الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي

كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي
الكتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موضوع: الفقه علي مذهب الشافعي

فهرس كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
  1. فَصْلٌ إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ بِرَفِيقِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، حَازَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ
  2. فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ
  3. فَصْلٌ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مِنَ الْخَمْسِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَهَا
  4. فَصْلٌ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ
  5. بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ
  6. فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْإِمَامِ
  7. فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ
  8. العودة الي كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين
كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا، لَا تَخْتَلِفُ بِالْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ، لَكِنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ. فَالْجَمَاعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَكْتُوبَاتِ، فَفِيهَا أَوْجُهٌ. الْأَصَحُّ: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَالثَّانِي: سُنَّةٌ. وَالثَّالِثُ: فَرْضُ عَيْنٍ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَإِنْ قُلْنَا: فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنْ إِقَامَتِهَا، قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَسْقُطِ الْحَرَجُ إِلَّا إِذَا أَقَامُوهَا، بِحَيْثُ يَظْهَرُ هَذَا الشِّعَارُ بَيْنَهُمْ. فَفِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ يَكْفِي إِقَامَتُهَا فِي مَوْضِعٍ، وَفِي الْكَبِيرَةِ، وَالْبِلَادِ، تُقَامُ فِي الْمَحَالِّ. فَلَوْ أَطْبَقُوا عَلَى إِقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ. وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ، إِذَا ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا سُنَّةٌ فَتَرَكُوهَا، لَمْ يُقَاتَلُوا عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَصَحُّ. وَلَوْ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَأَظْهَرُوهَا فِي كُلِّ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا جُمْهُورُ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ، حَصَلَتِ الْجَمَاعَةُ، وَلَا إِثْمَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ. كَمَا إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ. وَأَمَّا أَهْلُ الْبَوَادِي، فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: عِنْدِي فِيهِمْ نَظَرٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَتَعَرَّضُونَ لَهُ إِذَا كَانُوا سَاكِنِينَ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ، وَكَذَا إِذَا قَلَّ عَدَدُ سَاكِنِي قَرْيَةٍ. هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ.

(1/339)


وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَهْلَ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ، كَأَهْلِ الْقَرْيَةِ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ، أَوْ بَدْوٍ، لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ، إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا حُكْمُ الرِّجَالِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ، فَلَا تُفْرَضُ عَلَيْهِنَّ الْجَمَاعَةُ، لَا فَرْضَ عَيْنٍ، وَلَا كِفَايَةٍ. وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ. ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: كَاسْتِحْبَابِهَا لِلرِّجَالِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ، كَتَأَكُّدِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ. فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ تَرْكُهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلرِّجَالِ، مَعَ قَوْلِنَا: هِيَ لَهُمْ سُنَّةٌ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَقِفَ إِمَامَتُهُنَّ وَسَطَهُنَّ، وَجَمَاعَتُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ. فَإِنْ أَرَدْنَ حُضُورَ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ، كُرِهَ لِلشَّوَابِّ، دُونَ الْعَجَائِزِ. وَإِمَامَةُ الرِّجَالِ لَهُنَّ، أَفْضَلُ مِنْ إِمَامَةِ النِّسَاءِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ.
قُلْتُ: الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْجَمَاعَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، أَمْ عَيْنٍ، أَمْ سُنَّةً، هُوَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ الْمُؤَدَّيَاتِ، أَمَّا الْمَنْذُورَةُ، فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي بَابِ الْآذَانِ فِي مَسْأَلَةِ لَا يُؤَذَّنُ لِمَنْذُورَةٍ. وَأَمَّا الْمَقْضِيَّةُ، فَلَيْسَتِ الْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضَ عَيْنٍ، وَلَا كِفَايَةٍ قَطْعًا، وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ قَطْعًا. وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ جَمَاعَةً حِينَ فَاتَتْهُمْ بِالْوَادِي. وَأَمَّا الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ، فَجَائِزٌ عِنْدَنَا، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. لَكِنَّ الْأَوْلَى الِانْفِرَادُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا النَّوَافِلُ، فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَا يُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، مِنْهَا، وَمَا لَا يُشْرَعُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا يُشْرَعُ، لَا تُسْتَحَبُّ فَلَوْ صُلِّيَ هَذَا النَّوْعُ جَمَاعَةً جَازَ، وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ، فَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1/340)


فَصْلٌ إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ بِرَفِيقِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، حَازَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ،

لَكِنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ. وَحَيْثُ كَانَ الْجَمْعُ مِنَ الْمَسَاجِدِ أَكْثَرَ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِهِ مَسْجِدٌ قَلِيلُ الْجَمْعِ، وَبِالْبُعْدِ مَسْجِدٌ كَثِيرُ الْجَمْعِ، فَالْبَعِيدُ أَفْضَلُ، إِلَّا فِي حَالَتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَتَعَطَّلَ جَمَاعَةُ الْقَرِيبِ بِعُدُولِهِ عَنْهُ، لِكَوْنِهِ إِمَامًا، أَوْ يَحْضُرَ النَّاسُ بِحُضُورِهِ، فَالْقَرِيبُ أَفْضَلُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ إِمَامُ الْبَعِيدِ مُبْتَدِعًا، كَالْمُعْتَزِلِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا، لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ، بَلْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الصَّلَاةُ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْحَنَفِيِّ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْحَنَفِيِّ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّ رِعَايَةَ مَسْجِدِ الْجِوَارِ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ.
فَرْعٌ
إِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا يُدْرِكُ إِلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ. وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
فَرْعٌ
يُسْتَحَبُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى إِدْرَاكِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ. وَفِيمَا يُدْرِكُهَا بِهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا بِأَنْ يَشْهَدَ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ، وَيَشْتَغِلَ عَقِبَهَا بِعَقْدِ صَلَاتِهِ. فَإِنْ أَخَّرَ لَمْ يُدْرِكْهَا. وَالثَّانِي: بِأَنْ يُدْرِكَ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنَ

(1/341)


الْقِيَامِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَشْغَلَهُ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لَمْ يُدْرِكْ بِالرُّكُوعِ. وَإِنْ مَنَعَهُ عُذْرٌ، أَوْ سَبَبٌ لِلصَّلَاةِ، كَالطَّهَارَةِ أَدْرَكَ بِهِ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهًا خَامِسًا: أَنَّهُ يُدْرِكُهَا مَا لَمْ يَشْرَعِ الْإِمَامُ فِي الْفَاتِحَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي (الْبَسِيطِ) فِي الْوَجْهِ الثَّانِي: وَالثَّالِثُ، هُمَا فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إِحْرَامَ الْإِمَامِ، فَأَمَّا مَنْ حَضَرَ وَأَخَّرَ، فَقَدْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ خَافَ فَوْتَ هَذِهِ التَّكْبِيرَةِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعَ، لِيُدْرِكَهَا، وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ: أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ، بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا.

فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ

. فَإِنْ رَضِيَ الْقَوْمُ بِالتَّطْوِيلِ وَكَانُوا مُنْحَصِرِينَ، لَا يَدْخُلُ فِيهِمْ غَيْرُهُمْ، فَلَا بَأْسَ بِالتَّطْوِيلِ. وَلَوْ طَوَّلَ الْإِمَامُ فَلَهُ أَحْوَالٌ. مِنْهَا: أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ سُوقٍ، أَوْ مَحَلَّةٍ فَيُطَوِّلَ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ تَكْثُرُ بِهِمُ الْجَمَاعَةُ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ. وَمِنْهَا: أَنْ يَؤُمَّ فِي مَسْجِدٍ يَحْضُرُهُ رَجُلٌ شَرِيفٌ، فَيُطَوِّلَ لِيَلْحَقَ الشَّرِيفُ، فَيُكْرَهُ أَيْضًا. وَمِنْهَا: أَنْ يُحِسَّ فِي صَلَاتِهِ بِمَجِيءِ رَجُلٍ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ رَاكِعًا، فَهَلْ يَنْتَظِرُهُ لِيُدْرِكَ الرُّكُوعَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَآخَرِينَ: لَا يَنْتَظِرُهُ، وَالثَّانِي: يَنْتَظِرُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْحُشَ التَّطْوِيلُ

(1/342)


، وَأَنْ يَكُونَ الْمَسْبُوقُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ حِينَ الِانْتِظَارِ. فَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ لَمْ يَنْتَظِرْهُ قَطْعًا وَبِشَرْطِ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قَصَدَ التَّوَدُّدَ وَاسْتِمَالَتَهُ فَلَا يَنْتَظِرُهُ قَطْعًا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ دَاخِلٍ وَدَاخِلٍ. وَقِيلَ: إِنْ عَرَفَ الدَّاخِلَ بِعَيْنِهِ لَمْ يَنْتَظِرْهُ، وَإِلَّا انْتَظَرَهُ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُلَازِمًا لِلْجَمَاعَةِ، انْتَظَرَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقَوْلَيْنِ. فَقَالَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ: لَيْسَ الْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابِ الِانْتِظَارِ، بَلْ أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، وَأَظْهَرُهُمَا: لَا يُكْرَهُ. وَقِيلَ: أَحَدُهُمَا، يُسْتَحَبُّ. وَالثَّانِي: لَا يُسْتَحَبُّ. وَقِيلَ: أَحَدُهُمَا يُسْتَحَبُّ. وَالثَّانِي: يُكْرَهُ. وَقِيلَ: لَا يَنْتَظِرُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الِانْتِظَارِ فِي الْقِيَامِ. وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَضُرَّ الِانْتِظَارُ بِالْمَأْمُومِينَ، وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، انْتَظَرَ قَطْعًا، وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا يَنْتَظِرُ فَانْتَظَرَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: فِي بُطْلَانِهَا قَوْلَانِ. وَلَوْ أَحَسَّ بِالدَّاخِلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَهُوَ كَالرُّكُوعِ. وَإِنْ أَحَسَّ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ كَالْقِيَامِ وَالسُّجُودِ، وَغَيْرِهِمَا، لَمْ يَنْتَظِرْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: هُوَ كَالرُّكُوعِ. وَقِيلَ: الْقِيَامُ كَالرُّكُوعِ، دُونَ غَيْرِهِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا يَنْتَظِرُ، فَفِي الْبُطْلَانِ مَا سَبَقَ.
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مِنَ الْخَمْسِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَهَا

، اسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُمْ. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ مُنْكَرٌ: أَنَّهُ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ فَقَطْ. وَوَجْهٌ:

(1/343)


يُعِيدُهُمَا مَعَ الْمَغْرِبِ. وَلَوْ صَلَّى جَمَاعَةً ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أُخْرَى، فَالْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ كَالْمُنْفَرِدِ. وَالثَّانِي: لَا. فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ إِعَادَةُ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ دُونَ غَيْرِهِمَا. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ لِكَوْنِ الْإِمَامِ أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ، أَوِ الْجَمْعِ أَكْثَرَ، أَوِ الْمَكَانِ أَشْرَفَ، اسْتُحِبَّ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا. وَالرَّابِعُ: يُسْتَحَبُّ إِعَادَةُ مَا عَدَا الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ. وَإِذَا اسْتَحْبَبْنَا الْإِعَادَةَ لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، أَوْ جَمَاعَةً، فَفِي فَرْضِهِ قَوْلَانِ، وَوَجْهَانِ. أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْجَدِيدُ فَرْضُهُ الْأُولَى. وَالْقَدِيمُ: فَرْضُهُ إِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى يَحْتَسِبُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَرُبَّمَا قِيلَ: يَحْتَسِبُ بِأَكْمَلِهِمَا. وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا فَرْضٌ. وَالثَّانِي: إِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، فَالْفَرْضُ الثَّانِيَةُ لِكَمَالِهَا. ثُمَّ إِنْ فَرَّعْنَا عَلَى غَيْرِ الْجَدِيدِ، نَوَى الْفَرْضَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ. وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا أَعَادَهَا كَالْمَرَّةِ الْأُولَى. وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْجَدِيدِ، فَوَجْهَانِ. الْأَصَحُّ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ: يَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ أَيْضًا. وَالثَّانِي: اخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: يَنْوِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ. وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُعِيدُهَا كَالْمَرَّةِ الْأُولَى. وَالثَّانِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ إِلَى رَكْعَةٍ أُخْرَى إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ.
قُلْتُ: الرَّاجِحُ: اخْتِيَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى إِذَا رَأَى مَنْ يُصَلِّي تِلْكَ الْفَرِيضَةَ وَحْدَهُ، أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

، سَوَاءً قُلْنَا سُنَّةٌ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ، فَمِنَ الْعَامِّ: الْمَطَرُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا. وَمِنْهُ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ. وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ يَقُولُ: الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَلَيْسَ

(1/344)


ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اشْتِرَاطِ الظُّلْمَةِ. وَمِنْهُ الْوَحْلُ الشَّدِيدُ وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهُ، السَّمُومُ، وَشِدَّةُ الْحَرِّ فِي الظُّهْرِ. فَإِنْ أَقَامُوا الْجَمَاعَةَ وَلَمْ يُبْرِدُوا، أَوْ أَبْرَدُوا، أَوْ بَقِيَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ، فَلَهُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ. وَمِنْهُ شِدَّةُ الْبَرْدِ سَوَاءً فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَمِنَ الْأَعْذَارِ الْخَاصَّةِ: الْمَرَضُ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ حَدًّا يُسْقِطُ الْقِيَامَ فِي الْفَرِيضَةِ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ كَمَشَقَّةِ الْمَاشِي فِي الْمَطَرِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مُمَرَّضًا، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي (الْجُمُعَةِ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ الذَّبُّ عَنْهُ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، مِمَّنْ يَظْلِمُهُ، أَوْ يَخَافُ مِنْ غَرِيمٍ يَحْبِسُهُ، أَوْ يُلَازِمُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَهُ التَّخَلُّفُ. وَلَا عِبْرَةَ بِالْخَوْفِ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ هُوَ ظَالِمٌ فِي مَنْعِهِ، بَلْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَيُوَفِّيهِ ذَلِكَ الْحَقَّ. وَيَدْخُلُ فِي الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ، مَا إِذَا كَانَ خُبْزُهُ فِي التَّنُّورِ، أَوْ قِدْرُهُ عَلَى النَّارِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَهَّدُهُمَا.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ لَوْ ظَفَرَ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ لِقَتْلِهِ، وَكَانَ يَرْجُو الْعَفْوَ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى مَالٍ لَوْ غَيَّبَ وَجْهَهُ أَيَّامًا، فَلَهُ التَّخَلُّفُ بِذَلِكَ. وَفِي مَعْنَاهُ حَدُّ الْقَذْفِ دُونَ حَدِّ الزِّنَا، وَمَا لَا يَقْبَلُ الْعَفْوَ. وَاسْتَشْكَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَوَازَ التَّغَيُّبِ لِمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُدَافِعَ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ أَوِ الرِّيحَ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَإِنْ فَاتَتِ الْجَمَاعَةُ. فَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ. وَالثَّانِي: الْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، ثُمَّ يَقْضِي. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْمُدَافَعَةِ، وَسَلَبَتْ خُشُوعَهُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ، وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ بِهِ جُوعٌ، أَوْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، وَحَضَرَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ،

(1/345)


وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ، فَيَبْدَأُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الشِّبَعَ، بَلْ يَأْكُلُ لُقَمًا يَكْسِرُ حِدَّةَ جُوعِهِ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مِمَّا يُؤْتَى عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، كَالسَّوِيقِ، وَاللَّبَنِ. فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوِ اشْتَغَلَ، فَوَجْهَانِ، كَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ عَارِيًا لَا لِبَاسَ لَهُ، فَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ، سَوَاءً وَجَدَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، أَمْ لَا.
وَمِنْهَا: أَنْ يُرِيدَ السَّفَرَ وَتَرْتَحِلَ الرُّفْقَةُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ نَاشِدَ ضَالَّةٍ يَرْجُو الظَّفَرَ، إِنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ، أَوْ وَجَدَ مَنْ غَصَبَ مَالَهُ، وَأَرَادَ اسْتِرْدَادَهُ مِنْهُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهُمَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ إِزَالَةُ الرَّائِحَةِ بِغَسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ، فَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا فَلَا.
وَمِنْهَا: غَلَبَةُ النَّوْمِ.
قُلْتُ: أَمَّا الثَّلْجُ، فَإِنْ بَلَّ الثَّوْبَ فَعُذْرٌ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي (الْحَاوِي) : وَالزَّلْزَلَةُ عُذْرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ صِفَةُ الْأَئِمَّةِ

ضَرْبَانِ: مَشْرُوطَةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ. فَأَمَّا الْمَشْرُوطَةُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَارَةً تَكُونُ بَاطِلَةً فِي اعْتِقَادِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَتَارَةً تَكُونُ صَحِيحَةً. فَالْأَوَّلُ كَصَلَاةِ الْمُحْدِثِ، وَالْجُنُبِ، وَمَنْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ

(1/346)


وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ حَالَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَلَوْ صَلَّى لَمْ يَصِرْ بِالصَّلَاةِ مُسْلِمًا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالثَّانِي: إِذَا صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ صَارَ مُسْلِمًا. هَذَا إِذَا لَمْ يُسْمَعُ مِنْهُ كَلِمَتَا الشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنْ سُمِعَتَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً فِي اعْتِقَادِهِ دُونَ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَهُ صُورَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْفُرُوعِ الِاجْتِهَادِيَّةِ. بِأَنْ مَسَّ الْحَنَفِيُّ فَرْجَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، أَوْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ، أَوِ الطُّمَأْنِينَةَ، أَوْ قَرَأَ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ، فَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ خَلْفَهُ وَجْهَانِ. قَالَ الْقَفَّالُ: يَصِحُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ. وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي (الْحِلْيَةِ) وَالْغَزَالِيُّ فِي (الْفَتَاوَى) . وَلَوْ صَلَّى عَلَى وَجْهٍ لَا يُصَحِّحُهُ، وَالشَّافِعِيُّ يُصَحِّحُهُ، بِأَنِ احْتَجَمَ، وَصَلَّى، فَعِنْدَ الْقَفَّالِ: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَامِدٍ: يَصِحُّ، اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ. وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ، وَالْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِذَا أَمَّ وَلِيُّ الْأَمْرِ، أَوْ نَائِبُهُ فَتَرَكَ الْبَسْمَلَةَ. وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَهَا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ عَالِمًا كَانَ أَوْ عَامِّيًّا، وَلَيْسَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَهَذَا حَسَنٌ. أَمَّا إِذَا حَافَظَ الْحَنَفِيُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يَعْتَقِدُ الشَّافِعِيُّ وُجُوبَهُ وَاشْتِرَاطَهُ، فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْأَسْفَرَايِينِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَلَوْ شَكَّ، هَلْ أَتَى بِالْوَاجِبَاتِ، أَمْ لَا؟ فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ كَمَا إِذَا عَلِمَ إِتْيَانَهُ بِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا إِذَا عَلِمَ تَرْكَهَا، فَالْحَاصِلُ فِي اقْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ بِالْحَنَفِيِّ، أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: الصِّحَّةُ. وَالثَّانِي: الْبُطْلَانُ. وَالْأَصَحُّ: إِنْ حَافَظَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ أَوْ شَكَكْنَا صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَالرَّابِعُ: إِنْ حَافَظَ صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَلَوِ اقْتَدَى الْحَنَفِيُّ بِالشَّافِعِيِّ، فَصَلَّى الشَّافِعِيُّ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ عِنْدَهُ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ، بِأَنِ احْتَجَمَ، فَفِي صِحَّةِ اقْتِدَائِهِ

(1/347)


الْخِلَافُ. وَإِذَا صَحَّحْنَا اقْتِدَاءَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، فَصَلَّى الشَّافِعِيُّ الصُّبْحَ خَلْفَ حَنَفِيٍّ، وَمَكَثَ الْحَنَفِيُّ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَلِيلًا، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ فِيهِ فَعَلَ، وَإِلَّا تَابَعَهُ. وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، إِنِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْمَأْمُومِ، وَإِنِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ فَلَا. وَلَوْ صَلَّى الْحَنَفِيُّ خَلْفَ الشَّافِعِيِّ الصُّبْحَ، فَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ سَاهِيًا، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ، سَجَدَ الْمَأْمُومُ إِنِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَلَا.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْفُرُوعِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ غَيْرِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، كَرَجُلَيْنِ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فِي الْقِبْلَةِ، أَوْ فِي إِنَاءَيْنِ: طَاهِرٍ، وَنَجِسٍ، فَلَوْ كَثُرَتِ الْآنِيَةُ وَالْمُجْتَهِدُونَ، وَاخْتَلَفُوا بِأَنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً: طَاهِرَانِ، وَنَجِسٌ، فَظَنَّ كُلُّ رَجُلٍ طَهَارَةَ وَاحِدٍ فَحَسْبُ، وَأَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ فِي صَلَاةٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، الصَّحِيحُ: قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَالْأَكْثَرِينَ: تَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَمَّ فِيهِ، وَالِاقْتِدَاءُ الْأَوَّلُ يُبْطِلُ الثَّانِي. وَالثَّانِي: قَوْلُ صَاحِبِ (التَّلْخِيصِ) : لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ أَصْلًا. وَالثَّالِثُ: قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ الْأَوَّلُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ. فَإِنِ اقْتَدَى ثَانِيًا، لَزِمَهُ إِعَادَتُهُمَا. أَمَّا إِذَا ظَنَّ طَهَارَةَ اثْنَيْنِ، فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ مُسْتَعْمِلَ الْمَظْنُونِ طَهَارَتُهُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَا يَصِحُّ بِالثَّالِثِ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ كَانَتِ الْآنِيَةُ خَمْسَةً، وَالنَّجِسُ مِنْهَا وَاحِدٌ، فَظَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ طَهَارَةَ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنَ الْأَرْبَعَةِ، وَأَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ فِي صَلَاةٍ، فَعِنْدَ صَاحِبِ (التَّلْخِيصِ) وَالْمَرْوَزِيِّ: يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِعَادَةُ مَا اقْتَدَوْا بِهِ. وَعِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ: يَجِبُ إِعَادَةُ الِاقْتِدَاءِ الْأَخِيرِ فَقَطْ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هَذِهِ الْأَوْجُهُ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا إِذَا سُمِعَ صَوْتٌ مِنْ خَمْسَةِ أَنْفُسٍ وَتَنَاكَرُوهُ. فَأَمَّا الْآنِيَةُ: فَلَا تُبْطِلُ إِلَّا الِاقْتِدَاءَ الْأَخِيرَ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ مِنَ الْآنِيَةِ الْخَمْسَةِ اثْنَيْنِ، صَحَّتْ صَلَاةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَلْفَ اثْنَيْنِ، وَبَطَلَتْ خَلْفَ اثْنَيْنِ. وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ ثَلَاثَةً، صَحَّتْ خَلْفَ وَاحِدٍ فَحَسْبُ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ، وَلَا يَخْفَى قَوْلُ الْآخَرِينَ.

(1/348)


الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً فِي اعْتِقَادِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، فَتَارَةً يُغْنِي عَنِ الْقَضَاءِ، وَتَارَةً لَا يُغْنِي. فَإِنْ لَمْ تُغْنِ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا، لَمْ يَجُزِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَلَا لِلْمُتَيَمِّمِ الَّذِي لَا يَقْضِي. وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: لَا.
وَمِثْلُهُ: الْمُقِيمُ الْمُتَيَمِّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ ثُمَّ صَلَّى لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَالْعَارِي، وَالْمَرْبُوطُ عَلَى خَشَبَةٍ إِذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِمُ الْإِعَادَةَ. وَإِنْ أَغْنَتْ عَنِ الْقَضَاءِ. فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا، لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَلَوْ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ جَمَاعَةً، وَشَكَّ أَيُّهُمَا الْإِمَامُ، لَمْ يَجُزِ الِاقْتِدَاءُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْإِمَامُ. وَلَوِ اعْتَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُصَلِّينَ أَنَّهُ مَأْمُومٌ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمَا. وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ إِمَامٌ، صَحَّتْ. وَلَوْ شَكَّ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ إِمَامٌ، أَمْ مَأْمُومٌ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا. وَإِنْ شَكَّ أَحَدُهُمَا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا الْآخَرُ، فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ إِمَامٌ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُومٍ، فَتَارَةً يُخِلُّ بِالْقِرَاءَةِ، وَتَارَةً لَا يُخِلُّ، فَإِنْ أَخَلَّ بِأَنْ كَانَ أُمِّيًّا، فَفِي صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: لَا تَصِحُّ. وَالْقَدِيمُ: إِنْ كَانَتْ سِرِّيَّةً صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. وَالثَّالِثُ: مُخَرَّجٌ أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا. هَكَذَا نَقَلَ الْجُمْهُورُ. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمُ الثَّالِثَ، وَعَكَسَ الْغَزَالِيُّ، فَجَعَلَ الثَّانِيَ ثَالِثًا، وَالثَّالِثَ ثَانِيًا، وَالصَّوَابُ: الْأَوَّلُ.
قُلْتُ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ جَارِيَةٌ سَوَاءً عَلِمَ الْمَأْمُومُ كَوْنَ الْإِمَامِ أُمِّيًّا، أَمْ لَا هَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ صَاحِبُ (الْحَاوِي) : الْأَقْوَالُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ أُمِّيًّا، فَإِنْ عَلِمَ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمُرَادُ بِالْأُمِّيِّ: مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا، لِخَرَسٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَتُّ. وَهُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفًا بِحَرْفٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ. وَقَالَ فِي (التَّهْذِيبِ) :

(1/349)


هُوَ الَّذِي يُبْدِلُ الرَّاءَ بِالتَّاءِ. وَالْأَلْثَغُ: وَهُوَ الَّذِي يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، كَالسِّينِ بِالثَّاءِ، وَالرَّاءِ بِالْغَيْنِ، وَمَنْ فِي لِسَانِهِ رَخَاوَةٌ تَمْنَعُهُ التَّشْدِيدَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ هُوَ فِيمَنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ، أَوْ طَاوَعَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ التَّعَلُّمُ فِيهِ. فَأَمَّا إِذَا مَضَى زَمَنٌ وَقَصَّرَ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ، فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ حِينَئِذٍ مَقْضِيَّةٌ، كَصَلَاةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا. وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ أُمِّيٍّ بِأُمِّيٍّ مِثْلِهِ. وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحْسِنُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ إِنْ كَانَ مَا يُحْسِنُهُ ذَا، يُحْسِنُهُ ذَاكَ، جَازَ اقْتِدَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ، وَإِنْ أَحْسَنَ كُلُّ وَاحِدٍ غَيْرَ مَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ، فَاقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ. وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ الْأَرَتُّ بِالْأَلْثَغِ، وَعَكْسُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَارِئٌ مَا لَا يُحْسِنُهُ صَاحِبُهُ. وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ التَّمْتَامِ، وَالْفَأْفَاءِ، وَالِاقْتِدَاءُ يَصِحُّ بِهِمَا.
قُلْتُ: التَّمْتَامُ، مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ، وَالْفَأْفَاءُ، مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ، وَيَتَرَدَّدُ فِيهَا، وَهُوَ بِهَمْزَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاءَيْنِ، بِالْمَدِّ فِي آخِرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ مَنْ يَلْحَنُ فِي الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ: إِنْ كَانَ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَرَفْعِ الْهَاءِ مِنَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ مَنِ اقْتَدَى بِهِ. وَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُ كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أَوْ كَسْرِهَا، تُبْطِلُهُ. كَقَوْلِهِ: الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِينَ. فَإِنْ كَانَ يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ، وَيُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ، لَزِمَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ قَصَّرَ وَضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى وَقَضَى، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ، أَوْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ التَّعَلُّمُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ، فَصَلَاةُ مِثْلِهِ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ، وَصَلَاةُ صَحِيحِ اللِّسَانِ خَلْفَهُ صَلَاةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَوْ قِيلَ: لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةٌ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ، لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُخِلَّ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنْ كَانَ رَجُلًا، صَحَّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِهِ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ، صَحَّ

(1/350)


اقْتِدَاءُ النِّسَاءِ بِهَا، وَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ وَلَا الْخُنْثَى. وَإِنْ كَانَ خُنْثَى، جَازَ اقْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ بِهِ. وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الرَّجُلِ وَلَا خُنْثَى آخَرَ بِهِ.
فَرْعٌ
حَيْثُ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُتَيَمِّمًا، أَوْ مَاسِحَ خُفٍّ، وَالْمَأْمُومُ مُتَوَضِّئًا غَاسِلًا رِجْلَهُ. وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ السَّلِيمِ بِسَلِسِ الْبَوْلِ، وَالطَّاهِرَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. كَمَا يَجُوزُ قَطْعًا بِمَنِ اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ، وَمَنْ عَلَى ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا. وَيَصِحُّ صَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْقَاعِدِ، أَوِ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ خَلْفَ الْمُضْطَجَعِ.
فَرْعٌ
جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إِذَا عَرَفَ الْمَأْمُومُ حَالَ الْإِمَامِ فِي الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا. فَأَمَّا إِذَا ظَنَّ شَيْئًا، فَبَانَ خِلَافُهُ، فَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا: إِذَا اقْتَدَى رَجُلٌ بِخُنْثَى مُشْكِلٍ، وَجَبَ الْقَضَاءُ، فَلَوْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى بَانَ الْخُنْثَى رَجُلًا، لَمْ يَسْقُطِ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا إِذَا اقْتَدَى خُنْثَى بِامْرَأَةٍ، وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى بَانَ امْرَأَةً، وَفِيمَا إِذَا اقْتَدَى خُنْثَى بِخُنْثَى، وَلَمْ يَقْضِ الْمَأْمُومُ حَتَّى بَانَ امْرَأَةً وَالْإِمَامُ رَجُلًا.
وَمِنْهَا: لَوِ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُتَطَهِّرًا، فَبَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَأْمُومِ. وَلَنَا قَوْلٌ: إِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِهِ، لَزِمَ الْمَأْمُومُ الْقَضَاءَ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ: أَنْ لَا قَضَاءَ مُطْلَقًا.
قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ الشَّاذُّ نَقَلَهُ صَاحِبُ (التَّلْخِيصِ) قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ

(1/351)


(التَّلْخِيصِ) قَالَ أَصْحَابُنَا: هَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ. وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا حَكَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ: أَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ إِنْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ. وَالصَّوَابُ: إِثْبَاتُ الْقَوْلِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ (التَّلْخِيصِ) وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي (الْبُوَيْطِيِّ) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْمَأْمُومُ حَدَثَ الْإِمَامِ أَصْلًا. فَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ نَاسِيًا، وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ قَطْعًا. وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا، فَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: لَوِ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ قَارِئًا فَبَانَ أُمِّيًّا، وَقُلْنَا: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَارِئِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ، فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: تَجِبُ. قَطَعَ بِهِ فِي (التَّهْذِيبِ) ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، سَوَاءً كَانَتِ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً، أَوْ جَهْرِيَّةً. وَلَوِ اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُ فِي جَهْرِيَّةٍ، فَلَمْ يَجْهَرْ، وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي (الْأُمِّ) وَقَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ. فَلَوْ سَلَّمَ وَقَالَ: أَسْرَرْتُ وَنَسِيتُ الْجَهْرَ، لَمْ تَجِبِ الْإِعَادَةُ لَكِنْ تُسْتَحَبُّ. وَلَوْ بَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ذُكُورَةُ الْخُنْثَى، فَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الرَّجُلِ، الْقَوْلَانِ، كَمَا بَعُدَ الْفَرَاغُ. وَلَوْ بَانَ فِي أَثْنَائِهَا كَوْنُهُ جُنُبًا، أَوْ مُحْدِثًا، فَلَا قَضَاءَ وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ فِي الْحَالِ، وَيَبْنِيَ. وَلَوْ بَانَ أُمِّيًّا، وَقُلْنَا: لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، فَكَالْمُحْدِثِ وَإِلَّا فَكَالْخُنْثَى.
وَمِنْهَا لَوِ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ رَجُلًا، فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى، وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ إِذَا بَانَ خُنْثَى وَهُوَ شَاذٌّ. وَلَوْ ظَنَّهُ مُسْلِمًا، فَبَانَ كَافِرًا يَتَظَاهَرُ بِكُفْرِهِ كَالْيَهُودِيِّ، وَجَبَ الْقَضَاءُ. وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، كَالزِّنْدِيقِ، وَالْمُرْتَدِّ، لَمْ يَجِبِ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ هُوَ الْأَقْوَى دَلِيلًا. لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ، وُجُوبُ الْقَضَاءِ. وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَحَامِلِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ،

(1/352)


وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ، وَصَاحِبَا (الْحَاوِي) وَ (الْعُدَّةِ) وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ صَاحِبُ (الْحَاوِي) : وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَانَ عَلَى بَدَنِ الْإِمَامِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً، فَهُوَ كَمَنْ بَانَ مُحْدِثًا، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً، فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: عِنْدِي فِيهِ احْتِمَالٌ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْفَى.
قُلْتُ: وَقَطَعَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرِهِمَا، بِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَالْحَدَثِ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْخِفْيَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَشَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، إِلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً، فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الزِّنْدِيقِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إِذَا بَانَ كَافِرًا، أَوِ امْرَأَةً.
قُلْتُ: وَلَوْ بَانَ مَجْنُونًا، وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ. فَلَوْ كَانَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَحَالَةُ إِفَاقَةٍ، أَوْ حَالُ إِسْلَامٍ وَحَالُ رِدَّةٍ، وَاقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَدْرِ فِي أَيِّ حَالَيْهِ كَانَ، فَلَا إِعَادَةَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ. وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَجْهَلُ إِسْلَامَهُ، فَلَا إِعَادَةَ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ. وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ أَسْلَمَ، فَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ: لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ حَقِيقَةً، أَوْ أَسْلَمْتُ ثُمَّ ارْتَدَدْتُ، فَلَا إِعَادَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، وَلَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْهُ. وَيَصِحُّ بِالْعَبْدِ بِلَا كَرَاهَةٍ، لَكِنَّ الْحُرَّ أَوْلَى، هَذَا إِذَا أَمَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ. وَإِمَامَةُ الْأَعْمَى صَحِيحَةٌ، وَهُوَ وَالْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ

(1/353)


بِهِ الْجُمْهُورُ. وَالثَّانِي: الْبَصِيرُ أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ. وَالثَّالِثُ: الْأَعْمَى أَوْلَى، قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ.

فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْإِمَامِ

الْأَسْبَابُ الَّتِي يَتَرَجَّحُ بِهَا الْإِمَامُ سِتَّةٌ: الْفِقْهُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالْوَرَعُ، وَالسِّنُّ، وَالنَّسَبُ، وَالْهِجْرَةُ. فَأَمَّا الْفِقْهُ وَالْقِرَاءَةُ، فَظَاهِرَانِ.
وَأَمَّا الْوَرَعُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْعَدَالَةِ، بَلْ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ.
وَأَمَّا السِّنُّ، فَالْمُعْتَبَرُ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ الْيَوْمَ، عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا عَلَى شَابٍّ أَسْلَمَ أَمْسِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الشَّيْخُوخَةُ، بَلِ النَّظَرُ إِلَى تَفَاوُتِ السِّنِّ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى اعْتِبَارِهَا.
وَأَمَّا النَّسَبُ، فَنَسَبُ قُرَيْشٍ مُعْتَبَرٌ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي غَيْرِهِمْ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُعْتَبَرُ كُلُّ نَسَبٍ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ، كَالْعُلَمَاءِ، وَالصُّلَحَاءِ. فَعَلَى هَذَا الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ يُقَدَّمَانِ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَسَائِرُ قُرَيْشٍ يُقَدَّمُونَ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، وَسَائِرُ الْعَرَبِ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْعَجَمِ. وَالثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ مَا عَدَا قُرَيْشًا.
وَأَمَّا الْهِجْرَةُ، فَيُقَدَّمُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ. وَمَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَتْ. وَكَذَلِكَ الْهِجْرَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - مُعْتَبَرَةٌ، وَأَوْلَادُ مَنْ هَاجَرَ أَوْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ، مُقَدَّمُونَ عَلَى أَوْلَادِ غَيْرِهِمْ.

(1/354)


وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مَسَائِلُ. فَإِذَا اجْتَمَعَ عَدْلٌ وَفَاسِقٌ، فَالْعَدْلُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَإِنِ اخْتَصَّ الْفَاسِقُ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْخِصَالِ، بَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَتُكْرَهُ أَيْضًا خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ. وَأَمَّا الَّذِي يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُفَّارِ. وَعَدَّ صَاحِبُ (الْإِفْصَاحِ) مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، أَوْ يَنْفِي شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى - كَافِرًا. وَكَذَا جَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَمُتَابِعُوهُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ مِمَّنْ يُكَفَّرُ. وَالْخَوَارِجُ لَا يُكَفَّرُونَ. وَيُحْكَى الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَأَطْلَقَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ مِنَ الْأَصْحَابِ، الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْبِدَعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ. قَالَ صَاحِبُ (الْعُدَّةِ) : وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَصَاحِبُ (الْعُدَّةِ) هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ. فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ. وَلَمْ يَزَلِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَمُنَاكَحَتِهِمْ، وَمُوَارَثَتِهِمْ، وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ تَأَوَّلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَقِّقِينَ، مَا جَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعَمِ، لَا كُفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمِلَّةِ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْأَوْرَعِ مَعَ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ وَجْهَانِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: هُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَصَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) : يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوِ اجْتَمَعَ مَنْ لَا يَقْرَأُ إِلَّا مَا يَكْفِي الصَّلَاةَ وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ فِقْهٍ كَثِيرٍ،

(1/355)


وَآخَرُ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَهُوَ قَلِيلُ الْفِقْهِ، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ: أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى، وَالثَّانِي: هُمَا سَوَاءٌ. فَأَمَّا مَنْ جَمَعَ الْفِقْهَ وَالْقِرَاءَةَ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِأَحَدِهِمَا قَطْعًا. وَالْفِقْهُ وَالْقِرَاءَةُ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّسَبِ وَالسِّنِّ وَالْهِجْرَةِ. وَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ: أَنَّ السِّنَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِقْهِ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ، فَفِيهِ طُرُقٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَجَمَاعَةٌ: لَا خِلَافَ فِي تَقْدِيمِ السِّنِّ وَالنَّسَبِ عَلَى الْهِجْرَةِ. فَلَوْ تَعَارَضَ سِنٌّ وَنَسَبٌ، كَشَابٍّ قُرَشِيٍّ، وَشَيْخٍ غَيْرِ قُرَشِيٍّ، فَالْجَدِيدُ: تَقْدِيمُ الشَّيْخِ، وَالْقَدِيمُ: الشَّابِّ. وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقَدِيمَ، وَعَكَسَ صَاحِبَا (التَّتِمَّةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) فَقَالَا: الْهِجْرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّسَبِ وَالسِّنِّ. وَفِيهِمَا الْقَوْلَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ (الْمُهَذَّبِ) : الْجَدِيدُ: يُقَدَّمُ السِّنُّ، ثُمَّ النَّسَبُ، ثُمَّ الْهِجْرَةُ، وَالْقَدِيمُ: يُقَدَّمُ النِّسَبُ، ثُمَّ الْهِجْرَةُ، ثُمَّ السِّنُّ. أَمَّا إِذَا تَسَاوَيَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَاتِ، فَيُقَدَّمُ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ عَنِ الْأَوْسَاخِ، وَبِطَيِّبِ الصَّنْعَةِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْفَضَائِلِ. وَحَكَى الْأَصْحَابُ عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِي الْعُلَمَاءِ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يُقَدَّمُ أَحْسَنُهُمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَقِيلَ: أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا، وَقِيلَ: أَحْسَنُهُمْ ذِكْرًا بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ فِي (التَّتِمَّةِ) : تُقَدَّمُ نَظَافَةُ الثَّوْبِ، ثُمَّ حُسْنُ الصَّوْتِ، ثُمَّ حُسْنُ الصُّورَةِ.
فَرْعٌ
الْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنِ اخْتَصَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِالْخِصَالِ الَّذِي سَبَقَتْ. وَيُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى إِمَامِ الْمَسْجِدِ وَمَالِكِ الدَّارِ وَنَحْوِهِمَا، إِذَا أَذِنَ

(1/356)


الْمَالِكُ فِي إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مِلْكِهِ. فَلَوْ أَذِنَ الْوَالِي فِي تَقَدُّمِ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ. ثُمَّ يُرَاعَى فِي الْوُلَاةِ تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ، فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ. وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ: أَنَّ الْمَالِكَ أَوْلَى مِنَ الْوَالِي. وَالْمَشْهُورُ، تَقْدِيمُ الْوَالِي. وَلَوِ اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَيْسَ فِيهِمْ وَالٍ، فَسَاكِنُ الْمَوْضِعِ بِحَقٍّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ مِنَ الْأَجَانِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّقَدُّمِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، سَوَاءً كَانَ السَّاكِنُ عَبْدًا أَسْكَنَهُ سَيِّدُهُ، أَوْ حُرًّا مَالِكًا، أَوْ مُسْتَعِيرًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا. وَلَوْ كَانَتِ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ وَهُمَا حَاضِرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَالْمُسْتَعِيرُ مِنَ الْآخَرِ، فَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَا أَحَدُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِلَّا أَحَدُهُمَا، فَهُوَ الْأَحَقُّ. وَلَوِ اجْتَمَعَ مَالِكُ الدَّارِ وَالْمُسْتَأْجِرُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْلَى، وَالثَّانِي: الْمَالِكُ. وَلَوِ اجْتَمَعَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ الْمُعِيرَ أَوْلَى، وَالثَّانِي: الْمُسْتَعِيرُ. وَلَوْ حَضَرَ السَّيِّدُ وَعَبْدُهُ السَّاكِنُ، فَالسَّيِّدُ أَوْلَى قَطْعًا، سَوَاءً الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ حَضَرَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ فِي دَارِ الْمُكَاتَبِ، فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى. وَلَوْ حَضَرَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إِمَامٌ رَاتِبٌ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِمَامُهُ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِ لِيَحْضُرَ. فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ.
قُلْتُ: تَقَدُّمُ غَيْرِهِ مُسْتَحَبٌّ إِنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ، فَإِنْ خِيفَتْ صَلُّوا فُرَادَى. وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا مَعَهُ إِنْ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1/357)


فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ

فَأَمَّا الشُّرُوطُ، فَسَبْعَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ. فَإِنْ تَقَدَّمَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ عَلَى الْجَدِيدِ الْأَظْهَرِ. وَلَوْ تَقَدَّمَ فِي خِلَالِهَا بَطَلَتْ. وَالْقَدِيمُ: أَنَّهَا تَنْعَقِدُ. وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ مَوْقِفِ الْإِمَامِ قَلِيلًا إِنْ كَانَ وَحْدَهُ. فَإِنِ ائْتَمَّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، اصْطَفُّوا خَلْفَهُ. وَلَوْ تَسَاوَى الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَالْمُسَاوَاةِ بِالْعَقِبِ، فَلَوِ اسْتَوَيَا فِي الْعَقِبِ، وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ، لَمْ يَضُرَّ. وَإِنْ تَأَخَّرَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ عَنْ أَصَابِعِ الْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ عَقِبُهُ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ قَطْعًا. وَفِي الْوَسِيطِ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَعْبِ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ. هَذَا فِيمَنْ بَعُدَ عَنِ الْكَعْبَةِ. فَإِنْ صَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَيَقِفَ النَّاسُ مُسْتَدِيرِينَ بِالْكَعْبَةِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إِلَيْهَا، نُظِرَ: إِنْ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْإِمَامُ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ؛ الْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِهَا، فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ قَطْعًا. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، فَإِنْ كَانَ وَجْهُ الْمَأْمُومِ إِلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ، أَوْ وَجْهُهُ إِلَى وَجْهِهِ، أَوْ ظَهْرُهُ إِلَى ظَهْرِهِ، وَلَيْسَ الْمَأْمُومُ أَقْرَبَ إِلَى الْجِدَارِ، صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْجِدَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ إِلَى وَجْهِ الْإِمَامِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ، وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهَا جَازَ، وَلَهُ التَّوَجُّهُ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَلَوْ وَقَفَا بِالْعَكْسِ، جَازَ أَيْضًا، لَكِنْ إِنْ تَوَجَّهَ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْإِمَامُ، عَادَ الْقَوْلَانِ.

(1/358)


فَرْعٌ
إِذَا لَمْ يَحْضُرْ مَعَ الْإِمَامِ إِلَّا ذَكَرٌ، فَلْيَقِفْ عَنْ يَمِينِهِ بَالِغًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا، وَلَوْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ خَلْفَهُ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ جَاءَ مَأْمُومٌ آخَرُ، وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَأَحْرَمَ. ثُمَّ إِنْ أَمْكَنَ تَقَدُّمِ الْإِمَاِ وَتَأَخُّرِ الْمَأْمُومِينَ لِسِعَةِ الْمَكَانِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ - تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، أَوْ أَيُّهُمَا أَوْلَى؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ: تَأَخُّرُهُمَا. وَالثَّانِي: تَقَدُّمُهُ. قَالَهُ الْقَفَّالُ، لِأَنَّهُ يُبْصِرُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا التَّقَدُّمُ، أَوِ التَّأَخُّرُ لِضِيقِ الْمَكَانِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، فَعَلَ الْمُمْكِنَ، وَهَذَا فِي الْقِيَامِ. أَمَّا إِذَا لَحِقَ الثَّانِي فِي التَّشَهُّدِ، أَوِ السُّجُودِ، فَلَا تَقَدُّمَ وَلَا تَأَخُّرَ حَتَّى يَقُومُوا. وَلَوْ حَضَرَ مَعَهُ فِي الِابْتِدَاءِ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ، اصْطَفَّا خَلْفَهُ. وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ إِلَّا إِنَاثٌ، صَفَّهُنَّ خَلْفَهُ، سَوَاءٌ الْوَاحِدَةُ وَجَمَاعَتُهُنَّ. وَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الرَّجُلِ. وَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ امْرَأَةٌ وَرَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ، قَامَ الرَّجُلَانِ، أَوِ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ خَلْفَ الْإِمَامِ صَفًّا، وَقَامَتْ هِيَ خَلْفَهُمَا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ، وَامْرَأَةٌ، وَخُنْثَى، وَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى. وَإِنْ حَضَرَ رِجَالٌ وَصِبْيَانٌ، وَقَفَ الرِّجَالُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَفٍّ، أَوْ صُفُوفٍ. وَالصِّبْيَانُ خَلْفَهُمْ، وَفِي وَجْهٍ: يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ صَبِيٌّ لِيَتَعَلَّمُوا أَفْعَالَ الصَّلَاةِ. وَلَوْ حَضَرَ مَعَهُمْ نِسَاءٌ، أُخِّرَ صَفُّ النِّسَاءِ عَنِ الصِّبْيَانِ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الرِّجَالُ عُرَاةً، فَإِنْ كَانُوا، وَقَفَ إِمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ وَصَارُوا صَفًّا. وَأَمَّا النِّسَاءُ الْخُلَّصُ، إِذَا أَقَمْنَ جَمَاعَةً، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ كَيْفَ يَقِفْنَ. وَأَنَّ إِمَامَتَهُنَّ تَقِفُ وَسَطَهُنَّ.

(1/359)


قُلْتُ: وَلَوْ صَلَّى خُنْثَى بِنِسَاءٍ، تَقَدَّمَ عَلَيْهِنَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُلُّ هَذَا اسْتِحْبَابٌ، وَمُخَالَفَتُهُ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ.
فَرْعٌ
إِذَا دَخَلَ رَجُلٌ وَالْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَاةِ، كُرِهَ أَنْ يَقِفَ مُنْفَرِدًا، بَلْ إِنْ وَجَدَ فُرْجَةً، أَوْ سِعَةً فِي الصَّفِّ، دَخَلَهَا. وَلَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُرْجَةٌ وَكَانَتْ فِي صَفٍّ قُدَّامَهُ، لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا. فَلَوْ لَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ سِعَةً، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَقِفُ مُنْفَرِدًا، وَلَا يَجْذِبُ إِلَى نَفْسِهِ أَحَدًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي (الْبُوَيْطِيِّ) وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: يَجُرُّ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَجْرُورِ أَنْ يُسَاعِدَهُ. وَإِنَّمَا يَجُرُّهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ. وَلَوْ وَقَفَ مُنْفَرِدًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعِلْمُ بِالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. ثُمَّ الْعِلْمُ قَدْ يَكُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْإِمَامِ، أَوْ مُشَاهَدَةِ بَعْضِ الصُّفُوفِ، وَقَدْ يَكُونُ بِسَمَاعِ صَوْتِ الْإِمَامِ، أَوْ صَوْتِ الْمُتَرْجِمِ فِي حَقِّ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ الَّذِي لَا يُشَاهِدُ لِظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقَدْ يَكُونُ بِهِدَايَةِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ أَعْمَى، أَوْ أَصَمَّ فِي ظُلْمَةٍ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: اجْتِمَاعُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْمَوْقِفِ. وَلَهُمَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ. الْأَوَّلُ: إِذَا كَانَا فِي مَسْجِدٍ، صَحَّ الِاقْتِدَاءُ، قَرُبَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَمْ بَعُدَتْ لِكِبَرِ الْمَسْجِدِ، وَسَوَاءً اتَّحَدَ الْبِنَاءُ أَمِ اخْتَلَفَ، كَصَحْنِ الْمَسْجِدِ، وَصُفَّتِهِ، أَوْ مَنَارَتِهِ وَسِرْدَابٍ فِيهِ، أَوْ سَطْحِهِ وَسَاحَتِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ السَّطْحُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَهُوَ كَمِلْكٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ، وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِيهِ، وَالْآخَرُ فِي الْمَسْجِدِ. وَسَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَشَرْطُ الْبِنَاءَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، أَنْ يَكُونَ

(1/360)


بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ. وَإِلَّا، فَلَا يُعَدَّانِ مَسْجِدًا وَاحِدًا. وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الشَّرْطُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحًا، أَوْ مَرْدُودًا مُغْلَقًا، أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: إِنْ كَانَ مُغْلَقًا، لَمْ يَجُزِ الِاقْتِدَاءُ. وَوَجْهٌ مِثْلُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى السَّطْحِ، وَبَابُ الْمَرْقَى مُغْلَقًا. وَلَوْ كَانَا فِي مَسْجِدَيْنِ، يَحُولُ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ طَرِيقٌ، أَوْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ بَابٍ نَافِذٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، فَهُوَ كَمَا إِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي مَسْجِدٍ، وَالْآخَرُ فِي مِلْكٍ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ نَهْرٌ، فَإِنْ حُفِرَ النَّهْرُ بَعْدَ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ مَسْجِدٌ فَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ حُفِرَ قَبْلَ مَصِيرِهِ مَسْجِدًا، فَهُمَا مَسْجِدَانِ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ فِي جِوَارِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ بِإِمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَجَمَاعَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَعَ الْآخَرِ حُكْمُ الْمِلْكِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ. وَهَذَا كَالضَّابِطِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدَيْنِ. فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَغَايُرَ الْحُكْمِ، إِذَا انْفَرَدَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ كَانَ بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ.
قُلْتُ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ، مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَصَاحِبُ (الشَّامِلِ) وَ (التَّتِمَّةِ) ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْمَسَاجِدَ الَّتِي يُفْتَحُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، لَهَا حُكْمُ مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ، فَعَدَّهَا الْأَكْثَرُونَ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فَرْقًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ أَمْ لَا. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إِنِ انْفَصَلَتْ فَهِيَ كَمَسْجِدٍ آخَرَ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي فَضَاءٍ فَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي: تَحْدِيدٌ. وَالتَّقْرِيبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُرْفِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَعَلَى الثَّانِي: مِمَّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ

(1/361)


فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَلَوْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ صَفَّانِ، أَوْ شَخْصَانِ، أَحَدُهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ، فَالْمَسَافَةُ الْمَذْكُورَةُ تُعْتَبَرُ بَيْنَ الصَّفِّ الْأَخِيرِ، أَوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، أَوِ الشَّخْصِ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ، وَلَوْ كَثُرَتِ الصُّفُوفُ، وَبَلَغَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْأَخِيرِ فَرْسَخًا جَازَ. وَفِي وَجْهٍ: يُعْتَبَرُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ الْأَخِيرِ إِذَا لَمْ تَكُنِ الصُّفُوفُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الْإِمَامِ مُتَّصِلَةً عَلَى الْعَادَةِ. وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ. وَلَوْ حَالَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، أَوِ الصَّفَّيْنِ نَهْرٌ يُمْكِنُ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ إِلَى الْآخَرِ بِلَا سِبَاحَةٍ، بِالْوُثُوبِ، أَوِ الْخَوْضِ، أَوِ الْعُبُورِ عَلَى جِسْرٍ - صَحَّ الِاقْتِدَاءُ. وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى سِبَاحَةٍ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ مَطْرُوقٌ، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَسَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، كَانَ الْفَضَاءُ مَوَاتًا أَوْ وَقْفًا، أَوْ مِلْكًا، أَوْ بَعْضُهُ مَوَاتًا، وَبَعْضُهُ مِلْكًا، أَوْ بَعْضُهُ وَقْفًا. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: يُشْتَرَطُ فِي السَّاحَةِ الْمَمْلُوكَةِ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ، وَفِي وَجْهٍ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لِشَخْصَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَ الْفَضَاءُ مَحُوطًا عَلَيْهِ أَوْ مُسَقَّفًا، كَالْبُيُوتِ الْوَاسِعَةِ أَوْ غَيْرَ مَحُوطٍ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا فِي غَيْرِ فَضَاءٍ فَإِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي صَحْنِ دَارٍ أَوْ صُفَّتِهَا وَالْآخَرُ فِي بَيْتٍ، فَمَوْقِفُ الْمَأْمُومِ قَدْ يَكُونُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ، وَقَدْ يَكُونُ خَلْفَهُ. وَفِيهِ طَرِيقَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: قَالَهَا الْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ كَجٍّ، وَحَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ فِي (الْإِفْصَاحِ) عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا إِذَا وَقَفَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَنْ يَتَّصِلَ الصَّفُّ مِنَ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ، إِلَى الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ، بِحَيْثُ لَا تَبْقَى فُرْجَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا، فَإِنْ بَقِيَتْ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَتَبَةٌ عَرِيضَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا، اشْتُرِطَ وُقُوفُ مُصَلٍّ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرْجَةِ الْيَسِيرَةِ. وَأَمَّا إِذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَفِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبُطْلَانُ. وَأَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ إِذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ وَتَلَاحَقَتْ. وَمَعْنَى اتِّصَالِهَا، أَنْ يَقِفَ رَجُلٌ أَوْ صَفٌّ فِي آخِرِ الْبِنَاءِ

(1/362)


الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ، وَرَجُلٌ أَوْ صَفٌّ فِي أَوَّلِ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. وَالثَّلَاثُ لِلتَّقْرِيبِ. فَلَوْ زَادَ مَا لَا يَتَبَيَّنُ فِي الْحِسِّ بِلَا ذَرْعٍ لَمْ يَضُرَّ. وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَشْرُوعُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. وَإِذَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ، فَلَوْ كَانَ فِي بِنَاءِ الْمَأْمُومِ بَيْتٌ عَنِ الْيَمِينِ، أَوِ الشِّمَالِ، اعْتُبِرَ الِاتِّصَالُ بِتَوَاصُلِ الْمَنَاكِبِ. هَذِهِ طَرِيقَةٌ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُعْظَمِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَلَا اتِّصَالُ الصُّفُوفِ فِي الْمَوَاقِفِ خَلْفَهُ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ: الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ عَلَى الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحْرَاءِ.
قُلْتُ: الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ بَابٌ نَافِذٌ فَوَقَفَ بِحِذَائِهِ صَفٌّ أَوْ رَجُلٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ جِدَارٌ أَصْلًا كَالصَّحْنِ مَعَ الصُّفَّةِ، فَلَوْ حَالَ حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ، لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَتَيْنِ، وَإِنْ مَنَعَ الِاسْتِطْرَاقَ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ كَالْمُشَبَّكِ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ فِي الْبِنَاءِ الْآخَرِ، إِمَّا بِشَرْطٍ، وَإِمَّا دُونَهُ - صَحَّتْ صَلَاةُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ جِدَارٌ، وَتَكُونُ الصُّفُوفُ مَعَ هَذَا الْوَاقِفِ كَالْمَأْمُومِينَ مَعَ الْإِمَامِ، حَتَّى لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، إِنْ تَأَخَّرَ عَنْ سَمْتِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ، إِذْ لَمْ يُجَوَّزْ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَكْبِيرُهُمْ عَلَى تَكْبِيرِهِ. أَمَّا إِذَا وَقَفَ الْإِمَامُ فِي صَحْنِ الدَّارِ، وَالْمَأْمُومُ فِي مَكَانٍ عَالٍ مِنْ سَطْحٍ، أَوْ طَرَفِ صُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَبِمَاذَا يَحْصُلُ الِاتِّصَالُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا، قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: إِنْ كَانَ رَأْسُ الْوَاقِفِ فِي السُّفْلِ يُحَاذِي رُكْبَةَ الْوَاقِفِ فِي الْعُلُوِّ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَإِلَّا فَلَا. وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ، إِنْ حَاذَى رَأَسُ الْأَسْفَلِ قَدَمَ الْأَعْلَى صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ إِمَامُ

(1/363)


الْحَرَمَيْنِ: الْأَوَّلُ مُزَيَّفٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالِاعْتِبَارُ، بِمُعْتَدِلِ الْقَامَةِ. حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا، أَوْ قَاعِدًا فَلَمْ يُحَاذِ، وَلَوْ قَامَ فِيهِ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ، لَحَصَلَتِ الْمُحَاذَاةُ، كَفَى. وَحَيْثُ لَا يَمْنَعُ الِانْخِفَاضُ الْقُدْوَةَ، وَكَانَ بَعْضُ الَّذِينَ يَحْصُلُ بِهِمُ الِاتِّصَالُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ مَتَاعٍ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَضُرَّ. وَلَوْ كَانَا فِي الْبَحْرِ وَالْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إِذَا لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، كَالصَّحْرَاءِ، وَتَكُونُ السَّفِينَتَانِ كَدِكَّتَيْنِ فِي الصَّحْرَاءِ، يَقِفُ الْإِمَامُ عَلَى إِحْدَاهُمَا، وَالْمَأْمُومُ عَلَى الْأُخْرَى. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ سَفِينَةُ الْإِمَامِ مَشْدُودَةً بِسَفِينَةِ الْمَأْمُومِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَإِنْ كَانَتَا مُسَقَّفَتَيْنِ فَهُمَا كَالدَّارَيْنِ، وَالسَّفِينَةُ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ، كَالدَّارِ ذَاتِ الْبُيُوتِ. وَحُكْمُ الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْخَانَاتِ حُكْمُ الدُّورِ. وَالسُّرَادِقَاتُ فِي الصَّحْرَاءِ، كَالسَّفِينَةِ الْمَكْشُوفَةِ، وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْآخَرُ خَارِجَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ فِي مَسْجِدٍ، وَالْمَأْمُومُ فِي مَوَاتٍ مُتَّصِلٍ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ جَازَ، إِذَا لَمْ تَزِدِ الْمَسَافَةُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي، مِنْ آخِرِ صَفٍّ فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ. وَعَلَى الثَّالِثِ، مِنْ حَرِيمِ الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاتِ. وَحَرِيمُهُ: الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ، الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ، كَانْصِبَابِ الْمَاءِ إِلَيْهِ، وَطَرْحِ الْقِمَامَاتِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جِدَارُ الْمَسْجِدِ، لَكِنَّ الْبَابَ النَّافِذَ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحٌ، فَوَقَفَ بِحِذَائِهِ جَازَ، وَلَوِ اتَّصَلَ صَفٌّ بِالْوَاقِفِ فِي الْمُحَاذَاةِ، وَخَرَجُوا عَنِ الْمُحَاذَاةِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِدَارِ بَابٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَقِفْ بِحِذَائِهِ بَلْ عَدَلَ عَنْهُ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يَمْنَعُ. وَأَمَّا الْحَائِلُ غَيْرَ جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فَيَمْنَعُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ

(1/364)


فَهُوَ كَالْجِدَارِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ. وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرَ مُغْلَقٍ، فَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ الِاسْتِطْرَاقِ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَبَّكٌ، فَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الِاسْتِطْرَاقِ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ. فَفِي الصُّورَتَيْنِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ مَانِعٌ. هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَوَاتِ. فَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِي شَارِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ، فَهُوَ كَالْمَوَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَى الثَّانِي يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنَ الْمَسْجِدِ بِالطَّرِيقِ. وَلَوْ وَقَفَ فِي حَرِيمِ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي (التَّهْذِيبِ) : أَنَّهُ كَالْمَوَاتِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْفَضَاءَ الْمُتَّصِلَ بِالْمَسْجِدِ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَوَقَفَ الْمَأْمُومُ فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ حَتَّى يَتَّصِلَ الصَّفُّ مِنَ الْمَسْجِدِ بِالْفَضَاءِ. وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ، بِالسَّطْحِ الْمَمْلُوكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ فِي دَارٍ مَمْلُوكَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ، يُشْتَرَطُ الِاتِّصَالُ بِأَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلٌ بِعَتَبَةِ الدَّارِ، وَآخَرُ فِي الدَّارِ مُتَّصِلٌ بِالْعَتَبَةِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَوْقِفُ رَجُلٍ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَضَاءِ مُشْكِلٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَوَاتِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ، فَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: جِدَارُ الْمَسْجِدِ لَا يَمْنَعُ، كَمَا قَالَ فِي الْمَوَاتِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ. وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إِذَا كَانَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ. فَمِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الْجَمَاعَةَ أَوِ الِاقْتِدَاءَ، وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرِنَ هَذِهِ النِّيَّةَ بِالتَّكْبِيرِ كَسَائِرِ مَا يَنْوِيهِ، فَإِنْ تَرَكَ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ، انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى هَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ نَظَرَ إِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فِعْلًا عَلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِعْلًا عَلَى مُتَابَعَتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ فِي حَالِ الشَّكِّ لَهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُتَابَعَةُ. حَتَّى لَوْ عَرَضَ هَذَا الشَّكُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ سَلَامُهُ عَلَى سَلَامِ الْإِمَامِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِالْمُتَابَعَةِ - هُوَ إِذَا انْتَظَرَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ لِيَرْكَعَ

(1/365)


وَيَسْجُدَ مَعَهُ. فَأَمَّا إِذَا اتَّفَقَ انْقِضَاءُ فِعْلِهِ، مَعَ انْقِضَاءِ فِعْلِهِ فَهَذَا لَا يُبْطِلُ قَطْعًا. لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَابَعَةً. وَالْمُرَادُ: الِانْتِظَارُ الْكَثِيرُ. فَأَمَّا الْيَسِيرُ فَلَا يَضُرُّ. وَهَلْ تَجِبُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ فِي الْجُمُعَةِ؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: وَجُوبُهَا. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهَا.
فَرْعٌ
لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يُعَيِّنَ فِي نِيَّتِهِ الْإِمَامَ، بَلْ يَكْفِي نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْحَاضِرِ، فَلَوْ عَيَّنَ فَأَخْطَأَ، بِأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ، فَبَانَ عَمْرًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَأَخْطَأَ، لَا تَصِحُّ. وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْحَاضِرِ، وَاعْتَقَدَ زَيْدًا فَكَانَ غَيْرَهُ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْفَرَسَ فَكَانَ بَغْلًا.
قُلْتُ: الْأَرْجَحُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِيمَا يَأْتِيَانِ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ الْمُؤَدِّي بِالْقَاضِي وَعَكْسُهُ، وَالْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ وَعَكْسُهُ.

(1/366)


فَرْعٌ
لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ، سَوَاءً اقْتَدَى بِهِ الرِّجَالُ أَوِ النِّسَاءُ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَابَشَامِيِّ، وَالْقَفَّالُ: أَنَّهُ تَجِبُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ عَلَى الْإِمَامِ. وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِهَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ. لَكِنْ هَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ يَنَالُ بِهَا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ إِذَا لَمْ يَنْوِهَا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَنَالُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَاقْتَدَى بِهِ جَمْعٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ، يَنَالُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُمْ نَالُوهَا بِسَبَبِهِ، وَهَذَا كَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، هَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ؟ الْأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَلَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ وَعَيَّنَ فِي نِيَّتِهِ الْمُقْتَدِيَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّ غَلَطَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: تَوَافُقُ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَرْكَانِ، فَلَوِ اخْتَلَفَتْ صَلَاتَا الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، بِأَنِ اقْتَدَى مُفْتَرِضٌ بِمَنْ يُصَلِّي جِنَازَةً، أَوْ كُسُوفًا، لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَتَصِحُّ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ. فَعَلَى هَذَا إِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْجِنَازَةِ لَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالْأَذْكَارِ بَيْنَهَا، بَلْ إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ، يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إِخْرَاجِ نَفْسِهِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ، وَبَيْنَ انْتِظَارِ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَإِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْكُسُوفِ، تَابَعَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ إِنْ شَاءَ رَفَعَ رَأَسَهُ مَعَهُ وَفَارَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ فِي الرُّكُوعِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، وَيَعْتَدِلُ مَعَهُ عَنْ رُكُوعِهِ الثَّانِي، وَلَا يَنْتَظِرُهُ

(1/367)


بَعْدَ الرَّفْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ. أَمَّا إِذَا اتَّفَقَتِ الصَّلَاتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَيُنْظَرُ إِنِ اتَّفَقَ عَدَدُهُمَا كَالظُّهْرِ خَلْفَ الْعَصْرِ أَوِ الْعِشَاءِ جَازَ الِاقْتِدَاءُ. وَإِنْ كَانَ عَدَدُ رَكَعَاتِ الْإِمَامِ أَقَلَّ كَالظُّهْرِ خَلْفَ الصُّبْحِ جَازَ. وَإِذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، قَامَ الْمَأْمُومُ وَأَتَمَّ صَلَاةَ نَفْسِهِ كَالْمَسْبُوقِ. وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقُنُوتِ. وَلَوْ أَرَادَ مُفَارَقَتَهُ عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِالْقُنُوتِ جَازَ. وَإِذَا اقْتَدَى فِي الظُّهْرِ بِالْمَغْرِبِ، وَانْتَهَى الْإِمَامُ إِلَى الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ، تَخَيَّرَ الْمَأْمُومُ فِي الْمُتَابَعَةِ وَالْمُفَارَقَةِ كَالْقُنُوتِ. وَإِنْ كَانَ عَدَدُ رَكَعَاتِ الْمَأْمُومِ أَقَلَّ كَالصُّبْحِ خَلْفَ الظُّهْرِ، فَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ وَقِيلَ: قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُهُ. وَالثَّانِي: بُطْلَانُهُ. فَإِذَا صَحَّحْنَا، وَقَامَ الْإِمَامُ إِلَى الثَّالِثَةِ، تَخَيَّرَ الْمَأْمُومُ، إِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ.
قُلْتُ: انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ فِي الثَّانِيَةِ، بِأَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ يَسِيرًا، قَنَتَ. وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ لِيَقْنُتَ. وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ الظُّهْرِ، فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ إِلَى الرَّابِعَةِ، لَمْ يُتَابِعْهُ بَلْ يُفَارِقُهُ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ وَيَنْتَظِرَهُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُقْتَدِي بِالصُّبْحِ خَلْفَ الظُّهْرِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ. وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ، جَازَ. فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إِلَى بَاقِي صَلَاتِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّ يُتِمَّهَا مُنْفَرِدًا. فَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ إِلَى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مِنَ التَّرَاوِيحِ، فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ ثَانِيًا، فَفِي جَوَازِهِ الْقَوْلَانِ، فِيمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ اقْتَدَى فِي أَثْنَائِهِمَا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُقْتَدِي بِمَنْ يُصَلِّي الْعِيدَ أَوِ الِاسْتِسْقَاءَ، هَلْ هُوَ كَمَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ؟ أَمْ كَمَنْ يُصَلِّي الْجِنَازَةَ وَالْكُسُوفَ؟ قُلْتُ: الصَّحِيحُ: أَنَّهُ كَالصُّبْحِ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) . وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ، لَا يُتَابِعُهُ الْمَأْمُومُ، فَإِنْ تَابَعَهُ لَمْ يَضُرَّهُ، لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا تَضُرُّ.

(1/368)


وَلَوْ صَلَّى الْعِيدَ خَلْفَ الصُّبْحِ الْمَقْضِيَّةِ جَازَ، وَيُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشَّرْطُ السَّادِسُ: الْمُوَافَقَةُ. فَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، نَظَرَ إِنْ تَرَكَ فَرْضًا، فَقَامَ فِي مَوْضِعِ الْقُعُودِ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَمْ يَرْجِعْ، لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ، لِأَنَّهُ إِنْ تَعَمَّدَ، فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ سَهَا، فَفِعْلُهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهَا. وَلَوْ تَرَكَ سُنَّةً وَكَانَ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ، كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَأْتِ بِهَا الْمَأْمُومُ، فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ، أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ، لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، وَلِذَلِكَ يُسَلِّمُ التَسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ إِذَا تَرَكَهَا الْإِمَامُ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخَلُّفُ لَهَا يَسِيرًا، كَجَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلَا بَأْسَ، كَمَا لَا بَأْسَ بِزِيَادَتِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. وَكَذَا لَا بَأْسَ بِتَخَلُّفِهِ لِلْقُنُوتِ إِذَا لَحِقَهُ عَلَى قُرْبٍ، بِأَنْ لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى.

الشَّرْطُ السَّابِعُ: الْمُتَابَعَةُ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ، فَلَا يَتَقَدَّمُ فِي الْأَفْعَالِ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُتَابَعَةِ: أَنْ يَجْرِيَ عَلَى أَثَرِ الْإِمَامِ، بِحَيْثُ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، مُتَأَخِّرًا عَنِ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِهِ، وَمُتَقَدِّمًا عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ. فَلَوْ خَالَفَ فَلَهُ أَحْوَالٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُقَارِنَهُ، فَإِنْ قَارَنَهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ شَكَّ هَلْ قَارَنَهُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ تَأَخَّرَ فَبَانَ مُقَارَنَتُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ. وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ، عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُكَبِّرَ حَتَّى يُسَوُّوا الصُّفُوفَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ مُلْتَفِتًا يَمِينًا وَشِمَالًا. وَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ، قَامَ النَّاسُ فَاشْتَغَلُوا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ. وَأَمَّا مَا عَدَا التَّكْبِيرَ، فَغَيْرُ السَّلَامِ تَجُوزُ الْمُقَارَنَةُ فِيهِ، وَلَكِنْ تُكْرَهُ، وَتَفُوتُ بِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَفِي السَّلَامِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: جَوَازُهَا.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْإِمَامِ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، نَظَرَ إِنْ

(1/369)


تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ قَطْعًا. وَمِنْ صُوَرِ التَّخَلُّفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ، فَيَشْتَغِلُ بِإِتْمَامِهَا، وَكَذَا التَّخَلُّفُ لِلِاشْتِغَالِ بِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَأَمَّا بَيَانُ صُوَرِ التَّخَلُّفِ بِرُكْنٍ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ الرُّكْنِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، فَالْقَصِيرُ: الِاعْتِدَالُ عَنِ الرُّكُوعِ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالطَّوِيلُ: مَا عَدَاهُمَا. ثُمَّ الطَّوِيلُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ. وَفِي الْقَصِيرِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَمَالَ الْإِمَامُ إِلَى الْجَزْمِ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا، بَلْ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ. وَبِهِ قَطَعَ فِي (التَّهْذِيبِ) . فَإِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ، ثُمَّ رَكَعَ الْمَأْمُومُ وَأَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِهِ فَلَيْسَ هَذَا تَخَلُّفًا بِرُكْنٍ، فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قَطْعًا. فَلَوِ اعْتَدَلَ الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ، فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ، اخْتَلَفُوا فِي مَأْخَذِهِمَا، فَقِيلَ: مَأْخَذُهُمَا: التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: مَقْصُودٌ فَقَدْ فَارَقَ الْإِمَامُ رَكْنًا، وَاشْتَغَلَ بِرُكْنٍ آخَرَ مَقْصُودٍ، فَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُتَخَلِّفِ. وَإِنْ قُلْنَا: غَيْرُ مَقْصُودٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَفْرَغْ مِنَ الرُّكُوعِ، لَأَنَّ الَّذِي هُوَ فِيهِ تَبَعٌ لَهُ، فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَقِيلَ: مَأْخَذُهُمَا الْوَجْهَانِ، فِي أَنَّ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ يُبْطِلُ أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: يُبْطِلُ فَقَدْ تَخَلَّفَ بِرُكْنِ الرُّكُوعِ تَامًّا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَمَا دَامَ فِي الِاعْتِدَالِ، لَمْ يُكْمِلِ الرُّكْنَ الثَّانِيَ، فَلَا تَبْطُلُ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا تَبْطُلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا هَوَى إِلَى السُّجُودِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ، فَعَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ، وَعَلَى الثَّانِي: تَبْطُلُ، لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِدَالِ قَدْ تَمَّ. هَكَذَا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ. وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا ارْتَفَعَ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَقَدْ حَصَلَ التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلِ الْإِمَامُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ مُبْطِلًا.

(1/370)


أَمَّا إِذَا انْتَهَى الْإِمَامُ إِلَى السُّجُودِ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَطْعًا. ثُمَّ إِذَا اكْتَفَيْنَا بِابْتِدَاءِ الْهُوِيِّ عَنِ الِاعْتِدَالِ، وَابْتِدَاءِ الِارْتِفَاعِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ، فَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنَيْنِ: هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ رُكْنَانِ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُمَا، وَبِرُكْنٍ: هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ الرُّكْنُ الَّذِي سَبَقَ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فَلِلتَّخَلُّفِ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُلَابِسَ - مَعَ تَمَامِهِمَا أَوْ تَمَامِهِ - رُكْنًا آخَرَ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ (التَّهْذِيبِ) تَرْجِيحُ الْبُطْلَانِ فِيمَا إِذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ كَامِلٍ مَقْصُودٍ، كَمَا إِذَا اسْتَمَرَّ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى اعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ. هَذَا كُلُّهُ فِي التَّخَلُّفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. أَمَّا الْأَعْذَارُ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا: الْخَوْفُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ، وَالْإِمَامُ سَرِيعَهَا، فَيَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُتَابِعُهُ وَيَسْقُطُ عَنِ الْمَأْمُومِ بَاقِيهَا. فَعَلَى هَذَا لَوِ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا، كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا، وَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُخْرِجُ نَفْسَهُ عَنِ الْمُتَابَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَهُ أَنْ يَدُومَ عَلَى مُتَابَعَتِهِ. وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاتِهِ، وَيَجْرِي عَلَى أَثَرِهِ. وَبِهَذَا أَفْتَى الْقَفَّالُ. وَأَصَحُّهُمَا: يُوَافِقُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ. وَمِنْهَا أَخْذُ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ، إِنَّمَا هُمَا إِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يُوَافِقُهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخَلُّفُ قَبْلَهُ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامِ. وَلَمْ يُعْتَبَرِ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلَا يُجْعَلُ التَّخَلُّفُ بِغَيْرِ الْمَقْصُودِ مُؤَثِّرًا. وَأَمَّا مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ، أَوْ يُفَرِّقُ وَيَجْعَلُ الْجُلُوسَ مَقْصُودًا، أَوْ رُكْنًا طَوِيلًا، فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ،

(1/371)


التَّقْدِيرُ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ. وَلَوِ اشْتَغَلَ الْمَأْمُومُ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ، فَلَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِذَلِكَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ، فَيُتِمُّ الْفَاتِحَةَ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ. وَكَانَ هَذَا فِي الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ. أَمَّا الْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَائِمًا وَخَافَ رُكُوعَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْرَأَ الِاسْتِفْتَاحَ، بَلْ يُبَادِرُ إِلَى الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَأَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: يَرْكَعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ بَاقِي الْفَاتِحَةِ، وَالثَّانِي: يُتِمُّهَا. وَأَصَحُّهَا: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنَ الِاسْتِفْتَاحِ، قَطَعَ الْفَاتِحَةَ وَرَكَعَ، وَيَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ. وَإِنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ، لَزِمَهُ بِقَدْرِهِ مِنَ الْفَاتِحَةِ لِتَقْصِيرِهِ. وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَفَّالِ وَالْمُعْتَبَرِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ. فَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ إِتْمَامُ الْفَاتِحَةِ، فَتَخَلَّفَ لِيَقْرَأَ كَانَ تَخَلُّفًا بِعُذْرٍ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهَا وَرَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَرْكَعُ فَاشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا، كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ. وَإِنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالرُّكُوعِ، وَقَرَأَ هَذَا الْمَسْبُوقُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ لَحِقَهُ فِي الِاعْتِدَالِ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إِذَا قُلْنَا: التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ. وَالثَّانِي: يُبْطِلُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ رَكْعَةٌ، فَكَانَ كَالتَّخَلُّفِ بِرَكْعَةٍ.
وَمِنْهَا: الزِّحَامُ، وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: النِّسْيَانُ. فَلَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكَّ فِي قِرَاءَتِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ، لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، قَامَ وَتَدَارَكَ مَا فَاتَهُ. وَلَوْ تَذَكَّرَ أَوْ شَكَّ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ، لَمْ تَسْقُطِ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ. وَمَاذَا يَفْعَلُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَرْكَعُ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَقَضَى رَكْعَةً، وَأَصَحُّهُمَا: يُتِمُّهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ. وَعَلَى هَذَا تَخَلُّفُهُ تَخَلُّفُ مَعْذُورٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي: تَخَلُّفُ غَيْرِ مَعْذُورٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِالرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ

(1/372)


فَيَنْظُرُ؛ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ بِرُكْنٍ كَامِلٍ، بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ - لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: تَبْطُلُ إِنْ تَعَمَّدَ. فَإِذَا قُلْنَا: لَا تَبْطُلُ، فَهَلْ يَعُودُ؟ وَجْهَانِ. الْمَنْصُوصُ، وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْقِيَامِ وَيَرْكَعَ مَعَهُ. وَالثَّانِي: وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا (النِّهَايَةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) : لَا يَجُوزُ الْعَوْدُ، فَإِنْ عَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالدَّوَامِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ الْعَوْدُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنَيْنِ فَصَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ. وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا، أَوْ جَاهِلًا، لَمْ تَبْطُلْ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، فَيَأْتِي بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَا يَخْفَى بَيَانُ التَّقَدُّمِ بِرُكْنَيْنِ مِنْ قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّخَلُّفِ. وَمَثَّلَ أَئِمَّتُنَا الْعِرَاقِيُّونَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا فِي الِاعْتِدَالِ، وَهَذَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ مِثْلَهُ فِي التَّخَلُّفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِالتَّقَدُّمِ، لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ أَفْحَشُ. وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ، بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ، وَاجْتَمَعَا فِي الِاعْتِدَالِ، فَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. قَالُوا: فَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَالِاعْتِدَالِ، بِأَنِ اعْتَدَلَ وَسَجَدَ، وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ، أَوْ سَبَقَ بِالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى، وَجَلَسَ وَسَجَدَ الثَّانِيَةَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الْأُولَى، فَوَجْهَانِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَآخَرُونَ: التَّقَدُّمُ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ كَالتَّخَلُّفِ بِهِ. وَهَذَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ. وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. هَذَا فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، فَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، فَالسَّبْقُ بِهَا مُبْطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْفَاتِحَةُ وَالتَّشَهُّدُ، فَفِي السَّبْقِ بِهِمَا أَوْجُهٌ. الصَّحِيحُ: لَا يَضُرُّ، بَلْ يُجْزِئَانِ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ. وَالثَّالِثُ: لَا تَبْطُلُ. وَيَجِبُ إِعَادَتُهُمَا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا.

(1/373)


فَرْعٌ
الْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْفَاتِحَةِ بَلْ يَهْوِي لِلرُّكُوعِ وَيُكَبِّرُ لَهُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى. وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا فَكَبَّرَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ بِمُجَرَّدِ تَكْبِيرِهِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى تَكْبِيرَةٍ، فَلَهُ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُوقِعَهَا فِي حَالِ الْقِيَامِ.
الثَّانِي: يَنْوِي تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ.
الثَّالِثُ: يَنْوِيهِمَا، فَلَا تَنْعَقِدُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ.
الرَّابِعُ: لَا يَنْوِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، بَلْ يُطْلِقُ التَّكْبِيرَةَ. فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي (الْأُمِّ) وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: لَا تَنْعَقِدُ. وَالثَّانِي: تَنْعَقِدُ لِقَرِينَةِ الِافْتِتَاحِ، وَمَالَ إِلَيْهِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَخْرَجَ الْمَأْمُومُ نَفْسَهُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، سَوَاءً فَارَقَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، هَذَا جُمْلَتُهُ. وَتَفْصِيلُهُ: أَنَّ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْمُفَارَقَةِ طَرِيقَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ، عَلَى طُرُقٍ. أَصَحُّهَا: هُمَا فِيمَنْ فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. فَأَمَّا الْمَعْذُورُ فَيَجُوزُ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا فِي الْمَعْذُورِ. فَأَمَّا غَيْرُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا فِيهِمَا، وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْأَعْذَارُ كَثِيرَةٌ، وَأَقْرَبُ - مُعْتَبَرًا - أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَا جَوَّزَ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً، جَوَّزَ الْمُفَارَقَةَ. وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا إِذَا

(1/374)


تَرَكَ الْإِمَامُ سُنَّةً مَقْصُودَةً، كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْقُنُوتِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى طُولِ الْقِرَاءَةِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عُذْرٌ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا قَطَعَ الْمَأْمُومُ الْقُدْوَةَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ. أَمَّا إِذَا انْقَطَعَتْ بِحَدَثِ الْإِمَامِ، وَنَحْوِهِ، فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ قَطْعًا بِكُلِّ حَالٍ.
فَرْعٌ
إِذَا أُقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا نَظَرَ إِنْ كَانَ فِي فَرِيضَةِ الْوَقْتِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَحْبَبْتُ أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ، فَتَكُونَ لَهُ نَافِلَةً، وَيَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقْطَعَ الْفَرِيضَةَ وَيَقْلِبَهَا نَفْلًا. وَفِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ ثُلَاثِيَّةً، أَوْ رُبَاعِيَّةً، وَلَمْ يُصَلِّ بَعْدُ رَكْعَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ذَاتَ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، وَقَدْ قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي فَائِتَةٍ، لَمْ يُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِيُصَلِّيَ تِلْكَ الْفَائِتَةِ جَمَاعَةً، لِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا يُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ فِي يَوْمِ غَيْمٍ، فَانْكَشَفَ الْغَيْمُ، وَخَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ، فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَيَشْتَغِلُ بِالْحَاضِرَةِ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: لَا يُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، يُحْمَلُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ وَأُقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهَا أَتَمَّهَا. وَإِنْ خَشِيَهُ، قَطَعَهَا وَدَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ صَلَاتِهِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِدًا، بَلِ اقْتَدَى فِي خِلَالِهَا، فَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ. وَهَذَا جُمْلَتُهُ. فَأَمَّا تَفْصِيلُهُ

(1/375)


فَفِي صِحَّةِ هَذَا الِاقْتِدَاءِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَأَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا: فِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى طُرُقٍ، فَقِيلَ: هُمَا فِيمَا إِذَا لَمْ يَرْكَعِ الْمُنْفَرِدُ فِي انْفِرَادِهِ. فَإِنْ رَكَعَ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا بَعْدَ رُكُوعِهِ. فَأَمَّا قَبْلَهُ فَيَجُوزُ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا إِذَا اتَّفَقَا فِي الرَّكْعَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَكَانَ الْإِمَامُ فِي رَكْعَةٍ، وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا لَمْ يَجُزْ قَطْعًا. وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. وَإِذَا صَحَّحْنَا الِاقْتِدَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَاخْتَلَفَا فِي الرَّكْعَةِ، قَعَدَ الْمَأْمُومُ فِي مَوْضِعِ قُعُودِ الْإِمَامِ، وَقَامَ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ، فَإِنْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ أَوَّلًا، لَمْ يُتَابِعِ الْإِمَامَ فِي الزِّيَادَةِ، بَلْ إِنْ شَاءَ فَارَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَطَوَّلَ الدُّعَاءَ وَسَلَّمَ مَعَهُ. فَإِنْ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوَّلًا قَامَ الْمَأْمُومُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَسْبُوقُ، وَإِذَا سَهَا الْمَأْمُومُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْإِمَامُ، بَلْ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ هُوَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ سَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ حَمَلَ عَنْهُ. وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَحِقَ الْمَأْمُومَ وَيَسْجُدُ مَعَهُ، وَيُعِيدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَالْمَسْبُوقِ.
فَرْعٌ
مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ، كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ - بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، كِلَاهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا -: لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ. وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ: إِدْرَاكُهَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ

(1/376)


فِي الْجُمُعَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ الْمُرَادُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ، أَنْ يَلْتَقِيَ هُوَ وَإِمَامُهُ فِي حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ. حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي الْهُوِيِّ، وَالْإِمَامُ فِي الِارْتِفَاعِ، وَقَدْ بَلَغَ هُوِيُّهُ حَدَّ الْأَقَلِّ قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ الْإِمَامُ عَنْهُ، كَانَ مُدْرِكًا، وَإِنْ لَمْ يَلْتَقِيَا فِيهِ فَلَا. هَكَذَا قَالَهُ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنِ الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ. هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي (الْبَيَانِ) وَبِهِ أَشْعَرَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنَ النَّقَلَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. وَلَوْ كَبَّرَ وَانْحَنَى وَشَكَّ هَلْ بَلَغَ الْحَدَّ الْمُعْتَبَرَ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْهُ؟ فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَكُونُ مُدْرِكًا. وَالثَّانِي: يَكُونُ. فَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي الرُّكْنِ الَّذِي أَدْرَكَهُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ.
قُلْتُ: وَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْجُلُوسِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ مَعَهُ قَطْعًا، وَيُسَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ. فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ أَوِ التَّشَهُّدِ، فَهَلْ يُكَبِّرُ لِلِانْتِقَالِ إِلَيْهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ، وَيُخَالِفُ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ فَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مَعَهُ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ مُكَبِّرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا، لِأَنَّهُ لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ. وَلِذَلِكَ نَقُولُ: يُوَافِقُهُ فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَفِي التَّسْبِيحَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ الَّذِي قَامَ مِنْهُ مَوْضِعَ

(1/377)


جُلُوسِ الْمَسْبُوقِ، بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ، قَامَ مُكَبِّرًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الْأَخِيرَةِ، أَوِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ، قَامَ بِلَا تَكْبِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ. ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، لَمْ يَجُزِ الْمُكْثُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. فَإِنْ مَكَثَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، لَمْ يَضُرَّ الْمُكْثُ. وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ: أَنْ يَقُومَ عَقِبَ تَسْلِيمَتَيِ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ الْأُولَى. وَإِنْ قَامَ قَبْلَ تَمَامِهَا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ تَعَمَّدَ الْقِيَامَ. وَمَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ آخِرُهَا، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا قَامَ لِإِتْمَامِ الْبَاقِي، يَجْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَتَشَهَّدُ، وَيُسِرُّ فِي الثَّالِثَةِ. وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ، وَقَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ، أَعَادَ الْقُنُوتَ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، ثُمَّ قَامَ لِلتَّدَارُكِ، يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ: هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنِ السُّورَةِ.
قُلْتُ: الثَّانِي أَصَحُّ. وَحُكِيَ قَوْلٌ غَرِيبٌ: أَنَّهُ يَجْهَرُ. وَالْجَمَاعَةُ فِي الصُّبْحِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْعِشَاءُ، ثُمَّ الْعَصْرُ، لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَامٌ رَاتِبٌ، كُرِهَ لِغَيْرِهِ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا، فَلَا بَأْسَ. وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْأَذَانِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، فَإِنْ كَرِهَهُ الْأَقَلُّ، أَوِ النِّصْفُ، لَمْ تُكْرَهْ إِمَامَتُهُ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَكْرَهُوهُ لِمَعْنًى مَذْمُومٍ فِي الشَّرْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالْعَتْبُ عَلَيْهِمْ وَلَا كَرَاهَةَ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: إِنَّمَا يُكْرَهُ إِذَا لَمْ يُنَصِّبْهُ الْإِمَامُ، فَإِنْ نَصَّبَهُ فَلَا يُبَالِي بِكَرَاهَةِ أَكْثَرِهِمْ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ يَكْرَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حُضُورَهُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْحُضُورُ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ

(1/378)


الْإِمَامِ أَعْلَى مِنْ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ، وَكَذَا عَكْسُهُ، فَإِنِ احْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى الِاسْتِعْلَاءِ لِيُعَلِّمَهُمْ صِفَةَ الصَّلَاةِ، أَوِ الْمَأْمُومُ لِيُبَلِّغَ الْقَوْمَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ اسْتُحِبَّ. وَأَفْضَلُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، ثُمَّ مَا قَرُبَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْخُلَّصُ، فَإِنْ كَانَ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ، فَأَفْضَلُ صُفُوفِهِنَّ آخِرُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1/379)

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية