الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

علم التجويد فى القرآن الكريم

علم التجويد فى القرآن الكريم

الكتاب: الموسوعة القرآنية المتخصصة
المؤلف: مجموعة من الأساتذة والعلماء المتخصصين
رئيس التحرير: أ.د. علي جمعة
الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر
عام النشر: ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
عدد الصفحات: ٨٨٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الموضوع: علوم القرأن
 

فهرس الموضوعات 

  1. علم التجويد فى القرآن الكريم
    1. الأول: حده"تعريفه"
    2. الثانى: موضوعه
    3. الثالث: ثمرته
    4. الرابع: فضله
    5. الخامس: نسبته
    6. السادس: واضعه
    7. السابع: اسمه
    8. الثامن
    9. التاسع: حكمه
    10. العاشر: فائدته وغايته:
  2. مراتب التلاوة
    1. حكم الاستعاذة
    2. البسملة وحكمها
  3. مخارج الحروف
    1. عدد مخارج الحروف:
  4. صفات الحروف
    1. فوائد معرفة الصفات:
    2. أولا: الصفات التى لها أضداد، وتعريف كل صفة وبيان حروفها وذلك فيما يلى:
    3. ثانيا: الصفات التى لا ضد لها وهى:
  5. التفخيم والترقيق
    1. تغليظ اللام:
  6. أحكام النون الساكنة والتنوين
    1. تعريفها:
    2. الفرق بين النون الساكنة والتنوين:
    3. الأول: الإظهار:
    4. الثانى: الإدغام:
    5. الثالث: الإقلاب:
    6. الرابع: الإخفاء:
  7. فى الغنة وأحكامها وأقوال العلماء فى ذلك
    1. مخرج الغنة:
    2. مراتب الغنة:
  8. فى تعريف الميم الساكنة وأحكامها
    1. أولا: الإخفاء الشفوى:
    2. ثانيا: الإدغام الصغير:
    3. ثالثا: الإظهار الشفوى:
  9. فى المد والقصر
    1. تعريف المد:
    2. حروف المد:
    3. تعريف القصر:
    4. المد والقصر حقيقة واصطلاحا:
    5. تعريف الحركة:
    6. أقسام المد:
    7. الأول: المد الأصلى
    8. شروط هذا المد:
    9. القسم الثانى: المد الفرعى:
    10. أسباب المد الفرعى: أمران:
    11. أنواع المد الفرعى:
    12. ١ - المد المتصل:
    13. ٢ - المد المنفصل:
    14. ٣ - مد البدل:
    15. ٤ - المد العارض للسكون:
    16. ٥ - مد اللين:
    17. ٦ - المد اللازم:
    18. الأول: المد اللازم الكلمى المثقل:
    19. الثانى: المد اللازم الكلمى المخفف:
    20. الثالث: المد الحرفى المثقل:
    21. الرابع: المد اللازم الحرفى المخفف:
    22. حكم المد اللازم:
    23. حكم الحروف الموجودة فى أوائل السور:
    24. قواعد لها علاقة بالمد:
  10. الوقف والابتداء
    1. أهمية هذا الباب:
    2. تعريف الوقف وأقسامه:
    3. أقسام الوقف:
    4. ١ - الوقف الاضطرارى:
    5. الثانى: الوقف الكافى:
    6. الثالث: الوقف الحسن:
    7. الرابع: الوقف القبيح:
    8. تعريف الابتداء:
    9. تعريف القطع:
    10. تعريف السكت:
    11. الوقف على آخر الكلم
    12. النقل وغيره من سبل تخفيف الهمزة
    13. الإمالة والتقليل
    14. المقطوع والموصول
    15. همزتا الوصل والقطع
    16. أولا: همزة الوصل:
  11. تلاوة القرآن الكريم
    1. أولا: أدب التلاوة:
  12. تنكيس القراءة
  13. نسيان القرآن
  14. ختم القرآن
  15. الجرس القرآنى
  16. الاستماع عند التلاوة
  17. الاقتباس من القرآن
  18. العودة إلي كتاب الموسوعة القرآنية المتخصصة
 
علم التجويد فى القرآن الكريم
على كل من شرع فى تعلم علم من العلوم أن يعرف مبادئه العشرة ليكون على بينة مما يتعلمه وهى:

الأول: حده «تعريفه»
: التجويد مصدر جوّد تجويدا، والاسم منه الجودة ضد الرداءة (١)، وهو فى اللغة التحسين، يقال: جوّد الرجل الشيء إذا أتى به جيدا، ويستوى فى ذلك القول والفعل. ويقال لقارئ القرآن المحسن لتلاوته: «مجوّد» - بكسر الواو- إذا أتى بالقراءة مجوّدة- بفتح الواو- الألفاظ بريئة من الجور والتحريف حال النطق بها.
وفى الاصطلاح: إخراج كل حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه ومستحقه من الصفات. وحق الحرف: صفاته اللازمة التى لا تنفك عنه بحال من الأحوال، كالجهر والشدة والاستعلاء والاستفال والإطباق إلى غير ذلك. ومستحق الحرف: صفاته العرضية الناشئة عن الصفات الذاتية كالتفخيم فإنه ناشئ عن الاستعلاء، وكالترقيق فإنه ناشئ عن الاستفال وهكذا.

الثانى: موضوعه
: الكلمات القرآنية من حيث حروفها وإتقان النطق بها، وبلوغ الغاية فى تحسينها وإجادة التلفظ بها. وزاد بعض العلماء الحديث الشريف، ولكن الجمهور على أن موضوع التجويد هو القرآن الكريم فقط.

الثالث: ثمرته
: صون اللسان عن اللحن فى لفظ القرآن الكريم حال الأداء.

الرابع: فضله
: من أشرف العلوم وأفضلها لتعلقه بكلام الله- ﷿ فإن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.

الخامس: نسبته
: هو أحد العلوم الدينية المتعلقة بالقرآن الكريم.

السادس: واضعه
: أما الواضع له من الناحية العملية فهو سيدنا رسول الله ﷺ لأنه نزل عليه القرآن من عند الله تعالى مجودا، وتلقاه- صلوات الله وسلامه عليه- من الأمين جبريل- ﵇ كذلك، وتلقته عنه الصحابة، وتلقاه عن الصحابة التابعون، وهكذا إلى أن وصل إلينا متواترا.
(١) لسان العرب، لابن منظور، مادة «جود» ١/ ٧٢٠ طبعة دار المعارف.
 
١ ‏/ ٣٥٩
 
وأما الواضع له من ناحية قواعده وقضاياه العلمية ففيه خلاف، فقيل: أبو الأسود الدؤلى. وقيل: أبو عبيد القاسم بن سلام.
وقيل: الخليل بن أحمد الفراهيدى. وقيل:
غير هؤلاء.

السابع: اسمه

: علم التجويد.

الثامن
: استمداده: هذا العلم مستمد من قراءة النبى- ﷺ ثم من قراءة الصحابة من بعده والتابعين وأتباعهم، وأئمة القراءة إلى أن وصل إلينا عن طريق مشايخنا.

التاسع: حكمه

: العلم به فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين. وأما العمل به ففرض عين على كل قارئ مسلم ومسلمة لقوله تعالى:
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (سورة المزمل آية ٤) وقول الرسول ﷺ: «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فإنه سيجىء أقوام من بعدى يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنواح لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم» (٢).

العاشر: فائدته وغايته:
١ - بلوغ النهاية فى إتقان لفظ القرآن على ما تلقى من الرسول ﷺ.
٢ - صون اللسان عن الخطأ واللحن فى كتاب الله تعالى.
٣ - إرضاء الله تعالى والحصول على الأجر العظيم، والفوز بالسعادة فى الدارين (٣).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(٢) الحديث: ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد، كتاب التفسير، باب القراءة بلحون العرب ٧/ ١٦٩ وعزاه للطبرانى فى الأوسط وقال: فيه راو لم يسم وفيه بقية أيضا. وقال المناوى: قال ابن الجوزى: حديث لا يصح وأبو محمد مجهول، وبقية يروى عن الضعفاء ويدلسهم. وقال الذهبى فى الميزان: والخبر منكر.
(٣) هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٣٧ - ٤١ بتصرف للشيخ/ عبد الفتاح السيد المرصفى، طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية- شبرا مصر، الطبعة الأولى ١٤٩٢ هـ ١٩٨٢ م، وبغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن ص ١٧ - ٢٠ بتصرف، لمحمد بن شحادة الغول، طبعة دار الأرقم- الثالثة- بالسعودية ١٤١٤ هـ ١٩٩٣ م.
 
١ ‏/ ٣٦٠
 
مراتب التلاوة
مراتب التلاوة بالنظر إلى سرعة الأداء وبطئه هى:
١ - التحقيق: وهو فى اللغة: التدقيق والتأكد والإنجاز. وفى الاصطلاح: التأنى فى القراءة بإعطاء كل حرف حقه من إشباع المد وتحقيق الهمزات، وإتمام الحركات، واعتماد الإظهار والتشديدات، وتوفية الغنات، وتفكيك الحروف وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترسل واليسر والتؤدة، وملاحظة الجائز من الوقوف بلا قصر ولا اختلاس ولا إسكان محرك، ولا إدغامه إلخ من مراعات جميع أحكام التجويد (١).
يقول السيوطى: «التحقيق يكون لرياضة الألسن وتقويم الألفاظ، ويستحب الأخذ به على المتعلمين من غير أن يتجاوز فيه إلى حد الإفراط بتوليد الحروف من الحركات، وتكرير الراءات، وتحريك السواكن، وتطنين النونات بالمبالغة فى الغنات، كما قال حمزة- رحمه الله تعالى- لبعض من سمعه يبالغ فى ذلك: «أما علمت أن ما فوق البياض برص، وما فوق الجعودة قطط، وما فوق القراءة ليس بقراءة»؟ (٢).
٢ - الحدر: فى اللغة: الإسراع. وفى الاصطلاح: هو إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها بالقصر والتسكين، والاختلاس والبدل والإدغام الكبير وتخفيف الهمزة، ونحو ذلك مما صحت به الرواية مع مراعاة إقامة الإعراب وتقويم اللفظ، وتمكن الحروف بدون بتر حروف المد، واختلاس أكثر الحركات، وذهاب صوت الغنة، والتفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة، ولا توصف بها التلاوة، وهذا النوع مذهب ابن كثير، وأبى جعفر، ومن قصر المنفصل كأبى عمرو ويعقوب (٣).
ويتلخص من ذلك: أن الحدر: هو الإسراع فى القراءة مع مراعاة الأحكام.
٣ - التدوير: وهو فى اللغة: جعل الشيء على شكل دائرة أى حلقة، وفى الاصطلاح:
هو مرتبة متوسطة بين الترتيل والحدر، أو بين التحقيق والحدر. قال السيوطى: «وهو الذى ورد عن أكثر الأئمة ممن مدّ المنفصل ولم يبلغ فيه الإشباع، وهو مذهب سائر القراء، وهو المختار عند أكثر أهل الأداء» (٤).
٤ - الترتيل: وهو فى اللغة: الترسل.
(١) بغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن ص ٧.
(٢) الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١/ ١٣٢ طبعة الحلبى الرابعة ١٣٩٨ هـ ١٩٧٨ م.
(٣) المصدر السابق.
(٤) نفس المصدر.
 
١ ‏/ ٣٦١
 
ويقال: رتل الكلام: أحسن تأليفه وأبانه وتمهل فيه. وترتيل القراءة: الترسل فيها والتبيين من غير بغى (٥). وفى الاصطلاح:
القراءة بتؤدة واطمئنان مع تدبر المعانى ومراعاة أحكام التجويد من إعطاء الحروف حقها من الصفات والمخارج، ومد الممدود وقصر المقصور، وترقيق المرقق وتفخيم المفخم مما يتفق وقواعد التجويد. وهو أفضل المراتب الأربعة، فقد أمر الله تعالى نبيه ﷺ فقال جل شأنه: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (سورة المزمل آية ٤)
والفرق بين الترتيل والتحقيق- فيما ذكره بعض العلماء- أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين، والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط، فكل تحقيق
ترتيل، وليس كل ترتيل تحقيقا (٦).
وقول السيوطى: «كل تحقيق ترتيل وليس كل ترتيل تحقيقا». يريد به بيان النسبة بين الترتيل والتحقيق- على ما أعتقد- مما يكون فى مقام التعليم يطلق عليه تحقيق ويطلق عليه ترتيل أيضا؛ لأن مقام التعليم لا ينافى التدبر والتفكر، وما يكون فى مقام التدبر والتفكر يطلق عليه ترتيل، ولا يطلق عليه تحقيق لأنه ليس مقام تعليم وتمرين.
إذن: فالتحقيق أعم والترتيل أخص، والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق، وهو أن يجتمع الشيئان فى شىء واحد وينفرد الأعم.

حكم الاستعاذة
اتفق العلماء على أن الاستعاذة مطلوبة من مريد القراءة، واختلفوا بعد ذلك هل هذا الطلب على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟. فذهب جمهور العلماء وأهل الأداء إلى أنه على سبيل الندب، وقالوا: إن الاستعاذة مندوبة عند إرادة القراءة، وحملوا الأمر فى قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (سورة النحل آية ٩٨). على الندب فلو تركها القارئ لا يكون آثما.
وقال ابن سيرين- وهو من القائلين بالوجوب-: لو أتى الإنسان بها مرة واحدة فى حياته كفاه ذلك فى إسقاط الواجب عنه.
وصيغة الاستعاذة عند جميع القراء: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». لأن هذا الصيغة هى الواردة فى القرآن الكريم كما فى الآية السابقة، وهى الواردة أيضا عن الرسول ﷺ، ففي الصحيحين من حديث سليمان بن صرد- رضى الله عنه- قال: «استبّ رجلان عند رسول ﷺ ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمرّ وجهه، فقال النبى
(٥) لسان العرب، لابن منظور مادة «رتل» ٣/ ١٥٧٨ طبعة دار المعارف.
(٦) الإتقان فى علوم القرآن لجلال الدين السيوطى ١/ ١٣٢.
 
١ ‏/ ٣٦٢
 
ﷺ: «إنى لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». (٧) ولا خلاف بينهم فى جواز غير هذه الصيغة من الصيغ الواردة عن أهل الأداء سواء نقصت عن هذه الصيغة نحو: «أعوذ بالله من الشيطان»، أم زادت نحو: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» إلى غير ذلك من الصيغ الواردة عن أئمة القراءة.
كيفيتها: يرى بعض الأئمة: أن المختار الجهر بالاستعاذة مطلقا، وقيل: المختار الإسرار بها مطلقا. وقيل: الجهر بالتعوذ أفضل إذا كان بحضرة القارئ من يسمع قراءته، لينصت السامع للقراءة، وأما إذا لم يكن بحضرته من يسمع، أو كان ولكنه أراد أن يقرأ سرا، فلا يطلب الجهر. وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة فى الصلاة وخارجها (٨)، فإن المختار فى الصلاة الإخفاء لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة.

البسملة وحكمها
البسملة: مصدر بسمل إذا قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أو إذا كتبها فهى بمعنى القول أو الكتابة. ثم صارت حقيقة عرفية فى نفس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وهو المراد هنا.
ولا خلاف بين العلماء فى أن البسملة بعض آية من سورة النمل، كما أنه لا خلاف بين القراء فى إثباتها أول سورة «الفاتحة» سواء وصلت بسورة «الناس» أو ابتدئ بها، لأنها وإن وصلت لفظا فهى مبتدأ بها حكما، وقد أجمع القراء السبعة أيضا على الإتيان بها عند الابتداء بأول كل سورة سوى سورة «براءة» وذلك لكتابتها فى المصحف.
ويجوز لكل القراء الإتيان بالبسملة وتركها فى أواسط السور، لا فرق فى ذلك بين سورة «براءة» وغيرها، وذهب بعض العلماء إلى استثناء براءة فألحقها بأولها فى عدم جواز الإتيان بالبسملة فى أوسطها لأحد من القراء (٩).
الأوجه التى تجوز للقارئ فى الاستعاذة مع البسملة والسورة أربعة أوجه وهى:
١ - وصل الجميع: بمعنى: أن يصل الاستعاذة بالبسملة ووصل البسملة بالسورة.
٢ - قطع الجميع: بمعنى: عدم وصل الاستعاذة بالبسملة، وعدم وصل البسملة بالسورة.
٣ - وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف على البسملة، ثم يبدأ فى قراءة السورة.
٤ - قطع الاستعاذة عن البسملة، ووصل البسملة بالسورة.
(٧) الحديث أخرجه أبو داود فى سننه برقم ٤٧٨٠، والحاكم فى المستدرك ٢/ ٤٤١، والطبرانى فى الكبير ٧/ ١١٦.
(٨) انظر: النشر فى القراءات العشر للحافظ ابن الجزرى ١/ ٢٥٢ - ٢٥٩ طبعة دار الكتب العلمية ببيروت. والإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١/ ١٣٩.
(٩) القول السديد فى فن التجويد ص ٥٤ بتصرف للدكتور/ أحمد عبد الغنى الجمل، طبعة أولى- مطبعة الحسين الإسلامية- ١٤١١ هـ ١٩٩٠ م.
 
١ ‏/ ٣٦٣
 
أما أوجه البسملة بين السورتين فيجوز للقارئ فيها ثلاثة أوجه وهى:
١ - وصل الجميع: أى: وصل آخر السورة بالبسملة، ووصل البسملة بأول السورة الأخرى.
٢ - قطع الجميع، بمعنى: عدم وصل آخر السورة بالبسملة، وعدم وصل البسملة بأول السورة الأخرى.
٣ - قطع البسملة عن آخر السورة، ووصلها بأول السورة الأخرى.
وهناك وجه ممنوع عند الجميع لا يصح وهو: وصل البسملة بآخر السورة الأولى وقطعها عن الأخرى.
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
 
١ ‏/ ٣٦٤
 
مخارج الحروف
المخارج: جمع مخرج، وهو فى اللغة: اسم لمكان خروج الشيء. وفى الاصطلاح: محل خروج الحرف الذى ينقطع عنده صوت النطق به فيتميز عن غيره.
كيفية معرفة مخرج الحرف: ولمعرفة مخرج أى حرف ينبغى أن ندخل عليه حرفا متحركا مع تسكين الحرف المراد مخرجه أو تشديده، ثم نصغى إليه حال النطق به، فحيث انقطع صوت النطق بالحرف فهو مخرجه.
هذا بالنسبة لحروف الهجاء ما عدا حروف المد واللين.
أما هذه الحروف فتعرف مخارجها بإدخال حرف مفتوح على الألف، ومكسور على الياء، ومضموم على الواو.

عدد مخارج الحروف:
لما كانت مادة الحروف هى الصوت الذى هو الهواء الخارج من الرئة إلى الفم، لذا رتب العلماء مخارج الحروف باعتبار الصوت، فقدموا فى الذكر ما هو أقرب إلى الرئة ثم ما يليه إلى الفم وهكذا.
واختلف العلماء فى عدد مخارج الحروف، والمختار ما ذهب إليه الجمهور، وهو أن المخارج سبعة عشر مخرجا منحصرة فى خمسة مخارج عامة، وهى:
الأول: الجوف: ومعناه فى اللغة: الخلاء.
وفى الاصطلاح: الخلاء الواقع داخل الحلق والفم. وتخرج منه الألف المدية المفتوح ما قبلها نحو: «قال»، والياء المدية المكسور ما قبلها نحو: «قيل»، والواو المدية المضموم ما قبلها نحو: «يقول». وتسمى هذه الحروف الثلاثة الجوفية لخروجها من الجوف، وتسمى أيضا مدية وذلك لامتداد الصوت بها فى يسر عند النطق بها.
الثانى: الحلق: وهو مخرج كلى وفيه ثلاثة مخارج جزئية هى:
١ - أقصى الحلق، وتخرج منه الهمز والهاء.
٢ - وسط الحلق: وتخرج منه العين والحاء.
٣ - أدنى الحلق: وتخرج منه الغين والخاء.
وتسمى جميع هذه الحروف بالحلقية لخروجها من الحلق.
الثالث: اللسان: وهو مخرج كلى وفيه عشرة مخارج جزئية وهى:
 
١ ‏/ ٣٦٥
 
١ - أقصى اللسان من فوق مما يلى الحلق مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، ومنه تخرج القاف.
٢ - أسفل أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، ومنه تخرج الكاف.
٣ - وسط اللسان مع ما يليه من الحنك الأعلى، ومنه تخرج الجيم والشين مطلقا، والياء المتحركة.
٤ - إحدى حافتى اللسان الأمامية مما يلى الأضراس العليا، أى جانبيه من الداخل ومنها تخرج الضاد، ومن الجانب الأيسر أسهل وأكثر استعمالا.
٥ - أدنى حافتى اللسان إلى منتهاه مما يلى الأنياب، أى جانبه من الخارج مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العليا، ومنه تخرج اللام.
٦ - طرف اللسان تحت مخرج اللام قليلا مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العليا، ومنه تخرج النون الساكنة ولو تنوينا.
٧ - أدنى اللسان من ظهره أدخل من النون قليلا مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العليا، ومنه تخرج الراء. هذا وقد اشتركت النون والراء فى المخرج إلا أن الراء أدخل إلى ظهر اللسان من مخرج النون.
٨ - طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، ومنه تخرج الطاء والدال والتاء.
٩ - طرف اللسان من فوق الثنايا السفلى مع مراعاة الانفراج القليل بين طرف اللسان والثنايا عند النطق، ومنه تخرج الصاد والزاى والسين.
١٠ - طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا، ومنه تخرج الظاء والذال والثاء. وهذه الحروف الثلاثة هى المطلوب إخراج اللسان عند النطق بها.
الرابع: الشفتان: وفيهما مخرجان هما:
١ - بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا، ومنه تخرج الفاء.
٢ - الشفتان معا، ومنهما تخرج الباء والميم مع انطباق الشفتين، والواو مع انفتاح الشفتين وانفراجهما قليلا. والمراد بالواو هنا غير المدية، أما المدية فتخرج من الجوف
كما سبق، وتسمى هذه الحروف الشفهية.
الخامس: الخيشوم: وهو أعلى الأنف وأقصاه من الداخل، ومنه تخرج الغنة المركبة فى جسم النون ولو تنوينا، والميم فقط (١).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) انظر فى هذا الموضوع نهاية القول المفيد فى علم التجويد من ص ٣١ - ٤١ للشيخ محمد مكى نصر. طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة ١٣٤٩ هـ.
 
١ ‏/ ٣٦٦
 
صفات الحروف
والصفات: جمع صفة وهى فى اللغة:
ما قام بالشىء من المعانى حسيا كالبياض والحمرة أو معنويا كالأدب والعلم. وفى الاصطلاح: كيفية تعرض للحرف عند النطق به كجريان النفس فى الحروف المهموسة وعدم جريانه فى الحروف المجهورة وما أشبه ذلك.
الفرق بين الصفة والمخرج: فالمخرج: هو المحل والمكان والموضع الذى يخرج منه الحرف، كالحلق، أو الجوف، أو الخيشوم إلخ.
أما الصفة: فهى كيفية تولد الحرف وخروجه من مخرجه كالجهر أو الهمس أو الشدة أو الرخاوة، إلخ.

فوائد معرفة الصفات:
١ - تمييز الحروف المشتركة فى المخرج إذ لولا الصفات لما تميزت الطاء عن التاء، ولما تميزت الظاء عن الذال، لأن الطاء والتاء مخرجهما واحد، وكذلك الظاء والذال مخرجهما واحد.
٢ - تحسين لفظ الحروف المختلفة فى المخرج.
٣ - معرفة قوىّ الحروف وضعيفها.
وتنقسم الصفات إلى قسمين:
الأول: صفات لازمة «أصلية»: وهى الملازمة للحرف فلا تفارقه بحال من الأحوال كالجهر، والهمس، والشدة، والرخاوة، والاستعلاء، والإطباق، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، والتفشى، والاستطالة، واللين، والقلقلة، والصفير، والتكرير، والانحراف.
الثانى: صفات عارضة: وهى التى تعرض للحرف فى بعض الأحوال وتنفك عنه فى أحوال أخرى كالترقيق، والتفخيم، والإدغام، والإخفاء، والإقلاب، والإظهار، والمد، والقصر، والغنّة وغيرها.
والصفات الأصلية تنقسم من ناحية أخرى إلى قسمين: صفات لها أضداد وهى عشرة، خمس ضدها خمس، فالحروف الهجائية موزعة على الصفتين، فما كان فى هذه فلا يكون فى ضدها. وصفات لا ضد لها وهى سبع.
 
١ ‏/ ٣٦٧
 
أولا: الصفات التى لها أضداد، وتعريف كل صفة وبيان حروفها وذلك فيما يلى:
١ - الهمس: ومعناه فى اللغة: الخفاء.
وفى الاصطلاح: خفاء الحرف لضعفه وجريان النفس منه عند النطق به لضعف الاعتماد عليه فى مخرجه. وحروفه عشرة وهى: الفاء، والحاء، والثاء، والهاء، والشين، والخاء، والصاد، والسين، والكاف، والتاء.
مجموعة فى قول ابن الجزرى: «فحثه شخص سكت».
٢ - الجهر: وهو ضد الهمس، وهو فى اللغة: بمعنى الإعلان والإظهار. وفى الاصطلاح: ظهور الحرف وإعلانه لقوته وانحباس النفس معه عند النطق به لقوة الاعتماد عليه فى مخرجه. وحروفه تسعة عشر حرفا، وهى الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الهمس العشرة. والفرق بين الهمس والجهر قائم على جريان النفس فى الأول وانحباسه فى الثانى.
٣ - الشدة: وهى فى اللغة: بمعنى القوة.
وفى الاصطلاح: انحباس جريان الصوت عند النطق بالحرف لقوة الاعتماد على مخرجه.
وحروفه ثمانية جمعها ابن الجزرى فى قوله:
«أجد قط بكت».
٤ - الرخاوة: وهى فى اللغة بمعنى اللين.
وفى الاصطلاح: جريان الصوت عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على مخرجه.
وحروفها: ستة عشر حرفا ما عدا الشدة والتوسط، مع ملاحظة أن هذه الصفة هى الوحيدة من بين الصفات التى لها ضدان هما الشدة والتوسط.
٥ - التوسط: أى البينية بين الشدة والرخاوة. والتوسط فى اللغة: الاعتدال. وفى الاصطلاح: اعتدال الصوت عند النطق بأى حرف من حروف التوسط لعدم كمال انحباسه كما فى الشدة، وعدم كمال جريانه كما فى الرخاوة. وحروفه خمسة مجموعة في قول ابن الجزرى: «لن عمر».
٦ - الاستعلاء: وهو فى اللغة: بمعنى العلو والارتفاع. وفى الاصطلاح: ارتفاع أقصى اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بالحرف فيرتفع الصوت معه، ولذلك سمى مستعليا. وحروفه سبعة وهى المجموعة فى قول ابن الجزرى: «خص ضغط قظ».
٧ - الاستفال: وهو ضد الاستعلاء، ومعناه فى اللغة: الانخفاض. وقيل:
الانحطاط. وفى الاصطلاح: انخفاض أقصى اللسان أو انحطاطه عن الحنك الأعلى عند النطق بالحرف فينخفض معه الصوت إلى قاع الفم ولذا سمى مستفلا.
 
١ ‏/ ٣٦٨
 
وحروفه اثنان وعشرون حرفا وهى الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الاستعلاء السبعة المتقدمة.
ومن هنا يؤخذ أن حروف الهجاء موزعة على الصفتين، فما كان من حروف «خص ضغط قظ» فهو مستعل، وما كان من غيرها فهو مستفل. كما يؤخذ أيضا من التعريف الاصطلاحى للصفتين أن الفرق بينهما قائم على ارتفاع أقصى اللسان بالحرف إلى الحنك الأعلى عند النطق به أو انخفاضه عنه، فما كان من الحروف مرتفع مع اللسان فهو مستعل، وما كان منها منخفض معه فهو مستفل، ويترتب على صفة الاستفال الترقيق لحروفها، كما يترتب على صفة الاستعلاء التفخيم لحروفها.
٨ - الإطباق: وهو فى اللغة بمعنى الإلصاق. وفى الاصطلاح: إلصاق اللسان بالحنك الأعلى عند النطق بالحرف. وحروفه أربعة وهى: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء.
والصاد والضاد متوسطتان.
٩ - الانفتاح: ضد الإطباق، وهو فى اللغة: بمعنى الافتراق، وفى الاصطلاح:
انفتاح قليل بين اللسان والحنك الأعلى، ويصح أن يقال فى تعريفه: تجافى كل من طائفتى اللسان والحنك الأعلى عن الأخرى حتى يخرج الريح من بينهما عند النطق بأى حرف من حروفه. وحروف الانفتاح خمسة وعشرون حرفا، وهى الحروف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الإطباق الأربعة.
١٠ - الإذلاق: وهو فى اللغة: بمعنى الفصاحة والخفة. وفى الاصطلاح: خفة الحرف عند النطق به لخروجه من ذلق اللسان والشفة. وحروفه ستة جمعها ابن الجزرى فى قوله: «فر من لب»، وسميت هذه الصفة بذلك لذلاقتها أى خفتها وسرعة النطق بحروفها، لأن بعضها يخرج من ذلق اللسان أى: طرفه، وهو الراء، واللام، والنون، وبعضها يخرج من ذلق الشفة وهو الفاء، والباء، والميم.
١١ - الإصمات: وهو ضد الإذلاق، ومعناه فى اللغة: المنع، وفى الاصطلاح: ثقل الحرف بخروجه من غير اللسان والشفة، ويمكن أن يقال فى تعريفه: امتناع حروفه من الانفراد أصولا فى الكلمات الرباعية والخماسية.
فالحروف المصمتة منعت أن تختص ببناء كلمة أصلية رباعية أو خماسية فى لغة العرب، وذلك لصعوبة هذه الحروف على اللسان، فكل كلمة أصلية رباعية أو خماسية فى لغة العرب يمتنع أن تكون حروفها كلها مصمتة، بل لا بدّ أن تشتمل على بعض حروف الإذلاق، وإلا كانت الكلمة غير عربية ككلمة
 
١ ‏/ ٣٦٩
 
«عسجد» اسم للذهب، وكلمة «عسطوس» اسم شجر. وحروف الإصمات ثلاثة وعشرون حرفا وهى الباقية من حروف الإذلاق.

ثانيا: الصفات التى لا ضد لها وهى:
١ - الصفير: وهو فى اللغة: حدة الصوت. وفى الاصطلاح: صوت زائد يشبه صوت الطائر يخرج من بين الشفتين عند النطق بالحرف. وحروفه ثلاثة: الصاد، والزاى، والسين. فصفير الصاد يشبه صوت الأوز، وصفير الزاى يشبه صوت النحل، وصفير السين يشبه صوت الجراد.
٢ - القلقلة: وهى فى اللغة: الصياح والتحريك والاضطراب.
وفى الاصطلاح: اضطراب اللسان عند النطق بالحرف ساكنا حتى يسمع له نبرة قوية. وحروفها خمسة مجموعة فى قولك:
«قطب جد».
وسبب قلقلة هذه الحروف أنها مجهورة وشديدة، فالجهر يمنع جريان النفس والشدة تمنع جريان الصوت. فلما امتنع جريان النفس والصوت احتيج إلى التكلف فى بيان إخراجها شبيهة بالمتحرك وهى أقرب إلى الفتحة.
ومراتب القلقلة ثلاث: أعلاها الطاء، وأوسطها القاف، وأدناها الباقى. وقيل:
أعلاها المشدد الموقوف عليه، ثم الساكن فى الوقف، ثم الساكن وصلا، ثم المتحرك.
٣ - اللين: ومعناه فى اللغة: السهولة.
وفى الاصطلاح: خروج الحرف من مخرجه بيسر من غير كلفة على اللسان. وحروفه:
الواو والساكنة المفتوح ما قبلها نحو كلمة «خوف»، والياء الساكنة المفتوح ما قبلها نحو كلمة «قريش».
٤ - الانحراف: وهو فى اللغة بمعنى:
الميل والعدول. وفى الاصطلاح: ميل الحرف بعد خروجه حتى يتصل بمخرج غيره، وله حرفان: اللام، والراء. أى أن هذين الحرفين لهما قابلية شديدة للانحراف عن مخرجهما، فاللام تنحرف بعد خروجها من مخرجها إلى طرف اللسان أى إلى مخرج النون، ولذلك يقرأها الألثغ نونا. والراء تنحرف بعد خروجها من مخرجها إلى ظهر
اللسان إلى جهة اللام، ولذلك يقرأها الألثغ لاما.
٥ - التكرار: وهو فى اللغة بمعنى: الإعادة للشيء مرة أو أكثر. وفى الاصطلاح: ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالحرف ساكنا أو مشددا، وله حرف واحد وهو الراء. ووصف الراء بالتكرار لأنها قابلة له وليس المقصود الإتيان به، وإنما المقصود اجتنابه والحذر منه.
 
١ ‏/ ٣٧٠
 
٦ - التفشى: وهو فى اللغة بمعنى الانتشار والاتساع. وفى الاصطلاح: انتشار الريح في الفم عند النطق بالحرف حتى يتصل بمخرج الظاء. وللتفشى حرف واحد وهو الشين.
٧ - الاستطالة: وهى فى اللغة بمعنى:
الامتداد. وفى الاصطلاح: امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها عند النطق بالضاد الذى هو حرفها الوحيد. (١).
هذه هى صفات الحروف بقسميها:
الصفات التى لها أضداد، والصفات التى ليس لها أضداد. وإليك ما جاء فى متن الجزرية:
صفاتها جهر ورخو مستفل ... منفتح مصمتة والضد قل
مهموسها فحثه شخص سكت ... شديد لفظ أجد قط بكت
وبين رخو والشديد لن عمر ... وسبع علو خص ضغط قظ حصر
وصاد ضاد طاء ظاء مطبقة ... وفر من لب الحروف المذلقة
صفير صاد وزاى سين ... قلقلة قطب جد واللين
واو وياء سكنا وانفتحا ... قبلهما والانحراف صححا
فى اللام والراء وبتكرير جعل ... وللتفشى ضادا استطل
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) انظر: كتاب بغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن من ص ١٣١ - ١٥٤. وانظر: كتاب نهاية القول المفيد فى علم التجويد من ص ٤٣ - ٥٨ طبعة الحلبى سنة ١٣٤٩ هـ للشيخ/ محمد مكى نصر. وراجع أيضا كتاب هداية القارى إلى تجويد كلام البارى من ص ٧٥ - ١٠٠ وانظر كتاب كيف تقرأ القرآن قراءة شرعية من ص ٨٢ - ٩٥ للدكتور سيد مرسى إبراهيم البيومى. طبعة دار التوفيقية للطباعة بالأزهر.
 
١ ‏/ ٣٧١
 
التفخيم والترقيق
التفخيم فى اللغة: التسمين، وفى الاصطلاح: هو عبارة عن تسمين الحرف بجعله فى المخرج سمينا وفى الصفة قويا، ويرادفه التغليظ إلا أن التفخيم غلب استعماله فى الراءات، والتغليظ غلب استعماله فى بعض اللامات. والترقيق ضدهما، وهو فى اللغة التنحيف. وفى الاصطلاح: هو عبارة  ن تنحيف الحرف بجعله فى المخرج نحيفا وفى الصفة ضعيفا.
والحروف الهجائية بالنسبة للتفخيم والترقيق ثلاثة أقسام: منها ما يفخم قولا واحدا، ومنها ما يرقق قولا واحدا أيضا، ومنها ما يرقق تارة ويفخم تارة أخرى، لسبب من الأسباب، وإليك بيان هذه الأقسام الثلاثة فيما يلى:
أولا: الحروف التى تفخم قولا واحدا: وهى حروف الاستعلاء السبعة، المجموعة فى قول ابن الجزرى: «خص ضغط قظ» بدون استثناء شىء منها، وهى على خمسة مراتب:
الأولى: وهى أعلى مراتب التفخيم: أن يكون حرف التفخيم مفتوحا بعده ألف مثل كلمة: «الطامة»، «الضالين»، «الظانين»، «القارعة»، «الغافلين»، «الخائنين».
المرتبة الثانية: وهى أن يكون الحرف مفتوحا ليس بعده ألف. مثل كلمة: «طبع»، «ضرب»، «ظلم»، «صبر»، «القتل»، «غضب»، «خبير».
المرتبة الثالثة: وهى أن يكون الحرف مضموما سواء كان بعده واو أو ليس بعده واو مثل كلمة: «اضطر»، «ضرب»، «ظلم»، «صرفت»، «قتل»، «غرفة»، «خذ».
المرتبة الرابعة: وهى أن يكون الحرف ساكنا. مثل كلمة: «أطوارا»، «اضرب»، «أظلم»، «واصبر»، «بمقدار»، «تغرب»، «اخرج».
المرتبة الخامسة: وهى أن يكون الحرف مكسورا مثل كلمة: «يطع»، «ضياء»، «ظلا»، «خصيما»، «قيل»، «وغيض»، «داخرين».
ثانيا: الحروف التى ترقق قولا واحدا: وهى حروف الاستفال، الحروف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف
 
١ ‏/ ٣٧٢
 
الاستعلاء السبعة المتقدم ذكرها، باستثناء ألف المد والراء واللام من لفظ الجلالة خاصة فى بعض الأحوال.
ثالثا: الحروف المرققة تارة والمفخمة تارة أخرى: وهى: الراء واللام والألف المدية ويتبعها الغنة. وإليك بيان هذه الأحرف:
أولا: أحكام الراء: وللراء من حيث التفخيم والترقيق ثلاث حالات هى التفخيم والترقيق وجواز الوجهين، وذلك فيما يلى:
الحالة الأولى: تفخيم الراء فى الحالات التالية:
١ - إذا كانت الراء مضمومة مثل قوله تعالى: «روح القدس»، «نصر الله».
٢ - إذا كانت الراء مفتوحة، مثل قوله تعالى: «وترى الجبال»، «رابية».
٣ - إذا كانت الراء ساكنة بعد ضم مثل قوله تعالى: «زرتم المقابر»، «القرآن».
٤ - إذا كانت الراء ساكنة بعد فتح مثل قوله تعالى: «بردا وسلاما»، «من خردل».
٥ - إذا كانت الراء واقعة بعد حرف ساكن غير الياء، وقبل ذلك الحرف الساكن فتح أو ضم كما فى قوله تعالى: «ليلة القدر»، «لفى خسر».
٦ - إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر عارض، مثل قوله تعالى: «لمن ارتضى»، «رب ارجعون».
٧ - إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى، ولكن وقع بعدها حرف من حروف الاستعلاء واتصل معها فى كلمة ولم يكن حرف الاستعلاء مكسورا نحو: «قرطاس»، «فرقة»، «مرصادا».
الحالة الثانية: ترقق الراء فى الحالات التالية:
١ - إذا كانت الراء مكسورة مثل قوله تعالى: «رزقا للعباد».
٢ - إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى متصل بها فى كلمة واحدة ولم يقع بعدها حرف استعلاء متصل بها مثل كلمة «فرعون»، «الفردوس».
٣ - إذا كانت الراء ساكنة متطرفة بعد حرف ساكن غير الياء وقبل هذا الحرف كسر مثل كلمة «الذكر» و«السحر» و«الشعر» وهذا لا يكون إلا فى حالة الوقوف على الراء، فإذا وصلت تحركت، وحينئذ يكون حكمها حسب حركتها، ويشترط أن لا يكون الحرف الساكن حرفا من حروف الاستعلاء.
٤ - إذا كانت الراء ساكنة متطرفة بعد ياء ساكنة مثل: «قدير»، و«نذير» وهذا أيضا لا يكون إلا فى حالة الوقف.
 
١ ‏/ ٣٧٣
 
٥ - إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى ووقع بعدها حرف استعلاء ولكنه منفصل عنها فى كلمة أخرى مثل: «أن أنذر قومك»، «ولا تصعر خدك».
الحالة الثالثة: جواز الترقيق والتفخيم:
يجوز الترقيق والتفخيم فى «الراء» إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى ولكن وقع بعدها حرف استعلاء متصل بها فى كلمة واحدة، وكان حرف الاستعلاء مكسورا، وذلك فى كلمة واحدة هى: «فرق» فى سورة الشعراء.
وكذلك يجوز الترقيق والتفخيم فى حالة الوقف إذا سكنت الراء فى الآخر ووقع بينها وبين الكسر حرف ساكن، وكان هذا الحرف ضادا أو طاء، فمن نظر إلى كونه حرف استعلاء وهو حاجز حصين فخم الراء، ومن لم يعتد به رقق الراء، والمختار التفخيم فى راء «مصر»، والترقيق فى راء «القطر» نظرا للوصل وعملا بالأصل، وقد أشار إلى ذلك بعضهم بقوله:
واختير أن يوقف مثل الوصل ... فى راء مصر القطر يا ذا الفضل
ثانيا: أحكام اللام: وقبل البدء ببيان أحكام تفخيم اللام أو ترقيقها أقول: إن اللام فى غير لفظ الجلالة لا تكون إلا مرققة ويجب المحافظة على ترقيقها خاصة إذا وليها حرف تفخيم كما فى «وليتلطف»، وكما فى «وعلى الله»، ويجب عدم المبالغة فى ترقيقها حتى كأنها ممالة. كما يجب إظهارها إذا كانت لام جر كما فى «ولله الأسماء الحسنى»، ولا تكون اللام مفخمة إلا فى لفظ الجلالة المسبوق بفتح أو ضم.
وترقق اللام فى جميع كلمات القرآن وعلى أى وضع كانت كما فى «لا ريب» «للمتقين»، «الضالين» وغير ذلك، وفى لفظ الجلالة «الله» ولفظ «اللهم» المسبوق بكسر سواء كان كسرا أصليا كما فى «بالله»، و«رضوان الله» أو كسرا عارضا للتخلص من التقاء الساكنين كما فى «قل هو الله أحد الله الصمد» فلفظ الجلالة الثانى اللام فيه مرققة لأنها مسبوقة بكسر عارض على نون التنوين للتخلص من التقاء الساكنين. وكما فى: «قل اللهم» فإن اللام فى لفظ: «اللهم» مرققة لأنها مسبوقة بكسر عارض على اللام فى «قل» وذلك للتخلص من التقاء الساكنين.

تغليظ اللام:
اصطلح العلماء على تسمية اللام المفخمة بالمغلظة. وهى لا تكون مغلظة إلا فى لفظ الجلالة: «الله» أو لفظ: «اللهم» المسبوق بفتح أو ضم كما سبق بيان ذلك.
 
١ ‏/ ٣٧٤
 
ثالثا: أحكام ألف المد: ألف المد لا توصف بتفخيم ولا بترقيق ولكنها تتبع حالة الحرف الذى قبلها، فإن كان مرققا تبعته فى الترقيق كما فى «الأنهار»، «تجارة»، وإن كان الحرف الذى قبلها مفخما تبعته فى التفخيم كما فى «الطامة»، «الضالين»، «الظالمين» إلى غير ذلك.
رابعا: أحكام غنة الإخفاء الحقيقى: الغنة لا توصف بتفخيم ولا ترقيق ولكنها عكس الألف تتبع حرف الإخفاء الذى يأتى بعدها، فإن كان مفخما كالصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف، فإنها تفخم تبعا له كما فى: «من طين»، «من ظلم»، «من ضل»، «من قبل»، «ولمن صبر»، أما الغين والخاء فليس معهما غنة لأنهما من حروف الإظهار. وإن كان الحرف مرققا كالتاء والثاء والجيم وغير ذلك من حروف الإخفاء الحقيقى فإنها ترقق تبعا لها كما فى «من تحتها»، «فمن ثقلت»، «من جاء» إلى غير ذلك من الأمثلة (١).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) راجع نهاية القول المفيد فى علم التجويد من ص ٩٣ - ١٠٣، وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى من ص ١٠٣ - ١٥٦ وبغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن من ص ٥٩ - ١٨٠ والنشر فى القراءات العشر ١/ ٢١٥ - ٢٢١ والمنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية ص ٥٤ - ٣١ طبعة الحلبى سنة ١٣٦٧ هـ ١٩٤٨ للشيخ/ ملا على بن سلطان محمد القارى، والبرهان فى تجويد القرآن ص ٢٥ - ٢٧ طبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر ١٩٧٨ م.
 
١ ‏/ ٣٧٥
 
أحكام النون الساكنة والتنوين
 
تعريفها:
النون الساكنة هى التى لا حركة لها كنون «من وعن» وهى تثبت لفظا وخطا، ووصلا ووقفا، وتكون فى الاسم والفعل والحرف وتقع متوسطة ومتطرفة.
والتنوين فى اللغة معناه: التصويت. يقال:
نوّن الطائر إذا صوّت. وفى الاصطلاح: هو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظا وتفارقه خطا ووقفا.

الفرق بين النون الساكنة والتنوين:
بتأمل التعريفين السابقين يظهر لنا أن هناك خمسة فروق بين النون الساكنة والتنوين هى:
١ - النون الساكنة حرف أصلى من حروف الهجاء، والتنوين زائد.
٢ - النون الساكنة ثابتة لفظا وخطا، والتنوين ثابت فى اللفظ دون الخط.
٣ - النون الساكنة ثابتة فى الوصل والوقف، والتنوين ثابت فى الوصل دون الوقف.
٤ - النون الساكنة تكون فى الأسماء والأفعال والحروف، والتنوين لا يكون إلا فى الأسماء دون الأفعال والحروف.
٥ - النون الساكنة تقع فى وسط الكلمة وفى آخرها، والتنوين لا يكون إلا فى آخر الكلمة.
هذا: وللنون الساكنة والتنوين بالنسبة لما يأتى بعدهما من حروف الهجاء أربعة أحكام هى: الإظهار، والإدغام، والإقلاب، والإخفاء، وإليك بيان هذه الأحكام فيما يلى:

الأول: الإظهار:
الإظهار فى اللغة معناه: الكشف والوضوح والبيان. وفى الاصطلاح: إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة فى الحرف المظهر.
وقال بعضهم: هو فصل الحرف الأول من الثانى من غير سكت عليه. وقيل غير ذلك.
وحروف الإظهار ستة هى: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. وهى المسماة بحروف الحلق، ولذا سمى إظهارا سواء كان معها فى كلمة أم كان منفصلا عنها بأن كانت النون آخر الكلمة وحرف الحلق أول الثانية، أو بعد التنوين- ولا يكون إلا من كلمتين- وجب الإظهار.
 
١ ‏/ ٣٧٦
 
ومن أمثلة النون فى كلمة ومن كلمتين مع الهمزة: «ينأون»، «من آمن»، ومع الهاء:
«منهم»، «من هاجر»، ومع العين: «أنعمت»، «من عمل»، ومع الحاء: «ينحتون»، «فإن حاجوك»، ومع الغين: «فسينغضون» «من غل»، ومع الخاء: «والمنخنقة»، «ومن خزى».
ومن أمثلة التنوين مع الهمزة: «جنات ألفافا»، ومع الهاء: «جرف هار»، ومع العين:
«سميع عليم»، ومع الحاء: «عليم حكيم»، ومع الغين: «عزيز غفور»، ومع الخاء:
«لطيفا خبيرا».
والعلة فى إظهار النون والتنوين عند هذه الأحرف بعد المخرج أى: بعد مخرج النون والتنوين عن مخرج حروف الحلق، فالنون والتنوين يخرجان من طرف اللسان، والحروف الستة تخرج من الحلق. وأعلى مراتب الإظهار عند الهمز والهاء، وأوسطه عند العين والحاء، وأدناه عند الغين والخاء.
وسمى إظهارا لظهور النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما بحرف من هذه الأحرف. وسمى حلقيا لخروج حروفه من الحلق.

الثانى: الإدغام:
والإدغام فى اللغة معناه: إدخال الشيء فى الشيء، وفى الاصطلاح: التقاء حرف ساكن بمتحرك بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا يرتفع عنه اللسان ارتفاعة واحدة.
ومعنى ذلك: أن الإدغام: هو إدخال الحرف الأول فى الحرف الثانى بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا.
وحروف الإدغام ستة مجموعة فى كلمة:
«يرملون» وهى الياء والراء والميم واللام والواو والنون. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الستة بعد النون الساكنة بشرط أن تكون النون آخر الكلمة، وأحد هذه الحروف الستة أول الكلمة الثانية، أو بعد التنوين- ولا يكون إلا من كلمتين- وجب إدغامها.
وينقسم الإدغام إلى قسمين:
الأول: إدغام بغنة وله أربعة حروف مجموعة فى لفظ «ينمو» وهى الياء والنون والميم والواو. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة بعد النون الساكنة والتنوين
بشرط أن ذلك يكون من كلمتين، بأن تكون النون فى كلمة وأحد الحروف فى كلمة أخرى، أو بعد التنوين- ولا يكون إلا من كلمتين- وجب الإدغام، ويسمى إدغاما ناقصا، لذهاب الحرف وهو النون، أو التنوين وبقاء الصفة وهى الغنة.
ومن أمثلة النون الساكنة مع الياء: «من يقول» ومع النون: «من نذير»، ومع الميم: «من مسد»، ومع الواو: «من ولى».
ومن أمثلة التنوين مع الياء: «وبرق يجعلون»، ومع النون: «يومئذ ناعمة»،
 
١ ‏/ ٣٧٧
 
ومع الميم: «عذاب مقيم»، ومع الواو:
«يومئذ واهية».
أما إذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة السابقة بعد النون الساكنة فى كلمة واحدة وجب الإظهار مطلقا لعدم تقييده بحلق أو شفة، ولم يقع فى القرآن بعد النون من كلمة إلا الياء والواو، فالياء فى كلمتى «الدنيا»، و«بنيان»، والواو فى كلمتى:
«صنوان»، و«قنوان».
ووجب الإظهار فى هذه الكلمات الأربع لئلا يشتبه بالمضاعف- وهو ما تكرر أحد أصوله «كصنوان» «ودنيا»، فلو أدغمت النون فى الياء أو فى الواو، وقيل الديا وصوان، فيلتبس الأمر بين ما أصله النون فأدغمت نونه، وبين ما أصله التضعيف، فلهذا أظهرت النون خوف الالتباس.
الثانى: إدغام بغير غنة، وله حرفان: اللام والراء. فإذا وقعت اللام أو الراء بعد النون الساكنة أو التنوين وجب الإدغام، ويسمى إدغاما بغير غنة، ووجه حذف الغنة مع اللام والراء: المبالغة فى التخفيف، ويسمى هذا القسم من الإدغام إدغاما كاملا، لذهاب الحرف والصفة معا.
ومن أمثلة اللام بعد النون الساكنة: «ولكن لا يعلمون»، ومثال الراء بعد النون الساكنة:
«من ربهم»، ومثال اللام بعد التنوين:
«هدى للمتقين»، ومثال الراء بعد التنوين:
«رءوف رحيم».

الثالث: الإقلاب:
والإقلاب فى اللغة معناه: تحويل الشيء عن وجهه، وفى الاصطلاح: جعل حرف وهو الميم، مكان حرف آخر، وهو النون الساكنة أو التنوين، مع مراعاة الغنة والإخفاء. ويصح أن يقال فى تعريفه: هو قلب النون الساكنة أو التنوين ميما عند الباء، مع مراعاة الغنة والإخفاء. وله حرف واحد هو الباء، فإذا وقعت الباء بعد النون الساكنة من كلمة أو من كلمتين، أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين وجب الإقلاب، أى قلب هذه النون أو التنوين ميما عند الباء مع الإخفاء بغنة.
ومن أمثلة النون الساكنة مع الباء: «أنبئهم» «أن بورك»، ومثال التنوين مع الباء: «سميع بصير».
ووجه الإقلاب هنا هو: عسر الإتيان بالغنة فى النون الساكنة والتنوين مع الإظهار، ثم إطباق الشفتين لأجل الباء، وعسر الإدغام كذلك لاختلاف المخرج وقلة التناسب، وحينئذ يتعين الإخفاء، ثم توصل إليه بالقلب ميما لمشاركتها للباء مخرجا وللنون غنة.

الرابع: الإخفاء:
والإخفاء فى اللغة معناه: الستر، تقول:
أخفيت الشيء أى: سترته. وفى الاصطلاح:
هو عبارة عن النطق بحرف ساكن عار من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع
 
١ ‏/ ٣٧٨
 
بقاء الغنة فى الحرف الأول وهو هنا النون الساكنة والتنوين.
وحروف الإخفاء: خمسة عشر حرفا وهى التى جمعها الجمزورى فى تحفته فى أوائل كلمات البيت التالى:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما ... دم طيبا زد فى تقى ضع ظالما
وهى: الصاد، والذال، والثاء، والكاف، والجيم، والشين، والقاف، والسين، والدال، والطاء، والزاى، والفاء، والتاء، والضاد، والظاء.
فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد النون الساكنة سواء كان متصلا بها فى كلمتها أم منفصلا عنها، أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين كما هو مقرر وجب إخفاؤهما، ويسمى إخفاء حقيقيا لأنه متحقق فى النون الساكنة والتنوين أكثر من غيرهما.
ومن أمثلة إخفاء النون الساكنة مع هذه الحروف من كلمة ومن كلمتين: «منصورا» «أن صدوكم»، «منذر»، «من ذكر»، «منثورا»، «من ثمرة»، «ينكثون»، «من كل»، «أنجيناكم»، «أن جاءكم»، «المنشئون»، «لمن شاء»، «أندادا»، «من دابة»، «ينقضون»، «فإن قاتلوكم»، «منسأته»، «من سيئاتكم»، «ينطقون»، «من طيبات»، «فأنزلنا»، «فإن زللتم»، «انفروا»، «وإن فاتكم»، «منتهون»، «من تحتها»، «منضود»، «من ضل»، «انظروا»، «من ظهير».
ومن أمثلة التنوين مع هذه الحروف: «ريحا صرصرا»، «سراعا ذلك»، «أزواجا ثلاثة»، «عادا كفروا»، «فصبر جميل»، «بأس شديد»، «ثمنا قليلا»، «ورجلا سلما»، «قنوان دانية»، «شرابا طهورا»، «مباركة زيتونة»، «خالدا فيها»، «جنات تجرى»، «قوما ضالين»، «ظلا ظليلا».
ووجه إخفاء النون الساكنة والتنوين عند هذه الأحرف هو: أن النون الساكنة والتنوين لم يقربا من هذه الأحرف الخمسة عشر مثل قربهما من حروف الإدغام حتى يدغما، ولم تبعد النون الساكنة والتنوين من هذه الأحرف مثل بعدهما عن حروف الإظهار فيظهرا، فهما لم يأخذا القرب الموجب للإدغام، ولم يأخذا صفة البعد الموجب للإظهار، ومن هنا فقد أعطيت النون الساكنة والتنوين عند الأحرف الخمسة عشر السابقة حكما متوسطا بين الإظهار والإدغام، هذا الحكم المتوسط، هو الإخفاء كما اتضح لنا معناه.
وللإخفاء مراتب ثلاثة: أعلى عند الطاء والدال والتاء.
وأدنى عند القاف والكاف. وأوسط عند باقى الحروف الخمسة عشر. وقد أشار صاحب التحفة إلى هذه الأحكام الأربعة بقوله:
 
١ ‏/ ٣٧٩
 
للنون إن تسكن وللتنوين ... أربع أحكام فخذ تبيينى
فالأول الإظهار قبل أحرف ... للحلق ست رتبت فلتعرف
همز فهاء ثم عين حاء ... مهملتان ثم غين خاء
والثانى إدغام بستة أتت ... فى يرملون عندهم قد ثبتت
لكنهما قسمان قسم يدغما ... فيه بغنة بينمو علما
إلا إذا كان بكلمة فلا ... تدغم كدنيا ثم صنوان تلا
والثانى إدغام بغير غنة ... فى اللام والراء ثم كرّرنه
والثالث الإقلاب عند الباء ... ميما بغنة مع الإخفاء
والرابع الإخفاء عند الفاضل ... من الحروف واجب للفاضل
فى خمسة من بعد عشر رمزها ... فى كلم هذا البيت قد ضمنتها
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما ... دم طيبا زد فى تقى ضع ظالما (١)
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) النجوم الطوالع شرح الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الإمام نافع للعلامة المحقق الشيخ سيدى إبراهيم أحمد المارغنى ص ٩٦ وما بعدها طبع المطبعة التونسية بسوق البلاط بتونس عام ١٣٥٤ هـ ١٩٣٥ م. وانظر: هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ١٥٩ وما بعدها طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى سنة ١٤٠٢ هـ ١٩٨٢ م للشيخ/ عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى. وانظر البرهان فى تجويد القرآن ص ٧ - ١١ طبعة مطبعة محمد على صبيح وأولاده بميدان الأزهر سنة ١٩٧٨ للشيخ/ محمد الصادق قمحاوى. وكتاب كيف تقرأ القرآن قراءة شرعية ص ١١٥ - ١٢٣. طبعة دار التوفيقية بالأزهر سنة ١٤٠٠ هـ ١٩٨٠ م للأستاذ الدكتور سيد مرسى إبراهيم بيومى.
 
١ ‏/ ٣٨٠
 
فى الغنة وأحكامها وأقوال العلماء فى ذلك
الغنة فى اللغة: صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه.
وفى الاصطلاح: صوت أغن مركب فى جسم النون ولو تنوينا والميم مطلقا- أى أن صوت الغنة صفة لازمة للنون والميم سواء كانتا متحركتين أو ساكنتين مظهرتين أو مدغمتين أو مخفاتين.
ومحل الغنة فى النون والميم لا فى غيرهما من الحروف. والنون أغن من الميم ويلحق بالنون التنوين.

مخرج الغنة:
أما مخرج الغنة فمن الخيشوم، وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم- وقيل: هو أقصى الأنف- أى: أن صوت الغنة بجميع أحواله يخرج من الخيشوم. ودليل ذلك أنه لو أمسك بالأنف لا انحبس خروجه مطلقا حتى فى حال ضعفه عند تحريك النون والميم مخففتين، أو سكونهما مظهرتين، كما يشهد بذلك النطق.

مراتب الغنة:
يرى جمهور العلماء أن للغنة خمس مراتب هى:
الأولى: المشدّد، ويشمل ما كان فى كلمة وما كان فى كلمتين، فالذى فى كلمة هو النون والميم المشدّدتان مطلقا مثل: «يمنّون» «همّت به». والذى فى كلمتين يشمل أربعة أنواع وكلها فى الإدغام التام:
الأول: الإدغام التام المصحوب بالغنة وهو إدغام النون الساكنة والتنوين فى النون والميم نحو: «إن نشأ»، «من مال الله»
الثانى: إدغام الميم الساكنة فى مثلها نحو:
«كم من فئة».
الثالث: إدغام المتجانسين الصغير المصحوب بالغنة وهو إدغام الباء الساكنة فى الميم فى قوله تعالى: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا (سورة هود آية ٤٢) عند من أدغم ومنهم حفص عن
عاصم من طريق الشاطبية.
الرابع: إدغام اللام الشمسية فى النون نحو: «إلى النور»، ويسمى كل من النون والميم
 
١ ‏/ ٣٨١
 
فيما ذكر حرف غنة مشددا. ويجب إظهار غنته، كما يجب الاحتراز من المد عند الإتيان بالغنة فى مثل قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، وقوله تعالى فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ.
المرتبة الثانية: المدغم، والمراد به هنا الإدغام بالغنة الناقص، وهو إدغام النون الساكنة والتنوين فى الواو والياء.
المرتبة الثالثة: المخفى، ويشمل أنواعا ثلاثة هى:
الأول: إخفاء النون الساكنة والتنوين عند حروف الإخفاء الخمسة عشر.
الثانى: إخفاء الميم المقلوبة من النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما بالباء مثل:
«ينبت»، «عليم بذات».
الثالث: إخفاء الميم قبل الباء نحو: «فاحكم بينهم».
المرتبة الرابعة: الساكن المظهر، ويشمل إظهار النون الساكنة والتنوين عند حروف الحلق، وكذلك الميم الساكنة حال إظهارها إذا لم يأت بعدها باء أو ميم.
المرتبة الخامسة: المتحرك المخفف، ويشمل النون الساكنة والميم الخفيفتين المتحركتين بأى حركة كانت.
مقدار الغنة: حركتان كالمد الطبيعى، أى غنة كاملة من غير تفاوت فى المراتب الثلاث الأولى، وأما مقدارها فى المرتبتين الأخيرتين فهو أصل الغنة فقط (١).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) انظر: هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ١٧٧ - ١٨٨. للشيخ/ عبد الفتاح المرصفى.
 
١ ‏/ ٣٨٢
 
فى تعريف الميم الساكنة وأحكامها
الميم السكنة هى التى سكونها ثابت فى الوصل والوقف نحو: «الحمد لله»، وتكون هذه الميم فى الاسم والفعل، وتكون متوسطة ومتطرفة. ولها قبل حروف الهجاء كلها ما عدا الألف اللينة- ألف المد- أحكام ثلاثة وهى:
الإخفاء الشفوى، والإدغام الصغير، والإظهار الشفوى، وهذه الأحكام بيانها فيما يلى:

أولا: الإخفاء الشفوى:
والإخفاء فى اللغة: بمعنى الستر. وفى الاصطلاح: النطق بالميم الساكنة على صفة بين الإظهار والإدغام مع مراعاة الغنة وعدم التشديد.
وله حرف واحد فقط وهو الباء، وسمى بالإخفاء: لإخفاء الميم الساكنة عند الباء.
وسمى بالشفوى: لأن الميم والباء كليهما يخرجان من الشفتين، ووجهه: التجانس فى المخرج وفى أكثر الصفات.
ومن أمثلة الإخفاء الشفوى: قوله تعالى:
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (سورة المائدة آية: ٤٨).

ثانيا: الإدغام الصغير:
والإدغام الصغير له حرف واحد وهو «الميم»، فإذا وقع بعد الميم الساكنة سواء كان معها فى كلمة واحدة أم فى كلمتين وجب إدغام الميم الساكنة فى الميم المتحركة، ويسمى إدغام مثلين صغيرا مع الغنة.
فالذى من كلمة نحو «الم»، «المر»، والذى من كلمتين نحو «كم من فئة»، «ولكم ما كسبتم»، ومنه إدغام النون الساكنة والتنوين فى الميم نحو: «من مال الله»، وذلك لقلب المدغم من جنس المدغم فيه، وكذلك يطلق على كل ميم مشددة نحو «دمّر» «ويعمّر» «وهمّ».
وسمى إدغاما لإدغام الميم الساكنة فى المتحركة. وسمى بالمثلين لكون المدغم والمدغم فيه مؤلفان من حرفين اتحدا مخرجا وصفة أو اتحدا اسما ورسما. وسمى صغيرا لكون الأول من المثلين ساكنا والثانى متحركا، أو لقلة عمل المدغم. وسمّى بالغنة لكون الغنة مصاحبة له هنا بالإجماع. ووجهه: التماثل.

ثالثا: الإظهار الشفوى:
والإظهار الشفوى له ستة وعشرون حرفا وهى الباقية من الحروف الهجائية بعد إسقاط حرف الباء الذى تقدم ذكره فى الإخفاء الشفوى، وحرف الميم الذى ذكره فى الإدغام الصغير. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد الميم الساكنة سواء كان معها فى كلمة واحدة أو فى كلمتين وجب إظهار الميم، ويسمى إظهارا شفويا.
 
١ ‏/ ٣٨٣
 
فالذى من كلمة واحدة نحو: «الحمد لله»، «أنعمت»، «قمتم»، والذى من كلمتين نحو: ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ (البقرة: ٢٣٢) إلى غير ذلك.
ثم إن إظهار الميم الساكنة يكون عند الفاء والواو آكد خوفا من أن يسبق اللسان إلى إخفائهما عند هذين الحرفين لقربهما من الفاء فى المخرج، واتحادهما مع الواو فى المخرج.
وسمى إظهارا: لإظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها بحرف من حروف الإظهار الستة والعشرين. وسمى شفويا: لخروج الميم الساكنة المظهرة من الشفة. ووجهه: التباعد، أى بعد مخرج الميم عن أكثر مخارج حروف الإظهار.
وقد أشار الجمزورى فى تحفة الأطفال إلى أحكام الميم الساكنة بقوله:
...
والميم إن تسكن تجى قبل الهجا ... لا ألف لينة لذى الحجا
أحكامها ثلاثة لمن ضبط ... إخفاء إدغام وإظهار فقط
فالأول الإخفاء عند الباء ... وسمه الشفوى للقراء
والثانى إدغام بمثلها أتى ... وسم إدغاما صغيرا يا فتى
والثالث الإظهار فى البقية ... من أحرف وسمها شفوية
واحذر لدى واو وفا أن تختفى ... لقربها والاتحاد فاعرف (١)
...
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
الهوامش:
(١) انظر: نهاية القول المفيد فى علم التجويد ص ٢٦ - ١٢٨ طبعة الحلبى سنة ١٣٤٩ هـ- للشيخ محمد مكى نصر. وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ١٩١ - ١٩٨ طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى سنة ١٤٠٢ هـ ١٩٨٢ م للشيخ عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى. وبغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن ص ٢٠٧ - ٢١٤ طبعة دار ابن القيم الثالثة ١٤١٤ هـ ١٩٩٣ م بالمملكة العربية السعودية، والبرهان فى تجويد القرآن ص ١٢، ١٣ طبعة محمد على صبيح وأولاده سنة ١٩٧٨ م.
 
١ ‏/ ٣٨٤
 
اللامات السواكن
اللام الساكنة فى القرآن الكريم على خمسة أنواع هى: لام أل، ولام الفعل، ولام الأمر، ولام الاسم، ولام الحرف. وإليك تعريف كل واحدة من هذه الأنواع، وبيان حكمها مع التمثيل عليها فيما يلى:
أولا: لام التعريف «أل»: هى لام ساكنة زائدة عن بنية الكلمة مسبوقة بهمزة وصل مفتوحة عند البدء وبعدها اسم سواء صح تجريدها عن هذا الاسم كالشمس والقمر، أم لم يصح كما فى لفظ الجلالة، والذى، والتى.
حكمها: إذا وليها أحد الحروف الهجائية الثمانية والعشرين والتى ليس منها حروف المد الثلاثة- لأنه عندئذ تكون جميعا بين ساكنين- لها حكمان:
الأول: الإظهار القمرى: وذلك إذا جاء بعد أحد الحروف القمرية الأربعة عشر المجموعة فى قول صاحب التحفة: «ابغ حجك وخف عقيمه»، وهى الهمزة، والباء، والغين، والحاء، والجيم، والكاف، والواو، والخاء، والفاء، والعين، والقاف، والياء، والميم، والهاء.
فإذا جاء أحد حروف هذه الجملة بعد لام «أول» وجب إظهارها، ويسمى إظهارا قمريا كما فى «الأنهار»، «البوار»، «الغفور»، وتسمى اللام حينئذ لا ما قمرية لظهورها عند النطق بها فى لفظ «القمر»، وسمى إظهارا لظهور لام التعريف عند هذه الأحرف. ووجهه:
التباعد، أى بعد مخرج اللام عن مخرج هذه الأحرف.
الثانى: الإدغام، وذلك إذا جاء بعدها أحد الحروف الشمسية الأربعة عشر الباقية من حروف الهجاء والتى رمز إليها صاحب التحفة فى أوائل كلمات هذا البيت:
طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم ... دع سوء ظن زر شريفا للكرم
وهى: الطاء، والثاء، والصاد، والراء، والتاء، والضاد، والذال، والنون، والدال، والسين،
 
١ ‏/ ٣٨٥
 
والظاء، والزاى، والشين، واللام، فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد لام «أل» وجب إدغامها. ويسمى إدغاما شمسيا، وتسمى اللام حينئذ لاما شمسية لعدم ظهورها عند النطق بها فى لفظ «الشمس» وذلك كما فى:
«الطيبات»، «الثواب»، «الصابرون». وهكذا فى بقية الحروف. وسبب هذا الإدغام التماثل فى اللام، وفى بقية الحروف التقارب.
ثانيا: لام الفعل: وهى أحد حروف الفعل الأصلية، وهى إما أن تكون متوسطة، وإما أن تكون متطرفة. فإن كانت متوسطة وجب إظهارها كما فى لفظ «ألهاكم»، «يلتقطه»، وإن كانت متطرفة ففيها حكمان:
الأول: الإدغام، وهو إذا جاء بعدها لام أو راء، كما فى قوله: «ألم أقل لكم»، وقوله: «وقل رب»، وسبب إدغامها فى اللام التماثل، وفى الراء التقارب.
الثانى: الإظهار، وهو أن يأتى بعد لام الفعل حرف آخر من حروف الهجاء غير اللام والراء، فيجب عند ذلك إظهارها، كما فى قوله: «قل أتخذتم»، «قل بئسما».
ثالثا: لام الأمر: وهى لام زائدة عن أصل الكلمة، ويأتى بعدها فعل مضارع فقط وهى متصلة به، ولا تكون إلا ساكنة، وتأتى بعد الفاء، أو الواو، أو ثم، كما في قوله:
«فلينظر»، وقوله: «وليملل»، وقوله: «ثم ليقطع». فهذه اللام يجب إظهارها.
رابعا: لام الاسم: وهى أحد حروف الاسم الأصلية بخلاف لام «أل» والمقصود بلام الاسم هى ما كانت ساكنة متوسطة، ولا تكون متطرفة أبدا، وهذه اللام يجب إظهارها كما في قوله: «ألسنتكم»، «بسلطان».
خامسا: لام الحرف: وهى لام أصلية ساكنة، وهذه اللام لها حكمان:
الأول: الإدغام، وذلك إذا جاء بعدها لام أو راء، كما فى قوله: «هل لك»، «بل لا تكرمون».
والراء فى القرآن لا تقع بعد لام الحرف إلا مع «بل» كما فى قوله: «بل ربكم»، ويستثنى منها راء واحدة وقعت فى القرآن بعد «بل» فلا تدغم، وهى قوله: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (سورة المطففين، آية: ١٤)، وذلك بسبب السكت، والسكت مانع من الإدغام.
الثانى: الإظهار، وذلك إذا جاء بعدها أىّ حرف من حروف الهجاء غير اللام والراء، كما فى قوله: «هل تعلم» «بل طبع».
 
١ ‏/ ٣٨٦
 
وإليك ما قاله الجمزورى فى تحفة الأطفال:
...
للام أل حالان قبل الأحرف ... أولاهما إظهارها فليعرف
قبل أربع من عشرة خذ علمه ... من ابغ حجك وخف عقيمه
ثانيهما إدغامها فى أربع ... وعشرة أيضا ورمزها فع
...
طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم ... دع سوء ظن زر شريفا للكرم
واللام الأولى سمها قمرية ... واللام الأخرى سمها شمسية
وأظهرن لام فعل مطلقا ... فى نحو قل نعم وقلنا والتقى (١)
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) البرهان فى تجويد القرآن ص ١٤ - ١٦ طبعة محمد صبيح وأولاده ١٩٧٨ م للشيخ محمد الصادق قمحاوى. وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٢٠١ - ٢١٤ طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى ١٤٠٢ هـ ١٩٨٢ م للشيخ عبد الفتاح المرصفى.
 
١ ‏/ ٣٨٧
 
«المثلان، والمتقاربان، والمتجانسان، والمتباعدان»
الحرفان المتلاقيان لفظا وخطا، أو خطا فقط ينقسمان إلى أربعة أقسام:
مثلين، ومتقاربين، ومتجانسين، ومتباعدين، كما يقتضى ذلك القسمة العقلية، ثم إن كلا من الأقسام الأربعة ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وذلك فيما يلى:
أولا: المثلان: وهما الحرفان اللذان اتحدا مخرجا وصفة كالباءين نحو: «اضرب بعصاك»، وكالدالين نحو: «وقد دخلوا». وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
١ - مثلان صغير: وهو أن يكون الحرف الأول ساكنا والثانى متحركا كما فى الأمثلة المتقدمة. وحكمه: وجوب الإدغام لجميع القراء، وذلك إن لم يكن الأول حرف مد نحو «قالوا وهم»، أو هاء سكت نحو: «ماليه هلك»، وإلا وجب الإظهار.
٢ - مثلان كبير: وهو أن يكون الحرفان متحركين نحو: «فيه هدى»، «الرحيم مالك»، وحكمه: الإظهار لجميع القراء ما عدا السوسى.
٣ - مثلان مطلق: وهو أن يكون الحرف الأول متحركا والثانى ساكنا نحو «ما ننسخ» «شققنا»، وحكمه الإظهار من غير خلاف.
ثانيا: المتقاربان: وهما الحرفان اللذان تقاربا مخرجا وصفة كالذال والزاى نحو: «إذ زين»، أو مخرجا لا صفة كالدال والسين نحو:
«قد سمع»، وكالذال والجيم نحو: «إذ جاءوكم». وهو ثلاثة أقسام:
١ - متقاربان صغير: وهو أن يكون الحرف الأول منهما ساكنا والثانى متحركا مثل النون مع اللام فى نحو: «ولكن لا يعلمون» والقاف مع الكاف فى نحو: «ألم نخلقكم»، حكمه: الإظهار إلا اللام والراء نحو: «قل رب» «بل ران» لغير حفص، فإنه يجب الإدغام. وأما حفص فله على لام «بل ران» سكتة لطيفة والسكت يمنع الإدغام.
٢ - متقاربان كبير: وهو أن يتحرك الحرفان معا كالقاف مع الكاف فى نحو:
«رزقكم»، والدال مع السين فى نحو: «عدد سنين». وحكمه: الإظهار لغير السوسى.
٣ - متقاربان مطلق: وهو أن يتحرك الأول منهما ويسكن الثانى كالهمزة مع الحاء فى نحو «أحمل»، والياء مع الضاد فى نحو «يضلل». وحكمه: الإظهار وجوبا لجميع القراء.
ثالثا: المتجانسان: وهما الحرفان اللذان اتحدا مخرجا واختلفا صفة كالدال والتاء فى نحو: «قد تبين»، والثاء مع الذال فى نحو «يلهث ذلك»، وهو ثلاثة أقسام:
١ - متجانسان صغير: وهو أن يكون الحرف الأول منهما ساكنا والثانى متحركا كالتاء مع الطاء فى نحو: «همت طائفة»، وحكمه الإظهار إلا فى خمسة مواضع يجب
 
١ ‏/ ٣٨٨
 
الإدغام فيها، وهى: الدال فى التاء نحو «قد تبين»، والتاء فى الدال والطاء نحو: «أثقلت دعوا»، «همت طائفة»، والذال فى الظاء نحو «إذ ظلمتم»، والثاء فى الذال نحو: «يلهث ذلك»، والباء فى الميم نحو: «اركب معنا».
٢ - متجانسان كبير: وهو أن يتحرك الحرفان معا كالتاء مع الطاء فى نحو:
«الصالحات طوبى». وحكمه: الإظهار لغير السوسى.
٣ - متجانسان مطلق: وهو أن يتحرك الحرف الأول ويسكن الثانى، كالياء مع الشين فى نحو: «يشكر». وحكمه: الإظهار وجوبا للجميع.
رابعا: المتباعدان: وهما الحرفان اللذان تباعدا مخرجا واختلفا صفة. وهو ثلاثة أقسام:
١ - المتباعدان الصغير: وهو أن يكون الأول ساكنا والثانى متحركا كالهمزة مع اللام فى نحو: «تألمون».
٢ - المتباعدان الكبير: وهو أن يتحرك الحرفان معا كالزاى مع الهمزة فى نحو: «استهزئ».
٣ - المتباعدان المطلق: وهو أن يتحرك الحرف الأول ويسكن الثانى، كالقاف مع الواو.
وحكم المتباعدين: الإظهار وجوبا عند جميع القراء سواء كان صغيرا أم كبيرا أم مطلقا، لأن الإدغام بشروطه مطلقا إنما يسوغه التماثل أو التقارب أو التجانس.
**** وقد أشار الجمزورى فى تحفة الأطفال إلى الأقسام الثلاثة الأولى بقوله:
إن فى الصفات والمخارج اتفق ... حرفان فالمثلان فيهما أحق
أو يكون مخرجا تقاربا ... وفى الصفات اختلفتا يلقبا
متقاربين أو يكونا اتفقا ... فى مخرج دون الصفات حققا
بالمتجانسين ثم إن سكن ... أول كل فالصغير سمّين
أو حرك الحرفان فى كل فقل ... كل كبير وافهمنه بالمثل (١)
وأشار صاحب كتاب انشراح الصدور إلى المتباعدين بقوله:
وإن يكونا مخرجا تباعدا ... وفى الصفات اختلفا مباعدا (٢)
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) انظر: البرهان في تجويد القرآن ص ٢٨ - ٣٠ طبعة مطبعة محمد على صبيح وأولاده سنة ١٩٧٨ م للشيخ/ محمد الصادق قمحاوى. وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٢١٧ - ٢٢٧، طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى ١٤٠٢ هـ ١٩٨٢ م.
(٢) انشراح الصدور فى تجويد كلام الغفور للشيخ وهبة سرو المحلى ص ٣٠ طبعة مطبعة المليجى بالقاهرة ١٩٢٣.
 
١ ‏/ ٣٨٩
 
فى المدّ والقصر
الأصل فى هذا الباب ما رواه البخارى بسنده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك- رضى الله عنه- عن قراءة النبى- ﷺ فقال: كان يمد مدّا (١). ورواه النسائى عن قتادة بلفظ سألت أنسا كيف كانت قراءة رسول الله- ﷺ قال كان يمدّ صوته مدّا (٢).
وما أخرجه سعيد بن منصور فى سننه قال:
حدثنا شهاب بن خراش، حدثنى مسعود بن يزيد الكندى قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلا، فقرأ الرجل: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ (سورة التوبة آية ٦٠) مرسلة- أى مقصورة من غير مدّ- فقال ابن مسعود:
ما هكذا أقرأنيها النبى- ﷺ فقال: وكيف أقرأكها؟ قال: أقرأنيها: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ فمدها (٣).

تعريف المدّ:
المدّ فى اللغة: مطلق الزيادة، ومنه قوله تعالى: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ (سورة نوح آية ١٢) أى يزدكم- وفى الاصطلاح:
إطالة الصوت بحرف من حروف المدّ الثلاثة عند ملاقاة همزة أو سكون.

حروف المدّ:
وحروف المدّ الثلاثة يجمعها لفظ «واى» وهى الواو الساكنة المضموم ما قبلها نحو «يقول»، والألف الساكنة المفتوح ما قبلها نحو «قال»، والياء الساكنة المكسور ما قبلها نحو «قيل» ويجمع الكل بشروطها المذكورة الكلمات: «نوحيها»، «أوتينا»، «أوذينا». وتسمى هذه الحروف: حروف المدّ واللّين، لخروجها بامتداد ولين من غير كلفة على
اللسان لاتساع مخرجها. وأما حرفا اللين فهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما.
****
جاء فى متن التحفة:
حروف ثلاثة فعيها ... من لفظ واى وهى فى نوحيها
والكسر قبل الياء وقبل الواو ضم ... شرط وفتح قبل ألف يلتزم
واللين منها الياء وواو سكنا ... إن انفتاح قبل كل أعلنا
(١) الحديث: أخرجه البخارى فى صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب مدّ القراءة ٦/ ٢٤٠، ٢٤١ طبعة الشعب بالقاهرة سنة ١٣٧٨ هـ.
(٢) سنن النسائى بشرح جلال الدين السيوطى وحاشية الإمام السندى ٢/ ١٧٩، الناشر المكتبة التجارية بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٤٨ هـ ١٩٣٠ م.
(٣) الدر المنثور فى التفسير بالمأثور ٣/ ٢٥٠ طبعة دار المعرفة. بيروت. لجلال الدين السيوطى وقال السيوطى: أخرجه سعيد بن منصور، والطبرانى، وابن مردويه. وذكره ابن الجزرى فى كتاب النشر فى القراءات العشر ١/ ٣١٥، ٣١٦ وقال: هذا حديث حجة ونص فى هذا الباب ورجال إسناده ثقات، رواه الطبرانى فى معجمه الكبير.
 
١ ‏/ ٣٩٠
 
تعريف القصر:
القصر فى اللغة: الحبس والمنع، ومنه قوله تعالى: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (سورة الرحمن آية ٧٢) أى محبوسات فيها. وفى الاصطلاح: إثبات حرف المد من غير زيادة عليه.

المدّ والقصر حقيقة واصطلاحا:
وحقيقة المدّ تحققه بأى مقدار ولو حركتين. وحقيقة القصر عدم المدّ مطلقا.
لكن المصطلح عليه فى علم التجويد كما يستفاد من تعريفى المدّ والقصر السابقين أن القصر هو مقدار حركتين، والمد هو ما فوق ذلك.

تعريف الحركة:
الحركة: هى إطالة الصوت بمدّ الحرف بمقدار قبض الأصبع أو بسطه. وقيل: إن مقدار الحركة هو مقدار النطق بحرف هجائى على الوجه الذى يقرأ به القارئ من السرعة والبطء وعلى ذلك فإن الذى مقداره حركتان يكون مقداره، مقدار النطق بحرفين، وما حقه أن يمد مقدار أربع حركات يكون بمقدار النطق بأربعة أحرف هجائية وهكذا إذ أنه أضبط فى ذاته وأنسب إلى مراتب القراءة المختلفة سرعة وبطء.

أقسام المدّ:
ينقسم المدّ إلى قسمين:

الأول: المد الأصلى
، وهو المد الطبيعى الذى لا تقوم ذات الحرف إلا به، ولا يتوقف على سبب من همز أو سكون، بل يكفى فيه وجود أحد حروف المد الثلاثة. وسمى طبيعيا لأن صاحب الطبيعة السليمة لا يزيد فيه ولا ينقص عن مقداره. ومقداره ألف، والألف حركتان، والحركة مقدار قبض الأصبع أو بسطه. مثل:
«قال، يقول، قيل».
**** قال الشيخ الجمزورى فى متن تحفة الأطفال:
وسم أولا طبيعيا وهو
ما لا توقف له على سبب ... ولا بدونه الحروف تجتلب
بل أى حرف غير همز أو سكون ... جاء بعد مدّ فالطبيعى يكون
ملحقات المدّ الطبيعى «الأصلى»: يلحق بالمدّ الطبيعى المدود التالية:
١ - مدّ العوض: وهو الوقوف على تنوين بالفتح على غير تاء التأنيث كما فى «ميقاتا»،
 
١ ‏/ ٣٩١
 
«نباتا»، «ألفافا» فإن القارئ يقف على كل منها بألف مدّ، وذلك عوضا عن التنوين، ولذلك سمى بمد العوض. أما إذا كان الوقف على تاء التأنيث المنونة بالفتح، فإن القارئ يقف عليها بالسكون فقط كما فى كلمات:
«رحمة»، «لاغية»، «حامية» فإن الوقف على كل من هذه التاءات بهاء ساكنة.
٢ - مدّ البدل الصغير: وهو إبدال همزة ثانية ساكنة حرف مدّ يتناسب مع حركة الهمزة الأولى، وليس بعده همزة، فإن كانت حركة الهمزة الأولى فتحة أبدلت الهمزة الثانية ألفا كما فى (ءامن)، (ءادم) إذ أصلها «أأمن، أأدم»، وإن كانت حركة الهمزة الأولى ضمة أبدلت الهمزة الثانية واوا كما فى (اؤتمن)، (أوذوا) إذ أصلها «أأذوا» فضمت الهمزة الأولى وسكنت الثانية فأبدلت بواو لمناسبة حركة الأولى وهى الضمة. وإن كانت حركة الهمزة الأولى كسرة، فإن الهمزة الثانية تبدل ياء، كما فى (إيمانا)، فإن أصلها «إأمانا» فكسرت الهمزة الأولى وسكنت الثانية، فأبدلت الثانية ياء لمناسبة حركة الأولى. مع ملاحظة أن مدّ البدل فى بعض القراءات الأخرى- كما هو الحال عند الإمام نافع- يمد حركتين وأربعا وستا، وعند ذلك يلحق بالمدّ الفرعى.
٣ - مدّ الصلة الصغرى: وهو عبارة عن هاء الضمير المفرد الغائب المضمومة أو المكسورة إذا وقعت بين متحركين الثانى منهما ليس همزة قطع ولم يوقف عليها.

شروط هذا المدّ:
(أ) أن تكون الهاء ضمير غائب مفردا.
(ب) أن تكون الهاء مضمومة أو مكسورة.
(ج) أن يكون الحرف الذى قبلها متحركا والحرف الذى يليها في أول الكلمة التى بعدها متحركا.
(د) أن يكون الحرف المتحرك الذى بعدها ليس همزة قطع، فإن كان همزة قطع فعند ذلك يسمى صلة كبرى.
(هـ) أن لا يوقف عليها، فإذا وقف القارئ على الهاء فإنه يقف بالسكون من غير مدّ.
٤ - مدّ التمكين: وهو عبارة عن ياءين الأولى مشددة مكسورة والثانية حرف مدّ.
وسمى تمكينا لأنه يتمكن كل أحد من إخراجه وتطبيقه بسبب الشدة، كما فى «حيّيتم» «النبيّين»، فإن الياء الأولى مشددة مكسورة فى كل من الكلمتين والثانية حرف مدّ. وهذا المدّ هو من المدّ الطبيعى غير أنه أفرد باسم مستقل.

القسم الثانى: المدّ الفرعى:
وهو المدّ الزائد على مقدار المدّ الطبيعى، وهو الذى يتوقف على سبب من الأسباب.
وسمى بالفرعى لتفرعه من المدّ الطبيعى.

أسباب المدّ الفرعى: أمران:
أحدهما: لفظى: وهو إما همز أو سكون. نحو «جاء، يا أيها، نستعين، آمنوا،
 
١ ‏/ ٣٩٢
 
الضالين»، فإذا وجد القارئ بعد حرف المدّ همزا أو سكونا وجب أو جاز أو لزم مدّه زيادة على مقدار المدّ الطبيعى كما سيأتى بيان ذلك.
الثانى: معنوى: وهو لقصد المبالغة فى النفى للتعظيم، وهو من الأسباب القوية المقصودة عند العرب، وإن كان ضعيفا عند القراء، وهو نوعان: الأول: المدّ للتعظيم، وهو فى «لا» النافية للجنس فى كلمة التوحيد خاصة وهى: «لا إله إلا الله»، «ويسمى بمدّ المبالغة أيضا لأنه طلب للمبالغة فى نفى الألوهية عما سوى الله تعالى. الثانى: مدّ التبرئة، وهو ثابت عند الإمام حمزة أحد القراء السبعة فى أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر، لكن لا يبلغ به حدّ الإشباع، بل يقتصر فيه على التوسط، وقدره أربع حركات، وذلك لضعف سببه عن السبب اللفظى. ومثاله: «لا ريب» «لا شية فيها».

أنواع المدّ الفرعى:
علم مما تقدم أن للمدّ الفرعى سببين لفظيين هما: الهمز والسكون، فالهمز سبب لثلاثة أنواع منه، وهى المدّ المتصل، والمنفصل، والبدل. والسكون سبب لنوعين من المدّ، ولا يكون إلا بعد حرف المدّ دائما، فإن كان ثابتا فى الوصل والوقف فهو المدّ اللازم نحو «الصاخة» وإن كان ثابتا فى الوقف دون الوصل فهو المدّ العارض للسكون نحو «نستعين»، وبيان هذه الأنواع فيما يلى:

- المدّ المتصل:
هو أن يأتى بعد حرف المدّ همز فى كلمة واحدة نحو «جاء»، «السوء» «تفيء» وسمى متصلا لاتصال الهمز بحرف المدّ فى كلمة واحدة.
وهذا النوع حكمه الوجوب. لوجوب مدّه زيادة على مقدار المدّ الطبيعى عند جميع القراء، ولا يعرف لأحد منهم فيه خلاف. إلا أنهم اختلفوا فى مقدار الزيادة على حسب مذاهبهم، فمنهم من قرأ بمرتبة الإشباع وقدرها ست حركات. ومنهم قرأ بمرتبة دونه وقدرها خمس حركات، وهو الإمام عاصم شيخ حفص. ومنهم من قرأ بمرتبة التوسط وقدرها أربع حركات، ومن بينهم الإمام عاصم كذلك. ومنهم من قرأ بمرتبة فويق القصر وقدرها ثلاث حركات، ولا أقل من ذلك.
ومما تقدم يعلم أن المدّ المتصل لا يزيد عن الحركات الست ولا ينقص عن الثلاث فمراتبه أربع فقط، كما يعلم أيضا أنه لا يجوز القصر فيه كالطبيعى. قال الحافظ ابن الجزرى:
«وقد تتبعته- أى القصر فى المتصل- فلم أجده فى قراءة صحيحة ولا شاذة بل رأيت النص بمدّه (٤). كما أشار إليه فى المقدمة الجزرية بقوله:
وواجب إن جاء قبل همزة ... متصلا إن جمعا بكلمة
(٤) انظر: النشر فى القراءة العشر ١/ ٣١٥ طبعة دار الكتب العلمية بيروت للحافظ أبى الخير محمد بن محمد الدمشقى الشهير بابن الجزرى.
 
١ ‏/ ٣٩٣
 
هذا ووجه المدّ فى المتصل: هو أن الهمزة ثقيلة فى النطق بها لأنها حرف شديد جهرى- كما تقدم فى الصفات- فزيد فى المدّ قبلها للتمكن من النطق بها على حقها مع شدتها وجهرها. وقيل: إن حرف المدّ ضعيف خفى والهمز قوى صعب فزيد فى المدّ تقوية لضعفه عند مجاورته القوى.

- المدّ المنفصل:
وهو أن يأتى بعد حرف المدّ همزة قطع فى كلمة أخرى، نحو «بما أنزل»، «قالوا ءامنا»، «وفى أنفسكم». وسمى منفصلا لانفصال الهمزة عن حرف المدّ فى كلمة أخرى. وحكمه: الجواز، لجواز قصره عند البعض، كالمدّ الأصلى الطبيعى بمقدار حركتين، وجواز مدّه، وحفص يمدّه بمقدار أربع حركات أو خمس حركات.
مع ملاحظة إذا اجتمع مدّان متصلان أو أكثر كما فى قوله تعالى:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً (سورة البقرة آية ٢٢) فلا يجوز التفرقة بينهما فى المدّ بحجة جواز الوجهين فى كل منهما بل تجب التسوية فى الكل إما بالحركات الأربع فى الجميع أو بالخمس فيها. وكذلك الحكم بعينه إذا اجتمع مدّان منفصلان أو أكثر كما فى قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ (سورة النساء آية ١٣٦) فلا يجوز التفرقة بين هذه المدود بحجة جواز
الوجهين أيضا بل يجب التسوية بينها بأن يكون المنفصل الثانى وما بعده مساويا للأول توسطا أربع حركات أو فويقه خمس حركات، لأن التسوية فى هذا وذاك من جملة التجويد وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزرى فى المقدمة الجزرية بقوله: «واللفظ فى نظيره كمثله».
ومن المدّ المنفصل أيضا مدّ الصلة الكبرى، وهو هاء الضمير الغائب المفرد المضمومة أو المكسورة الواقعة بين متحركين الثانى منهما همزة قطع ولم يوقف عليها كما فى قوله:
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (سورة الهمزة آية ٣) فإنه يمدّ أربع أو خمس حركات.

- مدّ البدل:
هو أن يتقدم الهمز على حرف المدّ:
«ءامنوا» «أوتوا» «إيمانا» وسمى بدلا لإبدال حرف المدّ من الهمز. وقد سبق الكلام عنه على أنه مد طبيعى وليس مدا فرعيا يمكنه أن يزيد على المد الطبيعى- فينبغى التوضيح.
 
١ ‏/ ٣٩٤
 
- المدّ العارض للسكون:
هو أن يأتى بعد حرف المدّ أو اللين سكون عارض وقفا لا وصلا. أى: أن الحرف الذى بعد حرف المدّ أو اللين متحرك فى الأصل، ولكن السكون عرض له لأجل الوقف، لما تقرر فى القواعد من أنه لا يوقف على متحرك مثل: «الرحيم» «نستعين» «يوقنون» فى حالة الوقف. وسمى عارضا لعروض المدّ بعروض السكون، أى: أنه طارئ بسبب سكون الوقف، ولو تحرك الحرف الذى بعد حرف المدّ أو اللين بسبب وصل الكلمة بما بعدها لما وجد المدّ.
أحوال هذا المدّ: إما أن يكون مهموزا. وإما أن يكون غير مهموز. وكل من القسمين إما أن يكون مفتوح الآخر، أو مكسور الآخر، أو مضموم الآخر، فالأقسام ستة حاصلة من ضرب اثنين فى ثلاثة. وإليك حكم كل قسم:
الأول: حكم المدّ العارض للسكون الذى ليس مهموزا:
ينقسم هذا المدّ إلى ثلاثة أقسام، وكل قسم له حكم على النحو التالى:
(أ) المفتوح الآخر: فيه ثلاثة أوجه:
القصر، والتوسط، والمدّ، وذلك نحو «العالمين».
(ب) المكسور الآخر، نحو مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وفيه أربعة أوجه وهى:
١ - القصر بالسكون المحض.
٢ - التوسط بالسكون المحض.
٣ - المدّ بالسكون المحض.
٤ - الروم على القصر.
(ج) المضموم الآخر، نحو وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وفيه سبعة أوجه هى:
١ - القصر بالسكون المحض.
٢ - التوسط بالسكون المحض.
٣ - المدّ ست حركات بالسكون المحض.
٤ - الإشمام مع القصر.
٥ - الإشمام مع التوسط.
٦ - الإشمام مع المدّ ست حركات.
٧ - الروم مع القصر.
الثانى: حكم المدّ العارض للسكون المهموز: (أ) المفتوح الآخر نحو شاء، وجاء، وفيه المدّ أربع أو خمس أو ست حركات بالسكون المحض.
(ب) المكسور الآخر نحو «من السماء» وفيه خمسة أوجه هى:
١ - المدّ أربع حركات بالسكون المحض.
٢ - المدّ خمس حركات بالسكون المحض.
٣ - المدّ ست حركات بالسكون المحض.
٤ - الروم على المدّ أربع حركات.
٥ - الروم على المدّ خمس حركات.
 
١ ‏/ ٣٩٥
 
(ج) المضموم الآخر نحو «يشاء»، «السفهاء» وفيه ثمانية أوجه هى:
١ - المدّ أربع حركات بالسكون المحض.
٢ - المدّ خمس حركات بالسكون المحض.
٣ - المدّ ست حركات بالسكون المحض.
٤ - الإشمام على المدّ أربع حركات.
٥ - الإشمام على المدّ خمس حركات.
٦ - الإشمام على المدّ ست حركات.
٧ - الروم على المدّ أربع حركات.
٨ - الروم على المدّ خمس حركات.

- مدّ اللين:
سبق أن قلنا أن حرفى اللين هما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما نحو «القول» «الصّيف» ولهذين الحرفين حالتان:
الأولى: أن يقع بعدهما همز متصل بهما فى كلمة واحدة نحو «شىء» و«سوء».
الثانية: ألا يقع بعدهما همز نحو «السّير»، «فلا خوف».
فأمّا اللذان بعدهما همز متصل بهما فى كلمة واحدة نحو «سوأة»، «كهيئة» فقد قرأ ورش من طريق الأزرق فيهما بوجهين هما:
التوسط والإشباع، ويستوى فى ذلك عنده الوصل والوقف. أما باقى القراء فليس لهم إلا القصر، وهذا فى حالة الوصل، أما فى حالة الوقف فيدخل فى حكم المدّ العارض للسكون، ويكون لهم فيه حينئذ القصر والتوسط والإشباع بالسكون المحض أو بالسكون مع الإشمام أو الروم حسب نوع العارض.
وأما اللذان ليس بعدهما همز، فللقراء فيهما تفصيل: حالة الوصل: حاصله أن نحو «لومة»، «وأحيينا» فيه القصر فى الحالين على نحو ما مر. وكذلك الحكم بعينه لجميع القراء- باستثناء ورش- فى حرفى اللين اللذين بعدهما الهمز المنفصل عنهما، أى: أن حرفى اللين فى آخر الكلمة الأولى والهمز فى أول الكلمة الثانية نحو «بنى آدم» «ولو أننا نزلنا».
وأما نحو: «لا خوف» و«فلا فوت» فقد أجمع القراء العشرة على القصر فى حالة الوصل. وأما فى حالة الوقف ففيه المدّ أربع حركات أو خمس حركات أو ست حركات، ويدخل حينئذ فى المدّ العارض للسكون.

- المدّ اللازم:
هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون لازم وصلا ووقفا، نحو «آية»، «الآن»، «الم»، وسمى لازما للزوم سببه وهو السكون وصلا ووقفا. وهو ينقسم إلى أربعة أقسام:
 
١ ‏/ ٣٩٦
 
الأول: المدّ اللازم الكلمى المثقل:
هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون أصلى لازم ثابت وصلا ووقفا فى كلمة تزيد على ثلاثة أحرف، مع الإدغام، أى: إدغام الحرف الساكن فيما بعده نحو «الحاقّة»، «دابّة» وسمى كلميا لاجتماع المدّ مع السكون فى كلمة، وسمى مثقلا من أجل الإدغام.

الثانى: المدّ اللازم الكلمى المخفف:
هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون أصلى ثابت وصلا ووقفا فى كلمة تزيد على ثلاثة أحرف من غير إدغام، وذلك فى كلمة فى موضعين بسورة «يونس» ﵇ وهى: آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ «آية ٥١»، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ آية ٩١ وسمى كلميا لاجتماع المدّ مع السكون فى كلمة، وسمى مخففا لعدم الإدغام.

الثالث: المدّ الحرفى المثقل:
هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون ثابت وصلا ووقفا فى حرف هجاؤه على ثلاثة أحرف وسطها حرف مدّ ولين أو حرف لين فقط مع الإدغام، أى: إدغام الساكن فيما بعده، وسمى حرفيا لاجتماع المدّ والسكون اللازم فى حرف، وسمى مثقلا لأجل الإدغام.

الرابع: المدّ اللازم الحرفى المخفف:
هو: أن يأتى بعد حرف المدّ سكون ثابت وصلا ووقفا فى حرف هجاؤه على ثلاثة أحرف وسطها حرف مدّ ولين، أو حرف لين فقط من غير إدغام. وعلة التسمية تفهم مما تقدم.
واللازم الحرفى بقسميه لا يكون إلا فى فواتح السور فى ثمانية أحرف منها مجموعة فى هذه العبارة «كم عسل نقص» وهى الكاف، والميم، والعين، والسين، واللام، والنون، والقاف، والصاد. وقد اجتمع المدّ اللازم الحرفى بنوعيه فى قوله: «الم» فلام مثقل وميم مخفف.
وإليك ما قاله الشيخ الجمزورى فى تحفة الأطفال:
أقسام لازم لديهم أربعة ... وتلك كلمى وحرفى معه
كلاهما مخفف مثقل ... فهذه أربعة تفصل
فإن بكلمة سكون اجتمع ... مع حروف مد فهو كلمى وقع
أو فى ثلاثى الحروف وجدا ... والمدّ وسطه فحرفى بدا
كلاهما مثقل إن أدغما ... مخفف كل إذا لم يدغما
واللازم الحرفى أول السور ... وجوده، فى ثمان انحصر
يجمعهما حروف كم عسل نقص
 
١ ‏/ ٣٩٧
 
حكم المدّ اللازم:
لزوم مده بمقدار ثلاث ألفات، أى يلزم مدّه ست حركات بلا زيادة ولا نقص عند جمهور القراء. ومن نقص أو زاد فقد أساء وظلم. وهذا الحكم سواء كان فى حالة الوصل أو الوقف.
وهو إما أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، فإن كان مرفوعا فله فى الوقف عليه ثلاثة أوجه: السكون والروم والإشمام نحو: «ولا جان»، وإن كان مجرورا ففيه وجهان: السكون المحض. والروم نحو: «غير مضار»، وإن كان منصوبا ففيه وجه واحد وهو السكون المحض نحو: «صوآف».
وقال الجمزورى:
ولازم إن السكون أصلا ... وصلا ووقفا بعد مدّ طولا
وقال ابن الجزرى:
فلازم إن جاء بعد حرف مدّ ... ساكن حالين وبالطول يمدّ

حكم الحروف الموجودة فى أوائل السور:
تنقسم الحروف الأربعة عشر الموجودة فى أوائل السور المبدوءة بالحروف المقطعة والتى جمعها صاحب التحفة فى قوله: «صله سحيرا من قطعك» إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما يمدّ مدّا لازما، وهى الحروف الثمانية والتى قلنا عنها إنها مجموعة فى قول صاحب التحفة: «كم عسل نقص» أو فى قول بعضهم: «سنقص علمك»، فهذه الحروف تمدّ مدّا لازما ست حركات ما عدا العين من فاتحة سورة «مريم» فى قوله: «كهيعص»، وفاتحة سورة «الشورى» فى قوله: «حم عسق» ففيها التوسط والطول، أى: المدّ ست حركات، وهو الأفضل.
قال صاحب التحفة:
واللازم الحرفى أول السور ... وجوده وفى ثمان انحصر
الثانى: ما يمدّ مدّا طبيعيا، أى يمدّ حركتين، وهو خمسة أحرف مجموعة فى عبارة «حىّ طهر» وهى الحاء، والياء، والطاء، والهاء، والراء.
الثالث: ما لا يمدّ أصلا، لا مدّا أصليا ولا فرعيا، وهو الألف، وذلك لأن كل حرف وضعه على ثلاثة أحرف وليس وسطه حرف مدّ ساكن لا يمدّ أصلا.
 
١ ‏/ ٣٩٨
 
قال صاحب التحفة:
وما سوى الحرف الثلاثى لا ألف ... فمدّه مدا طبيعيا ألف
وذاك أيضا فى فواتح السور ... فى لفظ حى طهر قد انحصر.

قواعد لها علاقة بالمدّ:

أولا: إذا اجتمع مدّان لازمان، أو مدّان متصلان، أو مدّان منفصلان لا يجوز مدّ أحدهما دون الآخر بل تجب التسوية، لقول ابن الجزرى: واللفظ فى نظيره كمثله.
ثانيا: إذا كان الحرف الساكن فى كلمة وحرف المدّ فى كلمة أخرى حذف حرف المدّ فى الوصل نحو: «وقالوا اتخذ»، «والمقيمى الصلاة».
ثالثا: مراتب المدّ: أقوى المدود: اللازم، فالمتصل، فالعارض للسكون، فالمنفصل، فالبدل.
رابعا: إذا اجتمع سببان من أسباب المدّ قوى وضعيف ألغى الضعيف وعمل بالقوى نحو: «ولا آمين» ففيه بدل ولازم فيلغى البدل لأنه ضعيف ويعمل باللازم لأنه قوى (٥).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(٥) انظر: هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٢٦٧ - ٣٦٣ للشيخ/ عبد الفتاح المرصفى.
 
١ ‏/ ٣٩٩
 
الوقف والابتداء
 
أهمية هذا الباب:
يعتبر الوقف والابتداء من أهم أبواب علم التجويد التى ينبغى للقارئ أن يهتم بها، ويجب عليه معرفتها، وهو علم جليل إذ بمعرفته نستطيع أن نقف على كيفية أداء القراءة.
ومما يدل على أهمية تعلم هذا العلم أن الإمام عليا ﵁ سئل عن قوله تعالى:
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (سورة المزمل آية: ٤) فقال: الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وبما ورد عن ابن عمر أنه قال: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبى ﷺ فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغى أن يوقف عنده منها» (١).
قال ابن الجزرى: ففي كلام على ﵁ دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفى كلام ابن عمر- رضى الله عنهما- برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة- رضى الله عنهم، وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف كأبى جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم، وأبى عمرو ابن العلاء، ويعقوب الحضرمى، وعاصم بن أبى النجود وغيرهم من الأئمة وكلامهم فى ذلك معروف (٢).
ومن أقوى الأدلة فى هذا الباب ظاهر الحديث الذى رواه أبو داود عن أم سلمة- رضى الله عنها- أن النبى ﷺ كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية، يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ثم يقف. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثم يقف. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ثم يقف (٣). وفى مسند الإمام أحمد، وسنن أبى داود، وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم، عن أم سلمة، قالت: «كان رسول الله ﷺ يقطع قراءته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» وقال الدارقطنى: صحيح الإسناد (٤).

تعريف الوقف وأقسامه:
الوقف فى اللغة: الكف والحبس، يقال:
أوقفت الدابة أى حبستها.
(١) لطائف الإشارات لفنون القراءات ١/ ٢٤٩ طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة سنة ١٣٩٢ هـ ١٩٧٢ م للإمام شهاب الدين القسطلانى تحقيق وتعليق الشيخ/ عامر السيد عثمان، ودكتور عبد الصبور شاهين. ونهاية القول المفيد ص ١٥٢ للشيخ محمد مكى نصر طبعة الحلبى سنة ١٣٤٩ هـ.
(٢) النشر فى القراءات العشر ١/ ٢٢٥ طبعة دار الكتب العلمية بيروت- لبنان.
(٣) الحديث: أخرجه الحاكم فى المستدرك، كتاب التفسير: ٢/ ٢٣٢ وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين.
(٤) الحديث: أخرجه الحاكم أيضا: ٢/ ٢٣١.
 
١ ‏/ ٤٠٠
 
وفى الاصطلاح: قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه القارئ عادة بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض عنها، ويأتى فى رءوس الآى، وأوساطها، ولا بدّ معه من التنفس، ولا يأتى فى وسط الكلمة، ولا فيما اتصل رسما.

أقسام الوقف:
للوقف أربعة أقسام تسمى الأقسام العامة وهى ما يأتى:

- الوقف الاضطرارى:

وهو ما يعرض للقارئ بسبب ضيق للنفس أو عجز أو نسيان، أو ما أشبه ذلك من الأعذار التى تعرض للقارئ أثناء قراءته فتضطره إلى الوقوف على ما لا يصلح الوقف عليه، وحينئذ يجب عليه أن يعود إلى الكلمة التى وقف عليها فيصلها بما بعدها إن صح الابتداء بها.
٢ - الوقف الاختبارى: بالباء الموحدة، وهو الذى يتعلق بالرسم لبيان المقطوع والموصول، والثابت والمحذوف ونحوه، ولا يوقف عليه إلا لحاجة كسؤال ممتحن أو تعليم قارئ كيف يقف إذا اضطر لذلك.
٣ - الوقف الانتظارى: وهو الوقف على الكلمة التى قرئت بأكثر من وجه لاستيعاب ما بها من أوجه، وهو خاص بتلقى القراءات، وذلك كالوقف على قوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ من قوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (سورة الذاريات آية ٢١)، وذلك بين من يمدّ ويقصر، ومن يصل ميم الجمع من القراء- وحكمه: الجواز.
٤ - الوقف الاختيارى: بالياء المثناة من تحت، وهو الوقف باختيار القارئ وإرادته بدون سبب من الأسباب المتقدمة، وهذا القسم هو المعنىّ به هنا فى باب الوقف والابتداء وأقسامه أربعة هى:
الأول: الوقف التام: وهو الوقف على كلام تام فى ذاته غير متعلق بما بعده لفظا ولا معنى. ويوجد غالبا فى أواخر الآى، وأواخر القصص. كالوقف على «الرحيم» من قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (سورة الشعراء آية ٩) وما بعدها فى مواضعها الثمانية لانتهاء الكلام عندها عن قصة، والبدء فى قصة أخرى، وعند انقطاع الكلام على موضع معين للانتقال إلى غيره، كالوقف على تعلمون من قوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (سورة البقرة آية ٢٣٢) لأنه نهاية الكلام على أحكام الطلاق، وما بعده كلام آخر فى أحكام أخرى.
وقد يكون الوقف التام قبل تمام الآية، كالوقف على قوله: «أذلة» من قوله تعالى
 
١ ‏/ ٤٠١
 
حكاية عن ملكة سبأ: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (سورة النمل آية ٣٤)، ثم يكون الابتداء بقوله تعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ لأن هذا من كلام الله تعالى، وليس حكاية لكلام أحد.
وقد يكون الوقف التام بعد انقضاء الآية كالوقف على قوله تعالى: (وبالليل) من قوله:
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ (سورة الصافات آية: ١٣٧، ١٣٨) لأنه معطوف على ما قبله باعتبار المعنى، أى:
وإنكم لتمرون عليهم بالصبح وبالليل.
وحكم هذا الوقف: يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده.

الثانى: الوقف الكافى:
هو الوقف على ما تم فى نفسه وتعلق بما بعده من حيث المعنى لا من حيث اللفظ. ومن أمثلة هذا النوع: الوقف على قوله تعالى:
(لا يؤمنون) من قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (سورة البقرة آية: ٦)، ثم يكون الابتداء بقوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ الخ.
حكم هذا الوقف: يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، وقد يتفاضل هذا النوع فى الكفاية، كالوقف على قوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فإنه كاف، والوقف على قوله:
فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا أكفى منه، والوقف على قوله: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ أكفى منهما.

الثالث: الوقف الحسن:
هو الوقف على ما تم فى ذاته، ولكن تعلق بما بعده لفظا ومعنى، لكونه إما موصوفا وما بعده صفة له، أو مبدلا منه وما بعده بدلا، أو مستثنى منه وما بعده مستثنى ونحو ذلك. ومن أمثلة هذا النوع من الوقف: الوقف على لفظ الجلالة من قوله تعالى فى سورة الفاتحة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ وإن كان كلاما أفهم معنى، لكنه تعلق بما بعده لفظا ومعنى، لأن ما بعد لفظ الجلالة متعلق به على أنه صفة له.
حكمه: يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده إن كان الوقف على رأس آية كالوقف على الْعالَمِينَ من قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ بل هو سنة، فقد كان النبى ﷺ إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ثم يقف ثم يقول:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثم يقف. إلى آخر الحديث، وهو أصل فى هذا الباب.
 
١ ‏/ ٤٠٢
 
الرابع: الوقف القبيح:
هو الوقف على ما لم يتم معناه، وتعلق بما بعده لفظا ومعنى كالوقف على المضاف دون المضاف إليه، أو على المبتدأ دون خبره، أو على الفعل دون فاعله.
ومن أمثلة هذا النوع من الوقف: الوقف على قوله: الْحَمْدُ من قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أو على لفظ «بسم» من بِسْمِ اللَّهِ وهكذا كل ما لا يفهم منه معنى، لأنه لا يعلم إلى أى شىء أضيف. فالوقف عليه قبيح لا يجوز تعمده إلا لضرورة كانقطاع نفس أو عطاس أو نحو ذلك. فيوقف عليه للضرورة، ويسمى وقف ضرورة. ثم يرجع ويبتدئ بما قبله ويصل الكلمة بما بعدها، فإن وقف وابتدأ بما بعده اختيارا كان قبيحا. وأقبح القبح الوقف والابتداء الموهمان خلاف المعنى المراد، كالوقف على قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي، أو على إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي.
وأقبح من هذا وأشنع الوقف على المنفى الذى بعده الإيجاب وفى هذا الإيجاب وصف لله تعالى أو لرسله عليهم الصلاة والسلام، وذلك كالوقف على لا إِلهَ من قوله تعالى:
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (سورة محمد آية ١٩)، وكالوقف على لفظ أَرْسَلْناكَ من قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (سورة الأنبياء آية ١٠٧) فكل هذه الوقوف وما ماثلها يجب ألا يوقف على شىء منها لأنه يؤدى إلى نفي الألوهية، وإلى نفى رسالة الرسول ﷺ، قال ابن الجزرى:
وبعد تجويدك للحروف ... لا بدّ من معرفة الوقوف
والابتداء وهى تقسم إذن ... ثلاثة تام وكاف وحسن
وهى لما تم فإن لم يوجد ... تعلق أو كان معنى فابتدى
فالتام فالكافى ولفظا فامنعن ... إلا رءوس الآى جوز فالحسن
وغير ما تم قبيح وله ... يوقف مضطرا ويبدأ قبله

تعريف الابتداء:
الابتداء فى عرف القراء هو: الشروع فى القراءة بعد قطع أو وقف، فإذا كان بعد القطع فيتقدمه الاستعاذة ثم البسملة إذا كان الابتداء من أوائل السور، وإذا كان من أثنائها فللقارئ التخيير فى الإتيان بالبسملة أو عدم الإتيان بها بعد الاستعاذة.
هذا: ويطلب من القارئ حال الابتداء
 
١ ‏/ ٤٠٣
 
ما يطلب منه حال الوقف، فلا يكون الابتداء إلا بكلام مستقل موفّ بالمقصود غير مرتبط بما قبله فى المعنى لكونه مختارا فيه، بخلاف الوقف فقد يكون مضطرا إليه، وتدعوه الحاجة إلى أن يقف فى موضع لا يجوز الوقف عليه كما تقدم توضيحه. وعليه: فلا يجوز أن يبدئ بالفاعل دون فعله، ولا بالوصف دون موصوفه، ولا باسم الإشارة دون المشار إليه، ولا بالخبر دون المبتدأ، ولا بالحال دون صاحبها، ولا بالمعطوف عليه دون المعطوف، وهكذا إلى آخر المتعلقات.
وخلاصة القول أنه لا يبتدأ بالمعمول دون عامله، ويستثنى من ذلك ما إذا كان الابتداء فى كل ما ذكرناه برءوس الآى، فإنه يجوز حينئذ لما تقدم.
وقد أحسن ابن الجزرى حيث ذكر في كتابه «النشر» قاعدة فيما يبتدأ به فقال- رحمه الله تعالى-: «كل ما أجازوا الوقف عليه أجازوا الابتداء بما بعده» (٥).

تعريف القطع:
القطع فى اللغة: بمعنى الإبانة والإزالة، تقول: قطعت الشجرة إذا أبنتها وأزلتها. وفى الاصطلاح: قطع القراءة رأسا، أى: الانتهاء منها، فالقارئ به- أى بالقطع- كالمعرض عن القراءة، والمنتقل منها إلى حالة أخرى غيرها، وينبغى بعد القطع إذا أراد العودة إلى القراءة الإتيان بالاستعاذة ثم البسملة إن كان العود من أول السورة، وإن كان من أثنائها فله التخيير بالبسملة بعد التعوذ أو عدم الإتيان بها.
ولا يكون القطع إلا على رءوس الآى، لأن رءوس الآى فى نفسها مقاطع. قال ابن الهذيل: «وكانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية ويدعو بعضها. لذلك ورد عنه أنه قال: إذا افتتح أحدكم آية يقرؤها فلا يقطعها حتى يتمها (٦).

تعريف السكت:
السكت فى اللغة: بمعنى المنع. وفى الاصطلاح: قطع الصوت زمنا دون زمن الوقف من غير تنفس بنية العودة إلى القراءة فى الحال، ويكون فى وسط الكلمة وفى آخرها وعند الوصل بين السورتين لمن له ذلك من القراء، وأكثره وقوعا على الساكن قبل الهمز سواء كان هذا الساكن صحيحا أو شبه صحيح أو حرف مدّ.
فالساكن الصحيح نحو قوله تعالى:
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (سورة البقرة آية: ٤) وهو المعروف بسكت «أل»، ونحو قوله تعالى: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (سورة فاطر آية
(٥) النشر فى القراءات العشر لابن الجزرى ١/ ٢٣٤ طبعة دار الكتب العلمية بيروت.
(٦) المصدر السابق ١/ ٢٣٩.
 
١ ‏/ ٤٠٤
 
٢٣) وهو المعروف بسكت المفصول، ونحو القرآن فى قوله تعالى: الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (أول سورة الرحمن) وهو المعروف بسكت الموصول.
والساكن شبه الصحيح ما كان فيه حرف لين فقط ويشمل المفصول نحو قوله: خَلَوْا إِلى، ويشمل كذلك الموصول قوله:
فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي (سورة المائدة أية ٣١).
والساكن حرف «مدّ» نحو قوله: قالُوا آمَنَّا وقوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ وقوله:
لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وهو المعروف بسكت المدّ.
وقد سكت حفص عن عاصم، وكذلك ابن ذكوان عن ابن عامر، وإدريس عن خلف العاشر على الساكن قبل الهمز ما لم يكن حرف مدّ فى أحد الوجهين عنهم عن طريق طيبة النشر. وكذلك سكت حمزة على الساكن قبل الهمز عموما سواء كان الساكن صحيحا أو شبه صحيح أو حرف مدّ من طريق طيبة النشر، وهو المعروف: «بالسكت المطلق».
وقد ورد عن حفص عن عاصم من طريق الشاطبية أنه كان يسكت سكتة لطيفة من غير تنفس بقدر حركتين فى حالة الوصل فى أربعة مواضع فى القرآن بالاتفاق وهى كالآتى:
السكتة الأولى: على الألف المبدلة من التنوين فى لفظ عِوَجًا بأول سورة الكهف حالة الوصل، ثم يقول: قَيِّمًا.
وهذا لا يمنع الوقف على عِوَجًا لأنه رأس آية. وإنما السكت حالة وصل عِوَجًا ب قَيِّمًا.
السكتة الثانية: على الألف من لفظ مَرْقَدِنا بسورة ياسين، ثم يقول: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (آية ٥٢)، وهو تام كما ذكره الصفاقسى فى غيث النفع (٧) وعليه فلا سكت عندئذ، وعند عدم الوقف يجب السكت من طريق الشاطبية.
السكتة الثالثة: على النون من لفظ «من» فى قوله تعالى: وَقِيلَ مَنْ راقٍ (سورة القيامة آية: ٢٧)، ويلزم من السكت إظهار النون الساكنة عند الراء لأن السكت يمنع الإدغام.
السكتة الرابعة: على اللام من لفظ «بل» فى قوله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (سورة المطففين آية: ١٤)، ويلزم من هذا السكت أيضا إظهار اللام عند الراء لأن السكت يمنع الإدغام.
وسكت حفص فى هذه المواضع الأربعة من النوع الذى يأتى على آخر الكلمة. قال الإمام الشاطبى- رحمه الله تعالى:
(٧) انظر: غيث النفع فى القراءات السبع ص ٣٣٣ لولى الله تعالى سيد على النورى الصفاقسى بهامش شرح الشاطبية لابن الفاصح طبعة الحلبى الثالثة سنة ١٣٧٣ هـ ١٩٥٤ م.
 
١ ‏/ ٤٠٥
 
وسكتة حفص دون قطع لطيفة ... على ألف التنوين فى عوجا بلا
وفى نون من راق ومرقدنا ولا ... م بل ران والباقون لا سكت موصلا (٨)
وهذا السكت- كما سبق أن قلنا- من طريق الشاطبية، أما من طريق طيبة النشر فإن لحفص فيها خمسة مذاهب وهى:
الأول: السكت على الجميع. الثانى: عدم السكت على الجميع. السكت على عوجا ومرقدنا وحدهما. الرابع: على «من راق» و«بل ران». دون غيرهما. الخامس: عدم السكت على
«مرقدنا» والسكت فى غيره.
وكذلك يسكت حفص فى وجه له بين السورتين من غير تنفس فى موضع واحد من القرآن، وهو بين آخر سورة الأنفال وأول سورة براءة ومحله على الميم من «عليم» ثم يقول: «براءة»، وعلى الهاء من لفظ «ماليه» فى قوله تعالى: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (سورة الحاقة آية ٢٨، ٢٩)، والوجهان صحيحان مقروء بهما والسكت هو المقدم فى الأداء (٩).
الجزرية: هى: مقدمة منظومة فى تجويد القرآن مكونة من مائة وتسعة أبيات من نظم شيخ الإسلام أبى الخير محمد بن محمد الدمشقى الشهير بابن الجزرى رحمه الله تعالى رحمة واسعة. ولهذه المقدمة شروح عديدة من أشهرها: شرح متن الجزرية فى معرفة تجويد الآيات القرآنية لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى- رحمه الله تعالى.
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(٨) حرز الأمانى ووجه التهانى- المعروفة بالشاطبية ص ٦٨ طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر سنة ١٣٥٥ هـ ١٩٣٧ م. للإمام أبى القاسم ابن فيرة ابن خلف أحمد الشاطبى.
(٩) هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٤٠٩ - ٤١٤ بتصرف شديد. طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية بشبرا مصر الأولى سنة ١٤٠٢ هـ ١٩٨٢ م للشيخ/ عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى.
 
١ ‏/ ٤٠٦
 
الوقف على آخر الكلم
للوقف فى كلام العرب أوجه متعددة، والمستعمل عند أئمة القراءة تسعة أوجه وهى: السكون، والرّوم، والإشمام، والإبدال، والنقل، والإدغام، والجذف، والإثبات، والإلحاق.
الوقف بالسكون فأما السكون: فهو الأصل فى الوقف على الكلمة المحركة وصلا، لأن معنى الوقف:
الترك والقطع، ولأنه ضد الابتداء، فكما لا يبتدأ بساكن لا يوقف على متحرك، وهو اختيار كثير من القراء.
هذا: والوقف بالسكون المحض يكون فى كل من المرفوع والمجرور والمنصوب فى المعرب، وفى كل من المضموم والمكسور والمفتوح فى المبنى، ويستوى فى ذلك المخفف والمشدد، والمهموز المحقق والمنون إلا ما كان فى الاسم المنصوب نحو حُوبًا كَبِيرًا أو فى الاسم المقصور مطلقا نحو عمى، كما يستوى أيضا سكون ما قبل الحرف الأخير الموقوف عليه أو تحركه.
الوقف بالرّوم وأما الروم: فهو فى اللغة بمعنى الطلب، وفى الاصطلاح: هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك التضعيف معظم صوتها.
وقال بعض العلماء: هو الإتيان ببعض الحركة. وقدر العلماء تضعيف الصوت بالحركة أو الإتيان ببعضها بالثلث، أى: أن المحذوف من الحركة أكثر من الثابت فى حالة الروم، ومن ثمّ ضعف صوتها لقصر زمنها فيسمعها القريب المصغى ولو كان أعمى دون البعيد. ولذلك لا يؤخذ الروم إلا بالمشافهة.
ويكون الوقف بالروم فى المرفوع والمجرور من المعرب وفى المضموم والمكسور من المبنى سواء أكان الحرف الموقوف عليه مخففا أم مشددا، مهموزا أم غير مهموز، منونا أم غير منون. ونعنى بالمنون- هنا- ألا يكون منصوبا نحو «سميعا»، وألا يكون فى الاسم المقصور نحو «هدى» فإن التنوين فى هذين يبدل ألفا فى الوقف، وسواء سكن ما قبل الحرف الموقوف عليه أم تحرك.
هذا: ولا يكون الوقف بالروم فى المنصوب
 
١ ‏/ ٤٠٧
 
ولا المفتوح. وعلة ذلك: خفة الفتحة وخفاؤها، فإذا خرج بعضها حالة الروم خرج سائرها، وذلك لأنها لا تقبل التبعيض بخلاف الضمة والكسرة فإنهما تقبلانه لثقلهما. ولا بدّ من حذف التنوين من المنون حالة الوقف بالروم كما مر. وقد أشار إلى ما سبق الإمام ابن برى بقوله:
فالروم إضعافك صوت الحركة ... من غير أن يذهب رأسا صوتكه
يكون فى المرفوع والمجرور ... معا وفى المضموم والمكسور
ولا يرى فى النصب للقراء ... والفتح للخفة والخفاء (١)
الوقف بالإشمام وأما الإشمام فى عرف القراء: عبارة عن ضم الشفتين من غير صوت بعد النطق بالحرف الأخير ساكنا إشارة إلى الضم ولا بدّ من إبقاء فرجة «أى انفتاح» بين الشفتين لإخراج النفس، وضم الشفتين للإشمام يكون عقب سكون الحرف الأخير من غير تراخ، فإن وقع التراخى فهو إسكان محض لا إشمام معه. وهذا ما أشار إليه الإمام الشاطبى بقوله:
والإشمام إطباق الشفاه بعيد ما ... يسكّن لا صوت هناك فيصحلا (٢)
والإشمام يرى بالعين ولا يسمع بالأذن ولهذا لا يأخذه الأعمى عن القارئ، بل يأخذه عنه المبصر ليرى كيفيته.
هذا: والإشمام يكون فى المرفوع من المعرب وفى المضموم من المبنى دون غيرهما من الحركات لأنه المناسب لحركة الضمة لانضمام الشفتين عن النطق بها، ولا يجوز أن يكون الإشمام فى المجرور والمنصوب والمكسور والمفتوح لخروج الفتحة بانفتاح الفم والكسرة بانخفاضه، ولأن الإشمام فى المفتوح والمكسور يوهم حركة الضم فيهما فى الوصل بينما هما ليسا كذلك وهذا هو وجه المنع.
وقد أشار إلى صفة الإشمام وما يجرى فيه الإمام ابن برى بقوله:
وصفة الإشمام إطباق الشفاه ... بعد السكون والضرير لا يراه
من غير صوت عنده مسموع ... يكون فى المضموم والمرفوع (٣)
الوقف بالإبدال وأما الوقف بوجه الإبدال فيجرى فى شيئين اثنين:
الشيء الأول: ويشمل ثلاثة أنواع:
(١) الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الإمام نافع بشرح العلامة المارغنى ص ١٥٨ نظم الشيخ أبى الحسن سيدى على الرباطى المعروف بابن برى طبع بالمطبعة التونسية بسوق البلاط بتونس سنة ١٣٥٤ هـ ١٩٣٥ م.
(٢) الوافى فى شرح الشاطبية فى القراءات السبع ص ١٧٥ طبع مكتبة السوادى للتوزيع بالمدينة المنورة الثالثة ١٤١١ هـ ١٩٩٠ م للشيخ عبد الفتاح عبد الغنى القاضى.
(٣) الدرر اللوامع بشرح العلامة المارغنى ص ١٦٠.
 
١ ‏/ ٤٠٨
 
الأول: التنوين فى الاسم المنصوب سواء رسمت الألف فيه أم لم ترسم نحو «وكيلا» فى قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (سورة الأحزاب آية ٣، ٤٨) ونحو «دعاء ونداء» فى قوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً (سورة البقرة آية ١٧١).
الثانى: التنوين فى الاسم المقصور مطلقا سواء أكان مرفوعا أم مجرورا أم منصوبا نحو «عمى ومصفى وغزى» فى قوله تعالى:
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (سورة فصلت آية ٤٤) وقوله تعالى: وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى (سورة محمد آية ١٥) وقوله تعالى: أَوْ كانُوا غُزًّى (سورة آل عمران آية ١٥٦).
الثالث: لفظ «إذا» المنون نحو قوله تعالى:
فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا. فكل هذه الأنواع وما شاكلها يبدل فيها التنوين ألفا فى الوقف، ومثلها فى ذلك إبدال نون التوكيد الخفيفة بعد الفتح ألفا لدى الوقف فى موضعين اثنين فى التنزيل بالإجماع وهما قوله تعالى: وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (سورة يوسف آية ٣٢)، وقوله تعالى:
لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (سورة العلق آية ١٥).
الشيء الثانى: تاء التأنيث المتصلة بالاسم المفرد كما فى قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (سورة النحل آية ١٢٥) فهذه التاء فى الأسماء الثلاثة تبدل هاء عند الوقف، فإن كانت منونة نحو قوله تعالى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ (سورة الشعراء آية ٢٢) حذف التنوين وأبدلت هاء أيضا عند الوقف.
النقل وأما النقل: فيكون فيما آخره همزة بعد ساكن، فإنه يوقف عليه عند حمزة بنقل حركتها إليه، فيحرك بها ثم تحذف هى سواء كان الساكن صحيحا نحو: «دفء»، فى قوله تعالى وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ (سورة النحل آية ٥) أم ياء أو واو أصليتين سواء كانتا مدّ نحو «المسيء»، «تبوء» فى قوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ (سورة غافر آية ٥٨) وقوله تعالى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (سورة المائدة آية ٢٩) أو كانتا حرف لين نحو «سيئ»، «سوء» فى قوله تعالى:
وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (سورة فاطر آية ٤٣) وقوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (سورة الأنبياء آية ٧٤).
 
١ ‏/ ٤٠٩
 
الإدغام وأما الإدغام فيكون فيما آخره همز بعد ياء أو واو زائدتين فإنه يوقف عليه عند حمزة أيضا بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله نحو «برىء»، «قروء» فى قوله تعالى:
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (سورة الأنعام آية ٧٨)، وقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (آية ٢٣٨ من سورة البقرة).
الحذف وأما الحذف فيكون فى الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلا ويحذفها وقفا، والياءات الزوائد هى التى لم ترسم.
الإثبات وأما الإثبات فيكون فى الياءات المحذوفات وصلا عند من يثبتها وقفا نحو «وال»، «واق»، «باق».
الإلحاق وأما الإلحاق فيكون فيما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها فى «عم، فيم، بم، لم، مم»، والنون المشددة من جمع الإناث نحو «هن»، «ومثلهن»، والنون
المفتوحة نحو «العالمين، والذين»، والمشدد المبنى نحو «ألا تعلوا علىّ»، «خلقت بيدىّ» (٤).
علامات الوقف وضع العلماء فى المصاحف علامات لأنواع الوقف التى سبق الكلام عنها، وعلى كل من يقرأ فى المصحف الشريف ملاحظة هذه العلامات والعمل بمقتضاها، وهى فيما يلى:
١ - الوقف اللازم: وعلامته «م» ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ (سورة الأنعام آية ٣٦) فقد وضعت العلامة على قوله: «يسمعون» ومن هنا يلزم القارئ الوقف على «يسمعون» ثم ليبتدئ بعد ذلك بقوله:
«والموتى يبعثهم الله».
٢ - الوقف الممنوع: وعلامته «لا» ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ (سورة النحل آية ٣٢) فقد وضعت العلامة على قوله: «طيبين» ومن هنا يكون الوقف عليها ممنوعا، ويجب وصلها بما بعدها.
٣ - الوقف الجائز جوازا مستوى الطرفين: وعلامته «ج»، ومثال ذلك ما جاء
(٤) انظر الإتقان فى علوم القرآن ١/ ١١٧، ١١٨ طبعة الحلبى الرابعة ١٣٩٨ هـ ١٩٧٨ م للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطى.
 
١ ‏/ ٤١٠
 
فى قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (سورة الكهف آية ١٣)، فقد وضعت العلامة على قوله: «بالحق»، ومن هنا يجوز الوقف عليه والابتداء بما بعده، ويجوز أيضا وصله بما بعده، فالوجهان جائزان جوازا مستوى الطرفين، ولا أفضلية لأحدهما على الآخر.
٤ - الوقف الجائز مع كون الوصل أولى:
وعلامته «صلى»، ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة الأنعام آية ١٧) فقد وضعت العلامة على قوله: «فهو»، ومن هنا فإن الوقف عليه والابتداء بما بعده جائز ولكن الوصل أولى وأحسن من الوقف.
٥ - الوقف الجائز مع كون الوقف أولى:
وعلامته «قلى»، ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِرًا (سورة الكهف آية ٢٢)، فقد وضعت هذه العلامة على قوله «قليل»، ومن هنا فإن الوقف على قوله «قليل» والابتداء بما بعده جائز، وأيضا وصله بما بعده جائز، ولكن الوقف أولى.
٦ - الوقف على أحد الموضعين دون الآخر: وعلامته (؟؟؟) وتسمى هذه العلامة: علامة تعانق الوقف بحيث إذا وقف على أحد الموضعين لا يصح الوقف على الآخر. ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى:
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (سورة البقرة آية ٢) فقد وضعت هذه العلامة على قوله: «فيه» فإذا وقف القارئ على قوله:
«لا ريب» لا يصح أن يقف على «فيه»، وكذلك أيضا إذا وقف على «فيه» لا يصح أن يقف على قوله: «لا ريب» (٥).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(٥) راجع علامات الوقف فى موضوع تعريف المصحف الشريف، طبعة الملك فهد بالسعودية ص ى.
 
١ ‏/ ٤١١
 
النقل وغيره من سبل تخفيف الهمزة
اعلم أن الهمز لما كان أثقل الحروف نطقا وأبعدها مخرجا تنوع العرب فى تخفيفه بأنواع التخفيف- وكانت قريش وأهل الحجاز أكثرهم تخفيفا، ولذلك أكثر ما يرد تخفيفه من طرقهم كابن كثير من رواية ابن فليح، وكنافع من رواية ورش، وكأبى عمرو، فإن مادة قراءته عن أهل الحجاز- وأحكام الهمز كثيرة نقتصر فى الكلام على أمور أربعة هى:
١ - النقل: وهو نقل حركة الساكن إلى ما قبله، وذلك كما فى قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ بفتح الدال، وبه قرأ نافع من طريق ورش، وذلك حيث كان الحرف الساكن صحيح الآخر والهمز أولا- واستثنى أصحاب يعقوب عن ورش «كتابيه- إنى ظننت» فسكنوا الهاء وحققوا الهمز- وأما الباقون من القراء فحققوا الهمز وسكنوا فى جميع القرآن.
٢ - الإبدال: وهو أن تبدل الهمزة الساكنة حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها فتبدل ألفا بعد الفتح نحو قوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ، وتبدل واوا بعد الضم نحو قوله:
يُؤْمِنُونَ، وتبدل ياء بعد الكسر نحو:
جِئْتَ وبه قرأ أبو عمرو، سواء كانت الهمزة فاء أم عينا أم لاما، إلا أن يكون سكونها جزما نحو: «ننسأها» ونحو: «أرجئه»، أو يكون ترك الهمز فيه أثقل، وهو فى قوله:
وَتُؤْوِي إِلَيْكَ (سورة الأحزاب آية ٥١) أو يوقع فى الالتباس، وهو فى قوله:
وَرِءْيًا (سورة مريم آية ٧٤)، فإن تحركت فلا خلاف عنه فى التحقيق.
٣ - التسهيل: وهو التسهيل بين الهمزة وبين حركتها، وذلك عند اجتماع همزتين فى الكلمة. فإن اتفق الهمزتان فى الفتح سهّل الهمزة الثانية الحرميان وأبو عمرو وهشام، وأبدلها ورش ألفا، وابن كثير لا يدخل قبلها ألفا، وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها، والباقون من السبعة يحققون.
وإن اختلفا بالفتح والكسر سهل الحرميان وأبو عمرو الثانية. وأدخل قالون وأبو عمرو قبلها ألفا، والباقون يحققون- وإن اختلفا بالفتح والضم وذلك فى قوله: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ وقوله: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ وقوله: أَأُلْقِيَ فقط فالقراء الثلاثة وهم
 
١ ‏/ ٤١٢
 
الحرميان وأبو عمرو يسهلون، وقالون يدخل ألفا، والباقون يحققون.
٤ - الإسقاط بلا نقل: وبه قرأ أبو عمرو إذا اتفقا فى الحركة وكانا فى كلمتين، فإن اتفقا كسرا نحو قوله: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ جعل ورش وقنبل الهمزة الثانية كياء ساكنة، وقالون والبزى كياء مكسورة، وأسقطها أبو عمرو، والباقون يحققون. وإن اتفقا فتحا نحو: جاءَ أَجَلُهُمْ، حيث جعل ورش وقنبل الثانية كمدّة، وأسقط الحرميان وأبو جعفر الأولى، والباقون يحققون. وإن اتفقا ضما وهو: أَوْلِياءُ أُولئِكَ فقط، وقد أسقطها أبو عمرو، وجعلها قالون والبزى كواو مضمومة، والحرميان يجعلان الثانية كواو ساكنة، والباقون يحققون.
ثم اختلف فى الساقط هل هو الأولى أو الثانية؟ والأول عن أبى عمرو، والثانى عن الخليل من النحاة، وتظهر فائدة الخلاف فى المدّ، فإن كان الساقط الأولى فهو منفصل، وإن كان الثانية فهو المتصل (١).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(١) الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١/ ١٢٧، ١٢٨ طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر- الرابعة سنة ١٣٩٨ هـ ١٩٧٨ م.، وانظر النشر فى القراءات العشر لابن الجزرى ١/ ٣٦٢ وما بعدها طبعة دار الكتب العلمية، وانظر سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهى- شرح منظومة حرز الأمانى ووجه التهانى- للإمام أبى القاسم على بن عثمان بن محمد بن أحمد بن الحسن القاصح ص ٦٢ وما بعدها طبعة مكتبة الرياض الحديثة سنة ١٤٠١ هـ ١٩٨١ م. وانظر الوافى فى شرح الشاطبية فى القراءات السبع- للشيخ عبد الفتاح القاضى- ص ٩١ وما بعدها طبعة مكتبة السوادى للتوزيع، ومكتبة المدينة المنورة- الثالثة ١٤١١ هـ- ١٩٩٠ م.
 
١ ‏/ ٤١٣
 
الإمالة والتقليل
الفتح والإمالة لغتان مشهورتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فالفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة أهل نجد من تميم وأسد وقيس- قال الدانى:
والأصل فيها حديث حذيفة مرفوعا: «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم وأصوات أهل الفسق وأهل الكتابين» ثم قال:
لا شك أن الإمالة من الأحرف السبعة ومن لحون العرب وأصواتها.
والإمالة فى اللغة بمعنى التعويج. يقال:
أملت الرمح ونحوه إذا عوجته عن استقامته.
والإمالة من الأحكام ذوات الأضداد وضدها الفتح، والمراد به فتح القارئ فمه بالحرف لا فتح الألف إذ الألف لا تقبل الحركة.
والإمالة فى اصطلاح القراء: أن ينحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء كثيرا وهو المحض. ويقال له الاضجاع، والبطح، والكسر، وهو بين اللفظين، ويقال له أيضا التقليل، والتلطيف، وبين بين.
وتنقسم إلى قسمين: كبرى وصغرى:
فالكبرى: أن تقرب الفتحة من الكسرة والألف من الياء من غير قلب خالص ولا إشباع مبالغ فيه، وهذه هى الإمالة المحضة، وإذا أطلقت الإمالة انصرفت إليها أى: إلى المحضة، وكما تسمى بالمحضة تسمى أيضا بالاضجاع وبالبطح لأنك إذا قربت الفتحة من الكسرة والألف من الياء فكأنك بطحت الفتحة والألف أى: رميتهما وأضجعتهما إلى الكسرة.
والصغرى: هى ما بين الفتح والإمالة المحضة. ولهذا يقال لها: بين بين، وبين اللفظين: أى بين لفظ الفتح ولفظ الإمالة. ولما كان فى القسمين أى: الإمالة الكبرى والإمالة الصغرى، تغيير للألف بتعويجها عن استقامتها فى النطق وميلها عن مخرجها إلى نحو مخرج الياء ولفظها، سمى ذلك التغيير إمالة.
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(١) انظر: النجوم الطوالع شرح الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الإمام نافع ص ١١٥ للشيخ/ سيدى إبراهيم أحمد المارغنى طبعة المطبعة التونسية بسوق البلاط بتونس سنة ١٣٥٤ هـ ١٩٣٥ م. وانظر: الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١/ ١٢٠ - ١٢٣ طبعة الحلبى، وانظر: الوافى فى شرح الشاطبية فى القراءات السبع للشيخ عبد الفتاح القاضى ص ١٣٩ - ١٦٠ طبعة مكتبة السوادى للتوزيع الثالثة ١٤١١ هـ- ١٩٩٠ م.
 
١ ‏/ ٤١٤
 
المقطوع والموصول
المقطوع هو: كل كلمة مفصولة عن غيرها رسما نحو: «أن لن»، و«حيث ما». والموصول هو: كل كلمة متصلة بغيرها رسما مفصولة عنها لغة نحو «ويكأن» أو غير مفصولة نحو «إلياس».
أهمية هذا الموضوع: هو احترام واتباع الرسم العثمانى وعدم مخالفته.
فائدته: لا بدّ للقارئ من معرفته ليقف على المقطوع فى محل قطعه عند الضرورة أو عند اختباره، وعلى الموصول عند انقضائه.
وإليك بيان ما ورد فى هذا الموضوع تفصيلا:
أولا: «أن» و«لا» تقطع «أن» المفتوحة الهمزة الساكنة النون عن «لا» النافية فى عشرة مواضع وهى الآيات ١٠٥، ١٦٩ من سورة الأعراف، ١١٨ من سورة التوبة، ١٤، ٢٦ من سورة هود، ٢٦ من سورة الحج، ٦٠ من سورة القلم. ووقع الخلاف فى موضع واحد وهو بالآية ٨٧ من سورة الأنبياء، وما عدا ذلك فهو موصول نحو قوله: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (سورة النجم آية ٣٨) وقوله تعالى: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (سورة النمل آية ٣١).
تنبيه: «إن» مكسورة الهمزة ساكنة النون مع «لا» النافية موصولة اتفاقا نحو إِلَّا تَنْفِرُوا وإِلَّا تَنْصُرُوهُ.
ثانيا: «إن» و«ما» تقطع «إن» مكسورة الهمزة ساكنة النون عن «ما» فى موضع واحد فقط. وهو قوله تعالى: وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ (سورة الرعد آية ٤٠)، وما عدا ذلك فموصول سواء أكانت الهمزة مكسورة نحو قوله تعالى: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ (سورة يونس آية ٤٦)، وقوله:
وَإِمَّا تَخافَنَّ (سورة الأنفال آية ٥٨). فإن كانت «أن» مفتوحة الهمزة فهى موصولة كذلك نحو قوله تعالى: أَمَّا اشْتَمَلَتْ (سورة الأنعام آية ١٤٣).
ثالثا: «عن» و«ما» تقطع «عن» عن «ما» فى موضع واحد وهو قوله تعالى: عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ (سورة الأعراف آية ١٦٦)، وما عداه فموصول.
 
١ ‏/ ٤١٥
 
رابعا: «من» و«ما» تقطع «من» مكسورة الميم عن «ما» فى موضعين هما: قوله تعالى:
هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (سورة الروم آية ٢٨) وقوله تعالى: فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (سورة النساء آية ٢٥)، وأما قوله:
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ (سورة المنافقون آية ١٠) ففيه خلاف. والعمل على القطع، وما عدا ذلك فموصول.
خامسا: «أم» و«من» تقطع «أم» مفتوحة الهمزة ساكنة الميم عن «من» مفتوحة الميم فى أربعة مواضع هى: قوله تعالى: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (سورة النساء آية ١٠٩) وقوله تعالى: أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (سورة الصافات آية ١١) وقوله تعالى: أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيامَةِ (سورة فصلت آية ٤٠) وما عدا ذلك فموصول نحو قوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ (سورة النمل آية ٦٢).
سادسا: «أن» و«لم» تقطع «أن» مفتوحة الهمزة ساكنة النون مع «لم» فى موضعين هما: قوله تعالى: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ (سورة الأنعام آية ١٣١)، وقوله تعالى: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (سورة البلد آية ٧)، وما عدا ذلك النون فموصول. وأما «إن» مكسورة الهمزة ساكنة فموصولة ب «لم» فى موضع واحد وهو قوله تعالى: فإن لّم يستجيبوا لكم (سورة هود آية ١٤).
سابعا: «إنّ» و«ما» تقطع «إنّ» مكسورة الهمزة مشددة النون عن «ما» فى موضع واحد وهو قوله تعالى: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ (سورة الأنعام آية ١٣٤) وما عدا هذا الموضع فموصول كما فى قوله تعالى: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ (سورة طه آية ٦٩).
ثامنا: «أنّ» و«ما» تقطع «أن» مفتوحة الهمزة مشددة النون عن «ما» فى موضعين فقط هما: قوله تعالى: وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ (سورة الحج آية ٦٢)، وقوله تعالى: وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ (سورة لقمان آية ٣٠) وما عدا ذلك فموصول، ووقع الخلاف فى موضع واحد بين القطع والوصل والعمل على الوصل، وهو قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (سورة الأنفال آية ٤١).
تاسعا: «حيث» و«ما» تقطع «حيث» عن «ما» فى موضعين هما: قوله تعالى: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (سورة البقرة آية ١٤٤، ١٥٠).
عاشرا: «كل» و«ما» تقطع «كل» عن «ما»
 
١ ‏/ ٤١٦
 
فى موضع واحد فقط وهو قوله تعالى:
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ (سورة إبراهيم آية ٣٤)، وما عدا هذا الموضع فموصول، وإن كان فى بعض المواضع قد وقع فيها خلاف ولكن العمل فيها على الوصل، كقوله
تعالى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ (سورة الملك آية ٨).
حادى عشر: «بئس» و«ما» تقطع «بئس» عن «ما» فى جميع المواضع التى وقعت فيها فى القرآن الكريم ما عدا موضعين فبالوصل وهما قوله تعالى: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ (سورة البقرة آية ٩٠) وقوله تعالى:
بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي (سورة الأعراف آية ١٥٠)، وموضع وقع فيه الخلاف بين الوصل والقطع إلا أن العمل فيه على الوصل، وهو قوله تعالى: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ (سورة البقرة آية ٩٣).
ثانى عشر: «فى» و«ما» تقطع «فى» عن «ما» فى موضع واحد فقط وهو قوله تعالى:
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (سورة الشعراء آية ١٤٦) ووقع الخلاف فى عشرة مواضع والعمل فيها على القطع وهى الآيات:
٢٤٠ من سورة البقرة، ٤٨ من سورة المائدة، ١٤٥، ١٦٥ من سورة الأنعام، ١٠٢ من سورة الأنبياء، ١٤ من سورة النور، ٢٨ من سورة الروم، ٣، ٤٦ من سورة الزمر، ٦١ من سورة الواقعة، وما عدا ذلك فموصول باتفاق كما فى قوله تعالى: فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ (سورة البقرة آية ٢٣٤).
ثالث عشر: «أين» و«ما» تقطع «أين» عن «ما» فى جميع المواضع التى وقعت فى القرآن الكريم كما فى قوله تعالى: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا (سورة البقرة آية ١٤٨) ما عدا موضعين فبالوصل هما قوله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (سورة البقرة آية ١١٥) وقوله تعالى: أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ (سورة النحل آية ٧٦)، ووقع الخلاف فى ثلاثة مواضع والعمل فيها على القطع وهى الآية ٧٨ من سورة النساء، والآية ٩٢ من سورة الشعراء، والآية ٦١ من سورة الأحزاب.
رابع عشر: «كى» و«لا» تقطع «كى» عن «لا» فى جميع المواضع التى جاءت فى القرآن الكريم كما فى قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً (سورة الحشر آية ٧) ما عدا أربعة مواضع فجاءت بالوصل وهى الآية ١٥٣ من سورة آل عمران، والآية ٥ من سورة الحج، والآية ٥٠ من سورة الأحزاب، والآية ٢٣ من سورة الحديد.
خامس عشر: «عن» و«من» تقطع «عن»
 
١ ‏/ ٤١٧
 
عن «من» مفتوحة الميم فى موضعين فقط هما قوله تعالى: وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ (سورة النور آية ٤٣)، وقوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا (سورة النجم آية ٢٩).
سادس عشر: «يوم» و«هم» تقطع «يوم» عن «هم» فى موضعين فقط هما: قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ (سورة غافر آية ١٦)، وقوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (سورة الذاريات آية ١٣)، وما عدا ذلك الموضعين فموصول، كقوله تعالى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (سورة الذاريات آية ٦٠).
سابع عشر: تقطع لام الجر عن مجرورها فى أربعة مواضع هى الآية ٤٩ من سورة الكهف، والآية ٧ من سورة الفرقان، والآية ٧٨ من سورة النساء، والآية ٣٦ من سورة المعارج، وما عدا ذلك فموصول، نحو قوله تعالى:
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (سورة الليل آية ١٩).
ثامن عشر: «لات» و«حين» تقطع «لات» عن «حين» فى موضع واحد فى القرآن وهو قوله تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (سورة ص آية ٣)، كما يضاف إلى المقطوع أيضا «إل» من قوله تعالى: سلام على إل ياسين (سورة الصافات آية ١٣٠) ويصح الوقوف على «إل» للتعليم أو الاضطرار، والأوجب فى جميع المواضع المقطوعة عند ما يقف عليها القارئ اضطراريا أو نحوه أن يعود ويصل الكلمة بما بعدها، ولا يجوز البدء بما بعدها.
وهذه خلاصة ما جاء فى القرآن الكريم من الكلمات التى رسمت فى المصاحف العثمانية مقطوعة ليقف القارئ عليها عند الضرورة وما عداها فموصول (١).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(١) انظر: نهاية القول المفيد فى علم التجويد ص ١٩١ وما بعدها طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر- للشيخ/ محمد مكى نصر/ سنة ١٣٤٩ هـ، هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٤١٧ وما بعدها طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية بشبرا مصر- للشيخ/ عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى. والبرهان فى تجويد القرآن ص ٤٢ وما بعدها للشيخ/ محمد الصادق قمحاوى طبعة محمد على صبيح ١٩٧٨ م. والقول السديد فى فن التجويد ص ١٣٧ وما بعدها- طبعة مطبعة الحسين الإسلامية- الأولى سنة ١٤١١ هـ ١٩٩٠ م.
 
١ ‏/ ٤١٨
 
همزتا الوصل والقطع
 
أولا: همزة الوصل:
لما كان من المقرر أنه لا يبدأ بساكن ولا يوقف على متحرك، فالحركة لا بدّ منها فى الابتداء، ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، ولا يتأتى ذلك إلا بهمزة الوصل عند النطق بالساكن.
تعريف همزة الوصل: هى الهمزة الزائدة فى أول الكلمة الثابتة فى الابتداء الساقطة فى الدرج- أى فى الوصل- وسميت بهمزة الوصل لأنها يتوصل بها إلى النطق بالساكن كما مر. وتكون فى الأسماء والأفعال والحروف، فإن كانت فى اسم فإما أن يكون معرفا بأل نحو الْحَمْدُ لِلَّهِ فتفتح الهمزة.
وإما منكرا، وذلك فى سبعة ألفاظ وقعت فى القرآن الكريم وهى: ابن، ابنت، امرئ، امرأت، اثنين، اثنتين، اسم.
وإذا وقعت همزة الوصل فى فعل فلا تكون إلا فى الماضى والأمر، فإذا وقعت همزة الوصل فى فعل الأمر فينظر إلى ثالثه، فإن كان مكسورا أو مفتوحا فيبدأ فيه بكسر الهمزة نحو «اذهب» و«اضرب» و«ارجع»، وإن كان ثالثه مضموما ضما لازما فيبدأ فيه بضم الهمزة نحو «اتل» و«انظر»، وأما إذا كان ثالثه مضموما ضما عارضا فيبدأ فيه بالكسر نظرا لأصله نحو: «امشوا، اقضوا» لأن أصله امشيوا واقضيوا.
وأما وجودها فى الماضى فلا يكون إلا فى الخماسى والسداسى وأمرهما ومصدرهما نحو: «انطلق، انطلق، انطلاق»، و«استخرج، استخرج، استخراج» وأمر الثلاثى، ويبدأ فى ذلك كله بكسر الهمزة.
ولا تكون همزة الوصل فى حرف إلا فى «ايم الله» للقسم على القول بحرفيتها، وفى «أل» للتعريف، وتكون مفتوحة وتحذف همزة الاستفهام نحو (استغفرت لهم) و(قل أتخذتم)، فإن وقعت بين همزة الاستفهام ولام التعريف فلا تحذف حتى لا يلتبس الاستفهام بالخبر، بل تبدل ألفا وتمد طويلا لالتقاء الساكنين، أو تسهل بين الهمزة والألف، والإبدال أقوى، وذلك فى ست كلمات فى القرآن باتفاق وهى: (ءآلذكرين) فى موضعى
 
١ ‏/ ٤١٩
 
(سورة الأنعام آية ١٤٣، ١٤٤، و(ءآلان) فى موضعى يونس آية ٥١، ٩١ (ءآلله أذن لكم) و(ء آلله خير) (آية ٥٩ من سورة النمل)، وكلمة عند أبى عمرو وأبى جعفر وهى: (السحر) فى (سورة يونس آية ٨١)، ويبدأ باللام أو بهمزة الوصل فى قوله تعالى: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ «آية ١١ سورة الحجرات».
ثانيا: همزة القطع: هى التى تثبت فى حالتى الوصل والبدء، وسميت بذلك لثبوتها فى الوصل فينقطع بالتلفظ بها الحرف الذى قبلها عن الحرف الذى بعدها بخلاف همزة الوصل فإنها تثبت فى البدء وتسقط فى الدرج كما سبق، ومن ثم يتضح الفرق بين الهمزتين.
وتوجد همزة القطع فى ماضى ومصدر الثلاثى، وماضى وأمر ومصدر الرباعى. وتكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة كما يلى:
أولا: همزة القطع المفتوحة توجد فى خمسة مواضع هى:
١ - الفعل الماضى الثلاثى المبنى للمعلوم نحو: «أذن»، «أمر».
٢ - الفعل الماضى الرباعى المبنى للمعلوم نحو: «ألهاكم».
٣ - الفعل المضارع نحو: «أعمل» و«أسمع».
٤ - فعل الأمر من الرباعى نحو: «أكرم» و«أصلح».
٥ - مصدر الفعل الماضى الثلاثى، وقد تكون همزة القطع فيه مفتوحة نحو: «أمر»، «أكلا». وقد تكون مكسورة الهمزة نحو «إذن»، «إفك».
ثانيا: همزة القطع المكسورة، وتوجد فى موضعين هما:
١ - مصدر الفعل الماضى الرباعى نحو:
«إطعام» و«إخراج».
٢ - مصدر الفعل الماضى الثلاثى فيما صح فيه الكسر نحو «إذن» و«إفك».
ثالثا: همزة القطع المضمومة، وتوجد فى أربعة مواضع هى:
١ - الفعل المضارع من الثلاثى المزيد نحو:
(أحيى وأميت).
٢ - الفعل المضارع من الثلاثى المضعف نحو «أبرئ».
٣ - الفعل الماضى الثلاثى المبنى للمجهول نحو «أمر» و«أذن».
 
١ ‏/ ٤٢٠
 
٤ - الفعل الرباعى المبنى للمجهول نحو «أوتى» و«أخرج».
أما فى الحروف فهى فيها همزة قطع من غير شرط نحو «إنّ» و«كأنّ» المشددتين والمخففتين أيضا.
ثالثا: همزة الاستفهام: هى إحدى همزات القطع المفتوحة أبدأ وهى ثابتة فى الوصل والابتداء، ولها مع همزة الوصل حالتان عند اجتماعهما، الحالة الأولى: حذف همزة الوصل وبقاء همزة الاستفهام مفتوحة، وذلك إذا كانت همزة الوصل فى فعل وكانت مكسورة فى الابتداء لو تجردت عنها همزة الاستفهام وابتدئ بها. والوارد من ذلك فى القرآن الكريم سبعة مواضع منها خمسة متفق عليها بين القراء العشرة، والموضعان الآخران مختلف فيهما.
أما الخمسة المتفق عليها هى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا (سورة البقرة آية ٨٠)، وقوله تعالى: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا (سورة مريم آية ٧٨)، وقوله تعالى: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (سورة سبأ آية ٨)، وقوله تعالى:
أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ (سورة المنافقون آية ٦).
وأما الموضعان المختلف فيهما فهما: قوله تعالى: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (سورة الصافات آية ١٥٣)، وقوله تعالى:
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا (سورة ص آية ٦٣).
فقد قرأ بعض القراء بوصل الهمزة فيهما على الإخبار، ويبتدئ بكسر الهمزة على القاعدة السابقة، وبعضهم بقطع الهمزة فيهما مفتوحة على الاستفهام.
ووجه حذف همزة الوصل فى هذه الأفعال أن الأصل فيها «أاتخذتم. أافترى.
أأ استكبرت. أاستغفرت. أأتخذناهم.
أاصطفى» بهمزتين. أولاهما: همزة الاستفهام ولا تكون إلا مفتوحة كما مرّ. وثانيهما: همزة الوصل وهى مكسورة لوجودها فى الماضى السداسى فى «استكبرت، واستغفرت»، وفى الماضى الخماسى فى الباقى. فحذفت همزة الوصل فى جميعها استغناء عنها بهمزة الاستفهام ولا يترتب على حذفها التباس الاستفهام بالخبر، لأن همزة الاستفهام إحدى همزات القطع المفتوحة أبدا، وهى ثابتة فى الوصل والابتداء- كما مر- بخلاف همزة
 
١ ‏/ ٤٢١
 
الوصل فإنها ثابتة فى الابتداء ساقطة فى الوصل.
وأما حالة بقاء همزة الاستفهام مفتوحة مع همزة الوصل فى كلمة واحدة، فالشرط أن تكون همزة الوصل مفتوحة فى البدء وواقعة فى اسم محلى بأل وحينئذ لا يجوز حذفها بالإجماع لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر فيتغير المعنى تبعا لذلك، والجائز فيها حينئذ وجهان:
الأول: إبدالها ألفا مع المدّ الطويل لملاقاتها بالساكن الأصلى.
الثانى: تسهيلها بين بين أى بين الهمزة والألف مع القصر والمراد به هنا عدم المدّ مطلقا. والوجهان صحيحان مقروء بهما لكل القراء، ووجه الإبدال هو المقدم فى الأداء، والوارد من ذلك فى القرآن ستة مواضع باتفاق القراء العشرة، وموضع مختلف فيه بينهم. وقد سبق بيان ذلك عند الكلام على همزة القطع فارجع إليه.
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
 
١ ‏/ ٤٢٢
 
تلاوة القرآن الكريم
 
أولا: أدب التلاوة:
لما كان قارئ القرآن فى حضرة ربه مناجيا له كان لزاما عليه أن يتأدب بآداب خاصة تليق بحضرة ربه ومناجاته، وقد حدد العلماء الأجلاء هذه الآداب وبيّنوها وسوف ألخص تلك الآداب فيما يلى (١):
١ - أن يكون القارئ على طهارة حسّية- أى من الحدث الأكبر والأصغر-، وذلك لأن قراءة القرآن الكريم أفضل أنواع الذكر خاصة وأنها مناجاة بين العبد وربه، فيستلزم لذلك طهارة الظاهر والباطن.
٢ - وأن يقرأ فى الأماكن الطاهرة والنظيفة التى تليق بعظمة ومقام القرآن الكريم، ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة فى المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة ومحصلا لفضيلة أخرى وهى الاعتكاف. وأن يكون أثناء القراءة مستقبلا للقبلة، لأن قراءة القرآن عبادة، واستقبال القبلة من أسباب القبول وأدعى له.
٣ - أن يستعمل السواك ويتخلل فيطيب فاهه ويطهره، لأنه الطريق الذى يخرج منه القرآن الكريم، ولقول الرسول ﷺ: «إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك» (٢)، وقال يزيد بن أبى مالك: «إن أفواهكم طرق من طرق القرآن فطهروها ونظفوها ما استطعتم».
٤ - أن يخلص فى قراءته ويريد بها وجه الله تعالى دون شىء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة أو مدح أو رئاسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه ونحو ذلك.
٥ - أن يستحضر فى ذهنه أنه يناجى ربه ويقرأ كتابه، فيتلوه على حالة من يرى الله تعالى فإن لم يكن يراه فإن الله ﷾ يراه.
٦ - أن يعظم القرآن ويوقره، فيتجنب الضحك، والحديث الأجنبى خلال القراءة إلا لحاجة، وألا يعبث باليد ونحوها، وألا ينظر إلى ما يلهى أو يبدد الذهن.
٧ - أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند ابتدائه للقراءة، وهذا ما عليه جمهور العلماء قديما وحديثا. وقيل: بعدها. وأوجبها
(١) انظر: هداية القارى إلى تجويد كلام البارى: ص ٤٩٧ - ٥١١ - طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية بشبرا مصر- الأولى سنة ١٤٠٢ هـ ١٩٨٢ م- للشيخ/ عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى.
(٢) الحديث: أخرجه ابن ماجة فى سننه فى كتاب الطهارة رقم ١٧، وذكر فى إتحاف السادة المتقين ٢/ ٣٤٠، وكنز العمال رقم ٢٧٥١، وحلية الأولياء ٤/ ٢٩٦ وجمع الجوامع برقم ٦٢٤٩ والدر المنثور فى التفسير بالمأثور ١/ ١١٣.
 
١ ‏/ ٤٢٣
 
قوم لظاهر الأمر فى الآية، وهى قوله تعالى:
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (سورة النحل آية ٩٨)، وصيغتها المختارة عند عامة الفقهاء وجميع القراء:
«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، وكان بعض السلف يزيدون «السميع العليم»، ولا خلاف بين أهل الأداء فى الجهر بها عند افتتاح القراءة، والإخفاء أولى إذا كان يقرأ وحده خاليا عن الناس أو فى الصلاة، ويكفيه تعوذ واحد ما لم يقطع قراءته بكلام أجنبى أو فصل طويل.
٨ - أن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير سورة «براءة»، لأن أكثر العلماء على أنها آية من أول كل سورة، فإذا أخل بها كان تاركا لبعض الختمة عند الأكثرين، أما فى الابتداء بما بعد أوائل السور ولو بكلمة فتجوز البسملة وعدمها لكل القراء تخييرا.
٩ - ويسن للقارئ أن يقرأ على تؤدة وبترتيل، لأن ذلك أدعى للتدبر وأقرب إلى التوقير والاحترام. ولقول الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (سورة المزمل آية ٤)، ولما رواه أبو داود وغيره عن أم سلمة- رضى الله تعالى عنها- «أنها نعتت قراءة النبى- ﷺ قراءة مفسّرة حرفا حرفا» (٣).
وفى صحيح البخارى عن أنس- رضى الله تعالى عنه- أنه سئل عن قراءة رسول الله ﷺ فقال: «كانت مدّا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد الله ويمدّ الرحمن ويمدّ الرحيم» (٤).
واتفق العلماء على كراهة الإفراط فى الإسراع بالقراءة، وقالوا: وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزءين فى قدر ذلك الزمان بلا ترتيل. وقالوا: واستحباب الترتيل للتدبر، لأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيرا فى القلب، ولهذا يستحب للأعجمى الذى لا يفهم معناه (٥).
١٠ - تدبر ما يتلى: ينبغى على المؤمن أن يقرأ القرآن بالتدبر والفهم، وأن يستعمل فيه ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به ويتفهمه لقول الله تعالى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (سورة ص آية ٢٩) وقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (سورة محمد ﷺ آية ٢٤).
والطريق إلى ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر فى معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهى، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل،
(٣) الحديث: رواه أبو داود فى كتاب الصلاة ٢/ ٧٤ رقم ١٤٦٦، والترمذى فى فضائل القرآن ٥/ ١٦٧ رقم ٢٩٢٣ وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن أبى مليكة عن يعلى بن مليكة عن أم سلمة، ورواه النسائى فى الافتتاح ٢/ ١٨١ رقم ١٠٢٢.
(٤) الحديث: رواه البخارى فى فضائل القرآن، باب مد القراءة انظر فتح البارى ٨/ ٧٠٩ رقم ٥٠٤٦.
(٥) الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١/ ١٤٠.
 
١ ‏/ ٤٢٤
 
أو عذاب أشفق وتعوذ، أو تنزيه نزه وعظم، أو دعاء تضرع وطلب.
فقد روى الإمام مسلم بسنده عن حذيفة- رضى الله تعالى عنه- قال: «صليت مع النبى ﷺ ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها، ثم النساء فقرأها، ثم آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوذ» (٦).
ومما يعين على التدبر أيضا تكرير الآية وترديدها، فقد روى النسائى وغيره عن أبى ذرّ- رضى الله تعالى عنه- قال: قام النبى ﷺ بآية يرددها حتى أصبح. والآية: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ (٧).
وعن تميم الدارى- رضى الله تعالى عنه- أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (٨) (سورة الجاثية آى ٢١) وردد ابن مسعود- رضى الله تعالى عنه: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (سورة طه آية ١١٤) وردد سعيد بن جبير قوله تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ (سورة البقرة آية ٢٨١) إلى غير ذلك من الأقوال فى هذا الصدد.
قال الإمام النووى: «والأحاديث فيه- أى فى التدبر والخشوع عند التلاوة- كثيرة، وأقاويل السلف فيه مشهورة. وقد بات جماعات من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح. وقد صعق جماعات من السلف عند القراءة، ومات جماعات منهم حال القراءة (٩).
١١ - تحسين الصوت بالتلاوة: أجمع العلماء من السلف والخلف من الصحابة والتابعين- رضى الله تعالى عنهم- ومن بعدهم من علماء الأمصار وأئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بتلاوة القرآن وتزيينها، لأن ذلك يؤدى إلى التأثير على النفوس، ولقول الرسول ﷺ:
«زينوا القرآن بأصواتكم» (١٠)، وفى لفظ عند الدارمى: «حسنوا القرآن بأصواتكم» (١١)، ولما رواه أبو هريرة ﵁ عن النبى ﷺ قال: «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت أن يتغنّى بالقرآن» (١٢).
قال ابن كثير: ومعناه أن الله تعالى ما استمع لشىء كاستماعه لقراءة نبى يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع فى قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية وذلك هو الغاية فى ذلك، وهو ﷾ يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة- رضى الله عنها-: سبحان الذى وسع سمعه الأصوات.
(٦) الحديث: أخرجه مسلم فى صحيحه فى صلاة المسافرين ١/ ٥٣٦، ٥٣٧ رقم ٧٧٢، وأبو داود. فى الصلاة ١/ ٥٤٣، والترمذى فى الصلاة ٢/ ٤٨ رقم ٢٦٢.
(٧) الحديث: رواه النسائى ٢/ ١٧٧، وابن ماجة رقم ١٣٥٠ وأحمد فى المسند ٥/ ١٥٦، ١٧٠.
(٨) الأثر: رواه ابن أبى شيبة ٢/ ٣٦٢ بإسناد صحيح.
(٩) انظر: التبيان فى آداب حملة القرآن ص ٦٠ - ٦٢.
(١٠) حديث صحيح أخرجه أبو داود فى سننه ٢/ ١٥٥ رقم ١٤٦٨، والنسائى ٢/ ١٧٩، وابن ماجة ١/ ٤٢٦ رقم ١٣٤٢.
(١١) ذكره السيوطى فى الإتقان ١/ ١٤١.
(١٢) رواه البخارى فى فضائل القرآن، باب من لم يتغن بالقرآن، انظر فتح البارى لابن حجر ٨/ ٦٨٦ رقم ٥٠٢٤.
 
١ ‏/ ٤٢٥
 
ولكن استماعه عباده المؤمنين أعظم كما قال تعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ (سورة يونس آية ٦١)، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم (١٣).
هذا: وقد ضرب لنا رسول الله ﷺ المثل الأعلى بنفسه فى تحسين الصوت بالتلاوة، فعن البراء بن عازب ﵁ قال: «سمعت النبى ﷺ يقرأ فى العشاء: والتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه» (١٤).
وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقرأ فى المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه، وفى بعض الروايات: فلما سمعته قرأ: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (٣٥) أم خلقوا السماوات والأرض بل لّا يوقنون (٣٦) أم عندهم خزائن ربّك أم هم المسيطرون (سورة الطور الآيات ٣٥ - ٣٧)، «كاد قلبى أن يطير» (١٥).
ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع من القلب، وهذا ما أشار إليه الرسول ﷺ فيما رواه جابر بن عبد الله ﵁ قال:
قال رسول الله ﷺ: «إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذى إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله» (١٦).
١٢ - التغنى بالقرآن: ومن أجل تحسين التلاوة وتزيينها أمر النبى ﷺ بالتغنى بالقرآن، فعن أبى هريرة ﵁ عن النبى ﷺ قال: «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى يتغنى بالقرآن» (١٧).
قال سفيان بن عيينة تفسيره: يستغنى به.
ولكن الإمام الشافعى رحمه الله تعالى ردّ هذا القول وقال: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى، إنما هو يتحزن ويترنم به.
ويؤيد هذا ما جاء فى الرواية الأخرى: «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» (١٨)، قال الطبرى- رحمه الله تعالى: لو كان معناه الاستغناء
لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى.
ومما يؤكد هذا المعنى أيضا ما أخرجه البخارى وغيره عن أبى هريرة ﵁ عن النبى ﷺ قال: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» (١٩)، والمراد بالتغنى بالقرآن تحسين الصوت وتطريبه وتحزينه والتخشع به لما جاء عن أبى موسى ﵁ قال: قال لى رسول الله ﷺ ذات يوم: «لو رأيتنى وأنا استمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» قلت:
أما والله لو علمت أنك تسمع قراءتى لحبرتها لك تحبيرا» (٢٠).
قال الحافظ ابن كثير بعد أن ذكر هذه
(١٣) فضائل القرآن لابن كثير ص ٣٣ طبعة الحلبى.
(١٤) الحديث: رواه البخارى ومسلم. وقال النووى متفق عليه. رياض الصالحين ص ٢٨٣ طبعة دار التراث العربى الأولى ١٤٠٢ هـ ١٩٨٢ م.
(١٥) الحديث: أخرجه مالك فى الموطأ ١/ ٧٨ باب القراءة فى المغرب والعشاء، والبخارى فى تفسير سورة الطور فتح البارى ٨/ ٦٠٣ رقم ٤٨٥٤، ومسلم فى كتاب الصلاة، باب القراءة فى الصبح ١٢/ ٤١ رقم ١٧٤.
(١٦) الحديث: رواه ابن ماجة فى سننه، كتاب إمامة الصلاة ١/ ٤٢٥ رقم ١٣٣٩، وذكره الألباني فى السلسلة الصحيحة ٤/ ١١٢ برقم ١٥٨٣ بلفظ فيه اختلاف يسير.
(١٧) صحيح البخارى ٦/ ١٠٧، وصحيح مسلم ١/ ٥٤٥.
(١٨) الحديث: ٨/ ٢١٤ وصحيح مسلم ١/ ٥٤٥ رقم ٧٩٢ وأبو داود ٢/ ٧٦ رقم ١٤٧٣ وأحمد فى المسند ٢/ ٢٧١.
(١٩) الحديث: رواه البخارى فى كتاب التوحيد انظر فتح البارى ١٣/ ٥١٠ رقم ٧٥٢٧، وأحمد فى المسند ١/ ١٧٢، ١٧٥.
(٢٠) الحديث: رواه البخارى فى فضائل القرآن ٨/ ٧١٠ رقم ٥٠٤٨ والترمذى فى المناقب ٥/ ٦٥٠ رقم ٣٨٥٥.
 
١ ‏/ ٤٢٦
 
الأحاديث وغيرها: والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقى، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك فى أدائه هذا المذهب.
وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك كما قال الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام- ﵀ حدثنا نعيم بن حماد عن بقية بن الوليد عن حصين بن مالك الفزارى قال:
سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله ﷺ: «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجىء قوم من بعدى يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» (٢١).
وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التى يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة- رحمهم الله تعالى- على النهى عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذى يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه- والله أعلم.
١٣ - التحزين بالقرآن: ويستحب للقارئ البكاء عند قراءة القرآن، والتباكى لمن لا يقدر على البكاء، والحزن والخشوع، لقول الله تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (سورة الإسراء آية ١٠٩) وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (سورة الأنفال آية ٢)، ولقول الرسول ﷺ: «اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» (٢٢).
وروى أبو داود بسنده عن عبد الله بن الشّخّير عن أبيه قال: رأيت رسول الله ﷺ يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء» (٢٣) وفى الشّعب للبيهقى عن سعد بن مالك مرفوعا: «إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» (٢٤).
وفى مسند أبى يعلى حديث: «اقرءوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن»، وعند الطبرانى «أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن» (٢٥).
قال أبو حامد الغزالى- رحمه الله تعالى- البكاء مستحب مع القراءة وعندها. قال:
(٢١) الحديث: رواه ابن كثير فى فضائل القرآن ص ٣٦ وهو غير صحيح حيث فى سنده بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع رواه معنعنا عن حصين بن مالك قال عنه النسائى: فى التهذيب ١/ ٤٧٥: إذا قال حدثت وأخبرنا فهو ثقة وإذا قال عن فلان فلا يؤخذ عنه لأنه لا يدرى عمن أخذه. وفيه أبو محمد شيخ مجهول وقد ذكر الحديث الهيثمى فى مجمع الزوائد ٧/ ١٦٩ ونسبه للطبرانى فى الأوسط وقال: فيه راو لم يسم وفيه بقية أيضا. وقال المناوى: قال ابن الجوزى: حديث لا يصح، وأبو محمد مجهول وبقية يروى عن الضعفاء ويدلسهم وقال الذهبى فى «ميزانه» تفرد عن أبى حصين بقية وليس بمعتمد والخبر منكر.
(٢٢) أخرجه ابن ماجة فى الإقامة باب ١٧٦، والزهد ١٩.
(٢٣) الحديث: رواه أبو داود فى كتاب الصلاة، باب البكاء فى الصلاة برقم ٩٠٤، والنسائى فى كتاب السهو، باب البكاء فى الصلاة برقم ١٢١٤، والإمام أحمد فى المسند ٤/ ٣٥، ٣٦.
(٢٤) الحديث: ذكره السيوطى فى الإتقان ١/ ١٤١، وابن كثير فى فضائل القرآن عن أبى داود ص ٣٥.
(٢٥) الحديث: ذكره السيوطى فى الإتقان ١/ ١٤١.
 
١ ‏/ ٤٢٧
 
وطرقه فى تحصيله أن يحضر فى قلبه الحزن، بأن يتأمل ما فيه من التهديد، والوعيد الشديد، والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره فى ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب (٢٦).
١٤ - حق التلاوة: ينبغى لقارئ القرآن أن يتلو القرآن الكريم حق تلاوته، ويتبع ما جاء فيه من أحكام وآداب حق اتباعه، لقول الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (سورة البقرة آية ١٢١).
وروى ابن أبى حاتم بسنده عن عمر بن الخطاب ﵁ فى معنى قوله تعالى: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ قال: إذا مرّ بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرّ بذكر النار تعوّذ بالله من النار». وعن ابن مسعود ﵁ قال: «والذى نفسى بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله» (٢٧).
وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- فى معنى هذه الآية قال: «يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه» وقال أيضا: يتبعونه حق اتباعه.
وقال الحسن البصرى: «يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه» (٢٨).
وقال الإمام الغزالى: «تلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان: تصحيح الحروف، وحظ العقل: تفسير المعانى، وحظ القلب: الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار، فاللسان يرتل، والعقل ينزجر، والقلب يتعظ» (٢٩).
١٥ - هيئة قارئ القرآن: يستحب لقارئ القرآن فى غير الصلاة أن يستقبل القبلة. فقد جاء فى الحديث: «خير المجالس ما استقبل به القبلة» (٣٠)، ويجلس متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه، ويكون جلوسه وحده فى تحسين أدبه وخضوعه، كجلوسه بين يدى معلمه، فهذا هو الأكمل.
ولو قرأ قائما أو مضطجعا، أو فى فراشه أو غير ذلك من الأحوال جاز، وله أجر، ولكن دون الأول. قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِمْ (سورة آل عمران آية: ١٩٠، ١٩١).
(٢٦) التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص ٦٣.
(٢٧) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٢٣٥.
(٢٨) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٢٣٦.
(٢٩) نهاية القول المفيد فى علم التجويد ص ٢٣٦ للشيخ/ محمد مكى نصر. طبعة الحلبى.
(٣٠) الحديث: رواه الطبرانى فى الأوسط ٣/ ١٨٢، ١٨٣ رقم ٢٣٧٥ من حديث أبى هريرة بإسناد حسن.
 
١ ‏/ ٤٢٨
 
وثبت فى الصحيح عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: «كان رسول الله ﷺ يتكئ فى حجرى وأنا حائض، فيقرأ القرآن» (٣١)، وعن أبى موسى الأشعرى
﵁ قال: «إنى أقرأ القرآن فى صلاتى، وأقرأ على فراشى» (٣٢)، وعن عائشة- رضى الله عنها- قالت: «إنى لأقرأ حزبى وأنا مضطجعة على السرير» (٣٣).
وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال:
«ينبغى لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يختالون».
وعن الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى- قال: «حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغى له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن» (٣٤).
١٦ - سجود التلاوة: يسن لقارئ القرآن إذا مرّ بآية فيها سجدة من سجدات القرآن أن يسجد، لما صح عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال: «يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر» (٣٥).
وثبت فى الصحيحين عن زيد بن ثابت ﵁ أنه قرأ على النبى ﷺ «والنجم» فلم يسجد (٣٦)، وثبت أيضا عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: «أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم، قال: فسجد رسول الله ﷺ وسجد من خلفه ...» (٣٧).
وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال:
«سجد النبى ﷺ بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس» (٣٨).
وأما عدد السجدات ومحلها: فالذى عليه جمهور العلماء أنها أربع عشرة سجدة: فى سورة الأعراف عند نهاية السورة الآية ٢٠٦، وفى سورة الرعد عند نهاية الآية ١٥، وفى سورة النحل عند نهاية الآية ٥٠، وفى سورة الإسراء عند نهاية الآية ١٠٩، وفى سورة مريم عند نهاية الآية ٥٨، وفى سورة الحج سجدتان عند نهاية الآية ١٨، وعند نهاية الآية ٧٧، وفى سورة الفرقان عند نهاية الآية ٦٠، وفى سورة النمل عند نهاية الآية ٢٦، وفى سورة «الم تنزيل السجدة» عند نهاية الآية ١٥، وفى سورة «حم السجدة» عند نهاية الآية ١٥، وفى سورة «حم السجدة» فصلت عند نهاية الآية ٣٨، وفى سورة النجم عند نهاية الآية ٦٢، وفى سورة «إذا السماء
(٣١) الحديث: أخرجه البخارى ١/ ٤٠١ رقم ٢٩٧، ومسلم فى صحيحه ١/ ٢٤٦ رقم ٣٠١، وأبو داود فى سننه رقم ٢٦٠ والنسائى ١/ ١٤٧، ١٩١، وابن ماجة برقم ٦٣٤، والإمام أحمد فى المسند ٦/ ٦٨، ٧٢، ١١٧، ١٣٥.
(٣٢) التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص ٥٩.
(٣٣) المصدر السابق.
(٣٤) انظر التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص ٤٤.
(٣٥) رواه البخارى فى كتاب السجود. انظر فتح البارى ٢/ ٥٥٧ رقم ١٠٧٧.
(٣٦) المصدر السابق حديث رقم ١٠٧٢، ورواه مسلم برقم ٥٧٧.
(٣٧) انظر فتح البارى لابن حجر تفسير سورة النجم ٨/ ٤٨٠ رقم ٤٨٦٣.
(٣٨) المصدر السابق رقم ٤٨٦٢.
 
١ ‏/ ٤٢٩
 
انشقت» عند نهاية الآية ٢١، وفى سورة «اقرأ باسم ربك» عند نهاية السورة الآية ١٩.
وأما سجدة سورة «ص» فمستحبة، وليست من عزائم السجود أى متأكداته، فقد ثبت فى صحيح البخارى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبى ﷺ سجد فيها» (٣٩).
ويشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة من الطهارة، وستر العورة، والتوجه إلى القبلة. وينبغى أن يقع السجود عقب آية السجدة التى قرأها أو سمعها، فإن أخر ولم يطل الفصل سجد، وإن طال فقد فات السجود، ولا يقضى على المذهب الصحيح المشهور كما لا يقضى صلاة الكسوف (٤٠).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(٣٩) الحديث: أخرجه البخارى برقم ١٠٧٩، ورقم ٣٤٢٢، وانظر أيضا فتح البارى كتاب التفسير، تفسير سورة ص حديث رقم ٤٨٠٦، ٤٨٠٧، وأبو داود تحت رقم ١٤٠٩، والترمذى برقم ٥٧٧.
(٤٠) انظر: التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص ٩٤ - ١٠٦.
 
١ ‏/ ٤٣٠
 
تنكيس القراءة
قال ابن منظور فى لسان العرب: النكس:
قلب الشيء على رأسه، وقراءة القرآن منكوسا أن يبدأ بالمعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة، أو من آخر السورة فيقرأها إلي أولها.
وهو خلاف الأصل- أى الذى عليه المصحف وجاءت به السنة- إذ الأصل أن يقرأ من الفاتحة مرتبا إلى آخر الناس (١).
والعلماء فى حكم قراءة القرآن منكوسا تبعا لمذاهبهم فى حكم ترتيب الآى والسور.
أما الآى: فقد أجمعوا على أن ترتيبها بتوقيف من النبى ﷺ عن الله ﷿، ولذا فقد اتفقوا على أن قراءة السورة من آخرها إلى أولها ممنوع، ولم يختلفوا فى حرمته، لأنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة الترتيب. وأيضا فإن السورة وحدة مستقلة، وتنكيسها إخلال بأجزاء وحدتها وتماسكها، ويترتب عليه إخلال بالمعنى «وكان جماعة يصنعون ذلك فى القصيدة من الشعر مبالغة فى حفظها وتذليلا للسان فى سردها، فمنع السلف ذلك فى القرآن، فهو حرام فيه» (٢).
أخرج الطبرانى بسند جيد عن ابن مسعود- ﵁ أنه سئل «أرأيت رجلا يقرأ القرآن منكوسا؟ فقال ذلك منكوس القلب. فأتى بمصحف قد زيّن وذهّب، فقال عبد الله: إن أحسن ما زيّن به المصحف تلاوته فى الحق» (٣).
وروى النسائى عن البراء- رضى الله تعالى عنه- قال: «كنا نصلى خلف النبى ﷺ فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات»، وعنده أيضا وعند ابن خزيمة نحوه من حديث أنس لكن قال: ب «سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» (٤).
وأما تنكيس السور: فقد جوزه قوم منهم الإمام الشافعى، وكرهه، قوم منهم الإمام أحمد وأبو حنيفة ومالك والحسن.
أما المجوزون فقد قالوا: إن تقديم سورة متأخرة على أخرى تسبقها فى القراءة داخل أو خارج الصلاة ليس بحرام، لأن كل سورة وحدة مستقلة وموضوعها مستقل، فلا يضر تقديمها على غيرها.
قال ابن بطال: لا نعلم أحدا قال بوجوب
(١) انظر: لسان العرب لابن منظور ص ٤٥٤١ طبعة دار المعارف، والقاموس المحيط للفيروزآبادى ٢/ ٢٥٦ طبعة دار المأمون الرابعة سنة ١٣٥٧ هـ ١٩٣٨ م.
(٢) راجع فتح البارى لابن حجر ٨/ ٦٥٦ طبعة. دار الريان للتراث- الأولى ١٤٠٧ هـ ١٩٨٧.
(٣) راجع الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١/ ١٤٤، وأخرجه الهيثمى فى مجمع الزوائد ٧/ ١٦٨ وقال: رجاله ثقات، وذكره النووى فى التبيان ص ٧١ وقال: إسناده صحيح.
(٤) انظر: السنن للنسائى، باب قراءة النهار ١/ ١٥٣.
 
١ ‏/ ٤٣٢
 
ترتيب السور فى القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها، بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة، والحج قبل الكهف مثلا، وأما ما جاء عن السلف من النهى عن قراءة القرآن منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها (٥).
وقال القاضى عياض: وترتيب السور ليس بواجب فى التلاوة ولا فى الصلاة ولا فى الدرس ولا فى التعليم. وأنه لم يكن من النبى ﷺ فى ذلك نص ولا حد تحرم مخالفته ... ثم قال: واستجاز النبى ﷺ والأمة بعده فى جميع الأعصار ترك ترتيب السور فى الصلاة والدرس والتلقين. ثم قال: إنه لا خلاف فى جواز قراءة المصلى سورة فى الركعة الثانية قبل التى قرأها فى الركعة الأولى، وإنما يكره ذلك فى ركعة، ولمن يتلو فى غير الصلاة. (٦)
وكلامه هذا فيه نظر، لأن الخلاف بين أهل العلم قائم، وإن كان يمكن تقريب وجهة نظرهم.
وقال النووى: ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلى الأولى، أو خالف الترتيب فقرأ سورة، ثم قرأ سورة قبلها جاز، فقد جاء بذلك آثار كثيرة. وقد قرأ ابن الخطاب ﵁ فى الركعة الأولى من الصبح بالكهف، وفى الثانية بيوسف (٧).
واستدل أصحاب هذا القول بما رواه البخارى بسنده عن يوسف ابن ماهك قال:
إنى عند عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها إذ جاءها عراقى فقال: يا أم المؤمنين أرينى مصحفك؟ قالت: ولم؟ قال: لعلى أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ...» الحديث (٨).
وبما أخرجه مسلم بسنده عن حذيفة قال:
«صليت مع النبى ﷺ ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت يصلى بها فى ركعة فمضى، فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوذ ...»
الحديث (٩). إلى غير ذلك من الأدلة.
أما الذين قالوا: إن ترتيب السور بتوقيف من الله تعالى، فقد قالوا: إن الأصل أن تكون القراءة على ترتيب المصحف، وقد فسر بعضهم قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (سورة المزمل آية ٤) بمعنى اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم ولا تأخير (١٠).
قال ابن حجر: وقد نقل البيهقى عن أحمد
(٥) انظر: فتح البارى لابن حجر ٨/ ٦٥٦، وتفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص ٥٣.
(٦) راجع شرح النووى على صحيح مسلم ٣/ ٢٠٢ طبعة دار الغد الأولى ١٤٠٩ هـ ١٩٨٨ م.
(٧) التبيان فى آداب حملة القرآن للنووى ص ٧٠.
(٨) الحديث: ذكره البخارى فى كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، انظر فتح البارى ٨/ ٦٥٥.
(٩) الحديث: ذكره مسلم فى كتاب الصلاة، باب استحباب تطويل القراءة فى صلاة الليل ٣/ ١٩٩ من شرح النووى، ورواه الترمذى فى الصلاة، باب ما جاء فى التسبيح فى الركوع والسجود ٢/ ٤٨، ٤٩.
(١٠) البرهان فى متشابه القرآن للكرمانى. انظر: ص ٢٣ من كتاب أسرار التكرار فى القرآن تحقيق/ عبد القادر أحمد عطا طبعة دار الاعتصام الثانية ١٣٩٦ هـ ١٩٧٦ م.
 
١ ‏/ ٤٣٣
 
والحنفية كراهية قراءة سورة قبل سورة تخالف ترتيب المصحف (١١).
وروى ابن أبى داود عن الحسن: أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه فى المصحف. وروى أيضا عن إبراهيم النخعى، والإمام مالك بن أنس أنهما كرها ذلك، وأن مالكا كان يعيبه، ويقول هذا عظيم (١٢).
وقد استدل هؤلاء العلماء وغيرهم على ما ذهبوا إليه بما رواه الإمام مسلم والترمذى وغيرهما عن النعمان بن بشير ﵁ «أن رسول الله ﷺ كان يقرأ فى العيدين ويوم الجمعة ب «سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» قال: وربما اجتمعا فى يوم واحد فقرأ بهما» (١٣).
وبما رواه مسلم وغيره عن أبى رافع قال:
استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى بنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بعد سورة الجمعة فى الركعة الأخيرة «إذا جاءك المنافقون» قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان على بن أبى طالب يقرأهما بالكوفة. فقال أبو هريرة: إنى سمعت رسول الله ﷺ يقرأ بهما يوم الجمعة (١٤).
وبالنظر فى أقوال الفريقين وأدلتهم نرى أن الجميع قد اتفقوا على أن تنكيس القرآن خلاف الأصل الذى عليه المصحف وجاءت به السنة، وأن قراءة السورة بعد السورة صواب عند الجميع، وإن عكس فقد جانب الصواب وخالف الأولى عند البعض، وارتكب المكروه عند البعض الآخر.
قال الإمام النووى: «قال بعض أصحابنا:
ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التى تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغى أن يحافظ عليها، إلا فيما ورد الشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ فى الأولى سورة «السجدة» وفى الثانية «هل أتى على الإنسان»، وصلاة العيد فى الأولى «ق» وفى الثانية «اقتربت الساعة»، وركعتى سنة الفجر فى الأولى «قل يا أيها الكافرون» وفى الثانية «قل هو الله أحد»، وركعات الوتر فى الأولى «سبح اسم ربك الأعلى» وفى الثانية «قل يا أيها الكافرون» وفى الثالثة «قل هو الله أحد والمعوذتين»، ولو خالف الموالاة فقرأ بسورة لا تلى الأولى، أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز، فقد جاء بذلك آثار كثيرة ... وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف (١٥).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١١) فتح البارى بشرح صحيح البخارى ٢/ ٢٩٩.
(١٢) التبيان فى آداب حملة القرآن ص ٧١.
(١٣) الحديث: أخرجه مسلم فى كتاب الجمعة، باب ما يقرأ فى صلاة الجمعة ٣/ ١٥، ١٦، والترمذى فى أبواب العيدين الحديث رقم ٥٣١ انظر تحفة الأحوذى ١/ ٣٩٣.
(١٤) الحديث: أخرجه مسلم فى كتاب الصلاة، باب ما يقرأ فى صلاة الجمعة ٣/ ٣٦٥ من شرح النووى.
(١٥) التبيان فى آداب حملة القرآن ص ٦٨ - ٧٠ طبعة مطابع الوفاء بالمنصورة الأولى ١٤١٦ هـ ١٩٩٥ م تحقيق/ أبى عبد الله أحمد بن إبراهيم أبى العينين.
 
١ ‏/ ٤٣٤
 
نسيان القرآن
ينبغى على المؤمن الحافظ للقرآن أن يتعاهده بالتلاوة والمراجعة حتى لا ينساه، لقول الرسول ﷺ: «إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت» (١) وقوله ﷺ:
«مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار كمثل رجل له إبل فإن عقلها حفظها وإن أطلق عقالها ذهبت فكذلك صاحب القرآن» (٢).
وجاء عن النبى ﷺ ذمّ ووعيد لمن يحفظ شيئا من القرآن ثم ينساه حيث قال: «بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل نسّى، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها» (٣) وعن أنس ابن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ:
«عرضت علىّ أجور أمتى حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علىّ ذنوب أمتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» (٤) قال ابن جريج: وحدثت عن سلمان الفارسى قال:
قال رسول الله ﷺ: «من أكبر الذنوب توافى به أمتى يوم القيامة سورة من كتاب الله كانت مع أحدهم ثم نسيها».
وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى فى قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ
بَصِيرًا (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى
(سورة طه الآيات ١٢٤ - ١٢٦).
قال ابن كثير: وهذا الذى قاله هذا وإن لم يكن هو المراد جميعه فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان، وعدم الاعتناء به فيه تهاون كبير، وتفريط شديد نعوذ بالله منه، ولهذا قال ﵇: «تعاهدوا القرآن»، وفى لفظ:
«استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم» والتفصى: التخلص.
وعن الضحاك بن مزاحم قال: «ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه لأن الله تعالى يقول: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (سورة الشورى آية ٣٠)، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب (٥). نسأل الله تعالى العفو والعافية منه اللهم آمين.
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
(١) الحديث: رواه البخارى فى فضائل القرآن رقم ٥٠٣١ باب استذكار القرآن وتعاهده، فتح البارى ٩/ ٦٩٧ ومسلم فى كتاب الصلاة، باب الأمر بتعاهد القرآن رقم ١٨٠٨، انظر شرح النووى ٣/ ٢٢٦.
(٢) ذكره ابن كثير فى فضائل القرآن ص ٤١ وهو من رواية الإمام أحمد، وقال: ذكره ابن الجوزى فى جامع المسانيد.
(٣) الحديث: رواه البخارى فى فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده رقم ٥٠٣٢ ومسلم فى كتاب الصلاة، باب الأمر بتعهد القرآن، رقم ١٨١٠ شرح صحيح مسلم للنووى ٣/ ٢٢٧.
(٤) الحديث: أخرجه الترمذى فى سننه وقال عنه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. راجع تحفة الأحوذى بشرح جامع الترمذى ٨/ ٨٧، أبواب فضائل القرآن، باب ١٩ حديث رقم ٣٠٨٣. طبعة دار الكتب العلمية.
(٥) فضائل القرآن لابن كثير ص ٤٣.
 
١ ‏/ ٤٣٦
 
ختم القرآن
المدة التى يستحب فيها ختم القرآن بينتها السنة المطهرة فيما رواه البخارى بسنده أن النبى ﷺ قال- فى حديث طويل- لعبد الله ابن عمرو- رضى الله عنهما: «.. وكيف تختم؟ قال: كل ليلة. فقال له: اقرأ القرآن فى كل شهر، قال: إنى أطيق أكثر من ذلك. فقال له: اقرأه فى كل سبع ليال مرة ..» وفى رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو قال: «قال لى رسول الله ﷺ: اقرأ القرآن فى شهر. قلت إنى أجد قوة، حتى قال: فاقرأه فى سبع ولا تزد على ذلك»، وفى رواية أخرى: «أن النبى ﷺ قال له: اقرأ القرآن فى شهر. قال إنى أطيق أكثر، فما زال حتى قال فى ثلاث» (١).
ومن خلال هذه الأحاديث يتبين لنا أن عبد الله ﵁ كان يقرأ القرآن فى ليلة واحدة، فقال له النبى ﷺ اقرأه فى شهر؛ لأن لا يلحقه ملل، ولتكون قراءته على تدبر وفهم، فرغب عبد الله أن يقرأ فى أقل من هذه المدة محتجا بقوته على ذلك فتدرج النبى ﷺ معه إلى أن وصل إلى سبع، ثم قال له: «ولا تزد على ذلك» لأنه رأى- والله تعالى أعلم- أن التدبر والأمن من الملل لا يكونان فى أقل من هذه المدة، فرغب عبد الله فى أن يقرأه فى أقل من ذلك، فما زال به حتى قال فى ثلاث كما جاء فى بعض الروايات.
لذلك نقول: إن المدة المعول عليها فى ختم القرآن هى استطاعة الشخص وعدم استطاعته، لأن النبى ﷺ قال لعبد الله اقرأه فى شهر، ثم أذن له أن يقرأه فى أقل من هذه المدة لاستطاعته، فلزم أن تكون الزيادة عليها مأذونا فيها عند الضعف وعند الشواغل الكثيرة التى تحول دون ختمه فى شهر، فقد أخرج ابن أبى داود عن مكحول قال: كان أقوياء أصحاب رسول الله ﷺ يقرءون القرآن فى سبع، وبعضهم فى شهر وبعضهم فى شهرين وبعضهم فى أكثر من ذلك. وقد روى عن أبى حنيفة- رحمه الله تعالى- أنه قال:
«من قرأ القرآن فى كل سنة مرتين، فقد أدى حقه لأن النبى ﷺ عرض القرآن على جبريل فى السنة التى قبض فيها مرتين». وكذلك من نقص عن الشهر لقوته على ذلك يستحب له أن لا ينقص عن سبع لقول النبى ﷺ لعبد الله: لا تزد على ذلك، فإن حكمة هذا النهى
(١) انظر: صحيح البخارى وشرحه فتح البارى كتاب فضائل القرآن، وكتاب الصيام، باب صيام وإفطار يوم ويوم.
 
١ ‏/ ٤٣٨
 
على ما يظهر هى أن ختم القرآن فى أقل من سبع مظنة الملل ونقصان التدبر، والأحكام تبنى على الكثير الغالب لا على القليل النادر، ولإلحاح عبد الله ورغبته فى الإكثار من القراءة واحتجاجه بقوته على ذلك أذن له فى أقل من سبع إلى ثلاث، إلا إن هذا الإذن المترتب على الإلحاح الشديد من عبد الله لا ينفى أن المأذون فيه خلاف الأولى بقرينة اختصاص هذا العدد بالنهى عن النقص عنه دون ما قبله من الأعداد. وهذا المعنى هو الذى فهمه جمهور العلماء واستقر عملهم عليه. وأما الذين يختمون القرآن فى أقل من ثلاث فعملهم مخالف لصريح السنة لما رواه أبو داود والترمذى وصححه من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: «لا يفقه من قرأ القرآن فى أقل من ثلاث» (٢) وأخرج ابن أبى داود وسعيد بن منصور عن ابن مسعود موقوفا قال: «لا تقرءوا القرآن فى أقل من ثلاث»، وأخرج أبو عبيد عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن فى أقل
من ثلاث» (٣).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(٢) الحديث: رواه أبو داود فى الصلاة ٢/ ١١٦ رقم ١٣٩٤ والترمذى ٥/ ١٨٢ رقم ٢٩٤٩ وقال حديث حسن صحيح.
(٣) راجع كتاب كيف تقرأ القرآن قراءة شرعية ص ٣٩ د. سيد مرسى نقلا عن الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى.
 
١ ‏/ ٤٣٩
 
الجرس القرآنى
إن طريقة النظم التى اتسقت بها ألفاظ القرآن، وتألفت لها حروف الألفاظ، إنما هى طريقة يتوخى بها إلى أنواع من المنطق وصفات من اللهجة لم تكن على هذا الوجه من كلام العرب، ولكنها ظهرت فيه أول شىء على لسان النبى ﷺ، فجعلت المسامع لا تنبو عن شىء من القرآن، ولا تلوى من دونه حجاب القلب، حتى لم يكن لمن يسمعه بدّ من الاسترسال إليه والتوفر على الإصغاء، لا يستمهلهم أمر من دونه وإن كان أمر العادة، ولا يستنسئه الشيطان وإن كانت طاعته عندهم عبادة، فإنه إنما يسمع ضربا خالصا من الموسيقى اللغوية فى انسجامه واطّراز نسقه واتزانه على أجزاء النّفس مقطعا مقطعا ونبرة نبرة كأنها توقعه توقيعا لا تتلوه تلاوة (١).
ويوضح هذا المعنى الدكتور محمد عبد الله دراز فيقول: دع القارئ المجود يقرأ القرآن يرتله حق ترتيله نازلا بنفسه على هوى القرآن، وليس نازلا بالقرآن على هوى نفسه، ثم انتبذ منه مكانا قصيا لا تسمع فيه جرس حروفه، ولكن تسمع حركاتها وسكناتها، ومداتها وغناتها، واتصالاتها، وسكتاتها، ثم ألق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية وقد جردت تجريدا، وأرسلت ساذجة فى الهواء فستجد نفسك منها بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده فى كلام آخر لو جرّد هذا التجريد، وجوّد هذا التجويد.
ستجد اتساقا وائتلافا يسترعى من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر، على أنه ليس بأنغام الموسيقى ولا بأوزان الشعر. وستجد شيئا آخر لا تجده فى الموسيقى ولا فى الشعر، ذلك أنك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هى تتحد الأوزان فيها بيتا بيتا، وشطرا شطرا، وتسمع القطعة من الموسيقى فإذا هى تتشابه أهواؤها، وتذهب مذهبا متقاربا، فلا يلبث سمعك أن يمجها، وطبعك أن يملها، إذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد. بينما أنت من القرآن أبدا فى لحن متنوع متجدد تنتقل فيه بين أسباب وأوتاد، وفواصل على أوضاع مختلفة يأخذ منها كل وتر من أوتار قلبك بنصيب سواء. فلا يعروك منه على كثرة ترداده ملالة ولا سأم. بل لا تفتأ تطلب منه المزيد.
(١) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص ١٨١ لمصطفى صادق الرافعى طبعة مكتبة الإيمان للنشر والتوزيع بالمنصورة- الأولى ١٤١٧ هـ ١٩٩٧ م.
 
١ ‏/ ٤٤٠
 
هذا الجمال التوقيعى فى لغة القرآن لا يخفى على أحد ممن يسمع القرآن، حتى الذين لا يعرفون لغة العرب. فكيف يخفى على العرب أنفسهم؟
ثم يقول- أيضا- فإذا ما اقتربت بأذنك قليلا قليلا، فطرقت سمعك جواهر حروفه خارجة من مخارجها الصحيحة. فاجأتك منه لذة أخرى فى نظم تلك الحروف ورصفها، وترتيب أوضاعها فيما بينها: هذا ينقر وذاك يصفر، وثالث يهمس، ورابع يجهر، وآخر ينزلق عليه النّفس، وآخر يحتبس عنده النفس، وهلمّ جرّا، فترى المجال اللغوى ماثلا أمامك فى مجموعة مختلفة مؤتلفة، لا كركرة ولا ثرثرة، ولا رخاوة ولا معاظلة، ولا تناكر ولا تنافر، وهكذا ترى كلاما ليس بالحضرى الفاتر، ولا بالبدوى الخشن، بل تراه وقد امتزجت فيه جزالة البادية وفخامتها، برقة الحاضرة وسلاستها، وقدر فيه الأمران تقديرا لا يبغى بعضهما على بعض. فإذا مزيج منهما كأنما هو عصارة اللغتين وسلاستهما، أو كأنما هو نقطة الاتصال بين القبائل عندها تلتقى أذواقهم، وعليها تأتلف قلوبهم (٢).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(٢) النبأ العظيم نظرات جديدة فى القرآن ص ١٠١ - ١٠٤ بتصرف طبعة دار المنار الرابعة ١٣٩٧ هـ ١٩٧٧ م.
 
١ ‏/ ٤٤١
 
الاستماع عند التلاوة
ومن إجلال القرآن وتعظيمه الاستماع له والإنصات عند تلاوته، لقول الله تعالى:
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (سورة الأعراف آية ٢٠٤)، والمعنى: وإذا قرئ القرآن الذى ذكرت خصائصه ومزاياه عليكم فاستمعوا له بتدبر وخشوع، واصغوا إليه أسماعكم وكل جوارحكم لتفهموا معانيه، وتفقهوا توجيهاته، وأنصتوا لقراءته حتى تنقضى تعظيما له، وإكبارا لشأنه، لكى تفوزوا برحمة الله ورضاه.
ولقد كان جماعة من السلف يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرءوا وهم يستمعون، وهذا متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين، وهو سنة ثابتة عن رسول الله ﷺ. فقد صح عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال لى رسول الله ﷺ: «اقرأ علىّ
القرآن». فقلت: يا رسول الله اقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: «إنى أحب أن أسمعه من غيرى». فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا (آية ٤١)، قال: «حسبك الآن» فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان (١).
وبعض العلماء يحمل القراءة فى الآية على القراءة خلف الإمام فى الصلاة، أى: أن على المؤتم أن يستمع إلى قراءة الإمام بتدبر وخشوع، واستدلوا على ذلك بما رواه الإمام مسلم فى صحيحه من حديث أبى موسى الأشعرى ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» (٢). وبعضهم يجعل الآية عامة فى وجوب الاستماع إلى قراءة القرآن بتدبر وإنصات وخشوع فى الصلاة وفى غيرها، وحملوا الأحاديث التى أوردها أصحاب الرأى الأول على العموم- أيضا.
والذى نراه أن الآية تأمر بوجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن فى الصلاة وفى غيرها، لأن تعاليم الإسلام وآدابه تقتضى منا أن نستمع إلى القرآن الكريم بتدبر وإنصات وخشوع ليؤثر تأثيره الشافى فى القلوب،
(١) الحديث: أخرجه البخارى فى صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب قول المقرئ للقارئ: حسبك. حديث رقم ٥٠٥٠، انظر فتح البارى ٨/ ٧١٢.
ورواه مسلم فى صحيحه حديث رقم ٨٠٠، وأبو داود رقم ٣٦٦٨، والترمذى رقم ٣٠٢٥.
(٢) الحديث: أخرجه مسلم فى صحيحه فى كتاب الصلاة، باب التشهد فى الصلاة ٢/ ١٤، ١٥.
 
١ ‏/ ٤٤٢
 
وليقودها إلى الطاعة والتقوى فتنال المغفرة والرحمة. وصدق الله العظيم القائل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (سورة الأنفال آيات من ٢ - ٤).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
 
١ ‏/ ٤٤٣
 
الاقتباس من القرآن
الاقتباس: هو تضمين الشعر أو النثر بعض القرآن لا على أنه منه بأن لا يقال فيه: قال الله تعالى ونحوه، فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباسا، وقد اشتهر عن المالكية تحريمه وتشديد النكير على فاعله. وأما الشافعية فلم يتعرض له الأقدمون ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس فى عصورهم، واستعمال الشعراء له قديما وحديثا.
وقد تعرض له جماعة من المتأخرين، فسئل عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فأجازه، واستدل له بما ورد عن النبى ﷺ من قوله فى الصلاة وغيرها «وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين» (١) وقوله: «اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عنى الدين وأغننى من الفقر» (٢).
وفى سياق كلام لأبى بكر الصديق ﵁:
«وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون» (٣) وفى آخر حديث لابن عمر- رضى الله عنهما-: «قد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة» (٤).
قال السيوطى: «وهذا كله إنما يدل على جوازه فى الشعر وبينهما فرق. فإن القاضى أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه فى الشعر مكروه، وفى النثر جائز. واستعمله أيضا فى النثر القاضى عياض فى مواضع من خطبة الشفاء. وقال الشريف إسماعيل ابن المقرى اليمنى صاحب مختصر الروضة فى شرح بديعته ما كان منه فى الخطب، والمواعظ، ومدحه ﷺ وآله وصحبه، ولو فى النظم فهو مقبول، وغيره مردود. ثم قال:
والاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول، ومباح، ومردود. فالأول: ما كان فى الخطب والمواعظ والعهود، والثانى: ما كان فى الغزل، والرسائل والقصص. والثالث: على ضربين:
أحدهما ما نسبه الله إلى نفسه، ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما قيل عن أحد بنى مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله: «إن إلينا إيابهم. ثم إن علينا حسابهم» (٥). والآخر: تضمين آية فى معنى هزل، ونعوذ بالله من ذلك كقوله:
(١) هذا مقتبس من سورة الأنعام آية ٧٩.
(٢) هذا مقتبس من سورة الأنعام آية ٩٦.
(٣) هذا مقتبس من سورة الشعراء آية ٢٢٧.
(٤) هذا مقتبس من سورة الأحزاب آية ٢١.
(٥) هذا مقتبس من سورة الغاشية آية ٢٥، ٢٦.
 
١ ‏/ ٤٤٤
 
أرخى إلى عشاقه طرفه ... هيهات هيهات لما توعدون (٦)
وردفه ينطق من خلفه ... لمثل هذا فليعمل العاملون (٧)
قال السيوطى: وهذا التقسيم حسن جدا وبه أقول (٨).
أ. د. السيد إسماعيل على سليمان
المصادر والمراجع:
(٦) هذا مقتبس من سورة المؤمنون آية ٣٦.
(٧) هذا مقتبس من سورة الصافات آية ٦١.
(٨) انظر: الإتقان فى علوم القرآن ١/ ١٤٧، ١٤٨.
 
١ ‏/ ٤٤٥
 
 

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية