الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الغسل على المذاهب الأربعة

كتاب الغسل على المذاهب الأربعة

مباحث الغُسُل
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

مباحث الغُسُل

* يتعلق به أمور: أحدها: تعريفه لغة واصطلاحاً؛ ثانيها: موجباته التي يجب عند حصولها، ثالثها: شروطه، رابعها: فرائضه ويقال لها: أركانه، خامسها: سننه ونحوها، سادسها: ما يمنع منه الحدث الأكبر، وإليك البيان.

تعريف الغُسُل

* الغسل - بضم الغين - معناه في اللغة الفعل الذي يقع من الإنسان من إراقة الماء على بدنه، ودلك بدنه، الخ، فهذا الفعل يقال: غسل في اللغة، وقد يطلق الغسل على الماء الذي يغسل به الشيء؛ أما الغسل - بالكسر - فهو اسم لما يغسل به من صابون ونحوه، والغسل - بالفتح، اسم للماء، فإذا قلت: غسل - بكسر الغين - كان معناه الصابون ونحوه مما يغسل به، وإذا قلت: غسل - بفتح الغين - كان معناه الماء الذي يغتسل منه.
هذا في اللغة، وأما معناه في الشرع فهو استعمال الماء الطهور في جميع البدن على وجه مخصوص وقوله: في جميع البدن، خرج به الوضوء فإنه استعمال الماء في بعض أعضاء البدن، كما بينا لك.
ولعل القارئ لا يجد في بيان معنى الغسل لغة وشرعاً صعوبة في الفهم، لأن هذا الكتاب موضوع للعامة والخاصة، كي يأخذ كل منهم ما يراه لازماً، وليس من الضروري أن يفهم العامة مثل هذه الاصطلاحات الفنية، إنما عليهم أن ينظروا فيما يأتي من فرائض، وسنن ومندوبات ويحفظوه جيداً.

موجبات الغُسُل

* الموجبات هي الأسباب التي توجب الغسل، بحيث لا يجب على المكلفين فعله. إلا إذا تحقق واحد منها، وهي ست أمور: الأمر الأول من موجبات الغسل: إيلاج رأس عضو التناسل في قبل أو دبر، فبمجرد هذا الإيلاج وجب الغسل، سواء نزل مني ونحوه، أو لم ينزل، ويشترط في وجوب الغسل بالإيلاج شروط مفصلة في المذاهب

(الحنفية قالوا: إذا توارت رأس الإحليل، أو قدرها في قبل أو دبر من يجامع مثله بدون حائل سميك يمنع حرارة المحل، وجب الغسل على الفاعل والمفعول به سواء أنزل أو لم ينزل، ويشترط في وجوب الغسل عليهما أن يكونا بالغين، فلو كان أحدهما بالغاً، والآخر غير بالغ، وجب الغسل على البالغ منهما، فإذا أولج غلام ابن عشر سنين في امرأة بالغة، وجب الغسل عليها دونه، أما هو فيؤمر بالغسل ليعتاده، كما يؤمر بالصلاة، ومثل الغلام في ذلك الصبية، ولا يجب الغسل بتواري رأس إحليل البالغ في فرج بهيمة أو ميتة، كما لا يجب بالإيلاج في فرج الخنثى المشكل، لا على الفاعل، ولا على المفعول، وكذا لو أولج الخنثى في قبل أو دبر غيره، فإنه لا يجب عليهما الغسل، أما إذا أولج غير الخنثى في دبر الخنثى، وجب الغسل على البالغ منهما.

الشافعية قالوا: إذا غابت رأس الإحليل، أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دبر وجب الغسل على الفاعل والمفعول، سواء كانا بالغين أو لا، فيجب على ولي الصبي أن يأمره به، ولو فعله يجزئه، وإلا وجب على الصبي بعد البلوغ، سواء كان المفعول مطلقاً للوطء أو لا، وسواء كان على رأس الإحليل حائل يمنع حرارة المحل أو لا، سواء كان المفعول آدمياً أو بهيمة، حياً أو ميتاً، أو خنثى مشكلاً، إذا كان الوطء في دبره، أما إذا كان الوطء في قبل الخنثى، فلا يجب الغسل عليهما، كما لا يجب عليهما بالإيلاج من الخنثى في قبل أو دبر غيره، ويشترك أن يكون الإيلاج الذي في القُبُل في محل الوطء، فلو غيب بين شفريها لم يجب الغسل عليهما إلا بالإنزال.

المالكية قالوا: تحصل الجنابة، ويجب الغسل منها بإيلاج رأس الإحليل في قبل، أو دبر ذكر أو أنثى أو خنثى، أو بهيمة سواء كان الموطوء مطيقاً، وعلى الموطوء المكلف إن كان الواطئ مكلفاً، فمن وطئها صبي لا يجب عليها الغسل، إلا إذا أنزلت، ويشترط في حصول الجنابة للبالغ أن لا يكون على رأس الإحليل حائل يمنع اللذة. وإن تجاوز ختان المرأة لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل".

الحنابلة قالوا: إن توارت رأس الإحليل في قبل أو دبر من يطيق الوطء بدون حائل، ولو رقيقاً، وجب الغسل على الفاعل والمفعول، إذا كان الذكر لا ينقص عن عشر سنين، وسن الأنثى لا تنقص عن تسع سنين، ويجب الغسل لتواري الحشفة، ولو كان المفعول به بهيمة أو ميتة، وإذا أولج الخنثى ذكره في قبل أو دبر غيره لم يجب الغسل عليهما، وكذا لو أولج غيره في قبله لم يجب عليهما، أما لو أولج غير الخنثى في دبر الخنثى وجب الغسل عليهما لكونه محقق الأصالة.
هذا، وليس في مثل هذا الموضوع كبير فائدة، لأن معظمه صور نادرة الوقوع، كنت أريد حذفها، ولكن قد يحتاج غليها في بعض الأحكام أو في بعض البلدان).

الأمر الثاني من موجبات الغسل: نزول المني من الرجل أو المرأة، فإن للمرأة منياً إلا أنه لا ينفصل خارج القبل، ومن ينكر هذا فقد أنكر المحس، ولنزول المني حالتان: الحالة الأولى: أن ينزل في اليقظة، الثانية: أن ينزل في النوم، فأما الذي ينزل في اليقظة بغير الجماع فإنه تارة يخرج بلذة، وتارة يخرج لمرض، أو ألم، فالذي يخرج بلذة من ملاعبة، أو مباشرة، أو تقبيل، أو عناق، أو نظر، أو تذكر، أو نحو ذلك، فإنه يجب الغسل؛ سواء نزل مصاحباً للذة أو التذكر أو أنزل بعد سكون اللذة، ومثل ذلك في الحكم ما إذا داعب زوجه، أو قبلها أو نحو ذلك، فلم يشعر بلذة، ولكنه أمنى عقب ذلك، فإن عليه الغسل، وأما الذي يخرج بسبب المرض أو بسبب ضربة شديدة على صلبه، أو نحو ذلك، فإنه لا يوجب الغسل، على أن في كل هذه الأحكام تفصيل المذاهب

(الشافعية قالوا: خروج المني من طريقه المعتاد يوجب الغسل بشرط واحد، وهو التحقق من كونه منياً بعد خروجه، سواء كان بلذة أو بغيرة لذة، وسواء كانت اللذة بسبب معتاد أو غير معتاد، بأن ضربه أحد على صلبه فأمنى، أو مرض مرضاً يسبب خروج المني، ولذا قالوا: إذا جامع الرجل زوجه، فلم ينزل، ثم اغتسل، ونزل منه المني بعد الغسل بدون لذة فإنه يجب عليه إعادة الغسل، لأن المعول على خروج المني، على أن لهم في المرأة تفصيلاً، وهو أنها إذا اغتسلت، ثم نزل منها مني بعد الاغتسال، فإن كانت قد أنزلت قبل الغسل فإنها يجب عليها إعادة الاغتسال لاختلاط مائها بماء الرجل، أما إذا لم تكن قد أنزلت قبل الغسل فإنها لا تجب إعادة الغسل لأن هذا الماء الذي رأته يكون ماء الرجل وحده. نزل منها بعد الغسل فلا شيء عليها.

الحنابلة قالوا: لا يشترط في وجوب الغسل خروج المني بالفعل، بل الشرط أن يحس الرجل بانفصال المني من صلبه، وتحس المرأة بانفصال المني عن ترائبها والترائب هي - عظام الصدر التي تلبس عليها المرأة القلادة؛ من حلي ونحوه.
فالغسل عن الحنابلة يجب بهذا الانفصال؛ وإن لم يصل المني إلى ظاهر القبل، فإذا جامع الرجل زوجته، ولم ينزل منه ماء ثم اغتسل، ونزل منه المني بعد الغسل، فإن نزل بلذة، فإنه يجب عليه غسل جديد، وإن نزل بدون لذة، فإنه ينقض الوضوء فقط، ولا يوجب الغسل، ومثل ذلك ما إذا خرج المني بسبب ضربة أو مرض.
وبذلك تعلم أن الحنابلة يشترطون اللذة في خروج المني بدون جماع، ولا يشترطون خروج المني إلى ظاهر القبل، بل الشرط انفصاله من مقره، وهي حالة معروفة، أما الشافعية فهم على العكس من ذلك، إذ لا يشترطون اللذة أصلاً، ويشترطون انفصال المني على ظاهر القبل في الرجل، وإلى داخل قبل المرأة، والتحقق من كونه منياً.

الحنفية قالوا: خروج المني بسبب من الأسباب الموجبة للذة غير الجماع له حالتان: الحالة الأولى: أن يخرج إلى ظاهر الفرج على وجه الدفق والشهوة. فإذا عانق زوجته فأمنى بهذه الكيفية من غير إيلاج، فإن عليه الغسل، وستعلم أن الإيلاج يوجب الغسل، ولو لم ينزل، ويعتبر المني خارجاً بشهوة متى التذ عند انفصال المني من مقره، فإذا انفصل المني بلذة، ثم أمسكه، ولكنه نزل بعد ذلك بدون لذة، فإنه يوجب الغسل، ويشترط في وجوب الغسل أن ينفصل المني من مقره، ويخرج خارج الذكر؛ فإذا انفصل ولم يخرج، فإنه لا يوجب الغسل، الحالة الثانية: أن يخرج بعض المني بسبب الجماع أو غيره، ثم يغتسل من الجنابة قبل أن يبول أو يمضي عليه زمن يتحقق فيه من انقطاع المني، ثم بعد الاغتسال في هذه الحالة ينزل منه ما بقي من المني بلذة أو بغيرها. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعيد الغسل عند أبي حنيفة، ومحمد. ولا يعيده عند أبي يوسف. وإنما يجب عليه الغسل في هذه الحالة عند أبي حنيفة، ومحمد بشرط أن لا يبول قبل الاغتسال أو يمشي. أو ينتظر زمناً بعد خروج المني. فإن فعل شيئاً من هذه الأشياء ثم اغتسل ونزل منها المني بعد ذلك فإنها لا غسل عليه أما المني الخارج لا بسبب لذة كما إذا ضربه أحد على صلبه فأمنى أو كان مريضاً مرضاً يترتب عليه نزول المني بدون لذة فإنه لا غسل عليه.

وبهذا تعلم أن الحنفية مختلفون في ذلك الحكم مع الشافعية، والحنابلة، لأنهم يشترطون في وجوب الغسل خروج المني إلى ظاهر الفرج، والحنابلة يكتفون بانفصالة عن صلب الرجل، وترائب المرأة ويشترطون انفصاله عن مقره بلذة. وإن لم تستمر اللذة حتى يخرج. والشافعية يشترطون خروجه، وإن لم يكن بلذة، فلحنفية يوافقون الشافعية في ضرورة خروج المني إلى ظاهر القبل، ويخالفون الحنابلة في الاكتفاء بانفصاله عن مقره، وإن لم يخرج بالفعل، ويوافقون الحنابلة في أنه لا يوجب الغسل، إلا إذا كان بلذة، ويخالفون الشافعية في ذلك.

المالكية قالوا: إذا خرج المني بعد ذهاب لذة معتادة بلا جماع وجب الغسل، سواء اغتسل قبل خروجه أو لا؛ أما إذا كانت اللذة ناشئة عن جماع، كأن أولج ولم ينزل، ثم أنزل بعد ذهاب اللذة، فإن كان قد اغتسل قبل الإنزال، فلا يجب عليه الغسل).
الأمر الثالث من موجبات الغسل: نزول المني حالة النوم ويعبر عنه بالاحتلام، فمن احتلم ثم استيقظ من نومه، فوجد بللاً في ثيابه، أو على بدنه، أو على ظاهر قبله، فإنه يجب عليه أن يغتسل إلا إذا تحقق أن ذلك البلل ليس منياً، أما إذا شك في كونه منياً، أو مذياً، أو غيرهما، فإنه يجب عليه الغسل، سواء تذكر أنه تلذذ في نومه بشيء من أسباب اللذة أو لم يتذكر

(الشافعية قالوا: إذا شك بعد الانتباه من النوم في كون البلل منياً، أو مذياً لم يتحتم عليه الغسل، بل له أن يحمله على المني فيغتسل، وأن يحمله على المذي فيغسله ويتوضأ، وإذا تغير اجتهاده عمل بما يقتضيه اجتهاده الثاني، ولا يعد ما عمله باجتهاده الأول من صلاة ونحوها.

الحنابلة قالوا: إذا شك بعد النوم في كون البلل منياً أو مذياً، فإن كان قد سبق نومه سبب يوجب لذة كفكر، أو نظر، فلا يجب عليه الغسل، ويحمل ما رآه على المذي، وإن لم يسبق نومه سبب يوجب لذة، فيجب عليه الغسل).
الأمر الرابع من موجبات الغسل: دم الحيض، أو النفاس، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، فمن رأت دم الحيض، أو دم النفاس، فإنه يجب عليها أن تغتسل عند انقطاعه، ومن النفاس الموجب للغسل الولادة بلا دم

(الحنابلة قالوا: الولادة بلا دم لا توجب الغسل). فلو فرض وكانت المرأة زهراء، لا ترى دماً، ثم ولدت، فإن الغسل يجب عليها بمجرد الولادة.
الأمر الخامس: موت المسلم (الحنفية قالوا: يشترط في تغسيل الميت المسلم أن لا يكون باغياً، والبغاة عند الحنفية هم الخارجون عن طاعة الإمام العادل، وجماعة المسلمين ليقلبوا النظم الاجتماعية، طبقاً لشهواتهم، فكل جماعة لهم قوة يتغلبون بها، ويقاتلون أهل العدل هم البغاة عند الحنفية، فإذا تغلب قوم من اللصوص على قرية، فإنهم لا يكونون بغاة بهذا المعنى، ومن مات منهم يغسل)، إلا إذا كان شهيداً، فإنه لا يجب تغسيله، وستعرف معنى الشهيد وأحكامه في "مباحث الجنازة".
الأمر السادس: من موجبات الغسل: إسلام الكافر، وهو جنب (الحنابلة قالوا: إذا أسلم الكافر، فإنه يجب عليه أن يغتسل، سواء كان حنباً أو لا)، أما إذا أسلم غير جنب، فيندب له الغسل فقط.

شروط الغسل

* تنقسم شروط الغسل إلى ثلاثة أقسام. شروط وجوب فقط، فيجب الغسل من الجنابة على من يجب عليه الوضوء، وشروط صحة فقط، فيصح الغسل ممن يصح منه الوضوء، وشروط وجوب وصحة معاً، وقد تقدم بيان كل ذلك في "مبحث شروط الوضوء" فمن أراد من طلبة العلم معرفتها بسهولة، فليرجع إليها، وقد تختلف بعض شروط الغسل عما تقدم من شروط الوضوء، فمن ذلك الإسلام، فإنه ليس بشرط في صحة غسل الكتابية، مثلاً إذا تزوج مسلم كتابية، وانقطع دم حيضها، أو نفاسها، فإنه لا يحل له (الحنفية قالوا: أكثر مدة الحيض عشرة أيام، وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً. فإذا انقطع دم الحيض بعد انقضاء عشرة أيام، وانقطع دم النفاس بعد انقضاء أربعين يوماً من وقت الولادة، فإنه يحل للزوج أن يأتي زوجه، وإن لم تغتسل، مسلمة كانت، أو كتابية؛ أما إذا انقطع الدم لأقل من ذلك، كأن ارتفع حيضها بعد سبعة أيام مثلاً، وارتفع دم نفاسها بعد ثلاثين يوماً، أو أقل، فإنه لا يحل لزوجها أن يأتيها إلا إذا اغتسلت، أو مضى على انقطاع دمها وقت صلاة كامل، مثلاً إذا انقطع الدم بعد دخول وقت الظهر فلا يحل له إتيانها، إلا إذا انقضى ذلك الوقت بتمامه، وصارت صلاة الظهر ديناً في ذمتها، أما إذا انقطع الدم في آخر وقت الظهر، فإن كان باقياً منه زمن يسع الغسل وتكبيرة الإحرام، فإنه يحل له إتيانها بانقضائه، أما إذا لم يبق من وقت الظهر إلا زمن يسير لا يسع ذلك، ثم انقطع حيضها، فإنه لا يحل إتيانها إلا إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة العصر كله بدون أن تجد دماً، لا فرق في ذلك كله بين أن تكون الزوجة مسلمة، أو كتابية) أن يأتيها قبل أن تغتسل، فالغسل في حقها مشروع، ولم لم تكن مسلمة؛ وقد ذكر بعض المذاهب

(الحنابلة قالوا: لا يشترط تقدم الاستنجاء على الغسل، بخلاف الوضوء، فإنه يشترط فيه ذلك.
الشافعية قالوا: إن من شرائط صحة الوضوء أن يكون المتوضئ مميزاً، فإذا توضأت المجنونة التي لا تمييز عندها، فإنّ وضوءها لا يصح، وهذا ليس شرطاً في الغسل، فلو حاضت واغتسلت، وهي غير مميزة، فإنه يحل لزوجها أن يأتيها) شروطاً أخرى مغايرة لشرائط الوضوء، بيناها لك تحت الجدول.

فرائض الغسل

* وفيها حكم الشعر، وزينة العروس، ولبس الحلي ونحو ذلك.
رأينا أن نذكر الفرائض مجتمعة أولاً عند كل مذهب، ثم ننبه على المتفق عليه والمختلف فيه، لأن ذلك أسهل في الحفظ وأقرب للفهم (الحنفية قالوا: فرائض الغسل ثلاثة: أحدها: المضمضة؛ ثانيها: الاستنشاق؛ ثالثها: غسل جميع البدن بالماء، فهذه هي الفرائض مجملة عند الحنفية، ويتعلق بكل واحد منها أحكام فأما المضمضة فإنها عبارة عن وضع الماء الطهور في الفم، ولو لم يحرك فمه، أو يطرح الماء الذي وضعه في فمه، فمن وضع ماء في فمه، ثم ابتلعه، فقد أتى بفرض المضمضة في الغسل، بشرط أن يصيب الماء جميع فمه، وإذا كانت أسنان الذي يريد الغسل مجوفة - ذات فلل - فبقي فيها طعام، فإنه لا يبطل الغسل، ولكن الأحوط أن يخرج الطعام والأوساخ من بين أسنانه. ومن فوق لثته حتى يصيبها الماء، وأما الاستنشاق فهو إيصال الماء إلى داخل الأنف بالكيفية التي تقدمت في الوضوء، فإذا كان في أنفه مخاط يابس، أو وسخ جاف فإن غسله لا يصح إلا إذا أخرجه، ولعل في ذلك ما يحمل المسلمين على النظافة دائماً، فإن وجوب إخراج هذه الأقذار من الداخل، وغسل ما تحتها دليل تام على عناية الشارع بالنظافة المفيدة للأبدان داخلاً وخارجاً، وأما غسل جميع البدن بالماء، فإنه فرض لازم في الغسل من الجنابة باتفاق، بحيث لو بقي منه جزء يسير يبطل الغسل، ويجب على من يريد الغسل أن يزيل من على بدنه كل شيء يحول بينه وبين وصول الماء إليه، فإذا كان بين أظافره أقذار تمنع من وصول الماء إلى ما تحتها من جلد الأظافر بطل غسله، سواء كان من أهل المدن، أو من أهل القرى، ويغتفر الدرن من تراب وطين ونحو ذلك. فإنه إذا وجد بين الأظافر لا يبطل الغسل، وقد اختلفت في الآثاء التي تقتضيها ضرورة أصحاب المهن كالخباز الذي يعجن دائماً، والصباغ الذي يلصق بين أظافره صباغ ذو جرم يتعسر. زواله ونحوهما، فقال بعضهم: إنه يبطل الغسل، وقال بعضهم: لا يبطل، لأن هذه الحالة ضرورة والشريعة قد استثنت أحوال الضرورة، فلا حرج على مثل هؤلاء، وهذا القول هو الموافق لقواعد الشرع الحنيف، ولا يجب على المرأة أن تنقض ضفائر شعرها في الغسل، بل الذي يجب عليها أن توصل الماء إلى أصول شعرها - جذوره - ، وإذا كان لها ذؤابة - قطعة من شعرها نازلة على صدغيها - فإنه لا يجب عليها غسلها، فإذا كان شعرها منقوضاً غير مضفور، فإنه يجب إيصال الماء إلى داخله، وإن لم يصل الماء إلى جلدها، وإذا وضعت المرأة على رأسها طيباً ثخيناً له جسم يمنع من وصول الماء إلى أصول الشعر، فإنه يجب عليها إزالته حتى يصل الماء إلى أصول الشعر، وإذا كانت لابسة أسورة ضيقة أو قرطاً - حلقاً - أو خاتماً، فإنه يجب تحريكه حتى يصل الماء إلى ما تحته، فإذا لم يصل الماء إلى ما تحته، فإنه يجب نزعه، وإذا كان بالأذن ثقب ليس فيه قرط - حلق - فإنه يجب أن يدخل الماء إلى ما تحته، فإنه يجب نزعه، وإذا كان بالأذن ثقب ليس فيه قرط - حلق - فإنه يجب أن يدخل الماء إلى داخل الثقب، فإن دخل وحده فذاك، وإلا فإنه يجب على الرجل أن يوصل الماء إلى داخل شعر لحيته، وأن يوصله إلى أصول اللحية، سواء كان شعره مضفوراً أو غير مضفور؛ ويجب إدخال الماء إلى الأجزاء الغائرة في البدن، كالسرة ونحوها، وينبغي إدخال إصبعه فيها، ولا يجب على الأقلف - وهو الذي لم يختن - أن يدخل الماء إلى داخل الجلدة، ولكنه يستحب له أن يفعل ذلك.

المالكية قالوا: فرائض الغسل خمس، وهي: النية؛ تعميم الجسد بالماء؛ دلك جميع الجسد مع صب الماء، أو بعده قبل جفاف العضو؛ الموالاة غسل الأعضاء مع الذكر والقدرة، تخليل شعر جسده جميعه بالماء، فهذه فرائض الغسل عند المالكية؛ فأما النية فقد عرفت أحكامها في "الوضوء" وهي هنا كذلك فرض عن المالكية يصح أن يتأخر عن الشروع في الغسل بزمن يسير عرفاً، ومحلها في الغسل غسل أول جزء من أجزاء البدن؛ وقد عرفت مما تقدم في "فرائض الوضوء" أن النية سنة مؤكدة عند الحنفية،

أما الحنابلة فقالوا: إنها شرط لصحة الغسل، وسيأتي مذهبهم، فلا يصح إلا بها، ولكنها ليست داخلة في حقيقته. والشافعية اتفقوا مع المالكية على أن النية فرض، إلا أنهم قالوا: لا يجوز تأخيرها عن غسل أول جزء من أجزاء البدن بحال. الثاني: من فرائض الغسل تعميم الجسد بالماء، وليس من الجسد الفم، والأنف، وصماخ الأذنين، والعين، فالواجب عندهم غسل ظاهر البدن كله، أما غسل باطن الأشياء التي لها باطن، كالمضمضة والاستنشاق فليس بفرض، بل هو سنة، كما ستعرفه، نعم إذا كان في البدن، تكاميش، فإن عليه أن يحركها ليصل الماء إلى داخلها؛ الفرض الثالث، الموالاة، ويعبر عنه بالفور، وهو أن ينتقل من غسل العضو إلى غسل العضو الثاني قبل جفاف الأول، بشرط أن يكون ذاكراً قادراً، وقد تقدم بيان ذلك في الوضوء، فارجع إليه إن شئت؛ الفرض الرابع: دلك جميع الجسد بالماء، ولا يشترط أن يكون الدلط حال صب الماء على البدن، بل يكفي الدلك بعد صب الماء ونزوله من على البدن، بشرط أن لا يجف الماء من على العضو قبل دلكه، ولا يشترط في الدلك عندهم أن يكون بخصوص اليد، فلو دلك جزءاً من جسمه بذراعه، أو وضع إحدى رجليه على الأخرى، ودلكها بها فإنه يجزئه ذلك؛ وكذا يكفي الدلك - بمنديل أو فوطة - أو نحو ذلك على المعتمد فمن أخذ طرف الفوطة بيده اليمنى، والطرف الآخر بيده اليسرى، ودلك بها ظهره وبدنه فإنه يجزئه ذلك، قبل أن يجف الجسم، ولو كان قادراً على الدلك بيده على المعتمد، ومثل ذلك ما إذا وزن في كفه كيساً، ودلك به، فإنه يصح بلا خلاف؛ لأنه دلك باليد، ومن عجز عن دلك بدنه كله أو بعضه بيده، أو بخرقة، فإنه يسقط عنه فرض الدلك على المعتمد، ولا يلزمه أن ينيب غيره بالدلك.
الفرض الخامس من فرائض الغسل: تخليل الشعر، فأما شعر اللحية؛ فإن كان غزيراً ففي تخليله خلاف فبعضهم يقول: إنه واجب، وبعضهم يقول: إنه مندوب، وأما شعر البدن، فإنه يجب تخليله في الغسل باتفاق، سواء كان خفيفاً أو غزيراً، ويدخل في ذلك هدب العينين والحواجب، وشعر الإبط، والعانة، وغير ذلك، لا فرق في كلٍ هذا بين الرجل والمرأة، وإذا كان الشعر مضفوراً فلا يخلو إما أن يكون بخيوط من خارجه، أو مضفوراً بغير خيوط، فإن كان مضفوراً بخيوط، فإنه لا يجب - حله - إن كانت هذه الخيوط ثلاثة فأكثر، أما إن كانت هذه الخيوط أقل من ثلاث، فإنه لا يجب نقضه، إلا إذا اشتد ضفره وتعذر بسبب ذلك إيصال الماء إلى البشرة، وكذا إذا كان ضَفره شديداً يتعذر معه إيصال الماء إلى البشرة، وجب نقض الشعر، وإلا فلا.
والحاصل أن الشعر المضفور بثلاثة خيوط فأكثر يجب نقضه بدون كلام؛ لأن الشأن فيه أن يكون شديداً يمنع من وصول الماء إلى البشرة، أما إن كان مضفوراً، فإن اشتد ضفره وجب نقضه، سواء كان مضفوراً بخيط، أو مضفوراً بغير خيط، وإن لم يشتد ضفره، فلا يجب نقضه ويستثنى من ذلك كله شعر العروس إذا زينته، أو وضعت عليه طيباً ونحوه من أنواع الزينة، فإنها لا يجب عليها غسل رأسها في هذه الحالة، لما في ذلك من إتلاف الماء، بل يكتفي منها بغسل بدنها، ومسح رأسها بيدها، حيث لا يضرها المسح، فإن كان على بدنها كله طيب ونحوه وتخشى من ضياعه بالماء، سقط عنها فرض الغسل، وتيممت.
هذا، وقد تقدم في "مباحث الوضوء" حكم الخاتم الضيق والواسع، فكذلك الحال هنا، فإن كان ضيقاً، ولكن يباح له لبسه، فإنه لا يجب نزعه، وإن لم يصل الماء إلى ما تحته، بل يكتفي بغسله هو إلى آخر ما تقدم.

الشافعية قالوا: فرائض الغسل اثنان فقط، وهما النية، وتعميم ظاهر الجسد بالماء، فأما النية فيجب أن تكون عند أول مغسول، بحيث لو قدمها قبل غسله أول عضو من بدنه بطل الغسل، كما تقدم في "الوضوء" فارجع إليه إن شئت؛ وأما تعميم ظاهر الجسد فإنه يشمل الشعر الموجود على البدن، ويجب غسله ظاهراً وباطناً؛ لا فرق في ذلك بين أن يكون الشعر خفيفاً أو غزيراً، على أن الواجب هو أن يدخل الماء في خلال الشعر، ولا يجب أن يصل إلى البشرة إذا كان غزيراً لا ينفذ منه الماء إلى البشرة؛ ويجب نقض الشعر المضفور إذا منع ضفره من وصول الماء إلى باطنه؛ لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة؛ فإن كان الشعر متلبداً بطبيعته بدون ضفر فإنه يعفى عن إيصال الماء إلى باطنه، ويجب أن يصل الماء إلى كل ما يمكن إيصاله إليه بلا حرج، حتى لو بقي جزء يسير من البدن لم يصبه الماء بطل الغسل؛ ويجب أن يعم الماء تجاويف البدن، كعمق السرة وموضع جرح غائر، ونحو ذلك، ولا يكلف بإدخال الماء إلى ما غار من بدنه بأنبوبة، بل المطلوب منه أن يعالج إدخال الماء بما يستطيعه بدون تكلف ولا حرج، ويجب أن يزيل كل حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته، من عجين وشمع وقذى في عينه - عمّاص - كما يجب أن ينزع خاتمه الضيق الذي لا يصل الماء إلى ما تحته إلا بنزعه، ويجب على المرأة أن تحركه قرطها الضيق - حلقها - وإذا كان بأذنها ثقب ليس فيه قرط، فإنه لا يجب إيصال الماء إلى داخله، لأن الواجب عندهم إنما هو غسل ما ظهر من البدن، والثقب من الباطن لا من الظاهر، ويجب غسل ما ظهر من صماخي الأذنين - الصماخ هو خرق الأذن - أما داخلها، فإنه لا يجب غسله، وكذا يجب إيصال الماء إلى ما تحت القلفة - القلفة هي الجلدة الموجودة في قُبُل الرجل قبل أن يختن - فإذا لم يمكن غسل ما تحتها إلا بإزالتها، فإن إزالتها تجب، وإن تعذرت إزالتها يكون حكمه كحكم من فقد الماء والتراب الذي يتيمم به، ويقال له: فاقد الطهورين، وإذا مات الأقلف يدفن بلا صلاة عليه على المعتمد؛ وبعضهم يقول: يقوم شخص بتيميمه، ويصلي عليه، وبذلك تعلم أن الاختنان واجب عند الشافعية وهو من مقتضيات الصحة في زماننا فمن لم يختن فهو جاهل قذر.

الحنابلة قالوا: فرض الغسل شيء واحد، وهو تعميم الجسد بالماء، ويدخل في الجسد الفم والأنف، فإنه يجب غسلهما من الداخل، كما يجب غسلهما في الوضوء، والشعر الموجود على البدن يجب غسله ظاهراً وباطناً، بحيث يدخل الماء إلى داخله. وإن لم يصل إلى الجلد إذا كان غزيراً ويجب على الرجل إذا ضفر شعره أن ينقضه حال الغسل، أما المرأة فإنها لا يجب عليها نقض ضفائر شعرها في الغسل من الجنابة لما في ذلك من مشقة وحرج، بل الواجب عليها تحريك شعرها حتى يصل الماء إلى جذوره - أصوله - نعم يندب لها أن تنقض ضفائرها فقط.
هذا في الغسل من الجنابة، أما في الغسل من الحيض فإنها يجب عليها أن تنقض ضفائر شعرها وذلك لأنه لا يكرر كثيراً، فليس فيه حرج ومشقة، ويشمل ظاهر البدن داخل القلفة، وقد تقدم بيانها إذا لم يتعذر رفعها، وإلا فلا يجب، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الخاتم ونحوه، على أن الحنابلة قالوا: إن التسمية فرض في الغسل بشرطين: أن يكون القائم بالغسل عالماً، فلا تفترض على الجاهل، وأن يكون ذاكراً، فلا تفترض على الناسي، وهذا الحكم خاص بهم لم يشاركهم فيه أحد الأئمة.

ملخص المتفق عليه والمختلف فيه من فرائض الغسل

*اتفق الأئمة الأربعة على أن تعميم الجسد كله بالماء فرض، واختلفوا في داخل الفم والأنف فقال الحنابلة، والحنفية: إن من البدن، فالمضمضة والاستنشاق فرض عندهما في الغسل، وقد عرفت أن الحنابلة يقولون: إن غسل الفم والأنف من الداخل فرض في الوضوء أيضاً، ولكن الحنفية لم يوافقوهم على ذلك في الوضوء،

أما الشافعية والمالكية فقد قالوا: إن الفرض هو غسل الظاهر فقط، فلا تجب المضمضة والاستنشاق لا في الوضوء ولا في الغسل، واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كل ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن، ولو كانت غائرة، كعمق السرة، ومحل العمليات الجراحية التي لها أثر غائر، وكذلك اتفقوا على أنه لا يجب أن يتكلف إدخال الماء إلى الثقب الموجوب في بدنه بأنبوبة - طلمبة - ونحوها، فلو ضرب شخص برصاصة فحفرت في بدنه ثقباً غائراً، فإن الواجب عليه أن يغسل ما يصل إليه بدون كلفة وحرج باتفاق الأربعة، إلا أن الشافعية قد اعتبروا ثقب الأذن الذي يدخل فيه القرط - الحلق - من الباطن لا من الظاهر، فلا يلزم إدخال الماء إليه. ولو أمكن، واتفقوا على إزالة كل حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته، كعجين وشمع وعمّاص في عينه، إلا أن الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر إذا كان يتعذر عليهم إزالته دفعاً للحرج، أما غيرهم فإنهم يكلفون إزالته، كما قال الأئمة الثلاثة، واتفقوا على وجوب تخليل الشعر إذا كان خفيفاً يصل الماء إلى ما تحته من الجلد، أما إذا كان غزيراً

فإن المالكية قالوا: يجب أيضاً تخليله وتحريكه حتى يصل الماء إلى ظاهر الجلد، أما الأئمة الثلاثة فقد قالوا: إن الواجب هو أن يدخل الماء إلى باطن الشعر، فعليه أن يغسله ظاهراً، ويحركه كي يصل الماء إلى باطنه؛ أما الوصول إلى البشرة - الجلد - فإنه لا يجب، واختلفوا جميعاً في الشعر المضفور فالحنفية قالوا: إنه لا يجب نقضه، وإنما الواجب هو أن يصل الماء إلى جذور الشعر، فإن كان الشعر غير مضفور؛ فإنه يجب تحريكه حتى يدخل الماء في باطنه، ولم يرخص للمرأة التي على رأسها الطيب المانع من وصول الماء إلى جذور الشعر، بل قالوا: يجب عليها إزالة الطيب ولو كانت عروساً، وهذا الحكم اتفق عليه الحنفية، والحنابلة، والشافعية، وخالف عليها إزالة الطيب ولو كانت عروساً، وهذا الحكم اتفق عليه الحنفية، والحنابلة، والشافعية، وخالف فيه المالكية فقط، فهم الدين رخصوا للعروس بترك الطيب والزينة؛ وعدم غسل الرأس، وهذه رخصة جميلة، وقال الشافعية: يجب نقض الشعر المضفور إن توقف على نقضه وصول الماء إلى باطنه، وإلا فلا؛ وقال الحنابلة: يجب نقض ضفائر الرجل في الغسل بلا كلام، وأما المرأة فإنه يجب عليها أن تنقضه في الغسل من الحيض والنفاس دون الجنابة، دفعاً للمشقة والحرج، وقد انفرد المالكية وحدهم بعدِّ فرائض الغسل خمساً، على أنك قد عرفت أن النية فرض عند الشافعية أيضاً فهم متفقون مع المالكية على فرضيتها، أما الحنابلة فإنهم يقولون: إن النية شرط لا فرض، كما تقدم في "الوضوء" والحنفية يقولون: إنها سنة، وما عدا ذلك من الفرائض التي ذكرها المالكية فهي سنن عند الأئمة الآخرين).

مبحث سنن الغسل، ومندوباته ومكروهاته

* قد ذكرنا في "مباحث الوضوء" تعريف السنة والمندوب والمكروه ونحوها عند كل مذهب فمن شاء معرفتها فليرجع إليها، وسنذكر هنا سنن الغسل ومندوباته مفصلة، أما مكروهاته فإنه عبارة عن ترك سنة من سننه، وإليك بيانها مفصلة في كل مذهب، تحت الخط الذي أمامك (الحنابلة عدوا سنن الغسل - كما يأتي - : الوضوء قبله، وقد عرفت أن المضمضة والاستنشاق فرض عندهم، إزالة ما على بدن الذي يريد الغسل من القذر؛ تثليث غسل الأعضاء، تقديم غسل الشق الأيمن على الأيسر؛ الموالاة ويعبر عنها بالفور، وهي عبارة عن أن يبدأ في غسل العضو قبل أن يجف الذي قبله، الدلك، إعادة غسل رجليه في مكان غير الذي اغتسل فيه، فلو كان واقفاً في طست، وعمم الماء رجليه، فإنه يندب له أن يعيد غسلهما خارج الطست، وأما التسمية في أول الغسل فهي فرض، بشرط أن يكون عالماً بأحكام الغسل ونحوها، ذاكراً، وتسقط عن الجاهل والناسي، ولذا لم يذكروها من فرائض الوضوء، ولا فرق عند الحنابلة بين المندوب والسُّنة؛ وهم متفقون مع الشافعية في ذلك، كما تقدم في "الوضوء").

مبحث الأمور التي يسن عندها الغسل أو يندب

* قد عرفت مما قدمنا لك في "موجبات الغسل" الأمور التي توجب الغسل وتجعله فرضاً لازماً، وهناك أمور يسن من أجلها الغسل أو يندب، وفي هذه الأمور تفصيل في المذاهب

(الحنفية: عدوا سنن الغسل كالآتي: البداءة بالنية بقلبه، وأن يقول بلسانه: نويت الغسل من الجنابة أو نحو ذلك، والتسمية في أوله، وغسل يديه إلى كوعيه ثلاثاً، وأن يغسل فرجه بعد ذلك، وإن لم يكن عليه نجاسة، وإزالة ما يوجد على بدنه من النجاسة قبل الغسل، وأن يتوضأ قبله كوضوء الصلاة، إلا أنه يؤخر غسل رجليه إن كان في مستنقع يجتمع فيه الماء؛ كطست ونحوه، أما إذا كان واقفاً على حجر، أو لابساً في رجليه نعلاً من الخشب - قبقاب - فإنه لا يؤخر غسل رجليه، وذلك لأنه في الحالة الأولى يكون واقفاً في الماء الذي ينزل من بدنه، وربما كان عليه شيء من الأقذار، فلذا كان من السنة تأخير غسل الرجلين في هذه الحالة، والبدء بغسل رأسه قبل غسل بدنه ثلاثاً: أولاها فرض، والأخريان سنتان، والدلك، وتقديم غسل شقه الأيمن على غسل شقه الأيسر، وتثليث كل منهما، وأن يرتب أعمال الغسل على الصفة المتقدمة، وكل ما كان سنة في الوضوء فهو سنة في الغسل، وقد تقدمت.
وأما مندوباته فهي كل ما سبق أنه مندوب في الوضوء، إلا الدعاء المأثور، فإنه مندوب في الوضوء لا في الغسل، لوجود المغتسل في مصب الماء المستعمل المختلط غالباً بالأقذار.

الشافعية عدوا سنن الغسل كالآتي: التسمية مقرونة بنية الغسل، وغسل اليدين إلى الكوعين، كما في الوضوء والوضوء كاملاً قبله، ومنه المضمضة والاستنشاق، وإذا توضأ قبل أن يغتسل، ثم أحدث فإنه لم يحتج إلى إعادة الوضوء، لأنه قد أتى بسنة الغسل، وبعض الشافعية يقول. إذا انتقض وضوءه قبل أن يغتسل تطلب منه إعادته، ودلك ما تصل إليه يده من بدنه في كل مرة، والموالاة، وغسل الرأس أولاً؛ وستر العورة ولو كان بخلوة، وتليث الغسل وتخليل الشعر والأصابع، وترك حلق الشعر، وقلم الظفر قبل غسله، والذكر الوارد في الوضوء، وترك الاستعانة بغيره إلا بعذر، واستقبال القبلة، وأن يغتسل بمكان لا يصيبه فيه رشاش الماء، وترك نفض البلل عن أعضائه، وترك الكلام إلا لحاجة، وأن تضع المرأة داخل فرجها قطنة عليها مسك أو عطر أو غير ذلك من الطيب إن وجد، بشرط أن لا تكون متلبسة بالإحرام وأن لا تكون صائمة، وأن لا تكون في حداد على زوجها الميت، وإلا فلا تفعل ذلك، وغسل الأعالي قبل الأسافل إلا مذاكيره، فإنه يسن غسلها قبل الوضوء حتى لا ينتقض وضوءه بالمس، ويخصها بنية رفع الحدث عنها؛ والسنة والمندوب عند الشافعية واحد، كما تقدم.
المالكية عدوا سنن الغسل أربعة، وهي: غسل يديه إلى الكوعين، كما في الوضوء والمضمضة، والاستنشاق، والاستنثار، وهو إخراج الماء من الأنف، ومسح صماخ الأذنين.

وعدّوا مندوبات الغسل عشرة: وهي: التسمية في أوله، والبداءة بإزالة ما على فرجه أو باقي جسده من نجاسة؛ أو قذر لا يمنع وصول الماء إلى البشرة، وإلا وجبت إزالته، وفعله في موضع طاهر، والبداءة بعد ذلك بغسل أعضاء الوضوء ثلاثاً، وغسل أعالي البدن قبل أسافله؛ ما عدا الفرج؛ فيستحب تقديم غسله؛ خشية نقض الوضوء بمسه لو أخره، وألحقت المرأة بالرجل، وإن لم ينتقض وضوءها بمس فرجها، وتثليث غسل الرأس، بحيث يعمها بالماء في كل مرة، وتقديم غسل الشق الأيمن ظهراً وبطناً، وذراعاً إلى المرفق على الشق الأيسر، وتقليل صب الماء بلا حد، بحيث يقتصر على القدر الذي يكفيه لغسل الأعضاء؛ واستحضار النية إلى تمام الغسل والسكوت إلا عن ذكر اللّه أو الحاجة.

المالكية قالوا: الاغتسالات المسنونة ثلاثة: أحدها: غسل الجمعة لمصليها، ولو لم تلزمه ويصح بطلوع الفجر والاتصال بالذهاب إلى الجامع؛ فإن تقدم على الفجر أو لم يتصل بالذهاب إلى الجامع لم تحصل السنة فيعيده لتحصيلها؛ ثانيها: الغسل للعيدين؛ فإنه سنة على الراجح وإن كان المشهور ندبه، ويدخل وقته بالسدس الأخير من الليل؛ وندب أن يكون بعد طلوع فجر العيد، ولا يشترط اتصاله بالتوجه إلى مصلى العيد، لأنه لليوم لا للصلاة، فيطلب ولو من غير المصلي، ثالثها: الغسل للإحرام حتى من الحائض والنفساء.
والاغتسالات المندوبة ثمان، وهي: الغسل لمن غسل ميتاً، والغسل عند دخوله مكة، وهو للطواف، فلا يندب من الحائض والنفساء، والغسل عند الوقوف بعرفة؛ وهو مستحب كذلك من الحائض والنفساء والغسل لدخول المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، والغسل لمن أسلم، ولم يتقدم له موجب الغسل؛ والغسل لصغيرة مأمورة بالصلاة وطئها بالغ، والغسل لصغير مأمور بالصلاة وطئ مطيقة، والغسل لمستحاضة عند انقطاع دمها.

الحنفية قالوا: إن الاغتسالات المسنونة أربعة، وهي الغسل يوم الجمعة لمن يريد صلاتها فهو للصلاة لا لليوم، ولو اغتسل بعد صلاة الفجر، ثم أحدث فتوضأ وصلى الجمعة لم تحصل السنة، والغسل لليدين، وهو كغسل الجمعة للصلاة لا لليوم؛ والغسل عند الإحرام بحج أو عمرة؛ والغسل للوقوف بعرفة؛ ويندب الغسل في أمور: منها الغسل لمن أفاق من جنونه، أو إغمائه أو سكره إن لم يجد أحدهم بللاً، فإن وجده فتيقن أنه مني أو شك في أنه مني أو مذي، وجب الغسل، فإن شك في أنه مذي أو ودي لم يجب عليه الغسل، كالنائم عند انتباهه؛ ومنها الغسل بعد الحجامة؛ وليلة النصف من شعبان، وليلة عرفة وليلة القدر، وعند الوقوف بمزدلفة صبيحة يوم النحر، وعند دخول منى يوم النحر لرمي الجمار، وعند دخول مكة لطواف الزيارة، ولصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء، ولفزع أو ظلمة شديدة أو ريح شديد ولدخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولحضور مجامع الناس، ولمن لبس ثوباً جديداً، ولمن غسل ميتاً، ولمن تاب من ذنب، ولمن قدم من سفر، ولمستحاضة انقطع دمها، ولمن أسلم من غير أن يكون جنباً وإلا وجب غسله وقد عد بعض الحنفية قسماً آخر، وهو الغسل الواجب وجعلوا منه غسل الميت. والصحيح أنه فرض كفاية على المسلمين، وكذا عد بعضهم غسل من أسلم جنباً، أو بلغ بالاحتلام واجباً. والصحيح أنه فرض. وأما من أسلمت بعد انقطاع حيضها فيندب لها الغسل، كمن أسلم غير جنب للفرق بينهما وبين من أسلم جنباً، فإن الجنابة صفة لا تنقطع بالإسلام، أما حيضها فقط فقد انقطع قبل إسلامها.

الشافعية قالوا: إن الاغتسالات غير المفروضة كلها سنة إذ لا فرق بين المندوب والسنة عندهم، وهي كثيرة: منها غسل الجمعة لمن يريد حضورها، ووقته من الفجر الصادق إلى فراغ سلام إمام الجمعة، ولا تسن إعادته، وإن طرأ بعده حدث؛ ومنها الغسل من غسل الميت، سواء كان الغاسل طاهراً أو لا؛ ويدخل وقته بالفراغ من غسل الميت، ويخرج بالإعراض عنه، وكغسل الميت تيممه؛ ومنها غسل العيدين، ولو لم يرد صلاتهما، لأنه للزينة، ويدخل وقته من نصف ليلة العيد، ويخرج بغروب شمس يومه؛ ومنها غسل من أسلم خالياً من الحدث الأكبر، أما إذا لم يخل منه فيجب عليه الغسل، وإن سبق منه غسل في حال كفره لعدم الاعتداد به، ويدخل وقته بعد الإسلام، ويفوت بالإعراض عنه، أو طول الزمن ومنها الغسل لصلاة استسقاء، أو كسوف، لمن يريد فعلها ولو في منزله، ويدخل وقته بالنسبة لصلاة الاستسقاء بإرادة الصلاة إن أرادها منفرداً أو باجتماع الناء إن أرادها معهم، وبالنسبة لصلاة الكسوفين بابتداء تغير الشمس أو القمر ويخرج بتمام الانجلاء، ومنها الغسل من الجنون والإغماء، ولو لحظة، بعد الإفاقة إن لم يتحقق الإنزال، وإلا وجب الغسل؛ ومنها الغسل للوقوف بعرفة، ويدخل وقته من فجر يوم عرفة ويخرج بغروب الشمس؛ ومنها الغسل للوقوف بمزدلفة إن لم يكن قد اغتسل للوقوف بعرفة، وإلا كفى الأول، ويدخل وقته بالغروب؛ ومنها الغسل للوقوف بالمشعر الحرام، وسيأتي تعليل ذلك في "مباحث الحج"؛ ومنها الغسل لرمي الجمار الثلاث في غير يوم النحر؛ ومنها الغسل عند تغير رائحة البدن؛ بما يعلق به منعرق، وأوساخ، ونحو ذلك؛ ومنها الغسل لحضور مجامع الخير، وهذا من محاسن الشريعة، فإنه لا يليق بالإنسان أن يكون مصدراً لإيذاء الناس بما ينبعث منه من رائحة البدن؛ بما يعلق به من عرق، وأوساخ، ونحو ذلك؛ ومنها الغسل لحضور مجامع الخير، وهذا من محاسن الشريعة، فإنه لا يليق بالإنسان أن يكون مصدراً لإيذاء الناس بما ينبعث منه من رائحة قذرة؛ ومنها الغسل بعد الحجامة والقصد لأن الغسل يعيد للبدننشاطه، ويعوضه ما فقد من دم؛ ومنها الغسل للاعتكاف، لأنه يحس بمن يريد أن ينقطع لمناجاة مولاه أن يكون نظيفاً، ولدخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي كل ليلة من رمضان؛ ومنها غسل الصبي إذا بلغ بالسن. أما إذا بلغ بالاحتلام، فإنه يجب عليه الغسل، كما سبق؛ ومنها الغسل عند سيلان الوادي بالمطر أو النيل في أيام زيادته، لما في ذلك من إعلان شكر اللّه عزوجل، ومنها غسل المرأة عند انتهاء عدتها، لأنها بذلك تصبح عرضة للخطبة، فيحسن أن تكون نظيفة.

الحنابلة: حصروا الاغتسالات المسنونة في ستة عشر غسلاً، وهي الغسل لصلاة جمعة يريد حضورها في يومها إذا صلاها، والغسل لصلاة عيد في يومها إذا حضرها وصلاها، وهو للصلاة لا لليوم، فلا يجزئ الغسل قبل الفجر ولا بعد الصلاة، والغسل لصلاة الكسوفين، والغسل لصلاة الاستسقاء، والغسل لمن غسل ميتاً، والغسل لمن أفاق من جنونه، والغسل لمن أفاق من إغمائه بلا حصول موجب للغسل فيأثنائهما، والغسل للمستحاضة لكل صلاة، والغسل للإحرام بحج أو عمرة، والغسل لدخول الحرم، والغسل لدخول مكة، والغسل للوقوف بعرفة، والغسل للوقوف بمزدلفة، والغسل لرمي الجمار، والغسل لطواف الزيارة، وهو طواف الركن، والغسل لطواف الوداع).

مبحث ما يجب على الجنب أن يفعله قبل أن يغتسل من دخول مسجد، وقراءة قرآن، ونحو ذلك

* يحرم على الجنب أن يباشر عملاً من الأعمال الشرعية الموقوفة على الوضوء، قبل أن يغتسل، فلا يحل له أن يصلي نفلاً أو فرضاً وهو جنب، إلا إذا فقد الماء أو عجز عن استعماله لمرض ونحوه مما يأتي "في مباحث التيمم" أما الصيام فرضاً أو نفلاً، فإنه يصح من الجنب فإذا أتى الرجل زوجه قبل طلوع الفجر في يوم من رمضان، ولم يغتسل بعد ذلك، فإن صيامه يصح، كما يأتي في "مباحث الصوم" ومن الأعمال الدينية التي لا يحل للجنب فعلها، قراءة القرآن، فيحرم عليه قراءة القرآن وهو جنب، كما يحرم عليه مس المصحف من باب أولى، لأن مس المصحف لا يحل بغير وضوء، ولو لم يكن الشخص جنباً، فلا يحل مسه للجنب من باب أولى، ومنها دخول المسجد، فيحرم على الجنب أن يدخل المسجد، على أن الشارع قد رخص للجنب في تلاوة اليسير من القرآن وفي دخول المسجد، بشروط مفصلة في المذاهب فانظرها تحت الجدول الذي أمامك

(المالكية قالوا: لا يجب للجنب أن يقرأ القرآن إلا بشرطين أحدهما أن يقرأ ما تيسر من القرآن، كآية ونحوها في حالتين. الحالة الأولى: أن يقصد بذلك التحصن من عدو ونحوه، الحالة الثانية: أن يستدل على حكم من الأحكام الشرعية، وفيما عدا ذلك، فإنه لا يحل له أن يقرأ شيئاً من القرآن؛ كثيراً كان، أو قليلاً، أما دخول المسجد، فإنه يحرم على الجنب أن يدخله ليمكث فيه، أو ليتخذه طريقاً يمر منها، ولكن يباح له دخول المسجد، فإنه يحرم على الجنب أن يدخله ليمكث فيه، أو ليتخذه طريقاً يمر منها، ولكن يباح له دخول المسجد في ضورتين؛ الصورة الأولى: أن لا يجد ماء يغتسل منه إلا في المسجد، وليس له طريق إلا المسجد، فحينئذ يجوز له أن يمر بالمسجد ليغتسل، ومثل ذلك ما إذا كان الدلو، أو الحبل الذي ينزع به الماء في المسجد، ولم يجد غيره، فإن له أن يدخل المسجد ليأخذه، وهذه الصورة كانت كثيرة الوقوع في القرى التي ليست بها أنابيب المياه - مواسير - أما الآن، وقد عمت الأنابيب، وبطلت المياضئ والمغاطس، وأصبحت دورة المياه مختصة بباب، فإنه ينبغي للجنب أن يدخل من باب الدورة، ولا يمر في المسجد، فإذا وجد مسجد ليس فيه مواسير، وليس له باب دورة، وانحصر ماء الغسل فيه، فإن له أن يدخل المسجد ليغتسل، ويجب عليه أن يتيمم قبل الدخول: الصورة الثانية: أن يخاف من أذى يلحقه؛ ولم يجد له مأوى سوى المسجد، فإن له في هذه الحالة أن يتيمم، ويدخل، وبيبت فيه حتى يزول ما يخاف منه.

هذا إذا كان الشخص مقيماً في بلدته سليماً من المرض؛ أما إذا كان مسافراً، أو كان مريضاً وكان جنباً، ولم يتيسر له استعمال الماء، فإنله أن يتيمم، ويدخل المسجد، ويصلي فيه بالتيمم، ولكن لا يمكث فيه إلا للضرورة؛ وإذا احتلم في المسجد، فإنه يجب عليه أن يخرج منه سريعاً، وإذا أمكنه أن يتيمم، وهو خارج بسرعة كان حسناً.
وبالجملة فلا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا في حالة الضرورة.

الحنفية قالوا: يحرم على الجنب تلاوة القرآن، قليلاً كان، أو كثيراً، غلا في حالتين: إحداهما: أن يفتتح أمراً من الأمور الهامة - ذات بال - بالتسمية، فإنه يجوز للجنب في هذه الحالة أن يأتي بالتسمية مع كونها قرآناً، ثانيهما: أن يقرأ آية قصيرة ليدعو بها لأحد، أو ليثني بها على أحد، كأن يقول: {رب اغفر لي ولوالدي} أو يقول: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} ونحو ذلك؛ وكذلك يحرم على الجنب دخول المسجد، إلا للضرورة، والضرورة في مثل هذا تقدر بما يناسب، فنها أن لا يجد ماء يغتسل به إلا في المسجد، كما هو الشأن في بعض الجهات ففي هذه الحالة يجوز له أن يمر بالمسجد إلى المحل الموجود فيه الماء ليغتسل، ولكن يجب عليه أن يتيمم قبل أن يمر، ومن ذلك ما إذا اضطر إلى دخول المسجد خوفاً من ضرر يلحقه، كما يقول المالكية، وعليه في هذه الحالة أن يتيمم.
والحاصل أن تيمم الجنب بالنسبة لدخول المسجد تارة يكون واجباً، وتارة يكون مندوباً فيجب عليه أن يتيمم في صورتين، الصورة الأولى: أن تعرض له الجنابة، وهو خارج المسجد ثم يضطر لدخول المسجد، وفي هذه الحالة يجب عليه التيمم، الصورة الثانية: أن ينام في المسجد وهو طاهر، فيحتلم، ثم يضطر للمكث به لخوف من ضرر، وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتيمم فالتيمم لا يجب عليه إلا في هاتين الصورتين، وما عداهما فإنه يندب له التيمم. فيندب لمن عرضت له جنابة في المسجد، وأراد الخروج منه أن يتيمم، أو اضطرته الضرورة إلى الدخول وهو جنب؛ ولم يتمكن من التيمم ثم زالت الضرورة، وخرج، فإنه يندب له أن يتيمم، كي يمر به وهو متيمم، وعلى كل حال فإن هذا التيمم لا يجوز أن يقرأ به، أو يصلي به.

هذا، وشطح المسجد له حكم المسجد في ذلك كله، أما فناء المسجد - حوشه - فإنه يجوز للجنب أن يدخله بدون تيمم، ومثله مصلى العيد والجنازة، والخانقاه - متعبد الصوفية - فإنها جميعها لها حكم المسجد، أما المساجد التي بالمدارس، فإن كانت عامة لا يمنع أحد من الصلاة فيها، أو كانت إذا ألقت تتكون فيها جماعة من أهلها، فهي كسائر المساجد، لها أحكامها، وإلا فلا.

الشافعية قالوا: يحرم على الجنب قراءة القرآن، ولو حرفاً واحداً، إن كان قاصداً تلاوته، أما إذا قصد الذكر، أو جرى على لسانه من غير قصد، فلا يحرم، ومثال ما يقصد به الذكر أن يقول عند الأكل: بسم اللّه الرحمن الرحيم، أو عند الركوب: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين}، كما يجوز لفاقد الطهورين أن يقرأ القرآن في صلاته التي أبيحت له للضرورة، وهي صلاة الفرض، وكذلك الحائض أو النفساء، أما المرور بالمسجد، فإنه يجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه، ولا تردد بشرط أمن عدن تلوث المسجد، فلو دخل من باب وخرج من آخر جاز، أما إذا دخل وخرج من باب واحد، فإنه يحرم؛ لأنه يكون قد تردد في المسجد، وهو ممنوع، إلا إذا كان يقصد الخروج من باب آخر غير الذي دخل منه، ولكن بدا له أن يخرج منه، فإنه لا يحرم، ويجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمكث في المسجد لضرورة، كما إذا احتلم في المسجد؛ وتعذر خروجه منه لغلق أبوابه، أو خوفه على نفسه أو ماله، لكن يجب عليه التيمم بغير تراب المسجد إن لم يجد ماء أصلاً؛ فإن وجد ماء يكفيه للوضوء وجب عليه الوضوء.

الحنابلة قالوا: يباح للمحدث حدثاً أكبر بلا عذر أن يقرأ ما دون الآية القصيرة أو قدره من الطويلة، ويحرم عليه قراءة ما زاد على ذلك. وله أن يأتي بذكر يوافق لفظ القرآن؛ كالبسملة عند الأكل؛ وقوله عند الركوب: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين": أما المرور بالمسجد والتردد به بدون مكث، فإنه يجوز للجنب والحائض والنفساء حال نزول الدم إن أمن تلويث المسجد. ويجوز للجنب أن يمكث في المسجد بوضوء ولو بدون ضرورة. أما الحائض والنفساء فإنه لا يجوز لهما المكث بالوضوء، إلا إذا انقطع الدم).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية