الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل الثامن: النوافل أو صلاة التطوع عند المذاهب الأربعة الفِقْهُ للزُّحَيْلِيّ

الفصل الثامن: النوافل أو صلاة التطوع  علي المذاهب الأربعة الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزُّحَيْلِيّ

 اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات
 
  1. الفصل الثامن: النوافل أو صلاة التطوع
  2. النوافل عند الحنفية
  3. أولا ـ السنن المؤكدة
  4. ثانيا ـ أما المندوب أو السنن غير المؤكدة
  5. النوافل المستقلة
  6. أحكام فرعية لصلاة النافلة
  7. التطوعات عند المالكية
  8. السنة
  9. الفضائل
  10. أما النوافل
  11. ما يكره في أداء النوافل عند المالكية
  12. النوافل عند الشافعية
  13. ما تسن له الجماعة
  14. ٢ - ما لا تسن له الجماعة
  15. المؤكد وغير المؤكد من النوافل عند الشافعية
  16. أولا ـ السنن المؤكدة
  17. ترتيب أفضليتها
  18. وقت الرواتب
  19. قضاء النوافل
  20. ثانيا ـ السنن غير المؤكدة
  21. النوافل عند الحنابلة
  22. السنة المعينة فتتنوع أنواعا
  23. النوع الأول ـ السنن الرواتب مع الفرائض أي المؤكدة
  24. النوع الثاني ـ السنن غير الرواتب
  25. النوع الثالث ـ صلوات معينة مستقلة
  26. صلاة التراويح أو قيام شهر رمضان
  27. القراءة في التراويح
  28. نية التراويح
  29. وقت التراويح
  30. فعلها في المسجد
  31. الوتر بعد التراويح
  32. التطوع بين التراويح وبعدها
  33. صلاة الضحى
  34. صلاة التسبيح
  35. صلاة الاستخارة
  36. صلاة الحاجة
  37. صلاة التوبة
  38. تحية المسجد
  39. صلاة الزوال
  40. النفل المطلق
  41. عدد التهجد
  42. قراءة المتهجد
  43. قضاء التهجد
  44. التنفل بين المغرب والعشاء
  45. التطوع مثنى مثنى
  46. التطوع جالسا
  47. الدعاء عند اليقظة من النوم
  48. قراءة القرآن وحفظه
  49. القرآن أفضل الذكر
  50. حفظ القرآن
  51. الاستماع للقرآن
  52. القراءة في الطريق
  53. ختم القرآن
  54. ترتيله وتلحينه
  55. آداب التلاوة
  56. تفسير القرآن
  57. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي  
 
 الفَصْلُ الثَّامِن: النَّوافِل أو صَلاةُ التَّطوّع 
التطوع في الأصل: فعل الطاعة: وشرعًا وعرفًا، طاعة غير واجبة.
فصلاة التطوع: هي ما طلب فعلها من المكلف زيادة على الفرائض طلبًا غير جازم. وتكمل به صلاة الفرض يوم القيامة، إن لم يكن المصلي أتمها، وفيه حديث صحيح مرفوع رواه أحمد في المسند (١)، وهو أن فريضة الصلاة والزكاة وغيرهما إذا لم تتم تكمل بالتطوع.
وحكمها: أنه يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها.
وهي إما أن تكون مستقلة عن الفرائض المكتوبة كصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والخسوف والتراويح. وقال الحنفية: صلاة العيدين واجبة، وقال الحنابلة: صلاة العيدين فرض كفاية.
وإما أن تكون تابعة للفرائض كالسنن القَبْلية والبَعْدية.
والنوافل جمع نافلة، والنفل والنافلة في اللغة: الزيادة، والتنفل: التطوع، وشرعًا: عبارة عن فعل مشروع ليس بفرض ولا واجب ولا مسنون (٢).
وعند
(١) كشاف القناع:٤٨١/ ١
(٢) اللباب شرح الكتاب:٩١/ ١
 
الشافعية: النوافل: ما عدا الفرائض، سمي النفل بذلك لأنه زائد على ما فرضه الله تعالى (١). وقد ثبتت مشروعية النوافل بفعل النبي ﷺ. «روى مسلم عن ربيعة بن مالك الأسلمي ﵁ قال: قال لي رسول الله ﷺ: سَلْ، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود».
وأفضل عبادات البدن: الصلاة، لقوله ﷺ: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» (٢) ولأنها تجمع من القرَب ما لا يجمع غيرها، من الطهارة واستقبال القبلة، والقراءة، وذكر الله ﷿، والصلاة على رسول الله ﷺ، ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات، وتزيد عليها بالامتناع عن الكلام، والمشي، وسائر الأفعال. وتطوعها أفضل التطوع (٣).
وللمذاهب الفقهية اصطلاحات في تقسيم النوافل، يحسن ذكرها في كل مذهب على حدة:

النوافل عند الحنفية:
تنقسم النوافل عند الحنفية قسمين: مسنونة ومندوبة (٤)، والسنة: هي
(١) مغني المحتاج:٢١٩/ ١.
(٢) رواه أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن ثوبان، ورواه ابن ماجه أيضًا والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ورواه الطبراني أيضًا عن سلمة بن الأكوع، وهو صحيح. ورواه ابن ماجه عن أبي أمامة، والطبراني عن عبادة بن الصامت بلفظ «استقيموا ونعمَّا استقمتم، وخير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن».
(٣) المهذب:٨٢/ ١.
(٤) فتح القدير:٣١٤/ ١ - ٣٣٥، تبيين الحقائق:/١٧١ - ١٨٠، اللباب:٩١/ ١ - ٩٤، الدر المختار:٦٣٠/ ١ - ٦٦٤.
 
المؤكدة التي واظب الرسول ﷺ على أدائها، ولم يتركها إلا نادرًا، إشعارًا بعدم فرضيتها.
والمندوب: هو السنة غير المؤكدة التي فعلها الرسول ﷺ أحيانًا وتركها أحيانًا.

أولًا - السنن المؤكدة: هي ما يأتي:
١ ً - ركعتان قبل صلاة الفجر (الصبح)، وهما آكد (آقوى) السنن، لقوله ﷺ: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» (١)، وقالت عائشة: «لم يكن النبي ﷺ على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر» (٢).
وبناء عليه قالوا: لا يجوز أن يؤديهما قاعدًا أو راكبًا بدون عذر. ولا يقضى شيء من السنن سوى الفجر، إذا فاتت معه، وقضاه من يومه قبل الزوال، فإن صلى الفرض وحده، لا يقضيان. ووقتهما وقت صلاة الصبح. والسنة أن يقرأ في أولاهما سورة الكافرون، وفي الثانية: الإخلاص. وأن يصليهما في بيته في أول الوقت. وإذا قامت صلاة الجماعة لفرض الصبح قبل أن يصليهما: فإن أمكنه إدراكهما بعد صلاتهما ولو في الركعة الثانية، فعل، وإلا تركهما، وأدرك الجماعة، ولا يقضيهما بعد ذلك. والإسفار بسنة الفجر أفضل.
٢ ً - أربع ركعات قبل صلاة الظهر أو قبل الجمعة، بتسليمة واحدة، لحديث عائشة ﵂: «أن النبي ﷺ كان لا يدع أربعًا قبل الظهر، وركعتين قبل
(١) رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن عائشة مرفوعًا (نيل الأوطار:١٩/ ٣، سبل السلام:٤/ ٢).
(٢) متفق عليه، وروى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة: «لا تدعوا ركعتي الفجر، ولو طردتكم الخيل» (المصدران السابقان).
 
الغداة» (١) أي سنة الفجر. وهذه آكد السنن بعد سنة الفجر، ثم الكل الباقي سواء.
ترتيب أفضلية النوافل: تبين مما ذكر أن آكد السنن: سنة الفجر اتفاقًا، ثم الأربع قبل الظهر في الأصح، ثم الكل سواء.
٣ ً - ركعتان بعد الظهر، ويندب أن يضم لها ركعتين، وأربع بعد الجمعة بتسليمة واحدة، لقوله ﷺ بالنسبة للظهر: «من صلى أربع رَكَعات قبل الظهر، وأربعًا بعدها، حرَّمه الله على النار» (٢)، ولأن النبي ﷺ «كان يركع من قبل الجمعة أربعًا لا يفصل في شيء منهن، وأربعًا بعدها» (٣).
٤ ً - ركعتان بعد المغرب: ويسن إطالة القراءة فيهما، كما كان رسول الله ﷺ يفعل.
٥ ً - ركعتان بعد فرض العشاء: والدليل على تأكد هذه السنن قوله ﷺ: «من صلَّى في يوم وليلة ثِنْتَي عشرة ركعة سوى المكتوبة بنى الله له بيتًا في الجنة» (٤) ولفظ مسلم: «من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بُني له بهن بيت في الجنة» ورواية الترمذي: «من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة، بني له بيت في الجنة: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر» وذكر النسائي «ركعتين قبل العصر» ولم يذكر ركعتين بعد العشاء».
(١) رواه البخاري، ويؤيده حديث أبي أيوب عند أبي داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة بلفظ: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء» وحديث أنس عند الطبراني في الأوسط: «أربع قبل الظهر كعِدلهن بعد العشاء، وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر» (سبل السلام:٤/ ٢).
(٢) رواه الخمسة عن أم حبيبة، وصححه الترمذي (نيل الأوطار:١٦/ ٣).
(٣) رواه ابن ماجه والطبراني في معجمه، لكن سنده واه جدًا (نصب الراية:٢٠٦/ ٢).
(٤) رواه الجماعة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان (المصدر السابق: ص١٣٨).
 
ومشروعية السنن القبلية لقطع طمع الشيطان: بأن يقول: إنه لم يترك ما ليس بفرض، فكيف يترك ما هو بفرض؟ والسنن البَعْدية لجبر النقصان أي ليقوم في الآخرة مقام ما ترك منها لعذر كنسيان.
٦ ً - صلاة التراويح: التراويح سنة مؤكدة للرجال والنساء لمواظبة النبي ﷺ والخلفاء الراشدين عليها، ويسن فيها الجماعة، بدليل أن النبي ﷺ صلاها جماعة في رمضان في ليالي الثالث والخامس والسابع والعشرين، ثم لم يتابع خشية أن تفرض على المسلمين، وكان يصلي بهم ثمان ركعات، ويكملون باقيها في بيوتهم، فكان يسمع لهم أزيز كأزيز النحل (١).
ووقتها: في رمضان بعد صلاة العشاء إلى الفجر، قبل الوتر وبعده في الأصح عند الحنفية. ويستحب تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه، ولا تكره بعده في الأصح عند الحنفية. ولا تقضى عندهم إذا فاتت أصلًا، فإن قضاها، كانت نفلًا مستحبًا، وليس بتراويح، كسنة مغرب وعشاء؛ لأن القضاء من خصائص الواجبات كالوتر والعيدين.
والجماعة فيها سنة على الكفاية في الأصح، فلو تركها أهل مسجد أثموا، وكل ما شرع بجماعة، فالمسجد فيه أفضل، والمتخلف عن الجماعة إذا أقامها البعض تارك للفضيلة؛ لأن أفراد الصحابة روي عنهم التخلف.
وتؤدى أيضًا فرادى، والأفضل فيها الجماعة، ويسن أن يختم فيها القرآن كله مرة خلال شهر رمضان. وإذا مل الناس سن قراءة ما تيسر من القرآن بقدر ما لا يثقل عليهم، كآية طويلة أو ثلاث قصار، ولا يكره الاقتصار على آية أو آيتين،
(١) رواه الخمسة عن جبير بن نُفَير عن أبي ذر، وصححه الترمذي، وأخرجه الشيخان عن عائشة (نيل الأوطار:٥٠/ ٣ وما بعدها، نصب الراية:١٥٢/ ٢).
 
بشرط الترتيل، والاطمئنان في الركوع والسجود مع التسبيح، ولا يترك دعاء الثناء والتعوذ والصلاة على النبي ﷺ في كل تشهد.
وعدد ركعاتها عشرون ركعة، تؤدى ركعتين ركعتين، يجلس بينهما، مقدار الترويحة، بعشر تسليمات ثم يوتر بعدها، ولا يصلى الوتر بجماعة في غير شهر رمضان. ودليلهم على العدد فعل عمر ﵁ كما أخرج مسلم في صحيحه، حيث إنه جمع الناس أخيرًا على هذا العدد في المسجد، ووافقه الصحابة على ذلك، ولم يخالفهم بعد الراشدين مخالف، وقد قال النبي ﷺ «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» (١). وأخرج البيهقي عن ابن عباس «كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر» (٢). وقد سئل أبو حنيفة عما فعله عمر ﵁ فقال: التراويح سنة مؤكدة، ولم يتخرجه عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعًا، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه، وعهد من رسول الله ﷺ.
لكن قال بعض أهل الحديث: إن العدد الثابت عنه ﷺ في صلاته في رمضان هو ثمان ركعات، بدليل ما أخرجه البخاري وغيره عن عائشة أنها قالت: «ماكان النبي ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث جابر أنه ﷺ: «صلى بهم ثمان ركعات ثم أوتر» (٣).

ثانيًا - أما المندوب أو السنن غير المؤكدة: 
فهي ما يأتي، ولا يعني كونها غير مؤكدة تركها، بل كان النبي ﷺ يصليها غالبًا، ويتركها أحيانًا:
(١) رواه أبو داود والترمذي.
(٢) زاد سليم الرازي في كتاب الترغيب له «ويوتر بثلاث» قال البيهقي: تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف (نيل الأوطار:٥٣/ ٣).
(٣) نيل الأوطار، المكان السابق.
 
١ ً - ركعتان أخريان إلى سنة الظهر البعدية، كما بينا.
٢ ً - أربع ركعات قبل العصر بتسليمة واحدة، لقوله ﷺ: «رحم الله امرءًا صلى أربعًا قبل العصر» (١). أما جواز صلاة ركعتين فقط قبل العصر، فيشملها حديث «بين كل أذانين صلاة» (٢).
٣ ً - أربع ركعات قبل صلاة العشاء وأربع بعدها بتسليمة واحدة، لما روي عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ كان يصلي قبل العشاء أربعًا، ثم يصلي بعدها أربعًا، ثم يضطجع (٣).
وإن شاء اقتصر على الركعتين المؤكدتين بعدها، عملًا بالحديث السابق: «من ثابر على ثنتي عشر ركعة ...».
٤ ً - صلاة الأوابين (٤): وهي ست ركعات بعد المغرب، بتسليمة أو ثنتين أو ثلاث، والأول أدوم وأشق، لقوله تعالى: ﴿فإنه كان للأوابين غفورًا﴾ [الإسراء:١٧/ ٢٥]، ولما روي عن عمار بن ياسر: «من صلى بعد المغرب ست ركعات، غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل زبَد البحر» (٥).

واستحب الكمال بن الهمام كالشافعية والحنابلة ركعتين خفيفتين قبل المغرب لخبر الصحيحين عن عبد الله المزني: «صلوا ركعتين قبل المغرب» ثم قال في الثالثة: (لمن شاء) وهذه النوافل تابعة للفرائض، 
 

(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وصححه (سبل السلام:٥/ ٢).
(٢) رواه البزار وفيه راو متكلم فيه (مجمع الزوائد:٢٣١/ ٢).
(٣) هذا ما ذكر في مراقي الفلاح: ص٦٤، وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت: ما صلّى النبي ﷺ العشاء قط، فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات (نصب الراية:١٤٥/ ٢ وما بعدها، نيل الأوطار:١٨/ ٣).
(٤) الأوابين: جمع أواب، أي رجّاع إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار.
(٥) رواه الطبراني (مجمع الزوائد:٢٣٠/ ٢) وروى ابن ماجه وابن خزيمة والترمذي عن أبي هريرة في موضوعه (الترغيب والترهيب:٤٠٤/ ١).

أما النوافل المستقلة فهي ما يأتي:
٥ ً - صلاة الضحى: وهي أربع ركعات على الصحيح إلى ثمانية، وأقلها ركعتان، ووقتها من بعد طلوع الشمس قدر رمح أي حوالي ثلث أو نصف ساعة إلى قبيل الزوال، لحديث عائشة: «كان رسول الله ﷺ يصلي الضحى أربع ركعات، لا يفصل بينهن بكلام» (١) ورواية مسلم: «كان رسول الله ﷺ يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله» وثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة «وركعتي الضحى» ووقتها المختار: بعد ربع النهار.
٦ ً - ركعتا الوضوء قبل جفافه للحديث السابق: «ما من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيصلي ركعتين، يقبل عليهما بقلبه، إلا وجبت له الجنة» (٢).
٧ ً - تحية المسجد: يندب ركعتان لمن دخل المسجد تحية لرب المسجد، لقوله ﷺ: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين» (٣). يصليهما عند الحنفية في غير وقت الكراهة، وأداء الفرض أو غيره ينوب عنهما بلا نية. وتكفيه لكل يوم مرة إذا تكرر دخوله لعذر، ولا تسقط بالجلوس عندهم، لحديث ابن حبان في صحيحه: «يا أبا ذر، إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعهما» وأما الحديث السابق: «إذا دخل أحدكم ..» فهو بيان للأولى.
ويستثنى من المساجد المسجد الحرام، فإن تحيته الطواف.
ومن لم يتمكن من تحية المسجد لحدث أو غيره يقول ندبًا كلمات التسبيح الأربع: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).
(١) رواه أبو يعلى الموصلي (نصب الراية:١٤٦/ ٢، سبل السلام:١٦/ ٢).
(٢) رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
(٣) رواه الجماعة عن أبي قتادة، وابن ماجه عن أبي هريرة.
 
٨ ً - صلاة التهجد (الليل): يندب الصلاة ليلًا خصوصًا آخره، وهي أفضل من صلاة النهار، لقوله تعالى ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ [السجدة:١٧/ ٣٢] وقوله سبحانه: ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾ [السجدة:١٦/ ٣٢]، ولقوله ﷺ فيما روى مسلم في صحيحه - «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»، وروى الطبراني مرفوعًا: «لابد من صلاة بليل، ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل»، وفي صحيح مسلم قال رسول الله ﷺ: «عليكم بصلاة الليل، فإنها دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم».
وعدد ركعاتها من ركعتين إلى ثمانية.
ويندب إحياء ليالي العيدين (الفطر والأضحى)، وليالي العشر الأخير من رمضان لإحياء ليلة القدر، وليالي عشر ذي الحجة، وليلة النصف من شعبان، ويكون بكل عبادة تعم الليل أو أكثره، للأحاديث الصحيحة الثابتة في ذلك (١).
ويندب الإكثار من الاستغفار بالأسحار، وسيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء (أعترف) لك بنعمتك، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنب إلا أنت).
(١) قال ﷺ: «من أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب» «وروت عائشة أن النبي ﷺ كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر» وقال ﵇: «ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يتعبد فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر» وقال عن ليلة النصف: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، حتى يطلع الفجر».
 
ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وغيرها؛ لأنه لم يفعله النبي ﷺ ولا الصحابة.
كما يكره الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في أول جمعة من رجب، وإنها بدعة.
وطول القيام أفضل من كثرة السجود، لقوله ﷺ: «أفضل الصلاة طول القنوت» (١) أي القيام، ولأن القراءة تكثر بطول القيام، وبكثرة السجود يكثر التسبيح، والقراءة أفضل منه.
٩ ً - صلاة الاستخارة: أي طلب ما فيه الخير، وتكون في الأمور المباحة التي لايعرف وجه الصواب فيها، وهي ركعتان، يدعو بعدهما بالدعاء المأثور، روى الجماعة إلا مسلمًا (٢) عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله ﷺ يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل:
«اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدُر لي الخير حيث كان، ثم رضني به. قال: ويسمي حاجته» أي عند قوله: (هذا الأمر).
(١) رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن جابر، ورواه الطبراني عن أبي موسى وعن عمرو بن عبسة بن عمير بن قتادة الليثي، وهو صحيح.
(٢) الترغيب والترهيب:٤٨٠/ ١.
 
ويستحب افتتاح هذا الدعاء وختمه بالحمد لله، والصلاة على النبي. ويقرأ في الركعة الأولى: الكافرون، وفي الثانية: الإخلاص.
وينبغي - أي إذا لم يبن له الأمر - أن يكررها سبعًا، لما روى ابن السني: يا أنس، إذا هممت بأمر، فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك، فإن الخير فيه. ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء.
١٠ ً - صلاة التسبيح: وفضلها عظيم، وفيها ثواب لا يتناهى.
ويفعلها المسلم في كل وقت لا كراهة فيه، أو في كل يوم وليلة مرة، وإلا ففي كل أسبوع، أو جمعة، أو شهر، أو العمر. وحديثها حسن لكثرة طرقه، ووهم من زعم وضعه.
وهي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب، وسورة، بتسليمة أو تسليمتين، يقول فيها ثلاث مئة مرة: «سبحان الله والحمد لله ولاإله إلا الله والله أكبر» في كل ركعة خمس وسبعون تسبيحة.
فبعد الثناء: خمس عشرة، ثم بعد القراءة، وفي الركوع، والرفع منه، وكل من السجدتين، وفي الجلسة بينهما: عشر تسبيحات، بعد تسبيح الركوع والسجود. وهذه الكيفية هي التي رواها الترمذي في جامعه عن عبد الله بن المبارك أحد أصحاب أبي حنيفة. وهي المختار من الروايتين.
ولا يعد المصلي التسبيحات بالأصابع إن قدر أن يحفظ بالقلب (١).
١١ ً - صلاة الحاجة: وهي أربع ركعات بعد العشاء، وقيل: ركعتان. ورد
(١) انظر الترغيب والترهيب:٤٦٩/ ١، وهناك كيفية أخرى عن ابن عباس: يسبح خمس عشرة مرة بعد القراءة، والعشرة الأخيرة بعد السجدة الثانية (الترغيب والترهيب:٤٦٧/ ١).
 
في الحديث المرفوع أنه يقرأ في الأولى الفاتحة مرة وآية الكرسي ثلاثًا، وفي كل من الثلاثة الباقية: يقرأ الفاتحة والإخلاص والمعوذتين مرة مرة، فإن قرأهن كن له مثلهن من ليلة القدر.
وأخرج الترمذي عند عبد الله بن أبي أوفى ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «من كانت له إلى الله حاجة، أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضأ وليُحسن الوضوء، وليصلّ ركعتين، ثم ليُثن على الله، وليُصلِّ على النبي ﷺ، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك مُوجِبات رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، والغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًَّا إلا فرَّجته (١)، ولا حاجة هي لك رضًا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين» (٢).

أحكام فرعية لصلاة النافلة (٣):
أـ كيفية أداء نوافل النهار والليل: إن شاء صلى في النهار ركعتين بتسليمة واحدة، وإن شاء أربعًا، وتكره الزيادة على ذلك (أي على الأربع من غير تسليمة). أما نوافل الليل، فقال أبو حنيفة: إن صلى ثماني ركعات بتسليمة واحدة جاز، وتكره الزيادة على ذلك (أي على الثمانية من غير تسليمة) والأفضل عنده رباع أي أربعًا أربعًا ليلًا ونهارًا.
(١) ثم ليثن: أي يحمده ويكثر من تسبيحه وتكبيره، والصلاة على حبيبه ﷺ، ويستغفر مئات، وموجبات رحمتك: موصلات باعثة إلى الجنة. وعزائم مغفرتك: أي الأسباب التي يعزم له بها الغفران ويحققه. والغنيمة: الفوز. والسلامة: النجاة من كل ذنب. فرجته: أزلته.
(٢) رواه الترمذي وابن ماجه (الترغيب والترهيب:٤٧٦/ ١).
(٣) فتح القدير:٣١٨/ ١ - ٣٣٢، اللباب شرح الكتاب:٩٢/ ١ - ٩٤، الدر المختار:٦٤٤/ ١ - ٦٥٨، مراقي الفلاح: ص ٦٥،٦٧ وما بعدها.
 
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يزيد - من حيث الأفضلية - بالليل على ركعتين بتسليمة واحدة، والأفضل في الليل مثنى مثنى، وفي النهار: أربع أربع. وبرأي الصاحبين يفتى عند الحنفية اتباعًا للحديث.
دليل أبي حنيفة: الحديث السابق عن عائشة أنه ﷺ صلى أربعًا بعد العشاء، وأنه ﵇ كان يواظب على الأربع في الضحى، ولأنه أدوم تحريمة، فيكون أكثر مشقة وأزيد فضيلة. ودليل الكراهة أن النبي ﷺ لم يزد على ثمان ركعات، ولولا الكراهة لزاد، تعليمًا للجواز.
ودليل الصاحبين: الاعتبار بالتراويح، كل ركعتين بتسليمة واحدة.
ب - القراءة واجبة في جميع ركعات النفل، وفي جميع الوتر؛ أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة، ولهذا لا يجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان على المشهور، وأما الوتر فللاحتياط.
أما القراءة في الفرض فهي - كما بينا - واجبة في الركعتين الأوليين فقط، والمصلي مخير في الأخريين: إن شاء قرأ الفاتحة، وإن شاء سكت مقدار ثلاث تسبيحات وإن شاء سبَّح ثلاثًا، وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة ﵃، إلا أن الأفضل أن يقرأ؛ لأنه ﵊ داوم على ذلك، ولهذا لايجب السهو بترك القراءة في ظاهر الرواية.
وبناء على ما ذكر في النفل: إن صلى أربعًا، ولم يقرأ فيهن شيئًا أعاد عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة: وعند أبي يوسف: يقضي أربعًا؛ لأن ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة، وإنما يوجب فساد الأداء؛ لأن القراءة ركن زائد، وفساد الأداء لا يزيد على تركه، فلا يبطل التحريمة.
 
جـ - الشروع في النفل صلاة أو صومًا ملزم عند الحنفية، خلافًا للشافعي فإنه قال: المتنفل متبرع فيه أي في فعل النفل، ولا لزوم على المتبرع لقوله تعالى: ﴿ما على المحسنين من سبيل﴾ [التوبة:٩١/ ٩] فالسنن لا تلزم بالشروع عند الشافعية، إلا في الحج والعمرة، أو فرض كفاية على الصحيح، فتلزم في الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة (١). ودليل الحنفية قوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ [سورة سيدنا محمد:٣٣/ ٤٧] فيحرم قطع الصلاة وغيرها.
فيلزم النفل عندهم بالشروع في تكبيرة الإحرام، أو بالقيام للركعة الثالثة وقد أدى الشفع الأول صحيحًا، فإذا فسد الثاني لزم قضاؤه فقط، ولا يسري إلى الأول؛ لأن كل شفع صلاة على حدة.
وبناء عليه: من دخل في صلاة النفل، ثم أفسدها، قضاها. وإن صلى أربع ركعات، وقعد في الأوليين، ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين.
ويستثنى من ذلك ما لو شرع متنفلًا خلف مفترض ثم قطعه، أو شرع في فرض ظانًا أنه عليه، ثم تذكر أنه ليس عليه، فلا قضاء عليه.
د - يقتصر المتنفل في الجلوس الأول من الرباعية المؤكدة (وهي التي قبل الظهر والجمعة وبعدها) على التشهد، ولا يأتي في الثالثة بدعاء الاستفتاح على الأصح. أما الرباعية المندوبة (غير المؤكدة)، فإنه يقرأ في القعود الأول التشهد والصلاة الإبراهيمية ويأتي بالاستفتاح والتعوذ في ابتداء الثالثة، أي في ابتداء كل شفع من النافلة.
هـ - إذا صلى نافلة أكثر من ركعتين، ولم يجلس إلا في آخرها، صح
(١) مغني المحتاج:٢٥٩/ ١.
 
استسحانًا؛ لأنها صارت صلاة واحدة من ذوات الأربع، وفيها الفرض وهو الجلوس الأخير، ويجبر ترك القعود الأول ساهيًا بالسجود، ويجب العود إليه بتذكره بعد القيام ما لم يسجد.
وـ صلاة النفل قاعدًا أو راكبًا: يجوز - كما بينا في بحث القيام في الصلاة - النفل قاعدًا مع القدرة على القيام، لكن له نصف أجر القائم إلا لعذر، لقوله ﷺ: «من صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد» (١). وأجاز الشافعية في الأصح التنفل مضطجعًا، مطلقًا وأباحه بقية المذاهب لعذر.
وكيفية القعود في النفل كالمتشهد، على المختار وعليه الفتوى عند الحنفية والشافعية، ويندب التربع عند المالكية والحنابلة. ويجوز للقادر على القيام إتمام نفله قاعدًا، بعد افتتاحه قائمًا، بلا كراهة على الأصح.
ويصح أداء النوافل ولو كانت مؤكدة كسنة الفجر (٢) على الراحلة راكبًا خارج البلاد، ويومئ إلى الركوع والسجود، إلى أية جهة توجهت دابته، للحاجة، وإذا نزل عن الدابة أتم صلاته. ولا يشترط عجزه عن إيقافها لتكبيرة الإحرام في ظاهر الرواية. وإذا حرك رجله أو ضرب دابته، فلا بأس به، إذا لم يصنع شيئًا كثيرًا.
ودليل التنفل على الراحلة: حديث جابر المتقدم: «رأيت رسول الله ﷺ يصلي النوافل على راحلته، يومئ إيماء، ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين» (٣).
(١) أخرجه الجماعة إلا مسلمًا عن عمران بن حصين ﵁.
(٢) لكن الأولى أن ينزل لسنة الفجر: لأنها آكد من غيرها.
(٣) رواه ابن حبان في صحيحه.
 
والصلاة في المحمل على الدابة كالصلاة عليها، سواء أكانت سائرة أم واقفة، إلا إذا استقر المحمل على الأرض، فتصح الصلاة فيه ولو فرضًا.
ولا يمنع صحة الصلاة على الدابة نجاسةٌ عليها، ولو كانت في السرج والركابين على الأصح. ولا تصح صلاة الماشي اتفاقًا.
ويجوز للمتطوع الاتكاء على شيء إن تعب، بلا كراهة، وإن كان بغير عذر كره في الأظهر، لإساءة الأدب.
ز - صلاة الفرض والواجب على الدابة: ولا يصح على الدابة صلاة الفرائض والواجبات، كالوتر والمنذورة، وقضاء ما شرع فيه نفلًا فأفسده، ولا صلاة الجنازة، أو سجدة تليت آيتها على الأرض، إلا للضرورة أو العذر، كخوف لص أو سبع على نفسه أو دابته، أو ثيابه، لو نزل، أو وجود طين ومطر في المكان، أو لعجز لمرض أو كسر ولم يوجد من يركبه.
ح - الصلاة في السفينة، ومثلها الطائرة والسيارة: تجوز صلاة الفريضة في السفينة والطائرة والسيارة قاعدًا، ولو بلا عذر عند أبي حنيفة، ولكن بشرط الركوع والسجود.
وقال الصاحبان: لا تصح إلا لعذر، وهو الأظهر. والعذر كدوران الرأس، وعدم القدرة على الخروج.
ويشترط التوجه للقبلة في بدء الصلاة، ويستدير إليها كلما استدارت السفينة، ولو ترك الاستقبال لا تجزئه الصلاة، وإن عجز عن الاستقبال يمسك عن الصلاة حتى يقدر على الإتمام مستقبلًا.
والسفينة المربوطة في لجة أو عرض البحر التي تحركها الريح الشديدة كالسائرة، فإن لم تحركها فهي كالواقفة على الأصح.
 
والمربوطة بالشط أوالمرفأ لا تجوز الصلاة فيها قاعدًا اتفاقًا.

والثابت في السنة وجوب القيام على من يصلي في السفينة، ولا يجوز له القعود إلا عند خشية الغرق، لقول ابن عمر: «سئل النبي ﷺ، كيف أصلي في السفينة؟ قال: صلِّ فيها قائمًا، إلا أن يخاف الغرق» (١).

التطوعات عند المالكية:
التطوعات عند المالكية ثلاثة أنواع: سنة، وفضيلة، ونافلة (٢).

أما السنة: فهي عشر صلوات:
الوتر، وهي ركعة يقرأ فيها بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين، وهي آكد السنن، وندب الجهر بوتر، وركعتا الفجر، وتسمى عند المالكية رغيبة (٣): أي مرغب فيها، وهي ما فوق المندوب ودون السنة، ووقتها كالصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ثم تقضى إلى الزوال فقط، فإن صلى الصبح قبلها كره فعلها إلى مابعد طلوع الشمس بقدر رمح (٢١ شبرًا متوسطًا) ولا يقضى نفل خرج وقت سواها، أي كما قال الحنفية. ويند ب صلاتها في المسجد لمن أراد التوجه للمسجد لصلاة الفريضة، ويقرأ في الأولى الكافرون وفي الثانية الإخلاص.
وصلاة عيد الفطر، وصلاة عيد الأضحى، وصلاة كسوف الشمس، وكسوف القمر، وصلاة الاستسقاء، وسجود التلاوة، وركعتا الطواف، وركعتا الإحرام بالحج.
(١) رواه الدارقطني والحاكم على شرط الصحيحين عن ميمون بن مهران (نيل الأوطار:١٩٩/ ٣).
(٢) القوانين الفقهية: ص٤٢، الشرح الصغير:٤٠١/ ١ - ٤١١.
(٣) وليس لهم رغيبة إلا هي.
 
وترتيبها: الوتر ثم العيد، ثم الكسوف، ثم الاستسقاء. وذكر العلامة خليل في متنه أن صلاة خسوف القمر مندوب.

وأما الفضائل فهي عشر أيضًا.
وهي ركعتان بعد الوضوء، وركعتا تحية المسجد لداخل يريد الجلوس به لا المرور فيه، وإن في وقت النهي، وتتأدى بفريضة، والضحى وهي مؤكدة وأقلها ركعتان وأكثرها ثمانٍ، وقيام الليل ويندب جهرًا، وهو مؤكد، وأفضله الثلث الأخير (١)، وهو عشر غير الشفع والوتر، وأكثره لا حد له، وقيام رمضان وهي التراويح سنة مؤكدة، عشرون ركعة، يسلم من كل ركعتين، غير الشفع والوتر، وهي آكد من قيام الليل، وندب ختم القرآن فيها، بأن يقرأ كل ليلة جزءًا يفرقه على العشرين ركعة. فإن لزم على الانفراد بها تعطيل المساجد عنها، فالأولى إيقاعها في المساجد جماعة، فدل على أنه يندب لأعيان (وجهاء) الناس فعلها في المساجد؛ لأن الشأن الاقتداء بهم، فإذا لم يصلوها في المساجد تعطلت المساجد.
ويتأكد النفل قبل صلاة الظهر وما بعدها، وقبل صلاة العصر، وبعد صلاة المغرب، والعشاء، بلا تحديد بعدد معين، فيكفي في تحصيل الندب ركعتان، والأولى بعد كل صلاة عدا المغرب أربع ركعات، وبعد المغرب ست ركعات.
ويندب فصل الشفع (المراد به الركعتان قبل الوتر) عن الوتر، بسلام، وكره وصله به من غير سلام، وكره الاقتصار على الوتر من غير شفع، وصح الوتر من غير شفع، خلافًا لمن قال بعدم صحته إلا بشفع.
ويندب القراءة في الشفع بسبّح اسم ربك الأعلى عقب الفاتحة في الركعة الأولى، والكافرون في الثانية.
(١) روى الديلمي في مسند الفردوس عن جابر: «ركعتان في جوف الليل يكفران الخطايا» وسكت السيوطي عن تصحيحه.
 
ويندب الإسرار بسنة الفجر وسائر نوافل النهار. ويندب الجهر بالوتر وفي سائر نوافل الليل.
وتندب تحية المسجد قبل السلام على النبي ﷺ بمسجده ﵇، وتحية مسجد مكة: الطواف بالبيت سبعًا، إلا المكي فيكفيه الركعتان.

وأما النوافل فهي قسمان:
١ - مالا سبب له: وهي التطوع في الأوقات الجائزة غير الخمسة المكروهة المذكورة سابقًا.
٢ - وماله سبب: وهي عشر: الصلاة عند الخروج إلى السفر، وعند الرجوع منه، وعند دخول المنزل، وعند الخروج منه، وصلاة الاستخارة ركعتان (١)، وصلاة الحاجة ركعتان (٢)، وصلاة التسبيح أربع ركعات (٣)، وركعتان بين الأذان والإقامة، لقوله ﷺ: «بين كل أذانين صلاة» والمراد باللأذانين: الأذان والإقامة.

وأربع ركعات بعد الزوال، وركعتان عند التوبة، لقوله ﷺ: «ما من رجل يُذنب ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: ﴿والذين إذا فعلوا فاحشة، أو ظلموا أنفسهم .. الآية [آل عمران: ١٣٥/ ٣]» (٤)، زاد ابن حبان والبيهقي وابن خزيمة: «ثم يصلي ركعتين»
(١) خرجهما البخاري.
(٢) خرجهما الترمذي عن عثمان بن حنيف أن الرسول علّمها رجلًا أعمى وقال له: فانطلق فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم قل: «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبي محمد ﷺ نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري، اللهم شفعه في، وشفعني في نفسي، فرجع وقد كشف الله عن بصره» (الترغيب والترهيب: ١/ ٤٧٣)
(٣) خرجهما أبو داود، وخرجهما الترمذي عن عبد الله بن أبي، وضعف سنده.
(٤) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي، وذكره ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد (الترغيب والترهيب: ١/ ٤٧٢).
 
وزاد بعض المالكية ركعتين عند الدعاء، وركعتين لمن قدم للقتل اقتداء بخبيب ابن عدي ﵁.

ما يكره في أداء النوافل عند المالكية (١):
يكره تأخير الوتر للوقت الضروري وهو من طلوع الفجر لصلاة الصبح، بلاعذر من نوم أو غفلة أو نحوهما.
وكره كلام بالأمور الدنيوية بعد صلاة الصبح، لا بعد سنة الفجر وقبل الصبح.
وكره ضِجْعة: بأن يضطجع على شقه الأيمن بعد سنة الفجر قبل الصبح إذ لم يصحبها عمل أهل المدينة. وهذا متفق مع مذهب الحنفية (٢)، أخذًا برأي ابن عمر، إذ لم يفصل بالضجعة، وقال: وأي فصل أفضل من السلام؟! أي سلام سنة الفجر؛ لأن السلام إنما ورد للفصل، وهو أفضل ما يخرج به من الصلاة من الفعل والكلام.
وكره جمع كثير لصلاة النفل في غير التراويح؛ لأن شأن النفل الانفراد به، كما يكره صلاة النفل في جماعة قليلة بمكان مشتهر بين الناس.

النوافل عند الشافعية:
النوافل نوعان: نوع تسن له الجماعة، ونوع لا تسن له الجماعة (٣).
(١) الشرح الصغير:٤١٤/ ١.
(٢) رد المحتار:٦٣٧/ ١.
(٣) المهذب:٨٢/ ١ - ٨٥، مغني المحتاج:٢١٩/ ١ - ٢٢٨، حاشية الباجوري:١٣٥/ ١ - ١٤٠، تحفة الطلاب: ص٧٤ - ٧٨.
 
١ً - ما تسن له الجماعة: سبع صلوات مسنونات هي:
العيدان أي صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، والكسوفان: أي صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر، والاستسقاء، والتراويح، لخبر الصحيحين عن عائشة ﵂: «أنه ﷺ صلاها ليالي، فصلوها معها، ثم تأخر وصلاها في بيته باقي الشهر، وقال: خشيت أن تفرض عليكم (١)، فتعجزوا عنها» وروى ابنا خزيمة وحبان عن جابر قال: «صلى بنا رسول الله ﷺ في رمضان ثمان ركعات، ثم أوتر، فلما كانت الليلة القابلة، اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج إلينا حتى أصبحنا» الحديث. وكان جابر إنما حضر في الليلة الثالثة والرابعة، ولأن عمر جمع الناس على قيام شهر رمضان: الرجال على أبي بن كعب، والنساء على سليمان ابن أبي حَثْمة (٢).
وكان قد انقطع الناس عن فعلها جماعة في المسجد إلى زمن عمر ﵁، وإنما صلاها النبي ﷺ بعد ذلك فرادى خشية الافتراض، كما مرَّ، وقد زال ذلك المعنى.
والتراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، اتباعًا للسنة (٣)، مع مواظبة الصحابة عليها.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا (٤)، غفر له ما تقدم من ذنبه».
(١) أي افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل بالليل. بدليل حديث زيد بن ثابت: «خشيت أن تكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم» فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه.
(٢) رواه البيهقي.
(٣) رواه الشيخان عن عائشة، كما سبق.
(٤) إيمانًا: تصديقًا بأنه حق، واحتسابًا: إخلاصًا لله تعالى.
 
وينوي الشخص بكل ركعتين: التراويح أو قيام رمضان، ولو صلى أربع ركعات منها بتسليمة واحدة لم تصح، ووقتها بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.
وتندب الجماعة في الوتر عقب التراويح جماعة، إلا إن وثق باستيقاظه آخر الليل، فالتأخير أفضل، لخبر مسلم: «من خاف ألا يقوم من آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره، فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة» أي تشهدها ملائكة الليل والنهار.
وهذا النوع أفضل مما لا تسن له الجماعة؛ لأنها تشبه الفرائض في سنة الجماعة، وأوكد ذلك صلاة العيد؛ لأنها راتبة بوقت كالفرائض، ثم صلاة الكسوف، لأن القرآن دل عليها، ثم صلاة الاستسقاء. لكن الأصح تفضيل الراتبة على التراويح، لمواظبته ﷺ على الراتبة لا التراويح.

٢ - ما لا تسن له الجماعة: وهو نوعان:

أـ الرواتب مع الفرائض: أي السنن التابعة للفرائض، ويعبر عنها بالسنة الراتبة وهي سبع عشرة ركعة:
ركعتا الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وثلاث بعد العشاء يوتر بواحدة منهن. والواحدة هي أقل الوتر، وأكثره إحدى عشرة ركعة. ووقته بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، فلو أوتر قبل العشاء عمدًا أو سهوًا لم يعتد به.
ويسن قبل الجمعة أربع كما قبل الظهر، وبعدها أربع وهو الأكمل (١).
(١) المجموع:٥٠٣/ ٣.
 
ب - غير الراتبة أي المستقلة عن الفرائض: وهي الصلوات التي يتطوع بها الإنسان في الليل والنهار.
وأفضلها التهجد أو قيام الليل، لقوله ﷺ: «أفضل الصلوات بعد المفروضة: صلاة الليل» (١)، ولأنها تفعل في وقت غفلة الناس وتركهم للطاعات، فكان التهجد أفضل.
والنفل المطلق في الليل أفضل من النفل المطلق في النهار، والنفل وسط الليل أفضل، ثم آخره أفضل، إذا قسم المسلم الليل أثلاثًا. فإن قسمه أنصافًا فالنفل في آخره أفضل منه في أوله. والأفضل من ذلك كله: أن يقسمه أسداسًا، فينام ثلاثة أسداس، ويقوم السدس الرابع والخامس، وينام السادس ليقوم للصبح بنشاط.
ويكره أن يقوم الليل كله، لما روي عن عبد الله بن عمر ﵁ أن النبي ﷺ قال: «أتصوم النهار؟ فقلت: نعم، وتقوم الليل؟ قلت: نعم، قال: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (٢).
وأفضل تطوع النهار: ما كان في البيت، لما روى زيد بن ثابت ﵁: أن النبي ﷺ قال: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» (٣).
والسنة أن يسلم في تهجده من كل ركعتين؛ لما روى ابن عمر ﵁ أن النبي ﷺ قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة» (٤).
(١) رواه مسلم عن أبي هريرة.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
(٣) رواه البخاري ومسلم (راجع المجموع:٥٣٤/ ٣،٥٣٩).
(٤) رواه البخاري ومسلم (المجموع:٥٤٠/ ٣) ورواه أيضًا أصحاب السنن الأربعة، وأخرجه أبو نعيم من حديث عائشة، ورواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن أبي هريرة (نصب الراية:١٤٣/ ٢ - ١٤٥).
 
وإن جمع ركعات بتسليمة واحدة، جاز، لما روت عائشة ﵂ «أن رسول الله ﷺ كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، ويوتر من ذلك بخمس، يجلس في الركعة الأخيرة ويسلم، وإنه أوتر بسبع
وخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام» (١).
وإن تطوع بركعة واحدة، جاز، لما روي أن عمر ﵁ مر بالمسجد، فصلى ركعة، فتبعه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة، إنما هي تطوع، فمن شاء زاد، ومن شاء نقص (٢).
ويستحب أن ينوي الشخص القيام عند النوم، وأن يمسح المستيقظ النوم عن وجهه، وأن ينظر إلى السماء، وأن يقرأ: ﴿إن في خلق السموات والأرض﴾ [آل عمران:١٩٠/ ٣]، وأن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين. والسنة أن يتوسط في نوافل الليل بين الجهر والإسرار، وإطالة القيام فيها أفضل من تكثير عدد الركعات، وأن ينام من نعس في صلاته، ويتأكد بإكثار الدعاء والاستغفار في جميع ساعات الليل، وفي النصف الأخير آكد، وعند السحر أفضل.
ومن غير الراتبة: صلاة الضحى، وأقلها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة، لخبر مسلم: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، ويجزئ عن ذلك ركعتان يصليهما من الضحى»، وأدنى الكمال أربع، وأكمل منه ست، وأفضلها ثماني ركعات، لما روت أم هانئ بنت أبي طالب ﵂: أن النبي ﷺ صلاها ثماني ركعات (٣).
وكون أكثرها ثنتا عشرة ركعة لخبر أبي داود: «إن صليت
(١) حديث صحيح، بعضه في الصحيحين، وبعضه في مسلم بمعناه (المجموع:٥٤٠/ ٣ ومابعدها).
(٢) أثر عمر رواه الشافعي ثم البيهقي بإسنادين ضعيفين (المجموع:٥٤١/ ٣).
(٣) رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري (المجموع:٥٣١/ ٣).
 
الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين أو أربعًا كتبت من المحسنين، أو ستًا كتبت من القانتين، أو ثمانيًا كتبت من الفائزين، أو عشرًا لم يكتب عليك ذلك اليوم ذنب، أو ثنتي عشرة بنى الله لك بيتًا في الجنة» (١).
ووقتها: من ارتفاع الشمس إلى زوالها.
ومن غير الراتبة: تحية المسجد ركعتين، والأصح أنها تتكرر بتكرر الدخول في المسجد مرارًا، لما روى أبو قتادة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» (٢). فإن دخل وقد أقيمت الجماعة، لم يصل التحية، لقوله ﷺ «إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة» (٣)، ولأنه يحصل بها التحية. وتحصل التحية بفرض أو نفل آخر، وإن لم تنو؛ لأن القصد بها ألا ينتهك المسجد بلا صلاة. وعلى هذا فإنها تكره إذا وجد المكتوبة تقام، أو دخل المسجد الحرام ففعلها قبل الطواف، أو خاف فوت الصلاة. ولا تسن التحية للخطيب إذا خرج من مكانه للخطبة، ولا لمن لو فعلها فاته أول الجمعة مع الإمام.
ومنها: صلاة التوبة: لخبر أبي داود وغيره وحسنه الترمذي: «ليس عبد يذنب ذنبًا، فيقوم فيتوضأ، ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله، إلا غفر له».
ومنها: صلاة التسبيح أربع ركعات، يقول في كل ركعة بعد القراءة: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر» خمس عشرة مرة، ويقول في
(١) ورواه البيهقي، وقال: في إسناده نظر، وضعفه النووي في المجموع، المكان السابق. والمعتمد عند جماعة: أن أكثر الضحى ثمان.
(٢) رواه البخاري ومسلم (المجموع:٥٤٣/ ٣).
(٣) رواه مسلم عن أبي هريرة (المجموع:٥٤٤/ ٣).
 
كل من الركوع والرفع منه والسجدتين والجلوس بينهما وجلسة الاستراحة، وما قبل التشهد عشرًا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة (١).
ومنها: صلاة الاستخارة ركعتان، لخبر البخاري السابق عن جابر: «كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ...» الحديث في النوافل عند الحنفية. ويقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ [الكافرون:١٠٩/ ١]، وفي الثانية: ﴿قل هو الله أحد﴾ [الإخلاص:١/ ١١٢].
ومنها: ركعتا الزوال عقبه، يقرأ فيهما بعد الفاتحة (الكافرون والإخلاص) فقد روي عن النبي ﷺ أنه فعل ذلك، وأمر بفعله. وهو حديث غريب أي من حيث روايته؛ لأنه انفرد به راو واحد.
ومنها: ركعتان عند الرجوع من سفره في المسجد قبل دخوله بيته. اتباعًا للسنة، رواه الشيخان.
ومنها: ركعتا الوضوء ولو مجدَّدًا، لخبر الصحيحين «من توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين، لم يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه».
ومنها: صلاة الأوابين وتسمى صلاة الغفلة لغفلة الناس عنها بسبب عشاء أو نوم أو نحو ذلك، وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، وأقلها ركعتان لحديث الترمذي أنه ﷺ قال: «من صلى ست ركعات بين المغرب والعشاء، كتب الله له عبادة اثنتي عشرة ركعة».
(١) رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه، لكن قال النووي: وفي سنية صلاة التسبيح نظر؛ لأن فيها تغيير الصلاة، وحديثها ضعيف. لكن رد بعضهم هذا بأن حديثها حسن أو صحيح، ولو سلم ضعفه فهو في فضائل الأعمال.
 
المؤكد وغير المؤكد من النوافل عند الشافعية:
 
أولًا - السنن المؤكدة:
  أـ عشر ركعات من الراتب التابع للفرض: وهي ركعتا الفجر، وركعتا قبل الظهر أو الجمعة، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء (١).
ويقرأ في ركعتي المغرب والفجر سورتي الإخلاص: في الأولى: قل ياأيها الكافرون، وفي الثانية: قل هو الله أحد (٢).وروي أيضًا أنه ﷺ قرأ في الأولى من ركعتي الفجر: ﴿قولو آمنا بالله وما أنزل إلينا﴾ - الآية التي في البقرة:١٣٦،وفي الثانية: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا﴾ - الآية ال عمران: ٦٤.
والخلاصة: يقرأ في أولى ركعتي الفجر والمغرب والاستخارة وتحية المسجد وركعتي الإحرام والزوال: قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية: الإخلاص.
ويسن أن يفصل بين سنة الصبح وفرضه باضطجاع أو كلام أو نحوه، لحديث عائشة قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة، فيخرج» (٣) وهذا موافق لمذهب الحنابلة أيضًا، وخالف المالكية والحنفية في ذلك كما بينا.
ب - الوتر: إذا أراد أن يصليه ثلاثًا فالأفضل أن يصليها مفصولة بسلامين
(١) اتباعًا للسنة، رواها الشيخان ما عدا المغرب عند مسلم.
(٢) رواه مسلم.
(٣) متفق عليه.
 
لكثرة الأحاديث الصحيحة فيه، ولكثرة العبادات، فإنه تتجدد فيه النية، ودعاء التوجه والدعاء في آخر الصلاة، والسلام وغير ذلك.
جـ - ثلاث نوافل غير راتبة أي تابعة للفرائض: صلاة الليل (التهجد) وصلاة الضحى، وصلاة التراويح.

ترتيب أفضليتها: 
وآكد السنن الراتبة مع الفرائض: سنة الفجر والوتر؛ لأنه ورد فيهما ما لم يرد في غيرهما، والمذهب الجديد وهو الصحيح أن الوتر أفضل من الفجر، لقوله ﷺ: «إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر» وقوله ﵇ «من لم يوتر فليس منا» (١).
والأصح تفضيل الراتبة على التراويح، ثم أفضل الصلوات بعد الرواتب والتراويح: الضحى، ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف، وركعتي الإحرام، وتحية المسجد، ثم سنة الوضوء. (٢)

وقت الرواتب: 
ما يفعل قبل الفرائض من سنن الرواتب يدخل وقتها بدخول وقت الفرض، ويبقى وقتها إلى أن يذهب وقت الفرض. وما كان بعد الفرض يدخل وقتها بالفراغ من الفرض، ويبقى وقتها إلى أن يذهب وقت الفرض، ويعد فعل القبلية بعد الفرض أداء، والاختيار ألا تؤخر عن وقتها إلا لمن حضر والصلاة تقام أو نحوه، وفعل البعدية قبله لا تنعقد. ويسن فعل السنن الراتبة في السفر، سواء أقصر أم أتم، لكنها في الحضر آكد (٣).
(١) الحديث الأول رواه ثمانية من الصحابة، والثاني رواه أبو داود والحاكم وصححه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (نصب الراية:١٠٨/ ٢ - ١١٣).
(٢) المجموع:٥٢١/ ٣ وما بعدها.
(٣) المجموع:٥٠٥/ ٣، المهذب:٨٣/ ١، مغني المحتاج:٢٢٤/ ١.
 
قضاء النوافل:
  لو فات النفل المؤقت، ندب قضاؤه في الأظهر (١)، لحديث الصحيحين: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» ولأنه ﷺ «قضى ركعتي الفجر لما نام في الوادي عن صلاة الصبح إلى أن طلعت الشمس» (٢) «وقضى ركعتي سنة الظهر المتأخرة بعد العصر» (٣)، ولأنها صلاة مؤقتة، فقضيت كالفرائض، سواء في السفر والحضر.

ثانيًا - السنن غير المؤكدة: 
 أـ اثنتا عشرة ركعة: ركعتان قبل الظهر، سوى المؤكدتين، وركعتان بعدها كذلك، والجمعة كالظهر، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، ويسن تخفيفهما وفعلهما بعد إجابة المؤذن لحديث «بين كل أذانين صلاة» والمراد الأذان والإقامة كما قدمنا، وركعتان قبل العشاء.
ب - كل النوافل الأخرى غير المؤكدة مما ذكر سابقًا في السنن غير الراتبة.
جـ - النفل المطلق: وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب، أي لا حصر لعدده ولا لعدد ركعاته، قال ﷺ لأبي ذر: «الصلاة خير موضوع، استكثر أو أقلّ» (٤).
فإن أحرم بأكثر من ركعة فله التشهد في كل ركعتين، والصحيح منعه في كل ركعة. وإذا نوى عددًا، فله أن يزيد وينقص بشرط تغيير النية قبلهما، وإلا فتبطل، فلو نوى ركعتين، ثم قام إلى ثالثة سهوًا، فالأصح أنه يقعد، ثم يقوم للزيادة إن شاء الزيادة، ثم يسجد للسهو في آخر صلاته لزيادة القيام.
(١) مغني المحتاج:٢٢٤/ ١.
(٢) رواه أبو داود بإسناد صحيح، وفي مسلم نحوه.
(٣) رواه الشيخان.
(٤) رواه ابن ماجه.
 
وقد بينا سابقًا أن نفل الليل أفضل، وأوسطه أفضل، ثم آخره.
ويسلم في النفل من كل ركعتين، ويكره قيام كل الليل دائمًا، وتخصيص ليلة الجمعة بقيام (١)، وترك تهجد اعتاده بلا عذر، لقوله ﷺ لعبد الله بن عمرو: «ياعبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ثم تركه» (٢).

النوافل عند الحنابلة:
يتشابه المذهب الحنبلي مع الشافعي في النوافل إلى حد كبير، فقالوا (٣):
التطوعات قسمان:
أحدهما: ما تسن له الجماعة، وهو صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح.
والثاني: ما يفعل على الانفراد، وهي قسمان: سنة معينة، ونافلة مطلقة.

فأما السّنّة المعيّنة فتتنوّع أنواعًا: 
 
 النوع الأول - السنن الرواتب مع الفرائض أي المؤكدة: 
 وهي ركعة الوتر: يتأكد فعلها، ويكره تركها، ولا تقبل شهادة من داوم عليه ثم تركه، لسقوط عدالته، قال أحمد: من ترك الوتر عمدًا فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل شهادته.
وعشر ركعات: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب،
(١) لخبر مسلم «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي» أما إحياؤها بغير صلاة فلا يكره.
(٢) رواه الشيخان.
(٣) المغني:١٢٠/ ٢ - ١٦٣، كشاف القناع:٤٩٥/ ١ - ٥٢١.
 
وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. ويخير في السفر بين فعلها وبين تركها؛ لأن السفر مظنة المشقة، ولذلك جاز في القصر، إلا سنة الفجر وسنة الوتر، فيفعلان فيه، لتأكدهما.
وفعل الرواتب في البيت أفضل، بل السنن كلها سوى ما تشرع له الجماعة، لحديث ابن عمر: «حفظت عن رسول الله ﷺ عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يُدخل فيها على النبي ﷺ حدثتني حفصة:
أنه كان إذا أذن المؤذن، وطلع الفجر، صلى ركعتين» (١) ولمسلم «بعد الجمعة سجدتين» ولم يذكر ركعتين قبل الصبح».
ويسن تخفيف ركعتي الفجر، لحديث عائشة: «كان النبي ﷺ يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟» (٢).
ويسن الاضطجاع بعدهما على جنبه اليمين قبل الفرض، لقول عائشة: «كان النبي ﷺ إذا صلى ركعتي الفجر، اضطجع» وفي رواية: «فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع» (٣) قالوا: واتباع النبي ﷺ في قوله وفعله أولى من اتباع من خالفه كائنًا من كان.
ويسن أن يقرأ في ركعتي الفجر والمغرب (الكافرون) و(الإخلاص) لما روى أبو هريرة وغيره في الفجر، وابن مسعود في المغرب (٤)، أو يقرأ في ركعتي
(١) متفق عليه، وكذا أخبرت عائشة وصححه الترمذي.
(٢) متفق عليه.
(٣) متفق عليه، وروى الترمذي مثله عن أبي هريرة، وقال: هذا حديث حسن.
(٤) حديث أبي هريرة رواه مسلم، وروى مسلم أيضًا مثله عن ابن عباس، وروى الترمذي مثله عن ابن عمر، وحديث ابن مسعود أخرجه الترمذي وابن ماجه.
 
الفجر: في الأولى ﴿قولوا آمنا بالله ...﴾ من البقرة:١٣٦،وفي الثانية: ﴿قل: يا أهل الكتاب تعالوا ...﴾ من آل عمران: ٦٤، للخبر المتقدم.
ويجوز فعل ركعتي الفجر والوتر وغيرها راكبًا، لحديث مسلم عن ابن عمر في الفجر، وللبخاري «إلا الفرائض».
وآكد هذه الركعات: ركعتا الفجر، لحديث عائشة السابق: «أن رسول الله ﷺ لم يكن على شيء أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر» (١).
ووقت السنن الرواتب القبلية: وقت الفرض قبله، والبعدية بعده، ولا يقضى منها شيء إلا ركعتا الفجر، اختار أحمد أن يقضيهما من الضحى، أي كما قال الحنفية والمالكية، وقال: إن صلاهما بعد الفجر أجزأ. ويجوز قضاء السنن الراتبة بعد العصر، في حديث أم سلمة، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة، والاقتداء بما فعله النبي ﷺ متعين؛ ولأن النهي بعد العصر خفيف.
وقال في كشاف القناع: تقضى جميع السنن، إذ يقاس الباقي على سنة الفجر والعصر، قال ابن حامد: تقضى جميع السنن الرواتب في جميع الأوقات إلا أوقات النهي؛ لأن النبي ﷺ قضى بعضها، وقسنا الباقي عليه، أي كما قال الشافعية.

النوع الثاني - السنن غير الرواتب، 
 وهي تطوعات مع الرواتب أي غير مؤكدة: وهي عشرون: أربع قبل الظهر وأربع بعدها، وأربع قبل صلاة العصر،
(١) متفق عليه، وروى مسلم: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» وروى أبو داود عن أبي هريرة: «صلوهما ولو طردتكم الخيل».
 
وأربع بعد صلاة المغرب، وأربع بعد صلاة العشاء. ويباح أن يصلي ركعتين قبل المغرب.
وأدلة ذلك: في الظهر: حديث أم حبيبة «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، حرمه الله على النار» (١). وفي العصر: «رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا» (٢)، وعن علي في صفة صلاة رسول الله ﷺ: «وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس، وركعتين بعدها، وأربعًا بعدها، وأربعًا قبل العصر بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين» (٣).
وفي المغرب: «من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له بعبادة اثنتي عشرة سنة» (٤).
وفي العشاء: سأل شريح بن هانئ عائشة عن صلاة رسول الله ﷺ؟ فقالت: ما صلى رسول الله ﷺ العشاء قط، إلا صلى أربع ركعات، أو ست ركعات (٥).
وأما سنة قبل المغرب: فلحديث أنس: «كنا نصلي على عهد رسول الله ﷺ ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فسئل أنس: أكان رسول الله ﷺ صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما، فلم يأمرنا ولم ينهنا» (٦).
(١) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وروى أبو أيوب عن النبيص قال: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم، تفتح لهن أبواب السماء».
(٢) رواه أبو داود، وروي مثله عن عائشة.
(٣) رواه ابن ماجه.
(٤) رواه الترمذي، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عمر بن أبي خثعم، وضعفه البخاري جدًا.
(٥) رواه أبو داود.
(٦) متفق عليه، وفي حديث آخر متفق عليه «صلوا قبل المغرب ركعتين» وأخرج مسلم عن أنس: «أن الناس بالمدينة إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب، ابتدروا السواري، فركعوا ركعتين» وروى مسلم أيضًا عن عبد الله بن المغفل: «بين كل أذانين صلاة - قالها ثلاثًا - لمن شاء» وقال عقبة: «كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ».
 
وقال في كشاف القناع (١): ولا سنة راتبة للجمعة قبلها، وأقل السنة الراتبة بعدها: ركعتان، لما في رواية متفق عليها عن ابن عمر: «وركعتين بعد الجمعة في بيته»، وأكثرها ست. وفعل سنة الجمعة في المسجد مكانه أفضل.
أما صلاة ركعتين بعد الوتر: فظاهر كلام أحمد: أنه لا يستحب فعلهما، وإن فعلهما إنسان جاز. والصحيح أنهما ليستا بسنة؛ لأن أكثر من وصف تهجد النبي ﷺ لم يذكرهما، منهم ابن عباس وزيد بن خالد وعائشة.
ويسن أن يفصل بين كل فرض وسنة بقيام أو كلام، لقول معاوية: «إن النبي ﷺ أمرنا بذلك ألا نوصل صلاة، حتى نتكلم أو نحرج» (٢).

النوع الثالث - صلوات معينة مستقلة:
 
١ ً - صلاة التراويح أو قيام شهر رمضان: 
عشرون ركعة، وهي سنة مؤكدة، وأول من سنها رسول الله ﷺ، قال أبو هريرة: «كان رسول الله ﷺ يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه» (٣)،وقالت عائشة: «صلى النبي ﷺ في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله ﷺ، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفترض عليكم - قال: وذلك في رمضان» (٤).
(١) ٤٩٦/ ١.
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه أصحاب الكتب الستة، وهو صحيح.
(٤) رواه مسلم.
 
ودليل كونها عشرين: ما روى مالك عن يزيد بن رومان قال: «كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة» والسر فيه: أن الراتبة عشر، فضوعفت في رمضان؛ لأنه وقت جدّ، وهذا مظنة الشهرة بحضرة الصحابة، فكان إجماعًا. وروى أبو بكر عبد العزيز في كتابه الشافي عن ابن عباس: «أن النبي ﷺ كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة»، وأن عمر لما جمع الناس على أبي بن كعب كان يصلي لهم عشرين ركعة. وعن علي «أنه أمر رجلًا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة» وهذا كالإجماع.
وثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث.
ويجهر فيها الإمام بالقراءة لفعل الخلف عن السلف. وفعلها جماعة أفضل من فعلها فرادى، لحديث أبي ذر: «أن النبي ﷺ جمع أهله وأصحابه، وقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة» (١)، وقد جاء عن عمر أنه كان يصلي في الجماعة. وروى البيهقي عن علي: أنه كان يجعل للرجال إمامًا وللنساء إمامًا. وكان علي وجابر وعبد الله يصلونها جماعة. وقد أجمع الصحابة على ذلك.
هذا ... وللعلماء في عدد التراويح ثلاثة أقوال: قول كثير من العلماء إنها عشرون وهو السنة، لعمل المهاجرين والأنصار، وقوله آخرين: إنها ست وثلاثون غير الشفع والوتر وهو ماكان في زمن عمر بن عبد العزيز، وعمل أهل المدينة القديم (٢)، وقالت طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة: «أن النبي ﷺ لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة» قال ابن تيمية: والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما نص على ذلك الإمام أحمد ﵀، وأنه
(١) رواه أحمد وصححه الترمذي.
(٢) الشرح الكبير للدردير٣١٥/ ١.
 
لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي ﷺ لم يوقت فيها عددًا، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها، بحسب طول القيام وقصره (١)، وقال الشوكاني: دلت الأحاديث على مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى، فقصر الصلاة المسماة بالتراويح على عدد معين، وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة (٢).

القراءة في التراويح:
قال أحمد ﵀: يقرأ الإمام بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس، ولا يشق عليهم، ولا سيما في الليالي القصار، والأمر على ما يحتمله الناس. وقال القاضي أبو يعلى: لا يستحب النقصان عن ختمة في الشهر، ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يزيد على ختمة كراهية المشقة على من خلفه.
وعقب صاحب المغني على ذلك: والتقدير بحال الناس أولى، فإنه لو اتفق جماعة يرضون بالتطويل ويختارونه كان أفضل، كما روى أبو ذر قال: «قمنا مع النبي ﷺ حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح - يعني السحور».
ويستحب أن يبتدئ التراويح بسورة العلق ﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق:١/ ٩٦]؛ لأنها أول ما نزل من القرآن، فإذا سجد للتلاوة في آخرها قام فقرأ من البقرة.

نية التراويح:
وينوي في كل ركعتين، فيقول سرًا ندبًا، أصلي ركعتين من التراويح المسنونة، أو من قيام رمضان، لحديث «إنما الأعمال بالنيات»، ويستريح بعد كل أربع بجلسة يسيرة.
(١) فتاوى ابن تيمية١١٢/ ٢٣ - ١١٣.
(٢) نيل الأوطار٥٣/ ٣.
 
ولا بأس بترك الجلسة بعد كل أربع، ولا يدعو إذا استراح، لعدم وروده، ولا يكره الدعاء بعد التراويح لعموم قوله تعالى: ﴿فإذا فرغت فانصب﴾ [الانشراح:٧/ ٩٤].

وقت التراويح:
ووقتها بعد صلاة العشاء وبعد سنتها قبل الوتر إلى طلوع الفجر الثاني، فلا تصح قبل صلاة العشاء، فمن صلى العشاء ثم التراويح، ثم ذكر أنه صلى العشاء محدثًا، أعاد التراويح؛ لأنها سنة تفعل بعد مكتوبة، فلم تصح قبلها، كسنة العشاء. وإن طلع الفجر، فات وقتها، ولا تقضى. وإن صلى التراويح بعد العشاء، وقبل سنتها، صح جزمًا، ولكن الأفضل فعلها بعد السنة، على المنصوص.

فعلها في المسجد:
وفعلها في المسجد أفضل؛ لأن النبي ﷺ «صلاها مرة ثلاث ليال متوالية» كما روته عائشة، ومرة «ثلاث ليال متفرقة» كما رواه أبو ذر، وقال ﵇: «من قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة» (١)، وكان أصحابه يفعلونها في المسجد أوزاعًا في جماعات متفرقة في عهده، وجمع عمر الناس على أبي، وتابعه الصحابة على ذلك ومن بعدهم.
وفعلها أول الليل أفضل؛ لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر أوله.

الوتر بعد التراويح:
ويوتر بعدها في الجماعة بثلاث ركعات، لما تقدم عن مالك عن يزيد بن رومان.
(١) حديث عائشة رواه مسلم وغيره، وحديث ابي ذر رواه ابو داود والاثرم وابن ماجة، والحديث الاخير في رواية ابي ذر.
 
فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده استحبابًا لقوله ﷺ: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» (١). وإن لم يكن له تهجد صلى الوتر مع الإمام لينال فضيلة الجماعة. فإن أحب من له تهجد متابعة الإمام في وتره، قام إذا سلم الإمام، فشفعها أي ركعة الوتر بأخرى، ثم إذا تهجد أوتر، فينال فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف، وفضيلة جعل وتره آخر صلاته.
ومن أوترفي جماعة أو منفردًا، ثم أراد الصلاة تطوعًا بعد الوتر، لم ينقض وتره أي لم يشفعه بركعة، كما قال الشافعية، لقول عائشة - وقد سئلت عن الذي ينقض وتره - «ذاك الذي يلعب بوتره» (٢)، وصلى شفعًا ما شاء إلى طلوع الفجر الثاني؛ لأنه قد صح عن النبي ﷺ «أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين»، ولم يوتر اكتفاء بالوتر الذي قبل تهجده، لقوله ﷺ: «لا وتران في ليلة» (٣).

التطوع بين التراويح وبعدها:
ويكره التطوع بين التراويح، ولا يكره طواف بينها، ولا طواف بعدها، وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعًا، ويصلون ركعتي الطواف. ولا يكره تعقيب التطوع بعد التراويح وبعد الوتر في جماعة، سواء طال الفصل أو قصر.

٢ً - صلاة الضحى: 
 وهي مستحبة أي غير مؤكدة، لما روى أبو هريرة قال: «أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد» (٤).
(١) متفق عليه.
(٢) رواه سعيد وغيره.
(٣) رواه أحمد وأبو داود عن قيس بن طلق عن أبيه، وقيس فيه لين.
(٤) متفق عليه، ورويا مثله حديثين آخرين عن أبي الدرداء، وأبي ذر.
 
وأكثرها ثمان ركعات، لما روت أم هانئ: «أن النبي ﷺ دخل بيتها، يوم فتح مكة، وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود» (١).
ووقتها: إذا علت الشمس واشتد حرها، لقول النبي ﷺ: «صلاة الأوابين حتى ترمَض الفصال» (٢).
وقال بعض الحنابلة: لا تستحب المداومة عليها؛ لأن النبي ﷺ لم يداوم عليها، قالت عائشة: «ما رأيت النبي ﷺ يصلي الضحى قط» (٣)، ولأن في المداومة عليها تشبيهًا بالفرائض.
وقال بعض آخر (أبو الخطاب): تستحب المداومة عليها؛ لأن النبي ﷺ أوصى بها أصحابه، وقال: «من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر» (٤)، ولأن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه.

٣ً - صلاة التسبيح: 
 ليست مستحبة عند الإمام أحمد إذ لم يثبت له الحديث المروي فيها (٥)، وإن فعلها إنسان فلا بأس بها، فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها.

٤ً - صلاة الاستخارة: 
سنة لحديث جابر السابق عند البخاري.
(١) متفق عليه.
(٢) رواه مسلم. أي حتى يجد الفصيل حر الشمس من الرمضاء.
(٣) متفق عليه.
(٤) قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث النهاس بن قهم.
(٥) وهو الحديث السابق في المذاهب الثلاثة المروية عن ابن عباس عند أبي داود والترمذي.
 
٥ً - صلاة الحاجة: 
سنة لحديث عبد الله بن أبي أوفى السابق عند الترمذي، وقال حديث غريب.

٦ً - صلاة التوبة: 
سنة لحديث علي السابق عند أبي داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب.

٧ً - تحية المسجد: 
سنة لحديث أبي قتادة المتقدم، المتفق عليه.

٨ً - صلاة الزوال: 
مستحبة لحديث علي المتقدم في مذهب الشافعية.

النَّفْلُ المُطلَق: 
تشرع النوافل المطلقة في الليل كله، وفي النهار، فيما سوى أوقات النهي، وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار، قال أحمد: ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل. وقد أمر النبي ﷺ بذلك، قال تعالى: ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة لك﴾ [الإسراء:٧٩/ ١٧]، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (١).
وأفضل التهجد جوف الليل الآخر، لما روى عمدو بن عبسة قال: «قلت: يا
(١) قال الترمذي: هذا حديث حسن.
 
رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت» (١).
والتطوع في البيت أفضل، لحديث «عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» (٢).
ويستحب أن يتسوك قبل التهجد، لما روى حذيفة قال: «كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك» (٣).
ويستحب أن يفتح تهجده بركعتين خفيفتين، لما روى أبو هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» (٤).

عدد التهجد:
واختلف في عدد ركعات تهجد النبي ﷺ، ففي حديث زيد بن خالد وابن عباس: إنه ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر ثلاثًا (٥)، وفي حديث عائشة: إنه إحدى عشرة ركعة، منها الوتر ثلاثًا (٦). قال ابن قدامة الحنبلي: يحتمل أنه صلى في ليلة ثلاث عشرة، وفي ليلة إحدى عشرة.

قراءة المتهجد:
يستحب أن يقرأ المتهجد جزءًا من القرآن في تهجده، فإن النبي ﷺ كان يفعله. وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له
(١) رواه أبو داود، ورويت أحاديث كثيرة في صفة تهجد النبي ﷺ، منها عن ابن عباس: في منتصف الليل، ومنها عن عائشة في السحر، ومنها عن أبي هريرة في ثلث الليل الآخر، وهي كلها متفق عليه.
(٢) رواه مسلم.
(٣) متفق عليه.
(٤) رواه أحمد ومسلم، وهو صحيح.
(٥) أخرجهما مسلم.
(٦) متفق عليه.
 
في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته، أو ينتفع بها، فالجهر أفضل. وإن كان قريبًا منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته، فالإسرار أولى. وإن لم يكن لا هذا ولا هذا، فليفعل ما شاء (١).

قضاء التهجد:
ومن كان له تهجد ففاته، استحب له قضاؤه بين صلاة الفجر والظهر (٢).

التنفل بين المغرب والعشاء:
يستحب التنفل بين المغرب والعشاء، لما روي عن أنس بن مالك في هذه الآية: ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾ الآية [السجدة:١٦/ ٣٢]، قال: «كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء يصلون» (٣).

التطوع مثنى مثنى:
وصلاة التطوع في الليل مثنى مثنى كالشافعية، لقول النبي ﷺ: «صلاة الليل مثنى مثنى» (٤). وإن تطوع بأربع في النهار فلا بأس. والأفضل في تطوع النهار: أن يكون مثنى مثنى، كصلاة الليل.

التطوع جالسا ً:
لا خلاف في إباحة التطوع جالسًا، وإنه في القيام أفضل، قال النبي ﷺ:
(١) روي في ذلك أحاديث كثيرة، منها ما رواه الترمذي عن عائشة، ومنها ما رواه أبو داود عن أبي هريرة وعن ابن عباس وعن أبي قتادة وأبي سعيد.
(٢) أخرج مسلم حديثين في ذلك عن عائشة وغيرها.
(٣) رواه أبو داود، وروى الترمذي حديثًا غريبًا عن عائشة: «من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة».
(٤) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن ابن عمر.
 
«من صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم» (١)، وفي لفظ مسلم: «صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة».
ويستحب للمتطوع جالسًا: أن يكون في حال القيام متربعًا، كما قال المالكية؛ لأن القيام يخالف القعود، فينبغي أن تخالف هيئته في بدله هيئة غيره، كمخالفة القيام غيره، وهو مع هذا أبعد من السهو والاشتباه.

الدعاء عند اليقظة من النوم:
يستحب أن يقول الشخص عند انتباهه: «ما رواه عبادة عن النبي ﷺ أنه قال: من تعارَّ (٢) من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى، قبلت صلاته» (٣).
وعن ابن عباس قال: «كان رسول الله ﷺ إذا قام من الليل يتهجد، قال: اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد ﷺ حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك
(١) رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن عمران بن حصين.
(٢) أي استيقظ.
(٣) رواه البخاري.
 
حاكمت، فاغفر لي ما قدمت
وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك» (١).

قراءة القرآن وحفظه (٢):
 
القرآن أفضل الذكر:
القرآن أفضل من سائر الذكر لقوله ﷺ: «يقول الرب ﷾: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أُعطي السائلين، وفضلُ كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه» (٣). لكن الاشتغال بالمأثور من الذكر في محله كأدبار الصلوات أفضل من الاشتغال بتلاوة القرآن في ذلك المحل. والقرآن أفضل الكتب والصحف السماوية، وبعض القرآن أفضل من بعض، إما باعتبار الثواب، أو باعتبار متعلقه، كما يدل عليه ما ورد في (قل هو الله أحد والفاتحة وآية الكرسي).

حفظ القرآن:
ويستحب حفظ القرآن إجماعًا، وحفظه فرض كفاية إجماعًا، ويجب أن يحفظ منه ما يجب في الصلاة أي الفاتحة على المشهور، أو الفاتحة وسورة. ويبدأ ولي الصبي بتعليمه إياه قبل البلوغ، فيقرؤه كله إلا أن يعسر عليه حفظ كله، فيقرأ ماتيسر منه. ويقدم المكلف العلم بأحكام الشريعة بعد القراءة الواجبة.
(١) متفق عليه.
(٢) المغني:١٧٣/ ٢ - ١٧٦، كشاف القناع:٥٠٢/ ١ - ٥٠٩.
(٣) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
 
الاستماع للقرآن:
يجب الاستماع للقراءة مطلقًا؛ لأن العبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص السبب، لكن الاستماع للقرآن فرض كفاية؛ لأنه لإقامة حقه، بأن يكون ملتفتًا إليه غير مضيع، وذلك يحصل بإنصات البعض، كما في رد السلام (١).

القراءة في الطريق:
ولا بأس بقراءة القرآن وهو ماش في الطريق، والإنسان مضطجع أو جالس أو راكب، بدليل ما ثبت عن جماعة من السلف قراءة الكهف وغيرها في الطريق، وعن عائشة قالت: «إني لأقرأ القرآن وأنا مضطجعة على سريري» رواه الفرياني، وروى الشيخان عن عائشة أيضًا: «كان النبي ﷺ يتكئ في حجري وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن».
ويستحب أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام ليكون له ختمة في كل أسبوع، روى أبو داود أن النبي ﷺ قال لعبد الله بن عمرو: «اقرأ القرآن في سبع، ولا تزيدن على ذلك».

ختم القرآن:
ويكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يومًا؛ لأن النبي ﷺ «سأله عبد الله بن عمر: في كم تختم القرآن؟ قال: في أربعين يومًا، ثم قال: في شهر، ثم قال: في عشرين، ثم قال: في عشر، ثم قال: في سبع، لم ينزل علي من سبع» (٢).
(١) الدر المختار ورد المحتار ٥٠٩/ ١ ومابعدها.
(٢) أخرجه أبو داود.
 
وإن قرأه في ثلاث فحسن، لما روي عن عبد الله بن عمرو قال: «قلت لرسول الله ﷺ: إن بي قوة؟ قال: «اقرأه في ثلاث» (١) ويكره أن يقرأه في أقل من ثلاث، لما رواه عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث» (٢).

ترتيله وتلحينه:
والترتيل أفضل من قراءة الكثير مع العجلة، وتفهم القرآن وتدبره بالقلب أفضل من إدراجه؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ورتل القرآن ترتيلًا﴾ [المزمل:٤/ ٧٣]، ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته﴾ [ص:٢٩/ ٣٨] ويستحب تحسين القراءة وترتيلها وإعرابها، ويمكّن حروف المد واللين من غير تكلف، للأمر السابق بترتيله. قال الإمام أحمد: يُحسِّن القارئ صوته بالقرآن، ويقرؤه بحزن وتدبر، فقد ثبت أن تحسين الصوت بالقرآن وتطريبه مستحب غير مكروه إذالم يفض إلى زيادة حرف فيه أو تغيير لفظه، لقول أبي موسى الأشعري للنبي ﷺ: «لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبَّرته لك تحبيرًا» (٣) وقال عبد الله بن المغفل: «سمعت رسول الله ﷺ يوم فتح مكة يقرأ سورة الفتح، قال: فقرأ ابن المغفل ورجَّع في قراءته» (٤) فلا يكره الترجيع وتحسين القراءة، بل ذلك مستحب لحديث أبي هريرة: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به» (٥) وقال ﵇: «زينوا القرآن بأصواتكم» (٦) «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (٧).
(١) رواه أبو داود.
(٢) رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي.
(٣) يريد تحسين الصوت وتحزينه.
(٤) رواه مسلم.
(٥) رواه البخاري.
(٦) رواه أحمد والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن البراء، وروي عن غيره أيضًا، وهو صحيح.
(٧) رواه البخاري عن أبي هريرة، ورواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن سعد، وأبو داود عن أبي لبابة، والحاكم عن ابن عباس وعائشة.
 
ويكره قراءة القرآن بالألحان، وهي بدعة، أي إذا جعل الحركات حروفًا، ومدَّ في غير موضع المد؛ لأن القرآن معجز في لفظه ونظمه، والألحان تغيره، فإن حصل مع الألحان تغير نظم القرآن، وجَعْل الحركات حروفًا، حرم.

آداب التلاوة:
يستحب التعوذ قبل القراءة؛ لقوله تعالى: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ [النحل:٩٨/ ١٦]، ويستحب حمد الله تعالى عند الفراغ من القراءة على توفيقه ونعمه.
ومن آداب القراءة: البكاء، فإن لم يبك فليتباك، وأن يسأل الله عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب. ولا يقطع القراءة لحديث الناس إلا لحاجة. وأن تكون قراءته على العدول الصالحين العارفين بمعناها، وأن يتطهر ويستقبل القبلة إذا قرأ قاعدًا، ويتحرى أن يعرضه كل عام من هو أقرأ منه، ويفصل كل سورة مما قبلها بالوقف أو التسمية، ويترك المباهاة، وأن يطلب به الدنيا بل ما عند الله تعالى، وينبغي أن يكون ذا سكينة ووقار وقناعة بما قسم الله له، وألا يجهر بين مصلين أو نيام، أو تالين جهرًا يؤذيهم.
وقراءة القرآن أول النهار بعد الفجر أفضل من قراءته آخره، لقوله تعالى: ﴿إن قرآن الفجر كان مشهودًا﴾ [الإسراء:٧٨/ ١٧]، ويجوز تنوع الكلمة بقراءات السبع.
ولا تكره القراءة مع حدث أصغر (نقض الوضوء) وبنجاسة بدن وثوب، وحال مس الزوجة والذكر.
وتكره القراءة في المواضع القذرة تعظيمًا للقرآن، وتكره استدامتها حال
 
خروج الريح، وإنما يمسك حتى تنقضي، ويكره جهره بالقراءة مع الجنازة لأنه إخراج لها مخرج النياحة، ولا تمنع نجاسة الفم القراءة. وكره ابن عقيل القراءة في الأسواق يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع.
وتستحب القراءة في المصحف، ويستحب الاستماع لها؛ لأنه يشارك القارئ في أجره، ويكره الحديث عند القراءة بما لا فائدة فيه، لقوله تعالى: ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون﴾ [الأعراف:٧/ ٢٠٤]، ولأنه إعراض عن الاستماع الذي يترتب عليه الأجر بما لا طائل تحته.
ويدعو عقب ختم القرآن لفعل أنس: «كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا» (١)، ويستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى، لحديث أنس: «خير الأعمال: الحل والرحلة، قيل: وما هما؟ قال: افتتاح القرآن وختمه». ويسن أن يكبر فقط، فلا يستحب التهليل والتحميد لختمه آخر كل سورة من آخر الضحى إلى آخره، لأنه روي عن أبي بن كعب أنه قرأ على النبي ﷺ فأمره بذلك (٢)، ويكرر سورة الصمد، ولا يقرأ الفاتحة وخمس آيات من أول البقرة عقب الختم؛ لأنه لم يثبت فيه أثر.
ويستحب الإكثار من التلاوة في الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، اغتنامًا للزمان والمكان.

ويجوز تفسير القرآن بمقتضى اللغة العربية؛ لأنه عربي، ولقوله تعالى: ﴿لتبين للناس ما نزّل إليهم﴾ [النحل:١٦/ ٤٤]، وندد الله بالأعراب فقال: ﴿وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله﴾ [التوبة:٩/ ٩٧] أي الأحكام.
(١) رواه ابن أبي داود بإسنادين صحيحين عن قتادة عن أنس.
(٢) رواه القاضي أبو يعلى بإسناده في الجامع.
 
تفسير القرآن:
ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي، من غير لغة ولا نقل، فمن قال في القرآن أي فسره برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده (١) من النار، وأخطأ ولو أصاب، لقول ابن عباس مرفوعًا: «من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار» (٢)، وعن جندب مرفوعًا: «من قال في القرآن برأيه، فأصاب فقد أخطأ» (٣)، ويلزم الرجوع إلى تفسير الصحابي؛ لأن الصحابة شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل، فهو أمارة ظاهرة، ولا يلزم الرجوع إلى تفسير التابعي؛ لأن قوله ليس بحجة على المشهور.
ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلًا من الكلام، مثل أن يرى رجلًا جاء في وقته، فيقول: ﴿ثم جئت على قدر يا موسى﴾ [طه:٤٠/ ٢٠].
وذكر المالكية (٤): أنه يكره الاجتماع على قراءة سورة مثل سورة «يس» كما يكره بالاتفاق الجهر بالقراءة في المسجد لما فيه من التشويش على الآخرين، ولمظنة الرياء.
(١) أي لينزل منزله.
(٢) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
(٣) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: غريب، وفيه ضعيف.
(٤) الشرح الصغير:٤٣٣/ ١.
 

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية