الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

علم البيان | دروس البلاغة

علم البيان | دروس البلاغة

 اسم كتاب المتن: دروس البلاغة
تأليف: حفني ناصف، محمد دباب، سلطان محمد، مصطفي طموم
اسم شرح الكتاب: حُسْنُ الصِّيَاغَةِ شَرْحَ دُرُوسِ البَلاَغَة
المؤلف: علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (المتوفى: ١٤١٠ هـ)
الناشر: نسخ وتشكيل ومراجعة: مكتب الرحاب
الطبعة:
عدد الأجزاء: 1 (في مجلد واحد)

 فهرس الموضوعات 

  1. علم البيان
    1. المبحث الأول في أركان التشبيه
    2. المبحث الثاني أقسام التشبيه
    3. المبحث الثالث في أغراض التشبيه
    4. المجاز
  2. العودة إلي كتاب دروس البلاغة وحُسْنُ الصِّيَاغَةِ شَرْحَ دُرُوسِ البَلاَغَة

 

 علْمُ البَيانِ [١]


البيانُ علْمٌ يُبحَثُ فيه عن التشبيهِ والْمَجازِ والكِنايةِ [٢]

التشبيهُ [٣]

(التشبيهُ) [٤]: إِلْحاقُ أمْرٍ [٥] بأمْرٍ في وصْفٍ [٦] بأَداةٍ [٧] لغَرَضٍ [٨]، والأمْرُ الأوَّلُ يُسمَّى الْمُشبَّهَ [٩]، والثانى الْمُشبَّهَ به [١٠]، والوصْفُ [١١] وجهُ الشبَهِ [١٢]، والأداةُ الكافُ أو نحوَها [١٣]. نحوَ: العلْمُ كالنُّورِ في الهِدايةِ، فالعلْمُ مشبَّهٌ، والنورُ مشبَّهٌ به، والهدايةُ وجْهُ الشبَهِ، والكافُ أداةُ التشبيهِ [١٤].

(١) (١`) علمُ البيانِ

ثاني علومِ البلاغةِ الثلاثةِ

(٢) (البيانُ: علْمٌ يُبْحَثُ فيه عن التشبيهِ والمَجازِ والكِنايةِ) أيْ: عن حقيقةِ كلٍّ منها وأقسامِه وشروطِ المقبولِ منها, والبْحَثُ عنها من حيث إن المتكلِّمَ الذي يريدُ أداءَ أي: معنًى بكلامٍ مطابِقٍ لمُقْتَضَى الحالِ يَتأتَّى له أن يُورِدَه بتراكيبَ مختلِفةٍ في الوضوحِ بكلٍّ من تلك الطرُقِ الثلاثةِ, سواءٌ كانت تلك التراكيبُ من طريقةِ التشبيهِ أو المَجازِ أو الكِنايةِ, فمِثالُ إيرادُ المعنى بتراكيبَ مختلِفةِ الوضوحِ من التشبيهِ فقط: خالدٌ كالبحرِ في السَّخاءِ، وخالدٌ كالبحرِ، وخالدٌ بحرٌ، وأوضحُها ما صُرِّحَ فيه بوجهِ الشبَهِ كالأوَّلِ, وأخفاها ما حُذِفَ فيه الوجهُ والأداةُ معاً كالأخيرِ. ومِثالُ إيرادِه بتراكيبَ مختلِفةِ الوضوحِ من الاستعارةِ فقط أن يُقالَ: رأيتُ بحراً في الدارِ، وطَمَّ خالدٌ بإنعامِه جميعَ الأنامِ، ولُجَّةُ خالدٍ تَتَلاطمُ بالأمواجِ، وأوضحُها الأوَّلُ, وأخفاها الوسَطُ. ومِثالُ إيرادِه بتراكيبَ مختلِفةٍ من الكِنايةِ فقط أن يُقالَ: خالدٌ مهزولُ الفَصِيلِ، وخالدٌ جَبانُ الكلبِ، وخالدٌ كثيرُ الرَّمَادِ، فهذه التراكيبُ تُفيدُ وصفَه بالجُودِ من طريقِ الكِنايةِ، وهي مختلِفةٌ في الوضوحِ، وأوضحُها الأوَّلُ, ومثالُ إيرادِه من عدَّةِ طرُقٍ أن يُقالَ: خالدٌ كحاتمٍ، ورأيتُ بحراً في قصْرِ خالدٍ، وخالدٌ كثيرُ الرَّمَادِ، هذا وعُلِمَ مما قَرَّرْنا أن اعتبارَ هذا العلْمِ بعدَ اعتبارِ علْمِ المعاني؛ وذلك لأن علْمَ المعاني كما سَبَقَ علْمٌ يُعرَفُ به إيرادُ المعنى بكلامٍ مطابِقٍ لِمُقْتَضَى الحالِ، بخلافِ علْمِ البيانِ فإنه علْمٌ يُعْرَفُ به إيرادُ المعنى بكلامٍ مطابِقٍ لِمُقْتَضَى الحالِ من طرُقٍ مختلِفةٍ في الوضوحِ، مثلاً إذا كان المخاطَبُ يُنْكِرُ كَوْنَ حَسَنٍ مِضيافاً، فالذي يَقتضِيهِ المقامُ جُملةٌ مفيدةٌ لرَدِّ الإنكارِ, سواءٌ كان إفادتُها إيَّاه بدَلالةٍ واضحةٍ أو أوضَحَ أو خفيَّةٍ أو أَخْفَى، نحوَ: إن حَسَناً لَمِضيافٌ، أو لَكثيرُ الرَّمادِ، أو لَمَهزولُ الفَصِيلِ أو لَجَبانُ الكلبِ فإفادتُها لذلك المعنى بدَلالةِ المطابَقةِ كالمثالِ الأوَّلِ من وظيفةِ علْمِ المعاني, وإفادتُها له بغيرِها من وظيفةِ علْمِ البيانِ.

(٣) التشبيهُ

(٤) أي: هذا مبحثُه

(٢) (التشبيهُ) لغةً: جعْلُ الشيءِ شبيهاً بآخَرَ. واصطلاحاً:

(٥) (إلحاقُ أمْرٍ) أي: إلحاقُ المتكلِّمِ أمراً ويُقالُ لهذا المتكلِّمِ مشبِّهٌ, بكسْرِ الموحَّدَةِ, ودالٌّ.

(٦) (بأمرٍ في وصْفٍ) أي: معنًى, والمرادُ به ما قابَلَ العينَ، خرجَ به اشتراكُ أمرين في عينٍ، نحوَ: شارَكَ زيدٌ عَمْراً في الدارِ. فلا يُسَمَّى تشبيهاً.

(٧) (بأداةٍ) دالَّةٍ علي الإلحاقِ المذكورِ لفظاً أو تقديراً خَرَجَ به اشتراكُ أمرين في معنًى على وجهِ الاستعارةِ التحقيقيَّةِ، نحوَ: رأيتُ أَسَداً في الحمَّامِ، أو على وجهِ الاستعارةِ بالكِنايةِ نحوَ: أَنْشَبَت الْمَنِيَّةُ أظفارَها، أو على وجهِ التجريدِ، نحوَ: لقِيتُ بزيدٍ أسداً، فإنه لا يُسَمَّى تشبيهاً اصطلاحاً، نعمْ هو تشبيهٌ لُغَوِيٌّ؛ إذ هو أَعَمُّ من الاصطلاحيِّ, فكلُّ اصطلاحيٍّ لُغَوِيٌّ, ولا عكسَ فيجتمعان في زيدٌ أسدٌ، ويَنفردُ اللُّغَوِيُّ في الاستعارةِ والتجريدِ.

(٨) (لغرضٍ) أي: لأمْرٍ باعثٍ على إيجادِه.

(٩) (والأمرُ الأوَّلُ يُسَمَّى المُشبَّهَ و) الأمرُ

(١٠) (الثاني المُشبَّهَ به) ويقالُ لهما: الطرَفان, كما سيأتي والمرادُ بهما معناهما, لا اللفظُ الدالُّ عليهما.

(١١) (والوصفُ) أي: المعنى المشترَكُ الجامِعُ بينَ الطرفين يُسَمَّى.

(١٢) (وجهَ الشبَهِ) سواءٌ كان تمامَ ماهيَّتِهِما أو جزءاً من ماهيَّتِهما أو خارجاً.

(١٣) (والأداةُ الكافُ ونحوَها) مما يدُلُّ على الإلحاقِ المذكورِ، فدَخَلَ في التعريفِ ما ذُكِرَتْ فيه أداةُ التشبيهِ, سواءٌ ذُكِرَ المُشبَّهُ.

(١٤) (نحوَ: العلْمُ كالنورِ في الهدايةِ فالعلْمُ مشبَّهٌ والنورُ مشبَّهٌ به, والهدايةُ وجهُ الشبهِ, والكافُ أداةُ التشبيهِ) أو لم يُذكَر المُشبَّهُ، نحوَ كالنورِ في الهدايةِ بحذفِ العلْمِ لقيامِ قرينةٍ، كما لو قيلَ: ما حالُ العلْمِ؟ وسواءٌ ذُكِرَ وجهُ الشبَهِ أم لا، ودَخَلَ فيه ما لم تُذكَرْ فيه أداةُ التشبيهِ, وجُعِلَ المُشبَّهُ به خبراً عن المُشبَّهِ, أو في حكْمِ الخبرِ سواءٌ كان مع ذكْرِ المُشبَّهِ، نحوَ العلْمُ نورٌ أو مع حذفِه نحوَ قولِه تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) أي: همْ، فقد جُعِلَ المُشبَّهُ به في حكْمِ الخبرِ عن المُشبَّهِ من حيث إفادةُ الاتِّحادِ وتَنَاسِي التشبيهِ, كما في الحالِ نحوَ: كرَّ زيدٌ أسداً. أي: كالأسدِ، والمفعولِ الثاني من بابِ عَلِمْتُ، نحوَ: علِمْتُ زيداً أسداً. أي: كالأسدَ، والصفةِ نحوَ: مررْتُ برَجُلٍ أسدٍ، أي: كالأسدِ، وماءُ اللُّجَيْنِ أي: كاللُّجَيْنِ، وكونِه مُبَيِّناً له نحوَ قولِه تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) .

ويَتعلَّقُ بالتشبيهِ [١] ثلاثةُ مباحثَ: الأوَّلُ في أركانِه، والثانى في أقسامِه، والثالثُ في الغرَضِ [٢] منه [٣].

(١) (١) (ويَتعلَّقُ بالتشبيهِ) هنا.

(٢) (ثلاثةُ مباحثَ: الأوَّلُ في أركانِه والثاني في أقسامِه، والثالثُ في الغرَضِ) الداعِي.

(٣) (منه) أي: من التشبيهِ.

المبحثُ الأوَّلُ [١] في أركانِ التشبيهِ [٢]


(أركانُ التشبيهِ أربعةٌ) [٣]: المشبَّهُ والمشبَّهُ به (ويُسمَّيان طرَفَي التشبيهِ) [٤] و [٥] وجهُ الشبَهِ والأداةُ [٦].

ووجْهُ الشبَهِ هو الوصْفُ الخاصُّ [٧] الذي قُصِدَ اشتراكُ الطرَفَيْن فيه [٨] كالهدايةِ في العلْمِ والنورِ [٩]

(١) المبحثُ الأوَّلُ في

(٢) أركانِ التشبيهِ

(٣) (أركانُ التشبيهِ أربعةٌ) المرادُ بالركْنِ ما يَتوقَّفُ عليه الشيءُ, أي: الأمورُ التي يَتوقَّفُ عليها تعريفُ التشبيهِ الاصطلاحيِّ السابِقِ لكونِها مأخوذةً فيه على أنها قيودٌ خارجيَّةٌ، ويَجوزُ أن يُرادَ بالركْنِ ما كان جُزءاً لحقيقةِ الشيءِ، فيُرادُ بالتشبيهِ الكلامُ الدالُّ على الإلحاقِ السابقِ، ولا شكَّ أنَّ ما سِوَى وجهِ الشبَهِ من الأربعةِ أجزاءٌ له، وكذا وجهُ الشبَهِ جُزْءٌ له باعتبارِ اللفظِ الدالِّ عليه. الركنان الأوَّلُ والثاني.

(٤) (المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به ويُسَمَّيَان طرَفَي التشبيهِ) ؛ لأنهما الأصلُ والعمدةُ في التشبيهِ؛ لأنهما معروضان للوجْهِ القائمِ بهما والمعروضُ أقوى من العارضِ؛ لأنه موصوفٌ والوصْفُ تابِعُه, ولأن الأداةَ آلةٌ لبيانِ التشبيهِ، وكثيراً ما يُستَغْنَى عنها في التركيبِ.

(٥) (و) الركنان الثالثُ والرابعُ.

(٦) (وجهُ الشبَهِ والأداةُ)

(١٠)

(٧) (ووجهُ الشبَهِ هو الوصفُ الخاصُّ) أي: الذي يكونُ فيه نوعُ خصوصيَّةٍ, بل زيادةُ اختصاصٍ بهما حتى يُفيدَ التشبيهَ.

(٨) (الذي قُصِدَ اشتراكُ الطرفَيْن فيه) أي: الذي قَصَدَ المتكلِّمُ بيانَ اشتراكِهما فيه.

(٩) (كالهدايةِ في العلْمِ والنورِ) أي: في تشبيهِ العلْمِ بالنورِ, فلا يكونُ من الذاتيَّاتِ, ولا من الأعراضِ العامَّةِ؛ لأن الكلامَ المفيدَ للتشبيهِ باعتبارِ ذلك لا يُفيدُ، فمثلاً إذا قلتَ: زيدٌ كالأسدِ فإنه لو اعتبرتَ وجهَ الشبَهِ الجراءةَ الْمُخْتَصَّةَ فيهما المشهورةَ في الأسدِ كان صحيحاً, ولو اعتَبَرْتَ الوجهَ فيهما الحيوانيَّةَ والجسميَّةَ والوجودَ والحدوثَ، فإن الكلامَ لا يصِحُّ لعمومِهِ وعدَمِ فائدتِه، هذا مالم يَتَعلَّقْ به غرَضٌ لقَصْدِ المتكلِّمِ، كالتعريضِ بمن لا يَفهمُ المشابَهةَ في وجهٍ من الوجوهِ فيكونُ فيها مزيدُ اختصاصٍ وارتباطٍ من حيث ذلك الغرَضُ، فيكونُ الكلامُ بذلك مفيداً وصحيحاً.

وأداةُ التشبيهِ [١] هي اللفظُ الذي يَدُلُّ علي معنى المشابَهَةِ [٢] كالكافِ [٣] وكأنَّ [٤] وما في معناهما [٥]، والكافُ يَليها المشبَّهُ به [٦]

بخلافِ كأنَّ، فيَلِيها المشبَّهُ [٧]، نحوَ [٨]:

كأنَّ الثُّرَيَّا [٩] راحةٌ تَشْبُرُ [١٠] الدُّجَا [١١] ... لِتنظُرَ طالَ الليلُ أمْ قد تَعرَّضَا [١٢]

(١) (وأداةُ التشبيهِ) أي: وآلتُه التي تدُلُّ عليه؛ لأن الأداةَ لغةً الآلةُ سُمِّيَ بها ما يُتَوَصَّلُ به إلى التشبيهِ اسماً كان أو فعْلاً أو حرفاً.

(٢) (هي اللفظُ الذي يدُلُّ على معنى المشابَهةِ) الإضافةُ بيانيَّةٌ أي: على معنًى هو المشابَهةُ بينَ الأمرَيْنِ.

(٣) (كالكافِ) نحوَ: خالدٌ كالأسدِ وهي الأصلُ لبساطتِها اتِّفاقاً وتَلْزَمُ إذا دخلَتْ على كلمةِ أن المفتوحةِ كلمةُ ما فيُقالُ عمرٌو قائمٌ كما أنَّ زيداً قائمٌ.

(٤) (وكأنَّ) نحوَ: خالدٌ كأنَّه أسدٌ، قيلَ: هي بسيطةٌ وقيلَ: مركَّبةٌ من الكافِ, ومِن أنَّ المشدَّدةِ، والأقربُ الأوَّلُ لجمودِ الحروفِ مع وقوعِها فيما لا يَصِحُّ فيه التأويلُ بالمصدرِ المناسِبِ لأنَّ المفتوحةِ.

(٥) (وما في معناهما) أي: واللفظِ الذي معناهما فيه, ففي الكلامِ قلْبٌ، وذلك مِثْلَ وشِبْهٌ، ونحوَ وما اشتُقَّ منها، كقولِهم في الجبانِ: ما أشبهَهُ بالأسدِ.

(٦) (والكافُ يَلِيها المُشبَّهُ به) لا المُشبَّهُ. وذلك؛ لأن المُشبَّهَ مُخْبَرٌ عنه بلحوقِ غيرِه محكومٌ عليه, فلو دخلَت الكافُ عليه لامتنَعَ الإخبارُ عنه، ومثلُها لفظُ: مثلَ ونحوَ وشِبْهُ ومماثِلٌ مما يَدْخلُ على المفرَدِ. وموالاةُ المُشبَّهِ به للكافِ ونحوِها، إما لفظاً، كقولِك زيدٌ كالأسدِ وإما تقديراً كقولِه تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) فالكافُ لم تَدخُلْ على المُشبَّهِ به لفظاً بل تقديراً؛ إذ المرادُ أو كَمَثَلِ ذَوِي صَيِّبٍ هذا هو الكثيرُ الغالِبُ، وقد يَلِيها ويَلِي نحوَها غيرُ المُشبَّهِ به فيما إذا كان المُشبَّهُ به مركَّباً، كقولِه تعالى: (وَاضْرِبْ لَهْمُ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ) إذ ليس المرادُ تشبيهَ حالِ الدنيا بالماءِ, ولا بمفرَدٍ آخرَ يُحْتَمَلُ تقديرُه، بل المرادُ تشبيهُ حالِها في نضارتِها وبهجتِها وما يَعْقُبُها من الهلاكِ والفَناءِ بحالِ النباتِ الحاصلِ من الماءِ يكونُ أخضرَ ناضِراً شديدَ الْخُضرَةِ, ثم يَيْبَسُ فتُطَيِّرُه الرياحُ كأنْ لم يكنْ.

(٧) (١) (بخلافِ كأنَّ فيَلِيها المُشبَّهُ) لأنها تدْخُلُ على الجملةِ.

(٨) (نحوَ) قولِ الشاعرِ.

(٩) (كأنَّ الثُّرَيَّا) وهي مجموعةٌ من الكواكبِ في عُنُقِ بُرْجِ الثَّوْرِ.

(١٠) (راحَةٌ تَشْبُرُ) أي: تُقَدِّرُ

(١١) (الدُّجَا) أي: ظُلْمَةُ الليلِ.

(١٢) (لتَنظُرَ طالَ الليلُ أم قد تَعَرَّضَا) أي: ظَهَرَ جانبُه.

وكأنَّ تُفيدُ التشبيهَ إذا كان خبرُها جامداً [١]، و [٢] الشكَّ إذا كان خبرُها مشتقًّا، نحوَ: كأنك فاهِمٌ [٣].

وقد يُذكَرُ فعْلٌ [٤] يُنْبِئُ [٥] عن التشبيهِ [٦]،

نحوَ قولِه تعالى: (إِذَا رَأَيْتَهُمْ [٧] حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) [٨].

وإذا حُذِفتْ أداةُ التشبيهِ [٩] و [١٠] وجهُه [١١] سُمِّيَ [١٢] تشبيهاً بليغاً [١٣]، نحوَ [١٤] (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً) [١٥] أي كاللباسِ في السِّتْرِ.

(١) (وكأنَّ تفيدُ التشبيهَ إذا كان خبرُها جامِداً) نحوَ: كأنَّ خالداً أسدٌ.

(٢) (و) تُفيدُ.

(٣) (الشكَّ إذا كان خبرُها مُشْتَقًّا نحوَ كأنك فاهمٌ) وذلك لأن خبرَها المشتَقَّ عينُ اسمِها المخاطَبِ, والشيءُ لا يُشَبَّهُ بنفسِه وهذا هو قولُ الزَّجَّاجِ, وذَكَرَ السعْدُ التفتازانِيُّ في المختصَرِ أنها تُستعمَلُ للتشبيهِ والظنِّ مطلَقاً سواءٌ كان الخبرُ جامدًا أو مشتَقًّا، وذكَرَ في المُطَوَّلِ أنه الحقُّ وأن استعمالَها للظنِّ مطلَقاً كثيرٌ في كلامِ المولَّدينَ وذَهَبَ فريقٌ ثالثٌ إلى أنها للتشبيهِ مطلَقاً, ولا تكونُ لغيرِه, وجَعَلَ نحوَ كأنك فاهمٌ على حذْفِ الموصوفِ أي: كأنك شخصٌ فاهِمٌ فلمَّا حُذِفَ الموصوفُ, وجُعِلَ الاسمُ بسببِ التشبيهِ, كأنه الخبرُ بعينِه صارَ الضميرُ يعودُ إلى الاسمِ لا إلى الموصوفِ المقدَّرِ.

(٤) (وقد يُذكرُ فعْلٌ) غيرُ الأفعالِ الموضوعةِ من أصلِها للدَّلالةِ على التشبيهِ لاشتقاقِها مما يَدلُّ عليه.

(٥) (يُنْبِئُ) أي: ذلك الفعلُ.

(٦) (عن التشبيهِ) بأن يُستعمَلَ فيما يُفيدُه من غيرِ ذكْرِ أداةٍ فيكونُ الفعلُ قائماً مقامَها، فإنْ كان كعلِمْتُ ونحوِه من صِيَغِ القطْعِ أفادَ قُرْبَ المشابَهةِ، بحيث يكونُ وجْهُ الشبَهِ قريبَ الإدراكِ فيَتحقَّقُ بأدنى الْتِفاتٍ إليه وإن كان كحَسِبْتُ وخِلْتُ ونحوِهما، أفادَ بُعْدَها بحيث يكونُ الوجهُ بعيداً عن التحقُّقِ وخَفِيًّا عن الإدراكِ العلْميِّ، فالأوَّلُ نحوَ قولِك عَلِمْتُ زيداً أسداً فإن العلْمَ معناه التحقُّقُ, وذلك يُناسبُ الأمورَ الظاهرةَ البعيدةَ عن الخفاءِ، فلذلك أفادَ عَلِمْتُ حالَ تشبيهِ زيدٍ بالأسدِ وأنه على وجهِ قُرْبِ المشابَهةِ، والثاني.

(٧) (١) (نحوَ قولِه تعالى: إِذَا رَأَيْتَهُمْ) أي: الْحُورَ العينَ التي في الجنةِ.

(٨) (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) فإن الْحُسْبانَ ليس فيه الرُّجْحَانُ بل إدراكٌ على وجهِ الاحتمالِ, ومن شأنِ البعيدِ عن الإدراكِ أن يكونَ إدراكُه كذلك، فأفادَ حَسِبْتُ حالَ التشبيهِ وأن فيه بُعْداً.

(٩) (وإذا حُذِفَتْ أداةُ التشبيهِ) بأن تُرِكَتْ بالكلِّيَّةِ وصارت نَسْياً مَنْسِيًّا بحيث لا تكونُ مقدَّرةً في نظْمِ الكلامِ لأجلِ الإشعارِ بأن المُشبَّهَ عينُ المُشبَّهِ به.

(١٠) (و) حُذِفَ

(١١) (وجهُه) أي: وجهُ التشبيهِ بأن تُرِكَ بالكلِّيَّةِ بحيث لا يكونُ مقدَّراً لأجْلِ الإشعارِ بأن اشتراكَ الطرَفَيْن ليس في صفةٍ واحدةٍ, بل في جميعِ الصفاتِ.

(١٢) (سُمِّيَ) أي: التشبيهُ المذكورُ.

(١٣) (تشبيهاً بليغاً) أي: واصلاً إلى درجةِ القَبولِ من البلوغِ بمعنى الوصولِ؛ لأن حذْفَ الأداةِ والوجهِ يُوقِعُ في ذهْنِ السامعِ تَحَقُّقَ دَعْوى اتِّحادِ الطرَفَيْن.

(١٤) (نحوَ) قولِه تعالى:

(١٥) (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً) أي: كاللباسِ في الستْرِ, وقد يُسَمَّى هذا التشبيهُ تشبيهاً مُؤَكَّداً أيضاً، إلا أن المعتَبَرَ في مفهومِ المؤكَّدِ كما سيأتي حذْفُ الأداةِ، سواءٌ حُذِفَ معها الوجهُ أو لم يُحْذَفْ، فهو أعمُّ من البليغِ. فتدبَّرْ.

المبحثُ الثاني في أقسامِ التشبيهِ [١]


يَنْقَسِمُ التشبيهُ باعتبارِ وجهِ الشبَهِ [٢] إلى [٣] تمثيلٍ وغيرِ تمثيلٍ، فالتمثيلُ [٤]

ما كان وجهُه [٥] مُنْتَزَعاً [٦] من مُتَعَدِّدٍ [٧]، كتشبيهِ الثريَّا بعُنقودِ العنبِ الْمُنَوَّرِ [٨]، وغيرُ التمثيلِ ما ليس كذلك [٩]، كتشبيهِ النَّجْمِ بالدِّرهمِ [١٠].

(١) المبحثُ الثاني في أقسامِ التشبيهِ

(٢) باعتبارِ وجْهِ الشَّبهِ وباعْتبارِ الأداةِ (يَنقسمُ التشبيهُ باعتبارِ وجهِ الشبَهِ) أي: باعتبارِ انتزاعِه من متعدِّدٍ أو عدمِ انتزاعِه منه.

(٣) (إلى) قسمين؛

(٤) (تمثيلٍ وغيرِ تمثيلٍ. فالتمثيلُ) أي: فالتشبيهُ الْمُسَمَّى تمثيلاً هو.

(٥) (١) (ما كان وجهُه) أي: وجهُ الشبَهِ فيه وصْفاً.

(٦) (مُنْتَزَعاً) أي: مأخوذاً

(٧) (من مُتَعَدِّدٍ) أي: أمرين, أو أمورٍ, والمرادُ بالمتعدِّدِ ما له تعدُّدٌ في الجملةِ, سواءٌ كان ذلك التعدُّدُ متعلِّقاً بأجزاءِ الشيءِ الواحدِ أو لا

(٨) (كتشبيهِ الثُّرَيَّا بعُنقودِ العِنبِ الْمُنَوَّرِ) في قولِ أُحَيْحَةَ الْجَلَّاحِ:

وقد لاحَ في الصبْحِ الثريَّا كما تَرى ... كعُنقودِ مُلَّاحِيَّةٍ حينَ نوَّرا

فالطرَفان وهما الثُّرَيَّا وعُنقودُ العِنبِ مُفرَدان, ووجهُ الشبَهِ الجامعُ بينَهما هيئةٌ منتزَعةٌ من أجزاءِ كلٍّ، ومن وصفِه ووصْفِ جزئِه أعنِي هيئةً حاصلةً من اجتماعِ أجرامٍ بيضٍ مستديرةٍ صغارِ المقاديرِ في كلٍّ.

(٩) (وغيرُ التمثيلِ ما ليس كذلك) أي: ما لم يكنْ وجهُ الشبَهِ فيه منتزَعاً من متعدِّدٍ بأن كان مفرَداً.

(١٠) (كتشبيهِ النجمِ بالدرهمِ) فوجهُ الشبَهِ الاستدارةُ, وليس منتزَعا من متعدِّدٍ. هذا هو مذهبُ الجمهورِ، وذَهَبَ السكَّاكِيُّ إلى أنه يُشترَطُ في وجهِ الشبَهِ المنتزَعِ من متعدِّدٍ في التمثيلِ كونُه غيرَ متحقِّقٍ حِسًّا ولا عقْلاً، بل كان اعتباراً وهْمِيًّا فيَنحصِرُ عندَه في التشبيهِ الذي وجهُه مركَّبٌ اعتباريٌّ وهميُّ، كحِرمانِ الانتفاعِ بأبلغِ نافعٍ مع الكَدِّ والتعَبِ في استصحابِه في تشبيهِ مثلِ اليهودِ بمثلِ الْحِمارِ في قولِه تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ... ) الآيةَ. فالتمثيلُ عندَ السَّكَّاكِيِّ أخَصُّ منه بتفسيرِ الجمهورِ وغيرُ التمثيلِ عندَه أعمُّ لصِدقِه بما لم يكنْ وجهُه منتزَعاً من متعدِّدٍ وبما كان منتزَعاً من متعدِّدٍ ولكن ليس وهميًّا ولا اعتباريًّا، بل كان وصفاً حقيقيًّا بأن كان حِسِّيًّا أو عقليًّا فبينَ المذهبين عمومٌ وخصوصٌ باعتبارِ الصدقِ.

(ويَنقسمُ) [١] بهذا الاعتبارِ [٢] أيضاً [٣] إلى [٤] مُفَصَّلٍ ومُجْمَلٍ.

(فالأوَّلُ) [٥] ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبهِ [٦]، نحوَ [٧]:

وثَغْرُه [٨] فى صفاءٍ [٩] ... وأَدمُعِى [١٠] كاللآلِي [١١]

(١) (ويَنقسمُ) التشبيهُ.

(٢) (بهذا الاعتبارِ) أي: باعتبارِ ذكْرِ وجْهِ الشبَهِ وعدَمِ ذكْرِه.

(٣) (أيضاً) أي: كما يَنقسمُ الانقسامَ السابقَ.

(٤) (إلى) قسمين.

(٥) (مفصَّلٌ ومجمَلٌ فالأوَّلُ) أي: التشبيهُ المفصَّلُ.

(٦) (ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبَهِ) أعمُّ من أن يكونَ المذكورُ وجهَ الشبَهِ حقيقةً.

(٧) (نحوَ) قولِ الشاعرِ:

(٨) (١) (وثَغْرُه) أي: أسنانُ ثَغْرِه أي: فَمِهِ مبتدأٌ

(٩) (في صفاءٍ) وجهُ الشبَهِ.

(١٠) (وأَدمُعِي) معطوفٌ على ثغرِه أي: في صفاءٍ أيضاً.

(١١) (كاللآلي) أي: كالجواهرِ الصافيةِ، فوجْهُ الشبَهِ وهو الصفاءُ مذكورٌ، ووصَفَ الدموعَ بالصفاءِ إشعاراً بكثرتِها لاقتضاءِ الكثرةِ تغسيلَ المنبَعِ وتنقيتَه من الأوساخِ التي تَمتزِجُ بالماءِ، ومن لازمِ ذلك صفاءُ الدمْعِ بخلافِ القليلِ فيَصِحُّ معه بقاءُ تَكدُّرِ المنبَعِ بالأوساخِ فلا يَصفُو، أو يكونَ المذكورُ ملزومَ وجهِ الشبَهِ فيُطلَقُ عليه أنه وجهُ الشبَهِ تَسامُحاً، وإن كان وجهُ الشبَهِ حقيقةً هو اللازمَ الذي لم يُذكَرْ، نحوَ قولِهم في الكلامِ الفصيحِ: هو كالعَسَلِ في الحلاوةِ، فإن الجامعَ لازمُها وهو ميلُ الطبْعِ واستحسانُه للكلامِ، لا نفسُ الحلاوةِ؛ لأنها من خواصِّ المطعوماتِ.

(والثانى) [١] ما ليس كذلك [٢]، نحوَ: النحوُ فى الكلامِ كالمِلْحِ فى الطعامِ [٣]

(ويَنقسمُ) [٤] باعتبارِ أداتِه [٥] إلى [٦] مؤكَّدٍ وهو ما حُذِفَتْ أداتُه [٧]،

نحوَ: هو بحرٌ فى الْجُودِ [٨]. ومُرْسَلٍ [٩]، وهو ما ليس كذلك [١٠]، نحو: هو كالبحرِ كَرَماً [١١].

ومن المؤكَّدِ ما أُضِيفَ فيه المشبَّهُ به إلى المشبَّهِ [١٢]، نحوُ [١٣]:

(١) (والثاني) أي: التشبيهُ المجمَلُ.

(٢) (ما ليس كذلك) أي: ما لم يُذْكَرْ فيه وجهُ الشبَهِ بشيءٍ سُمِّيَ بذلك لإجمالِ وجهِه سواءٌ كان هذا الوجهُ الغيرُ المذكورِ ظاهراً يَفْهَمُه كلُّ مَن له مَدْخَلٌ في استعمالِ التشبيهِ، نحوَ: خالدٌ كالأسدِ، فإن كلَّ أحدٍ يَفهمُ من هذا الكلامِ أن وجهَ الشبَهِ هو الجراءةُ لكونِه أشهرَ أوصافِ الأسدِ و.

(٣) (نحوَ: النحوُ في الكلامِ كالْمِلحِ في الطعامِ) أي: أن الكلامَ لا تَحصُلُ منافعُه من الدَّلالةِ على المقاصدِ, إلا بمراعاةِ القواعدِ النحويَّةِ، كما أن الطعامَ لا تَحصُلُ به التغذِيَةُ على وجهِ الكمالِ ما لم يصلُحْ بالْمِلْحِ، فوجهُ الشبَهِ هو صلاحُ كلٍّ من الكلامِ والطعامِ بإعمالِ كلٍّ من النحوِ والْمِلْحِ على الوجهِ اللائقِ وفسادُ كلٍّ منهما بإهمالِها، وهذا ظاهرٌ، أو خَفِيًّا لا يُدْرِكُه إلا الخواصُّ الذين أُعْطُوا ذِهْناً يُدْرِكون به الدقائقَ والأسرارَ كقولِ كعْبِ بنِ سعْدٍ الأشعَرِيِّ: هم كالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ لا يُدْرَى أين طَرَفاها، أي: أصولُهم وفروعُهم متناسِبَةٌ في الشرَفِ كما أن الحلْقةَ الْمُفْرَغَةَ في قالَبٍ متناسِبةُ الأجزاءِ في الصورةِ، فوجْهُ الشبَهِ بينَهما التناسُبُ الكلِّيُّ الذي يَمتنِعُ منه التفاوتُ، وإن كان ذلك التناسبُ في المُشبَّهِ تناسُباً في معنى الشرَفِ وفي المُشبَّهِ به تناسُباً في صورةِ الأجزاءِ ولا يَخفَى أن هذا الوجهَ في غايةِ الدِّقَّةِ لا يُدْرِكُه إلا الخواصُّ.

(٤) (ويَنقسمُ) التشبيهُ.

(٥) (باعتبارِ أداتِه) أي: حذفِها وذِكْرِها.

(٦) (إلى) قسمين؛ مؤكَّدٌ.

(٧) (وهو ما حُذِفتْ أداتُه) حذْفاً يُعتبَرُ معه تَناسِي التقديرِ، سواءٌ حُذِفَ وجهُ الشبَهِ أولم يُحذَفْ، فالأوَّلُ نحوَ: هو بحرٌ، ويُسَمَّى حينئذٍ تشبيهاً بليغاً. والثاني.

(٨) (١) (نحوَ: هو بحرٌ في الجُودِ) سُمِّيَ مؤكَّداً لتأكُّدِه بحذفِ الأداةِ حيث جُعِلَ المُشبَّهُ عينَ المُشبَّهِ به وصادِقاً عليه.

(٩) (ومرسَلٍ) بالجرِّ.

(١٠) (وهو ما ليس كذلك) أي: ما لم تُحْذَفْ أداتُه بأن ذُكرَتْ.

(١١) (نحوَ: هو كالبحرِ كَرَماً) أي: من جهةِ الكرَمِ سُمِّيَ مُرْسَلاً لإرسالِه من التوكيدِ.

(١٢) (ومن المؤكَّدِ ما أُضيفَ فيه المُشبَّهُ به إلى المُشبَّهِ) أي: بعدَ حذْفِ الأداةِ وتقديمِ المُشبَّهِ به على المُشبَّهِ بل هذا أوْكَدُ من غيرِه؛ لأن الإضافةَ فيه تُجْعَلُ بيانيَّةً وهي تَقتَضِي الاتِّحادَ في المفهومِ والماصدَقَ معاً بخلافِ ما إذا لم تكنْ إضافةً كالمثالين السابقين فلا يُقْتَضَي الاتِّحادُ في الماصَدَقِ.

(١٣) (نحوَ) قولِ الشاعرِ:

والريحُ تَعبَثُ بالغصونِ [١] و [٢] قد جَرَى ... ذَهَبُ الأصيلِ [٣] على لُجَيْنِ الماءِ [٤]

المبحثُ الثالثُ فى أغراضِ التشبيهِ [٥]


الغرضُ من التشبيهِ إما بيانُ إمكانِ [٦] المشبَّهِ [٧]،

نحوَ: [٨]

(١) (والريحُ تَعبَثُ بالغُصونِ) أي: تُحرِّكُها تحريكاً كفعْلِ اللاعبِ العابثِ.

(٢) (و) الحالُ.

(٣) (قد جَرَى ذهَبُ الأصيلِ) أي: بَدَتْ الصُّفْرَةُ في الوقتِ المُسَمَّى بالأصيلِ, وهو من بعدِ العصرِ إلى الغروبِ.

(٤) (على لُجَيْنِ الماءِ) أي: على الماءِ الذي هو كاللُّجَيْنِ, أي: الفضَّةِ في الصفاءِ والإشراقِ، وهذا تشبيهٌ مؤكَّدٌ يَجعلُ المُشبَّهَ عينَ المُشبَّهِ به بواسطةِ جعْلِ الإضافةِ بيانيَّةً.

(٥) المبحثُ الثالثُ في أغراضِ التشبيهِ

الأغراضُ جمْعُ غرَضٍ والمرادُ به الأمرُ الباعثُ للمتكلِّمِ في استعمالِ التشبيهِ، وهو قسمان: أحدُهما أن يكونَ غَرَضًا عائداً إلى المُشبَّهِ، والثاني أن يكونَ عائداً إلى المُشبَّهِ به، أما الأوَّلُ فهو المشارُ إليه بقولِه.

(٦) (الغرضُ من التشبيهِ إما بيانُ إمكانِ) وجودِ

(٧) (المُشبَّهِ) أي: بيانُ أن المُشبَّهَ أمْرٌ ممكِنُ الوجودِ, وذلك فيما إذا كان المُشبَّهُ أمْراً غريباً يُمْكِنُ أن يُدَّعَى استحالةُ وقوعِه لغرابتِه فيُؤْتَى بالتشبيهِ على طريقِ الدليلِ على إثباتِه، بأن يُشَبَّهَ بأمرٍ مُسَلَّمِ الإمكانِ لوقوعِه في وجهٍ جامعٍ بينَهما, فيُسَلَّمُ إمكانُ المدَّعَى؛ إذ لو استحالَ انْتَفى معناه الكُلِّيُّ عن كلِّ فردٍ, فيَلزَمُ انتفاءُ ذلك الواقعِ وهو محالٌ فيَثْبُتُ المدَّعَى.

(٨) (١) (نحوَ) قولِ أبي الطَّيِّبِ المتنَبِّي من قصيدتِه التي رَثَى بها والدةَ سيفِ الدولةِ ابنِ حَمْدانَ.

فإن تَفُقِ الأنامَ [١] و [٢] أنت منهم [٣] ... فإن المِسْكَ [٤] بعضُ دَمِ الغزالِ [٥]

فإنه لما ادَّعَى [٦] أن الممدوحَ مُبايِنٌ لأصلِه بخصائصَ [٧] جَعَلَتْه [٨] حقيقةً منفرِدَةً [٩] احتَجَّ على إمكانِ دَعْواه [١٠] بتشبيهِه [١١] بالمِسْكِ الذى أصلُه دمُ الغزالِ [١٢].

وإما بيانُ حالِه [١٣]، كما [١٤] فى قولِه [١٥]:

(١) (فإن تفُقِ الأنامَ) أي: إن تَعْلُ بالشرفِ الأنامَ الموجودِين في زمانِك من إنسٍ وجِنٍّ حتى صِرْتَ كأنك جنْسٌ آخَرُ استُفِيدَ صَيْرُورتُه جنساً آخَرَ من تعميمِ الأنامِ بواسطةِ أن الداخلَ في الجنسِ لابد أن يساويَه فردٌ منه غالباً.

(٢) (و) الحالُ أنك.

(٣) (أنت منهم) أي: بحسبِ الأصلِ؛ لأنك آدَمِيٌّ بالأصالةِ فلا يُنافي دعوى صيرورتِه جنساً برأسِه، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ أُقيمَ مُقامَه حالُ المُشبَّهِ به, وهو ما أُشيرَ إليه بقولِه.

(٤) (فإنَّ الْمِسْكَ) أي: إن خرَجْتَ أيُّها الممدوحُ عن جنسِك بكمالِ أوصافِك فلا بُعْدَ في ذلك, ولا استغرابَ؛ لأنك كالْمِسْكِ، والْمِسْكُ في أصلِه.

(٥) (بعضُ دمِ الغزالِ) وقد خرَجَ عن جنسِه بكمالِ أوصافِه, فحالُك كحالِ الْمِسْكِ.

(٦) (فإنه لما ادَّعَى) أي: الشاعرُ هذا علَّةً لصحَّةِ التمثيلِ بالبيتِ لكونِ الغرَضِ من التشبيهِ بيانَ إمكانِ المُشبَّهِ.

(٧) (أن الممدوحَ مبايِنٌ لأصلِه بخصائصَ) أي: صفاتٍ فاضلةٍ.

(٨) (جعلَتْه) أي: الممدوحَ.

(٩) (حقيقةً منفرِدةً) أي: بنفسِها ومستقلَّةً برأسِها وكان هذا المدَّعَى في الظاهرِ مما يمكِنُ أن تُدَّعَى استحالتُه.

(١٠) (احتجَّ على إمكانِ دَعْواه) أي: أقامَ الْحُجَّةَ أي: الدليلَ على إثباتِ هذا المدَّعَى وإمكانِه لدفْعِ إنكارِه لغرابتِه.

(١١) (بتشبيهِه) أي: الممدوحِ.

(١٢) (بالمسْكِ الذي أصلُه دمُ الغزالِ) بجامعِ فوَقَانِ الأصلِ في كلٍّ، وهذا التشبيهُ ليس مذكوراً صراحةً بل كِنايةً ذُكِرَ لازِمُه وهو وجهُ الشبَهِ أعني فَوَقَانَ الأصلِ وأُريدَ الملزومُ وهو التشبيهُ.

(١٣) (وإما بيانُ حالِه) أي: حالِ المُشبَّهِ، ومعنى ذلك أن يُبَيِّنَ الوصْفَ الذي هو عليه, للجهْلِ به عندَ السامعِ بأن يُقَرِّرَ بذلك التشبيهِ أيَّةَ حالةٍ وصِفَةٍ كان عليها المُشبَّهُ عندَ سؤالِ المخاطَبِ ذلك بلفظِه أو بحالِه.

(١٤) (كما) أي: كالبيانِ الكائنِ.

(١٥) (في قولِه) أي: الشاعرِ.

كأنك شمسٌ والملوكُ كواكبُ ... إذا طَلَعَتْ [١] لم يَبْدُ [٢] منهنَّ كوكبُ [٣]

وإما بيانُ مِقدارِ حالِه [٤]، نحوَ [٥]:

فيها اثنتان وأربعون [٦] حلوبةً ... سُوداً كخافِيَةِ الغُرابِ الأسحَمِ [٧]

شَبَّهَ النُّوقَ السُّودَ [٨] بخافِيَةِ الغرابِ بياناً لمقدارِ سوادِها [٩].

وإما تقريرُ حالِه [١٠]، نحوَ [١١]:

إن القلوبَ إذا تَنافَرَ [١٢] وُدُّها [١٣] ... مثلَ الزجاجةِ كَسْرُها لا يُجْبَرُ [١٤]

(١) (كأنك شمسٌ والملوكُ كواكبُ. إذا طلَعَتْ) أي: الشمسُ.

(٢) (لم يَبْدُ) أي: لم يَظْهَرْ.

(٣) (منهن كوكبُ) شبَّهَ المخاطَبَ بالشمسِ بياناً لحالِه من الظهورِ، وشبَّهَ الملوكَ بالكواكبِ بياناً لحالِهم من عدَمِ الظهورِ بجانبِه, فيكونُ هذا التشبيهُ لبيانِ حالِ المُشبَّهِ إذا علِمَ السامعُ حالَ المُشبَّهِ به دونَ المُشبَّهِ، بخلافِ ما لو كان حالُ المُشبَّهِ معلوماً له قبلَ التشبيهِ فلا يكونُ ذلك التشبيهُ لبيانِ حالِ المُشبَّهِ؛ لأنها مبيَّنَةٌ ومعلومةٌ, وتَبيينُ المبيَّنِ عَبَثٌ، بل يكونُ لمدحِه فتدَبَّرْ.

(٤) (وإما بيانُ مقدارِ حالِه) أي: كَمِّيتِهَا بأن عرَفَ السامعُ صفتَه, ولكن جَهِلَ مَرتَبَتَها من قوَّةٍ وضعْفٍ وزَيْدٍ ونقْصٍ.

(٥) (نحوَ) قولِ الشاعرِ.

(٦) (فيها اثنتان وأربعون) نِياقاً.

(٧) (حَلوبَةً. سُوداً كخافِيَةِ الغُرابِ الأسحَمِ) الخافيةُ تُجمَعُ على خَوَافٍ وهي ما دونَ الرِّيشاتِ العشْرِ من مقدَّمِ الْجَناحِ.

(٨) (شبَّهَ النُّوقَ السودَ) أي: شبَّهَ الشاعرُ النِّياقَ السودَ أي: المعلومَ أصلُ سوادِها.

(٩) (بخافِيَةِ الغرابِ بياناً لمقدارِ سوادِها) في الشدَّةِ حيثُ عَلِمَ السامعُ مقدارَ حالِ المُشبَّهِ به دونَ المُشبَّهِ نظيرَ الغرضِ الآنفِ ذِكرُه.

(١٠) (وإما تقريرُ حالِه) أي: حالِ المُشبَّهِ في نفْسِ السامعِ بإبرازِها فيما هي أظهرُ وأقوى.

(١١) (نحوَ) قولِ الشاعرِ.

(١٢) (إنَّ القلوبَ إذا تَنافَرَ) أي: ذَهَبَ.

(١٣) (وُدُّها) أي: محبَّتُها.

(١٤) (مثلُ الزجاجةِ كسْرُها لا يُجبَرُ) أي: لا يُمكِنُ إصلاحُه

شَبَّهَ [١] تَنافُرَ القلوبِ [٢] بكَسْرِ الزجاجةِ تثبيتاً [٣] لتَعَذُّرِ عودتِها [٤] إلى ما كانت عليه من [٥] الموَدَّةِ [٦] , وإما تزيينُه [٧]، نحوَ [٨]:

سوداءُ واضحةُ الْجَبِيـ ... نِ كمُقلَةِ الظَّبْيِ الغريرِ [٩]

شبَّهَ [١٠] سوادَها [١١] بسوادِ مُقْلَةِ الظَّبْيِ [١٢] تحسيناً لها [١٣].

وإما تقبيحُه [١٤]، نحوَ [١٥]:

(١) (١) (شبَّهَ) الشاعرُ.

(٢) (تَنافُرَ القلوبِ) وحالُه واضحٌ.

(٣) (بكسْرِ الزجاجةِ تثبيتًا) أي: قصْدًا لتقريرِه في ذهْنِ السامعِ.

(٤) (لتعذُّرِ عودتِها) أي: القلوبِ.

(٥) (إلى ما كانت عليه من) الأُنْسِ و.

(٦) (المودَّةِ) كما أن الزجاجةَ المكسورةَ يَتعذَّرُ جبْرُها بجامِعِ تعذُّرِ العوْدِ إلى ما كان عليه في كلٍّ، وإنما أفادَ التقريرُ المذكورُ؛ لأن تعذُّرَ العودِ إلى ما كان عليه في الزجاجةِ أمرٌ حِسِّيٌّ متحقِّقٌ بالشهودِ, والنفسُ بالحسِّيِّ أكثرُ إلْفاً منها بغيرِه.

(٧) (وإما تزيينُه) أي: إيقاعُ زينتِه وحسْنِه في ذهْنِ السامعِ فيَتخيَّلُ أنه كذلك ترغيباً فيه, ولو لم يكنْ في نفسِ الأمرِ كذلك بأن يُصَوِّرَه للسامِعِ بصورةٍ حسَنةٍ، سواءٌ كانت تُدرَكُ بالعينِ أو بغيرِها.

(٨) (نحوَ) قولِ الشاعرِ في امرأةٍ.

(٩) (سوداءُ واضحةُ الْجَبينِ كمُقْلَةِ الظبْيِ الغَريرِ) الْمُقْلَةُ بضمِّ الميمِ: شَحْمَةُ العينِ, أو هي السوادُ والبياضُ منها. والغَريرُ بفتحِ الغَيْنِ المعجَمَةِ أي: الحسَنُ خَلْقاً بفتحِ الخاءِ المعْجَمَةِ.

(١٠) (شبَّهَ) الشاعرُ.

(١١) (سوادَها) أي: سوادَ المرأةِ

(١٢) (بسوادِ مُقْلَةِ الظبْيِ) أي: بالسوادِ الكائنِ في مُقْلَةِ الظبْيِ.

(١٣) (تَحسيناً لها) أي: تصويراً للسامعِ إيَّاها بصورةٍ حسَنةٍ، وإنما أفادَ ذلك؛ لأن السوادَ الذي في مُقْلَةِ الظبْيِ أوجبَ لها حسْناً، لأن السوادَ في العينِ حسَنٌ بالْجِبِلَّةِ وذلك لِمَا يُلازِمُه من الصفاءِ العجيبِ، والاستدارةِ مع إحاطةِ لونٍ مخالِفٍ له غالباً من نفسِ العينِ أو خارجِها. قال في الأطْوَلِ: والتشبيهُ مبْنِيٌّ على ما قالَ الأصمعيُّ من أن عينَ الظبْيِ وبَقَرِ الوحْشِ في حالِ الحياةِ كلَّها سوادٌ, وإنما يَظهرُ فيها البياضُ مع السوادِ بعدَ الموتِ. ا هـ.

(١٤) (وإما تقبيحُه) أي: إيقاعُ قبْحِ المُشبَّهِ في ذهْنِ السامعِ لتنفيرِه عنه, فيُتخيَّلُ أنه كذلك, ولو لم يكنْ في نفسِ الأمرِ كذلك بأن يُصوِّرَه بصورةٍ قبيحةٍ.

(١٥) (نحوَ) قولِ الشاعرِ.

وإذا أَشارَ محدِّثاً [١] فكأنَّه ... قِرْدٌ [٢] يُقَهْقِهُ [٣] أو عجوزٌ تَلْطِمُ [٤]

وقد يعودُ الغرَضُ [٥] إلى المشبَّهِ به [٦] إذا عُكِسَ طرفا التشبيهِ [٧]، نحوَ [٨]:

وبَدا [٩] الصباحُ [١٠] كأن غُرَّتَه [١١] ... وجهُ الخليفةِ [١٢] حين يُمْتَدَحُ [١٣]

ومثلُ هذا [١٤] يُسَمَّى بالتشبيهِ المقلوبِ [١٥].

(١) (وإذا أشارَ محدِّثاً) اسمُ فاعلٍ من التحديثِ حالٌ.

(٢) (فكأنَّه قرْدٌ) حيوانٌ معروفٌ عندَ العامَّةِ بالسَّعْدَانِ.

(٣) (يُقَهْقِهُ) أي: يَشتدُّ ضَحِكُه.

(٤) (أو عجوزٌ تَلْطِمُ) بكسْرِ الطاءِ المهمَلةِ, أي: تَضرِبُ خدَّها أو صَفْحةَ جسدِها بالكَفِّ مفتوحةً أو بباطنِ كفِّها، والغرَضُ من التشبيهِ في هذا هو تشويهُ المُشبَّهِ به وذمُّه (وأما القسمُ الثاني فقد أشارَ إليه بقولِه.

(٥) (١) (وقد يعودُ الغرَضُ) أي: من التشبيهِ.

(٦) (إلى المُشبَّهِ به) لفظاً, وإن كان مشبَّهاً معنًى.

(٧) (إذا عكِسَ طرَفَا التشبيهِ) أي: إذا جُعِلَ المُشبَّهُ مشبَّهاً به, وبالعكسِ فإن الغرَضَ في ذلك إيهامُ السامعِ أن المُشبَّهَ به أَتَمُّ من المُشبَّهِ في وجهِ الشبَهِ مع أنه ليس كذلك في الواقعِ.

(٨) (نحوَ) قولِ محمَّدِ بنِ وُهَيْبٍ الْحِمْيَرِيِّ في مدْحِ الخليفةِ المأمونِ.

(٩) (وبَدَا) أي: ظهَرَ.

(١٠) (الصباحُ) أي: الصبْحُ.

(١١) (كأنَّ غُرَّتَهُ) إضافةُ الغُرَّةِ إلى الضميرِ للبيانِ, أي: كأنَّ الغُرَّةَ التي هي من الصباحِ؛ لأنَّ الغُرَّةَ في الأصْلِ بياضٌ في جَبْهةِ الفرَسِ فوقَ الدرهمِ استعارَها الشاعرُ للضياءِ التامِّ الحاصلِ عندَ الإسفارِ فيكونُ المرادُ بالغُرَّةِ نفسَ الصباحِ.

(١٢) (وجهُ الخليفةِ) المأمونِ بنِ هارونَ الرَّشِيدِ العباسيِّ.

(١٣) (حينَ يُمْتَدَحُ) أي: حالَ الامتداحِ أعني قَبولَ المدحِ فوجهُ الخليفةِ هو المُشبَّهُ بالأصالةِ ضرورةَ أن إشراقَ الصباحِ أقوى ضياءً, وأظهرُ من إشراقِ وجهِ الخليفةِ, لكنْ عَكَسَ التشبيهَ فجَعلَه مشبَّهاً به؛ ليُوهِمَ أن هذا المُشبَّهَ به لفظاً وهو وجهُ الخليفةِ أقوى من المُشبَّهِ لفظاً وهو الصباحُ أو غُرَّتِه على قاعدةِ ما يُفيدُه التشبيهُ بالأصالةِ من كونِ المُشبَّهِ به أقوى من المُشبَّهِ في وجهِ الشبَهِ.

(١٤) (ومِثلُ هذا) أي: التشبيهِ الذي عُكِسَ طرَفاه.

(١٥) (يُسَمَّى بالتشبيهِ المقلوبِ) وهو الذي يُجعَلُ فيه المُشبَّهُ الذي هو الناقصُ بالأصالةِ مشبَّهاً به، ويُجعلُ فيه المُشبَّهُ به الذي هو الكاملُ بالأصالةِ مشبَّهاً، فإذا جُعِلَ كذلك وَقعَ في وهْمِ السامعِ أن المُشبَّهَ به الناقصَ أَتَمُّ من المُشبَّهِ في وجهِ الشبَهِ؛ لأن مُقْتَضَى أصلِ تركيبِ التشبيهِ كمالُ المُشبَّهِ به عن المُشبَّهِ في وجهِ الشبَهِ، ويُسَمَّى أيضاً التشبيهَ المعكوسَ أو الْمُنْعَكِسَ.

الْمَجَازُ [١]


هو [٢] اللفظُ [٣] المستعمَلُ فى غيرِ ما وُضِعَ له [٤] لعَلاقةٍ [٥] مع قرينةٍ [٦] مانِعةٍ من إرادةِ المعنى السابقِ [٧]

(١) (١) (المَجازُ)

أي المَجازُ اللُّغَوِىُّ المفرَدُ؛ لأنه المرادُ إذا أُطلِقَ المَجازُ, وسيأتي مَجازٌ يُسَمَّى بالمَجازِ العقليِّ، ومَجازٌ يُسَمَّى بالمَجازِ المركَّبِ.

(٢) (هو) أي: المَجازُ الشاملُ لأقسامِه في الأصلِ اسمُ مكانٍ بمعنى مَحَلِّ الجوازِ والسلوكِ, وهو نفسُ الطريقِ. واصطلاحاً:

(٣) (اللفظُ) أي: القولُ أعمُّ من أن يكونَ مفرداً أو مُرَكبًّا.

(٤) (المستعمَلُ في غيرِ ما وُضِعَ له) أي: في معنًى مُغايرٍ لكلِّ المعنى الذي وُضِعَ اللفظُ له وضْعاً شخصيًّا في الموضوعِ بالوضْعِ الشخصيِّ أو مغايرٍ للمعنى الذي وُضِعَ اللفظُ له وضْعاً نوعيًّا في الموضوعِ بالوضعِ النوعيِّ.

(٥) (لعَلاقةٍ) أي: لملاحَظةِ عَلاقةٍ, بفتحِ العينِ المهمَلةِ, وهي المناسَبةُ بينَ المعنى المنقولِ عنه الأصليِّ, والمعنى المنقولِ إليه المَجازيِّ، وتكونُ هي السببَ في الاستعمالِ.

(٦) (مع قرينةٍ) أي: حالَ كونِ ذلك اللفظِ المستعمَلِ في الغيرِ مُصاحِباً لقرينةٍ, وهي الأمرُ الذي يَجْعَلُه المتكلِّمُ دليلاً، على أنه أرادَ باللفظِ غيرَ ما وُضِعَ له. وهي قسمان: لفظيَّةٌ وهي التي يُلْفَظُ بها في التركيبِ، وحاليَّةٌ أو معنويَّةٌ وهي التي تُفهَمُ من حالِ المتكلِّمِ أو من الواقعِ.

(٧) (مانعةٍ من إرادةِ المعنى السابقِ) الأصليِّ, أي: دالَّةٍ على عدَمِ إرادةِ المتكلِّمِ للمعنى السابقِ الموضوعِ وضعاً أوَّليًّا. وأما القرينةُ المعيِّنةُ التي تُعيِّنُ المعنى المرادَ فليس شرطاً في المَجازِ. فقولُه: اللفظُ. جِنْسٌ دَخَلَ به المَجازُ المركَّبُ كما تَقدَّمَ فيكونُ التعريفُ لِمَا يَعُمُّ قِسْمَي المُفْرَدِ والمركَّبِ, ولك أن تُخَصِّصَ بالمَجازِ المفرَدِ وهو الأنسبُ هنا, فتُعبِّرُ بدلَ اللفظِ بالكلمةِ, أي: سواءٌ كانت اسماً أو فعلاً أو حرفاً فيَخرُجُ عنها المَجازُ المركَّبُ. وقولُه المستعمَلُ قيْدٌ أوَّلُ خرَجَ به اللفظُ المُهْمَلُ الذي لم يُوضَعْ أصلاً حتى إنه يُستعمَلُ، واللفظُ الموضوعُ قبلَ استعمالِه فلا يُسَمَّى كلٌّ منهما مَجازاً كما لا يُسَمَّى حقيقةً. وقولُه في غيرِ ما وُضِعَ له قيْدٌ ثانٍ خرَجَ به اللفظُ المستعمَلُ فيما وُضعَ له على الإطلاقِ فإنه يُسَمَّى حقيقةً سواءٌ كان لفظُها مُرْتَجَلاً بأن لم يَتقدَّمْ له وضْعٌ، كسُعادَ وأَدَدٍ، أو منقولاً بأن تَقَدَّمَ له وضْعٌ، كزيدٍ علَمٌ على شخصٍ، وسواءٌ كان الارتجالُ والنقلُ في العَلَميَّةِ كما مثَّلْنا, أو في الجنسيَّةِ كالعين في المعنى الثاني؛ إذ لا بدَّ أن يَتقدَّمَ أحدُ الوضعين وكالأسدِ في الأوَّلِ ودَخَلَ في المنقولِ المشترَكُ المستعمَلُ في أحدِ معانيه كالعينِ إذا استُعمِلَتْ في الباصرةِ مثلاً. فإنه حقيقةٌ ولا يُسَمَّى مَجازاً على أنه لا يَصْدُقُ عليه أنه مستعمَلٌ في معنًى مغايِرٍ لكلِّ ما وُضِعَ له وإن كان معنى الباصرةِ مُغَايراً للذَّهَبِ إذا استُعْمِلَت العينُ فيه مثلاً. وقولُه لعَلاقةٍ قيْدٌ ثالثٌ اعتُبِرَ شرطاً لصحَّةِ الاستعمالِ المَجازيِّ؛ لأن إطلاقَ اللفظِ على غيرِ معناه الأصليِّ ونقْلَه له على أن يكونَ الأوَّلُ أصلاً والثاني فرعاً تشريكٌ بينَ المعنيين في اللفظِ وتفريعٌ لأحدِ الإطلاقين على الآخَرِ، وذلك يَستدْعِي وجهاً لتخصيصِ المعنى الفرعيِّ بالتشريكِ والتفريعِ دونَ سائرِ المعاني، وذلك الوجهُ هو المناسَبةُ. فخَرجَ به اللفظُ المستعمَلُ في غيرِ معناه, لا لعَلاقةٍ, من غيرِ تَعمُّدٍ لذلك الاستعمالِ وهو الغلَطُ اللسانيُّ كما إذا أشارَ إلى كتابٍ وأرادَ أن يقولَ خُذْ هذا الكتابَ فسَبَقَ لسانُه وقال خذْ هذا الفرَسَ فإنه لا يُسَمَّى مَجازاً لعَدَمِ ملاحَظةِ العَلاقةِ بينَ الفرسِ والكتابِ. وقولُه مع قرينةٍ إلخ، قيْدٌ رابعٌ خرَجتْ به الكِنايةُ فإنها مستعمَلةٌ في غيرِ ما وُضِعَتْ له إلا أنه لا تَنْصَبُّ القرينةُ فيها على عدمِ إرادةِ المعنى الأصليِّ، فيَجوزُ أن يُرادَ المعنى الأصليُّ معها، ويَجوزُ أن لا يرادَ، ولا تُسمَّى أيضًا حقيقةً؛ لأن الحقيقةَ اللفظُ المستعمَلُ فيما وُضِعَ له، والكِنايةُ ليست كذلك فتكونُ حينئذٍ واسِطةً لا حقيقةً ولا مَجازاً. هذا إنما هو عندَ من لم يُجَوِّز الجمْعَ بينَ الحقيقةِ والمَجازِ كالبيانيِّين، وأما من جَوَّزَه كالأصوليِّين فلا يَشترِطُ في القرينةِ أن تكونَ مانِعَةً عن إرادةِ المعنى الحقيقيِّ, كما صرَّحَ بذلك العلَّامةُ الْمَحَلِّيُّ فعندَ هؤلاءِ يَجبُ إسقاطُ القيدِ المذكورِ من التعريفِ لأجلِ سلامتِه وصدْقِه على المعرَّفِ, وإذا أُسقِطَ دَخَلَت الكِنايةُ أيضاً.

كالدُّرَرِ المستعمَلةِ فى الكلماتِ الفصيحةِ فى قولِك: فلانٌ يَتكلَّمُ بالدُّرَرِ، فإنها [١] مستعمَلةٌ فى [٢] غيرِ ما وُضِعتْ له، إذ قد وُضِعتْ فى الأصلِ [٣] للَّآلِي الحقيقيَّةِ, ثم نُقِلَتْ إلى الكلماتِ الفصيحةِ [٤] لعَلاقةِ المشابَهَةِ بينَهما [٥].

فى الْحُسْنِ، والذى يَمنعُ من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ قرينةُ (يَتكلَّمُ) [٦]. وكالأصابعِ المستعمَلةِ فى الأناملِ [٧] فى قولِه تعالى: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِى آذَانِهِمْ) [٨] فإنها [٩] مستعمَلةٌ فى غيرِ ما وُضِعَتْ له [١٠] لعَلاقةِ أن الأُنْمُلَةَ جُزءٌ من الأُصْبُعِ، فاسْتُعْمِلَ الكلُّ فى الجزءِ [١١]، وقرينةُ ذلك [١٢] أنه [١٣] لا يُمكِنُ جعْلُ الأصابعِ [١٤] بتمامِها فى الآذانِ [١٥].

(١) (١) (كالدُّرَرِ المستعمَلةِ في الكلماتِ الفصيحةِ في قولِك: فلانٌ يَتكلَّمُ بالدُّررِ فإنها) أي: كلمةَ الدُّرَرِ.

(٢) (مستعمَلةٌ في) معنًى.

(٣) (غيرِ ما وُضِعَتْ له؛ إذ قد وُضِعَتْ في الأصْلِ) أي: اللغةِ العربيَّةِ.

(٤) (للآلِئِ, الحقيقيَّةِ ثم نُقِلَتْ إلى الكلماتِ الفصيحةِ) أي: واستُعْمِلَتْ فيها.

(٥) (لعَلاقةِ المشابَهةِ بينَهما) أي: بينَ المعنيين المنقولِ عنه والمنقولِ إليه

(٦) (١) (في الحسْنِ. والذي يَمنعُ من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ قرينةُ يَتكلَّمُ) أي: قرينةٌ لفظيَّةٌ وهي كلمةُ يَتكلَّمُ.

(٧) (وكالأصابعِ المستعمَلةِ في الأناملِ) التي هي أجزاءٌ من الأصابعِ.

(٨) (في قولِه تعالى: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ) أي: أَنَامِلَهم.

(٩) (فإنها) أي: الأصابعَ في هذه الآيةِ.

(١٠) (مستعمَلةٌ في غيرِ ما وُضِعَتْ له) أي: أنها موضوعةٌ لأعضاءٍ معلومةٍ, ثم استُعمِلَتْ في أجزائِها التي هي الأناملُ.

(١١) (لعَلاقةِ أن الأُنْمُلَةَ جُزءٌ من الأُصْبُعِ فاستُعمِلَ الكلُّ في الجزءِ) أي: اللفظُ الدالُّ على معنى الكلِّ في جزءٍ من أجزائِه.

(١٢) (وقرينةُ ذلك) أي: والقرينةُ الدالَّةُ على عدمِ إرادةِ المعنى الموضوعِ له.

(١٣) (أنه) يَستحيلُ و

(١٤) (لا يُمكِنُ جعلُ الأصابعِ) أي: دخولُها.

(١٥) (بِتمامِها في الآذانِ) عادةً وفيه مزيدُ مبالَغةٍ كأنه جَعلَ جميعَ الأصابعِ في الآذانِ؛ لئلًّا يَسمعَ شيئاً من الصواعقِ.

والْمَجَازُ [١] إن كانت علاقتُه [٢] المشابَهَةَ بينَ المعنى المجازيِّ والمعنى الحقيقىِّ كما فى المثالِ [٣] الأوَّلِ يُسمَّى استعارةً [٤] وإلا [٥] فمَجازاً مرسَلاً كما فى المثالِ الثاني [٦]

الاستعارةُ [٧]

الاستعارةُ هي [٨] مَجازٌ [٩] عَلاقتُه المشابَهَةُ [١٠]، كقولِه تعالى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي: من الضلالِ إلى الهُدى, فقد استُعْمِلَت الظلماتُ والنورُ فى غيرِ معناهما الحقيقيِّ [١١] والعَلاقةِ المُشابَهةِ بينَ الضلالِ والظلامِ [١٢] و [١٣] الهُدى والنورِ [١٤] , والقرينةُ [١٥] ما قبلَ ذلك [١٦].

(١) (والمَجازُ) أي: المُفرَدُ.

(٢) (إن كانت عَلاقتُه) أي: الملاحَظةُ المصحِّحةُ لاستعمالِ اللفظِ في غيرِ ما وُضِعَ له.

(٣) (المشابَهةُ بينَ المعنى المَجازيِّ والمعنى الحقيقيِّ كما في المثالِ الأوَّلِ) وهو قولُك: فلانٌ يَتكلَّمُ بالدُّرَرِ.

(٤) (يُسَمَّى استعارةً) لادِّعاءِ أن المُشبَّهَ من جنْسِ المُشبَّهِ به, فاستُعِيرَ للأوَّلِ ما للثاني فالْمُسَمَّى بالاستعارةِ على هذا هو نفسُ اللفظِ المستعمَلِ في غيرِ معناه الأصليِّ للمشابَهةِ، ولذلك تُعرَّفُ الاستعارةُ بأنها هي اللفظُ المستعمَلُ فيما شُبِّهَ بمعناه الأصليِّ للعَلاقةِ التي هي المشابَهةُ، ففي المثالِ المذكورِ كأنك تقولُ: فلانٌ يَتكلَّمُ بكلماتٍ فصيحةٍ تُشبِهُ الدُّرَرَ.

(٥) (وإلا) أي: وإن لم تكن العَلاقةُ المصحِّحَةُ المشابَهةَ, بل كانت غيرَها, كما إذا كانت سببيَّةً أو مسبَّبِيَّةً على ما يأتي. وذلك بأن يكونَ معنى اللفظِ الأصليِّ سبباً لشيءٍ أو مسبَّباً عنه فيُنْقَلُ اسمُه لذلك الشيءِ.

(٦) (١) (فمَجازاً مُرْسَلاً كما في المثالِ الثاني) وهو قولُه تعالى: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ سُمِّيَ مرسَلاً لإرسالِه, أي: إطلاقِه عن التقييدِ بعَلاقةِ المشابَهةِ, فصَحَّ جَرَيانُه في عدَّةٍ من العلاقاتِ بخلافِ الاستعارةِ فإنها مقيَّدَةٌ بعَلاقةٍ واحدةٍ هي المشابَهةُ أو لإرسالِه عن قيْدِ الادِّعاءِ الذي اعْتُبِرَ في الاستعارةِ.

(٧) (٢) الاستعارةُ

(٨) أي: تعريفُها وأقسامُها (٣) (الاستعارةُ هي) في اللغةِ من قولِهم: استعارَ المالَ إذا طلَبَه عارِيَّةً واصطلاحاً.

(٩) (مَجازٌ) أي: لفظٌ مُسْتَعارٌ من المعنى الأصليِّ للمعنى المَجازيِّ مع قرينةٍ مانعةٍ عن إرادةِ المعنى الأصليِّ.

(١٠) (عَلاقتُه المشابَهةُ) أي: قَصَدَ أن الاستعمالَ بسببِ المشابَهةِ بين المعنى المنقولِ عنه والمعنى المستعمَلِ فيه, فوجودُ المشابَهةِ في نفسِ الأمرِ بدونِ قصدِها لا يَكفي في كونِ اللفظِ استعارةً, ومن هنا عُلِمَ أن لفظَ الاستعارةِ مصدرٌ بمعنى المفعولِ كالنسْخِ بمعنى المنسوخِ, وأصلُ الإطلاقِ التجوُّزُ, ثم صارَ حقيقةً عرفيَّةً.

(١١) (كقولِه تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ. أي: من الضلالِ إلى الهُدى فقد استُعمِلَت الظلماتُ والنورُ في غيرِ معناهما الحقيقيِّ) على وجهِ الاستعارةِ

(١٢) (والعَلاقةُ المشابَهةُ بينَ الضلالِ والظلامِ) في عدَمِ الاهتداءِ بكلٍّ.

(١٣) (و) المشابَهةُ بينَ.

(١٤) (الهُدى والنورِ) في الاهتداءِ بكلٍّ.

(١٥) (والقرينةُ) المانِعةُ من إرادةِ المعنى الأصليِّ.

(١٦) (ما قبلَ ذلك) أي: الكلامُ الذي قبلَ هذه الكلماتِ, وهو كِتَابٌ أَنْزَلْنَاه .... إلخ، فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ في الظُّلُماتِ: شُبِّهَت الضلالةُ بالظلُماتِ بجامعِ عدَمِ الاهتداءِ في كلٍّ, واسْتُعِيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به, وهو الظلماتُ, للمشبَّهِ, وهو الضلالةُ, على سبيلِ الاستعارةِ الأصليَّةِ. وقِسْ عليه إجراءَ الاستعارةِ في النورِ فتدَبَّرْ. وتُطلَقُ الاستعارةُ اصطلاحاً أيضاً على المعنى المصدريِّ وهو استعمالُ لفظِ المُشبَّهِ به في المُشبَّهِ لمشابَهةٍ مع قرينةٍ مانعةٍ، وعلى هذا الإطلاقِ قالَ.

&&وأصلُ الاستعارةِ [١] تشبيهٌ حُذِفَ أحَدُ طرَفَيْه [٢] , و [٣] وجْهُ شَبَهِه وأداتُه [٤].

و [٥] المشبَّهُ يُسمَّى مُسْتَعاراً له [٦]، والمشبَّهُ به يُسمَّى مُستعاراً منه, [٧] ففي هذا المثالِ [٨] المستعارُ له هو الضلالُ والهُدى، والمستعارُ منه هو معنى الظلامِ والنورِ، ولفظُ الظلماتِ والنورِ يُسمَّى مُسْتَعاراً [٩].

(١) (وأصلُ الاستعارةِ) بمعنى الاستعمالِ المذكورِ.

(٢) (تشبيهٌ حُذِفَ أحدُ طَرَفَيْه) إما المُشبَّهُ أو المُشبَّهُ به.

(٣) (و) حُذِفَ.

(٤) (وجهُ شبهِه وأداتُه) كقولِك: رأيتُ أسداً في المدرسةِ. فأصلُ هذه الاستعارةِ رأيتُ في المدرسةِ رجلاً شجاعاً كالأسدِ في الجراءةِ فحَذَفْتَ المُشبَّهَ, وهو رجلاً شجاعاً, والأداةَ وهي الكافُ, ووجهَ الشَّبَهِ وهو الجراءةُ, وأَلْحَقْتَه بقرينةِ المدرسةِ لتَدُلَّ على أنك لا تريدُ بالأسدِ معناه الحقيقيَّ, بل أردْتَ به رجلاً شجاعاً، ومع ذلك فالاستعارةُ أبلغُ من التشبيهِ المذكورِ؛ لأن التشبيهَ مهما تَناهَى في المبالَغةِ فلابدَّ فيه من ذكْرِ الطرفَيْن المُشبَّهِ والمُشبَّهِ به, وهذا اعترافٌ بتبايُنِهما وأن العَلاقةَ بينَهما ليس إلا التشابُهُ والتقاربُ فلا تَصِلُ إلى حدِّ الاتِّحادِ بخلافِ الاستعارةِ ففيها دعوى اتِّحادِ طرَفَيْهما المستعارِ منه, والمستعارِ له, وامتزاجِهما وأنهما صارا معنًى واحداً يَصْدُقُ عليهما لفظٌ واحدٌ.

(٥) (و) برعايةِ هذا الإطلاقِ يصِحُّ الاشتقاقُ من لفْظِ الاستعارةِ كما هو شأنُ كلِّ مصدرٍ فيُشتَقُّ منه لِمُتعلقاتِه وهي المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به واللفظُ والمتكلِّمُ المستعمِلُ للفْظِ.

(٦) فـ (المُشبَّهُ يُسَمَّى مُسْتَعاراً له) ؛ لأنه هو الذي أُتِي باللفظِ الذي هو لغيرِه, وأُطلِقَ عليه فصارَ كالإنسانِ الذي استُعِيرَ له الثوبُ من صاحبِه وأُلْبِسَه.

(٧) (والمُشبَّهُ به يُسَمَّى مُسْتَعاراً منه) إذ هو كالإنسانِ الذي اسْتُعِيرَ منه ثوبُه, وأُلْبِسَه غيرُه, حيث أُتِي منه بلفظِه, وأُطْلِقَ على غيرِه، ويُقالُ للفظِ: مُستعارٌ؛ لأنه أُتِيَ به من صاحبِه لغيرِه كاللباسِ المستعارِ من صاحبِه لِلابِسِه.

(٨) (ففي هذا المثالِ) أي: قولِه تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ ... الآيةَ،

(٩) (المستعارُ له الضلالُ والهُدى، والمستعارُ منه هو معنى الظلامِ والنورِ, ولفظُ الظلُماتِ والنورِ يُسَمَّى مستعاراً) ويَنبغي أن يُقالَ على هذا للمتكلِّمِ المستعمِلِ للَّفْظِ في غيرِ معناه الأصليِّ: مستعيرٌ؛ لأنه هو الآتِي باللفظِ من صاحبِه كالآتي باللباسِ من صاحبِه, ولكنَّ هذا الاشتقاقَ للمستعمِلِ لم يَجْرِ به عُرْفُهم ولذا قالوا إن أركانَ الاستعارةِ ثلاثةٌ فقط؛ مُستعارٌ منه, وهو المُشبَّهُ به ومُسْتَعارٌ له وهو المُشبَّهُ ويُقالُ لهما: الطرَفان. ومُستعارٌ وهو اللفظُ المنقولُ.

وتَنقسمُ الاستعارةُ [١] إلى [٢] مُصَرَّحَةٍ, وهي ما صُرِّحَ فيها [٣] بلفظِ المشبَّهِ به [٤]، كما فى قولِه [٥]:

فأَمطَرَتْ [٦] لؤلؤاً من نرجِسٍ [٧] وسَقَتْ ... وَرْداً وعَضَّتْ على العُنَّابِ [٨] بالبَرَدِ [٩]

فقد استعارَ [١٠] اللؤلؤَ والنرْجِسَ والورْدَ والعُنَّابَ والبَرَدَ للدموعِ والعيونِ والخدودِ والأناملِ والأسنانِ [١١]، وإلى مَكْنيَّةٍ وهى ما [١٢] حُذِفَ فيها المشبَّهُ به [١٣]

ورُمِزَ [١٤] إليه [١٥] بشيءٍ [١٦] من لوازمِه [١٧]، كقولِه تعالى {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} فقد استعارَ [١٨] الطائرَ للذُّلِّ [١٩] ثم حذَفَه [٢٠] ودَلَّ عليه [٢١] بشيءٍ من لوازمِه وهو الْجَنَاحُ [٢٢]، وإثباتُ الْجَناحِ [٢٣] للذُّلِّ [٢٤] يُسمُّونَه [٢٥] استعارةً

(١) (وتَنقسمُ الاستعارةُ) بالمعنى المصدريِّ باعتبارِ ذاتِها أي: ما يُذكَرُ من طرَفي التشبيهِ.

(٢) (إلى) ثلاثةِ أقسامٍ.

(٣) (مصرَّحةٌ وهي ما صُرِّحَ فيها بِ) ذكْرِ

(٤) (لفظِ المُشبَّهِ به) أي: باللفظِ الدالِّ على المُشبَّهِ به فقط من غيرِ أن يُذكَرَ شيءٌ من أركانِ التشبيهِ سِواهُ، وتُطلَقُ على نفسِ اللفظِ المذكورِ المستعارِ الدالِّ على المُشبَّهِ به, وتُسمَّى هذه الاستعارةُ أيضاً تَصْرِيحيَّةً للتصريحِ فيها باللفظِ المستعارِ الدالِّ على المُشبَّهِ به.

(٥) (كما في قولِه) أي: الشاعرِ.

(٦) (فأَمطرَتْ) أي: المرأةُ.

(٧) (لؤلؤاً من نَرْجِسٍ) نَبْتٌ من الرَّياحِينِ.

(٨) (وسَقَتْ. ورداً وعَضَّتْ على العُنَّابِ) شجَرٌ له حَبٌّ كحَبِّ الزيتونِ, وأحسنُه الأحمرُ الْحُلْوُ.

(٩) (بالبَرَدِ) وهو حَبُّ الغَمامِ.

(١٠) (فقد استعارَ) أي: الشاعرُ.

(١١) (اللؤلؤَ والنَّرْجِسَ والوردَ والعُنَّابَ والبَرَدَ للدموعِ والعيونِ والخدودِ والأناملِ والأسنانِ) أي: بعدَ تشبيهِ كلِّ واحدٍ من الخمْسِ الأخيرةِ بواحدٍ من الخمسِ الأُوَلِ لجامعٍ, وهو: في تشبيهِ الدموعِ باللؤلؤِ صفاءُ كلٍّ, وفي تشبيهِ العيونِ بالنرجِسِ اجتماعُ السوادِ والبياضِ, وتشبيهِ الخدِّ بالوردِ حُمرةُ كلٍّ منهما, وفي تشبيهِ الأناملِ بالعُنَّابِ اتِّفاقُهما في الشكلِ, وفي تشبيهِ الأسنانِ بالبَرَدِ بياضُ كلٍّ مع النَّصاعةِ، ويُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ في التشبيهِ الأوَّلِ: شُبِّهَت الدموعُ باللالئِ بجامعِ الصفاءِ في كلٍّ, ثم استُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به, وهو اللؤلؤُ للمشبَّهِ, وهو الدموعُ على سبيلِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ. وقِسْ عليه إجراءَ الاستعارةِ في الأربعةِ الباقيةِ.

(١٢) (وإلى مَكْنيَّةٍ وهي ما) ذُكِرَ فيها لفظُ المُشبَّهِ فقط.

(١٣) (وحُذِفَ فيها المُشبَّهُ به) أي: اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به.

(١٤) (ورُمِزَ) أي: أُشِيرَ.

(١٥) (إليه) أي: إلى المُشبَّهِ به المحذوفِ.

(١٦) (بـ) ذِكْرِ.

(١٧) (شيءٍ من لوازمِه) فلم يُذْكَرْ فيها من أركانِ التشبيهِ إلا دالُّ المُشبَّهِ وتُطلَقُ على نفسِ اللفظِ المذكورِ الدالِّ على المُشبَّهِ, وتُسَمَّى هذه الاستعارةُ أيضًا استعارةً بالكِنايةِ لعدَمِ التصريحِ فيها باللفظِ المستعارِ الذي هو المقصودُ, بل كُنِّىَ عنه, ونُبِّهَ عليه بلازِمِه ليَنتقِلَ منه إلى المقصودِ استعارتُه كما هو شأنُ الكِنايةِ فإنه يُنْتَقَلُ فيها من اللازمِ المساوي إلى الملزومِ, هذان قسمان, والقسمُ الثالثُ الاستعارةُ التَّخْيِيليَّةُ وهي إثباتُ لازِمِ المُشبَّهِ به للمشبَّه, الدالِّ هذا اللازمُ على استعارةِ لفظِ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ أعني أنها قرينةُ الاستعارةِ الْمَكْنِيَّةِ لازِمَةٌ لها, لا تَنْفَكُّ عنها, ولذا يُمَثَّلُ لهما بمثالٍ واحدٍ.

(١٨) (كقولِه تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} فقد استعارَ) أي: اللهُ تعالى

(١٩) (الطائرَ للذُلِّ) أي: بعدَ تشبيهِ معنى الذُّلِّ بمعنى الطائرِ.

(٢٠) (ثم حذَفَه) أي:

(٢١) (ودلَّ عليه) أي: على لفظِ الطائرِ المحذوفِ.

(٢٢) (بشيءٍ من لوازمِه وهو الْجَناحُ) فيُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيهما شبَّهَ الذُّلَّ بطائرٍ, واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به, وهو الطائرُ للمشبَّهِ وهو الذُّلُّ, ثم حذِفَ الطائرُ, ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه, وهو الْجَناحُ على سبيلِ الاستعارةِ المكنيَّةِ.

(٢٣) (وإثباتُ الْجَناحِ) الذي هو من لوازمِ الطائرِ المُشبَّهِ به.

(٢٤) (للذُّلِّ) الذي هو المُشبَّهُ قرينةٌ للمَكنِيَّةِ.

(٢٥) و (يُسمُّونه) أي: يُسمِّيه السلَفُ والخطيبُ.

تَخْييلِيَّةً [١]. وتَنقسمُ الاستعارةُ [٢] إلى [٣] أصليَّةٍ, وهي ما كان فيها [٤] المستعارُ اسماً [٥] غيرَ مُشتَقٍّ [٦] كاستعارةِ الظلامِ للضلالِ والنورِ للهُدى [٧].

(١) (استعارةً تخييليَّةً) أما تَسميتُه استعارةً فلأن مُتعلِّقَه قد استعيرَ أي: نُقِلَ عما يُناسبُه ويُلائمُه واستُعمِلَ مع ما شُبِّهَ بما يُناسبُه, وأما تسميتُه تخييليَّة؛ ً فلأن متعلِّقَه لَمَّا نُقِلَ عن ملائمِه وأُثْبِتَ للمشبَّهِ صارَ يُخَيَّلُ للسامعِ أن المُشبَّهَ من جنسِ المُشبَّهِ به, وهذا مذهَبُ السلَفِ في المكنيَّةِ والتخييليَّةِ, وكذا مذهبُ الخطيبِ القُزْوِينِيِّ في التخييليَّةِ, وقال الخطيبُ في الاستعارةِ الْمَكْنيَّةِ: إنها التشبيهُ الْمُضْمَرُ في النفسِ المرموزُ إليه بإثباتِ لازمِ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ, فيُقالُ: في الآيةِ المذكورةِ شَبَّهَ الذلَّ بالطائرِ تشبيهاً مُضمَراً في النفسِ مرموزاً له بذكْرِ الْجَناحِ الذي هو لازِمُ الطائرِ للذُّلِّ استعارةٌ تخييليَّةٌ ويَلزَمُ عليه أنْ لا وجهَ لتسميتِها استعارةً؛ لأن الاستعارةَ عرْفاً كما سَبقَ اللفظُ المستعمَلُ في غيرِ ما وُضِعَ له لعَلاقةِ المشابَهةِ أو نفسِ الاستعمالِ المذكورِ, والتشبيهُ المضمَرُ غيرُ ذلك؛ لأنه فعْلٌ من أفعالِ النفسِ, وهناك مذاهبُ أُخرى فيهما, أَشهرُها مذهبُ السَّكَّاكِيِّ فقالَ في المَكْنيَّةِ: إنها لفظُ المُشبَّهِ المستعمَلُ في المُشبَّهِ به؛ ادعاءً أنه عينُه فيُقالُ في تقريرِها في الآيةِ المذكورةِ: شَبَّهَ الذُّلَّ بالطائرِ وادَّعَى أن للطائرِ فَرْدَيْنِ؛ فرْدٌ حقيقيٌّ وهو الطائرُ الحقيقيُّ وفرْدٌ ادِّعائيٌّ, وهوَ الذُّلُّ, ثم اسْتُعِيرَ اللفظُ الدالُّ على الفرْدِ الحقيقيِّ, وهو الطائرُ للفرْدِ الادِّعائيِّ, وهو الذُّلُّ على الاستعارةِ المَكْنيَّةِ, وقالَ في قرينةِ المَكْنيَّةِ: إنها تارةً تكونُ تخييليَّةً أي: مستعارةً لأمرٍ وهميٍّ كأظفارِ المَنِيَّةِ, وتارةً تكونُ تحقيقيَّةً أي: مستعارةً لأمرٍ مُحَقَّقٍ كابْلَعِي ماءَك, وتارةً تكونُ حقيقةً كأنْبَتَ الربيعُ البَقْلَ فلا تَلازُمَ عندَه بينَ المَكْنيَّةِ والتخييليَّةِ, بل تُوجدُ كلٌّ منهما بدونِ الأخرى ففي الحالةِ الأُولى أي: فيما إذا كانت قرينةُ المَكْنيَّةِ استعارةً تخييليَّةً كما في الآيةِ المذكورةِ يقالُ في إجرائِها: لَمَّا شَبَّهَ الذُّلَّ بالطائرِ أَخَذَ الوهْمُ في تصويرِ الذلِّ بصورةِ الطائرِ وتَخَيَّلَ أن للذُّلِّ صورةً وهميَّةً من الْجَناحِ مثلَ صورةِ الْجَناحِ للطائرِ في الشكلِ والقَدْرِ فاستُعيرَ لفظُ الْجَناحِ الدالُّ على صورةِ الْجَنَاحِ المحققِّةِ للصورةِ الوهميَّةِ المتخيَّلَةِ على سبيلِ الاستعارةِ التخييليَّةِ التصريحيَّةِ, والقرينةُ إضافتُه إلى الذُّلِّ فتَلَخَصَّ مما سَبَقَ أن في المَكْنيَّةِ ثلاثَ مذاهبَ؛ الأوَّلُ للسلَفِ, والثاني للخطيبِ, والثالثُ للسَّكَّاكِيِّ, وفي التخييليَّةِ مذهبان؛ أحدُهما للسلَفِ والخطيبِ, والثاني للسَّكَّاكِيِّ, وفي هذا القدْرِ كفايةٌ ...

(٢) (وتَنقسِمُ الاستعارةُ) باعتبارِ اللفظِ المستعارِ سواءٌ كانت تصريحيَّةً أو مَكْنيَّةً.

(٣) (إلى) قسمين إلى.

(٤) (أصليَّةٍ, وهي ما كان فيها) اللفظُ.

(٥) (المستعارُ اسْماً) جامداً.

(٦) (غيرَ مشتَقٍّ) بأن كان صادقاً على كثيرين من غيرِ اعتبارِ وصْفٍ من أوصافِه, سواءٌ كان اسمَ عينٍ أو اسمَ معنًى فالأوَّلُ نحوَ الأسدِ من قولِك رأيتُ أسداً في الحمَّامِ أي: رجلاً شجاعاً فشَبَّهَ الرجلَ الشجاعَ بالحيوانِ المفترِسِ بجامِعِ الْجَراءةِ في كلٍّ, ثم استُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن الأسدَ اسمٌ جامدٌ لعينٍ, وهو حقيقةُ الحيوانِ المعلومِ و.

(٧) (كاستعارةِ الظلامِ للضلالِ والنورِ للهُدَى) في قولِه تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وقد تَقدَّمَ تقريرُ الاستعارةِ فيه والثاني نحوَ القتْلِ من قولِك هذا قتْلٌ أي: ضرْبٌ شديدٌ فشَبَّهَ الضرْبَ الشديدَ بالقتْلِ بجامِعِ نهايةِ الإذايةِ في كلٍّ ثم استُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشَبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن القتْلَ اسمٌ جامدٌ لفعْلٍ هو سببُ خروجِ الحياةِ. وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ كالأمثلةِ المذكورةِ أو في الاستعارةِ المَكْنيَّةِ نحوَ: أظفارُ المنيَّةِ نَشَبَتْ بفلانٍ فشُبِّهَت المنيَّةُ بالسَّبُعِ بجامِعِ الاغتيالِ في كلٍّ؛ ثم استعيرَ اسمُ السَّبُعِ للمنيَّةِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه وهو الأظفارُ على طريقِ الاستعارةِ المَكْنيَّةِ الأصليَّةِ؛ لأن اللفظَ المستعارَ فيه وهو السَّبُعُ اسمٌ جامدٌ غيرُ مشتَقٍّ لِعَيْنٍ, وإنما سُمِّيَتْ أصليَّةً - نسبةً للأصلِ بمعنى الكثيرِ الغالبِ - لكثرةِ أفرادِها في الكلامِ بخلافِ أفرادِ التبعيَّة ويَدُلُّ على ذلك أن كلَّ استعارةٍ تَبعيَّةٍ, معها أصليَّةٌ, ولا عَكْسَ, أو بمعنى ما كان مُسْتَقِلًّا لِجَرَيانِها واعتبارِها أوَّلاً من غيرِ توقُّفٍ على تقَدُّمِ استعارةٍ أخرى أو بمعنى ما يَنْبَنِي عليه غيرُه لكونِها أصلاً لتبعيَّةٍ مبنِيَّةٍ على استعارةٍ أخرى.

وإلى تَبعيَّةٍ وهي ما كان فيها [١] المستعارُ فعْلاً [٢] أو حرفاً [٣] أو اسماً مشتَقًّا [٤]،

(١) (وإلى تَبعيَّةٍ وهي ما كان فيها) اللفظُ

(٢) (المستعارُ فعْلاً) سواءٌ كان له مصدرٌ أو لا, كيَذَرُ ويَدَعُ ونِعْمَ وبِئْسَ, وسواءٌ كان مُجَرَّداً عن الحرفِ المصدريِّ أو مقترِناً به نحوَ: يُعْجِبُني أن تَقتُلَ كذلك؛ لأن الاستعارةَ للَّفْظِ المصرَّحِ به, وقالَ العِصامُ: في الفارسيَّةِ الْمُقْتَرِنُ بالحرفِ المصدريِّ استعارتُه أصليَّةٌ نَظَراً للتأويلِ بمصْدَرٍ.

(٣) (أو حرْفاً) سواءٌ كان له معنًى واحدٌ فقط كَلَمْ فيكونُ فيه حقيقةً وفي غيرِه مَجازاً تبعيًّا أو كان له معانٍ متعدِّدةٌ متبادَرةٌ منه فيكونُ من قبيلِ المشترَكِ اللفظيِّ فيما وُضِعَ له على التحقيقِ وفي غيرِها مَجازاً تَبَعيًّا إن كان الحرفُ من غيرِ حروفِ الجرِّ والجزمِ والنصبِ، وإلا بأن كان منها فالبصريُّون على منْعِ نيابةِ بعضِها عن بعضٍ, ويُحْمَلُ ما وَردَ منه على التجوُّزِ في غيرِ الحرْفِ.

(٤) (أو اسْماً مشتَقًّا) من الأسماءِ المشتَقَّاتِ من المصدَرِ, وهي اسما الفاعلِ والمفعولِ والصفةُ المُشبَّهةُ واسمُ التفضيلِ وأسماءُ الزمانِ والمكانِ والآلةِ والتصغيرِ والاسمُ المنسوبُ, فهذه ثلاثةُ مواضعَ تَجرِي التصريحيَّةُ في جميعِها, ولا تَجري المَكْنيَّةُ إلا في الاسمِ المشتَقِّ فقط، أما وجهُ كَوْنِ الاستعارةِ تَبعيَّةً في الفعلِ فلأن معناه مُلاحَظٌ فيه النسبةُ إلى فاعلٍ ما، وهذا المعنى متوقِّفٌ على غيرِه لا يصلُحُ للموصوفيَّةِ فلا يَصلُحُ للاستعارةِ إلا إذا أُجْرِيَ التشبيهُ أوَّلاً بينَ معنى المصدَرَيْن الحقيقيِّ والمَجازيِّ، ثم يُستعارُ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ, ثم يُشتَقُّ منه الفعلُ كما هو مذهبُ السلفِ أو بعدَ إجراءِ تشبيهِ المصْدَرَيْن يَسْرِي منه إلى ما في ضِمْنَي الفعلين, ثم يُستعارُ الفعلُ من معناه الحقيقيِّ إلى معناه المَجازيِّ وهذا هو مذهبُ العِصامِ.

نحوَ: رَكِبَ فلانٌ كَتِفَيْ غَريمِه. أي لازَمَه مُلازَمةً شديدةً [١]، و [٢] قولِه تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أى تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ [٣]،

و [٤] نحوَ قولِه [٥]:

ولئن نطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ [٦] مُفصِحاً [٧] ... فلسانُ حالي بالشِّكايةِ [٨] أَنطَقُ [٩] أي أدَلُّ [١٠]

(١) (نحوَ: ركِبَ فلانٌ كَتِفي غَريمِه. أي: لازَمَه ملازَمةً شديدةً) ويُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه على مذهبِ السلفِ: شَبَّهَ اللُّزومَ الشديدَ بالركوبِ بجامِعِ السُّلْطةِ والقهرِ والغَلَبةِ في كلٍّ, واستُعيرِ لفظُ المُشبَّهِ به, وهو الركوبُ, للمشبَّهِ, وهو اللزومُ, ثم اشْتُقَّ من الركوبِ بمعنى اللزومِ, رَكِبَ بمعنى لَزِمَ, على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ، ويقالُ على مذهبِ العِصامِ: شبَّهَ اللزومَ بالركوبِ بجامعِ السلطةِ والقهْرِ والغَلَبَةِ في كلٍّ, فسَرَى التشبيهُ من معنى المصدَرَيْنِ الذي هو الْحَدَثُ المطلَقُ إلى معنى الفعلين الذي هو الحَدَثُ المقَيَّدُ بالزَّمَنِ الماضي, ثم استُعيرَ رَكِبَ لمعنى لَزِمَ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ.

(٢) (و) أما وجهُ كونِها تبعيَّةً في الحرفِ فلأن معناه غيرُ مستقِلٍّ بنفسِه فلا يَصلُحُ للموصوفيَّةِ التي يَقتضيها التشبيهُ أعني لا يَتأتَّى كونُه مشبَّهاً ومشبَّهاً به أو محكوماً عليه ومحكوماً به فلا تَتأتَّى الاستعارةُ فيه إلا إذا أَجْرَى التشبيهَ أوَّلاً في متعلِّقِ معناه الكُلِّيِّ كالظرفيَّةِ لِفِي, ثم يَسْرِي التشبيهُ من متعلِّقِه إلى معناه الخاصِّ فيُستعارُ من معناه الخاصِّ الحقيقيِّ إلى معناه المَجازيِّ نحوَ.

(٣) (قولِه تعالى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ. أي: تَمَكَّنُوا من الحصولِ على الهدايةِ التامَّةِ) يُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ مُطلَقَ ارتباطٍ بينَ مَهْديٍّ وهدًى بمطلَقِ ارتباطٍ بينَ مُسْتَعْلِي ومُسْتَعْلًى عليه بجامِعِ التمكُّنِ في كلٍّ, فسَرَى التشبيهُ من الكلِّيَّيْن إلى الجزئيَّاتِ, ثم استُعِيرَتْ على من جُزْئِيٍّ من جُزئيَّاتِ المُشبَّهِ به لِجُزْئِيٍّ من جزئِيَّاتِ المُشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ.

(٤) (و) أما وجْهُ كونِها تبعيَّةً في الاسمِ المشتَقِّ فلأن معناه وهو الحدَثُ ملاحَظٌ فيه النسبةُ إلى الفاعلِ أو نائبِه فلا يكونُ باعتبارِ ذلك صالحاً لموصوفيَّةٍ فلا يَصلُحُ للاستعارةِ إلا إذا أُجْرِيَ التشبيهُ أوَّلاً بينَ معنى المصدَرَيْنِ, نظيرَ ما تَقدَّمَ في الفعْلِ وذلك في التصريحيَّةِ.

(٥) (نحوَ قولِه) أي: الشاعرِ:

(٦) (ولئِنْ نطَقْتُ بشكْرِ بِرِّكَ) أي: بشكْرِ إحسانِك وعطفِك, متعلِّقٌ بقولِه.

(٧) (مُفْصِحاً) منصوبٌ على الحاليَّةِ، أي: ولئن نطقْتُ بلسانِ المقالِ حالَ كوني مُفْصِحاً بشكْرِ بِرِّكَ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ أي: فلا يكونُ لسانُ مقالي أقوى من لسانِ حالي أُقيمَ مُقامَه لازِمُه، وهو قولُه.

(٨) (فلسانُ حالي بالشكايةِ) مُتعلِّقٌ بقولِه:

(٩) (أَنْطَقُ) أي: فلسانُ حالي أنطَقُ بالشِّكايةِ منكَ؛ لأن ضُرَّكَ أكثرُ من بِرِّكَ.

(١٠) (أي أدَلُّ) يُقالُ في تقريرِ الاستعارةِ فيه: شُبِّهَت الدَّلالةُ الواضحةُ بالنطقِ بجامعِ إيضاحِ المعنى وإيصالِه للذهْنِ في كلٍّ واسْتُعِيرَ النطْقُ للدَّلالةِ الواضحةِ, واشْتُقَّ من النطقِ بمعنى الدَّلالةِ الواضحةِ اسمُ التفضيلِ (( أَنْطَقُ )) بمعنى (( أدَلُّ )) على سبيلِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبَعيَّةِ. وأما مثالُ المَكْنيَّةِ التبَعيَّةِ في المشتَقِّ. فقولُك: يُعْجِبُني إراقةُ الضاربِ دمَ الباغِي. ويُقالُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ الضرْبَ الشديدَ بالقتلِ بجامعِ شدَّةِ الإيذاءِ في كلٍّ, واسْتُعِيرَ القتلُ للضرْبِ الشديدِ, واشتُقَّ من القتلِ بمعنى الضرْبِ الشديدِ قاتَلَ بمعنى ضَارَبَ ضرْباً شديداً, ثم حُذِفَ ورُمِزَ له بشيءٍ من لوازمِه, وهو الإراقةُ على سبيلِ الاستعارةِ المَكْنيَّةِ التبَعيَّةِ هذا وبَقِيَ من مواضعِ التبعيَّةِ موضعان: أحدُهما اسمُ الفعْلِ ولا يكونُ إلا في التصريحيَّةِ, لا فرْقَ بينَ أن يكونَ اسمَ فعْلٍ مشتَقٍّ أو غيرِ مشتَقٍّ فالأوَّلُ نحوَ: نَزَالِ بمعنى انْزِلْ تريدُ به ابْعُدْ, فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ: شَبَّهَ معنى البُعْدِ بمعنى النزولِ بجامعِ مطلَقِ المفارَقةِ في كلٍّ, واستُعيرَ لفظُ النزولِ لمعنى البُعدِ, واشتُقَّ منه نَزَالِ بمعنى ابْعُدْ. والثاني: نحوَ: صَهْ بمعنى اسْكُتْ عن الكلامِ تريدُ به اتْرُكْ فعْلَ كذا فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ شَبَّهَ ترْكَ الفعْلِ بمعنى السكوتِ عن الكلامِ بجامعِ مطلَقِ التَّرْكِ في كلٍّ, واستُعيرَ لفظُ السكوتِ لمعنى تَرْكِ, الفعْلِ واشتُقَّ منه اسْكُتْ بمعنى اتْرُك الفعلَ، وعَبَّرَ بدَلَ اسكُتْ بصَهْ. والموضِعُ الثاني الاسمُ المبهَمُ أعني الضميرُ واسمُ الإشارةِ واسمُ الموصولِ, ويكونُ في التصريحيَّةِ والمَكْنيَّةِ، فمثالُ الأُولى: استعارةُ هذا لأمرٍ معقولٍ، فتقولُ في إجرائِها: شَبَّهَ مطلَقَ المعقولِ بمطلَقِ المحسوسِ بجامِعِ قَبولِ التمييزِ والتعيينِ في كلٍّ فسَرَى التشبيهُ إلى جزئيَّاتِه فاستُعِيرَ لفظُ هذا الموضوعِ لِجُزْئَي المُشبَّهِ به لِجُزْئَي المُشبَّهِ على سبيلِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ. ومثالُ الثانيةِ قولُك لِجَلِيسِك المشغولِ عنك: أنتَ مطلوبٌ منك أن تسيرَ إلينا الآنَ فتقولُ في إجراءِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ مطلَقَ مخاطَبٍ بمطلَقِ غائبٍ, فسَرَى التشبيهُ للجزئيَّاتِ, واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على الثاني, وهو ضميرُ الغائبِ للمخاطَبِ, ثم حُذِفَ وذُكِرَ المخاطَبُ ورُمِزَ إلى المحذوفِ بذكْرِ لازِمِه, وهو طلبُ السيرِ منه إليك. فتَحَصَّلَ مما تَقدَّمَ أن هذه الاستعارةَ سُمِّيَتْ تَبَعيِّةً؛ لأن جريانَها في الأفعالِ والأسماءِ المشتَقَّاتِ وأسماءِ الأفعالِ تابعٌ لجريانِها أوَّلاً في الجوامدِ, أي: لاستعارةٍ أخرى في المصادرِ, ولأن جريانَها في الحروفِ والأسماءِ المبهمَةِ تابعٌ لجريانِها في كلِّيَّاتِ معانيها أي: لاستعارةٍ أخرى في متعلِّقِ معانيها.

وتَنقسمُ الاستعارةُ [١] إلى [٢] مَرَشَّحَةٍ وهي ما ذُكِرَ فيها مُلائِمُ [٣] المشبَّهِ به [٤]، نحوَ [٥]: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} فالاشتراءُ مستعارٌ للاستبدالِ [٦] وذِكْرُ الربْحِ والتجارةِ [٧] ترشيحٌ [٨].

(١) (وتَنقسمُ الاستعارةُ) باعتبارِ ذكْرِ مُلائِمِ أحدِ الطرَفين وعدَمِ ذكْرِه سواءٌ كانت تصريحيَّةً أو مَكْنيَّةً.

(٢) (إلى) ثلاثةِ أقسامٍ.

(٣) (مرشحَّةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ) المستعارِ منه.

(٤) (المُشبَّهُ به) زيادةً على القرينةِ كما سيأتي سواءٌ كان هذا الملائمُ صفةً أو تفريعاً, والفرْقُ بينَهما أن الملائِمَ إن كان من بقيَّةِ الكلامِ الذي فيه الاستعارةُ فهو صفةٌ وإن كان كلاماً مُسْتَقِلًّا جِيءَ به بعدَ ذلك الكلامِ الذي فيه الاستعارةُ مبنيًّا عليه فهو تفريعٌ سواءٌ كان بحرفٍ أو لا, فالأوَّلُ الصفةُ نحوَ قولِك: رأيتُ أسداً ذا لُبَدٍ يَرْمِي والثاني التفريعُ.

(٥) (نحوَ) قولِه تعالى

(٦) (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ: فالاشتراءُ مستعارٌ للاستبدالِ) أي: شَبَّهَ استبدالَ الحقِّ بالباطلِ واختيارَه عليه بالاشتراءِ الذي هو استبدالُ مالٍ بآخَرَ بجامعِ ترْكِ مرغوبٍ عنه عندَ التاركِ والتوصُّلِ لبدَلٍ مرغوبٍ فيه عندَه واستُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ, والقرينةُ استحالةُ ثبوتِ الاشتراءِ الحقيقيِّ للضلالةِ بالهُدى.

(٧) (وذكْرُ الربْحِ والتجارةِ) أي: ذكْرُ نفي الربْحِ في التجارةِ على وجهِ التفريعِ, وهو مما يُلائمُ المستعارَ منه أعني الاشتراءَ.

(٨) (ترشيحٌ) وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ كما في الآيةِ المذكورةِ أو في المَكْنيَّةِ، نحوَ قولِك: نَطَقَ لسانُ الحالِ بكذا. تقولُ: شُبِّهَت الحالُ بمعنى الإنسانِ واستعيرَ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه, وهو لسانٌ وإثباتُ اللسانِ للحالِ تخييلٌ وهو القرينةُ والنطقُ ترشيحٌ؛ لأنه ملائِمٌ المُشبَّهَ به فقط, وإنما سُمِّيَتْ مرشَّحَةً من الترشيحِ وهو التقوِيَةُ لترشيحِها أي: تَقَوِّيها بتَقَوِّي مَبْنَاها لوقوعِها على الوجهِ الأكملِ، لأن الاستعارةَ مبنيَّةٌ على تَناسِي التشبيهِ حتى كأن الموجودَ في نفسِ الأمرِ هو المُشبَّهُ به دونَ المُشبَّهِ, فإذا ذُكِرَ ما يلائمُ المُشبَّهَ به كان ذلك مُوجِباً لزيادةِ قوَّةِ ذلك التَّناسِي.

وإلى مجرَّدةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ [١] المشبَّهِ [٢]، نحوَ [٣]: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} استُعِيرَ اللِّباسُ لِمَا غَشِى الإنسانَ عندَ الجوعِ والخَوْفِ [٤]، والإذاقةُ تجريدٌ لذلك [٥].

وإلى مطلَقةٍ، وهي التي لم يُذْكَرْ معها ملائمٌ [٦]، نحوَ [٧]: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} [٨].

(١) (وإلى مجرَّدةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائمُ) المستعارِ له.

(٢) (المُشبَّهِ) زيادةً على القرينةِ إذ بدونِها لا تُسَمَّى استعارةً, سواءٌ كان هذا الملائمُ تفريعاً، نحوَ: رأيتُ أسداً يَرْمِي, فلَجَأْتُ إلى ظِلِّ رُمْحِه أو كان صِفةً نَحْوِيَّةً. نحوَ: رأيتُ أسداً رامياً مُهْلِكاً أقرانَه أو صِفَةً معنويَّةً.

(٣) (نحوَ) قولِه تعالى:

(٤) (فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) . استُعِيرَ اللِّباسُ لِمَا غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخوفِ) أي: من الضرَرِ وهو النحافةُ واصفرارُ اللونِ بعد التشبيهِ بأن يقالَ في تقريرِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ ما غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخَوْفِ من أثَرِ الضرَرِ باللِّباسِ بجامِعِ الاشتمالِ في كلٍّ فاللِّباسِ مشتَمِلٌ على اللابسِ, وأثرُ الضرَرِ مشتمِلٌ على مَن به ذلك, واستُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للشبَهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ.

(٥) (والإذاقةُ تجريدٌ لذلك) أي: المذكورُ من الاستعارةِ التصريحيَّةِ؛ لأن المرادَ بها الإصابةُ, وهي تُلائِمُ الشبَهَ الذي هو النحافةُ والاصفرارُ. قالَ الزَّمَخْشَريُّ: الإذاقةُ جرَتْ عندَهم مَجْرَى الحقيقةِ لشيوعِها في البَلايا وما يَمَسُّ، يقولون: ذاقَ فلانٌ البؤسَ وأَذاقَه العذابَ, وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ، كما في الآيةِ المذكورةِ أو في الاستعارةِ المَكْنيَّةِ، نحوَ: نطَقَت الحالُ الواضحةُ بكذا. وتقريرُ الاستعارةِ في أن يُقالَ شُبِّهَت الحالُ بإنسانٍ متكلِّمٍ بجامعِ الدَّلالةِ في كلٍّ, واسْتُعِيرَ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه وهو اللسانُ على سبيلِ الاستعارةِ المَكْنيَّةِ الأصليَّةِ التجريديَّةِ؛ لأن الوضوحَ يُلائِمُ المُشبَّهَ الذي هو إنسانٌ فقط، وإنما سُمِّيَتْ مجرَّدةً لتَجَرُّدِها عما يُقوِّيها من إطلاقٍ أو ترشيحٍ؛ لأن المُشبَّهَ المستعارَ له فيها صارَ بذكْرِ ملائِمِه بعيداً من دَعْوى الاتِّحادِ التي في الاستعارةِ، ومنها تَنْشَأُ المبالَغةُ.

(٦) (وإلى مُطلَقةٍ وهي التي لم يُذكَرْ معها مُلائِمٌ) لأحدِ الطرفين بأن لم تَقْتَرِنْ بملائمٍ أصْلاً أو ذُكِرَ فيها ما يلائِمُهما معاً، فالأوَّلُ من التصريحيَّةِ.

(٧) (نحوَ) قولِه تعالى.

(٨) {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} وتقريرُ الاستعارةِ فيه أن يُقالَ شَبَّهَ إبطالَ العهدِ بِفَكِّ طاقاتِ الْحَبْلِ بجامعِ عدَمِ النفْعِ في كلٍّ, واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به, وهو النقْضُ للمشبَّهِ واشْتُقَّ منه يَنقضون بمعنى يُبْطِلون على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ المُطلَقةِ لأنها لم تَقْتَرنْ بملائمٍ أصْلاً، ومن المَكْنيَّةِ، نحوَ قولِك: نَطَقَت الحالُ بكذا والاستعارةُ فيه مُطلَقةٌ؛ لأنها لم تَقترنْ بشيءٍ يُلائمُ الطرفين, والثاني من التصريحيَّةِ نحوَ قولِك: رأيتُ بحراً في البيتِ عميقاً يُعطِي, وتقريرُ الاستعارةِ فيه أن يقالَ: شَبَّهَ الرجلَ الكريمَ بالبحرِ بجامعِ الاتِّساعِ في كلٍّ واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به وهو البحرُ للمشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ المُطلَقةِ؛ لأن قولَك: في البيتِ, قرينَتُها، وقولَك: عميقاً. ملائمُ المُشبَّهِ به وقولَك يُعطِي ملائمُ المُشبَّهِ, ولَمَّا تَعارَضَ هذان الملائمان سقَطَا، فكأن الاستعارةَ لم تَقْتَرنْ بشيءٍ, ومن المَكْنيَّةِ نحوَ قولِك: نطَقَ لسانُ الحالِ. الواضحةِ بكذا، والاستعارةُ فيه مُطلَقةٌ؛ لأن إثباتَ اللسانِ للحالِ قرينتُها والنطْقُ ملائمُ المُشبَّهِ به, والوضوحُ ملائمُ المُشبَّهِ ولما تَعارَضَا سَقَطَا. وسُمِّيَتْ هذه الاستعارةُ مُطلَقةً لإطلاقِها عما يكونُ به الترشيحُ وعما يكونُ به التجريدُ.

ولا يُعتبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ [١].

المجازُ المرسَلُ [٢]

هو مَجازٌ علاقتُه غيرُ المُشابَهةِ [٣]:

كالسببيَّةِ [٤]، في قولِك: عظُمَتْ يدُ فلانٍ عندي. أي: نِعمتُه التي سببُها اليدُ [٥].

(١) (ولا يُعتَبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ) أي: بما يَكْشِفُها من القرينةِ؛ إذ ليست هي جزءًا من الاستعارةِ كما هو ظاهرٌ, سواءٌ كانت القرينةُ لفظيَّةً أو حاليَّةً فلا تُعَدُّ قرينةُ المصرَّحَةِ تجريداً ولا قرينةُ المَكْنيَّةِ ترشيحاً, بل الزائدُ على ما ذُكِرَ، نعم إذا كان في الكلامِ ملائِماتٌ للمستعارِ له كلٌّ منها يُعَيِّنُ المعنى المَجازيَّ يَجوزُ أن يكونَ كلُّ واحدٍ منها قرينةً وتجريداً إلا أن اعتبارَ الأوَّلِ قرينةً أَوْلَى لتَقدُّمِه, والبقيَّةُ تَتِمَّةٌ للاستعارةِ، وكذا إذا كان في الكلامِ ملائماتٌ للمستعارِ منه. وأبلغُ هذه الأقسامِ الثلاثةِ الترشيحُ لاشتمالِه على تحقيقِ المبالَغةِ بِتَنَاسَي التشبيهِ وادعاءِ أن المستعارَ له هو نفسُ المستعارِ منه, لا شيءَ شبيهٌ به, وكأنَّ الاستعارةَ غيرُ موجودةٍ, ثم الإطلاقُ, وأضعفُها التجريدُ؛ لأن به تَضْعُفُ دعْوَى الاتِّحادِ بينَ الطرفين.

(٢) المَجازُ المرسَلُ

(٣) أي: المُفرَدُ منه, وأما المركَّبُ منه فسيأتي (٢) (هو مَجازٌ عَلاقتُه غيرُ المشابَهةِ) بينَ المعنى المَجازيِّ والمعنى الحقيقيِّ مع قرينةٍ مانِعةٍ، وعَلاقاتُه كثيرةٌ يُستفادُ اسمُها من وصْفِ الكلمةِ التي تَجوزُ فيها، أَوْصَلَها بعضُهم إلى واحدٍ وعشرين، وذَكَرَ منها هنا ثمانيةً فقالَ:

(٤) (كالسببيَّةِ) وهي كونُ الشيءِ المنقولِ عنه سبباً ومؤثِّراً في غيرِه.

(٥) (في قولِك: عظُمَتْ يدُ فلانٍ عِندي أي: نِعمتُه التي سبَبُها اليدُ) أي: فإطلاقُ اليدِ على النعمةِ فيه مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ اسمِ السببِ على مسبَّبِه؛ لأن اليدَ سببٌ في صدورِ النعمةِ ووصولِها إلى الشخصِ المقصودِ بها, والقرينةُ لفظيَّةٌ, وهي عظُمَتْ.

والمُسَبَّبِيَّةِ [١]، في قولِك: أمطَرَت السماءُ نباتاً. أي: مطراً يَتسبَّبُ عنه النباتُ [٢].

والْجُزْئيَّةِ [٣]، في قولِك: أرسلتُ العيونَ لتَطَّلِعَ على أحوالِ العدوِّ. أي: الجواسيسِ [٤].

والكلِّيَّةِ [٥]، في قولِه تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} أي: أنامِلَهم. [٦]

(١) (والمسببيَّةِ) وهي أن يكونَ الشيءُ المنقولُ عنه مسبَّباً وأثراً لشيءٍ آخَرَ.

(٢) (في قولِك: أَمطرَت السماءُ نباتاً. أي: مطراً يَتسبَّبُ عنه النباتُ) أي: فإطلاقُ النباتِ على المطرِ فيه مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ اسمِ المسبَّبِ على سببِه؛ لأن النباتَ مسبَّبٌ عن المطرِ في الجملةِ, وإلا فالسببُ في الحقيقةِ الماءُ مطلَقاً, وإن لم يكن مطراً, والقرينةُ لفظيَّةٌ وهي أَمْطَرَتْ.

(٣) (والجزئيَّةُ) وهي كونُ الشيءِ المذكورِ ضِمْنَ شيءٍ آخَرَ.

(٤) (في قولِك: أرسلْتُ العيونَ لتَطَّلِعَ على أحوالِ العدوِّ، أي: الجواسيسِ) فالعيونُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ الجزءِ, وإرادةِ الكلِّ؛ لأن كلَّ عينٍ جزءٌ من جاسوسِها، والقرينةُ حاليَّةٌ, وهي استحالةُ إرسالِ العيونِ فقط مجرَّدةً عن أبدانِها.

(٥) (والكلِّيَّةِ) وهي كونُ الشيءِ المذكورِ متضمِّناً للمقصودِ وغيرِه.

(٦) {في قولِه تعالى: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ} . أي: أناملَهم فالأصابعُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ الكلِّ وإرادةِ الجزءِ والقرينةُ حاليَّةٌ وهي استحالةُ جعْلِ الأصابعِ وإدخالِها بتمامِها في الآذانِ عادةً.

واعتبارُ ما كان [١] في قولِه تعالى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} أى البالغِين [٢].

واعتبارُ ما يكونُ [٣]، في قولِه تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} أي عِنَباً [٤].

والمَحَلِّيَّةِ [٥]، في قولِك: قرَّرَ المجلسُ ذلك. أي: أهلُه [٦].

والحالِيَّةِ [٧] في قولِه تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: جنَّتِه [٨].

(١) (واعتبارُ ما كان) وهو النظرُ إلى الماضي.

(٢) (في قولِه: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ. أي: البالغين) يعني: الذين كانوا يَتَامى قبلَ إيتاءِ المالِ إليهم, ثم بَلَغُوا؛ لأن الإيتاءَ المذكورَ وجوبُه بعدَ بلوغِهم ولا يكونون حينئذٍ يَتامى؛ إذ لا يُتْمَ بعدَ البلوغِ، فإطلاقُ اليتامى على البالغين مَجازٌ علاقتُه اعتبارُ الوصفِ الذي كانوا عليه قبلَ البلوغِ.

(٣) (واعتبارُ ما يكون) أي: ما يَؤولُ إليه, وهو النظرُ إلى المستقْبَلِ.

(٤) (في قولِه تعالى: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً. أي: عِنَباً) يَؤولُ أمرُه إلى خمرٍ فخمراً مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه اعتبارُ ما يَؤولُ إليه, والقرينةُ حاليَّةٌ وهي استحالةُ المعنى الحقيقيِّ؛ لأن العصيرَ حالةَ العصرِ لا يُخامِرُ العقلَ, وإنما يُخامرُه بعدَ مدَّةٍ.

(٥) (والمحليَّةِ) وهي كونُ الشيءِ المذكورِ يَحُلُّ فيه غيرُه.

(٦) (في قولِك: قَررَّ المجلسُ ذلك أي: أهلُه) فالمجلسُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ المحلِّ وإرادةِ الحالِّ فيه, والقرينةُ لفظيَّةٌ وهي قرَّرَ.

(٧) (والحاليَّةِ) وهي كونُ الشيءِ حالًّا في غيرِه.

(٨) (في قولِه تعالى: فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ: أي: جنَّتِه) التي تَحُلُّ فيها الرحمةُ, أعني: الأمورُ الْمُنْعَمُ بها؛ لأنها هي التى تَحُلُّ في الجنَّةِ، (فرحمةِ) مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ الحالِّ، وإرادةِ الْمَحَلِّ, والقرينةُ لفظيَّةٌ وهي كلمةُ في. فهذه ثمانُ عَلاقاتٍ. والتاسعةُ اللازميَّةُ وهي كونُ الشيءِ المذكورِ يَجِبُ وجودُه عندَ وجودِ شيءٍ آخرَ، نحوَ: طلَعَ الضوءُ أي: الشمسُ فالضوءُ مَجازٌ مرسَلٌ من إطلاقِ اللازمِ وإرادةِ الملزومِ؛ لأن الضوءَ يوجدُ عندَ وجودِ الشمسِ والعاشرةُ الملزوميَّةُ وهي كونُ الشيءِ يَجبُ عندَ وجودِه وجودُ شيءٍ آخَرُ, نحوَ: مَلَأَت الشمسُ المكانَ: أي: الضوءُ، فالشمسُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه إطلاقُ الملزومِ وإرادةُ اللازمِ؛ لأن الشمسَ متى وُجِدَتْ وُجِدَ الضوءُ, والقرينةُ مَلَأَتْ والحاديةَ عشرةَ: الإطلاقُ, وهو كونُ الشيءِ مجرَّداً عن القُيودِ نحوَ قولِه تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي: عِتْقُ رقبةٍ مؤمنةٍ, فالرقبةُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الإطلاقُ؛ لأن المرادَ بها المؤمنةُ, والثانيةَ عشرةَ: التقييدُ, وهو كونُ الشيءِ مقيَّداً بقيدٍ أو أكثرَ نحوَ: ما أغلظَ جَحْفَلَةَ خالدٍ, أي: شَفَتَه فجَحْفَلَةَ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه التقييدُ؛ لأنها مقيَّدةٌ بشَفَةِ الفرَسِ, والقرينةُ إضافتُها إلى خالدٍ, والثالثةَ عشرَ: العمومُ وهو كونُ الشيءِ المذكورِ شاملاً لكثيرٍ نحوَ قولِه تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} أي: النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ, فالناسُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه العمومُ؛ لأن المرادَ به فردٌ خاصٌّ من أفرادِه, والرابعةَ عشرَ: الخصوصُ وهو كونُ المذكورِ خاصٌّ بشيءٍ واحدٍ كإطلاقِ اسمِ الشخصِ على القبيلةِ نحوَ قريشٍ وربيعةَ فإنه مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الْخُصوصُ؛ لأنه خاصٌّ بفردٍ من الأفرادِ والخامسةَ عشرَ: البدليَّةُ وهي كونُ الشيءِ المذكورِ بدَلاً عن شيءٍ آخَرَ نحوَ قولِه تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} أي: أدَّيْتُمْ فالقضاءُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه البدليَّةُ؛ لأن القضاءَ الشرعىَّ بدَلٌ عن الأداءِ والسادسةَ عشرَ الْمُبْدَلِيَّةُ وهو كونُ الشيءِ مُبْدَلاً منه شيءٌ آخَرُ نحوَ: أكلْتُ دمَ زيدٍ أي: دِيتَه, فالدمُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الْمُبْدليَّةُ؛ لأن الدمَ مُبْدَلٌ عنه الديةُ, والسابعةَ عشرَ: الدالِّيَّةُ وهي كونُ المذكورِ دالًّا على شيءٍ آخَرَ نحوَ: فَهِمْتُ الكتابَ أي: معناه, فالكتابُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الدالِّيَّةُ؛ لأنه دالٌّ على المعنى الذي تَعلَّقَ به الفهمُ, والثامنةَ عشرَ: المدلوليَّةُ وهي كونُ المذكورِ مدلولاً لشيءٍ آخَرَ نحوَ قولِك في كتابٍ: قرَأتُ معناه فالمعنى مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه المدلوليَّةُ؛ لأنه مدلولٌ للكتابِ الذي تَعَلَّقَت القراءةُ به والتاسعةَ عشرَ: المجاوَرةُ, وهي كونُ الشيءِ مُجَاوِراً لآخَرَ في مكانِه أي: مُتَّصِلاً به اتِّصالاً يُعَدُّ في العُرْفِ مجاوَرةً نحوَ كلَّمتُ الجدارَ أي: زيداً الجالسَ بجِوارِه فالجدارُ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه المجاوَرةُ؛ لأنه مجاوِرٌ لزيدٍ الجالسِ, والعشرون: الآلِيَّةُ وهي كونُ الشيءِ واسطةً لإيصالِ أثَرِ شيءٍ إلى آخَرَ نحوَ قولِه تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ} أي: ذكْراً حسَناً فلسانَ مَجازٌ مرسَلٌ علاقتُه الآليَّةُ؛ لأنه آلةٌ في الذكْرِ الحسَنِ والثناءِ الْمُستطابِ والحاديةُ والعشرون: التعلُّقُ الاشتقاقيُّ وهو إقامةُ صيغةٍ مُقامَ أخرى كإطلاقِ المصدرِ وإرادةِ المفعولِ في قولِه تعالى: {صُنْعَ اللهِ الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} أي: مصنوعَه وكإطلاقِ المفعولِ وإرادةِ الفاعلِ في قولِه تعالى: {حِجَاباً مَسْتُوراً} أي: ساتراً وكإطلاقِ الفاعلِ وإرادةِ المفعولِ في قولِه تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ} أي: لا معصومَ وكإطلاقِ الفاعلِ وإرادةِ المصدرِ في قولِه تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كاَذِبَةٌ} أي: تكذيبٌ.

المَجازُ المركَّبُ [١]

المركَّبُ إن اسْتُعْمِلَ في غيرِ ما وُضِعَ له لعَلاقةٍ غيرِ المُشابَهةِ سُمِّيَ مَجازاً [٢] مركَّباً [٣] كالجُمَلِ الخبريَّةِ إذا اسْتُعْمِلَتْ في الإنشاءِ [٤]، نحوَ قولِه [٥]:

هَوايَ [٦] مع الرَّكْبِ اليمانِينَ مُصْعِدُ [٧] ... جَنيبٌ وجُثْمَانِي بمكَّةَ مُوثَقُ [٨]

فليس الغرَضُ من هذا البيتِ الإخبارَ [٩] , بل إظهارَ التحزُّنِ والتحسُّرِ [١٠]

(١) (المَجازُ المركَّبُ)

(٢) هو الكلامُ المركَّبُ المستعمَلُ في غيرِ المعنى الذي وُضِعَ له مع قرينةٍ مانِعةٍ عن إرادةِ معناه الأصليِّ, ويَنقسمُ كالمَجازِ المُفرَدِ إلى قسمين؛ مَجازٌ مرسَلٌ مركَّبٌ واستعارةٌ تمثيليَّةٌ قالَ.

(٢) (المركَّبُ إن استُعمِلَ في غيرِ ما وُضِعَ له لعَلاقةٍ غيرِ المشابَهةِ سُمِّيَ مَجازاً) مرسَلاً لإرسالِ عَلاقتِه عن التقييدِ بالمشابَهةِ.

(٣) (مركَّباً) لجريانِه في المركَّبِ خلافَ المُفرَدِ ويَنْحَصِرُ في موضعين أشارَ إلى الأوَّلِ بقولِه.

(٤) (كالجُمَلِ الخبريَّةِ إذا استُعْمِلَتْ في الإنشاءِ) لأغراضٍ, منها التحسُّرُ وإظهارُ التأسُّفِ.

(٥) (نحوَ قولِه) أي: قولِ جعفرِ بنِ عُلْبةَ الحارثيِّ.

(٦) (هَوايَ) أي: مَهْوُيِّي ومَحْبوبي.

(٧) (مع الركْبِ اليمانِين مُصْعِدُ) أي: مُبْعِدُ.

(٨) (جَنيبٌ وجُثْماني بمكَّةَ مُوثَقُ) أي: مُقيَّدُ.

(٩) (فليس الغرضُ من هذا البيتِ الإخبارَ) أي: بكونِ هواه أي: محبوبِه: مُصْعِداً.

(١٠) (بل إظهارَ التحزُّنِ والتحَسُّرِ) على ما آلَ إليه أمْرُه من مفارَقةِ المحبوبِ اللازمِ ذلك للإخبارِ بها؛ لأن الإخبارَ بوقوعِ شيءٍ مكروهٍ يَلْزَمُه إظهارُ التحسُّرِ والتحزُّنِ فالعَلاقةُ اللازميَّةُ ومنها إظهارُ الضعْفِ نحوَ قولِ الشاعرِ:

ربِّ إني لا أستطيعُ اصطِباراً ... فاعْفُ عني يا مَن يُقيلُ العِثارَا

ومنها إظهارُ السرورِ نحوَ كُتِبَ اسمي بينَ الناجحين، ومنها الدعاءُ نحوَ: تَمِّمِ اللهُ مقاصِدَنا, والموضِعُ الثاني: الْجُمَلُ الإنشائيَّةُ إذا استُعمِلَتْ في معانٍ أُخَرَ نحوَ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) إذ المرادُ يَتبوَّأُ والعَلاقةُ في هذا السببيَّةُ؛ لأن إنشاءَ المتكلِّمِ العبارةَ سببٌ لإخبارِه بما تَضمنَّهُ فظاهرُه أمرٌ ومعناه خبرٌ.

وإن كانت علاقتُه المُشابَهةَ [١] سُمِّيَ [٢] استعارةً تَمثيليَّةً [٣]، كما يُقالُ [٤] للمُتردِّدِ في أمْرٍ [٥]: إني أراك تُقَدِّمُ رِجْلاً [٦] وتُؤخِّرُ [٧] أُخرى [٨].

(١) (وإن كانت علاقتُه المشابَهةَ) أي: بينَ صورتين مُنْتَزَعَتيْنِ من أمرين أو أمورٍ.

(٢) (سُمِّيَ) أي: اللفظُ المركَّبُ المستعمَلُ في الصورةِ المُشبَّهةِ بعدَ ادِّعاءِ أنها من جنسِ الصورةِ المُشبَّهِ بها.

(٣) (استعارةً تمثيليَّةً) أما: كونُه استعارةً؛ فلأنه استُعِيرَ الدالُّ على الصورةِ المُشبَّهِ بها للصورةِ المُشبَّهةِ، وأما كونُ هذه الاستعارةِ تمثيليَّةً فإشارةٌ إلى عِظَمِ شأنِها كأنَّ غيرَها ليس فيه تمثيلٌ أصْلاً مع أن التمثيلَ بمعنى التشبيهِ عامٌّ في كلِّ استعارةٍ.

(٤) (كما يُقالُ) أي: كالقولِ الذي يُقالُ.

(٥) (للمتردِّدِ في أمْرٍ) أي: في فعلِه وعدَمِ فعلِه بأن يَتَوجَّهَ إليه بالعزْمِ تارةً ويَتوجَّهَ للإحجامِ عنه بالعزْمِ تارةً أخرى.

(٦) (إنِّي أراك تُقدِّمُ رِجْلاً) مَرَّةً.

(٧) (وتؤخِّرُ) تلك الرِّجْلَ المتقدَّمةَ مَرَّةً.

(٨) (أخرى) فإن هذا القولَ حيث استُعمِلَ في التردُّدِ فهو استعارةٌ تمثيليَّةٌ يُقالُ في إجرائِها: شُبِّهتْ هيئةُ من يَتردَّدُ في أمرٍ بينَ أن يَفعلَه, وأن لا يَفعلَه بهيئةِ مَن يَتردَّدُ في الذِّهابِ أو في الدخولِ, فتارةً يُقدِّمُ رجلَه, وتارةً يؤخِّرُها بجامعِ الْحَيْرةِ في كلٍّ, أي: كونِ كلٍّ منهما له مُطلَقُ إقدامٍ بالانبعاثِ لأمْرٍ تارةً, والإحجامِ عن ذلك الأمرِ بذلك الانبعاثِ تارةً أخرى, ثم استُعيرَ اللفظُ الدالُّ على الهيئةِ المُشبَّهِ بها للهيئةِ المُشبَّهةِ على سبيلِ الاستعارةِ التمثيليَّةِ, هذا وإذا فَشَتْ وشاعَتْ وكَثُرَ استعمالُها أعني: استُعمِلَتْ كثيراً في مثل ما استَعْمَلَها الناقلُ الأوَّلُ سُمِّيَتْ مَثلاً, ولا يُغَيَّرُ مطلَقاً بحيثُ يُخاطَبُ به المُفرَدُ والمذكَّرُ, وفروعُهما بلفظٍ واحدٍ من غيرِ تغييرٍ؛ لأن المستعارَ في كلِّ استعارةٍ مستعمَلٌ في معناه المَجازيِّ على حالتِه عندَ استعمالِه في معناه الحقيقيِّ, ولا يَجوزُ تغييرُه بوجهٍ, وذلك نحوَ: الصيفَ ضيَّعْتِ اللبنَ فإن أصلَ مَوْرِدِه أن لدختوسَ بنتَ لَقِيطِ بنِ زُرارةَ تَزوَّجَتْ شيخاً كبيراً, وهو عمرُو بنُ عمرِو بنِ عُدَسٍ, فطلَبَتْ منه الطلاقَ في زمَنِ الصيفِ لضعفِه, فطلَّقَها ثم تَزوَّجَتْ بشابٍّ فقيرٍ, وهو عمرُ بنُ زُرارةَ, وأصابَها جَدْبٌ في زمنِ الشتاءِ فطلَبَتْ من الشيخِ الذي طلَّقَها شيئاً من اللبنِ فقالَ لها ذلك القولَ, ثم نَقَلَه الناقلُ الأوَّلُ لِمَضْرِبٍ, وهو قضيَّةٌ تَضمَّنَتْ طلَبَ الشيءِ بعدَ تضييعِه والتفريطِ فيه، ثم فَشَا استعمالُه في مثلِ تلك القضيَّةِ مما طُلِبَ فيه الشيءُ بعدَ التسبُّبِ في ضياعِه والتفريطِ في تحصيلِه في زمَنٍ آخَرَ من غيرِ تغييرٍ له في حالةِ الْمَضْرِبِ عن هيئتِه في حالةِ الْمَوْرِدِ. وإجراءُ الاستعارةِ فيه أن يُقالَ: شُبِّهَتْ هيئةُ من فَرَّطَ في أمْرٍ زمَنَ إمكانِ تحصيلِه بهيئةِ المرأةِ التي طُلِّقَتْ من الشيخِ اللابنِ, ورَجَعتْ إليه تَطلُبُ منه اللبنَ زَمنَ الشتاءِ بجامعِ التفريطِ في كلٍّ, واستُعِيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به, وهو القولُ المذكورُ للمشبَّهِ على سبيلِ الاستعارةِ التمثيليَّةِ.

المَجازُ العَقليُّ [١]

هو إسنادُ [٢] الفعلِ [٣] أو [٤] ما في معناه [٥] إلى غيرِ ما هو [٦] له [٧] عندَ المتكَلِّمِ [٨] في الظاهرِ [٩] لعَلاقةٍ [١٠]، نحوَ قولِه [١١]:

(١) المَجازُ العقليُّ

هو قسيمُ المَجازِ اللُّغويِّ و.

(٢) (هو إسنادُ) لفظِ.

(٣) (الفعْلِ) الاصطلاحيِّ.

(٤) (أو) إسنادُ.

(٥) (ما في معناه) أي: لفظٍ دالٍ على معنى الفعلِ التَّضَمُّنِيِّ وهو الحدَثُ؛ لأنه الذي دَلَّ عليه جوهرُ لفظِ الفعلِ دونَ الزمانِ كاسمِ الفعْلِ والمصدرِ واسْمَي الفاعلِ والمفعولِ والصِّفَةِ المُشبَّهةِ واسمِ المنسوبِ وأمثلَةِ المبالَغةِ واسمِ التفضيلِ والظرْفِ والجارِّ والمجرورِ إذا كانا مُستَقرَّيْن لاستقرارِ معنى العامِلِ فيهما, لا إذا كانا لغْواً.

(٦) (إلى غيرِ ما هو) استَقرَّ.

(٧) (له) أي: إلى شيءٍ مُغايِرٍ للشيءِ الذي حقُّ ذلك الفعلِ أو ما في معناه أن يُسنَدَ له. هذا قيْدٌ خرَجَ به الحقيقةُ العقليَّةُ فإنها إسنادُ الفعلِ أو ما في معناه إلى ما هو له يعني: أن الفعلَ المبنيَّ للمعلومِ وما في حكْمِه كاسمِ الفاعلِ حقُّه أن يُسنَدَ إلى الفاعلِ لكونِ النسبةِ بطريقِ القيامِ مأخوذةً في مفهومِه, والفعلُ المبنيُّ للمجهولِ وما في حكمِه كاسمِ المفعولِ حقُّه أن يُسنَدَ إلى المفعولِ به لكونِ النسبةِ بطريقِ الوقوعِ عليه مأخوذةً في مفهومِه, فإذا أُسنِدَ الفعلُ في الأوَّلِ إلى فاعلِه, وفي الثاني إلى مفعولِه كان الإسنادُ إسناداً إلى ما هو له, ويُقالُ له: حقيقةٌ عقليَّةٌ. وأما إذا أُسنِدَ الفعلُ في الأوَّلِ غيرَ الفاعلِ من مفعولٍ ومصدرٍ وزمانٍ ومكانٍ وسببٍ لكونِه مُلابِساً له فصارَ ذلك الغيرُ في تَلبُّسِه به كالفاعلِ في مطلَقِ التلَبُّسِ يكونُ إسنادُ ذلك الفعلِ لذلك الغيرِ للملابَسةِ إسناداً إلى غيرِ ما هو له, ويُسَمَّى مَجازاً عقليًّا, وكذا الفعلُ في الثاني إذا أُسنِدَ إلى غيرِ المفعولِ به من فاعلٍ ومصدرٍ وأمثالِهما لشَبَهِه به في الملابَسةِ يكونُ إسنادُه إليه إسناداً إلى غيرِ ما هو له, ويُسَمَّى مَجازاً عقليًّا.

(٨) (عندَ المتكلِّمِ) متعلِّقٌ بعامِلِ له المستَتِرِ الذي هو استَقرَّ, وكذا يَتعلَّقُ به قولُه.

(٩) (في الظاهرِ) أي: ظاهرِ حالِ المتكلِّمِ أي: فيما يُفهَمُ من ظاهرِ حالِه، هذان القَيْدان زِيدَا لإفادةِ أنَّ المعتَبرَ في المَجازِ العقليِّ كونُ المسنَدِ إليه فيه غيرَ ما هو له عندَ المتكلِّمِ في الظاهرِ سواءٌ كان غيراً في الواقعِ أم لا، فشَمِلَ التعريفُ أقساماً أربعةً: الأوَّلُ: ما طابقَ الواقعَ والاعتقادَ معاً, كقولِ المؤمنِ: أنْبَتَ اللهُ البَقْلَ لمخاطِبٍ يَعتقدُ أن المتكلِّمَ يُضِيفُ الإنباتَ للربيعِ, وعَلِمَ المتكلِّمُ بذلك الاعتقادِ فيكونُ مَجازاً؛ لأن علْمَه باعتقادِ المخاطَبِ قرينةٌ صارفةٌ للإسنادِ عن ظاهرِه, والثاني: ما طابَقَ الواقعَ فقط كقولِ المعتزِليِّ: خلَقَ اللهُ الأفعالَ كلَّها لمن يَعْرِفُ حالَه, وهو يَعتقدُ أن المخاطَبَ عالِمٌ بحالِه فيكونُ مَجازاً؛ لأن اعتقادَه أن المخاطَبَ عالِمٌ بحالِه قرينةٌ صارفةٌ للإسنادِ عن ظاهرِه، والثالثُ ما طابَقَ الاعتقادَ فقط كقولِ الجاهلِ: أنْبَتَ الربيعُ البَقْلَ, والمخاطَبُ يَعتقدُ أن المتكلِّمَ يُضيفُ الإنباتَ للهِ, وعَلِمَ ذلك المتكلِّمُ باعتقادِه, فيكونُ مَجازاً؛ لأن علْمَه باعتقادِ المخاطَبِ قرينةٌ صارفةٌ للإسنادِ عن ظاهرِه, والرابعُ: ما لم يُطابِقْ واحداً منهما كقولِك: جاءَ زيدٌ وأنت تَعلمُ أنه لم يَجِئْ وأظْهَرْتَ للمخاطَبِ الكَذِبَ, ونَصبْتَ قرينةً على إرادةِ الكَذِبِ.

(١٠) (لعَلاقةٍ) أي: لملاحظةِ مناسَبةٍ مخصوصةٍ, وهي المشابَهةُ بينَ المسنَدِ إليه الحقيقيِّ والمسنَدِ إليه المَجازيِّ في الملابَسةِ, أي: في تَعلُّقِ الفعْلِ, أو في معناه بكلٍّ منهما وإن كانت جهةُ التعلُّقِ مختلِفةً, فالعَلاقةُ التي هي الملابَسةُ معتَبَرةٌ لابدَّ منها في كلِّ مَجازٍ عقليٍّ من حيث إنها جُعِلَتْ عِلَّةً دونَ غيرِها بدليلِ الاقتصارِ عليها في مقامِ البيانِ, ولكن هل يَكْفِي في جميعِ أفرادِ هذا المَجازِ كونُ العَلاقةِ مُطْلَقَ الملابَسةِ, أو لابدَّ أن تُبيَّنَ جهتُها بأن يقالَ: العَلاقةُ ملابَسةُ الفعلِ للفاعلِ المَجازيِّ من جهةِ وقوعِه عليه, أو فيه, أو به, وهذا هو الأقربُ كما قالوا في المَجازِ اللغويِّ: إنه لا يَكْفي أن يَجْعَلَ اللزومَ أو التعلُّقَ عَلاقةً, بل فرْداً منه, وكذا لابدَّ من قرينةٍ صارفةٍ عن أن يكونَ الإسنادُ لما هو له, وهي إما لفظيَّةٌ، كقولِ أبي النَّجْمِ:

مَيَّزَ عنه قُنْزُعاً عن قُنْزُعِ ... جَذْبُ الليالي أَبْطئِي أو أَسْرِعِي

فإن إسنادَ مَيَّزَ إلى جذْبِ الليالي مَجازٌ عقليٌّ, والقرينةُ عليه قولُه بعدَ أفناه قِيلُ اللهِ للشمسِ: اطْلُعِي, أي: إرادتُه تعالى, فإسنادُ الإفناءِ إلى إرادتِه تعالى يَدُلُّ على أن التمييزَ فعلُه تعالى، أو معنويَّةٌ كاستحالةِ قيامِ المسنَدِ بالمسنَدِ إليه المذكورِ في عبارةِ المتكلِّمِ على وجهِ البَداهةِ عقْلاً، نحوَ قولِك: محبَّتُكَ جاءتْ بي إليك. أصْلُه نفسي جاءتْ بي إليك لأجلِ المحبَّةِ فالمحبَّةُ سببٌ داعٍ إلى المجيءِ, لا فاعلَ له فإسنادُ المجيءِ إلى المحبَّةِ مَجازٌ لعَلاقةِ المشابَهةِ بينَ المحبَّةِ والنفسِ من حيث تَعلُّقُ المجيءِ بكلٍّ منهما, والقرينةُ استحالةُ قيامِه بها, أو عادةٌ نحوَ: هزَمَ الأميرُ الْجُندَ فأسنادُ هَزْمِ الجُنْدِ إلى الأميرِ مَجازٌ, والقرينةُ استحالةُ صدورِ الهزْمِ عنه وحدَه عادةً, وكصدورِ الإسنادِ من الموحِّدِ الذي يَعتقدُ أن اللهَ واحدٌ.

(١١) (نحوَ قولِه) أي: الصَّلَتَانُ العَبْدِيُّ الْحَمَاسيُّ.

أَشَابَ الصغيرَ وأَفْنَى الكبيـ ... رَ كَرُّ الغَداةِ ومَرُّ العَشِيْ [١]

فإن إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلى كَرِّ الغداةِ ومُرورِ العَشِىِّ إسنادٌ إلى غيرِ ما هو له [٢]؛ إذ الْمُشيبُ والْمُفْنِي في الحقيقةِ [٣] هو اللهُ

تعالى [٤].

(١) (أَشابَ الصغيرَ وأَفنَى الكبيرَ كَرُّ الغداةِ ومَرُّ العَشِيِّ) أي: كُرورُ الأيامِ ومرورُ الليالي تَجْعَلُ الصغيرَ كبيراً, والطفلَ شابًّا والشيخَ فانياً.

(٢) (فإن إسنادَ الإشابةِ والإفناءِ إلى كَرِّ الغداةِ ومرورِ العَشيِّ إسنادٌ إلى غيرِ ما هو له) فيكونُ مَجازاً عقليًّا, هذا على فرْضِ علْمِ حالِ قائلِه, وأنه مؤمنٌ.

(٣) (إذ الْمُشِيبُ والْمُفْنِي في الحقيقةِ) عندَ المؤمنِ.

(٤) (هو اللهُ تعالى) لا غيرُه, والقرينةُ على ذلك صدورُه من المؤمنِ الموحِّدِ.

ومن المَجازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ [١]، نحوَ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [٢].

وعكسُه [٣]، نحوَ: سيْلٌ مُفْعَمٌ [٤]. والإسنادُ [٥] إلى المصدرِ، نحوَ: جَدَّ جِدُّه [٦]. و إلى الزمانِ، نحوَ: نهارُه صائمٌ [٧]. و [٨] إلى المكانِ [٩]، نحوَ: نهرٌ جارٍ [١٠]. و [١١] إلى السببِ [١٢]، نحوَ: بَنَى الأميرُ المدينةَ [١٣].

(١) (ومن المَجازِ العقليِّ إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى المفعولِ) به لكونِه واقعاً عليه.

(٢) (نحوَ عيشةٍ راضيةٍ) فإسنادُ راضيةٍ وهو مَبْنِيٌّ للفاعلِ إلى الضميرِ المستترِ, أعني: ضميرَ العِيشةِ, وهو مفعولٌ به, مَجازٌ عقليٌّ ملابستُه المفعوليَّةُ, والقرينةُ الاستحالةُ العقليَّةُ، وأصلُ هذا التركيبِ عيشةٌ راضٍ صاحبُها, فالرضا كان بحسَبِ الأصلِ مسنَداً للفاعلِ الحقيقيِّ, وهو الصاحبُ, ثم حُذِفَ الفاعلُ وأُسْنِدَ الرضا إلى ضميرِ العيشةِ, وقيل: عيشةٌ رُضِيَتْ. لما بينَ الصاحبِ والعيشةِ من المشابَهةِ في تعلُّقِ الرضا بكلٍّ, وإن اختلَفَتْ جهةُ التعلُّقِ؛ لأن تعلُّقَه بالصاحبِ من حيث الحصولُ منه وبالعيشةِ من حيث وقوعُه عليها, فصارَ ضميرُ العيشةِ فاعلاً ثم اشتُقَّتْ من رُضِيَتْ راضيةٌ وأُسنِدتْ إلى المفعولِ.

(٣) (وعكسُه) أي: إسنادُ ما بُنِيَ للمفعولِ إلى الفاعلِ لكونِه واقعاً منه.

(٤) (نحوَ: سيلٌ مُفْعَمٌ) أي: مملوءٌ فإسنادُ مُفْعَمٍ, وهو مبْنِيٌّ للمفعولِ إلى ضميرِ السيْلِ, وهو فاعلٌ, مَجازٌ عقليٌّ مُلابَستُه الفاعليَّةُ, والقرينةُ الاستحالةُ العقليَّةُ, وأصلُ التركيبِ أفعَمَ السيلُ الواديَ, أي: مَلأَه, فالإفعامُ كان بحسَبِ الأصلِ مُسْنَداً للفاعلِ الحقيقيِّ, وهو السيلُ ثم بُنِيَ أَفْعَمَ للمفعولِ واشتُقَّ منه اسمُ المفعولِ, وأُسنِدَ لضميرِ الفاعلِ الحقيقيِّ وهو السيْلُ بعدَ تقديمِه.

(٥) (والإسنادُ) أي: إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ.

(٦) (إلى المصدرِ نحوَ: جَدَّ جِدُّه) أي: اجتهادُه وأصلُ التركيبِ جدَّ الجادُّ جِدًّا أي: اجتَهدَ اجتهاداً؛ لأن حقَّ الفعْلِ, وهو جَدَّ أن يُسنَدَ للفاعلِ الحقيقيِّ, وهو الشخصُ, لا للجِدِّ نفسِه, وإسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ إلى الزمانِ لكونِه واقعاً فيه, فأَشبَهَ الفاعلَ الحقيقيَّ في مُلابسةِ الفعلِ لكلٍّ منهما.

(٧) (نحوَ: نهارُه صائمٌ) فإن النهارَ مَصُومٌ فيه, والصائمُ فيه هو الإنسانُ.

(٨) (و) إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ.

(٩) (إلى المكانِ) لكونِه واقعاً فيه.

(١٠) (نحوَ: نهرٌ جارٍ) فإن الجاريَ هو الماءُ, لا النهرُ الذي هو مكانُ جَرْيِه.

(١١) (و) إسنادُ ما بُنِيَ للفاعلِ.

(١٢) (إلى السببِ) الآمِرِ.

(١٣) (نحوَ: بَنَى الأميرُ المدينةَ) فإن البانيَ حقيقةً هو العُمَّالُ, لا الأميرُ الذي هو سببٌ آمِرٌ, وكذا السببُ الغائيُّ يُسنَدُ إليه أيضًا مَجازاً نحوَ: ضرَبَ التأديبَ ونحوَ قولِه تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} فإن القيامَ في الحقيقةِ لأهلِ الحسابِ, ولكن لأجلِه فكانَ الحسابُ عِلَّةً غائيَّةً وسبباً مآلِيًّا.

يُعلَمُ مما سَبقَ أن المَجازَ اللغوِيَّ يكونُ في اللفظِ [١]، والمَجازَ العقليَّ يكونُ في الإسنادِ [٢].

الكِنايةُ [٣]

هي [٤] لفظٌ [٥] أُرِيدَ به لازِمُ معناه [٦] مع جوازِ إرادةِ ذلك المعنى [٧]، نحوَ: طويلُ النجادِ [٨]. أي: طويلُ القامَةِ [٩].

وتَنقسمُ [١٠] باعتبارِ الْمَكْنِيِّ عنه [١١] إلى ثلاثةِ أقسامٍ [١٢]:

(الأوَّلُ) [١٣] كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها [١٤] صفةً [١٥]، كقولِ الخَنْساءِ [١٦]:

(١) (ويُعلَمُ مما سَبقَ أن المَجازَ اللغويَّ يكونُ في اللفظِ) فهو اللفظُ المستعمَلُ في غيرِ ما وُضِعَ له إلخ.

(٢) (والمَجازُ العقليُّ يكونُ في الإسنادِ) فهو إسنادُ الفعلِ أو ما في معناه إلى غيرِ ما هو له إلخ.

(٣) الكِنايةُ

أي: تعريفُها وأقسامُها

(٤) (هي) أي: الكِنايةُ, لغةً: ما يَتَكَلَّمُ به الإنسانُ ويُريدُ به غيرَه, أو تَرْكُ التصريحِ بالشيءِ واصطلاحاً.

(٥) (لفظٌ) له معنًى حقيقيٌّ أُطْلِقَ, ولم يُرَدْ منه ذلك المعنى الحقيقيُّ بل.

(٦) (أُريدَ به لازِمُ معناه) الحقيقيِّ لاستعمالِه فيه والمرادُ باللزومِ هنا مطلَقُ الارتباطِ ولو بعرْفٍ.

(٧) (مع جوازِ إرادةِ ذلك المعنى) الحقيقيِّ لذاتِه مع لازِمِه على أن الغرَضَ المقصودَ بالذاتِ هو اللازمُ بمعنى أنه لابدَّ أن لا تَصْحَبَه قرينةٌ مانِعةٌ من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ.

(٨) (نحوَ: طويلُ النِّجادِ) أي: عِلاقةُ السيفِ وطولُها يَستلزِمُ طولَ القامةِ فقولُك: فلانٌ طويلُ النِّجادِ.

(٩) (أي: طويلُ القامةِ) فقد استُعمِلَ اللفظُ في لازمِ معناه مع جوازِ أن يُرادَ بهذا الكلامِ الإخبارُ بأنه طويلُ عِلاقةِ السيفِ, وطويلُ القامةِ بأن يُرادَ بطويلِ النجادِ معناه الحقيقيُّ واللازِميُّ؛ لأنه لم تُوجَدْ قرينةٌ تَمنعُ من إرادةِ معناه الحقيقيِّ, فقولُه: لفْظٌ. جنْسٌ وقولُه أُريدَ لازِمُ معناه. قيْدٌ أوَّلُ خرَجَ به اللفظُ الذي أُرِيدَ به نفسُ معناه, وهو الحقيقةُ, وقولُه: مع جوازِ إلخ قيْدٌ ثانٍ خرَجَ به المَجازُ؛ إذ لا يَجوزُ فيه إرادةُ المعنى الحقيقيِّ مع المعنى المَجازيِّ على أن الغرَضَ المقصودَ بالذاتِ هو المَجازيُّ فقط عندَ مَن يَمْنَعُ الجمْعَ بينَ الحقيقةِ والمَجازِ؛ إذ يَشْتَرِطُ في قرينتِه كما سَبقَ أن تكونَ مانِعةً من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ, ومن هذا الفرْقِ بينَ الكِنايةِ والمَجازِ عُلِمَ أنهما يَجْتَمِعَانِ في جوازِ إرادةِ المعنى الحقيقيِّ للانتقالِ منه للمرادِ وفي امتناعِ إرادتِه بحيث يكونُ هو المعنى المقصودَ بالذاتِ, وعُلِمَ أيضاً أن الكِنايةَ واسطةٌ بينَ الحقيقةِ والمَجازِ فليست حقيقةً؛ لأن اللفظَ لم يُرَدْ به معناه, بل لازِمُه، ولا مَجازاً لأن المَجازَ لابدَّ له من قرينةٍ مانِعةٍ عن إرادةِ المعنى الموضوعِ له.

(١٠) (وتَنقسمُ) الكِنايةُ.

(١١) (باعتبارِ المكنَّى عنه) أي: المعنى المقصودِ بلفظِها يعنى: المعنى الذي يُطلَبُ الانتقالُ من المعنى الأصليِّ إليه.

(١٢) (إلى ثلاثةِ أقسامٍ) بحكْمِ الاستقراءِ وتَتَبُّعُ مواردِ الكِناياتِ

(١٣) (الأوَّلُ من الثلاثةِ الأقسامِ) .

(١٤) (كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها) أي: يكونُ المقصودُ إفادتَه وإفهامَه بطريقِ الكِنايةِ.

(١٥) (صفةً) من الصفاتِ المعنويَّةِ, وهي المعنى القائمُ بالغيرِ كالجُودِ والكرمِ وطولِ القامةِ وذلك بأن يكونَ المقصودُ بالذاتِ منها هو إفهامَ معنى الصفةِ من صفةٍ أخرى أُقيمتْ مُقامَ تلك الصفةِ فصارَ تصوُّرُ المثبَتةِ, أعنِي: الْمَكْنِيَّ عنها, هو المقصودَ بالذاتِ, لا نفسَ إثباتِها؛ لأن نفسَ إثباتِها كالمعلومِ, وهذه الصفةُ قسمان, قريبةٌ وهي ما يكونُ انتقالُ الذهنِ منها إلى الْمَكْنِيِّ عنه بغيرِ واسِطةٍ بين المعنى المنتقَلِ عنه والمعنى المنتقَلِ إليه, وبعيدةٌ وهي ما يكونُ الانتقالُ منها إلى الْمَكْنِيِّ عنه بواسِطةٍ أو بوسائطَ.

(١٦) (كقولِ الخنساءِ) تَمْدَحُ أخاها صخْراً.

طويلُ النِّجادِ رفيعُ العِمادِ ... كثيرُ الرَّمادِ إذا ما شَتَا [١]

تريدُ [٢] أنه [٣] طويلُ القامَةِ [٤] سيِّدٌ [٥] كريمٌ [٦].

(والثاني) [٧] كِنايةٌ يكون الْمَكْنِيُّ عنه فيها نِسبةً [٨]، نحوَ: الْمَجْدُ [٩] بينَ ثوبَيْه، والكرَمُ [١٠] تحتَ رِدائِه. [١١]

تريدُ [١٢] نِسبةَ الْمَجْدِ والكرَمِ إليه [١٣].

(١) (طويلُ النِّجادِ رفيعُ العِمادِ. كثيرُ الرمادِ إذا ما شَتَا) أي: فرَّقَ وأَنْفَقَ.

(٢) (تريدُ) أي: الخنساءُ بقولِها طويلُ النِّجادِ.

(٣) (أنه) أي: الممدوحُ وهو أخوها صخْرٌ.

(٤) (طويلُ القامَةِ) وتريدُ بقولِها رفيعُ العِمادِ أنه.

(٥) (سيدٌ) وتريدُ بقولِها كثيرُ الرمادِ أنه.

(٦) (كريمٌ) أي: كثيرُ الإعطاءِ فقد اشتملَ هذا البيتُ على ثلاثِ كناياتٍ يُكْنَى بها عن الصفةِ, والأُولَيَانِ قريبتان, والأخيرةُ بعيدةٌ, والوسائطُ فيها هي الانتقالُ من كثرةِ الرمادِ إلى كثرةِ الإحراقِ, ومنها إلى كثرةِ الطبْخِ والخبْزِ, ومنها إلى كثرةِ الأَكَلَةِ, ومنها إلى الكرمِ, وهو المقصودُ.

(٧) (والثاني) منها.

(٨) (كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها نسبةً) أي: إثباتَ صفةٍ لموصوفٍ أو نفيَها عنه, وذلك بأن يُصرِّحَ بالصفةِ ويَقصِدَ الكِنايةَ بإثباتِها لشيءٍ عن إثباتِها للمرادِ, وهو الموصوفُ بها, فيصيرُ الإثباتُ للمرادِ بسببِ الإثباتِ لغيرِه هو المقصودَ بالذاتِ.

(٩) (نحوَ المجدِ) أي: الشرفِ.

(١٠) (بينَ ثوبَيْه والكرمُ) هو صفةٌ يَنشأُ عنها بذْلُ المالِ عن طِيبِ نفْسٍ.

(١١) (تحتَ ردائِه) فكَنَّى عن ثُبوتِ المجْدِ والكرَمِ له بكونِ الأوَّلِ بينَ أجزاءِ ثوبَيْه وبكونِ الثاني تحتَ أجزاءِ ردائِه, ومن المعلومِ أن الكونين لا يَخلو عن موصوفٍ بهما, وليس إلا صاحبُ الثوبين والرداءِ فأفادَ الثُّبوتَ للموصوفِ بطريقِ الكِنايةِ والمجدِ والكرَمُ مذكوران فلا يُطْلَبان, وإنما يُطلَبُ ثبوتُهما لموصوفِهما فـ

(١٢) (تُريدُ) بهذا القولِ.

(١٣) (نِسبةَ المجْدِ والكرمِ إليه) لا غيرُ.

(والثالثُ) [١] كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها غيرَ صفةٍ ولا نِسبةٍ [٢]، كقولِه [٣]:

الضاربِين [٤] بكلِّ [٥] أبيضَ مُخْذِمِ [٦] ... و [٧] الطاعنِين [٨] مَجامعَ الأضغانِ [٩]

فإنه [١٠] كنَّى بمجامعِ الأضغانِ عن القلوبِ [١١].

والكِنايةُ [١٢] إن كثُرَتْ فيها الوسائطُ [١٣] سُمِّيَتْ [١٤] تلويحاً [١٥]، نحوَ: هو كثيرُ الرَّمادِ، أى كريمٌ، فإنَّ [١٦] كثرةَ الرَّمادِ [١٧] تَستلزِمُ كثرةَ الإحراقِ [١٨]،

وكثرةَ الإحراقِ [١٩] تَستلزِمُ كثرةَ الطبْخِ والخبْزِ [٢٠]، وكثرتَهما [٢١] تَستلزِمُ كثرةَ الآكلِين [٢٢] وهي [٢٣] تَستلزِمُ كثرةَ الضِّيفانِ [٢٤]، وكثرةَ [٢٥] الضِّيفانِ [٢٦] تَستلزِمُ الكرَمَ [٢٧].

(١) (والثالثُ) منها.

(٢) (كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها غيرَ صفةٍ ولا نِسبةٍ يأن يكونَ الْمَكْنِيُّ عنه موصوفاً أو غيرَ هذه الثلاثةِ, فالأوَّلُ.

(٣) (كقولِه) أي: الشاعرِ

(٤) (الضارِبِين) نُصِبَ على المدحِ, أي: أَمْدَحُ الضارِبِين.

(٥) (بكلِّ) سيفٍ.

(٦) (أبيضَ مُخْذِمِ) بضمِّ الميمِ وكسْرِ الذالِ المعجَمةِ, وبينَهما خاءٌ ساكنةٌ, أي: قاطعٍ.

(٧) (و) أمدَحُ.

(٨) (الطاعنين) أي: الضاربين بالرمْحِ.

(٩) (مَجامعَ الأضغانِ) مَجامعَ جمْعُ مَجْمَعٍ, اسمُ مكانٍ من الجمْعِ, والأضغانُ جمْعُ ضِغْنٍ, وهو الحقْدُ.

(١٠) (فإنه) أي: الشاعرَ.

(١١) (كَنَّى بمجامِعِ الأضغانِ عن القلوبِ) فكأنه يقولُ: والطاعنين قلوبَ الأقرانِ لإجهازِ نفوسِهم وإخراجِ أرواحِهم بسرعةٍ، والقلوبُ لا صفةٌ ولا نسبةٌ, بل هي موصوفةٌ, والثاني وهو أن يكونَ الْمَكْنِيُّ غيرَ الثلاثةِ السابقةِ نحوَ قولِه تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فإنه كَنَّى به عن نفي الْمِثلِ وهو ليس بنسبةٍ ولا صفةٍ ولا بموصوفٍ بنفي مِثلِ الْمِثلِ فتدَبَّرْ.

(١٢) (والكِنايةُ) باعتبارِ الوسائطِ أي: اللوازمِ والسياقِ تَنقسمُ إلى أربعةِ أقسامٍ؛ تعريضٌ وتلويحٌ ورمْزٌ وإيماءٌ؛ لأنه.

(١٣) (إن كثُرَتْ فيها الوسائطُ) أي: بينَ اللازمِ الذي استُعمِلَ لفظُه وبينَ الملزومِ الذي أُطلِقَ اللفظُ عليه كِنايةً بلا تعريضٍ.

(١٤) (سُمِّيَتْ) أي: تلك الكِنايةُ.

(١٥) (تلويحاً) لأن التلويحَ في اللغةِ هو أن تُشِيرَ إلى غيرِك من بُعدٍ, وكثرةُ الوسائطِ بعيدةُ الإدراكِ غالباً.

(١٦) (نحوَ: هو كثيرُ الرمادِ, أي: كريمٌ فإن) بينَ كثرةِ الرمادِ وبينَ الكرمِ المستعمَلةِ هي فيه وسائطَ أربعةً, وهي كثرةُ الإحراقِ وكثرةُ الطابخِ وكثرةُ الآكلين وكثرةُ الضِّيفان؛ لأن.

(١٧) (كثرةَ الرمادِ) الْمَكْنِيِّ به.

(١٨) (تَستلزِمُ كثرةَ الإحراقِ) أي: إحراقِ الحطَبِ تحتَ القِدْرِ, ضرورةَ أن الرمادَ لا يَكْثُرُ إلا بكثرةِ الإحراقِ.

(١٩) (وكثرةُ الإحراقِ) أي: كثرةُ إحراقِ الحطَبِ تحتَ القدْرِ للطبْخِ.

(٢٠) (تَستلزِمُ كثرةَ الطبخِ والخبْزِ) أي: ما يُطبَخُ, وما يُخبَزُ؛ لأن الإحراقَ المذكورَ لا يَصْدُرُ من العقلاءِ إلا لفائدةِ الطبخِ والخبزِ ونحوِهما.

(٢١) (وكثرتُهما) أي: الطبخِ والْخُبزِ.

(٢٢) (تَستلزِمُ كثرةَ الآكلين) لذلك المطبوخِ والمخبوزِ؛ لأن العادةَ أن المطبوخَ إنما يُطبخُ ليؤكلَ, وكذا الخبزُ إنما يُخبزُ ليُؤكلَ فإذا كثُرَ كثُرَ الآكلون له.

(٢٣) (وهي) أي: كثرةُ الآكلين.

(٢٤) (تَستلزِمُ كثرةَ الضِّيفانِ) بكسْرِ الضادِ المعجَمةِ, جمْعُ ضَيْفٍ؛ وذلك لأن الغالبَ أن كثرةَ الآكلين المؤدِّيةَ لكثرةِ الرمادِ إنما تكونُ من الأضيافِ, لا من العيالِ.

(٢٥) (وكثرةُ) وجودِ.

(٢٦) (الضِّيفان) للموصوفِ.

(٢٧) (تَستلزِمُ الكرَمَ) أي: كرَمَ الموصوفِ وضيافتَه التي هي قيامُه بحقِّ الضيْفِ. هذا وزادَ بعضُهم بعدَ كثرةِ الرمادِ كثرةَ الْجَمْرِ فتكونُ الوسائطُ بينَ الكِنايةِ والمقصودِ خمسةً, والخَطْبُ في ذلك سهْلٌ.

وإن قَلَّتْ [١] وخَفِيَتْ [٢] سُمِّيَتْ [٣] رمْزاً [٤]، نحوَ: هو سَمِينٌ رِخْوٌ. أي: غَبِيٌّ بليدٌ [٥].

وإن قلَّتْ فيها الوسائطُ أو لم تكنْ [٦] ووَضَحَتْ [٧]، سُمِّيَتْ [٨] إيماءً وإشارةً [٩]،.

(١) (وإن قَلَّتْ) المرادُ بالقِلَّةِ عدَمُ الكثرةِ أي: وإن لم تكنِ الوسائطُ كثيرةً سواءٌ انعدَمَتْ رأساً أو وُجِدتْ مع القِلَّةِ.

(٢) (وخَفِيَتْ) أي: في اللزومِ بينَ المستعمَلِ فيه والأصلِ بلا تعريضٍ.

(٣) (سُمِّيَتْ) تلك الكِنايةُ.

(٤) (رمْزاً) لأن الرمزَ في اللغةِ هو أن تُشيرَ إلى قريبٍ منك على سبيلِ الْخِفْيَةِ بنحوِ شَفَةٍ أو حاجِبٍ فالأوَّلُ وهو ما انْعَدَمتْ فيه أصلاً، كما في قولِك، هو عريضُ القَفَا، أي: أبْلَهُ, فَكَنَّى عن البَلَهِ بعرْضِ القَفَا وليس بينَهما واسطةٌ عُرْفاً. والثاني وهو ما وُجِدَتْ مع القلَّةِ (نحوَ: هو سَمِينٌ رِخْوٌ, أي: غَبِيٌّ بَليدٌ)

(٥) فكَنَّى بالسِّمَنِ والرِّخْوِ عن الغباوةِ والبلادةِ وليس بينَهما إلا واسطةٌ واحدةٌ، لأن السِّمَنَ والرِّخْوَ يَستلزمان عرْضَ القفا وعرْضَ القفا يَستلزمُ الغباوةَ والبلادةَ.

(٦) (وإن قلَّتْ فيها الوسائطُ ,أو لم تكنْ) واسطةٌ أصلاً.

(٧) (ووَضَحَتْ) أي: في اللزومِ بلا تعريضٍ.

(٨) (سُمِّيَتْ) تلك الكِنايةُ

(٩) (إيماءً وإشارةً) ؛ لأن أصْلَ الإشارةِ أن تكونَ حِسِّيَّةً, وهي ظاهرةٌ, ومِثلُها الإيماءُ, فالأوَّلُ وهو ما قلَّتْ فيه الوسائطُ.

نحوَ [١]:

أَوَ مَا رأيتَ الْمَجْدَ أَلْقَى رَحْلَه [٢] ... في آلِ طلْحَةَ ثم لم يَتحوَّلِ [٣]

كِنايةً [٤] عن كونِهم أَمجاداً [٥].

وهناك نوعٌ من الكِنايةِ يَعْتَمِدُ في فَهمِه [٦] على السياقِ [٧] يُسمَّى تَعريضاً [٨]، وهو [٩] إمالةُ الكلامِ [١٠] إلى عُرْضٍ, [١١] أي: ناحيةٍ [١٢] ,

عن الكاتب

Ustadz Online

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية