الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الرضاع عند مذاهب الأربعة

كتاب الرضاع عند مذاهب الأربعة

مباحث الرضاع تعريفه وشروطه
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

مباحث الرضاع

تعريفه

الرضاع - بفتح الراء، وكسرها - ويقال: رضاعة - بفتح الراء، وكسرها - أيضاً، معناه في اللغة أنه اسم لمص الثدي. سواء كان مص ثدي آدمية أو ثدي بهيمة أو نحو ذلك، فيقال لغة لمن مص ثدي بقرة أو شاة: إنه رضعها، فإذا حلب لبنها وشربه الصبي فلا يقال له: رضعه، ولا يشترط في المعنى اللغوي أن يكون الرضيع صغيراً.

أما معناه شرعاً، فهو وصول لبن آدمية إلى جوف طفل لم يزد سنه على حولين (1) - أربعة وعشرين شهراً - فإن شرب صغير وصغيرة لبن بهيمة لا تحرم عليه، ولا فرق بين أن يصل اللبن إلى الجوف من طريق الفم بمص الثدي أو بصبه في حلقه أو إدخاله من أنفه، فمتى وصل اللبن إلى معدة الطفل أثناء مدة الحولين المذكورين بالشروط الآتية كان رضاعاً شرعياً عليه التحريم الآتي بيانه، أما إن كان كبيراً زائداً على الحولين ورضع فإن رضاعه لا يعتبر، وذلك لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فقد دلت الآية الكريمة على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة في نظر الشرع حولان، فلو رضع بعدها ولو بلحظة فلا يعتبر رضاعة ولا يترتب عليه تحريم لقوله صلى اللّه عليه وسلم "لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الحولين" رواه الترمذي وحسنه ومعنى قوله "فتق الامعاء" وصل إليها، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" رواه البيهقي وغيره.

فإن قلت: ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة زوجها بعد البلوغ حتى تكون أماً له فلا يحرم نظره إليها، وذلك لأن سهلة ذهبت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقالت له يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن سالماً مولى أبي حذيفة مضى في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال، فقال: " أرضعيه تحرمي عليه" فهذا صريح في أن رضاع الكبير يوجب التحريم، والجواب أن ذلك كان قبل تحديد مدة الرضاع بالحولين، فنسخ العمل به أو هو خصوصية لسالم وسهلة، لما رآه النبي صلى اللّه عليه وسلم من الضرورة الملحة التي تستلزم الترخيص لأهل هذا البيت، حيث لا يمكن الاستغناء عن دخول سالم بحال، على أن هناك إشكالاً آخر، وهو أن الرضاع يستلزم الثدي ومصه ولمسه وهو محرم. والجواب أنه لا يستلزم لأن التحريم كما يكون بالمص يكون بالشرب، كما عرفت، فيصح أن تكون قد حلبت له ثديها فشرب.

زمن الرضاع عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: في زمن الرضاع رأيان. أحدهما: أنه حولان ونصف حول، أعني ثلاثين شهراً، فإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل في أثناء هذه المدة فإنه يعتبر رضاعاً شرعياً يترتب عليه الأحكام الآتية، أما إذا وصل إليه اللبن بعد انقضاء هذه المدة فإنه لا يكون رضاعاً شرعياً، ثانيهما: أن زمن الرضاع حولان فقط، فإن وصل إليه بعد الحولين لا يكون رضاعاً، والأول رأي أبي حنيفة والثاني رأي صاحبيه، وهل يجب العمل برأي الإمام. أو برأي صاحبيه؟ والجواب: أن الراجح الذي عليه المعول أن ينظر في ذلك إلى قوة الدليل، فمتى كان الدليل القوي في جانب رجح العمل به، ويظهر أن الدليل هنا يؤيد رأي الصاحبين، وبيان ذلك أن اللّه سبحانه قال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً}، ومعنى هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فيبقى أربعة وعشرون شهراً وهي مدة الرضاع، وقد أول الآية بهذا المعنى علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه لعثمان رضي اللّه عنه حيث أراد عثمان أن يحد امرأة جاءت بولد لستة أشهر من حملها، فقال لها علي: كلا إنها جاءت به لأقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر واستدل له بهذه الآية فاقتنع عثمان بذلك، وظاهر أن فهم الآية على هذا الوجه لا تكلف فيه، ولكن الإمام استدل بها على وجه آخر، فقال معنى - حمله وفصاله ثلاثون شهراً - أن كلاً منهما ثلاثون شهراً، فكأنه قال: مدة حمله ثلاثون شهراً ومدة فصاله ثلاثون شهراً، والمراد أكثر مدة الحمل لا أقلها، فتكون مدة الفصال حولين ونصف أعني ثلاثين شهراً، فإذا شرب الطفل في أثنائها فإنه يكون رضيعاً، ولكن ورد على هذا أن أكثر مدة الحمل سنتان لا ثلاثون شهراً، فقد روي عن عائشة أنها قالت: لا يبقى الولد في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بقدر فلكة مغزل، كناية عن قلة الزمن، فأجيب بأن قول عائشة هذا خصص مدة الحمل، فعلم أنها سنتان، وبقيت مدة الفطام على حالها، ولا يخفى ما في هذا الجواب من تكلف ظاهر، إذ لا معنى لكون الآية تنص على أن مدة الحمل قد تكون حولين ونصف حول ويقول الحديث: إنها لا تزيد عن حولين ولا لحظة، وقد بين بعض المحققين هذا بأن ثلاثين شهراً مستعملة في معنيين: أحدهما حقيقي، وهو المفهوم من ثلاثين، والآخر مجازي، وهو أربعة وعشرون الذي دل عليه الحديث، فيكون اللفظ الواحد مستعملاً في حقيقته ومجازه، وعلى كل حال فهو غير جائز لأنه جمع بين الحقيقة والمجاز، لأن اللفظ الواحد، وهو ثلاثون مستعمل في إطلاق واحد في مدلولين، وهما: ثلاثون وأربعة وعشرون، على أن أسماء العدد لا يصح التجوز فيها بإطلاق بعضها على بعض، لما فيه من عدم الضبط والإبهام، ولأنها مختصة بما وصفت له، كالأعلام، وأجاب بعضهم بأن "حمله" مبتدأ خبره محذوف تقديره أربعة وعشرون، و "فصاله" مبتدأ آخر وهو "ثلاثون شهراً" فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وإذا سألت هذا المجيب عن أي دليل في الآية يدل على هذا المحذوف أو يشير إليه أو يرشد إلى حرف واحد منه لا يمكنه أن يدلك عليه، على أن هذا حكم شرعي لا يصح حذفه في مقام البيان مطلقاً، وإلا فإنه يصح لكل واحد أن يقرر ما يشاء ويدعي الحذف، أما حديث عائشة فلا مدخل له في الآية، فإنها تفهم أولاً على حدة، ثم يطبق عليها الحديث، وظاهر أن الفهم الأول هو المتعين والحديث مؤيد له.

فإن قلت: إن كلمة - الأشهر - في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} جمع لا مفرد ولا مثنى، وقد أطلق في الآية على شهرين وبعض شهر، وذلك لأن مدة الحج التي لا يصح عمل من أعمال الحج إلا فيها هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وهذا يصحح إطلاق الثلاثين على أربعة وعشرين في آية {وحمله وفصاله ثلاثون}، والجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن بعض الشهر، وهو عشرة أيام من ذي الحجة، اعتبرت معدوداً، فكانت ثالث ثلاثة فصح إطلاق الجمع عليها.
الثاني: أن كلمة "أشهر" جمع لا اسم جمع، واسم الجمع يشترك فيه ما زاد على الواحد فيطلق على الاثنين والثلاثة.
الثالث: أن كلمة "أشهر" ليست من ألفاظ العدد، فليست مثل "ثلاثين" وقد قلنا: إن ألفاظ العدد لا يصح أن يطلق بعضها على الآخر لأنها مختصة به دون غيره، وبعد هذا كله فيصح أن يكون قد جمع الأشهر باعتبار تعددها في سائر السنين فالدليل يؤيد رأي الصاحبين خصوصاً وقد بين اللّه تعالى مدة الرضاع بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} فالأصح هو قول الصاحبين، وعليه الفتوى.

زمن الرضاع عند المالكية

المالكية - قالوا: مدة الرضاعة حولان وشهران أعني ستة وعشرين شهراً، ولعلهم زادوا الشهرين احتياطاً، ولكن لا يكون الرضاع أثناء هذه المدة رضاعاً شرعياً يترتب عليه التحريم الآتي إلا إذا رضع الطفل قبل أن يفطم، ويستغني عن اللبن، فإذا أرضعته المرضعة قبل أن يفطم في أثناء هذه المدة أو بعد أن فطم بيوم أو يومين فإن ذلك يكون رضاعاً شرعياً ينشر الحرمة باتفاق، أما إن أرضعته بعد الفطام وبعد أن استغنى عن لبن الثدي فإنه لا يكون رضاعاً شرعياً، سواء رضع بعد استغنائه عن الطعام بزمن بعيد، أو قريب على المشهور، مثلاً إذا فطم الطفل بعد سنة وثلاثة أشهر ثم مكث شهراً فطيماً حتى نسي لبن الثدي واستغنى عنه بالطعام فتم له بذلك سنة وأربعة أشهر ثم إذا أرضعته المرضعة بعد استغنائه عن اللبن بخمسة أيام أو أقل أو أكثر فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً وبعضهم يقول: إنه إذا رضع قبل تمام الحولين كان رضاعاً شرعياً ولو كان فطيماً واستغنى عن اللبن، كما يقول الحنفية، ولكن هذا ضعيف ومن هذا كله تعلم أنه لا خلاف بين الأئمة في تحديد زمن الرضاع بالحولين إلا المالكية، فإنهم خالفوا فيما إذا رضع أثناء الحولين بعد الفطام، وزادوا شهرين على الحولين، وهذا هو المشهور عندهم، أما على القول الثاني فهو موافق للأئمة أيضاً، والحنفية على عكس المالكية، فإن المعتمد عندهم موافقة الأئمة، وغير المعتمد هو أن المدة حولان ونصف حول، كما تقدم).

شروط الرضاع

يشترط لتحقيق الرضاع الشرعي الموجب لتحريم النكاح، كما توجبه القرابة والمصاهرة، شروط: بعضها يتعلق بالمرضعة، وبعضها يتعلق بالرضيع، وبعضها يتعلق بلبن الرضاعة، وفيها كلها اختلاف المذاهب )

شروط الرضاع عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: يشترط في المرضعة شرطان: أحدهما أن تكون امرأة آدمية، فلو نزل اللبن لرجل ورضعه طفل فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً، وكذلك إذا نزل لخنثى واضح الذكورة، أما الخنثى المشكل الذي لم يتبين أمره فينظر في لبنه النساء، فإن قلن: إنه غزير وأنه لا يكون هذا اللبن إلا للأنثى فإنه يتعلق به التحريم، وإن قلن: إنه ليس بلبن أنثى فإنه لا يتعلق به شيء، ومثل ذلك ما إذا رضع طفل وطفلة ثدي بهيمة فإنه لا يتعلق به التحريم. ثانيهما: أن تكون بنت تسع سنين فما فوق، فلو نزل اللبن لصغيرة دون تسع سنين ورضعها طفل فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً ولا يتعلق به التحريم، ولا يشترط في المرضعة أن تكون حية فلو ماتت امرأة وبجانبها طفل فالتقم ثديها ورضع منه فإنه يتعلق بالتحريم وكذا لا يشترط أن تكون ثيباً موطوءة، بل إذا نزل اللبن للبكر التي لم تتزوج فأرضعت صبياً صارت أماً له وثبتت جميع أحكام الرضاع بينهما ومثل ذلك ما إذا كانت عجوزاً يئست من الحيض والولادة على أنه إذا نزل للبكر ماء أصفر، فإنه لا يثبت به التحريم، أما إذا كانت ثيباً وتغير لبن رضاعها فصار لونه أصفر، فإنه لا يثبت بها التحريم، وذلك لأنه لبن تغير لونه ويشترط في الرضيع أن يكون لم يتجاوز حولين على المفتى به سنتين ونصف على قول الإمام المتقدم. ويشترط قي اللبن شروط: الأول أن يكون مائعاً بحيث يصح أن يقال فيه: ان الصبي قد رضعه أما إذا عمل جبناً، أو قشدة، أو رائباً. أو نحو ذلك وتناوله الصبي فإنه لا يتعلق به التحريم، لأن اسم الرضاع لا يقع عليه في هذه الحالة، فلا يقال ان الصبي رضع هذا اللبن، وإنما يقال له أكله. الثاني: أن يصل إلى جوف الطفل بواسطة مص الثدي أو بصبه في حلقه، ويقال له: وجور - بفتح الواو - أو بصبه في الأنف ويقال له: سعوط، كرسول، فإذا وصل اللبن إلى الجوف بالصب في الحلق أو بالصب في الأنف ترتب عليه التحريم، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولو قطرة واحدة فلا بد من وصوله إلى الجوف بطريق الصب في الحلق أو الصب في الأنف لا غير فلو وصل اللبن بالتقطير في الأذن بواسطة الحقنة في القبل أو في الدبر فإنه لا يعتبر، وقال محمد: إذا وصل بواسطة الحقنة فإنه يعتبر. الشرط الثالث: أن يصل اللبن إلى الجوف في مدة الرضاع المتقدم، فإذا رضع في أثنائها ولو قطرة وصلت إلى جوفه فإنه يعتبر ولو كان فطيماً مستغنياً عن الطعام فالمدار على التحريم هو أن يرضع في المدة. الشرط الرابع: أن يكون وصوله يقيناً، فلو التقم الحلمة، ولم يعلم هل وصل لبن إلى جوفه أو لا، فإنه يعتبر لأن المانع شك، فلو أعطت المرأة ثديها لطفل، وقالت أن ثديها فيه لبن فإنها تصدق

الشرط الخامس: أن لا يختلط اللبن بالطعام. فإن نزل لبن امرأة في طعام ومسته النار فأنضجته حتى تغير وأكل منه الصبي فإنه لا يعتبر. وكذلك إذا اختلط لبن بجامد لم تمسه النار لأنه خرج عن كونه مائعاً يتعلق به الرضاع، أما إذا خلط بمائع كأن خلط لبن الآدمي بلبن شاة فإنه ينظر، فإن كان لبن الآدمي غالباً فإنه يعتبر وتثبت به الحرمة، وإلا فلا، ومثل ذلك ما إذا خلط بماء، أو دواء أو نحو ذلك، ومعنى كونه غالباً هو أن يرى منه طعمه أو لونه وإن استويا، فإنه يعتبر ويتعلق به التحريم، وهذه الصورة نادرة الوقوع.

شروط الرضاع عند المالكية

المالكية - قالوا: يشترط في المرضعة أن تكون امرأة فلو كانت بهيمة فإن الرضاع منها لا يعتبر وكذا إذا نزل اللبن لرجل فإنه لا يحرم ولو كان كثيراً، فإن كان لبن خنثى مشكل فإنه ينشر الحرمة على الظاهر، ولا يشترط أن تكون المرضعة على قيد الحياة، بل إذا ماتت ودب طفل وارتضع ثديها وعلم أن الذي بثديها لبن فإنه يعتبر وكذا إن شك فيه هل هو لبن أو لا فإنه ينشر الحرمة، وكذا لا يشترط أن تكون كبيرة، بل إذا نزل اللبن للصغيرة التي لا تطيق الوطء فرضعها طفل فإنه يعتبر، ومثل ذلك ما إذا كانت عجوزاً قعدت عن الحبل والولادة ويشترط في الرضيع أن يكون صغيراً لم يتجاوز حولين وشهرين على المشهور، فإذا رضع بعد هذه المدة فإن رضاعه لا يعتبر باتفاق، أما إذا رضع في أثناء المدة ففيه التفصيل المتقدم، ويشترط في اللبن شروط: أحدها أن يكون لونه لون لبن فإذا كان أصفر أو أحمر فإنه لا يعتبر. ثانيها: أن يصل إلى جوف الصبي بمص الثدي أو بصب اللبن في حلقه، ويقال له: وجور، أو بصبه في أنفه، ويقال له سعوط، ومتى وصل اللبن إلى جوفه من الفم فإنه يعتبر وينشر الحرمة، سواء كان كثيراً أو قليلاً، ولو قدر مصة واحدة، أما إذا وصل من الدبر بواسطة الحقنة فإنه يحرم إذا كان يكفي لغذاء الطفل وقت وصوله ولو احتاج إلى غذاء بعد ذلك بزمن قريب ولا يعتبر إذا وصل إلى الجوف من الأذن أو العين أو مسام الرأس، ولو تحقق وصوله إلى الجوف. ثالثها: أن لا يخلط لبن المرأة بغيره من طعام أو شراب أو دواء، فإن خلط وكان غيره غالباً عليه بحيث قد استهلك ولم يبق له طعام فإنه لا يعتبر أما إذا كان هو غالباً أو مساوياً فإنه يعتبر وينشر الحرمة وإذا عمل لبن المرأة جبناً أو سمناً وأخذه الطفل فإنه ينشر الحرمة على الظاهر.

شروط الرضاع عند الشافعية

الشافعية - قالوا: يشترط في المرضعة شروط: أحدها أن تكون أنثى آدمية، فلو رضع طفل وطفلة من ثدي بهيمة فإن رضاعها لا يعتبر ولا يوجب التحريم بينهما وكذا لو رضع طفل من لبن رجل أو لبن خنثى مشكل لم يتبين كونه امرأة فإن رضاعه لا يتعلق به تحريم، ولكن إذا رضعت طفلة لبن رجل أو خنثى مشكل ثم تبين أنه رجل فإنه يكره لهما التزوج من التي رضعت منهما. ثانيهما: أن تكون المرضعة على قيد الحياة، فإذا دب الطفل إلى ميتة ورضع من ثديها فإن رضاعه لا يعتبر ولا ينشر الحرمة، ومثل الميتة من كادت تفارق الحياة ولم يبق فيها سوى حركة مذبوح. ثالثها: أن تكون المرضعة سن تسع سنين قمرية تقريبية، وهذه السن هي سن الحيض، فيعتبر الرضاع منها ولو لم يحكم ببلوغها لأن سن الحيض يجعلها تحتمل أن تلد.

والحاصل أن الشافعية يشترطون في المرضع أن تبلغ تسع سنين تقريباً، فلا يضر نقصها بما يسع الحيض والطهر منه، ولو لم تحض بالفعل، وقد يرد على هذا أن اللبن إنما ينشأ عن الولادة، والتي لم تحض بالفعل لا يتصور منها ولادة، ومقتضى هذا أن لبنها لا يحرم، وأجيب هذا بأن بلوغ هذا السن - وهو سن الحيض - يترتب عليه احتمال كونها تحيض وتحبل وتلد، وهذا الاحتمال كاف في اعتبار اللبن الذي نزل في للصغيرة في هذا السن، وذلك لأن التحريم بالرضاع تابع للتحريم بالنسب لأن اللبن جزء من المرضعة، وهو ناشئ بسبب الولد المتولد من مني الرجل ومني المرأة، فإذا امتصه الصبي كان كأنه جزء من المرأة والرجل، فاللبن نزل منزلة المني الذي ثبت به نسب الولد فثبوت التحريم بالرضاع تابع لثبوت التحريم بالنسب، ومعلوم أن النسب يثبت بالاحتمال، فكذلك فرعه المشابه له يكفي في ثبوته الاحتمال، ولهذا لا يشترط أن تكون المرضعة ثيباً، فلو كانت بكراً ونزل لها اللبن في هذه السن فإنه يعتبر ويحرم، فلا يشترط أن يكون اللبن ينشأ عن الحبل بالفعل، فإذا كانت في سن لا تحتمل فيه الولادة فإن لبنها لا يعتبر ولا يحرم.

ويشترط في الرضيع أن يكون حياً، فلو فرض وصب في حلق طفل ميت لبن امرأة فإنه لا يعتبر، وإن يكون صغيراً لم يتجاوز الحولين، فإن تجاوزهما، ولو بلحظة، فإن رضاعه لا يحرم، وإذا شك في أنه تجاوز الحولين أو لا فإنه لا يحرم، لأن الشك في سبب التحريم يسقط التحريم، فإذا رضع الطفل أربع رضعات وفي أول الرضعة الخامسة تم حولان يقيناً، وهو يرضعها فإنه لا يعتبر، وما مضى من الرضعات الأربع يلغى خلافاً للحنابلة في هذه الحالة.

ويشترط في اللبن شرطان: أحدهما يتعلق بكميته ومقداره، وثانيهما يتعلق بحالته وكيفية وصوله إلى جوف الصبي. فأما الأول، فإنه يشترط أن يرضع الطفل من المرضعة خمس مرات يقيناً، بحيث لو شك في أنه رضع خمس مرات أو لا، فإنه لا يعتبر، ثم إن الرضعة لا تحسب إلا إذا عدت في العرف رضعة كاملة، بحيث يتناول الطفل الثدي ولا ينصرف عنه إلا لضرورة تنفس، أو بلع ما في فمه، أو الانتقال من ثدي إلى ثدي آخر، أما إذا قطعه ولم يعد إليه فإنها تحسب رضعة، ولو لم يأخذ سوى مصة واحدة، وكذا إذا قطعته المرضعة ولم تعد إليه، أما إذا قطعته لشغل خفيف ولو عادت إليه سريعاً فإنها تحسب رضعة واحدة، وقد وافق الشافعية في هذا العدد الحنابلة، وإن خالفوهم في بعض التفصيل المذكور، كما ستعرفه، وأما الحنفية. والمالكية فإنهم خالفوا هذا ولم يشترطوا عدداً، بل قالوا: كل ما وصل إلى جوف الصبي من لبن المرضعة ولو قليلاً يوجب التحريم، وقد عرفت اختلافهم في التفصيل المتقدم.

فيتحصل من هذا أن الشافعية والحنابلة يقولون: إن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس مرات، والمالكية، والحنفية يقولون: إن الرضاع يحرم مطلقاً قليلاً كان أو كثيراً ولو قطرة.
وقد استدل الشافعية، والحنابلة بما رواه مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان فيما أنزل اللّه في القرآن أن عشر رضعات معلومات يحرمن - فنسخن بخمس معلومات - فتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما يقرأ من القرآن، وأيضاً روى مسلم" لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان".

ويؤخذ من كتب الشافعية، والحنابلة أنهم فهموا من خبر عائشة الأول ما هو ظاهر منه، وهو أنه كان من بين آي القرآن الحكيم آية - عشر رضعات معلومات يحرمن ومعنى معلومات متحققات لا شك فيهن، ومعنى يحرمن يوجبن التحريم بين المرضعة وزوجها، وبين الرضيع في الزوجية على الوجه السابق، ثم نسخت هذه الآية في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم لفظاً ومعنى بآية أخرى، وهي - خمس معلومات يحرمن - فبعد أن كانت الرضعات المحرمات عشراً صارت خمساً فقط واستمر العمل بهذا، ثم رفع لفظ - خمس رضعات يحرمن - من القرآن قبيل وفاة الرسول عليه السلام وبقي العمل بحكمه، فمعنى، قول عائشة: فتوفى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن، يذكر حكمها على أنها كانت آية في القرآن، لا أنه كان يتلى قرآناً بعد وفاة الرسول عليه السلام، وعلى فرض أنه كان يتلى فيكون ذلك بالنسبة لمن لم يبلغه النسخ.

ويرد على هذا أمران: أحدهما أن المسلمين قد أجمعوا على أن القرآن هو ما تواتر نقله عن رسول اللّه عن رب العزة، فكيف يمكن الحكم بكون هذا قرآناً، خصوصاً قد صرح بعض أئمة المسلمين بأنه لا يجوز الحكم على كتاب اللّه المتواتر بما ليس بمتواتر، وعلى هذا فمن المشكل الواضح ما يذكره المحدثون من روايات الآحاد المشتملة على أن آية كذا كانت قرآناً ونسخت على أن مثل هذه الروايات قد مهدت لأعداء الإسلام إدخال ما يوجب الشك في كتاب اللّه من الروايات الفاسدة، فمن ذلك ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين ليستا من كتاب اللّه، فإن معنى هذا التشكيك في كتاب اللّه المتواتر كلمة كلمة وحرفاً حرفاً، ولهذا جزم الفخر الرازي بكذب هذه الرواية، ومن ذلك ما قيل من أن آية القنوت كانت موجودة في مصحف أبي ثم سقطت.

فهذا وأمثاله من الروايات التي فيها الحكم على القرآن المتواتر بأخبار الآحاد، فضلاً عن كونه ضاراً بالدين فيه تناقض ظاهر. ثانيهما: ليس في حديث عائشة ما يدل على نسخ خمس رضعات، فلماذا لا تكون قد سقطت، كما يقول أعداء الدين؟ ومع تسليم أن فيه ما يدل، فما فائدة نسخ اللفظ مع بقاء حكمه؟ ومع تسليم أن له فائدة، فما هو الدليل الذي يدل على أن اللفظ قد نسخ وبقي حكمه؟.
وقد أجيب عن الأول بأنه لم يقل أحد أن خبر عائشة يفيد قرآنية هذه الكلمات فتعطى حكم القرآن، وإنما الذي يفيده خبر عائشة ظن أن هذا الحكم كان موجوداً في القرآن، وهذا الظن كاف في إثبات الحكم الفقهي.

ثم إن هناك فرقاً بين ما روي عن ابن مسعود من كون المعوذتين ليستا من القرآن وبين خبر عائشة الموجود معنا، فإن الأول فيه نفي للقرآن المتواتر يقيناً، ومن ينكر شيئاً من القرآن المتواتر يقيناً فإنه يخرج عن الدين، فيجب تكذيب ما روي عن ابن مسعود من إنكار المعوذتين تكذيباً باتاً وتكذيب كل رواة مماثلة لها، أما خبر عائشة فإنه يفيد أن هذا قرآن ونسخ في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلا يصح أن يعطى حكم القرآن على كل حال، ومع ذلك فإن الخبر لا يفيد إلا الظن، ففي كونه قرآناً لا يضر، وقد يقال: إنه مع وجاهة هذا الجواب لا يزال الإشكال قائماً وهو أنه إذا صح نفي كونه قرآناً فلا يصح الاحتجاج به، لأن الاستدلال به قائم على كونه قرآناً فمتى نفيناّ كونه قرآناً فقد انتفى الحكم الدال عليه، فالمعترض يقول: إنكم تقولون: إن هذا الحكم كان موجوداً في القرآن، وذكرتم نصه بآية قلتم: إنها كانت في القرآن، والفرض أن القرآن هو ما ثبت بالتواتر، وكل ما لا يثبت بالتواتر لا يكون قرآناً، فهذا ليس بقرآن، ومتى ثبت أنه ليس بقرآن فإنه لا يصح الاحتجاج به، فإن قلتم: إنه لا يلزم من انتفاء كونه قرآناً انتفاء الحكم، لأنه يكون من قبيل الحديث الثابت بخبر الآحاد، قلنا: وهذا أيضاً لا يصح لأن عائشة لم تروه على أنه حديث، وعلى فرض أنها روته كذلك فإنكم قلتم: إنه صح نفيه: فيقال: إن خمس رضعات يحرمن ليست بقرآن ومتى صح ذلك فإن الحكم الذي دل عليه اللفظ ينتفي طبعاً، ولا يقال أيضاً: إن خبر عائشة يفيد أنه كان قرآناً قطعاً في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم، وليس بقرآن بالنسبة لنا لعدم تواتره، لأنا نقول: إن خبر عائشة لا يفيد إلا الظن فمن أين يأتي القطع؟
: - يشترط لتحقيق الرضاع الشرعي الموجب لتحريم النكاح، كما توجبه القرابة.

أما الجواب عن الاعتراض الثاني فإن القرآن قد تواتر نقله كلمة كلمة وحرفاً حرفاً وانحصر في الموجود بين دفتي المصحف، فلا يحتمل سقوط كلمة واحدة منه، فلا سبيل للقول بأن خمس رضعات كانت موجودة وسقطت، وقد دل الحديث على أنها كانت فيه، فلما لم تتواتر علمنا أن لفظها نسخ وبقي حكمها، وهذا الجواب حسن، ولكن نسخ اللفظ وبقاء معناه لم تظهر له فائدة ما معقولة، بل قد يقال عليه، ان نسخ الأحكام معقول لأنها تابعة لأحوال الأمم وتطوراتها، فلها فائدة واضحة، بل قد تكون الأحكام الوقتية ضرورية لأمة حديثة العهد بالتشريع، أما رفع اللفظ مع بقاء معناه فإن دل على شيء فإنه يدل على أن هذا اللفظ لا يناسب وضعه في هذه الجملة فلما وضع وظهر فساده حذف، وهذا مستحيل على اللّه تعالى العليم الخبير، ومع هذا فقد يقال: إن الحكم لا بد له من لفظ يدل عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدل عليه؟ فإن قلتم أنه دل عليه قبل رفعه: قلنا وقد انتفت الدلالة بعد رفعه فلم يبق للحكم دليل فإن قلتم: إن دليل الحكم اللفظ الذي يبينه به الرسول، قلنا أن الحكم في هذه الحالة يكون ثابتاً بالحديث لا بالقرآن المنسوخ، فالحق أن القول بجواز نسخ اللفظ مع بقاء المعنى واه، ومع ذلك كله فأي دليل يدل على أن اللفظ نسخ وبقي معناه؟ أنه لا دليل لا في قول عائشة ولا في غيره.

وبعد، فقد أول بعض المحققين خبر عائشة هذا بأنه ليس الغرض منه أن ذلك كان آية من كتاب اللّه، بل كان حكماً من الأحكام الشرعية التي أوحى اللّه بها إلى رسوله في غير القرآن، وأمر القرآن باتباعها فمعنى قولها: كان فيما أنزل اللّه في القرآن عشر رضعات معلومات الخ، كان من بين الأحكام التي أنزلها اللّه على رسوله، وأمرنا باتباعها في القرآن أن عشر رضعات لا شك فيها يحرمن، ثم نسخ هذا الحكم بخمس رضعات معلومات يحرمن، وتوفي رسول اللّه وهذا حكم باق لم ينسخ، فأما كونه منزلاً موحى به فذلك لأنه صلى اللّه عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأما كوننا مأمورين باتباع ما جاء به الرسول من الأحكام فلأن اللّه تعالى قال: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، فلو أن الشافعية والحنابلة رضوا بهذا التأويل لخرجت المسألة من كونها قرآناً إلى كونها حديثاً صحيحاً، وتكون دلالته على ما يريدونه ظاهرة، ومع ذلك فإن الشافعية قد أولوا قول عائشة فتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يقرأ - بأنه يذكر حكمه - وهذا التأويل يقربهم إلى تأويل الحديث كله بالمعنى الذي أشرنا إليه، وقد جاء مثل هذا التأويل فيما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب بأن رجم الزاني المحصن نزل في كتاب اللّه، فقال: إن معناه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد رجم فعلاً، واللّه تعالى قال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فيكون الرجم على هذا مذكوراً في كتاب اللّه، أما ما نقله البخاري تعليقاً من أن الذي كان في كتاب اللّه ورفع لفظه دون معناه، فهو - الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة الخ - فإنني لا أتردد في نفيه لأن الذي يسمعه لأول وهلة يجزم بأنه كلام مصنوع لا قيمة له بجانب كلام اللّه الذي بلغ النهاية في الفصاحة والبلاغة، فضلاً عن كونه لا ينتج الغرض المطلوب فإن الرجم شرطه الإحصان، والشيخ في اللغة من بلغ سن الأربعين، فمقتضى هذا أنه يرجم ولو كان بكراً لم يتزوج، وكذا إذا زنا الفتى في سن العشرين مثلاً وهو متزوج فإنه لا يرجم، فمثل هذه الكلمة لا يصح
مطلقاً أن يقال: إنها من كتاب اللّه.

والحاصل أن الأخبار التي جاء فيها ذكر كلمة من كتاب اللّه على أنها كانت فيه ونسخت في عهد رسول اللّه فهذه لا يطلق عليها أنها قرآن ولا تعطى حكم القرآن باتفاق، ثم ينظر إن كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإن الإخبار بها يعطى حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنها لا تصلح للدلالة على حكم شرعي لأن دلالتها موقوفة على ثبوت صيغتها وصيغتها يصح نفيها باتفاق، فكيف يمكن الاستدلال بها؟ فالخير كل الخير في ترك مثل هذه الروايات. أما الأخبار التي فيها أن بعض القرآن المتواتر ليس منه، أو أن بعصاً منه قد حذف فالواجب على كل مسلم تكذيبها بتاتاً. والدعاء على راويها بسوء المصير، لأن إدخال شيء في كتاب اللّه ليس منه، وإخراج شيء منه ردة نعوذ باللّه منها.

وأما الدليل الثاني، وهو ما رواه مسلم من أن الرضعة أو الرضعتين لا يحرم، فقد رده الحنفية والمالكية فقالوا: إما أن يكون منسوخاً أو تكون روايته غير صحيحة. وذلك لأن اللّه تعالى قال: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} فاللّه سبحانه لم يقيد الرضاعة بأي مقدار.

وقد روي عن ابن عمر أنه قيل له: أن ابن الزبير يقول: ولا بأس بالرضعة أو الرضعتين فقال قضاء اللّه خير من قضائه، قال تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} واستدلال ابن عمر بهذه الآية فيه رد للحديث المذكور" لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان" إما بنسخ هذا الحديث وإما أن تكون الرواية غير صحيحة، وظاهر هذا أن إطلاق الكتاب الكريم في مقام التشريع والبيان لا يصح تقييده بخبر الواحد، لما عرفت من أن الأحاديث الظنية لا يصح أن تعارض المتواتر، ولهذا قال ابن عمر: قضاء اللّه خير من قضاء ابن الزبير، لأن ابن الزبير لم يقل ذلك من تلقاء نفسه، بل لا بد أن يكون مستمسكاً بحديث، فقال له ابن عمر: إن كتاب اللّه هو الذي يجب العمل به، وحيث ورد مطلقاً فلا يقيده الحديث، ثم لينظر بعد ذلك للحديث، فإما أن تكون رواية غير صحيحة، وبذلك ينتهي الإشكال، وإما أن يكون صحيحاً ولكنه نسخ بهذه الآية أو بحديث آخر، وفي هذا كلام في علم الأصول ليس هذا محله.

وأما الشرط الثاني المتعلق بحالة اللبن وكيفية وصوله إلى جوف الطفل: فهو أنه يشترط أن يصل اللبن إلى المعدة أو الدماغ بواسطة الفم والصب في الحلق، ويقال له: الوجور، أو الصب في الأنف، ويقال له: السعوط، وبذلك ينفذ إلى الدماغ، أما إذا وصل إلى الجوف بحقنة من القبل أو الدبر أو وصل إلى الدماغ بتقطير في الأذن والقبل فإنه لا يتعلق به تحريم، وبعضهم قيد التقطير في الأذن بما إذا لم يصل إلى الدماغ، وإلا فإنه يعتبر، كما إذا وصل إلى الدماغ من منفذ عارض، كما إذا فتح بجراحة ونحوها، ولا يخفى أن هذه صور فرضية محضة لا يكاد تقع إلا قهراً، كما إذا مرض الطفل وتوقف دواؤه على لبن امرأة فحقن بلبن أجنبية. أو غذي به، أو نحو ذلك، فإذا لم يصل اللبن إلى المعدة أو الدماغ بأن تقايأه قبل وصوله، فإنه لا يعتبر، ولا يشترط في اللبن أن يكون سائلاً بل إذا عمل جبناً أو قشدة أو نحو ذلك وتناول منه الصبي كان رضاعاً شرعياً ينشر الحرمة، وكذا لا يشترط أن لا يكون مخلوطاً بغيره، بل ينشر الحرمة مطلقاً، سواء خلط أو لا، وسواء غلب على غيره أو لا، وسواء أرضعته كل المخلوط أو بعضه، ولكن يشترط في هذه الحالة تحقق وصول شيء من اللبن في الجوف في كل رضعة من الرضعات الخمس التي تقدم بيانها.
وإذا حلبت المرضعة لبن الرضعات وصب في حلق الصبي خمس مرات يحسب مرة واحدة أما إذا حلبت لبن خمس مرات وصب في حلقه مرة واحدة فإنه يعتبر خمساً.

شروط الرضاع عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: يشترط في المرضع شرطان: أحدهما أن تكون امرأة، فلو كانت بهيمة أو رجلاً، أو خنثى مشكلاً فإن الرضاع لا يعتبر ولا يوجب التحريم، ثانيهما: أن تكون ممن تحمل فإذا رضع من امرأة لا تحمل فإن رضاعه لا يعتبر، ولا فرق في التحريم بين أن تكون المرضعة على قيد الحياة، أو رضع منها وهي ميتة، مادام اللبن ناشئاً عن الحمل بالفعل. فإذا كانت عجوزاً أو يائسة من الحيض والحبل، ولم يكن لبنها ناشئاً من حبل سابق" فإن الرضاع منها لا يحرم" خلافاً للحنفية والمالكية، أما الشافعية فإنهم وإن قالوا: إن المعتبر هو اللبن الناشئ من الحمل إلا أنهم اكتفوا في ذلك باحتمال الحمل، ومتى بلغت سن تسع سنين، وهو سن الحيض عندهم، كان حملها وولادتها محتملين، ولو لم تحض بالفعل، لأن حيضها محتمل أيضاً، فالاحتمال عندهم كاف، أما الحنابلة فإنهم يشترطون أن يكون اللبن ناشئاً من الحمل ولذا قالوا في تعريف الرضاع: إنه مص أو شرب لبن ثاب من حمل، وثاب بمعنى اجتمع، أي اجتمع في ثدي المرأة، أو بمعنى رجع إلى ثدي المرأة بسبب الحمل، أما الرضيع فيشترط فيه أن يكون طفلاً لم يتجاوز الحولين، فإن تجاوزهما ولو بلحظة لا يعتبر رضاع، ولا فرق بين أن يكون قد رضع في أثناء الحولين بعد فطامه.أو لا وإذا رضع الطفل أربع مرات وبلغ الحولين يقيناً في أول الخامسة فإن رضاعه يعتبر اكتفاء بالرضاع الذي مضى، أما اللبن فيشترط في مقداره أن يكون خمس رضعات، وتعتبر الرضعة بترك الصبي للثدي، فإذا أعطي الثدي للطفل فامتصه ثم تركه ولو قهراً عنه، كأن قطعته المرضعة أو قطعه للتنفس، أو للانتقال من ثدي إلى ثدي فإنها تحتسب عليه رضعة من الخمس، خلافاً للشافعية في هذا التفصيل، ويشترط أن يصل إلى المعدة من طريق الفم، أو بالصب في الحلق، أو الأنف ويقال للأول: وجور، وللثاني سعوط، كما تقدم.
وإذا فرض وعمل لبن الثدي جبناً أو قشدة وأكل منه الطفل فإنه يعتبر كالرضاع، وكذا إذا خلط بماء ونحوه وبقيت صفات اللبن به فإنه يحرم، أما إذا استهلكت صفاته في الماء فإنه لا يحرم وإذا نزل اللبن في حلقه ثم تقايأه، ولم يصل إلى جوفه لا يحرم، وكذا إذا وصل بحقنة من القبل أو الدبر فإنه لا يحرم لأنه ليس برضاع وليس بمغذ في هذه الحالة).

مبحث من يحرم بالرضاع ومن لا يحرم

*-قال رسول اللّه صلى اللّه وعليه وسلم: "يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب" رواه الشيخان، هذا الحديث يدل على أن الرضاع يحرم الأصناف التي حرمها النسب، وهي سبعة أصناف:
الأول: الأم، سواء كانت أماً مباشرة، أو أماً بواسطة الأب والجد، فيشمل الجدة وإن علت سواء كانت جدة لأب، أو جدة لأم.
الثاني: البنت والمراد بها البنت الصلبية، وهي بنت الإنسان مباشرة، أو البنت بالواسطة، وهي بنت البنت وإن نزلت، وبنت الابن وإن نزلت.

الثالث: الأخت، سواء كانت شقيقة أو لأب، أو لأم.
الرابع: بنت الأخت بأقسامها، وإن نزلت.
الخامس: بنت الأخ، سواء كان شقيقاً، أو لأب، أو لأم، وإن نزلت.
السادس: العمات، فالعمة محرمة. سواء كانت أخت الأب شقيقته أو أخته لأبيه، أو أخته لأمه، أما عمة العمة فإنها لا تحرم إلا إذا كانت العمة القريبة شقيقة للأب، أو كانت أخته لأبيه أما كانت أخته لأمه فإن عمتها لا تحرم، مثلاً عمة محمد فاطمة أخت أبيه إبراهيم شقيقته، ولدهما جده هاشم من جدته محبوبة، ولجده هاشم هذا أخت اسمها خضرة، فخضرة هذه عمة محمد والعمة وهي فاطمة لأنها أخت أبيها هاشم، وهي عمة إبراهيم أيضاً والد محمد فخضرة هذه عمة محمد بالواسطة فهي محرمة عليه كعمته فاطمة بلا فرق،ومثل ذلك ما إذا كان فاطمة أخت إبراهيم من أبيه هاشم فقط، ولها أم أخرى اسمها نائلة تزوجها هاشم على محبوبة أم إبراهيم، ولهاشم أخت اسمها خضرة فإن خضرة أيضاً تكون محرمة على إبراهيم لأنها لا زالت عمة عمته فاطمة أخت هاشم جد محمد، أما إذا كانت فاطمة أخت إبراهيم من أمه محبوبة،، ولها أب آخر اسمه حامد، ولحامد هذا أخت اسمها خضرة فإنها تحل لمحمد لأنها ليست أخت جده هاشم، بل هي أخت حامد الأجنبي زوج جدته محبوبة قبل أن تتزوج بجده، فلا علاقة له بها، مثل ذلك ما إذا كانت عمة الأم مثلاً: أحمد أمه ناعسة بنت إسماعيل بن محمد، ولإسماعيل أخت اسمها وردة، فوردة هذه عمة لناعسة، وهي محرمة على أحمد لأنها عمة أمه، سواء كانت أخت إسماعيل لأبيه أو أمه، وذلك لأنها أخت جده لأمه، ولكن كانت وردة أخت إسماعيل لأمه فلم يكن والدها محمداً أبا إسماعيل، بل كان لها والد آخر اسمه رياض مثلاً، وكان رياض أخت اسمها فوزية مثلاً، فإنها تكون عمة لوردة عمة أم أحمد، ولكنها تحل لأحمد. وعلى هذا القياس في عمات الأجداد وعماتهن، سواء أجداد الآباء، أو الأمهات فالعمات يحرمن من أي نوع وإن علون، عمات العمات يحرمن إذا كن من جهة الآباء لا من جهة الأمهات.

الصنف السابع: الخالات، وخالات الخالات، فالخالات محرمات من أي نوع، سواء كن شقيقات الأمهات، أو أخواتهن لأب أو لأم، وأما خالات الخالات فإنهن يحرمن إذا كن شقيقات أمهات الأمهات، أو كن إخواتهن لأم فقط عكس عمات العمات، فإنهن لا يحرمن إلا إذا كن من جهة الآباء كما تقدم، وإليك مثلاً في الحالات، وخالات الخالات تقيس عليه الباقيات.
إبراهيم أمه هانم لها أخت اسمها نفيسة ولدها أبو طالب من زوجته ظريفة، فنفيسة خالة إبراهيم شقيقة أمه محرمة عليه، ومثل ذلك ما إذا كانت نفيسة أخت هانم من أبيها أبي طالب فقط ولها أم أخرى غير ظريفة اسمها مريم، أو كانت أخت هانم من أمها ظريفة فقط لها أب آخر اسمه علي، فإذا كانت هانم أخت نفيسة لأبيها أبي طالب فقط، وأمها مريم لها أخت اسمها سعدية، فإن سعدية تحل لإبراهيم وإن كانت خالة خالته نفيسة، لأنها في هذه الحالة خالة لنفيسة فقط، وليست خالة لأختها هانم، بل تكون أختاً لزوجة أبيها أبي طالب، فهي حلال لأبنها إبراهيم، أما إذا كانت أخت نفيسة لأمها ظريفة فقط، وكان لظريفة أخت اسمها شريفة كانت شريفة في هذه الحالة خالة نفيسة وخالة هانم أم إبراهيم، فلا تحل له لأنها خالته بالواسطة، فهذه هي الأنواع السبعة المحرمة من النسب، فتحرم بالرضاع على هذا التفصيل.

فإذا رضع الطفل الأجنبي من امرأة كانت أمه فيحرم عليه أن يتزوجها، كما يحرم عليه أن يتزوج بنتها أو بنت بنتها وإن نزلت لأنها أخته وبنت أخته، ولا بنت ابنها وإن نزلت لأنها بنت أخيه، ولا أختها، لأنها خالته، ولا أمها لأنها جدته، ومثل ذلك زوج مرضعته الذي جاءها اللبن منه. فإنه يكون أباً له فيحرم عليه أيتزوج بنته لأنها أخته، ولو كانت من امرأة أخرى، ولا بنت بنته وإن نزلت، ولا بنت ابنه كذلك، وكذا يحرم عليه أن يتزوج أخت أبيه من الرضاع لأنها عمته، ولا أمه لأنها جدته، وكذل يحرم على الرجل زوج المرضعة أن يتزوج بنت ابنه من الرضاعة، ولا بنتها إن نزلت، أم أمه فإنها تحل له كما حلت له أم ابنه نسباً، جدته وأخته كما سيأتي قريباً.
وكذلك لأخ الرضيع أن يتزوج أخت أخيه من الرضاع، كما لغيره من حواشيه، وذلك لأن الحرمة بالنسبة للرضيع لا تسري إلا على فروعه فقط، فلآبائه أن يتزوجوا بأم المرضعة وأخواته من الرضاع، وكذلك لحواشيه من أعمامه وأخواله وإخوته وغير ذلك كما يأتي، أما المرضعة فتحرم أصولها وفرعها وحواشيها دائماً، فلا يحل للرضيع ولا فروعه التزوج منهم، وأما زوجها ذو اللبن فذلك تسري الحرمة منه إلى أصوله وفرعه وحواشيه، فلا يحل للرضيع، أحد منهم، فإذا كان الطفل أنثى، فإنه يجري منه التفصيل المذكور، وهو أن المرضعة تكون أماً له، ويكون زوجها الذي جاءها منه اللبن أباها فتحرم البنت الرضيعة على أصول هذه المرأة، وهم آباءهم لأنهم أجدادها لأمها، كما تحرم على فروعها لأنهم إخوتها، وكذلك تحرم على أخوات المرضعة، لأنهم أخوالها، ومثل أخوال المرضعة في ذلك زوجها الذي جاء منه اللبن، فإن الرضيعة بنته من الرضاع فلا تحل له، وأخت أولاده مطلقاً، سواء كانوا من أمها المرضعة كما قلنا أو من زوجة أخرى. فلا تحل لواحد منهم كما لا تحل لإخوته لأنهم أعمامها، ولا لأعمامه لأنها بنت أخيهم. ولا لأخواله لأنها بنت ابن أختهم. وأما أولاد الرضيعة فإنهم لا يحلون كذلك لأمها من الرضاع لأنها جدتهم. ولا لأولادها لأنهم أخوال وخالات لهم، ولا لآباء المرضعة لأنهم أجدادهم وجداتهم.
وبالجملة فلا يحلون لأصول المرضعة وفروعها وحاشيتها، وكذلك الرجل صاحب اللبن فإن أولاد الرضيع لا يحلون لأصوله وفروعه وحواشيه، أما أصول الرضيعة وحواشيها فلا يسري إليهم التحريم، فيحل لأب البنت الرضيعة أن يتزوج أمها من الرضاع وجدتها، وأختها، وخالتها، وعمتها وهكذا. كما يحل ذلك لأخيها، وعمها وهكذا.

هذا إذا رضع الطفل، أما إذا رضع أبوه، أو جده أو جدته أم أبيه، أو رضعت أمه، أو جدته لأمه من امرأة كانت المرضعة في الحالة الأولى جدة له من جهة الأب فأبناؤها وبناتها أعمام له أو عمات، وفي الحالة الثانية كانت المرضعة جدة له من جهة الأم فأبناؤها وبناتها أخوال له. وخالات. فيجري التحريم على هذا الوجه. ويمكن تعريف الأم في الرضاع بأنها هي التي أرضعت الطفل، أو أرضعت من ينتهي نسبه إليها بالولادة، فيشمل من أرضعت آباءه وأمهاته، وتعريف بنت الرضاع بأنها التي أرضعتها زوجة الرجل، أو بنته، أو زوجة ابنه، فيشمل البنت مباشرة، وبنت البنت، وبنت الابن، وسيأتي استثناء في بعض صور هذه الأخيرة، وتعريف أخت الرضاع بأنها كل بنت ولدتها المرضعة، أو ولدها زوجها الذي جاء منه اللبن،وكذا كل من رضعت مع الولد من ثدي واحد، لا فرق بين أن يكون الولد الثاني ابناً للمرضعة من النسب، أو من الرضاع، وكذا لا فرق بين أن يكونا قد رضعا في زمن واحد أو في أزمنة مختلفة، بل المدار في ثبوت الأخوة على الرضاع من ثدي واحد، وبنت الأخ هي من أرضعتها زوجة أخيك بلبنه النازل من المرأة بسببه، وبنت الأخت هي من أرضعتها أختك، وتحرم بنت الأخ وبنت الأخت على زوج المرضعة لا على أولاده لأنها تحل لهم نسباً، والعمات هن أخوات زوج المرضعة، وعمات العمات هن أخوات آباء العمات، ولا تحرم عمات العمات إلا إذا كانت العمات من جهة الآباء لا من جهة الأمهات، كما تقدم توضيحه، والخالات هن أخوات المرضعة، وخالات الخالات هن أخوات أمهات الخالات، ولا يحرمن إلا إذا كن من جهات الأمهات على التفصيل المتقدم.

فهذا بيان المحرمات المذكورة في الحديث من النسب ومن الرضاع، ولكن بقيت المحرمات بسبب المصاهرة وهي لم يشملها الحديث، فلا يصح أن يقال: ويستثنى من هذا كذا، وبيان ذلك أن المحرمات بالمصاهرة قسمان: قسم يحرم بالرضاع كما يحرم بالمصاهرة، وقسم يحرم بالمصاهرة ولا يحرم بالرضاع، فالأول: أم الزوجة، وبنتها، فإنهما يحرمان بالمصاهرة والرضاع فإذا رضعت طفلة من امرأة ثم تزوجت فلا يحل لزوجها أن يتزوج المرضعة التي أرضعتها لأنها أمها، كما لا يحل له أن يتزوج أمها من النسب وكذا إذا تزوج المرضعة نفسها، فإنه لا يحل له أن يتزوج الطفلة التي أرضعتها إذا كان قد دخل بها، أما إذا لم يدخل بها فإنه يحل، كما تقدم في المحرمات بالنسب.

وكذا أخت الزوجة، وخالتها، وعمتها فإنه لا يجوز الجمع بينهن بسبب المصاهرة والرضاع، فلا يحل للرجل أن يتزوج امرأة رضعت ثدي أخرى ويتزوج معها بنت المرضعة التي أرضعتها لأنها أختها من الرضاع، إذا لا يحل الجمع بين الأختين رضاعاً ونسباً، ومثلها بنت زوج المرضعة التي جاءها منه اللبن لأنها أختها، وأيضاً لا يحل له الجمع بين زوجته، وبين أخت مرضعتها، أو أخت زوج مرضعتها، لأن الأولى خالتها، والثانية عمتها، ولا يحل الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، نسباً ورضاعاً، وكذا لا يحل له أن يجمع بينها، وبين بنت أخيها من الرضاع، أو بنت أختها.

وأما القسم الثاني: وهو ما يحرم بالمصاهرة ولا يحرم بالرضاع فهو أمور:
أحدها: أم الأخ، سواء كان شقيقاً، أو غير شقيق، ولكن إذا كان شقيقاً كانت أم أخيه أمه هو وحرمتها ثابتة بالنسب لا بالمصاهرة، وقد تقدم أن الأم محرمة نسباً ورضاعاً، فليست مقصودة هنا بل المقصود امرأة الأب، لأن تحريمها بالمصاهرة، فلا يحل للشخص أن يتزوج امرأة أبيه، وهي أم أخيه غير الشقيق، ولكن إذا أرضعت أخاه أجنبية فإنها تحل له، ومثل أم الأخ أم الأخت لأنها إما أم إذا كانت الأخت شقيقة، وإما امرأة أب إذا لم تكن كذلك والأولى محرمة نسباً ورضاعاً والثانية محرمة بالمصاهرة لا بالرضاع، وهي المقصود هنا.
هذا إذا كان الأخ، أو الأخت من النسب، والأم من النسب، أو الرضاع، وقد عرفت أن أم الأخ النسبية هي أم الرجل، هي محرمة نسباً ورضاعاً، وأم الأخ بالمصاهرة هي زوجة الأب وهي محرمة بالمصاهرة، أما أم الأخ، أو الأخت من الرضاع فهي غير محرمة، ومثل ذلك ما إذا كان الأخ، أو الأخت من الرضاع، بأن رضع طفلان من ثدي امرأة فصارا أخوين بالرضاع، ثم رضع أحدهما من مرضعة أخرى فهذه المرضعة تكون أم أخيه من الرضاع فتحل له. وكذا لو كان لأخيه من الرضاع أم من النسب فإنها تحل له.

ثانيها: أم ولد الولد - سواء كان ذكراً أو أنثى. لأن الولد يشملهما، وكما لا يخفى، وهكذا في كل ما يأتي - ويقال لها: أم نافلة، أي أم ولد نافلة، وهو ولد الولد، وسمى نافلة لزيادته على الولد فنافلة صفة لولد الولد وأم ولد الولد تحتمل معنيين، الأول: أن تكون زوجة ابنك، إذ هي أم ولد ابنك، وهو حفيدك. والثاني: أن تكون بنتك لأن البنت أم ولد الولد، وهو حفيد الرجل، فالحفيد إما ان يكون ابن الابن، أو بنت البنت، والثانية ليست مرادة هنا لأن تحريم البنت قد تقدم في المحرمات بالنسب، بل المراد الأولى، وهي زوجة الابن، ويقال لها أم ولد الولد، وهي محرمة بالمصاهرة لا بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية ولد ولدك - حفيدك - فإن لك أن تتزوجها، ومثل ما إذا أرضعت زوجة ابنك ولداً أجنبياً، وله أم من النسب فإنها تحل لك، وكذا لو كان له أم أخرى أرضعته فإنها تحل لك، فأم ولد الولد المحرمة زوجة الابن خاصة، فإذا أرضعت ولد الولد أجنبية وكانت أمه من الرضاع لا تحرم، أو أرضعت زوجة الولد أجنبياً، فإنه يكون حفيد الرجل في الرضاع، لأنه رضع لبن ابنه، وكانت لهذا الولد أم نسبية، فإنها تحل، وكذا إذا كانت له أم أخرى من الرضاع، فإنها تحل، فالتي تحرم فقط هي زوجة الابن، وهي أم ولد الولد، سواء كان من النسب، أو كان ولد ولد بسبب الرضاع، أما أمهات ولد الولد من الرضاع، أو من النسب - غير زوجة الابن - فإنهن لا يحرمن.

ثالثها: جدة الولد، وجدة ولد الإنسان إما أمه، وإما أم زوجته، والأولى غير مقصودة هنا، والثانية، وهي أم تحرم بالمصاهرة لا بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية ولدك فلا تحرم عليك أم هذه المرضعة مع كونها جدة ابنك في الرضاع لأمه.
هذا إذا كان الابن نسبياً، وله جدة من الرضاع، أما إذا كان رضاعياً بأن أرضعت زوجتك طفلاً أجنبياً، وله جدة من النسب، سواء كانت لأب، أو لأم، أو كانت له جدة رضاعية بأن رضع ثدي امرأة أخرى لها أم، فإن جداته تحل لوالده في الرضاع على كل حال.
أما أم الولد من النسب، فهي زوجة الرجل، وأما أمه من الرضاع، أي مرضعة الولد، فإنها تحل لأبيه بلا كلام، فأم الولد حلال لأبيه نسباً ورضاعاً.

رابعها: أخت ولدك، وهي إما أن تكون بنتك، أو تكون بنت امرأتك، والأولى أخت ولدك لأبيه، والثانية أخته لأمه، والأولى غير مقصودة هنا، لأن البنت محرمة بالنسب والرضاع كما تقدم، أما الثانية فإنها تحرم بالمصاهرة، إذ لا يجوز للرجل أن يتزوج بأخته من الرضاع، سواء كانت أخته بنت المرضعة، أو بنت زوجها الذي نشأ اللبن بسببه، أو كانت أجنبية عنهما، ولكن رضعت من ثدي مرضعته.
هذا إذا كان الولد نسبياً وكانت أخته نسبية، أو رضاعية، أما إذا كان الولد رضاعياً بأن أرضعت زوجتك طفلاً أجنبياً وكان له أخت من النسب، أو أخت من الرضاع، رضع هو وهي من ثدي امرأة أخرى غير زوجتك فإنهما يحلان لك كذلك.
*( 1): - قال رسول اللّه صلى اللّه وعليه وسلم: "يحرم بالرضاع ما يحرم من

وههنا مسألة وهي ما إذا رضع الابن من جدته لأمه نسباً، فهل تحرم أمه على زوجها؟ والجواب: كلا، فإن أمه في هذه الحالة تكون أختاً للولد من الرضاع، وقد عرفت أن أخت الولد من الرضاع تحل لأبيه، وأخت البنت كأخت الابن في جميع ما ذكر.
خامسها: أم العمة، أو العم، وأم العمة إما أن تكون هي الجدة، كما إذا كانت العمة شقيقة، أو تكون هي زوجة الجد إذا كانت غير شقيقة، وقد عرفت أن الأولى غير مقصودة، لأن الجدة حرمتها كحرمة الأم بالنسب لا بالمصاهرة، والثانية، وهي زوجة الجد لا يحل نكاحها بالمصاهرة ويحل بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية العم، أو العمة، وصارت أماً لهما فإنها لا تحرم بالرضاع.
هذا إذا كان العم، أو العمة من النسب وأمهما من النسب، أو الرضاع، ومثل ذلك ما إذا كانا من الرضاع بأن أرضعت جدته أم أبيه أجنبياً، أو أجنبية، فصار له عماً، أو صارت له عمة بسبب هذا الرضاع، وكان لأحد العمين أم غير جدته رضع منها، فيقال لها: أم رضاعية، أو كان له أم نسبية فإن الأمين تحلان.

سادسها: أم الخال أو الخالة، وأم الخال هي الجدة لأم، وتحريمها ثابت بالنسب وبالرضاع، كالأم، وقد تقدم، والمقصود هنا زوجة الجد لأم، وهي لا تحل مصاهرة، وتحل رضاعاً، فلو أرضعت أجنبية خالك أو خالتك، فإنها تحل لك وإن كانت أماً لهما، ويقال في أم الخال والخالة مثل ما قيل في أم العم والعمة.
وبعد، فقد بقيت ههنا مسألتان: احداهما أنه قد تقدم أن حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح وبالوطء، ولو كان بعقد فاسد أو بشبهة، وتقدم الخلاف في ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا، فهل تثبت الحرمة في الرضاع بالزنا أو لا؟. ثانيتهما ما حد لبن الرجل النازل للمرأة، فهل يشترط فيه أن يكون نازلاً بسبب الحمل والولادة بوطء هذا الرجل أو لا؟ وإذا نزل للمرأة لبن وهي تحت زوج ثم طلقها وتزوجت بآخر ورضع منها طفل بعد طلاقها من الأول، فمن منهما يكون أبا الطفل من الرضاع؟.

والجواب عن المسألة الأولى: هو أنه إذا زنى رجل بامرأة وجاءت بولد من هذا الزنا، ونزل لها لبن بسبب هذه الولادة، فأرضعت منه طفلة أجنبية أصبحت هذه الطفلة بنتاً للزانية، بلا كلام، كما أن ولد الزنا ابنها، بلا خلاف، فتحرم الرضيعة على أصولها وفروعها وحواشيها، وإن كان الرضيع ذكراً حرمت عليه المرضعة وأصولها وفروعها وحواشيها، كما يحرمون على ولد الزنا نفسه. أما الزاني فإن هذه الطفلة تحرم عليه (1)
وأما الجواب عن المسألة الثانية، ففيه تفصيل المذاهب (2).

ولد الزنا والطفلة المرضعة عند الشافعية

(1) (الشافعية - قالوا: إنهم يوافقون على ثبوت المولود من الزنا لأمه فتحرم عليه هي وأصولها وفروعها وحواشيها لأنه إنسان انفصل منها، مثل المولود من الزنا ولد الرضاع، فتحرم عليه من مرضعته وأصولها وفروعها وحواشيها كذلك، أما الزاني فإنهم يخالفون في ثبوت أبوته للمولود من الزنا، لأنه لم ينزل منه سوى مني مهدر لا حرمة له، فما يتولد منه لا يكون له ابن، فيحل للزاني أن يتزوج بنته من الزنا، كما يحل لأصوله وفروعه مع الكراهة فقط.

ولد الزنا والطفلة المرضعة عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: إنه وإن كان يحرم على الرجل أن يتزوج بنته من الزنا، ولكن البنت التي رضعت من لبن الزنا لا تكون بنتاً له بحال، وذلك لأن اللبن لا يثبت له إلا إذا كان ناشئاً من حمل ثبت نسبه من الرجل ولحق به فإن لم يثبت نسبه لم يكن له علاقة بهذا اللبن، فمن رضع منه لا يكون ابناً له، فلا تثبت بينهما حرمة مصاهرة، فالبنت التي شربت من اللبن الناشئ من الزنا لا تحرم عليه ولا على أصوله وفروعه، كما سيأتي في المسألة الثانية.) وعلى أصوله وفروعه فقط، فلا تحرم على إخوته وأعمامه، وأخواله، كما تحرم بنت الزنا نفسها، وذلك لأن المولودة من الزنا لم يثبت نسبها منه، فلم تنشر الحرمة إلى حواشي الرجل، وإنما حرمت عليه أصوله وفروعه لكونها جزءاً منه متولدة من منيه كما تتولد بنت النسب وقد رضعت من لبنه القائم مقام المني في تحقيق هذه الجزئية.

شروط ثبوت الأبوة باللبن عند الحنفية

(2) (الحنفية - قالوا: لبن الرجل الذي يثبت به أبوته للرضيع يشترط فيه أن ينزل لزوجته بعد حملها وولادتها منه، فإذا تزوج رجل بامرأة ولم تلد منه قط ثم نزل لها لبن فأرضعت صبياً كان الصبي ابناً للمرأة بخصوصها، فيحرم عليه أن يتزوج أصولها وفروعها ومحارمها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون اللبن قد نزل لها وهي بكر أو نزل لها بعد أن وطئها، وإذا حملت ولم تلد لم يكف الحمل في ثبوت اللبن للرجل بل لابد من الولادة، خلافاً للشافعية أما الرجل فلا يكون أباه فله أن يتزوج أصوله وفروعه من غير هذه المرضعة، وإذا طلق رجل زوجته ولها لبن منه ثم تزوجت برجل آخر بعد ما انقضت عدتها ووطئها الثاني، وجاءت منه بولد مع استمرار اللبن الأول فإن اللبن يصير للزوج الثاني بلا خلاف، بحيث لو أرضعت طفلاً يكون للثاني، أما إذا لم تحمل من الثاني فاللبن يكون للأول بلا خلاف، وإذا حملت من الثاني ولكنها لم تلد منه واستمر اللبن الأول وأرضعت منه طفلاً، فالصحيح أنه يكون ابن الأول حتى تلد من الثاني، وإذا تزوج الرجل امرأة فولدت منه ولداً فأرضعته ثم يبس اللبن وانقطع، ثم در لها لبن بعد ذلك فأرضعت به صبياً أجنبياً لم يكن هذا الصبي ابناً لزوج المرضعة، لأن لبنه قد انقطع، ولهذا الصبي أن يتزوج أولاد هذا الرجل من غير المرضعة، وعلى هذا إذا طلقها وانقطع من ثديها ثم تزوجت بآخر ونزل لها اللبن قبل أن تحمل منه كان اللبن للثاني.

شروط ثبوت الأبوة باللبن عند الشافعية

الشافعية - قالوا: يشترط في ثبوت الأبوة باللبن أن يكون الولد الذي نزل بسببه اللبن ثبت نسبه من الرجل، فلو ولد لرجل ولد ونزل لزوجته لبن بسبب هذه الولادة ثم نفاه، وقال: إنه ليس ابناً لي، ولم يثبت نسبه منه وأرضعت زوجته طفلاً من هذا اللبن لم يكن الطفل ابناً لذلك الرجل، فلا حرمة بينهما، فإذا استحلفه ثانياً، وقال: إنه ابني عادت الحرمة بينه وبين الرضيع، وبهذا تعلم أن لبن الزنا لا قيمة له لأن ولد الزنا لا يثبت نسبه.

وإذا تزوجت امرأة رجلاً وجاءت منه بولد نزل لها لبن بسببه ثم طلقها وتزوجت آخر فإن لبن الأول يستمر بحيث لو رضع منها طفل كان ابناً من الرضاع للأول ما لم تلد من الثاني، فإذا ولدت انقطع لبن الأول وصار اللبن للثاني، وهذا بخلاف ما إذا نزل اللبن للبكر ثم تزوجت واستمر لبنها، فإنه يكون لها دون زوجها حتى تحمل منه، فإذا حملت صار اللبن لهما وإن لم تلد، والفرق بين الصورتين ظاهر، فالبن في الأولى نزل بسبب ولادة الزوج الأول فكان له بخصوصه ولا ينقطع إلا بولادة الثاني، أما في الثانية فإنه نزل للبكر من غير زوج فكان أضعف من الأول.
ومن هذا يتضح أن اللبن لا ينقطع نسبته عن الأول إلا بالولادة من غيره، ولو طالت المدة أو انقطع اللبن وعاد ثانياً، خلافاً للحنفية في هذا وما قبله.

شروط ثبوت الأبوة باللبن عند المالكية

المالكية - قالوا: يثبت اللبن للرجل بشرطين:
الأول: أن يطأ زوجته. الثاني: أن ينزل، فلو عقد عليها، أو وطئها ولم ينزل، وكان بها لبن فإنه لا يثبت له، فإذا عقد على بكر بها لبن ولم يدخل بها ورضع منها طفل كان الطفل ابن المرضعة دون الرجل، ومثل ذلك ما إذا زنى الرجل بامرأة ونزل لها لبن كان لبنه على المعتمد، وفاقاً للحنفية، وهو المذكور - في الصلب - ويستمر هذا اللبن من حين الوطء إلى أن ينقطع، ولو مكث سنين عديدة، فلو طلقها، أو مات عنها ولم تتزوج غيره واستمر بها اللبن كان لبنه فتثبت به حرمة المصاهرة، فلو طلقها أو مات عنها وتزوجت غيره بعد انقضاء عدتها، ولبن الأول في ثديها ثم وطئها الزوج الثاني وأنزل كان اللبن مشتركاً بين الاثنين، فلو رضع منه طفل كان ابناً للزوجين الزوج المطلق، والثاني، فتثبت حرمة المصاهرة بينه وبينهما معاً، وكذا لو تزوجها ثالث ولبن الثاني والأول في صدرها فإنه بعد وطئها وإنزاله لم يشترك من قبله في أبوة الرضيع، وهكذا، أما إذا تزوجت رجلاً وولدت منه وأرضعت ابنه حتى فطم وانقطع لبنها، وتزوجت الآخر ونزل لها لبن بعد وطئها وإنزاله، فإنه يكون لبن الثاني، فيشترط في اشتراك الأول والثاني في اللبن أمران:
أحدهما: أن لا ينقطع لبن الأول من ثديها قبل أن يطأها الزوج الثاني، فإن انقطع ووطئها الثاني كان اللبن خاصاً بالثاني.
ثانيهما: أن يطأها الثاني وينزل أما قبل ذلك فإن اللبن يكون للأول فقط.

شروط ثبوت الأبوة باللبن عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: لا يثبت اللبن للرجل إلا بشرطين: الأول أن يكون اللبن نزل للمرأة بسبب حملها المكون من وطئه، فاللبن الذي ينزل للبكر. أو ينزل للمرأة التي تزوجت رجلاً ووطئها ولم تحمل، فإنه لا يثبت به حرمة المصاهرة لا في جانب المرأة ولا في جانب الرجل. الشرط الثاني: أن يثبت نسب ذلك لحمل من الرجل فلو تزوج امرأة ووطئها وحملت منه، ولكن نفي ذلك الحمل، ولم يثبت نسبه منه ورضع من لبنه النازل بثدي المرأة طفل فإنه لا يكون ابناً له، فلا حرمة بينه وبينه، ولكن يكون ابناً للمرأة تثبت بينهما حرمة المصاهرة على الوجه السابق، ومثل ذلك ما إذا زنى رجل بامرأة وجاءت منه بولد زنا ونزل لها لبن بسبب الولادة، وأرضعت منه طفلاً، فإن الطفل لا يكون ابناً للزاني لأن لبن الزنا لا يعتبر، إذ قد عرفت أن حرمة الرضاع فرع ثبوت النسب، ولكن يكون ابناً للزانية، كما عرفت).

مبحث ما يثبت به الرضاع

يثبت الرضاع، إما بالشهود، وإما بإقرار الزوجين: أو أحدهما على تفصيل في المذاهب

ما يثبت به الرضاع عند الحنفية

(الحنفية - قالوا: الرضاع كالمال يثبت بالشهود العدول. وبالإقرار، فأما الشهود فيشترط أن يشهد رجلان عدلان. أو رجل وامرأتان عدول، فلا يكفي في إثبات الرضاع خبر العدل الواحد، سواء كان رجلاً أو امرأة كما لا يكفي إخبار غير العدول، وكذا لا يكفي إخبار أربع نسوة عدول، بل لا بد أن يكون في الشهادة رجل، ثم إن الشهود، إن شهدوا بين يدي الزوجين بأن بينهما رضاعاً وجب عليهما أن يفترقا بالفسخ، فإن لم يفعلا وجب على القاضي أن يفرق بينهما، وبعد تريق القاضي يرتفع النكاح بينهما، فلو وطئها بعده كان زانياً عليه الحد، وهذا معنى قولهم: لا تقع الفرقة في الرضاع إلا بتفريق القاضي، أي فلو وطئها قبل ذلك، وقبل المتاركة، وهو فسخ العقد منهما فلا حد عليهما.

وإذا أخبر الشهود العدول المرأة وحدها وكان زوجها غائباً أو مسافراً ثم حضر فإنه عليها أن تفارقه ولا تمكنه من نفسها قبل فسخ العقد منهما. أو من القاضي، كما لا يحل لها أن تتزوج بغيره قبل ذلك على المعتمد، وكذا إذا خبر الزوج وحده فإنه يجب عليه مفارقتها، ويأثم بوطئها كما ذكرنا.
أم الشهادة بين يدي القاضي بالرضاع فإنه لا يلزم لها دعوى المرأة، بل يثبت حسبة، لأن دعوى الرضاع تتضمن حرمة فرج. وحرمة الفروج حق اللّه تعالى. كما في الشهادة بالطلاق.

فإذا أخبرتهما امرأة عدلة واحدة بأنها أرضعتهما من ثديها، فذلك الإخبار على أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن يصدقاها معاً، وفي هذه الحالة يفسد النكاح ويجب عليهما أن يتفرقا بالقول بعد الدخول، أما قبل الدخول فإنه تكفي المفارقة بالأبدان، ولا تستحق قبله مهراً، وإن لم يتفرقا فإنه يجب على القاضي أن يفرق بينهما، وذلك لأن تصديقهما بخبرهما إقرار له، فكأنهما بهذا قد اعترفا بفساد العقد بينهما.
الوجه الثاني: أن يكذباها معاً، وفي هذه الحالة لا يفسد النكاح، ولا يجب عليهما أن يفترقا، ولكن الأحوط أن يفترقا، ثم إن كان ذلك قبل الدخول فإن الزوج لا يلزم بالمهر، ولكن الأفضل أن يدفع لها نصف المهر، والأفضل لها أن تأخذ منه شيئاً، وإن كان بعد الدخول فإنه يلزم بالأقل من المسمى ومن مهر المثل، ولا يلزم بنفقة العدة والسكنى، ولكن الأفضل له أن يعطيها المسمى ولو كان أكثر، وأن يعطيها النفقة والسكنى، والأفضل لها أن لا تقبل إلا مهر المثل إن كان أقل من المسمى، ولا تقبل النفقة والسكنى، فإذا لم يفعلا وأرادا البقاء على الزوجية فإنه يصح مع مخالفة الأحوط.

الوجه الثالث: أن يصدقها الزوج وتكذبها المرأة، وفي هذه الحالة يفسد العقد ويبقى المهر على الزوج بحاله، سواء كان ذلك قبل الدخول، أو بعده، لأن الفرقة تكون من قبله.
الوجه الرابع: العكس، بأن تصدقها الزوجة ويكذبها الزوج، وفي هذه الحالة لا يفسد النكاح ولكن للزوجة الحق في تحليفه اليمين فإن نكل فرق القاضي بينهما.
هذا إذا كانت المخبرة الواحدة عدلة، فإن كانت غير عدلة فإن اخبارها لا قيمة له، ومثل شهادة العدلة الواحدة شهادة رجل وامرأة واحدة، أو شهادة رجل وامرأتين غير عدل، فإنها تكون على التفصيل المتقدم. فإن صدق الزوجان شهادتهم، أو صدقها الزوج فقط فسد النكاح. وإلا أورث شكاً يجعل الحيطة في المفارقة.

هذا ما يتعلق بالشهود. أما الإقرار فلا يخلو إما أن يقع من الزوج وحده أو من الزوجة وحدها. أو منهما معاً، فإن وقع من الزوج وحده فإنه يعمل به ما لم يرجع عنه، ويقبل رجوعه إذا لم يؤكد ومعنى تأكيده إياه أن يقول إن ما قلته من أنها أختي من الرضاع مثلاً حق، أو مؤكد، أو ثابت، أو يقول: إن ما أقررت به ثابت، أما إذا لم يقل هذه العبارة ثم رجع وقال إن ما أقررت به أو قلته خطأ فإنه يصح رجوعه وتبقى الزوجية بينهما، ولو كرر الإقرار فإن تكرار لا يؤكد، بل تأكيده يكون بالعبارة التي ذكرناها.
وإن وقع الإقرار من الزوجة وحدها كأن قالت: إنني أخته من الرضاع، فإن إقرارها لا يعتبر سواء أقرت قبل العقد أو بعده، وسواء أصرت على الإقرار، أو رجعت عنه، وسواء أكدته أو لم تؤكده، وذلك لأن الحرمة لم يجعلها الشارع لها، فلا يعتبر إقرارها بالحرمة، ولو أصرت عليه على المعتمد.

ومثل ذلك ما إذا أقرت وحدها بأن زوجها طلقها ثلاثاً، فإن إقرارها لا يعتبر لأن حرمتها بالطلاق ليست منوطة بها فإقرارها به لا يعتبر، فلها أن تعاشره إذا أنكر أما إذا وقع الإقرار منهما معاً فإن وقع من الزوج مؤكداً على الوجه السابق فإنه ينفذ ولو رجعا معاً عن الإقرار، وإلا فإن رجوعهما يصح، ومثله رجوع الزوج وحده، كما عرفت.

ما يثبت به الرضاع عند المالكية

المالكية - قالوا: يثبت الرضاع بالإقرار والبينة، فإذا أقر الزوجان بالرضاع، سواء كانا أخوين رضاعا، أو كانت المرضعة أمه أو عمته، أو خالته، أو نحو ذلك مما تقدم، فإن النكاح يفسخ بينهما، سواء كان ذلك الإقرار قبل الدخول أو بعده.
وإذ أقرت الزوجة بالرضاع وأنكر الزوج فإن إقرارها لا يعتبر لأنها متهمة في ذلك الإقرار منه، فإن أقرت بذلك قبل الدخول فطلقها الزوج قبل أن يدخل فلا مهر لها، لأنها أقرت بفساد العقد فلا تستحق المهر، ومثل ذلك ما إذا أقرت بالرضاع ثم ماتت فإنها لا تستحق المهر أيضاً فإن موتها في هذه الحالة لا يؤكد صداقها لسبب إقرارها بفساد العقد قبل الموت.

أما إذا أقر الزوج وحده فأنكرت هي فإنه يؤخذ بإقراره لأنه لا يتهم الرضاع حيلة للخلاص منها لأن طلاقها بيده وإنما يتهم في أنه ادعى ذلك ليفر من الصداق قل الدخول، ولهذا لا يسقط عنه المهر إذا ادعى الرضاع، بل يفسخ النكاح ولها نصف الصداق.
وإذا جاء أحد الزوجين ببينه شهدت على إقرار أحدهما بالرضاع قبل العقد ولم يعلم بذلك إلا بعد العقد. فإن البينة تسمع ويعمل بها، حتى ولو شهدت بينة حسبة لو أقامها أجنبي فإنه تسمع، لا فرق في ذلك بين أن تكون البينة قد شهدت على إقرار الزوجة قبل العقد أو على إقرار الزوج أما الإقرار بعد العقد فإنك قد عرفت أنه لا يعتبر إلا من الزوج فلا يعتبر إقرار الزوجة لا تهامها بعد العقد أما قبل العقد فإنه لا يتصور اتهامها بالا قرار للخلاص من زوجها فإنها لم ترتبط به وقت الإقرار.

ثم إن فسخ العقد بإقرارها معاً بعد الدخول كان للزوجة الصداق المسمى أو مهر المثل عند عدم تسمية المهر، أو تسمية المهر الفاسد، إلا إذا كانت المرأة عالمة بالرضاع قبل العقد وأنكر الزوج العلم به عند العقد بل قال علمت بعده، فإنها في الحالة لا تستحق بالدخول إلا أقل الصداق وهو ربع دينار - لئلا يخلو البضع عن الصداق بالوطء، أما إذا فسخ ببينة على إقرارهما قبل العقد بالرضاع، فإنه لا يتصور في هذه الحالة علم الزوجة بالرضاع دونه فتستحق المهر بالدخول كاملاً إن كان مسمى وإلا فمهر المثل، وكذا إن شهدت البينة على إقرار الزوج فإنه لا يتصور أن يكون جاهلاً به عند العقد في هذه الحالة، أما إذا قامت بينة على إقرارها قبل العقد دونه وأنكر العلم بذلك فعليه أقل المهر بالدخول.
والحاصل أنه في حالة ما إذا كان يتصور عدم علم الزوج عند العقد وأنكر العلم لم يكن للزوجة بالدخول سوى ربع دينار، أما إذا كان لا يتصور عدم علمه أو لم ينكر العلم فإنه يكون لها كل المهر على الوجه المتقدم.

ويلحق بإقرار الزوجين، أو أحدهما إقرار الأبوين عن الصغير الذي يزوج بدون إذنه أو البالغة البكر لأنها تزوج بدون إذنها، فإذا أقر والد الصغير أو والد البكر بأن بين ولده أو بنته وبين فلان رضاعا قبل العقد عليها فإن العقد يفسخ، ومن باب أولى إذا أقر الأبوان معاً قبل العقد، أما إقرار أحد الأبوين بعد العقد فإنه لا يقبل إلا إذا كانا عدلين أو فشا منهما خبر الرضاع بين الناس قبل العقد، والمراد بالأبوين: أب الزوج، وأمه. أو أب الزوج، وأب الزوجة، أو أب أحدهما، وأم الآخر. أما إقرار أميهما معاً فإنه لا ينفع إلا إذا فشا بين الناس ولو كان إقرارهما قبل العقد. كما سيأتي في إخبار المرأتين الأجنبيتين.
وهل يصح الرجوع عن الإقرار في الرضاع، أولا؟ أما إقرار الزوجين فلا يصح لهما الرجوع فيه، وكذا إقرار الأب فإنه لا يصح له الرجوع بحيث لو قال: إنما قلت ذلك للاعتذار من الزوج، فإنه لا ينفع ولا تحل له بعد قبول إقراره إلا إذا قامت قرينة على صدقه، فإن بعضهم قد استظهر العمل بها، أما إقرار الأم فإنها إذا رجعت فيه وقالت إنها ادعت ذلك للاعتذار، فإنه ينظر هل نقل عنها ذلك قبل إرادة الزواج وفشا بين الناس أو لا؟ فإن كان قد فشا قبل ذلك فلا يصح رجوعها ولا اعتذارها، وإلا فإنه يصح رجوعها، ولكن يستحب التنزه عن الزواج بعد ذلك.

هذا ما يتعلق بالإقرار، أما الشهادة في الرضاع فإنها تقبل من رجلين، أو من امرأتين، أو رجل وامرأة، فإما شهادة الرجلين فإنه يشترط فيها العدالة فقط، فإن كانا غير عدلين فإن شهادتهما لا تقبل إلا إذا فشا خبر الرضاع منهما قبل العقد بين الناس، وأما شهادة المرأتين فإنها تقبل بشرط أن يفشو خبر الرضاع منهما بين الناس قبل العقد، وإن لم تكونا عدلتين، فإن كانتا عدلتين ولم يفش فلا تقبل على المشهور، ومثل ذلك ما إذا شهد رجل مع امرأة واحدة فإن شهادتهما لا تكفي إلا إذا فشا خبر الرضاع قبل العقد، فإن فشا تقبل وإن لم يكونا عدلين، أما خبر المرأة الواحدة الأجنبية فإن الرضاع لا يثبت له ولو فشا ذلك منها قبل العقد.
هذا، وإذا أخبر بالرضاع شاهد لا يجب الفراق بشهادته، كما إذا أخبرت امرأة أجنبية أو رجل واحد ولو كان عدلاً، أو أخبر رجلان غير عدلين الخ، فإنه يندب للزوج أن يطلق زوجته إن كان قد عقد عليها، وألا يقدم على زواجها إن لم يكن قد عقد احتياطاً.

ما يثبت به الرضاع عند الشافعية

الشافعية - قالوا: يثبت الرضاع بالإقرار وبشهادة الشهود، فأما الإقرار فلا يخلو إما أن يكون صادراً من الزوجين. أو يكون صادراً من الزوج. أو من المرأة فقط، فإن كان صادراً من الزوجين فرق بينهما ثم إن حصلت الفرقة بعد أن وطئها برضاها فلا شيء لها. كما لو حصلت قبل الوطء، أما إذا وطئها مكرهة أو جاهلة، فإن لها مهر المثل.

وإن أقر الزوج وأنكرت الزوجة فإنه يعامل بإقراره فيفسخ نكاحهما، وللزوج تحليفها بأنها لم تعلم برضاعهما، فإن حلفت وكان الفسخ بعد الوطء فلها مهرها المسمى إن كان لها مهر مسمى تسمية صحيحة. وإلا كان لها مهر المثل، وإن كان الفسخ قبل الوطء كان لها نصف المسمى. أو نصف مهر المثل عند عدم التسمية، وإن نكلت عن الحلف حلف الزوج على إثبات نفس الدعوى، فيحلف بأنها أخته من الرضاع، أو بنته، أو عمته، أو ربيبته، أو غير ذلك، فإن حلف كان لها مهر المثل فقط بعد الوطء ولا شيء لها قبله.

ومن هذا يتضح أن الزوج لا يحلف في حالة إقراره لإثبات دعواه في ذاتها، لأنك قد عرفت أن إقراره يوجب فسخ العقد بينهما بدون حاجة إلى يمين، وإنما يحلف لاثباتها من حيث يترتب على ذلك من مهر المثل، أو المهر المسمى بعد الوطء ونصفه أو عدمه قبله، فإن حلفت هي كان لها المسمى بعد الوطء ونصفه قبله، وإن نكلت وحلف هو كان لها مهر المثل بعد الوطء ولا شيء لها قبله، أما الفسخ فلا بد منه، سواء حلفا أو نكلا، ويتضح أيضاً أن المدعي يحلف على إثبات نفس الدعوى بخلاف المنكر فإنه يحلف على نفي العلم بها.

وإذا أقرت الزوجة بالرضاع فأنكره الزوج فإن في ذلك أربع صور:
الصورة الأولى: أن تكون قد تزوجته برضاها، بأن تقول لوليها: زوجني من فلان بعينه، وحكم هذه الصورة أن الزوج يحلف على نفي العلم بالرضاع، لأنه منكر وهي مدعية، ويستمر النكاح بينهما، وذلك لأنه رضاها به يناقض دعوى الرضاع الصادرة منها، فيحلف هو لا هي.
الصورة الثانية: أن تمكنه من نفسها وإن لم تعينه لوليها، وحكم هذه الصورة كالتي قبلها، فإن لم يحلف الزوج فسخ العقد، وكان لها مهر المثل بعد الوطء بغير رضاها، ولا شيء لها قبل الوطء أو الوطء برضاها، كما تقدم.
الصورة الثالثة: أن يزوجها وليها المجبر بدون إذنها ولم تمكنه من نفسها، وفي هذه الصورة تحلف هي بأنهما رضعا معاً، لأنها مدعية فتحلف بإثبات نفس الدعوى، وتصدق بفسخ العقد، وحكم مهرها هو المتقدم في الصورة التي قبلها.
الصورة الرابعة: أن تأذن وليها بدون أن تعين له أحداً ولم تمكنه من نفسها، وحكم هذه الصورة كحكم الصورة الثالثة.
وحاصل ذلك أنها إذا أذنت وليها بأن يزوجها شخصاً بعينه ومكنته من نفسها وحلف الزوج استمر النكاح، وإن لم تأذنه أو أذنته ولم تعين، ولم تمكنه من نفسها في الحالتين حلفت هي وإذا فسخ عقدها كان لها المهر بالتفصيل المتقدم، ثم إذا فسخ عقدها وهو يعلم أنها كاذبة كان من الاحتياط أن يطلقها ورعاً، لأنها كانت تحل لغيره بفسخ العقد، ولكن الورع يقتضي التيقن، ومثل ذلك ما إذا بقيت معه بعد حلفه فإن الورع يقضي عليه بطلاقها احتياطاً.

ويشترط في قبول إقرار الزوجين بالرضاع أن يكون ممكناً، فلو قال لزوجته: أنت بنتي من الرضاع وكانت أكبر منه سناً فإن إقراره يكون كاذباً لا قيمة له.
هذا ما يتعلق بالإقرار، وأما الشهادة فإن الرضاع يثبت بشهادة الرجال والنساء، فيثبت بشهادة رجلين. وبرجل وامرأتين. وبأربع نسوة، وإن لم يوجد بينهن رجل، أما الإقرار بالرضاع فإنه لا يثبت إلا بشهادة رجلين، فإذا أقر أحد الزوجين بالرضاع بحضرة رجلين وشهدا على إقراره فإن شهادتهما تقبل، أما شهادة النساء على الإقرار فإنها لا تقبل، والفرق بين الحالتين أن الرضاع لا تطلع عليه إلا النساء غالباً بخلاف الإقرار، وتقبل شهادة المرضعة بشرط أن تطلب أجرة على رضاعتها لأنها غير متهمة. ولا تصح الشهادة على الرضاع إلا بشروط:
أحدها: أن يذكر الشاهد وقت الرضاع بأن يقول: رضع في وقت كذا، فإن لم يذكره بطلت الشهادة لجواز أن تكون الرضاعة قد حصلت بعد الحولين. أو أرضعته وهي دون تسع سنين.
: يثبت الرضاع، إما بالشهود، وإما بإقرار الزوجين: أو أحدهما على تفصيل
ثانيها: أن يذكر عدد الرضعات.
ثالثها: أن يذكر تفرقهما.
رابعها: أن يذكر وصول اللبن إلى جوف الرضيع، بأن يرى اللبن وهو نازل من ثديها، أو يرى الصبي وهو يبلع أو يمتص ونحو ذلك، ويشترط قبل أداء الشهادة أن يعلم أنها ذات لبن، وإلا فلا يحل له أن يشهد، أما الشهادة على الإقرار فإنه لا يشترط لها ذلك.

ما يثبت به الرضاع عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: يثبت الرضاع بالإقرار وبشهادة الشهود، فأما الإقرار
فلا يخلو إما أن يكون من الزوجين. أو من أحدهما، فإن كان من الزوجين بأن ادعاه أحدهما وصدقه الآخر، فإن كان ذلك قبل الدخول فلا مهر لها، لأنهما قد اتفقا على أن النكاح باطل من أصله.

أما إذا أقر به الزوج وأنكرته المرأة فإنه يعامل بإقراره ويفسخ النكاح بينهما، ثم إن كان قبل الدخول كان لها نصف الصداق كاملاً، لأنه حقها، فلا يسقط بإقراره، وإن كان بعد الدخول ولم تصدقه فلها كل مهرها، وكذا إذا صدقته ولم تمكنه من نفسها، أما إذا صدقته ثم مكنته من نفسها باختيارها فلا مهر لها بعد الدخول لأنها أسقطت حقها بتمكينه من نفسها بعد تصديقه بالرضاع.
وإذا أقرت به الزوجة وأنكره الزوج، كما إذا قالت له: أنت أخي من الرضاع فأكذبها، فإن العقد لا يفسخ بقولها، لأن فسخ النكاح من حق الرجل، كما يقول الحنفية، فلا يقبل قولها عليه، ولكن بينهما وبين اللّه باطناً تكون محرمة عليه إن كانت صادقة، وإلا فهي زوجته في الباطن أيضاً، فمن قالت له امرأته ذلك فينبغي له أن يتحرى عن حقيقة ما قالت.
هذا، ولا يقبل الرجوع عن الإقرار بالرضاع، فلو قال أحدهما: إنني قلت ذلك خطأ لا يسمع قوله، ويشترط أن تكون دعوى الرضاع ممكنة، فلو قال لامرأة: أنت بنتي من الرضاع وهي أسن منه لا يسمع قوله.
أما الشهادة فإن الرضاع يثبت بشهادة رجل وامرأة، لما روي عن ابن عمر قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يجوز في الرضاع من الشهود؟ فقال: " رجل وامرأة"، رواه أحمد، بل وتقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت مرضية - عدلة - ولا يكلف الشاهد يميناً ولا المشهود له، لأن هذه شهادة على عورة، فيكفي فيها شهادة النساء منفردات عن الرجال، كالولادة).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية