الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

مقام الخالق ومقام المخلوق



مقام الخالق ومقام المخلوق
إن الفرق بين مقام الخالق والمخلوق هو الحد الفاصل بين الكفر والإيمان ،
ونعتقد أن من خلط بين المقامين فقد كفر والعياذ بالله .


ولكل مقام حقوقه الخاصة ، ولكن هناك أمورًا ترد في هذا الباب وخصوصاً
فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه التي تميزه عن غيره من البشر
وترفعه عليهم هذه الأمور قد تشتبه على بعض الناس لقصر عقولهم وضعف
تفكيرهم وضيق نظرهم وسوء فهمهم ، فيبادرون إلى الحكم بالكفر على أصحاا
وإخراجهم عن دائرة الإسلام ظناً منهم أن في ذلك تخليطاً بين مقام الخالق
والمخلوق ، ورفعاً لمقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقام الألوهية ، وإننا نبرأ إلى
الله سبحانه وتعالى من ذلك .


وإننا بفضل الله تعالى نعرف ما يجب لله تعالى ، وما يجب لرسوله صلى
الله عليه وسلم ، ونعرف ما هو محض حق لله تعالى وما هو محض حق لرسوله
صلى الله عليه وسلم من غير غلو ولا إطراء يصل إلى حد وصفه بخصائص الربوبية
والألوهية في المنع والعطاء والنفع والضر الاستقلالي [دون الله تعالى] والسلطة
الكاملة والهيمنة الشاملة والخلق والملك والتدبير والتفرد بالكمال ، والجلال
والتقديس والتفرد بالعبادة بمختلف أنواعها وأحوالها ومراتبها .
أما الغلو الذي يعني التغالي في محبته وطاعته والتعلق به ، فهذا محبوب
ومطلوب كما جاء في الحديث :


((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) ..


والمعنى أن إطراءه والتغالي فيه والثناء عليه بما سوى ذلك هو محمود ، ولو
كان معناه غير ذلك لكان المراد هو النهي عن إطرائه ومدحه أصلاً ومعلوم أن هذا
لا يقوله أجهل جاهل في المسلمين ، فإن الله تعالى عظم النبي صلى الله عليه
وسلم في القرآن بأعلى أنواع التعظيم ، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالى
وأمر بتعظيمه .. نعم يجب علينا أن لا نصفه بشيء من صفات الربوبية ورحم الله
القائل حيث قال :

دع ما ادعته النصارى في نبيهم :: واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فليس في تعظيمه صلى الله عليه وسلم بغير صفات الربوبية شيء من الكفر
والإشراك ، بل ذلك من أعظم الطاعات والقربات ، وهكذا كل من عظمهم الله
تعالى كالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وكالملائكة
ذَلك ومن يعظِّم شعائر اللَّه  : والصديقين والشهداء والصالحين ، قال الله تعالى
ذَلك ومن يعظِّم حرمات اللَّه فَهو خير لَّه  : وقال تعالى ،  َفإِنها من تقْ  وى الْقُلُوبِ
.   عند ربه
ومن ذلك الكعبة المعظمة والحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام ، فإا
أحجار وأمرنا الله تعالى بتعظيمها بالطواف بالبيت ومس الركن اليماني وتقبيل الحجر
الأسود وبالصلاة خلف المقام ، وبالوقوف للدعاء عند المستجار وباب الكعبة
والملتزم ، ونحن في ذلك كله لم نعبد إلا الله تعالى ، ولم نعتقد تأثيرًا لغيره ولا نفعاً ولا
ضرًا فلا يثبت شيء من ذلك لأحد سوى الله تعالى .

مقام المخلوق


أما هو صلى الله عليه وسلم فإننا نعتقد أنه صلى الله عليه وسلم بشر يجوز
عليه ما يجوز على غيره من البشر من حصول الأعراض والأمراض التي لا
توجب النقص والتنفير كما قال صاحب العقيدة :


وجائز في حقهم من عرض :: بغير نقص كخفيف المرض
وأنه صلى الله عليه وسلم عبد لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعاً ولا موتاً
قُل لاَّ َأمل  ك لنفْسِي نفْعاً  : ولا حياة ولا نشورًا إلا ما شاء الله ، قال تعالى
ولاَ ضرًا ِإلاَّ ما شاء اللّه وَلو كُنت َأعلَم اْلغيب لاَست ْ كثَر  ت من اْلخيرِ وما مسنِي


. الأعراف : ١٨٨  السوءُ ِإنْ َأناْ ِإلاَّ نذير وب  شير لِّقَومٍ يؤمنونَ
وأنه صلى الله عليه وسلم قد أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين ، فانتقل إلى جوار ربه راضياً
.  ِإنك ميت وِإنهم ميتونَ  : مرضياً كما قال تعالى
.  وما جعلْنا لبشرٍ من قَبلك الْ  خلْد َأَفإِن مت فَهم اْلخالدونَ  : وقال
والعبودية هي أشرف صفاته صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فإنه يفتخر ا
سبحانَ الَّذي َأس  رى  ويقول : [ إنما أنا عبد ] ووصفه الله ا في أعلى مقام
.  وَأنه َلما قَام عبد اللَّه يدعوه كَادوا يكُونونَ علَيه لبدًا  : وقال ،   ِبعب  ده
والبشرية هي عين إعجازه فهو بشر من جنس البشر لكنه متميز عنهم بما لا
يلحقه به أحد منهم أو يساويه كما قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه في الحديث
الصحيح : ((إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني))..


وذا ظهر أن وصفه صلى الله عليه وسلم بالبشرية يجب أن يقترن بما يميزه
عن عامة البشر من ذكر خصائصه الفريدة ومناقبه الحميدة ، وهذا ليس خاصاً به
صلى الله عليه وسلم ، بل هو عام في حق جميع رسل الله سبحانه وتعالى لتكون
نظرتنا إليهم لائقة بمقامهم ، وذلك لأن ملاحظة البشرية العادية اردة فيهم دون
غيرها هي نظرة جاهلية شركية ، وفي القرآن شواهد كثيرة على ذلك ، فمن ذلك
فَقَالَ الْ  ملأُ الَّذين كَفَرواْ من  : قول قوم نوح في حقه فيما حكاه الله عنهم إذ قال
. سورة هود : ٢٧  قومه ما نراك ِإلاَّ بشرًا مثْلَنا
ومن ذلك قول قوم موسى وهارون في حقهما فيما حكاه الله عنهم إذ قال :


. المؤمنون : ٤٧  فَقَاُلوا َأنؤمن لبشرينِ مثْلنا وقَومهما َلنا عاِبدونَ 
ما َأنت ِإلَّا  : ومن ذلك قول ثمود لنبيهم صالح فيما حكاه الله عنهم بقوله
. سورة الشعراء : ١٥٤   بشر مثْلُنا فَْأت ِبآية ِإن كُنت من الصادقين
ومن ذلك قول أصحاب الأيكة لنبيهم شعيب فيما حكاه الله عنهم بقوله :
  قَاُلوا ِإنما َأنت من الْمسحرِين وما َأنت ِإلَّا بشر مثْلُنا وِإن نظُنك َلمن الْكَاذِبين


. سورة الشعراء : ١٨٦
ومن ذلك قول المشركين في حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد رأوه

بعين البشرية اردة فيما حكاه الله عنهم بقوله
ولقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ،  الطَّعام ويمشي في الْأَسواقِ
نفسه حديث الصدق بما أكرمه الله تعالى به من عظيم الصفات وخوارق العادات
.( التي تميز ا عن سائر أنواع البشر ( ١
فمن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح أنه قال :
(( تنام عيناي ولا ينام قلبي )) .
وجاء في الصحيح أنه قال :
(( إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي )) ..
وجاء في الصحيح أنه قال :
(( أوتيت مفاتيح خزائن الأرض )) .


وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان قد مات إلا أنه حي حياة برزخية
كاملة يسمع الكلام ويرد السلام وتبلغه صلاة من يصلي عليه وتعرض عليه أعمال
الأمة فيفرح بعمل المحسنين ويستغفر للمسيئين وأن الله حرم على الأرض أن تأكل
جسده فهو محفوظ من الآفات والعوارض الأرضية .


وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال :
((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أفضل أيامكم يوم الجمعة : فيه
خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ،
فإن صلاتكم معروضة علي)) . قالوا : يا رسول الله ! وكيف تعرض صلاتنا
عليك وقد أرمت يعني بليت ؟ فقال : ((إن الله عز وجل حرم على الأرض أن
تأكل أجساد الأنبياء)) ..


رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه.
وفي ذلك رسالة خاصة للحافظ جلال الدين السيوطي أسماها ((إنباء
الأذكياء بحياة الأنبياء)) .


عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(1) سيأتي بحث خاص في هذا الموضوع بعنوان (( الأنبياء بشر ولكن ))

(( حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرًا لكم
تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرًا حمدت الله وإن رأيت شرًا استغفرت لكم)) .
قال الهيثمي : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .


وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)) .
رواه أحمد وأبو داود . قال بعض العلماء : رد علي روحي أي نطقي ، وعن
عمار بن يسار رضي الله عنه قال :
إن الله وكّل بقبري ملكاً أعطاه الله أسماء :  ((قال رسول الله
الخلائق ، فلا يصلي علي أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه ، هذا
فلان بن فلان قد صلى عليك)) .


:  رواه البزار وأبو الشيخ ابن حبان ولفظه : قال رسول الله
((إن لله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إذا
مت ، فليس أحد يصلي علي إلا قال : يا محمد ! صلى عليك فلان بن فلان ،
قال : فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرًا)) ..
. ( رواه الطبراني في الكبير بنحوه ( ٢


وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان قد مات إلا أن فضله ومقامه وجاهه عند
ربه باق لا شك في ذلك ولا ريب عند أهل الإيمان ، ولذلك فإن التوسل به إلى الله
سبحانه وتعالى إنما يرجع في الحقيقة إلى اعتقاد وجود تلك المعاني واعتقاد محبته
وكرامته عند ربه وإلى الإيمان به وبرسالته ، وليس هو عبادة له ، بل إنه مهما عظمت
درجته وعلت رتبته فهو مخلوق لا يضر ولا ينفع من دون الله إلا بإذنه .


.   قُلْ ِإنما َأنا بشر مثْلُكُم يوحى ِإَلي َأنما ِإَلهكُم ِإَله واحد  : قال تعالى

٢) كثير من هذه الأحاديث سيأتي مفصلاً في مباحث أخرى من هذه الرسالة لمناسبة أخرى ، والحديث الواحد يستدل به )
العلماء على أكثر من مسألة في أكثر من موضع واحد .



عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية