل، وصيغتهما أن يقول: زارعتك على هذه الأرض على أن لك نصف زرعها أو ثلثه مثلاً، فقد ذهب كثير من العلماء إلى جوازهما، روي ذلك عن سيدنا عليّ وابن مسعود وعمار وسعد بن أبي وقاص ومعاذ رضي الله عنهم، وهو مذهب ابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وطاوس والحسن والأوزاعي، وإحدى الروايتين عن أحمد لما روى عن نافع أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وصدراً من إمارة معاوية رضي الله عنهم بالثلث والربع.

وفي صحيح البخاري: عامل عمر الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشرط، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا. قال البخاري: وزارع عليّ وسعد وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل عمر وآل علي وابن سيرين، ونقل النووي عن الخطابي أن المزارعة جائزة، وهي عمل المسلمين في جميع الأمصار، ولا يبطل العمل فيها أحد، وجوّزها أيضاً ابن خزيمة وصنف فيها جزءاً وابن المنذر، وقال الحبيشي: قال النووي المختار جوازهما، وبصحتهما قال أبو عبيد القاسم بن سلام، والقول بجوازهما حسن ينبغي المصير إليه لصحة الأحاديث الواردة في ذلك، ولأن اختلاف العلماء رحمة وللضرورة الداعية إلى ذلك اهـ. واختارهما السبكي أيضاً، وقال في الهداية للحنفية، ومنع أبو حنيفة المزارعة وجوّزها صاحباه "لأنه عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر وزرع" والفتوى على قولهما لحاجة الناس، ولظهور تعامل الأمة بهما، والقول يترك بالتعامل اهـ. وأما المغارسة ويقال لها المناصبة والمفاخذة والمخالعة، وهي أن يدفع صاحب الأرض أرضه لمن يغرسها من عنده ويكون الشجر بينهما أو بينهما وثالث ويعمل ما يحتاجه الغرس، فقد قال السبكي: لا شك أن من منع المخابرة يمنعها، ومن جوّزها يحتمل أن يجوّزها ويحتمل المنع، وأوسع المذاهب في ذلك مذهب ابن أبي ليلى وطاوس والحسن والأوزاعي، فمقتضى مذهبهم تجويز المغارسة أيضاً، والفرق بينهما عسير اهـ.

وقال السمهودي: المشهور من مذهبنا أنه لو ساقى المالك العامل على ودي ليغرسه ويكون الشجر بينهما لم يجز، وعللوه بأنه كتسليم البذر من المالك في المزارعة التي تفرد عن المساقاة. وعن صاحب التقريب وجه أنه يصح كما قيل به في المزارعة، وإلحاق ذلك بالمزارعة يقتضي أن من جوّز المزارعة و المخابرة جوّزها اهـ، أي لأنه إن كان الفسيل من المالك فكالمزارعة، أو من العامل فكالمخابرة، بل الحاجة إلى المغارسة أكثر كما لا يخفى، قال علي بايزيد وهو الأصلح للناس: ولهذا درج عليه علماء جهة الشحر وحضرموت وغيرهم من غير نكير اهـ. وقد قضى بذلك الحنابلة، وقال ابن السبكي: ما أحسن التمذهب واستعمال الأوجه في درء المفاسد الواقعة في مصادمة الشرع. وفي التحفة قال السبكي: يجوز الإفتاء بغير المذاهب الأربعة لمصلحة دينية أي مع تبيينه للمستفتي قائل ذلك اهـ. وفي فتاوى باصهي: أن المغارسة بجهة حضرموت عمل بها من لا يشك في علمه وعمله، وهو عمل أهل المدينة، وهو المفتى به والأصلح للناس، بحسب ما شرطوه وتراضوا به مما لا يخالف المذاهب اهـ.

وإذا جوّزنا المغارسة المذكورة على قياس المزارعة، فيشترط أن يبين المدة إلى التعتيق على خلاف فيه، وأن يبين نوع النخل الذي يغرسه على إشكال فيه، إذ العمل الآن على خلافه، وأن لا يشرط الثمر لأحدهما قبل القسمة وبعدها، وأن لا يشرط الولاء وهو منافع الأرض للعامل، أو أن لا يزرعها غير الغارس إلا بإذنه، أو يشرط القصب أو الحمط لأحدهما، وإن علم أن الشرط المؤثر هو الواقع في صلب العقد أو في مجلس الخيار لا قبله وبعده، كما أن من شروط المزارعة بيان المدة خلافاً للسبكي، وبيان جنس البذر، وأنه على من وكم للعامل. وأما المناشرة ويقال لها المفاخذة وهي أن يدفع الأرض الدامرة لمن يعمرها ويقوّم أسوامها ويرد مكاسرها ويحرسها، بحيث تستعد للزراعة بجزء منها، قال أبو صهي وأبو حويرث وأبو يزيد: إن عمل أهل حضرموت على ذلك قياساً على اختيار المخابرة، ويقررهم علماؤهم على ذلك وفيها ما فيها، والأوفق بالصحة أن يؤجر المالك العامل على العمارة بجزء من الأرض لكن مع تعيين العمل، ويزارعه على بعض الغلة بالشرط المتقدم في التحفة.

[فرع]: أذن لغيره في زرع أرضه فحرثها أو هيأها للزراعة فزادت قيمتها بذلك، فأراد المالك نحو بيعها أو رهنها لم يجز بغير إذن العامل لتعذر الانتفاع بها بدون العناء المحترم فيها اهـ ملخصاً من نبذة في ذلك للعلامة علي بن عبد الرحيم بن قاضي.
(مسألة: ج): ساقاه على غرس نخل بينهما فمات المساقي، فتراضى مالك الغرس وبعض ورثة المساقي من غير إذن بقيتهم على شرائه وسلم له بعض الثمن، ثم باع المشتري الغراس من آخر، فادعى بقية ورثة الميت أن حصتهم باقية، لم يوكلوا أخاهم في ذلك وأقاموا بينة قبلت، ولو استأجر أرضاً للغراس فحفر فيها بئراً وغرس نخلاً، فإن جوزنا الإجارة على عمل الجهة فلصاحب الأرض من عين البئر مثل ما شرط له من الخلع من ثلث أو غيره، وللعلماء في ذلك كلام العمل على خلافه.

(مسألة: ش): خابره على أرض كعادة البلد على الربع مثلاً، فرجعا إلى الأجرة لبطلان المخابرة، ولم تكن بالبلد أجرة معلومة إلا هذا القدر من الطعام، فأجرة المثل قيمة ذلك القدر المعتاد نقداً، وغلط من قال: يلزمه ذلك الشيء المقدر من الطعام.
[فرع]: لو قال شخص لآخر: سمن هذه الشاة ولك نصفها، أو هاتين على أن لك إحداهما لم يصح ذلك، واستحق أجرة المثل للنصف الذي يسمنه للمالك، وهذه الحالة مما عمت بها البلوى في الفراريج، يدفع كاشف البرية أو متلزم البلد لبعض أهل البيوت المائة أو الأكثر أو الأقل ويقول لهم: ربوها ولكم نصفها، فيجب على ولي الأمر ومن له قدرة على منع ذلك أن يمنع من يفعل هكذا، لأن فيه ضرراً عظيماً على الناس اهـ بج على الإقناع.

الإجارة

[فائدة]: استأجر عيناً مدة لا تبقى إليها غالباً بطلت في الزائد فقط تفريقاً للصفقة كما صرح به في العباب اهـ ع ش.
(مسألة): لا تتصوّر إجارة العقار في الذمة، وألحق به في النهاية السفينة، خلافاً للتحفة بخلاف المنقول كالشخص والدابة فيصح تأجيرهما معينين، أو في الذمة كأن يلزم ذمته خياطة أو بناء أو يستأجر دابة موصوفة.

(مسألة: ي): استأجر بستاناً لأخذ ثمره لم يصح لورود الإجارة على غير مقصود، إذ الأعيان لا تملك قصداً بعقد الإجارة، فحينئذ يكون الثمر مضموناً على صاحبه بأقصى القيم وأسهل الطرق إلى تصحيح هذه المعاملة، أن يؤجره أرض البستان بأجرة معلومة، وينذر له بالثمر تلك المدة، إذ يصح النذر بالمجهول والمعدوم، ولا يتوقف على قبض اهـ. وعبارة ك: لا تصح إجارة النخل لأخذ ثمره، فإن أجره الأرض لأجل الغراس أو الزرع صح حيث استجمعت الشروط، ولا فرق بين الأرض المملوكة والموقوفة على معين أو جهة، وحينئذ تجب الزكاة على المستأجر ولو في الموقوفة على غير معين، إذ ليس للموقوف عليه إلا الأجرة، خلافاً لمن توهم عدم الوجوب هنا، قياساً على عدم الوجوب في ثمر وزرع الموقوف على غير المعين، بل إن كانت الأرض خراجية وجبت زكاتها مع الخراج أيضاً.

(مسألة: ي): يصح الاستئجار لكل ما لا تجب له نية عبادة كان، كأذان وتعليم قرآن وإن تعين، وتجهيز ميت أولا كغيره من العلوم تدريساً وإعادة، بشرط تعيين المتعلم والقدر المتعلم من العلم، وكالاصطياد ونحوه لا القضاء والإمامة ولو في نفل، فما يعطاه الإمام على ذلك فمن باب الأرزاق والمسامحة، فلو امتنع المعطي من إعطاء ما قرره لم تجز له المطالبة به ولا لعقد نكاح كالجعالة عليه، ويحرم اشتراط الأجرة عليه من غير عقد، بل هو من أكل أموال الناس بالباطل، نعم إن أهدى نحو الزوج للملفظ شيئاً جاز قبوله إن لم يشترطه، وعلم الدافع عدم وجوبه عليه.

(مسألة: ش): يصح الاستئجار لتملك المباحات كالاصطياد والغوص للآلىء وغيرهما، كما يجوز التوكيل فيها، فحينئذ لو استأجره للغوص إجارة عين أو ذمة، فإن قدرت بالعمل اشترط معرفة المستأجر عمق الماء ووجود الصدف في المحل، واتصالها بالعقد في العينية أو تأجيلها في الذمة إلى زمن يغلب فيه وجوده، وإن قدرت بالزمان كشهر فلا بد من بيان محل الغياضة ومعرفتها مع عدلين خبيرين ليرجع إليهما عند التنازع قدر السير إليه وعمق الماء وغلبة وجود الصدف فيه، وأن الآلة على أيهما إذا لم يطرد عرف وتعين الشهر وكونه هلالياً، ويحمل على العادة الغالبة مع اتصاله بالعقد في العينية وإلا فسدت، ويلزم في الصحيحة المسمى وفي الفاسدة إن جهل الأجير الفساد أجرة المثل، وما أخرج من اللؤلؤ يملكه المستأجر مطلقاً ويحرم الاستئجار، ويفسد مع هيجان البحر أو كثرة القرش بمحل الغياضة لأنه غير مقدور عليه شرعاً.

(مسألة: ش): استؤجر للعمل مدة معلومة فسلم نفسه، استحق كل الأجرة بمضي مدة الإجارة وإن لم يعمل لتلف المنافع تحت يد المستأجر، فلو شرط ذلك في صلب العقد لم يفسدها، إلا إن شرط فيه استحقاق الأجير قبل تمام المدة، أو شرط على الأجير أنه متى عجز عن العمل أثناءه فليس له شيء، فحينئذ له أجرة المثل ما لم يعلم بفساد العقد وأن لا أجرة.

(مسألة: ش): يستثنى من مدة الإجارة زمن المكتوبة ولو جمعة والرواتب والطهارة، فلو فقد الطهورين فصلى لحرمة الوقت ثم أعادها بأحدهما نقص قدرها من الأجرة، كما لو أعادها لنحو حدث، لأن منفعة الأجير مستغرقة للمستأجر إلا ما استثني شرعاً.
[فائدة]: استأجره لحمل حطب إلى داره وأطلق لم يلزمه إطلاعه السقف، وهل يلزمه إدخاله الدار والباب ضيق أو تفسد الإجارة؟ قولان أصحهما الأول، ولو ذهب مستأجر الدابة بها والطريق أمن فحدث خوف، فإن رجع بها ضمن أو مكث ينتظر الأمن لم تحسب عليه مدته، وله حينئذ حكم الوديع في حفظها، وإن قارن الخوف العقد فرجع فيه لم يضمن إن عرفه المؤجر، فإن ظن الأمن فوجهان أصحهما عدم تضمينه اهـ نهاية.

(مسألة: ب): دفع له مالاً ليبيعه ولم يجر بينهما ذكر أجرة ولا ما يدل عليها لم يستحق شيئاً، كمن دفع ثوبه لخياط أو قصار ولم يذكر أجرة ولا ما يدل عليها اهـ. وذكر نحوه في (ش) وزاد: وقيل تلزم أجرة المثل مطلقاً، وقيل: إن جرت العادة بأخذها أخذ وإلا فلا، واستحسنه الغزالي وغيره وأفتى وقضى به جمع.
(مسألة): خدم أخاه ورعى له إبلاً ولم يشرط له أجرة لم يستحق شيئاً، وإن قال له الأخ: اخدمني هذا، والأولى أن لا يخليه من شيء خروجاً من الخلاف، نعم إن كان الخادم محجوراً عليه لزمت له أجرة المثل مطلقاً.

[فائدة]: استأجر محلاً لدوابه فوقفه المؤجر مسجداً، امتنع عليه تنجيسه وتقذيره من حينئذ ويتخير، فإن اختار البقاء انتفع به إلى مضي المدة إن كانت المنفعة المستأجر لها تجوز فيه، وإلا كالاستئجار لوضع نجس به تعين إبداله بمثله من الطاهر، وامتنع على الواقف وغيره الصلاة ونحوها فيه بغير إذن المستأجر، وحينئذ يقال لنا مسجد منفعته مملوكة، ويمتنع نحو صلاة واعتكاف به بغير إذن مالك منفعته اهـ تحفة.

[فائدة]: المعنى في عدم انفساخ الإجارة في بيع العين المستأجرة من مكتريها كون الإجارة واردة على المنفعة، والملك وارداً على الرقبة، فلا تنافي بينهما، ولهذا لو استأجر ملكه من المستأجر صح، وبه فارق انفساخ نكاح من اشترى زوجته، والفائدة في عدم الانفساخ أنه لو ردّ المبيع بعيب استوفى بقية المدّة، أو فسخ الإجارة بعيب أو تلف العين رجع بأجرة باقي المدة اهـ فتاوى الحبيشي.
(مسألة: ش): دفع له ثوباً ليخيطه أو فضة ليصوغها بأجرة، وشرط عليه أن لا يعمل لغيره حتى يفرغه أو يعمله في يومين، كانت إجارة فاسدة، فلا يضمنه لو تلف بلا تقصير في المدة وبعدها، إذ فاسد العقود كصحيحها غالباً، نعم إن طلبه مالكه فلم يخل بينه وبينه ضمن.

(مسألة: ش): حكم العين المستأجرة حكم الوديعة، فتضمن بما تضمن بها، وتفارقها في أنه لا يصدق في الرد بيمينه، فلو استأجر جملاً إلى محل بعيد فأعيا في الطريق وعجز عن إيداعه أميناً وخاف على نفسه أو ماله فتركه لم يضمنه، إذ لا يلزمه التغرير بنفسه، كما لو وقع حريق وعنده ودائع فنقل متاعه أولاً وتلفت هي.
(مسألة: ش): لا خلاف أن المستعير والوديع لا يخاصمان، وكذا المرتهن والمستأجر على المنصوص، وقيل يخاصمان، ونقله الإمام عن المحققين وقطع به، وجزم به الغزالي في بسيطه ووسيطه، والبغوي والقفال، وعلى الأول لو غاب المالك أقام الحاكم من يدعي له، نعم لهما حضور محل الخصومة لتعلق حقهما بالمأخوذ، هذا إن لم يكن المتلف أو الغاصب الراهن أو المؤجر، وإلا فلهما مطالبته لئلا يفوت حقهما.

(مسألة: ش): يصح الاستئجار على القراءة عن الميت ولو كافراً على الأوجه عند رأس القبر أو مطلقاً ويحمل عليه، وكذا عن الحي بحضوره لانتفاعه بسماعه الذكر، ولا يصح عن ميت غائب، لا بشرط الدعاء له بمثل ما حصل له من الأجر، لا بنية ثوابها له فقط خلافاً للسبكي، ولا بإهدائه له بعدها على المعتمد، خلافاً للأزرق والأئمة الثلاثة القائلين بحصول نفس الثواب للميت، فعليه يصح الاستئجار كذلك

(مسألة: ك): استؤجر لقراءة شيء معين من القرآن لشخص، واستؤجر لقراءة ذلك المعين أيضاً لآخر، فاقتصر المستأجر على قراءة المعين، ثم أهدى ثوابه للشخصين، فالذي يظهر وهو الأحوط أنه لا يكفي على المعتمد الذي رجحه ابن حجر من حصول نفس الثواب، أما على ما اعتمده السيوطي من أن الجعل على الدعاء فيكفي، وينبغي أن يحافظ الأجير على قراءة البسملة أوّل كل سورة غير براءة، إذ أكثر العلماء يقول إنها آية، فإذا قرأها كان متيقناً قراءة الختمة أو السورة، خصوصاً من استؤجر أو جوعل على قراءة الأجزاء والأسباع فيبرأ بيقين، وإلا فلا يستحق الأجرة لما أخل به عند من يقول إنها آية، ولو أخل ذو وظيفة كقراءة بها في بعض الأيام لم ينقطع استحقاقه لغير مدة الإخلال.

(مسألة: ب): أخلّ الأجير بشيء مما استؤجر عليه، فإن كان لعذر ولم تمكنه استنابة من يقوم مقامه فينبغي أن لا يأثم، لكنه لا يستحق شيئاً مدة الإخلال ولو في النادر، إلا إن كان من المستثنيات شرعاً، أو استثنى عند العقد أو لغير عذر وأمكنه الاستنابة حيث جوّزناها بأن وردت الإجارة على الذمة فلم يستنب أثم.

(مسألة: ك): لا تكفي قراءة قل هو الله أحد ثلاثاً لمن استؤجر على قراءة ختمة كاملة، بل لا بد من قراءة جميعها لأنه مستأجر على الجميع، فلا يخرج من العهدة إلا بالإتيان بجميع العمل، وإن قلنا إن ثواب قراءتها كثواب من قرأ ثلث القرآن.
(مسألة: ب): قال في الأحياء: وفي أخذ الأجرة على نحو إمامة الصلاة والأذان والتدريس وقراءة القرآن خلاف، وكره السلف أخذ الأجرة على كل ما هو من قبيل العبادات وفروض الكفايات، كغسل الأموات والأذان والتراويح، وإن حكم بصحة التأجير عليه، وكذا تعليم القرآن والعلم، فإن هذه الأعمال حقها أن يتجر فيها للآخرة، ومن صيغ إجارة العين: استأجرتك أو اكتريتك لتؤذن وتقيم الصلوات الخمس في مسجد كذا، أو تقرأ فيه جزءاً مثلاً سنة بأجرة كذا، وفي إجارة الذمة: ألزمت ذمتك، أو أسلمت إليك هذه الدراهم في الأذان للصلوات الخمس، فيقبل الأجير من غير أن يتخلل فصل مضر، ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في مجلس العقد

إحياء الموات

(مسألة: ش): الأرض الإسلامية التي لم يعلم لها سبق إحياء، وكذا لو علم ولم يدرأ جاهلية أم إسلاماً على الراجح، إذ الأصل الإباحة يجوز إحياؤها ولو بلا إذن ذي الولاية، نعم يسن استئذانه خروجاً من الخلاف، بل لو خاف الفتنة وجب اهـ. وعبارة ج: أرض موات في سفح جبل على أصلها من اشتباك الحصى بعضه ببعض لم تعمر الحرث قطعاً وبغيره ظناً، فأحياها شخص ملكها ما لم تثبت عمارتها بالإحياء قبل بشرطه.

(مسألة: ي): كل أرض حكم بأنها إسلامية لاستيلاء المسلمين عليها أولاً، وإن استولى عليها الكفار بعد ومنعوا المسلمين منها كغالب أرض جاور حكمها حكم الموات، فإذا أحياها المسلم لا غيره ولو ذمياً أذن له الإمام ملكها، سواء علم أنها لم تعمر قط أو شك، وليس بها أثر عمارة، وكذا لو عمرها كافر قبل استيلاء المسلمين أو بعده، ولم تدخل تحت يد مسلم قبل العمارة أو بعدها، كما لو شك في العمارة هل هي إسلامية أو جاهلية ولم تكن تحت يد أحد وإلا فلذي اليد ولو كافراً، وإن حكمنا بعدم صحة إحيائه لها لكونها دار إسلام، لأن اليد دليل الملك، والأصل وضعها بحق إلى أن يثبت نقيضه، ويتصوّر دخولها في يده بنحو شراء ونذر، لأن الأصل في الأموال التي الأيدي حلها لمن هي في يده، وقبولها تصرفاتهم وجواز التراضي عليها، وإن علم أن العمارة إسلامية ولم تكن تحت يد أحد فمال ضائع يحفظ إن رجي مالكه وإلا فلبيت المال.

(مسألة: ش): لا يجوز إحياء حريم القرية كالقضاء الذي خلل البيوت والخارج عنها المحوط بما يملكه به من أراد السكنى، وحريمه لا حريم محجر عليه بنحو حطب وقصب فيجوز إحياؤه، وكذا المحجر عليه نفسه لكنه يأثم اهـ. قلت: قال في التحفة: منفعة الشارع المرور فيه، ويجوز الجلوس فيه لاستراحة ومعاملة إن لم يضيق على المارة، ولا يجوز لأحد أخذ عوض ممن يجلس به مطلقاً، ومن ثم قال ابن الرفعة فيما يفعله وكلاء بيت المال من بيع بعضه زاعمين أنه فاضل عن حاجة الناس: لا أدري بأي وجه يلقى الله تعالى فاعل ذلك، وشنع الأذرعي أيضاً على بيعهم حافات الأنهار، وعلى من يشهد أو يحكم بأنها لبيت المال، قال:، أعني الأذرعي، وكالشارع فيما ذكر الرحاب الواسعة بين الدور، فإنها من المرافق العامة كما في البحر، وقد أجمعوا على منع إقطاع المرافق العامة كما في الشامل اهـ.
(مسألة: ك): اعتاد بعض السلاطين حجر الموات لنفسه فيقول: هذه البقعة ملكي فمن زرع فيها فعليه كذا، لم يصر بذلك محيياً للأرض، بل من أحياها الإحياء المعروف ملكها إذ الأرض لا تملك إلا بالإحياء أو بإقطاع الإمام أقطاع تمليك، نعم له أن يحمي مواتاً لنعم من يضعف عن الإبعاد ورعي خيل جهاد ونعم نحو جزية، فلو رعاه غير أهله لم يضمن، لكنه يأثم ويعزر، ولا يحمي الإمام لنفسه بل لا يدخل نعمه فيما حماه للمسلمين، ويحرم عليه أخذ العوض ممن يرعى في حمى أو موات أو يجلس في الشارع.

(مسألة: ك): حجر السلطان بعض المعادن كالماس والذهب من غير إحياء تلك البقع، بل أمر أناساً باستخراجه، فإذا استخرجوه ترك لهم الصغير وأخذ القطع الكبار بثمن قليل، ونهاهم عن بيعها لغيره، بل لو علم بيعهم لغيره عذبهم بأنواع العذاب، أثم بذلك إثماً عظيماً، إذ المعادن الظاهرة لا تملك بإحياء ولا إقطاع بقعة ونيل ولا يثبت فيها تحجر، كما أن المعادن الباطنة كالنقدين والحديد والياقوت لا تملك بالحفر والعمل أيضاً، ولا بالإحياء في موات، ولا يثبت فيها اختصاص بحجر، نعم يجوز للإمام إقطاعها إقطاع إرفاق لا تمليك، فإن أحيا معدناً مع العلم به لم يملكه ولا بقعته أو مع الجهل ملكه، فحينئذ قول السلطان هو ملكي لا أثر له، ولا يملك ما يأخذه منهم بل هو من جملة أكل أموال الناس بالباطل، ومن أخذ من معدن شيئاً لم يحزه غيره ملكه ما لم ينو به غيره وله بيعه ممن أراد، ولا يجب عليه امتثال أمره باطناً، بل ولا ظاهراً، والفرق بينه وبين التسعير ظاهر.

(مسألة: ج): الماء الخارج من الوادي المباح يتبع فيه العادة المطردة من تقديم وتأخير، ويردّ كل شيء إلى عادته الأصلية بنظر أهل الخبرة والأمانة.

(مسألة: ش): أرض عليا مستحقة السقي قبل غيرها، أراد صاحب السفلى أن يسقي قبله أثم ولزمه إرساله للعليا، كما لو أذن له الأول في السقي قبله ثم أراد الرجوع فيمكن منه وجوباً إذ هو أباحه، وليس للثاني إرساله لمن هو أسفل منه مطلقاً، ولا لأحد منازعة المتقدم، نظير ما لو أدبر نحو ما على اليمين، فقدم المستحق غيره ممن هو عن يمينه، فلا يكون ما بعده أحق من المقدم، وإن لزم رجوعه يسار الشارب تنزيلاً لهما منزلة الشارب الواحد.

الجعالة

(مسألة: ك): انكسر مركب في البحر فأمر صاحبه أن كل من أخرج من المتاع شيئاً فله ربعه مثلاً، فإن كان المجعول عليه معلوماً عند الجعيل بأن شاهده قبل الغرق أو وصفه له صح العقد واستحق، وإلا فسد واستحق أجرة المثل.
[فائدة]: تجوز الجعالة على الرقية بالجائز كالقرآن، والدواء كتمريض مريض وعلاج دابة، ثم إن عين لها حداً فذاك، وإن لم يعين ما جوعل فيه بضبط فله أجرة مثله، فإن قيد بالشفاء استحق ما ذكر به لا قبله اهـ قلائد.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية