الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

عقائد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية

عقائد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية

المحتويات

  1. المبحث الثالث عقائد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية
  2. العودة إلي كتاب الشيعة الإمامية الاثني عشرية


المبحث الثالث عقائد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية


أولاً : صفات الإمام :

نظراً لاعتقاد الشيعة الإمامية أن الإمامة منصب إلهي يختار الله له من يريده، ويأمر نبيه أن يدل الأمة عليه، جعلوا له صفات خاصة به تجعله أعلى مكاناً من الأنبياء والمرسلين . ومن هذه الصفات :

1- العصمة :

إن من الصفات التي أطلقها الشيعة على أئمتهم صفة العصمة، فذهبوا إلى أنهم معصومون لا يصدر منهم أية معصية صغيرة أو كبيرة في جميع حياتهم، كما أنه لا يجوز عليهم الخطأ والنسيان .

يقول محمد المظفـر : " ونعتقد أن الإمـام كالنبـي يجب أن يكون معصوماً مـن جميـع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، مـن سن الطفولـة إلى الموت، عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيـان، لأن الأئمـة حفظـة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسـه يقتضينـا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق "( ) .

ويحاول الشريف المرتضى أن يثبت العصمة للأئمة بقولة : " قد ثبت عندنا وعند مخالفينا أنه لا بد من إمام في الشريعة يقود بالحدود وتنفيذ الأحكام ... وإذا ثبت ذلك وجبـت عصمتـه لأنـه لـو لـم يكـن معصوماً - وهو إمام فيما قام به من الدين - لجاز وقوع الخطأ منه في الدين، وَلَكُنا إذا وقع الخطأ منه مأمورين باتباعه فيه، والاقتداء به في فعله، وهذا يؤدي إلى أن نكون مأمورين بالقبيح على وجه من الوجوه، وإذا فسد أن نكون مأمورين بالقبيح، فوجبت عصمته في أمرنا باتباعه والاقتداء به في الدين "( ) .

إن اعتقاد الشيعة العصمة لأئمتهم، أدى ببعضهم الاعتقاد بجواز معصية الرسول لله تعالى دون الأئمة، وهذا ما نقله الإمام الأشعري عنهم بقوله: إنهم " يزعمون أن الرسول  جائز عليه أن يعصي الله، وأن النبي قد عصى في أخذ الفداء يوم بدر، فأما الأئمة فلا يجوز ذلك عليهم؛ لأن الرسول إذا عصى فالوحي يأتيه من قبل الله، والأئمـة لا يوحى إليهم، ولا تهبط الملائكـة عليهم، وهم معصومون، فلا يجوز عليهم أن يسهوا ولا يغلطوا وإن جـاز على الرسول العصيان "( ) . بل إن الخميني في العصر الحديث جعل الأئمـة في مكانـة لا يصل إليها الرسل أو الملائكـة كما لا يقع منهم السهـو أو الغفلـة فقـال: " إن من ضروريات مذهبنـا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغـه ملـك مقـرب، ولا نبي مرسـل "( ) . وقال أيضاً: " إن الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو أو الغفلة، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة للمسلمين "( ) .

لقد عمد الشيعة الإمامية إلى القرآن الكريم لإثبات عصمة أئمتهم متأولين الآيات لتوافق اعتقادهم، ومما استدلوا به قول الله تعالى لإبراهيم عليه السلام:إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( ) .

حيث يرون أن هـذه الآيـة صريحـة فـي إيجـاب العصمـة للإمام، قـال الطوسي: " واستـدل أصحابنـا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون إلاّ معصوماً من القبائح؛ لأن الله سبحانه نفى أن ينال عهده الذي هو للإمامة ظالم، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً إما لنفسه وإما لغيره "( ) .

كما استدلوا بقوله تعالى:إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا( ) .
ويسمى الشيعة هذه الآية بآية التطهير ويستدلون بها على عصمة الأئمة من القبائح كالأنبياء سواء بسواء، ويعتبرون أن لفظ إنما محققة لما أُثبت بعدها، نافية لما لم يثبت، وأهل البيت هم النبي محمد  وعلي والحسن والحسين وفاطمة وغير هؤلاء غير معصومين، فالآية تثبت العصمة للخمسة دون غيرهم. قال الطبرسي: " استدلت الشيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة ... لأن هذا القول يقتضي المدح، والتعظيم لهم بغير شك ولا شبهة، ولا مدح في الإرادة المجردة، فثبت الوجه الثاني، وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح، وقد علمنا أن عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته فثبت أن الآية مختصة بهم لبطلان تعلقها بغيرهم " ( ) .
إن قضيـة العصمـة عنـد الشيعـة أدت بهـم إلـى جعـل أئمتهـم فـي مكانـة فوق مكانـة الأنبيـاء والرسل، حيث أثبتوا لأئمتهم عدم السهو والنسيـان بينما يقع السهـو والنسيـان للرسـل والأنبيـاء حيـث قـال الله تعالى في حـق آدم عليه السلام:وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ( ) . كما قال على لسان موسى عليه السلام:قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ( ) .

كما ثبت أن نبينا محمد  سها ونسي في الصلاة وعلم أمته كيفية سجود السهو حيث روى مسـلم في صحيحـه: " صلـى رسول الله  فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء ؟ قال: " وما ذاك " قالوا: صليت كذا وكذا . قال: فثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم . ثم أقبل علينا بوجهه فقال: " إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به . ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون . فإذا نسيت فذكروني "( ) .

إن الذي يثبت له عدم السهو أو النسيان إنما هو الله عز وجل وحده حيث قال الله تعالى:وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ( ) وقال:قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ( ) .

كما أن دعوى العصمة تنافي حكمة الله تعالى في ختم النبوة؛ لأن الاحتياج إلى معصوم لا يكون إلاّ لقصور في بيان الكتاب أو لقصور في التبليغ، فدعوى عصمة الإمام طعن في الدين .

2- الغيبة والرجعة :

تعتقد الشيعـة برجعة الإمام ويقصدون بذلك رجعة الإمام الثاني عشر محمد بـن الحسن العسكري، الذي ولد في سامراء سنة 256هـ، واختفى عن الأعين سنة 261هـ، عندما طلبته السلطات الحاكمـة وجدَّت في البحث عنه، وكان اختفاؤه داخل سرداب في دار أبيه بمدينة سامراء، وأنه ما زال حياً في السرداب إلى اليوم، وأن الله تعالى سيظهره بعد طول الغيـاب ليملأ به الأرض قسطاً وعدلاً .

وقد ابتدعت الشيعة الاثنا عشرية لإمامهم الثاني عشر غيبتين أطلقوا على الأولى الغيبة الصغرى، وعلى الثانية الغيبة الكبرى . أما الغيبة الصغرى فحدثت لما جدَّت السلطة الحاكمة وأمعنت في البحث عنه إثر وفاة أبيه، حيث سهل الله تعالى فرارة على زعم الشيعة، كما سهل فرار عيسى عليه السلام من جند الرومان الذين جاءوا للقبض عليه، وفي هذه الغيبة كان يتصل الإمام بوكلائه وخواصه المقربين بينما غاب عن باقي الناس، وكان في غيبته الصغرى يدلي لوكلائه بالأجوبة عن الأسئلـة التي يحملونها من الناس، وعن طريق الوكلاء يعرض الناس عليه مشكلاتهم وقضاياهم ويقوم هو بحلها وإرسالها، وقد استمرت هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة( ) .

وأما الغيبة الكبرى فيزعمون أن محمداً بن الحسن العسكري اختفى مرة ثانية اختفاءً كاملاً عن أعين الناس جميعاً حتى المقربين والوكلاء، إذ دخل السرداب، وهو في هذه الغيبة حيٌّ يرزق، وينتظرون خروجه ليتولى المهمة المنوطة به، وقد ورد في كتاب الإمامة: " وعندما أصبح – على ما فيه من تخف وكتمان – معرضاً للخطر أيضاً، أنهى هذه الوساطة فانقطعت الصلة المباشرة – بكل أطرافها – بينه وبين أوليائه "( ) .

وأما مدة هذه الغيبة فغير محددة بل المصلحة هي التي تقتضي قدومه وفي هذا يقول الخميني: " وقد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقضى المصلحة قدوم الإمام المنتظر "( ) .

بل تعتبـر الشيعـة غيبـة الإمـام ابتلاءً وتمحيصاً حيث ورد في الأصول من الكافي للكلِّيني: " أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيـن مـن دهركم، ولتمحصن حتى يقال مات – قُتِلَ – هلك "( ) . وهذا دفعهم إلى تأويل الآيات القرآنيـة بمـا يوافق معتقدهـم حيـث زعمـوا فيمـا يرويـه الكليني عن موسى بـن جعفـر الصادق فـي قولـه عـز وجـل:قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ( ). قال: " إذا غاب عنكـم إمامكـم فمن يأتيكم بإمـام جديـد "( ) . كما نسبوا للإمام جعفر الصادق القول " إن بَلَغكم عن صاحبكـم غيبـة فـلا تنكروهـا "( ) .

ويرى محمد جـواد مغنيـة أن الحكمـة مـن الغيبـة لا يعلمهـا إلا الله وأنهـا سـر مـن أسـراره فيقـول: " والله أعلم بحكمتهــا فإنهـا سـر مـن أسـراره عـز وجـل، والشك فـي أسـرار الله جحود، والجهل ليس عذراً يسوغ الإنكار "( ) .

ويعتقد الشيعة الإمامية أن الإمام محمداً بن الحسن العسكري سيعود في آخر الزمان فيملأ الأرض نوراً وعدلاً، وسيحي الله له جميع حكام المسلمين ويحاكمهم ويقتص منهم لاغتصابهم الحكم، حيث جاء في كتاب عقائد الإمامية: " إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيـا فـي صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقاً ويذل فريقاً آخر، ويديل المحقين مـن المبطلين، والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليـه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ولا يرجع إلاّ مـن علت درجتـه فـي الإيمان، أو من بلغ الغايـة مـن الفسـاد، ثم يصيـرون بعد ذلك إلى الموت "( ) .

كمـا جاء أيضاً في كتاب الإمامة: " وسيظهـره الله تعالـى بعـد طـول الغيـاب فيمـلأ بـه الأرض قسطـاً وعـدلاً كما ملئت ظلماً وجـوراً "( ) .

ولذلك نجـد الخمينـي فـي العصـر الحديـث يدعـو الشيعة الاثنا عشريـة إلـى إعداد أنفسهم للحظـة قدوم الإمـام فيقـول: " أعـدوا أنفسكم لخدمـة دينكم، جندوا أنفسكم لإمـام زمانكـم حتى تستطيعوا أن تبسطوا العدل فـي وجـه البسيطـة "( ) .
إن فكرة الرجعـة التي ينـادي بهـا الشيعـة جذورهـا يهودية وقد ظهرت أول ما ظهرت على يد عبد الله بن سبأ اليهودي الذي نادى برجعة النبي  فقـال: " إني لأعجب كيف تصدقون أن عيسى بـن مريم يرجـع إلـى هـذه الدنيـا، وتكذبون أن محمداً يرجع إليها "( ) . ثم زعم رجعة علي  قائـلاً: إنه لم يقتل بـل رُفع إلى السماء، يقول الإمام البغدادي: " فلما قُتِلَ علي  زعم ابن سبـأ أن المقتول لم يكن علياً، وإنمـا كـان شيطانـاً تصور للناس في صورة علي، وأن علياً صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم عليه السلام، وقـال: كمـا كذبـت اليهـود والنصـارى فـي دعواهـا قتل عيسى كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل علي، وإنما رأت اليهود والنصارى شخصـاً مصلوبـاً شبهـوه بعيسى، كذلك القائلون بقتل علي رأوا قتيـلاً يشبه عليـاً فظنـوا أنـه علي، وعليٌ قد صعد إلى السمـاء وأنه سينزل إلى الدنيا وينتقـم مـن أعدائـه "( ) .

إن ممـا لا شك فيـه أن عبد الله بـن سبـأ اليهودي الحاقـد على الإسلام وأهلـه إنمـا دخل فـي الإسلام ليكون معول هـدم مـن داخله، فعمد إلى عقائـد الإسلام لهدمها مـن أجـل الثـأر ليهود بني قريظة وبني النضير وخيبـر، وقـد وجـد مـن يهرول خلف أقوالـه وأفكاره، ولا يشك عاقل أن فكرة الرجعة مناقضة للتصور الإسلامي الذي لا يقر بعودة أي إنسان إلى الحياة قبل يوم البعث باستثناء الحالات التي وردت في القرآن الكريم والمتعلقة بإظهار الإعجاز الإلهي في الخلق والإعادة .


ثانياً : التَّقِيَّة :

التقيـة لغـة: بالفتـح ثـم الكسـر مصـدر توقّـَى واتقـى وتوقيـت الشيء أي حذرتـه، وتأتـي بمعنـى الخـوف والحذر والكتمان، وهي التستر في الدين عند بعض المذاهب( ) .

واصطلاحاً : هـي " مجاملـة المخالفيـن فـي العقيـدة وإيهامهـم بموافقتهـم فـي عقائدهـم بإظهـار غيــر الحقيقــة ســواء كـان ذلك بالكذب أم بغيـره اتقـاء الأذى وخـوف الضــرر"( ). وقيـل : " هي ترك فرائض الديـن فـي حالـة الإكـراه أو التهديـد بالإيـذاء "( ) .

والتقية إحـدى عقائـد الشيعة الرئيسـة علـى اختلاف طوائفها، فالشيعي لا يستطيع أن يخفي مذهبه ويكتم عقيدته فحسب، بل يجب عليـه أن يفعل ذلك، وأن يبالغ في الإخفاء والكتمان، فأصبحت هذه العقيدة صفتهم المميـزة وسمة مألوفة في سيرهم، ولذلك عرف التقية الشيخ المفيد أحد أعلام الشيعة الإمامية بقوله: " هي كتمان الحق وستر الاعتقاد به ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدنيا أوالدين "( ) .

ويستدل الشيعة الاثنا عشرية على معتقدهم هذا بأقوال منسوبة لجعفر الصادق ليؤكدوا وجوبه، فقد ورد في كتاب عقائد الإمامية: " روى عن صادق آل البيت عليه السلام في الأثر الصحيح . (التقية دينـي ودين آبائي) و (من لا تقية له لا دين له) و (تسعة أعشار الدين في التقية)( ) .

ثـم يعقب محمد رضـا المظفـر علـى هـذه الأدلـة بقولـه: " وكذلك هـي، لقـد كانـت شعـاراً لآل البيت عليهـم السـلام؛ دفعـاً للضرر عنهم وعـن أتباعهـم؛ وحقنـاً لدمائهـم، واستصلاحـاً لحـال المسلمين وجمعاً لكلمتهـم؛ ولماً لشعثهـم، ومـا زالت سمـة تعـرف بهـا الإماميـة دون غيرهـا من الطوائف والأمم، وكل إنسان إذا أحس بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لا بد أن يتكتم ويتقي في مواضع الخطر، وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول "( ) .

والشيعة الإمامية في التقية على مذهبين :

الأول : يقول بالتقية لدرء الضرر الذي يترتب على المجاهرة بالمذهب الشيعي والدعوة إليه .
الثاني : يقـول بـأن التقيـة واجبـة فمـن تركهـا فكأنمـا تـرك فرضـاً لازمـاً كالصـلاة، ومـن تركهـا قبـل ظهـور المهـدي القائم فقد خـرج عـن ديـن الله تعالى( ) .

ولكن مـن الملاحظ أن بعض علماء الشيعة المعاصرين خالف المذهب الثاني للتقيـة بل دعا إلى رفض هذا المبدأ وعدم التمسك به ومنهم الخميني حيث يقول: " فرض الأئمة عليهم السلام على الفقهاء فرائض مهمة جداُ، وألزموهم أداء الأمانة وحفظها، فلا ينبغي التمسك بالتقية في كل صغيرة وكبيرة، فقد شرعت التقية للحفاظ على النفس أو الغير من الضر في مجال فروع الأحكام . أما إذا كان الإسلام كله في خطر، فليس في ذلك متسع للتقية والسكوت . ماذا ترون لو أجبروا فقيهاً على أن يشرع أو يبتدع، فهل ترون أنه يجوز له ذلك تمسكاً بقوله(ع) التقية ديني ودين آبائي . ليس هذا من موارد التقية أو من مواضعها، وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتنـاع إلى قتلـه، إلاّ أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين "( ) .

وقال محمد رضا المظفر: " وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر ... وليست هي بواجبة على كل حال، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام "( ) .
ولعل السبب في مناهضة بعض الشيعة المعاصرين لمبدأ التقية يرجع إلى أنها استغلت كوسيلة للاستسلام والخضوع للسلطة الحاكمة مما دفع بعضهم لرفض هذا المبدأ – القائل بوجوب التقية – وعدم التمسك به، بل مناهضته .

إن مبدأ التقية عند الشيعة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضيـة الإمامة التي أقاموها على النص والتعيين، وأولوا النصوص وحرفوها من أجل إثباتها، ولكنهم عندما يصطدمون بسكوت الإمام علي  وموافقته على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ، واعترافه بخلافتهم يكون ذلك حجة عليهم بعدم صحة إمامته، وهذا في حقيقته يشكل تناقضاً لا يمكن حله إلاّ بوجود مبرر لهم وهو التقية، كما أن التقيَّة مخرج لتضارب آراء الأئمة المعصومين عندهم في القضية الواحدة، لأن ذلك يسبب لهم إحراجاً كبيراً، لأنه لا يجوز أن تتضارب آراء المعصومين، وهذا يتضح من كلام الخميني عندما يتحدث عن ولاية الفقيه بقوله: " ويعرف الروايات الصادرة في ظروف التقية التي كانت تفرض على الأئمة(ع) بحيث كانت تمنعهم من إظهار الحكم الواقعي في تلك الحالات "( ) .

إن التقية عند الشيعة مخالفة لنصوص القرآن والسنة كل المخالفة حيث إن معناها الكذب المحض والنفاق الخالص، ولم ترد آية في القرآن الكريم تبيح الكذب والنفاق، ولا رواية عن رسول الله  تجيزهما، بل على العكس من ذلك فقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة تحرم الكذب والنفاق، وقد صرح بذلك الإمام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية عندما قال: " النفاق والزندقة في الروافض أكثر من سائر الطوائف، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب أن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ( ) والرافضة تجعل هذا من أصول دينها، وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك، بل كانوا من أعظم الناس صدقاً وتحقيقاً للإيمان وكان دينهم التقوى، لا التقيَّة . وقول الله تعالى: لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً( ) إنما هو الأمر بالاتقاء من الكفار. لا الأمر بالنفاق والكذب، والله تعالى قد أباح لمن أُكره على كلمة الكفر أن يتكلم بها، إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان، ولكن لم يكره أحداً من أهل البيت على شيء من ذلك، حتى أن أبا بكر  لم يكره أحداً لا منهم ولا من غيرهم على متابعته، فضلاً أن يكرههم على مدحه والثناء عليه، بل كان علي وغيره من أهل البيت يظهرون ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم والترحم عليهم والدعاء لهم، ولم يكن أحد يكرههم على شيء منه باتفاق الناس " ( ) .

يرى أهل السنـة والجماعـة أن التقيـة رخصـة جائـزة في القول باللسان دون الفعل حين الضرورة، ويرى الإمام الغزالي وابن حزم أنهـا واجبة في حال عصمة دم مسلم ( ) . وقال الإمام القرطبي: " أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنه لا إثـم عليـه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان " ( ) وقال الإمام الرازي: " إن التقيـة إنمـا تكون إذا كان الرجل في قوم كفـار، ويخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان، وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان، بل يجوز أيضاً أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة، ولكن بشرط أن يضمر خلافه " ( ) .

ويشترط للتقية أن لا تسبب أضراراً بالآخرين من قتل أو اغتصاب أو شهادة زور، حيث قال ابن عباس  : " إن التقية باللسان لا باليد " يعني القتل، ولكن ذهب بعض الفقهاء إلى أن التقية كانت رخصة جائزة في أول ظهور الإسلام يوم كان مضطهداً، أما الآن فغير جائزة، ولكن الرأي الراجح، أنها رخصة حين الإكراه في كل زمان ومكان بالشروط السابقة الذكر؛ ولقول النبي  لعمار بن ياسر: " إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " ولأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان، ولكن التمسك بالعزيمة أفضل لما في ذلك من إعزاز لدين الله تعالى وغيظ للكافرين ( ) .


ثالثاً : المهدي :

تعتقد الشيعة الاثنا عشرية بالمهدي المنتظر، وهذا المهدي آخر أئمتهم وهو محمد بن الحسن العسكري، الذي يزعمون أنه دخل السرداب بسامراء بعد موت أبيه، يقول محمد رضا المظفر: " إن الإمامية تعتقد أن هذا المصلح المهدي هو شخص معين معروف ولد سنة 256 هجرية ولا يزال حياً، هو ابن الحسن العسكري واسمه (محمد) . وذلك بما ثبت عن النبي وآل البيت من الوعد به، وما تواترت عندنا من ولادته واحتجابه . ولا يجوز أن تنقطع الإمامة وتحول في عصر من العصور، وإن كان الإمام مخفياً، ليظهر في اليوم الموعود به من الله تعالى الذي هو من الأسرار الإلهية التي لا يعلم بها إلا هو تعالى "( ) .

ويتحدث الإمام ابن تيمية عن مهدي الشيعة المنتظر بقوله: " والمعصوم عند الرافضة الإمامية الاثنا عشرية: هو الذي يزعمون أنه دخل إلى سرداب سامراء بعد موت أبيه الحسن بن علي العسكري سنة ستين ومائتين، وهو إلى الآن غائب، لم يعـرف له خبر، ولا وقع له أحد على عين ولا أثر ... ويزعمون أن هذا المنتظر كان عمره عند موت أبيه: إما سنتين، أو ثلاثاً، أو خمساً على اختلاف بينهم في ذلك "( ) .
وقد اعتبر الشيعة الإمامية أن فترة اختفائه في السرداب وبقائه حياً حسب زعمهم معجزة له كمعجزة عيسى عليه السلام، إذ كلم الناس في المهد حيث ورد في عقائد الإمامية: " ولا يخلو من أن تكون حياته وبقاؤه هذه المدة الطويلة معجزة جعلهـا الله تعالى له، وليست هي بأعظم من معجزة أن يكون إماماً للخلق وهو ابن خمس سنين يوم رحل والده إلى الرفيق الأعلى، ولا هي أعظم من معجزة عيسى إذ كلم الناس في المهد صبياً وبعث في الناس نبياً "( ) .

إن الذي دعا الشيعة إلى تبني فكرة المهدي المنتظر والتركيز عليها هو ما آلت إليه أحوالهم بعد مقتل علي  وتولي معاوية الأمر ومبايعة الحسن له، ثم استشهاد الحسين، وفشل الحركات التي قاموا بها ضد الأمويين . إذ خشي الشيعة أن يدب اليأس إلى نفوس أتباعهم، وأن تتلاشى حركتهم أمام ضغط الدولـة الأموية وقوة شوكتها، فعملوا على تحويل دعوتهم إلى دعوة سرية تعمل في الخفاء للإطاحة بالحكم الأموي، ولكنهم أدركوا أن هذا لا يتم إلاّ بعد جهود مضنية ووقت طويل، فكان لا بد من ربط أتباعهم بأمل يتطلعون إليه، وكان ذلك الأمل هو الإمام الغائب أو المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري( ). علماً بأن بعض المؤرخين وعلماء الأنساب كالطبري وغيره يشكُّون في وجود محمد بن الحسن أساساً، ويذهبون إلى أن الحسن بن علي العسكري لم ينسل ولم يعقب . هذا بالإضافة إلى أن " محمداً بن الحسن " إن وجد فهو من نسل الحسين وليس من نسل الحسن، وإن اتفق اسمـه مع اسم النبي  فإن اسم أبيه " الحسن " وليس عبد الله كاسم والد النبي  كما وردت بذلك الأحاديث( ) حيث قال الرسول  : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً "( ) .

وعلـى كـلٍ فـإن عقيـدة أهـل السنـة فـي المهدي المنتظـر تختلف عـن عقيـدة الشيعـة فيـه، حيـث لا يذهبـون كمـا ذهبـت الشيعـة إلـى أن المهدي وجـد فـي لحظـة تاريخيـة ثـم غـاب فـي السرداب، ولا زال حيـاً وأنـه معصوم ثـم سيظهـر بعـد غيبتـه . بـل يلتزمـون بمـا ورد فـي الأحاديـث النبويـة مـن أن المهدي سيظهـر فـي آخـر الزمـان وأنـه سيجـدد أمـر هـذا الديـن ويمـلأ الأرض عدلاً، ويتولى أمـر المسلميـن، ويخـرج فـي زمانـه الدجـال وينـزل عيسـى بـن مريـم عليـه السلام، كمـا أنـه غيـر معصـوم . وقـد قـال الإمـام القرطبي فـي كتابـه التذكـرة : " وقـد تواتـرت الأخبـار واستفاضـت بكثـرة رواتهـا عـن المصطفى  يعنـي المهـدي، وأنـه من أهل بيتـه، وأنـه سيملـك سبـع سنيـن، وأنـه يمـلأ الأرض عـدلاً، يخـرج مـع عيسـى عليـه السـلام، فيساعـده فـي قتـل الدجـال ببـاب لِـد بأرض فلسطيـن، وأنه يـؤم هـذه الأمـة "( ) .


رابعاً : البَداء :

البداء لغة : بـدا بـدُّواً ظَهَـرَ، وبداوة الشيء أول ما يبدو منه، وبدا له فـي الأمر بدُّواً وبداءً نشأ له فيه رأي( ) وقد نقل ابن منظور عن اللغويين القول " البداء استصواب شيء بعد أن لم يعلم ... وقال الفراء: بدا لي بدءاً أي ظهر لـي رأي آخر ... وقال الجوهري: وبدا له في الأمر بداء أي نشأ له فيه رأي ... وبدا لـي بداء أي تغير لي رأي على ما كان عليه "( ) .

ويتضح مما سبق أن البداء في لغة العرب يطلق على معنيين :

1- الظهـور بعد الخفاء ومنه قوله تعالى:وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ( )، وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا( ) .
2- نشـأة رأي جديـد لـم يـك موجـوداً، ومنـه قولـه تعالـى:ثُمَّ بَدَا لَهمْ مِـنْ بَعْـدِ مَـا رَأَوْا الآيَـاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّـى حِيـنٍ( ) أي نشـأ لهـم في يوسف رأي جديـد( ) .

لقـد أجـاز الشيعـة علـى الله تعالـى البـداء. أي يظهـر لـه أمر بعدمـا كـان خافيـاً عليــه – تعالـى الله عمـا يقولـون علواً كبيـراً – وقـد ذكـر عنهـم هـذا الإمـام الرازي بقولـه: " قالـت الرافضـة: البداء جائـز علـى الله تعالـى، وهـو أن يعتقـد شيئـاً ثـم يظهر له أن الأمر بخـلاف مـا أعتقـده "( ) .

وقد استدل الشيعة على هذه الفكرة الضالة بآثار نسبوها إلى أئمة طاهرين ومنهـا أن جعفـر الصادق قال: " مـا بـدا لله تعالى في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني "( )، وأن علياً كـرم الله وجهـه كـان يقـول: " لولا البداء لحدثتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة "( ) كمـا نُقل عن جعفر الصادق أيضاً: " لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا من الكلام فيه "( )، ونُقل عن محمد الباقر " ما عُبِدَ الله بشيء مثل البداء "( ) وعن جعفر الصادق " ما عُظِّمَ الله بمثل البداء "( ) .

إن هذه الأقوال مفتريات وأكاذيب نسبوها لهؤلاء الأئمة أعلام بيت النبوة وهم منها براء .
كما أنهم استدلوا بقول الله تعالى:يَمحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ( ) على معنى أنه يظهر له المحو والإثبات( ) .
إن هذا الاستدلال ظاهر البطلان؛ لأن علم الله تعالى من لوازم ذاته المخصوصة، وما كان كذلك كان دخول التغيير والتبديل فيه محالاً، أما المحو والتغيير الوارد في الآية، فهو في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسباباً، ولمحوها أسباباً كمحو السيئات بالحسنات إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ( ) ومحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة وإثبات إيمانهم وطاعتهـم. ولا يلزم مـن ذلك الظهور بعد الخفاء، بل يفعل الله هذا مع علمه به قبل كونه( ).

إن الشيعة لم يقفوا في سرد الروايات والأدلة وتأويل الآيات بما يتفق مع معتقداتهم وأهوائهم إلى هذا الحد بل قالوا: إن نبي الله لوطاً عليه السلام كان يخاف من البداء لله إلى حد أنه طالب ملائكة العذاب أن يعجلوا بقومه العذاب كي لا تتغير إرادة الله فيهم بسبب من الأسباب التي خفيت عليه وتظهر فيمـا بعد، وهذا ينقلوه عن محمد الباقر بعد ذكر رسل الله الذين أرسلوا إلى قوم لوط: " قال لهم لوط: يا رسل ربي فما أمركم ربي فيهم؟ قالوا: أمرنا أن نأخذهم بالسحر، قال: فلي إليكم حاجة. قالوا: وما حاجتك؟ قال: تأخذونهم الساعة، فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم. قالوا: يا لوط:إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ( )( ) .

لقد اتفقت الشيعة الإمامية على إطلاق لفظ البداء على الله تعالى، وهذا أقر به أحد علمائهم وشيخهم الشيخ المفيد عندما قال: " واتفقت الإمامية على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس "( ) .

وهذه العقيدة رغم اتفاقهم عليها إلاّ أننا نجد علماء الشيعة المعاصرين يضطربون عند ذكرها، ولا يجدون عنها مخلصاً إلاّ بالتأويلات الركيكة والتوجيهات الضعيفـة، أو التناقض بين الإثبات والإنكار، فمرة يثبتون لأئمتهم القول بالبداء وأخرى يحاولون تأويل هذا القول وهذا يظهر بوضوح في كلام محمد رضا المظفر عندما عنون في كتابه " عقائد الإمامية " بعنوان عقيدتنا في البداء فقال: " البداء في الإنسان: أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه إذ يحدث عنده ما يغير رأيه وعلمه به، فيبدوا له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح وندامة على ما سبق منه. والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى؛ لأنه من الجهل والنقص، وذلك محال على الله تعالى ولا تقول به الإمامية . قال الصادق(ع): (من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم)، وقال أيضاً: (من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه). غير أنه وردت عن أئمتنا الأطهار - عليهم السلام – روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدم، كما ورد عن الصادق عليه السلام: (ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني)( ) .

إن هذا التناقض الواضح ليدل على أن هذا الكلام لم يصدر عن الإمام جعفر الصادق إذ كيف يقبل العقل أن يكفِّـر مـن يقـول بالبـداء ويتبـرأ منـه ثم بعد ذلك يثبت هو البداء: إلى جانب أن هذا القول مخالف للشرع؟!! إنه الاضطراب والتخبط.
كما ويظهر هذا الاضطـراب فـي كلام أحد دعاتهم محمد الحسين آل كاشف الغطـاء حيـث يعتـرف بالبداء ولكـن يحاول أن يزخرف معتقد الشيعة بأقوال مضطربة وبعبارات ركيكة فيقول: " أما البداء الذي تقـول بـه الشيعـة الذي هو من أسرار آل محمد  وغامض علومهم حتى ورد في أخبارهم الشريفة أنه: ما عبد الله بشيء مثل القول بالبداء. وأنه: ما عرف الله حق معرفته ولم يعرف بالبداء، إلى كثير من أمثال ذلك، فهو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمراً يرسم في ألواح المحو والإثبات، وربما يطلع عليه بعض الملائكة المقربين، أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي، والنبي يخبر به أمته. ثم يقع بعد ذلك خلافه؛ لأنه محاه وأوجد في الخارج غيره، وكل ذلك كان جلت عظمته يعلمه حق العلم، ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطلع عليه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا ولي ممتحن. وهذا المقام من العلم هو المعبر عنه في القرآن الكريم بأم الكتاب المشار إليه ... بقوله تعالى:يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ( ). ولا يتوهم الضعيف أن هذا الإخفاء والإبداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقـع، فـإن فـي ذلـك حِكَمَاً ومصالح تقصر عندها العقول وتقف عندها الألباب "( ).

إن قول الشيعة بالبداء على الله سبحانه وتعالى اعتقاد باطل مردود مرفوض مهما حاولوا تزيينه أو تجميله؛ لأنه مستحيل على الله تعالى لما يلزمه من نسبة الجهل إليه وحدوث علمه، والجهل والحدوث عليه محالان؛ لأن النظر الصحيح في هذا الكون دلنا على أن خالقه ومدبره متصف - أزلاً وأبداً - بالعلم الواسع المطلق المحيط بكل ما كان وما سيكون وما هو كائن، ولا يمكن أن يكون حادثاً ولا محلاً للحوادث، وإلا لكان ناقصاً يعجز عن أن يبدع هذا الكون ويدبره هذا التدبير المعجز، وهكذا يبطل قول الشيعة بدليل العقل، وأما الأدلة النقلية فكثيرة التي تثبت بأنه تعالى قد أحاط بكل شيء علماً، وأنه لا تخفى عليه خافية حيث قال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ( ) وقال أيضاً: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( ) والآيات في ذلك كثيرة .

ولكـن رغـم هـذه البراهين والأدلة الساطعة نجد قوماً سفهوا أنفسهم فأغمضوا أعينهم وصموا آذانهم عن الأدلة النقلية والعقلية، فزعموا أن النسخ ضرب من البداء، أو مستلزم للبداء، ثم قالوا لولا ظهور مصلحة لله ونشوء رأي جديد له، ما نسخ أحكامه، وبدل تعاليمه . ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض، ما ظهر له أمر كان خافياً عليه، وما نشأ له رأي جديد كان يفتقده من قبل، إنما كان سبحانه يعلم الناسخ والمنسوخ - أزلاً - من قبل أن يشرعهما لعباده، بل من قبل أن يخلق الخلق، إلاّ أنه – جلت حكمته – علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم أن الناسخ يجيء في هذا الميقات المعلوم منوطاً بحكمة وبمصلحة أخرى، ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس، وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم، وأن الأحكام وحكمها، والعباد ومصالحهم، والنواسخ والمنسوخات، كانت كلها معلومة لله من قبل، ظاهـرة لديه لم يخف شيء منها عليه. والجديد في النسخ إنما هو إظهاره تعالى ما علم لعباده، لا ظهور ذلك له .

إن الله تعالى يغير ما شاء من شرائعه وخلقه، على وفق علمه وإرادته وحكمته، وعلمه سبحانه لا يتغير ولا يتبدل، إنما التغير في المعلوم لا في العلم بدليل قوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ( ) أي وعنده المرجع الثابت الذي لا محو فيه ولا إثبات، وإنما يقع المحو والإثبات على وفقه، فيمحو سبحانه شريعة ويثبت مكانها أخرى، ويمحو حكماً ويثبت آخر، ويمحو مرضاً ويثبت صحة، ويمحو حياة ويثبت موتاً. فالنسخ تبديل في المعلوم لا في العلم وتغيير في المخلوق لا في الخالق، وكشف لنا وبيان عن بعض ما سبق به علم الله القديم المحيط بكل شيء. وفي هذا دليل واضح على بطلان معتقد الشيعة الإمامية بالبداء على الله تعالى( ) .

ENDNOTE

( ) عقائد الإمامية محمد المظفر ص104 .
( ) تاريـخ المذاهب الإسلاميـة ص52 عـن كتـاب الشافي للشريف المرتضى، وانظر : الإمامة ص27 .
( ) مقالات الإسلاميين 1/121 .
( ) الحكومة الإسلامية للخميني ص52 .
( ) المصدر السابق ص91 .
( ) سورة البقرة : 124 .
( ) مجمع البيان 1/456-457 .
( ) سورة الأحزاب : 33 .
( ) مجمع البيان 22/139 .
( ) سورة طه : 115 .
( ) سورة الكهف : 73 .
( ) صحيح مسلم 1/400 كتاب المساجد باب السهو في الصلاة حديث 572 .
( ) سورة مريم : 64 .
( ) سورة طه : 52 .
( ) انظر : الإمامة ص101، الشيعة في الميزان محمد جواد مغنية ص252 .
( ) الإمامة ص121 .
( ) الحكومة الإسلامية ص26 .
( ) الكافي للكليني 1/397 كتاب الحجة باب في الغيبة رقم 3 .
( ) سورة الملك : الآية 30 .
( ) الكافي للكلِّيني 1/400-401 كتاب الحجة، باب الغيبة ، رقم 14 .
( ) الكافي للكلِّيني 1/401 كتاب الحجة، باب الغيبة رقم 15 .
( ) الشيعة في الميزان، محمد جواد مغنية ص253 .
( ) عقائد الإمامية ص118-119 .
( ) الإمامة ص101 .
( ) الحكومة الإسلامية ص144 .
( ) مقالات الإسلاميين 1/50 الحاشية، بين الشيعة وأهل السنة ص153 .
( ) الفرق بين الفرق ص233-234 .
( ) انظر : لسان العرب 15/402 .
( ) دراسات في الفرق والمذاهب ص30 .
( ) الحركات الباطنية للخطيب ص46 .
( ) دراسة عن الفرق ص153، عقائد الإمامية ص123 .
( ) عقائد الإمامية ص123،ص125 . دراسة عن الفرق ص154 .
( ) عقائد الإمامية ص123 .
( ) انظر : عقائد الإمامية ص124 ، دراسات في الفرق والمذاهب ص31 .
( ) الحكومة الإسلامية ص142 .
( ) عقائد الإمامية ص124 .
( ) الحكومة الإسلامية ص58-59 .
( ) سورة آل عمران : 167 .
( ) سورة آل عمران : 28 .
( ) منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1/159-160 .
( ) انظر : دراسات في الفرق والمذاهب ص31 .
( ) فتح القدير للشوكاني 3/197 .
( ) التفسير الكبير 8/12 .
( ) انظر: المصدر السابق ج8، ص12، ج20، ص97، دراسات في الفرق والمذاهب، ص31.
( ) عقائد الإمامية ص117 .
( ) مجموع الفتاوى 27/451-452، لوامع الأنوار البهية 2/72 .
( ) عقائد الإمامية ص117 .
( ) انظر : ضحى الإسلام ، لأحمد أمين ، 3/241-242، دراسة عن الفرق ص160 .
( ) انظر : مجموع الفتاوى 27/452، دراسة عن الفرق ص159 .
( ) سنن أبي داود 4/106 ، كتاب المهدي رقم 4282، سنن الترمذي 4/505-506 ، كتاب الفتن، باب ما جاء في المهدي رقم 2231-2232 ، وقال عنه حسن صحيح .
( ) التذكرة للقرطبي ص701-702 .
( ) انظر : القاموس المحيط 4/302 مادة بدا، مختار الصحاح ص44 مادة بدا .
( ) لسان العرب لابن منظور 14/66 مادة بدا .
( ) سورة الزمر : 47 .
( ) سورة الجاثية : 33 .
( ) سورة يوسف : 35 .
( ) انظر : مناهل العرفان للزرقاني 2/180-181 .
( ) التفسير الكبير للرازي 19/53 .
( ) عقائد الإمامية ص81 ، بين الشيعة وأهل السنة ص176 .
( ) مناهل العرفان 2/183 .
( ) الكافي للكليني 1/202 كتاب التوحيد ، باب البداء رقم 12
( ) الكافي للكليني 1/200 كتاب التوحيد باب البداء رقم 1 .
( ) الكافي للكليني 1/2000 كتاب التوحيد باب البداء رقم 1 .
( ) سورة الرعد : 39 .
( ) انظر : التفسير الكبير 19/53، مباحث في علوم القرآن ص235 .
( ) سورة هود : 114 .
( ) انظر : تفسير كلام المنان 4/116-117 .
( ) سورة هود : 81 .
( ) الكافي للكلني 5/543-544 ، كتاب النكاح، باب اللواط رقم 5 .
( ) الرد على وافي في كتابه " بين الشيعة وأهل السنة " ص179، عن كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد ص52 .
( ) عقائد الإمامية ص80-81 .
( ) سورة الرعد : 39 .
( ) الرد على وافي في كتابه " بين الشيعة وأهل السنة " ص179-180، عن كتاب أصل الشيعة وأصولها لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء ص148 .
( ) سورة الحديد : 22 .
( ) سورة الأنعام : 59 .
( ) سورة الرعد : 39 .
( ) انظر : مناهل العرفان 2/181-183 .

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية