الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الوضوء علي المذاهب الأربعة

كتاب الوضوء علي المذاهب الأربعة

مباحث الوضوء
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

مباحث الوضوء

* يتعلق بالوضوء مباحث: (1) تعريفه (2) حكمه (3) شروطه التي توجبه، أو تتوقف عليها صحته (4) فرائضه، ويقال لها: أركانه (5) سننه (6) مندوباته (7) مكروهاته (8) نواقضه (9) الاستنجاء؛ أو كيفية الطهارة من الخارج الذي ينقض الوضوء، وإليك بيانها على هذا الترتيب:

الأول: في تعريف الوضوء

* الوضوء لغة معناه الحسن والنظافة. وهو اسم مصدر، لأن فعله إما أن يكون توضأ، فيكون مصدره التوضوء؛ وإما أن يكون فعله وضُؤ: فيكون مصدره الوضاءة - بكسر الواو - فيقال: وضؤ، ككرم، وضاءة بمعنى حسن ونظف، فالوضوء على كل حال اسم للنظافة، أو للوضاءة (وهذا المعنى عام يشمل المعنى الشرعي، لأن المعنى الشرعي نظافة مخصوصة، فتترتب عليه الوضاءة الحسية، والمعنوية، أما معناه في الشرع، فهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة، وهي الوجه واليدان، الخ، بكيفية مخصوصة.

المبحث الثاني: حكم الوضوء، وما يتعلق به من مس مصحف ونحوه

* لعلك قد عرفت من صحيفة 29 معنى الحكم، وأنه قد يراد به الأثر الذي رتبه الشارع على الفعل، وهو المقصود هنا، فالشارع قد رتب على الوضوء رفع الحدث، فتؤدي به الفرائض، والمندوبات، من صلاة، وسجود تلاوة، وسجود شكر عند من يقول به من الأئمة، وطواف بالبيت، فرضاً كان، أو نفلاً (الحنفية قالوا: من طاف بالبيت بغير وضوء فإن طوافه يكون صحيحاً، ولكنه يحرم عليه أن يفعل ذلك، لأن الطهارة من الحدث واجبة للطواف، ومن ترك الواجب يأثم، وليست شرطاً لصحته) لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير" رواه الترمذي بسند حسن، ورواه الحاكم، فالوضوء فرض لازم لأداء هذه الأعمال، فلا يحل لغير المتوضئ أن يفعلها، ومثلها مس المصحف، فإنه يجب له الوضوء، سواء أراد أن يمسه كله، أو بعضه، ولو آية واحدة، إلا بشروط مفصلة في المذاهب :

شروط مس المصحف عند المالكية

(المالكية قالوا: يشترط لحل مس المصحف، أو بعضه بدون وضوء، شروط: أحدها: أن يكون مكتوباً بلغة غير عربية، أما المكتوب بالعربية، فلا يحل مسه على أي حال، ولو كان مكتوباً بالكوفي، أو المغربي، أو نحوهما، ثانيها: أن يكون منقوشاً على درهم،
أو دينار، أو نحوهما مما يتعامل به الناس، دفعاً للمشقة والحرج، ثالثها: أن يتخذ المصحف كله، أو بعضه حرزاً، فإنه يجوز له أن يحمله بدون وضوء، وبعضهم يقول: يجوز له حمل بعضه، حرزاً، أما حمله كله حرزاً بدون وضوء فهو ممنوع، ويشترط لحمله حرزاً شرطان: الأول: أن يكون حامله مسلماً، الثاني: أن يكون المصحف مستوراً بساتر يمنع من وصول الأقذار إليه، رابعها: أن يكون حامله معلماً، أو متعلماً، فيجوز لهما مس المصحف بدون وضوء ولا فرق في ذلك بين المكلف وغيره، حتى ولو كانت امرأة حائضاً وفيما عدا ذلك، فإنه لا يجوز حمله على أي حال، فلا يحل لغير المتوضئ أن يحمله بغلاف، أو بعلاقة، كما لا يحل له أن يحمل ما وضع عليه المصحف من صندوق، أو وسادة، أو كرسي، وإذا كان موضوعاً في أمتعة جاز حمله، تبعاً للأمتعة؛ فلو قصد حمله وحده، دون الأمتعة، فإنه لا يحل، أما قراءة القرآن بدون مصحف، فإنها جائزة لغير المتوضئ، ولكن الأفضل له أن يتوضأ.

شروط مس المصحف عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: يشترط لحمل المصحف، أو مسه بدون وضوء، أن يكون في غلاف منفصل منه؛ فإن كان في غلاف ملصق به، كأن يكون في كيس، أو ملفوفاً في منديل، أو ورق، أو يكون موضوعاً في صندوق، أو يكون في أمتعة المنزل، التي يراد نقلها، سواء كان المصحف مقصوداً بالمس أولا، فإنه في كل هذه الأحوال يجوز مسه، أو حمله، وكذا يحل اتخاذ المصحف حرزاً، بشرط أن يجعله في شيء يستره من خرقة طاهرة ونحوها، ثم إن الوضوء شرط لجواز حمل المصحف، سواء كان حامله مكلفاً، أو غير مكلف، إلا أن الصبي الذي لم يكلف لا يجب الوضوء عليه هو؛ بل يجب على وليه أن يأمره بالوضوء عندما يريد الصبي حمل المصحف.

شروط مس المصحف عند الحنفية

الحنفية قالوا: يشترط لجواز مس المصحف كله، أو بعضه، أو كتابته، شروط: أحدها: حالة الضرورة؛ كما إذا خاف على المصحف من الغرق. أو الحرق فيجوز له في هذه الحالة أن يمسه لإنقاذه، ثانيها: أن يكون المصحف في غلاف منفصل عنه، كأن يكون موضوعاً في كيس أو في جلد، أو ورقة؛ أو ملفوفاً في منديل، أو نحو ذلك، فإنه في هذه الحالة يجوز مسه وحمله أما جلده المتصل به، وكل ما يدخل في بيعه، بدون نص عليه عند البيع: فإنه لا يحل مسه، ولو كان منفصلاً عنه، على المفتى به، ثالثها: أن يمسه غير بالغ، ليتعلم منه، دفعاً للحرج والمشقة، أما البالغ والحائض سواء كان معلماً، أو متعلماً، فإنه لا يجوز لهما مسه رابعها: أن يكون مسلماً، فلا يحل للمسلم أن يمكن غيره من مسه؛ إذا قدر؛ وقال محمد: يجوز لغير المسلم أن يمسه إذا اغتسل، أما تحفيظ غير
المسلم القرآن فإنه جائز، فإذا تخلفت هذه الشروط، فإنه لا يحل لغير الطاهر المتوضئ أن يمس المصحف بيده، أي بأي عضو من أعضاء بدنه، أما تلاوة القرآن بدون مصحف، فإنها تجوز لغير المتوضئ، وتحرم على الجنب والحائض، ولكن يستحب لغير المتوضئ أن يتوضأ، إذا أراد قراءة القرآن. هذا؛ ويكره مس التفسير بدون وضوء، أما غيره من كتب الفقة، والحديث، ونحوها، فإنه يجوز مسها بدون وضوء من باب الرخصة.

شروط مس المصحف عند الشافعية

الشافعية قالوا: يجوز مس المصحف، وحمله، كلاً، أو بعضاً؛ بشروط: أحدها: أن يحمله حرزاً؛ ثانيها: أن يكون مكتوباً على درهم، أو جنيه؛ ثالثها: أن يكون بعض القرآن مكتوباً في كتب العلم، للاستشهاد به ولا فرق في ذلك بين أن تكون الآيات المكتوبة قليلة: أو كثيرة أما كتب التفسير. فإنه يجوز مسها بغير وضوء بشرط أن يكون التفسير أكثر من القرآن، فإن كان القرآن أكثر فإنه لا يحل مسها. رابعها: أن تكون الآيات القرآنية مكتوبة على الثياب، كالثياب التي تطرز بها كسوة الكعبة ونحوها، خامسها: أن يمسه ليتعلم فيه. فيجوز لوليه أن يمكنه من مسه. وحمله للتعلم. ولو كان حافظاً له عن ظهر غيب. فإن تخلف شرط من هذه الشروط فإنه يرحم مس القرآن. ولو آية واحدة. ولو بحائل منفصل عن المصحف. من جلد وغيره فلو وضع المصحف في صندوق صغير. كالصندوق الذي يصنع لتوضع فيه أجزاء القرآن - الرابعة - أو وضع على كرسي صغير. كالكرسي الذي يصنع لتوضع عليه المصاحف. عند
القراءة. فإنه لا يحل مس ذلك الصندوق أو الكرسي. ما دام المصحف موضوعاً فوقهما. أما إذا وضع في صندوق كبير. أو في كيس كبير فإنه لا يحرم مس ذلك الصندوق أو ذلك الكيس. إلا الجزء المحاذي للمصحف منهما وإذا انفصل جلد المصحف منه. ولم يبق فيه شيء من المصحف فإنه يحرم مسه إلا إذا جعل جلداً لكتاب آخر. غير القرآن. أما ما دام منسوباً إلى المصحف المنزوع منه. فلا يجوز للمحدث أن يمس أي جزء منه. حتى لو محيت الكتابة. على أن يجوز للمكلف أن يكتب القرآن. وهو محدث. في لوح أو نحوه بشرط أن لا يمسه. هذا، وإذا كان المصحف موضوعاً في أمتعة المنزل. في صندوق، أو ملابس؛ أو نحو ذلك؛ فإنه لا يحل حمل هذه الأمتعة بدون وضوء؛ إلا إذا كانت هي مقصودة بالحمل وحدها فإذا قصد حمل المصحف معها؛ أو قصد حمله وحده؛ حرم ذلك بدون وضوء).

شروط الوضوء

* تنقسم شروط الوضوء إلى ثلاثة أقسام: الأول: شروط الوجوب: الثاني: شروط الصحة: الثالث: شروط الوجوب والصحة معاً. والمراد بشروط الوجوب الشروط التي توجب على المكلفين أن يتوضؤوا، بحيث إذا فقدت هذه الشروط أو بعضها لم يجب الوضوء. والمراد بشروط الصحة الشروط التي لا يصح الوضوء بدونها. والمراد بشرط الوضوء والصحة معاً الشروط التي إذا فقد منها شرط، فإن الوضوء لا يجب ولا يصح إذا وقع. وإليك بيانها:

شروط وجوب الوضوء

فأما شروط وجوب الوضوء فقط منها البلوغ فلا يجب الوضوء على من لم يبلغ الحلم، سواء كان ذكراً، أو أنثى، ولكن يصح وضوء غير البالغ، فإذا توضأ قبل البلوغ بساعة مثلاً ثم بلغ
فغير ناقض للوضوء، فإن وضوءه يستمر. وله أن يصلي به؛ وهذه الصورة وإن كانت نادرة الوقوع ولكنها تنفع المسافرين أو القاطنين في الصحراء التي يقل فيها الماء؛ ومنها دخول وقت الصلاة، وسيأتي بيان مواقيت الصلاة، من صبح، وظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، في مباحث الصلاة، فإذا دخل وقت من هذه الأوقات وجب على المكلف أن يصلي ما فرض عليه في ذلكالوقت، ولما كانت الصلاة لا تحل إلا بالوضوء، أو ما يقوم مقامه، فإنه يفترض أن يتوضأ للصلاة، على أن الصلاة تجب بدخول وقتها وجوباً موسعاً، فكذلك الوضوء التي لا تصح بدونه، ومعنى كون الوجوب موسعاً أن للمكلفين أن يصلوا أول الوقت ووسطه وآخره، فإذا لم يبق على الوقت إلا زمن يسير لا يسع إلا الوضوء والصلاة، فإنه في هذه الحالة يكون الوجوب مضيقاً، بحيث يجب عليه أن يتوضأ ويصلي فوراً. وإذا أخر الوضوء والصلاة يأثم. وكما أن الوضوء فرض على من يريد أن يصلي الفرض، فهو فرض
على من يريد أن يصلي النفل، فمتى عزم على الدخول في صلاة النفل، فإنه يجب عليه أن يتوضأ فوراً، وإلا حرم عليه أن يصلي بدون وضوء. وإذا عرفت أن دخول الوقت شرط لوجوب الوضوء فقط، تعرف أنه يصح الوضوء قبل دخول الوقت، فليس دخول الوقت شرطاً لصحة الوضوء، إلا إذا كان المتوضئ معذورا (المالكية قالوا: يصح وضوء المعذور قبل دخول الوقت وبعده.

الحنفية قالوا: يصح وضوء المعذور قبل دخول الوقت، فإذا توضأ قبل الظهر مثلاً، ثم دخل وقت الظهر لم ينتقض وضوءه، فله أن يصلي له وقت الظهر، ويظل متوضئاً إلى أن يخرج وقت الظهر، فإذا خرج وقت الظهر انتقض وضوءه عند خروج الوقت، فلا يصح له أن يصلي العصر إلا بوضوء جديد، وستعرف سبب نقض وضوءه بخروج الوقت في مبحثه. وبذلك تعلم أن المذكور في أعلى الصحيفة، مذهب الشافعية، والحنابلة). كأن كان عنده سلس بول، فإنه لا يصح وضوءه إلا بعد دخول الوقت، كما سيأتي تفصيله في "مبحث المعذور" ومنها أن لا يكون متوضئاً، فإذا توضأ لصلاة الظهر مثلاً، ولم ينتقض وضوءه طول النهار، فلا يجب عليه الوضوء بدخول وقت الصلاة، لما عرفت من أن الوضوء يصح قبل دخول الوقت، ومنها أن يكون قادراً على الوضوء، فلا يجب الوضوء على العاجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه، مما يأتي بيانه في "مبحث التيمم"، ومثل المريض فاقد الماء.

شروط صحة الوضوء

فأما شروط صحة الوضوء فقط، فمنها أن يكون الماء طهوراً، وقد تقدم بيان الطهور في "مباحث المياه" ويكفي أن يكون طهوراً في ظن المتوضئ منه، ومنها أن يكون المتوضئ مميزاً، فلا يصح وضوء صبي غير مميز، وهذه صورة فرضية قد يحتاج إليها من يقول: إن الصبي يمنع من مس المصحف إذا لم يكن متوضئاً، ومنها أن لا يوجد حائل يمنع وصول الماء إلى العضو الذي يراد غسله، فإذا كان على اليد أو الوجه أو الرجل أو الرأس شيء يمنع وصول الماء إلى ظاهر الجلد، فإن الوضوء لا يصح. مثلاً إذا كان على العين غماض لا ينفذ منه الماء إلى الجلد. فإن الوضوء لا يصح وكذا إذا كان على الوجه أو اليد قطعة دهن جامدة. أو قطعة شمع. أو عجين. أو نحو ذلك. فإن الوضوء لا يصح. ومنها أن لا يوجد من المتوضئ ما ينافي الوضوء مثل أن يصدر منه ناقض للوضوء في أثناء الوضوء. فلو غسل وجهه ويديه مثلاً ثم أحدث فإنه يجب عليه أن يبدأ الوضوء من أوله. إلا إذا كان من
أصحاب الأعذار الآتي بيانها. فإذا كان مصاباً بسلس البول. ونزلت منه قطرة أو قطرات أثناء الوضوء فإنه لا يجب عليه استشناف الوضوء. كما ستعرفه في - مبحثه - .

شروط وجوب وصحة الوضوء

وأما شروط وجوبه وصحته معاً فمنها العقل. فلا يجب الوضوء على مجنون (الحنفية قالوا: الجنون، والصرع. ونحوهما مما ذكر من نواقض الوضوء. فهي تنافي صحة الوضوء. وعلى هذا تكون من شروط صحة الوضوء. وقد عرفت أنها من شروط الوجوب عندهم. فتكون بهذا الاعتبار من شروط الوجوب والصحة معاً)، ولا مصروع، ولا معتوه (الحنفية قالوا: المعتوه هو ما اختلط كلامه. وقسد تدبيره، مع كونه هادئاً لا يشتم أحداً ولا يتخبط ولا يضرب ومثل هذا تصح عبادته كالصبي ولكن لا تجب عليه فعدم العته من شروط الوجوب فقط. لا من شروط الصحة)، ولا مغمى عليه. وإن توضأ واحد من هؤلاء فإن وضوءه لا يصح. بحيث لو توضأ المعتوه ثم بعد لحظة برئ من مرضه هذا فإنه لا تصح صلاته بهذا الوضوء. ومثله المجنون، أما المعتوه أو المصروع
والمغمى عليه، فإنه لا يتصور وقوع الوضوء منهم. ولكن ذكر هذه الصور لبيان أن اللّه سبحانه قد رفع عنهم التكليف في هذه الحالة من جميع الوجوه بحيث لو فرض ووقع منهم شيء من ذلك فإنه لا يصح وللإشارة إلى أن التصرفات الشرعية بإزاء العبادات كغيرها من التصرفات بإزاء المعاملات لا بد فيها من العقل. ومنها نقاء المرأة من دم الحيض والنفاس. فلا يجب الوضوء على حائض. فإن وضوءها لا يعتبر لعدم صحته؛ نعم يندب للحائض أن تتوضأ في وقت كل صلاة، وتجلس في مصلاها، كما سيأتي في "مباحث الحيض" ولكن هذا الوضوء صوري، طلب منها كي لا تنسى الصلاة حال تركها إياها، ومنها عدم النوم والغفلة، لأن النائم غير مكلف حال نومه، رحمة به، وكذلك الغافل، فإذا فرض ووقع الوضوء منهما وقع باطلاً، وقد يظن بعضهم أن المراد بالنائم المتمدد بجسده على سريره، أو على غيره؛ فإن هذا لا يتصور منه وقوع الوضوء، ولكن هذا ليس المراد وإنما المراد بالنائم من يقوم ويتحرك، بل ويخرج من داره وهو نائم، فإن مثل هذا يصح أن يتوضأ، وهو نائم، ولا يشعر، وقد رأيت جيراناً لي بهذه الحالة، ومنها الإسلام (المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة فقط، فالكفار عندهم مخاطبون بفروع الشريعة فتجب عليهم العبادات، ويعاقبون على تركها، ولا تصح منهم إلا بعد الإسلام، وإنما لا تصح منهم حال الكفر، لأن العبادات جميعها متوقفة على النية عندهم، وستعرف قريباً أن من شروط صحة النية الإسلام.

الحنفية قالوا: إن الإسلام من شروط الوجوب فقط، لا من شروط الوجوب والصحة معاً، عكس المالكية، فالكافر غير مخاطب بفروغ الشريعة عندهم، وإنما لم يعدوه من شرائط الصحة. لأن الوضوء عندهم لا يتوقف على نية، لأن النية ليست من فرائضه، كما ستعرفه بخلاف التيمم، فإنه لا يصح من الكافر، لتوقفه على النية، لأنها فرض في التيمم، كما يأتي)، فهو شرط في وجوب الوضوء. بمعنى أن غير المسلم لا يطالب بالوضوء. وهو كافر، ولكنه حال كفره مخاطب بالصلاة وبوسائلها، بحيث يعاقب على ترك الوضوء، ولا يصح منه إذا توضأ، ومنها بلوغ (الحنفية قالوا: بلوغ الدعوة ليس شرطاً في صحة الوضوء، بحيث لو توضأ قبل بلوغ الدعوة، ثم بلغته، وهو متوضئ، فإن وضوءه يكون صحيحاً، وإنما لم يعدوا بلوغ الدعوة شرطاً في الوجوب، اكتفاء
بالإسلام، لأن الإسلام لا يتحقق إلا بعد بلوغ الدعوة، وبذلك تعلم أن الذين اعتبروا الإسلام شرط وجوب وصحة معاً في الوضوء، إنما هم الشافعية، والحنابلة) دعوة النبي سيدنا محمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بأن يعلم أن اللّه سبحانه قد أرسله رسولاً إلى كافة الناس، كي يدعوهم إلى توحيده، ووصفه بصفات الكمال، ويأمرهم بعبادته سبحانه على وجه خاص، فمن لم تبلغه هذه الدعوة فإنه لا يجب عليه شيء من ذلك، فالوضوء لا يجب على من لم تبلغه هذه الدعوة، ولا يصح منه بحيث لو فرض وتوضأ قبل بلوغه الدعوة بساعة، ثم بلغته الدعوة، فإن وضوءه لا يصح، وقد زاد بعض المذاهب شروطاً أخرى مذكورة في هامش الصحيفة (الشافعية: زادوا على ما ذكر في شروط الصحة ثلاثة أمور:

الأول: أن يكون عالماً. يكيفية الوضوء، بمعنى أن يعرف أن الوضوء هو غسل الوجه، وغسل الذراعين إلى المرفقي، إلى آخر ما يأتي بيانه، فإذا غسل وجهه ويديه، الخ، وهو لم يعرف أن هذا هو
الوضوء المكلف به شرعاً، فإن وضوءه لا يصح، الثاني: أن يميز الفرض من غيره، إلا إذا كان من العوام، فإذا كان المتوضئ عامياً، فالشرط في حقه أن لا يعتقد الفرض نفلاً، بحيث لو اعتقد أن الكل فرض؛ فإنه يصح، مثل ذلك ما إذا اعتقد أن الوضوء مشتمل على فرائض وسنن، ولكن لم يميز الفرض من السنة، فإن وضوءه في هذه الحالة يصح، الثالث: أن ينوي في أول الوضوء ويستمر ناوياً حتى يفرغ من الوضوء، بحيث لو نوى الوضوء حال غسل وجهه فقط، ثم نوى بغسل يديه تنظيفهما فقط، أو التبرد بالماء؛ فإن وضوءه لا يصح،
ويعبرون عن هذا بمصاحبة النية حكماً، حتى يفرغ من الوضوء، فإذا نوى الوضوء، ونوى معه النظافة؛ فإن وضوءه لا يبطل بذلك.

الحنابلة: زادوا في شروط الصحة فقط ثلاثة أمور: أحدها أن يكون الماء مباحاً، فإذا توضأ بماء مغصوب فإن وضوءه لا يصح، ثانيها: أن ينوي الوضوء، فإذا لم ينو لم يصح وضوءه، فالنية عندهم شرط لصحة الوضوء؛ أما الحنفية فقد عرفت أنها عندهم سنة، فليست ركناً، ولا شرطاً؛ وأما المالكية والشافعية فقد قالوا: إنه ركن من أركان الوضوء. فالحنابلة وحدهم هم الذين جعلوها شرطاً، وستعرف الفرق بين الشرط والركن في "مبحث النية"، ثالثها أن يتقدم الاستجمار أو الاستنجاء على الوضوء، فلا يصح الوضوء عندهم بغير ذلك، وسيأتي بيان ذلك في "مباحث الاستنجاء")

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية