الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب بداية الهداية للغزالي




كتاب : بداية الهداية
المؤلف : أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري
(450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م)

محتويات

مقدمة الكتاب بداية الهدابة

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام، العالم العلامة، حجة الاسلام، وبركة الأنام: أبو حامد محمد بن محمد بن الغزالي الطوسى؛ قدس الله روحه، ونور ضريحه - آمين: الحمدلله حق حمده، والصلاة والسلام على خير خلقه، محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.


نية طلب العلم

أما بعد: فاعلم أيها الحريص المقبل على اقتباس العلم، المظهر من نفسه صدق الرغبة، وفرط التعطش إليه.. أنك إن كنت تقصد بالعلم المنافسة، والمباهاة، والتقدم على الأقران، واستمالة وجوه الناس إليك، وجمع حطام الدنيا؛ فأنت ساع في هدم دينك، وإهلاك نفسك، وبيع آخرتك بدنياك؛ فصفقتك خاسرة، وتجارتك بائرة، ومعلمك معين لك على عصيانك، وشريك لك في خسرانك، وهو كبائع سيف لقاطع طريق، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من أعان على معصية ولو بشطر كلمة كان شريكا فيها).

وإن كانت نيتك وقصدك، بينك وبين الله تعالى، من طلب العلم: الهداية دون مجرد الرواية؛ فأبشر؛ فإن الملائكة تبسط لك أجنحتها إذا مشيت، وحيتان البحر تستغفر لك إذا سعيت. ولكن ينبغي لك أن تعلم، قبل كل شيء، أن الهداية التي هي ثمرة العلم لها بداية ونهاية، وظاهر وباطن، ولا وصول إلى نهايتها إلا بعد إحكام بدايتها، ولا عثور على باطنها إلا بعد الوقوف على ظاهرها.
وهأنا مشير عليك ببداية الهداية؛ لتجرب بها نفسك، وتمتحن بها قلبك، فإن صادفت قلبك إليها مائلا، ونفسك بها مطاوعة، ولها قابلة؛ فدونك التطلع إلى النهايات والتغلغل في بحار العلوم.

وإن صادفت قلبك عند مواجهتك إياها بها مسوفا، وبالعمل بمقتضاها مماطلا؛ فاعلم أن نفسك المائلة إلى طلب العلم هي النفس الأمارة بالسوء، وقد انتهضت مطيعة للشيطان اللعين ليدليك بحبل غروره؛ فيستدرجك بمكيدته إلى غمرة الهلاك، وقصده أن يروج عليك الشر في معرض الخير حتى يلحقك (بِالأخسَرينَ أَعمالاً، الَّذين ضَلَ سَعيُهُم في الحَياةِ الدُنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعا). وعند ذلك يتلو عليك الشيطان فضل العلم ودرجة العلماء، وما ورد فيه من الأخبار والآثار. ويلهيك عن قوله صلى الله عليه وسلم: (من ازداد علما ولم يزدد هدى، لم يزدد من الله إلا بعدا)، وعن قوله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع).
وعن قوله صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أسرى بي بأقوام تقرض شفاههم بمقارض من نار، فقلت: من أنتم؟ قالوا: كنا نأمر بالخير ولا نأتيه وننهى عن الشر ونأتيه).

فإياك يا مسكين أن تذعن لتزويره فيدليك بحبل غروره، فويل للجاهل حيث لم يتعلم مرة واحدة، وويل للعالم حيث لم يعمل بما عمل ألف مرة.

طالب العلم علي ثلاثة أحوال

واعلم أن الناس في طلب العلم على ثلاثة أحوال: رجل طلب العلم ليتخذه زاده إلى المعاد، ولم يقصد به إلا وجه الله والدار الآخرة؛ فهذا من الفائزين.
ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به العز والجاه والمال، وهو عالم بذلك، مستشعر في قلب ركاكه حاله وخسة مقصده، فهذا من المخاطرين. فإن عاجله أجله قبل التوبة خيف عليه من سوء الخاتمة، وبقي أمره في خطر المشيئة؛ وإن وفق للتوبة قبل حلول الأجل، وأضاف إلى العلم العمل، وتدارك ما فرط منه من الخلل - التحق بالفائزين، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان؛ فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال، والتفاخر بالجاه، والتعزز بكثرة الأتباع، يدخل بعلمه كل مدخل رجاء أن يقضى من الدنيا وطره،ن وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة، لاتسامه بسمة العلماء، وترسمه برسومهم في الزى والمنطق، مع تكالبه على الدنيا ظاهرا وباطنا.. فهذا من الهالكين، ومن الحمقى المغرورين؛ إذ الرجاء منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين، وهو غافل عن قوله تعالى (يَأيُها الَّذين آمنوا لِمَ تَقولونَ مالا تَفعَلون). وهو ممن قال فيهم رسول الله: (أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال) فقيل: وما هو يارسول الله؟، فقال: (علماء السوء). وهذا لأن الدجال غايته الإضلال، ومثل هذا العالم وإن صرف الناس عن الدنيا بلسانه ومقاله فهو دافع لهم إليها بأعماله وأحواله، ولسان الحال أفصح من لسان المقال، وطباع الناس إلى المساعدى في الأعمال أميل منها إلى المتابعة في الأقوال؛ فما أفسده هذا المغرور بأعماله أكثر مما أصلحه بأقواله، إذ لا يستجرىء الجاهل على الرغبة في الدنيا إلا باستجراء العلماء، فقد صار علمه سببا لجرأة عباد الله على معاصيه، ونفسه الجاهلة مذلة مع ذلك تمنيه وترجيه، وتدعوه إلى أن يمن على الله بعلمه، وتخيل إليه نفسه أنه خير من كثير من عباد الله.
فكن أيها الطالب من الفريق الأول، واحذر أن تكون من الفريق الثاني، فكم من مسوف عاجله الأجل قبل التوبة فخسر، وإياك ثم إياك أن تكون من الفريق الثالث، فتهلك هلاكا لا يرجى معه فلاحك، ولا ينتظر صلاحك.

فإن قلت: فما بداية الهداية لأجرب بها نفسي، فاعلم أن بدايتها ظاهرة التقوى، ونهايتها باطنة التقوى؛ فلا عاقبة إلا بالتقوى، ولا هداية إلا للمتقين.
والتقوى، عبارة عن امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، فهما قسمان، وهأنا أشير عليك بجمل مختصرة من ظاهر علم التقوى في القسمين جميعا، وألحق قسما ثالثا ليصير هذا الكتاب جامعا مغنيا والله المستعان.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية