الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

سورة النساء تفسير الإمام الشافعي المجلد الثاني

سورة النساء  تفسير الإمام الشافعي المجلد الثاني

اسم الكتاب ـ تفسير الإمام الشافعي المجلد الثاني
المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب:  أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008


 فهرست الموضوعات 

  1. سورة النساء
    1.     قال الله: (وخلق منها زوجها)
    2.     قال الله عز وجل: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا (٢)
    3.     قال الله عز وجل: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تع
    4.     قال الله عز وجل - (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (٤)
    5.     قال الله عز وجل: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا (٥)
    6.     قال الله عز وجل: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم)
    7.     قال الله عز وجل: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (٧)
    8.     قال الله عز وجل: (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا (٨)
    9.     قال الله عز وجل: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (١٠)
    10.     قال الله عز وجل: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)
    11.     قال الله عز وجل: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين
    12.     قال الله عز وجل: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (١٥)
    13.     قال الله عز وجل: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (١٦)
    14.     قال الله عز وجل: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما (١٧)
    15.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف
    16.     قال الله عز وجل: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (٢٠)
    17.     قال الله عز وجل: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا (٢١)
    18.     قال الله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا (٢٢)
    19.     قال الله عز وجل: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة
    20.     قال الله عز وجل: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين
    21.     قال الله - عز وجل -: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض
    22.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (٢٩)
    23.     قال الله عز وجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله
    24.     قال الله عز وجل: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (٣٥)
    25.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)
    26.     قال الله عز وجل: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (٥١)
    27.     قال الله عز وجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (٥٨)
    28.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
    29.     قال الله عز وجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (٦٥)
    30.     قال الله عز وجل: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (٦٦)
    31.     قال الله عز وجل: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (٦٩)
    32.     قال الله عز وجل: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها
    33.     قال الله عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (٨٠)
    34.     قال الله عز وجل: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (٨٢)
    35.     قال الله عز وجل: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا (٨٦)
    36.     قال الله عز وجل: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا (٨٧)
    37.     قال الله عز وجل: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا
    38.     قال الله عز وجل: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (٩٣)
    39.     قال الله عز وجل: (إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا)
    40.     قال الله عز وجل: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين در
    41.     قال الله - عز وجل -: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
    42.     قال الله عز وجل: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله
    43.     قال الله عز وجل: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا (١٠١)
    44.     قال الله عز وجل: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا م
    45.     قال الله عز وجل: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (١٠٣)
    46.     قال الله عز وجل: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا (١٠٨)
    47.     قال الله عز وجل: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (١١٣)
    48.     قال الله عز وجل: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (١١٥)
    49.     قال الله عز وجل: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (١٢٥)
    50.     قال الله عز وجل: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح
    51.     قال الله عز وجل: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما (١٢٩)
    52.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا اله
    53.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل
    54.     قال الله عز وجل: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم
    55.     قال الله عز وجل: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (١٤٥)
    56.     قال الله عز وجل: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (١٦٠)
    57.     قال الله عز وجل: (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)
    58.     قال الله عز وجل: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليما
    59.     قال الله عز وجل: (وكلم الله موسى تكليما (١٦٤)
    60.     قال الله عز وجل: (فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له)
    61.     قال الله عز وجل: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد
  2. العودة الي كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ المصطفي الفران المجلد الأول  
  3.  العودة الي كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ المصطفي الفران المجلد الثاني  

 

 سورة النساء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)
الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال تعالى: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)
وتلا الآيات التي وردتْ في القرآن الكريم في - لفظ - النكاح والنزويج.
ثم قال: فسمَّى اللَّه ﷿ النكاح اسمين: النكاح والتزويج.
* * *
قال الله ﷿: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢)
الأم: جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم:
قال الشَّافِعِي ﵀: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من
الآدميين، أو أحله مالك من الآدميين حلال، إلا ما حرّم اللَّه ﷿ في كتابه، أو على لسان نبيه ﷺ.
 
٢ ‏/ ٥١٣
 
فإن قال قائل: فما الحجة في أن كل ما كان مباح الأصل، يحرم بمالكه حتى
يأذن فيه مالكه؟
فالحجة فيه أن اللَّه ﷿ قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية.
وقال ﵎: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) الآية.
مع أي كثيرة في كتاب اللَّه ﷿، حظَر فيها أموال الناس
إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فُرِضَ في كتاب اللَّه ﷿، ثم سنَّه نبيه ﷺ، وجاءت به حجة.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣)
الأم: نكاح العدد ونكاح العبيد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﵎: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)
إلى قوله: (أَلَّا تَعُولُوا) الآية، فكان بينًا في الآية - واللَّه تعالى أعلم - أن المخاطبين بها الأحرار، لقوله تعالى: (فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية؛ لأنَّه لا يملك إلا الأحرار.
وقوله (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) الآية، فإنما يعول من له المال؛ ولا مال للعبيد.
 
٢ ‏/ ٥١٤
 
الأم (أيضًا): الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) الآية.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أن رسول الله ﷺ قال لرجل من ثقيف أسلَم، وعنده عشر نسوة: «أمسك أربعًا وفارق سائرهن» الحديث.
أخبرني الثقة ابن عُلَيةَ أو غيره، عن معمر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فقال له النبي ﷺ: «أمسك أربعًا، وفارق، أو دَع سائرهن» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فدلت سنة رسول الله ﷺ على: أن انتهاء الله في العَدد بالنكاح إلى أربع، تحريم أن يجمع رجل بنكاح بين أكثر من أربع، ودلت سنة رسول الله ﷺ على أن الخيار - فيما زاد على أربع - إلى الزوج فيختار إن شاء الأقدم نكاحًا، أو الأحدث، وأي الأختين شاء كان العقد واحدًا، أو في
عقود متفرقة، لأنَّه ﷾ عفا لهم عن سالف العقد، ألا ترى أن النبي ﷺ لم يسأل غيلان عن أيهن نكح أولًا، ثم جعل له حين أسلم، وأسلمن، أن يمسك أربعًا، ولم يقل الأوائل، أوَلا ترى أن نوفل بن معاوية يخبر أنَّه: طلق أقدمهن صحبة، فدل ما وصفت على أنَّه يجوز كل عقد نكاح في الجاهلية، كان عندهم نكاحًا، إذا كان يجوز مبتدؤه في الإسلام بحال.
 
٢ ‏/ ٥١٥
 
الأم (أيضًا): باب (النفقة على النساء):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) إلى: (أَلَّا تَعُولُوا) الآية، وقول الله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) يدل -
والله أعلم - أن على الرجل نفقة امرأته.
وقوله: (أَلَّا تَعُولُوا): أن لا يكثر من تعولون، إذا اقتصر المرء على
واحدة، وإن أباح - الله - له أكثر منها.
وزاد البيهقي ﵀: أخبرنا أبو الحسن بن بشران العدل (ببغداد) .
أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي (صاحب ثعلب) في كتاب (ياقوتة الصراط) في قوله ﷿: (أَلَّا تَعُولُوا) أى: ألا تجوروا، وتعولوا: تكثر عيالكم.
وروينا عن زيد بن أسلم - في هذه الآية -
«ذلك أدنى ألا يكثر من تعولونه».
الأم (أيضًا): ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء وما تحل به الفروج:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله ﵎: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فأطلق الله ﷿ ما ملكت الأيمان، فلم يجد فيهن حدًا ينتهي
 
٢ ‏/ ٥١٦
 
إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلَّت سُنَّة رسول الله ﷺ المبينة عن اللَّه ﷿ على:
أن انتهاءه إلى أربع تحريمًا منه، لأن يجمع أحد غير النبي ﷺ بين أكثر من أربع، لا أنَّه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولأنه أباح الأربع، وحُرمَ الجمع بين أكثر منهن، فقال لغيلان بن سلمة، ونوفل بن معاوية، وغيرهما، وأسلموا وعندهم أكثر من أربع -: «أمسك أربعًا وفارق سائرهن» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولما قال اللَّه ﷿: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية.
كان في هَذه الآية دليل - واللَّه أعلم - على أنَّه إنَّما خاطب بها الأحرار دون
المماليك؛ لأنهم الناكحون بأنفسهم، لا المنكحهم غيرهم، والمالكون، لا الذين يملك عليهم غيرهم، وهذا ظاهر معنى الآية، وإن احتملت أن تكون على كل ناكح، وإن كان مملوكًا أو مالكًا، وهذا وإن كان مملوكًا فهو موضوع في نكاح العبد وتسرِّيه.
الأم (أيضًا): كتاب النكاح (ما يحرم الجمع بينه):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأطلق الإماء فقال عزَّ ذكره: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، لم ينته بذلك إلى عدد.
أخبرنا ابن عيينة، عن مطرف، عن أبي الجهم، عن أبي الأخضر، عن
عمارة، أنَّه كره من الإماء ما كره من الحرائر إلا العدد.
 
٢ ‏/ ٥١٧
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا من قول العلماء - إن شاء اللَّه تعالى - في
معنى القرآن، وبه نأخذ.
وقال: والعدد ليس من النسب ولا الرضاع بسبيل.
الأم (أيضًا): الشرط في النكاح
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) الآية، فدل كتاب الله تعالى على: أن على
الرجل أن يعول امرأته، ودلَّت عليه السنة، فإذا شرط عليها أن له أن ألا يُنفق عليها، أبطل ما جَعل لها، وأمر بعشرتها بالمعروف، ولم يبح له ضربها إلا بحال.
فإذا شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء، وأن لا شيء عليه فيما نال منها.
فقد شُرط له أن يأتي منها ما ليس له، فبهذا أبطلنا هذه الشروط، وما في معناها، وجعلنا لها مهرَ مثلها.
الأم (أيضًا) وجوب نفقه المرأة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي قول الله ﵎ في النساء: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) الآية، بيان أن على الزوج مالا غنى بأمرأته عنه، من نفقة، وكسوة، وسكنى - قال: وخدمة، في الحال التى لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلَّا به، من الزمانة، والمرض، فكل هذا لازم للزوج.
* * *
قال الله ﷿ (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)
الأم: الطعام والشراب
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية، فبيَن الله ﷿ في كتابه، أن مال المرأة ممنوع من زوجها - الواجب الحق عليها -
 
٢ ‏/ ٥١٨
 
إلا بطيب نفسها وأباحه بطيب نفسها؛ لأنَّها مالكة لمالها، ممنوع بملكها، مباح بطيب نفسها كما قضى الله ﷿ في كتابه، وهذا بين أن كل من كان مالكا فماله ممنوع به، محرّم إلا بطيب نفسه بإباحته، فيكون مباحًا بإباحة مالكه له، لا فرق بين المرأة والرجل، وبين أن سلطان المرأة على مالها، كسلطان الرجل على ماله، إذا بلغت المحيض وجمعت الرشد
الأم (أيضًا): بلغ الرشد (وهو الحجر):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) الآية.
فجعل الله إيتاءهن ما فرض لهن من فريضة على أزواجهن، يدفعونه إليهن، دفعهم إلى غيرهم من الرجال، ممن وجب له عليهم حق بوجه، وحل للرجال ممل ما طاب نساؤهم عنه نفسًا، كما حل لهم ما طاب الأجنبيون من أموالهم عنه نفسًا، وما طابوا هم لأزواجهم عنه نفسًا، لم يفرق بين حكمهم، وحكم أزواجهم، والأجنبيين غيرهم، وغير أزواجهم فيما أوجبه من دفع حقوقهن.
وأحل ما طبن عنه نفسًا من أموالهن، وحرّم من أموالهن ما حرّم من أموال الأجنبيين.
الأم (أيضًا): كراء الأرض البيضاء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله جل وعلا: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)
الآية، فلو أن أمرأً نكح امرأة، واستخزنها ماله، ولم يَحُل بينها وبين قبض
صداقها، ولم يدفعه إليها، لم يبرأ منه، بأن يكون واجدًا له، وغير حائل دونه، وأن تكون واجدة له، وغير مَحُولٍ بينها وبينه.
 
٢ ‏/ ٥١٩
 
الأم (أيضًا): كتاب (الصداق):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي المطلبي قال: قال اللَّه ﷿: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية، وذكر الشَّافِعِي الآيات المتعلقة بالصداق ثم قال:
فأمر اللَّه الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن، والأجر هو: الصداق، والصداق هو: الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء. فيحتمل هذا أن يكون مأمورًا بصداق من فرضه، دون من لم يفرضه، دخل أو لم يدخل، لأنَّه حق ألزمه المرء نفسه، فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله تعالى له، وهو أن يُطَلِّق قبل الدخول. ..
وقال الشَّافِعِي ﵀: والقصد في الصداق أحبُّ إلينا، وأستحبُّ ألا
يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله ﷺ نساءه وبناته، وذلك خمسمائة درهم.
طلبًا للبركة في موافقة كلّ أمر فعله رسول الله ﷺ.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد بن
إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة قال: سألت عائشة ﵂
كم كان صداق النبي ﷺ قالت:
»كان صداقه لأزواجه اثني عشرة أوقية ونشًّا، قالت: أتدري ما النَّشن؟ قلت: لا، قالت: «نصف أوقية» الحديث.
 
٢ ‏/ ٥٢٠
 
الأم (أيضًا): ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة:
قال الشَّافِعِي ﵀: أذن الله ﵎ بتخليتها على ترك حقها إذا
تركته طيبة النفس به، وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها، فقال: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) إلى قوله: (مَرِيئًا) الآية، وهذا إذن بحسها
عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت.
الأم (أيضًا): ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي ﵀: والأمر في الكتاب، والسنَّة، وكلام الناس يحتمل معاني:
أحدها: أن يكون اللَّه ﷿ حرّم شيئًا ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم
- ومن ذلك - قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) إلى: (مَرِيئًا)
الآية، فليس حتمًا على الزوج أن يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسًا؛ لأن القصد إباحة ما حرم بدون طيب نفس.
وثائيها: ويحتمل أن يكون دلَّهم على ما فيه رشدهم بالنكاح، لقوله ﷿: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
وثالِثها: ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتمًا، وفي كلّ الحتم من الله
الرشد، فيجتمع الحتم والرشد.
وقال بعض أهل العلم: الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد.
حتى توجد الدلالة من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، على أنَّه إنما أريد بالأمر:
 
٢ ‏/ ٥٢١
 
الحتم، فيكون فرضًا لا في تركه كقول اللَّه ﷿: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية.
الأم (أيضًا): باب الدعوى في البيوع:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي النكاح الفاسد كانت الأمَة والحرَّة
مستويتين، حيثما وجب لواحدة منهما مهر وجب للأخرى؛ لأن الله ﷿ قال: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية، فلم تحل أمَة ولا حرَّة لأحد بعد النبي ﷺ إلا بصداق، فإذا كانتا مجتمعتين في النكاح الصحيح، والنكاح الفاسد، ثم جعلنا
الخطأ في الحرَّة والاغتصاب بصداق، كما جعلناه في الصحيح، فكذلك الأمَة في كلَ واحد منهما، فمن فرَّق بينهما فقد فرَّق بين ما جمع اللَّه ﷿، بينه وبين ما هو قياس على ما جمع اللَّه ﵎ بينه في المهر.
الأم (أيضًا): باب (ما جاء في الصداق):
قال الربيع: سألت الشَّافِعِي عن أقلِّ ما يجوز من الصداق؟
فقال الشَّافِعِي ﵀: الصداق ثمن من الأثمان، فما تراضى به الأهلون
في الصداق مما له قيمة فهو جائز، كما تراضى به التبايعان مما له قيمة جاز.
الأم (أيضًا): جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)
إلى قوله: (هَنِيئًا مَرِيئًا) الآية.
 
٢ ‏/ ٥٢٢
 
مع آي كثيرة في كتاب اللَّه ﷿ حظر فيها أموال الناس: إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فُرِض في كتاب اللَّه ﷿، ثم سنة نبيه ﷺ وجاءت به حجة.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرمه:
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله ﷿: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) الآية.
إنهم: النساء والصبيان، لا تملِّكهم ما أعطيتك من ذلك، وكن أنت الناظر لهم فيه.
* * *
قال الله ﷿: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)
الأم: فيمن تجب عليه الصلاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، ولم يذكر الرشد الذي يستوجبون به أن تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ النكاح.
 
٢ ‏/ ٥٢٣
 
الأم (أيضًا): المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: ما الفرق بينه وبين المحجور عليه في ماله، يعتق فيبطل عتقه، ويتصدق فتبطل صدقته، ولا يلزمه ذلك إذا خرج من الولاية؟
قال: الفرق بينهما أن اللَّه ﵎ يقول: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، فكان قضاء الله ﷿ أن تحبس عنهم أموالهم حتى يبلغوا، ويؤنس منهم الرشد، فكانت في ذلك دلالة على أن لا أمر لهم، وأنها محبوسة برحمة اللَّه لصلاحهم في حياتهم.
ولم يسلطوا على إتلافها فيما لا يلزمهم، ولا يصلح معايشهم، فبطل ما أتلفوا في هذا الوجه، لأنة لا يلزمهم عتق ولا صدقة، ولم يحبس مال المرتد بنظر ماله.
ولا بأنَّه له. . . إلى أن قال: وإن لم يرجع - المرتد - حتى كوت أو يقتل كان لنا بموته قبل أن يرجع ما في أيدينا من ماله فيئًا.
فإن قيل: أو ليس ماله على حاله؟
قيل: بل ماله على شرط.
الأم (أيضًا): كتاب (الحج) (باب فرض الحج على من وجب عليه الحج)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، فلم يأمر بدفع المال إليهم بالرشد حتى يجتمع البلوغ معه.
وفرض اللَّه الجهاد في كتابه، ثم كد اليقين فأُتِيَ رسول الله ﷺ بعبد اللَّه بن عمر حريصًا على أن يجاهد، وأبوه حريص على جهاده، وهو ابن أربع عشرة
 
٢ ‏/ ٥٢٤
 
سنة، فرَده رسول الله ﷺ لد عام (أحُدِ)، ثم أجازه رسول الله ﷺ حين بلغ خمس
عشرة سنة عام (الخندق)، ورسول اللَّه ﷺ المبين عن اللَّه ما أنزل جملًا من إرادته جلَّ شأنه، فاستدللنا بأن الفرائض والحدود إنما تجب على البالغين.
الأم (أيضًا): بلغ الرشد وهو الحجر:
قال الشَّافِعِي ﵀: الحال التي يبلغ فيها الرجل والمرأة رشدهما حتى
يكونا يليان أموالهما، قال اللَّه ﷿: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا) الآية.
فدلَّت هذه الآية، على أن الحجر ثابت على اليتامى حتى يجمعوا خصلتين
البلوغ والرشد، فالبلوغ استكمال خمس عشرة سنة، الذكر والأنثى في ذلك سواء، إلا أن يحتلم الرجل، أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة، فيكون ذلك البلوغ.
ودلَّ قول اللَّه ﷿: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) على أنهم إذا جمعوا البلوغ، والرشد، لم يكن لأحد أن يلي عليهم أموالهم، وكانوا أولى بولاية أموالهم من غيرهم.
والرشد - واللَّه أعلم -: الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة.
وإصلاح المال، وإنما يعرف إصلاح المال بأن: يختبر اليتيم، والاختبار يختلف بقدر حال المختَبر.
 
٢ ‏/ ٥٢٥
 
الأم (أيضًا): باب (الحجر على البالغين):
قال الشَّافِعِي ﵀: الحجر على البالغين في آيتين من كتاب اللَّه ﷿
وهما:
١ - قول اللَّه ﵎: (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الآية.
٢ - وقول اللَّه ﵎: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، فأمر أن يدفع إليهم
أموالهم، إذا جمعوا بلوغًا ورشدًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا أمر - الله - بدفع أموالهم إليهم إذا جمعوا أمرين، كان في ذلك دلالة على أنهم: إن كان فيهم أحد الأمرين دون الآخر، لم يدفع إليهم أموالهم، وإذا لم يُدفع إليهم - أموالهم - فذلك الحجر عليهم، كما كانوا لو أونس منهم رشدٌ قبل البلوغ، لم يدفع إليهم أموالهم، فكذلك لو بلغوا، ولم يؤنس منهم رشد، لم تدفع إليهم أموالهم، ويثبت عليهم الحجر كما كان قبل البلوغ.
الأم (أيضًا): من لا يجب عليه الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية، فلم يجعل لرشدهم حكمًا تصير به أموالهم إليهم
 
٢ ‏/ ٥٢٦
 
إلا بعد البلوغ، فدلُّ على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين، ودلَّت
السنة، ثم ما لم أعلم فيه مخالفًا من أهل العلم على مثل ما وصفت.
الأم (أيضًا): سير الواقدي:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقوله ﷿: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية، وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقل - أي: بالاحتلام - فمن بلغ النكاح باستكمال خمس عشرة أو قبلها، ثبت عليه الفرض كله، والحدود، ومن أبطا عنه بلوغ النكاح فالسن التي يلزمه بها الفرائض من الحدود، وغيرها استكمال خمس عشرة سَنَة.
الأم (أيضًا): باب (الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله ﷿: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) الآية.
ففي هذه الآية معنيان:
أحدهما: الأمر بالإشهاد، وهو في مثل معنى الآية قبله - واللَّه تعالى أعلم
- من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتمًا.
وفي قول اللَّه ﷿ يقول: (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًاا) الآية.
أي: إن لم تُشهِدوا - واللَّه تعالى أعلم -.
 
٢ ‏/ ٥٢٧
 
الثاني: أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله، والإشهاد به عليه.
يبرأُ بالاشهاد - به - عليه إن جحده اليتيم، ولا يبرأُ بغيره.
أو يكون مأمورًا بالأشهاد عليه على الدلالة، وقد يبرأ بغير شهادة إذا
صدَّقه اليتيم.
قال الشَّافِعِي ﵀: والآية محتملة المعنيين معًا.
وقال (أيضا): وليس في واحدة من هاتين الآيتين تسمية شهود، وتسمية
الشهود في غيرهما.
الأم (أيضًا): كراء الأرض البيضاء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى في اليتامى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، وهكذا أصل فَرضِ اللَّه جل وعز في جميع ما
فَرَض؛ فجعل التسليم: الدفع لا الوجود وترك الحول والدفع.
الأم (أيضًا): الوديعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قال اللَّه ﷿: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقال عز اسمه: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) الآية.
وذلك أن وليُّ اليتيم إنما هو وصى أبيه، أو وصى وصاه الحاكم، ليس أن
اليتيم استودعه، فلما بلغ اليتيم أن يكون له أمرٌ في نفسه، وقال: لم أرضَ أمانة
 
٢ ‏/ ٥٢٨
 
هذا، ولم أستودعه، فيكون القول قول المستودِع كان على المستودَع، أن يُشهِدَ عليه إن أراد أن يبرأ.
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح الآباء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فلما كان من سنَّة رسول الله ﷺ أن الجهاد يكون على ابن خمس عشرة سنة، وأخذ المسلمون بذلك في الحدود، وحكم الله بذلك في اليتامى فقال:
(حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية.
ولم يكن له الأمر في نفسه إلا ابن خمس عشرة سنة، أو ابنة خمس عشرة سنة، إلا أن يبلغ - الغلام - الحلم، أو - الجارية -، الحيض قبل ذلك، فيكون لهما أمر في أنفسهما.
دلَّ إنكاح أبي بكر ﵁ عائشة ﵂، النبي ﷺ ابنة ست، وبناؤه بها ابنة تسع، على أنَّ الأب أحق بالبكر من نفسها، ولو كانت إذا بلغت بكرًا كان أحق
بنفسها منه، أشبه ألَّا يجوز له عليها حتى تبلغ، فيكون ذلك بإذنها.
أخبرنا مالك، عن عبد بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس
﵄، أن رسول الله ﷺ قال:
«الأيِّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وأذنها صماتها» الحديث.
أخبرنا مالك، عن عبد الله الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الرحمن
ومُجَمُّع ابني يزيد بن جارية، عن خنساء بنت خِدام، أن أباها زوَّجها وهي
ثيِّب، وهي كارهة فأتت النبي ﷺ، «فردَّ نكاحها» الحديث.
 
٢ ‏/ ٥٢٩
 
الأم (أيضًا): باب (الاستمناء):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) الآية.
أي: ليكفَّ عن كله بسلف أو غيره.
قال الشَّافِعِي رمه الله: قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) الآية.
إنما أراد بالاستعفاف ألَّا يأكل منه شيئًا.
مختصر المزني: كتاب (الوكالة):
قال المزني ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية، فأمَرَ بحفظ أموالهم حتى يؤنس منهم الرشد، وهو عند الشَّافِعِي ﵀: أن يكون بعد البلوغ مصلحًا لِمَالِه، عدلًا في دينه.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو أمر الموكل الوكيل أن يدفع مالًا إلى رجل.
فادَّعى أنَّه دفعه إليه لم يقبل منه إلا ببينة.
واحتج الشَّافِعِي في ذلك بقول الله تعالى: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) الآية.
وبأنَّ الذي زعم لأنَّه دفعه إليه ليس هو الذي ائتمنه على
المال، وقال الله جلَّ ثناؤه: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية.
وبهذا فرُّق بين قوله لمن ائتمنه: قد دفعته إليك يقبل، لأنَّه ائتمنه، وبيَن قوله لمن لم يأتمنه عليه: قد دفعته إليك فلا يقبل؛ لأنَّه الذي ليس ائتمنه.
 
٢ ‏/ ٥٣٠
 
قال الله ﷿: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧)
الأم: كتاب (قَسم الصدقات):
قال الشَّافِعِي ﵀: فأحكم اللَّه ﷿ فرض الصدقات في كتابه، ثم أكدها فقال: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) الآية.
وليس لأحد أن يقسمها على غير ما قسمها اللَّه ﷿ عليه، ذلك ما كانت الأصناف موجودة؛ لأنه إنما يعطى من وجد كقوله تعالى:
(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية.
ومعقول عن الله ﷿ أنه فرض هذا لمن كان موجودًا يوم يموت الميت، وكان معقولًا عنه أن هذه السُّهْمَان: لمن
كان موجودًا يوم تؤخذ الصدقة وتُقْسَم.
الرسالة: الفرض المنصوص الذى دلَّت السنة على أئه إنَّما أراد الخاص:
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ) الآية.
وبعد ذكر آيات المواريث.
قال: فدلَّت السُّنَّة على أن اللَّه إنما أراد ممن سَمَّى له المواريث، من الإخوة
والأخوات، والولد والأقارب، والوالدين والأزواج، وجميع من سَمَّى له فريضة في كتابه: خاصًا مما سَمَّى.
 
٢ ‏/ ٥٣١
 
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في البيوع والمعاملات والفرائض
والوصايا
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: قال الحسين بن محمد - فيما أخبرت -
أخبرنا محمد بن سفيان، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله ﷿: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية، نسخ بما جعل الله للذكر والأنثى من الفرائض.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨)
الأم: نفقة المماليك:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) الآية.
فأمر اللَّه ﷿ أن يرزق من القسمة أولو القربى، واليتامى، والمساكين (الحاضرون القِسمة) ولم يكن في
 
٢ ‏/ ٥٣٢
 
الأمر في الآية أن يرزق من القسمة من مثلهم في القرابة، واليتم، والمسكنة، ممن لم يحضر.
وبهذا أشباه وهي: أن تُضيف من جاءك، ولا تُضيف من لم يقصد قصدك.
ولو كان محتاجًا، إلا أن تتطوع
وقال لي بعض أصحابنا: قسمة الميراث.
وقال بعضهم: قسمة الميراث وغيره من الغنائم، فهذا أوسع وأحبُّ إليَّ.
أن يعطوا ما طاب به نفس المعطي، ولا يوقّت، ولا يحرمون.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
الأم: الطعام والشراب:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقول اللَّه ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) الآية.
يدلُّ - والله أعلم - إذا لم يسثن فيه إلا بطيب أنفس اليتامى، على أن طيب نفس اليتيم لا يحُلُّ كلَ ماله، واليتيم واليتيمة في ذلك واحد، والمحجور عليه عندنا كذلك؛ لأنَّه غير مسلَّط على ماله - واللَّه أعلم -، لأن الناس في أموالهم واحد من اثنين:
١ - مُخَلًّى بينه وبين ماله، فما حل له فأحلّه لغيره، حل.
٢ - أو ممنوع من ماله، فما أباح منه لم يجز لمن أباحه له، لأنَّه غير مُسَلَّطِ على إباحته له.
 
٢ ‏/ ٥٣٣
 
الزاهر: باب (الآنية):
قال الشَّافِعِي ﵀: وروي عن النبي ﷺ أنَّه قال: «الذي يشرب في آنية الفضة إنَّما يجرجَر في بطنه نار جهنم» الحديث.
قال الأزهري ﵀: ومعنى قوله: «يجرجر في بطنه نارَ جهنم» أي:
يلقي في بطنه نار جهنم فنصب النار بالفعل بقوله: «يجرجر»، وهذا مثل قول
الله ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) .
فنصب نارًا بقوله: (يَأْكُلُونَ) .
ويقال: جرجر فلان الماء في حلقه: إذا جرعه جرعًا متتابعًا يُسمع له
صوت، والجرجرة: حكاية ذلك الصوت.
* * *
قال الله ﷿: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
الأم: نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها:
قال الشَّافِعِي ﵀: قد قال اللَّه تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الآية.
فلو مات رجل وله حَبَل، لم يوقف للحَبَلِ ميراث رجل، ولا ميراث ابنة؛ لأنه قد يكون عددًا، وقد وقفنا الميراث حتى يتبين، فإذا بَانَ أعطيناه.
 
٢ ‏/ ٥٣٤
 
وهكذا لو أوصى بحبل أو أوصى لِحَبَل، أو كان الوارث أو الموصى له
غائبًا، ولا يعطى إلا بيقين.
الأم (أيضًا): باب (ردِّ المواريث):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال عزَّ اسمه: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية.
فهذه الآية - وغيرها - في المواريث كلّها تدلُّ على: أنَّ الله ﷿ انتهى بمن سَمَّى له فريضة إلى شيء، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى اللَّه به إلى شيءِ غير ما انتهى به، ولا ينقصه.
فبذلك قلنا: لا يجوز ردُّ المواريث. . . إلى أن قال: والقرآن - إن شاء اللَّه تعالى - يدل على هذا، وهو قول زيد بن ثابت، وقول الأكئر مما لقيت من أصحابنا.
الأم (أيضًا): باب (ما نسخ من الوصايا):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) الآية.
أخبرنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن مجاهد ﵀، أن رسول اللَّه ﷺ قال:
«لا وصيهْ لوارث» الحديث.
وما وصفت من أنَّ الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث، وأن لا وصية لوارث، مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا كانت الوصايا لمن أمر اللَّه تعالى ذكره بالوصية
منسوخة بآي المواريث، وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث، وتدلُّ على أنها تجوز لغير قرابة، دلَّ ذلك على نسخ الوصايا للورثة.
 
٢ ‏/ ٥٣٥
 
الأم (أيضًا): باب (الوصية للوارث)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿ في آي الواربث: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) الآية.
وذكر من ورَّث - جل ثناؤه - في آي من كتابه.
قال الشَّافِعِي ﵀: واحتمل إجماع أمر اللَّه تعالى بالوصية للوالدين
والأقربين معنيين:
أحدهما: أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معًا، فيكون على الموصِي
أن يُوصي لهم، فيأخذون بالوصية، ويكون لهم الميراث، فيأخذون به.
الثاني: واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخًا؛ لأن تكون الوصية
لهم ثابتة، فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين، والأقربين الوارثين.
منسوخة بآي المواريث، من وجهين:
الوجه الأول: أخبار ليست متصلة عن النبي ﷺ من جهة الحجازين منها:
أن سفيان بن عيينة، أخبرنا عن سليمان بن الأحول، عن مجاهد ﵀.
أنَّ النبي ﷺ قال:
«لا وصية لوارث» الحديث.
وغيره يثبته بهذا الوجه.
ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثًا عن النبي ﷺ بمثل هذا المعنى، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان، اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث.
الوجه الثاني: واحتمل إذا كانت منسوخة، أن تكون الوصية للوالدين
ساقطة، حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية، وبهذا نقول، وما رُويَ عن النبي ﷺ وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدلُّ على هذا، وإن كان يحتمل أن يكون
 
٢ ‏/ ٥٣٦
 
وجوبها منسوخًا، وإذا أوصى لهم جاز، وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة
فليس بالوصية أخذوا. ..
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه عز ذكره: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية، وكان ابن عباس ﵄ لا يحجبها عن الثلث إلا
بثلاثة إخوة، وهذا الظاهر.
الرسالة: باب (البيان الثاني):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية.
فاستغنى بالتنزيل في هذا عن خبرٍ غيره، ثم كان لله فيه شرط: أن يكون
بعد الوصية والدَّيْن، فدلَّ الخبر على أن ألا يُجاوَز بالوصية الثلث.
الرسالة (أيضًا): باب (ما نزل عامًّا دلَّت السنة خاصَّة على أنَّه يراد به الخاص):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه بئ ثناؤه: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) الآية، فأبان أنَّ للوالدين والأزواج مما سمى
 
٢ ‏/ ٥٣٧
 
في الحالات، وكان عام المخرج، فدلَّت سنة رسول الله ﷺ على أنَّه إنَّما أراد به بعض الوالدين والأزواج دون بعض، وذلك أن يكون دِيْنُ الوالدين والمولود والزوجين واحدًا، ولا يكون الوارث منهما قاتلًا ولا مملوكًا.
جماع العلم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردَّت الأخبار كلْها):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال - سبحانه - في الفرائض: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) الآية، فزعمنا بالخبر عن رسول
اللَّه ﷺ، أن آية الفرائض نسخَتِ الوصية للوالدين والأقربين.
فلو كُنًَّا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض، هل نجد
الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله ﷺ؟!.
أحكام القرآن: فصل (في معرفة العموم والخصوص):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
فأبان رسول الله ﷺ: أن الوصايا يُقتصر بها على الثلث، ولأهل الميراث الثلثان.
وأبان: أنَّ الدين قبل الوصايا والميراث، وأن لا وصية ولا ميراث حتى
يستوفي أهل الدَّين دَينهم، ولولا دلالة السنَّة، ثم إجماع الناس، لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين، ولم تعْدُ الوصية أن تكون مقدمة على الدين، أو تكون والدُّيْن سواء.
 
٢ ‏/ ٥٣٨
 
قال الله ﷿: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
الأم: كتاب (قسم الصدقات):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)
وقوله: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) الآية.
ومعقول عن اللَّه ﷿ أنه فرض هذا
لمن كان موجودًا يوم يموت الميت.
الأم (أيضًا): بلغ الرشد وهو الحجر:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) الآية.
فلم يفرق بين الزوج والمرأة، في أن لكل واحد منهما أن
يوصي في ماله، وفي أن دَين كل واحد منهما لازم له في ماله، فإذا كان هذا هكذا، كان لها أن تعطي من مالها من شاءت بغير إذن زوجها، وكان لها أن تحبس مهرها، وتهبه، ولا تضع منه شيئًا، وكان لها إذا طلقها أخذ نصف ما أعطاها، لا نصف ما اشترت لها دونه، إذا كان لها المهر، كان لها حبسه، وما أشبهه.
 
٢ ‏/ ٥٣٩
 
الأم (أيضًا) (باب (من قال لا يورث أحد حتى يموت):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) وقال عز وعلا: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) الآية.
وقال النبي ﷺ:
«لا يرث المسلم الكافر» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان معقولًا عن اللَّه ﷿، ثم عن رسول الله ﷺ، ثم في لسان العرب، وقول عوام أهل العلم ببلدنا، أن امْرًَا لا يكون موروثًا أبدًا حتى يموت، فإذا مات، كان موروثًا، وأن الأحياء خلاف الموتى، فمن ورث حيًا، دخل عليه - والله تعالى أعلم - خلاف حكم الله ﷿، وحكم رسول اللَّه ﷺ فقلنا: والناس معنا بهذا، لم يُختَلف في جملته، وقلنا به في (المفقود)، وقلنا: لا يُقسم ماله حتى يُعلم يقين وفاته.
الأم (أيضًا) (ميراث المرتد):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) الآية.
فإنَّما نقل مِلْكَ الموتى إلى الأحياء، والموتى خلاف الأحياء، ولم يُنقل
بميراث قط ميراث حيٍّ إلى حيٍّ.
 
٢ ‏/ ٥٤٠
 
الأم (أيضًا): باب (الوصية للزوجة):
قال الشَّافِعِي ﵀: حفظت عمن أرضى من أهل العلم، أن نفقة
المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولًا منسوخ بآية المواريث، قال اللَّه ﷿: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) إلى قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية.
ولم أعلم مخالفًا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها، وكسوتها، سنة وأقل
من سنة.
ثم احتمل سكناها إذا كان مذكورًا مع نففتها، بأنه يقع عليه اسم المتاع، أن
يكون منسوخًا في السَنَة وأقلَ منها، كما كانت النفقة والكسوة منسوخَتين في السَنَة وأقل منها.
واحتمل أن تكون نسخت في السَنَة، وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى
تنقضي عدتها بأصل هذه الآية، وأن تكون داخلة في جملة المعتدات.
الأم (أيضًا) الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) الآية - مع غيرها من الآيات التي ذكرت النكاح والتزويج -
فسمى اللَّه النكاح اسمين:
١ - النكاح.
٢ - والتزويج.
وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج، وذلك أن المرأة قبل أن تُزَوَّج محرمة الفرج، فلا تحل إلا بما سمَّى اللَّه ﷿ أنَّها تحل به لا بغيره.
 
٢ ‏/ ٥٤١
 
الأم (أيضًا): امرأة المفقود:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) إلى قوله: (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) الآية، فلم أعلم مخالفًا في
أن الرجل أو المرأة لو غابا، أو أحدهما برًا أو بحرًا، علم مغيبهما أو لم يعلم، فماتا أو أحدهما، فلم يسمع لهما بخبر أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما، لم نورث أحدًا منهما من صاحبه إلَّا بيقين وفاته قبل صاحبه.
فكذلك عندي امرأة الغائب، أيّ غيبة كانت مما وصفت، أو لم أصف.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) الآية.
فقلتُ لبعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد، إنَّما ذكر اللَّه ﷿ المواريث بعد الوصية والدين، فلم تختلف الناس في
أن المواريث لا تكون حتى يُقضَى جميع الدين، وإن أتى ذلك على المال كله.
أفرأيت إن قال لنا ولك قائل: الوصية المذكورة مع الدين، فكيف زعمت أن الميراث يكون قبل أن ينفذ شيء من جميع الوصية، واقتصرت بها على الثلث؛ هل الحجة عليه؛ إلَّا أن يقال: الوصية، وإن كانت مذكورة بغير توقيت فإن اسم الوصية يقع على القليل والكثير؛ فلما احتملت الآية أن يكون يراد بها خاص، وإن كان مخرجها عامًا، استدللنا على ما أريد بالوصية بالخبر عن رسول الله ﷺ المبيِّن عن اللَّه ﷿ معنى ما أراد الله.
قال: ماله جواب إلا هذا.
 
٢ ‏/ ٥٤٢
 
قلتُ: فإن قال لنا ولك قالْل: ما الخبر الذي دلَّ على هذا؟
قال: قول رسول اللَّه ﷺ لسعد:
«الثلث والثلث كثير» الحديث.
الأم (أيضًا): باب استحداث الوصايا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﵎ في غير آية في قَسم
الميراث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) و(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية.
فنقل اللَّه ﵎ مِلْكَ من مات من الأحياء إلى من
بقي من ورثة الميت، فجعلهم يقومون مقامه فيما ملَّكهم من ملكه.
وقال اللَّه ﷿: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية، فكان ظاهر الآية المعقول فيها؛ (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية.
إن كان عليهم دين، وبهذا نقول، ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفًا.
وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى، بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت، وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله، - إن شاء الله -.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي قول اللَّه ﷿ (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية، معانٍ سأذكرها - إن شاء اللَّه -.
فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن: ذا الدين أحق بمال الرجل
في حياته منه حتى يُستوفى دينه، وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به، كان بيّنًا - والله أعلم - في حكم اللَّه ﷿، ثم ما لم أعلم أهل العلم اختلفوا فيه، أنَّ الدَّين مُبَدَّأ على الوصايا والميراث، فكان حكم الدين كما
 
٢ ‏/ ٥٤٣
 
وصفت منفردًا مقدمًا، وفي قول الله ﷿ ﷿ (أَوْ دَيْنٍ) ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين، دليل على أنَّ كل دين في صحة كان أو في مرض، بإقرار أو بينة، أو أي وجه ما كان سواء؛ لأن اللَّه ﷿ لم يخصَّ دينًا دون دين.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد رُوي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن
النبي ﷺ لا يُثبتُ أهل الحديث مثله، أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي ﵁ أن النبي ﷺ «قضى بالدين قبل الوصية» الحديث.
وأخبرنا سفيان، عن هشام بن حُجَير، عن طاووس، عن ابن عباس رضي
الله عنهما أنه قيل له: كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية، فقال: كيف تقرؤون الدَّين قبل الوصية.
أو الوصية قبل الدَّين؟
فقالوا: الوصية قبل الدَّين، قال فبأيِّهما تبدؤون؟
قالوا: بالدَّين، قال: فهو ذاك.
الرسالة: باب (البيان الثاني):
قال الشَّافِعِي ﵀ بعد أن ذكر آي المواريث - قال: فاستُغني
بالتنزيل في هذا عن خبرٍ غيره، ثم كان لله فيه شرط: أن يكون بعد الوصية
والدَّين، فدلّ الخبر على أن لا يجاوز بالوصية الثلث.
الرسالة (أيضًا): باب (ما نزل عامًا دلَّت السنة خاصة على أن يراد به الخاص):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال سبحانه: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
الآية، فأبان النبي ﷺ أن الوصايا مقتصر بها على الثلث لا يُتعدَّى، ولأهل
 
٢ ‏/ ٥٤٤
 
الميراث الثلثان، وأبان أن الدَّين قبل الوصايا والميراث، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدين دينهم.
ولولا دلالة السنة ثم إجماع الناس، لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين.
ولم تعدُ الوصية أن تكون مُبَدَّأة على الدَّين، أو تكون والدَّين سواء.
مناقب الشَّافِعِي: باب ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي، وتقدمه فيه، وحسن
استنباطه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: خالفنا بعض الناس في المختلعة فقال: إذا
طُلّقت في العدة لحقها الطلاق.
وقال: فما حجتك في أنَّ الطلاق لا يلزمها؟
قلت: حجتي من القرآن والأثر والإجماع على ما يدل أن الطلاق لا
يلزمها.
قال: فأين الحجة من القرآن؟
قلتُ: وذكر آية اللعان، والإيلاء. ..
ثم ذكر من آيات الميراث قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)
وقال تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: أفرأيت إن قذفها أيلاعنها؛ وآلى منها أيلزم
الإيلاء؛ أو ظاهر منها أيلزمه الظهار؛ أو ماتت أيرثها؛ أو مات أترثه؟
قال: لا.
قلت - أيّ الشَّافِعِي - الآن أحكام اللَّه هذه الخمسة تدلًُّ على أنها ليست
بزوجة. قال: نعم.
 
٢ ‏/ ٥٤٥
 
فائدة:
الزاهر باب (المواريث):
قال الأزهري ﵀: وتقع الكلالة على الوارث والموروث، قال اللَّه ﷿:
(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) الآية.
نصب (كَلَالَةً) على الحال.
المعنى: إن مات رجل في حال كلالة، أي: لم يخلف والدًا ولا ولدًا، وورثه أخ أو أخت، أو ماتت امرأة كذلك فرثها أخ أو أخت، فلكل واحد منهما السدس.
وكذلك قوله ﷿: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ) الآية.
والكلالة في هاتين الآيتين: الميت لا الوارث.
وقد قيل للورثة الذين يرثون الميت وليس فيهم أب ولا ولد: كلالة أيضًا.
ألا ترى أن جابر بن عبد الله ﵄ قال: مرضت فأتيت النبي ﷺ فقلت: «إني رجل لا يرثنى إلا كلالة» الحديث، فجعل الكلالة: ورثته.
فأما الآيتان: فالكلالة فيهما - الميت - الموروث لا الوارث.
وهذه آية غامضة، وقد أوضحت لك من غامضها، وجملة تفسيرها ما يقف بك على تفهمها - إن شاء اللَّه تعالى -.
* * *
قال الله ﷿: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)
الأم: حبس المرأة على الرجل يُكرهها ليرثها:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي معنى قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)
فنسخت بآية الحدود بقوله تعالى:
 
٢ ‏/ ٥٤٦
 
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
قال النبي ﷺ:
«خدوا عني، خدوا عنى، خدوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم» الحديث.
فلم يكن على امرأة حبس، يمنع به حق الزوجة على الزوج، وكان عليها الحد.
قال: وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل - والله أعلم -.
الأم (أيضًا): باب (النفي والاعتراف في الزنا):
قال الشَّافِعِي ﵀: ويرجم الزاني الثيب، ولا يجلد، والجلد منسوخ
عن الثيب - قال اللَّه ﵎: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)
وهذا قبل نزول الحدود.
ثم روى الحسن، عن حِطان الرقاشيّ، عن عبادة - يعني: ابن الصامت ﵁ عن النبي ﷺ أنَّه قال:
«خدوا عنى، خدوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلًا.
الثيب بالثيب جلد مائة، والرجم» الحديث.
فهذا أول ما نزل الجلد.
ثم قال عمر بن الخطاب ﵁ على المنبر، الرجم في كتاب الله ﷿ حقّ على من زنى إذا كان قد أحصن، ولم يذكر جلدًا، ورجم رسول الله ﷺ ماعزًا ولم يجلده، وأمر رسول الله ﷺ أنيسًا أن يأتي امرأة، فإن اعترفت رجمها، وكل هذا
يدلُّ على أنَّ الجلد منسوخ عن الثيب، وكل الأئمة عندنا رجم بلا جلد.
 
٢ ‏/ ٥٤٧
 
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) الآية.
لم يذكر هاهنا عدلًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت له - أي: للمحاور - أرأيت لو قال لك
قائل: أجز في البيع والقذف وشهود الزنا غير العدل، كما قلت في العتق، لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل، كما وجدته في غير هذه الأحكام، قال: ليس ذلك له، قد يُكتفى بقول الله ﷿: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فإذا ذكِر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل، وإن سُكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدلُّ على أن لا يقبل فيها إلَّا العدل.
قلت: هذا كما قلت، فلم لم تقل بهذا؟
الأم (أيضًا): الشهادات:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال الله ﵎: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) الآية.
فالكتاب والسنة يدلان على لأنَّه لا يجوز في الزنا أثل من أربعة، والكتاب يدل على أنَّه لا يجوز شهادة غير عدل، والإجماع يدلُّ على لأنَّه لا تجوز إلَّا شهادة عدلٍ، حرٍّ، بالغ، عاقل، لما يشهد عليه، وسواء أي زنا ما كان زنا، حرين، أو عبدين، أو مشركين؛ لأن كله زنا.
 
٢ ‏/ ٥٤٨
 
الأم (أيضًا) (الخلاف في إجازة أقل من أربع من النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) الآية.
قال رسول الله ﷺ لسعد حين قال له: أمهِلُهُ حتى آتي بأربعة شهداء! قال: «نعم» الحديث.
والشهود على الزنا نظروا من المرأة إلى محرم، ومن الرجل إلى محرم، فلو كان النظر لغير إقامة شهادة كان حرامًا، فلما كان لإقامة شهادة لم يجز أن يأمر اللَّه ﷿، ثم رسول الله ﷺ إلا بمباح، لا بمحرم، فكل من نظر ليثبت شهادته لله، أو للناس
فليس بجرح، ومن نظر لتلذذٍ وغير شهادة عامدًا كان جرحًا، إلا أن يعفوَ اللَّه عنه.
الأم (أيضًا): باب (الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا) الآية، فسمّى اللَّه في الشهادة في الفاحشة.
والفاحشة هاهنا - واللَّه تعالى أعلم -: الزنا، وفي الزنا أربعة شهود، ولا
تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء، لا امرأة فيهم؛ لأنَّ الظاهر من الشهداء
 
٢ ‏/ ٥٤٩
 
الرجال خاصة دون النساء، ودلَّت السنة على أنَّه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء، وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من أنهم رجال محصنون.
فإن قال قائل: الفاحشة تحتمل الزنا وغيره، فما دلَّ على أنها في هذا
الموضع الزنا دون غيره؟
قيل: كتاب الله، ثم سنة نبيه ﷺ، ثم ما لا أعلم عالمًا خالف فيه، في قول الله ﷿ في: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْا) يُمسَكْن حتى يجعل الله لهن سبيلًا ثم نزلت:
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ)
فقال: رسول الله ﷺ:
«قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» الحديث.
ودلَّ الله ورسوله ﷺ، أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم، ولم أعلم في ذلك مخالفًا من أهل العلم.
الأم (أيضًا): باب: ما جاء في قول الله ﷿: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) حتى ما يفعل بهن من الحبس والأذى:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله جل ثناؤه: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ)
الآية، فيه دلالة على أمور منها:
١ - أن الله ﷿ سمَّاهن من نساء المؤمنين؛ لأن المؤمنين المخاطبون
بالفرائض يجمع هذا.
 
٢ ‏/ ٥٥٠
 
٢ - أن اللَّه لم يقطع العصمة بين أزواجهن وبينهم بالزنا.
٣ - أن قول اللَّه عزَّ اسمه: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)
على أنها: كما قال ابن المسيب ﵀ إن شاء اللَّه - منسوخة.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد قال: قال
ابن المسيب: نسختها (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ)
فهن من أيامى المسلمين.
وقال اللَّه ﷿ (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) يشبه عندي - واللَّه تعالى
أعلم - أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا، فالموارثة بأحكام الإسلام ثابتة عليها، وإن زنت، ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا، لا بأس أن ينكح امرأة وإن زنت، إن ذلك لو كان يحرم نكاحها قطعت العصمة بين المرأة - تزنى عند زوجها - وبينه، وأمَر اللَّه ﷿ في: اللاتي يأتين الفاحشة من النساء، بأن يُحبَسنَ في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل اللَّه لهن سبيلًا، منسوخ بقول اللَّه ﷿:
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية، في كتاب اللَّه، ثم على لسان رسوله ﷺ.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا عبد الوهاب، عن يونس، عن
الحسن، عن عبادة بن الصامت ﵁ في هذه الآية:
(حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)
قال: كانوا يمسكوهن حتى نزلت آية الحدود، فقال النبي ﷺ
: «خذوا عني» الحديث.
 
٢ ‏/ ٥٥١
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا الحديث يقطع الشك، وُيبيِّن أنَّ حد الزانيين
كان الحبس، أو الحبس والأذى، فكان الأذى بعد الحبس، أو قبله، وأن أول ما حدَّ اللَّه به الزانيينِ من العقوبة في أبدانهما بعد هذا عند قول رسول الله ﷺ:
«قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام» الحديث، والجلد على الزانيين الثيبين منسوخ بأن رسول الله ﷺ رجم ماعز بن مالك، ولم يجلده، ورجم المرأة التي بعث إليها أنيسًا، ولم يجلدها وكانا ثيبين.
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب ثم السنة على من تزول عنه
بالعذر):
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر قول اللَّه تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) الآية، والتي بعدها، لم ذكر حديث عبادة بن الصامت
عن النبي ﷺ، وقال: فدلَّت السنة على أن جلد المائة للزانيينِ البكرينِ. . .، وجلد المائة ثابت على البكرين الحرَّين، ومنسوخ عن الثيبين، وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرَّين. . .، لنص الحديث، وفعل النبي ﷺ في رجم ماعز ولم يجلده.
وأمر أنيسًا أن يغدو على امرأة الأسلمي فإن اعترفت رجمها، دلَّ على نسخ
الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين، وثبت الرجم عليهما؛ لأن كلّ شيء أبدًا بعد أولِ فهو آخر.
الرسالة ً (أيضًا): وجه أخر من الناسخ والمنسوخ:
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر قول اللَّه ﷿: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) الآية، والتي بعدها (أيضًا)، قال فكان حد الزانيين بهذه الآية الحبس
 
٢ ‏/ ٥٥٢
 
والأذى، حتى أنزل الله على رسوله حد الزنا، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ)
فنُسِخ الحبس عن الزناة، وثبت عليهم الحدود.
قال الشَّافِعِي ﵀: فدل قول الرسول ﷺ:
»قد جعل الله لهن سبيلا الحديث، على أنَّ هذا أول ما حُدَّ به الزناة، لأنَّ اللَّه يقول: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) الآية.
ثمّ رجم رسول الله ﷺ ماعزًا ولم يجلده.
وامرأة الأسلمي ولم يجلدها، فدلَّت سنَّة رسول الله ﷺ على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين، ولم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان بالنكاح، وخلاف الإحصان به.
وإذ كان قول النبي ﷺ:
«قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر، جلد مائة وتغريب عام.» الحديث، ففي هذا دلالة على لأنَّه أول ما نسخ الحبس عن الزانيين، وحُدَّا بعد الحبس، وأن كل حدٍّ حُدَّه الزانيين فلا يكون إلا بعد هذا، إذ كان هذا أول حد الزانيين.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي
هريرة وزيد بن خالد ﵄ أنهما أخبراه: أنَّ رجلين اختصما إلى
رسول اللَّه ﷺ فقال أحدهما: يا رسول الله أقض بيننا بكتاب اللَّه إ؛ وقال الآخر
- وهو أفقههما - أجل، يا رسول اللَّه فاقض بيننا بكتاب اللَّه، وأذن لي في أن أتكلم. قال: «تكلم». قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته
 
٢ ‏/ ٥٥٣
 
فأخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت فيه بمائة شاة وجارية لي، ثمّ إني سألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته؛ فقال رسول الله ﷺ: («والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله:
أما غنمك وجاريتك فردَّ إليك».
وجلد ابنه مائة وغربه عامًّا، وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها «فاعترفت فرجمها» الحديث.
أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر ﵄: «أن النبي ﷺ رجم يهوديين زنيا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين.
والرجم على الثيبين الزانيين.
وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم، وإن لم يكونا
أريدا بالجلد وأريد به البكران، فهما مخالفان للثيبين، ورجم الثيبين بعد آية الجلد بما رَوَى رسول الله ﷺ عن الله.
وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا - والله أعلم -.
اختلاف الحديث: باب (العقوبات في المعاصي):
قال الشَّافِعِي ﵀: كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد، ثم
نزلت الحدود، ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود.
حدثنا الربيع قال:
 
٢ ‏/ ٥٥٤
 
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن
النعمان بن مُرَّة، أن رسول الله ﷺ:
قال ما تقولون في الشارب، والسارق، والزاني، وذلك قبل أن تنزل الحدود؛ فقالوا: اللَّه ورسوله أعلم، فقال رسول
الله ﷺ: «هن فواحش، وفيهن عقوبات، وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته» ثم ساق الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: ومثل معنى هذا في كتاب الله قال: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)
فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا، ثم نسخ هذا عن الزناة كلّهم، الحر والعبد والبكر والثيب، فحدَّ اللَّه البكرين الحرين المسلمين، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) .
حدثنا الربيع:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن
عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس ﵄ أنَّه قال: سمعت عمر بن
الخطاب ﵁ يقول: الرجم في كتاب اللَّه على من زنى، إذا أحصن (من الرجال والنساء)، إذا قامت عليه البينّة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أنَّه سمع سعيد بن السيب ﵀
يقول: قال عمر: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا أجد حدَّين في كتاب اللَّه، فقد رجم رسول الله ﷺ ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة)
فإنا قد قرأناها.
 
٢ ‏/ ٥٥٥
 
ثم ساق حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد (باختصار) .
قال الشَّافِعِي ﵀: كان ابنه بكرًا، وامرأة الآخر ثيبًا قال: فذكر رسول
الله ﷺ عن اللَّه حد البكر والثيب في الزنا، فدل ذلك على مثل ما قال عمر من حدِّ الثيب في الزنا.
* * *
قال الله ﷿: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذى دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه
بالعذر):
الرسالة (أيضًا): باب (وجه آخر - من الناسخ والمنسوخ -):
أحكام القرآن: (ما يؤثر عنه في الحدود)
قال الله ﷿: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧)
أحكام القرآن: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير):
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله ﷿: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
ذكروا فيها معنيين:
 
٢ ‏/ ٥٥٦
 
أحدهما: أنَّه من عصى، فقد جَهِل، من جميع الخلق.
الآخر: أنَّه لا يتوب أبدًا، حتى يَعلَمَه، وحتى يَعمَلَهُ، وهو لا يرى أنَّه محرم.
والأول: أولاهما.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (١٩)
الأم: حبس المرأة لميراثها:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)
يقال - والله أعلم -: نزلت في الرجل يَكره المرأة، فيمنعها
كراهية لها حق اللَّه في عشرتها بالمعروف، ويحبسها مانعًا لحقها ليرثها من غير
طيب نفس منها، بإمساكه إياها على المنع، فحرّم - اللَّه تعالى ذلك على هذا المعنى.
وحرّم على الأزواج، أن يعضلوا النساء ليذهبوا ببعض ما أوتين، واستثنى: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وإذا أتين بفاحشة مبينة وهي: الزنا، فأعطين ببعض ما أوتين ليفارقن، حلَّ ذلك إن شاء اللَّه تعالى، ولم تكن معصيتهن الزوجَ فيما يجب له بغير فاحشة، أولى أن نحل ما أعطين، من أن يعصين اللَّه والزوج بالزنا.
 
٢ ‏/ ٥٥٧
 
وأمر اللَّه في اللاتي يكرههُن أزواجهن، ولم يأتين بفاحشة، أن يُعاشَرن
بالمعروف، وذلك بتأدية الحق، وإجمال العشرة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) الآية.
فأباح عشرتهن على الكراهية بالمعروف، وأخبر أن الله ﷿
قد يجعل في الكره خيرًا كثيرًا، والخير الكثير: الأجر في الصبر، وتأدية الحق إلى من يكره، أو التطول عليه، وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها، ودينها، وكفاءتها، وبذلها، وميراث إن كان لها، وتصرُف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها.
الأم (أيضًا): عدة المطلق يملك زوجها رجعتها:
قال الشَّافِعِي ﵀: إذا ارتجع - أي: المطلق - في العدة ثبتت الرجعة.
لما جعل الله ﷿ في العدة له من الرجعة، وإلى أن قول اللَّه ﷿: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
لمن راجع ضرارًا في العدة، لا يريد حبس المرأة رغبة، ولكن عَضلًا عن أن تحل لغيره.
وقد قال اللَّه تعالى: (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
فنهى عن إمساكهن للعضل ثم يطلقهن، فذهب إلى أن الآية قبل هذا يحتمل أن يكون نهى عن رجعتهن للعضل لا للرغبة، وهذا معنى يحتمل الآية، ولا يجوز إلا واحد من القولين - واللَّه تعالى أعلم بالصواب -.
الأم (أيضًا): مالا يحل أن يؤخذ من المرأة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ) الآية، فدل على لأنه أباح حبسها مكروهة، واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف، لا أنَّه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف.
 
٢ ‏/ ٥٥٨
 
الأم (أيضًا): ما جاء في الصداق:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي المطلبي ﵀ قال: قال الله ﷿: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) الآية.
فيحتمل هذا أن يكون مأمورًا بصداق من فَرَضَه، دون من لم يفرضه، دخل أو لم يدخل، لأنَّه حق ألزمه نفسه.
فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله تعالى له، وهو: أن يطلق قبل الدخول.
الأم (أيضًا): جماع عشرة النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
الآية، فجعل اللَّه للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقًا بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه ﷺ مفسرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم.
وجماع المعروف: إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه، وكف المكروه.
الأم (أيضًا): الخلع والنشوز:
قال الشَّافِعِي ﵀: وتد قال اللَّه ﷿: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) الآية.
فيحل للرجل حبس المرأة على ترك بعض القَسم لها، أو
كفه ما طابت به نفسًا، فإذا رجعت فيه لم في له إلا العدل لها، أو فراقها؛ لأنها
 
٢ ‏/ ٥٥٩
 
إنما تهب في المستأنف ما لم يجب لها، فما أقامت على هبته حل، وإذا رجعت في هبته حلّ ما مضى بالهبة، ولم يحل ما يستقبل إلا بتجديد. الهبة له.
الأم (أيضًا): نشوز المرأة على الرجل:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية.
وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها، وله عليها مما ليس لها
عليه، ولكل واحد منها على صاحبه.
الأم (أيضًا): حبس المرأة على الرجل يُكرهها ليرثها:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) الآية، يقال - والله أعلم -: نزلت في الرجل يمنع المرأة حقّ الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف؛ عن غير طيب نفسها، ويحبسها لتموت فيرثها، أو يذهب ببعض ما آتاها، واستثنى: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، وقيل: لا بأس بأن يحبسها كارهًا لها إذا أذى حق الله تعالى فيها، لقول الله ﷿: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)
وقيل في هذه الآية: دلالة على أنَّه انمّا حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها، أو يذهب ببعض ما آتاها، وإذا منعها الحقّ، وحبسها، وذهب ببعض ما آتاها فطلبته، فهو مردود عليها، إذا أقرَّت بذلك، أو قامت به بينة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قيل: فإن أتت عنده بفاحشة وهي: الزنا.
فحبسها على منع الحق في القَسْم، لا أن ضربها ولا منعها نفقة، فأعطته بعض ما آتاها، حل له أخذه، وكانت معصيتُها اللَّهَ بالزنا، ثم معصيته أكبر من معصيتها في
 
٢ ‏/ ٥٦٠
 
غير - أي: فيما دون - الزنا، وهي إذا عصته فلم تقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به، فإن حبسها مانعًا لها الحق، ولم تأت بفاحشة ليرثها فماتت عنده، لم يحل له أن يرثها، ولا يأخذ منها شيئًا في حياتها، فإن أخذه رُدَّ عليها.
وكان أملك برجعتها، وقيل: إن هذه الآية منسوخة.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠)
الأم: ما جاء في الصداق:
قال الشَّافِعِي ﵀: ودلَّ قول الله ﵎: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) الآية، على أن لا وقت في الصداق كثر أو قلَّ، لتركه النهي عن
القنطار وهو كثير، وتركه حدًا للقليل، ودلّت عليه السُّنَّة والقياس على الإجماع فنقول: أقل ما يجوز في المهر، أقل ما يتمول الناس، مما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة، وما يتبايعه الناس بينهم.
فإن قال قائل: وما دلَّ على ذلك؟
قيل: قال رسول الله ﷺ:
«أدوا العلائق» قيل: وما العلائق يا رسول اللَّه؟
قال: «ما تراضى عليه الأهلون» الحديث.
ولا يقع اسم عَلَقَ إلا على ما يتمول وإن قلَّ، ولا يقع اسم مال إلا
على ما له قيمة يباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدَّى قيمتها وإن قلّت، وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل: الفَلْس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه.
 
٢ ‏/ ٥٦١
 
الأم (أيضًا): مالا يحل أن يؤخذ من المرأة:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎ ذكره: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) الآية، فأعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج، من غير أمر
من المرأة في نفسها وَلا عشرتها، ولم تطب نفسًا بترك حقها في القسم لها وماله، فليس له منعها حقها، ولا حبسها إلا بمعروف، وأول المعروف: تأدية الحقِّ، وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها.
الأم (أيضًا): باب (الخلاف في الصداق):
قال الشَّافِعِي ﵀: إنّ اللَّه ﷿ قال: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) الآية، وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواه، فلم يحد فيه حدًا، فتجعلَ الصداق - الخطاب للمحاور - قنطارًا لا أنقص منه، ولا أزيد عليه!.
الأم (أيضًا): ما يجوز به أخذ مال المرأة منها:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قال اللَّه ﷿: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) إلى (مُبِينًا)، وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها.
واذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته، ولم ترِد هي فرقته، لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئًا بأن يستكرهها عليه، ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه، فإن فعل وأقرَّ بذلك، أو قامت عليه بينة، ردَّ ما أخذ منها عليها.
 
٢ ‏/ ٥٦٢
 
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو علمته يريد الاستبدال بها، ولم يمنعها حقها.
فنشرت ومنعته بعض الحق، وأعطته مالًا، جاز له أخذه، وصارت في معنى من يخاف ألَّا يقيم حدود اللَّه، وخرجت من أن يكون يُراد فراقها، فيفارق بلا سبب منها، ولا منع لحق في حال متقدمة لإرادته ولا متأخرة.
الأم (أيضًا): بلغ الرشد وهو الحجر:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي قول اللَّه ﷿: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) الآية.
فأحلَّه الله إذا كان من قِبَلِ المرأة، كما حل للرجل من مال الأجنبيين بغير توقيت شيء فيه ثلث، ولا أقل، ولا أكثر، وحرَّمه إذا كان من قِبَل الرجل، كما حرّم أموال الأجنبيين أن يغتصبوها.
مختصر المزني: نكاح المُتعه والمحلل، وباب (الخلاف في نكاح المُتعة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) الآية، فجعل إلى الأزواج فرقة من عقدوا عليه النكاح، مع أحكام ما بين
الأزواج، فكان بينًا - واللَّه أعلم - أن نكاح المتعة منسوخ بالقرآن والسنة؛ لأنه إلى مدة ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه، ولا فيه أحكام الأزواج.
 
٢ ‏/ ٥٦٣
 
قال الله ﷿: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (٢١)
الأم: ما لا يحل أن يُؤخذ من المرأة
قال الشَّافِعِي ﵀: يقول اللَّه تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) الآية، حَظْرٌ لأِخذِه - أي: المهر أو شيء مما أعطي للمرأة
- إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء، وهو: الدخول، فيأخذ نصفه بما جُعل له، ولأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال، وليس بَحَظْر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قِبَلِهَا، وذلك لأنَّه إنما حَظَرَ أخذه إذا كان من قبل الرجل، فأما إذا كان من قِبَلِها، وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول اللَّه ﵎: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية.
فائدة:
الزاهر باب (ما ينقض الوضوء):
قال الشَّافِعِي ﵀: والملامسة: أن يفضي بشيء منه إلى جسدها، أو
تفضي إليه، لا حائل بينهما.
قال الأزهري ﵀: والإفضاء على وجوه:
أحدها: أن يلصق بشرته ببشرتها، ولا يكون بين بشرتيهما حائل، من ثوب
ولا غيره، وهذا يوجب الوضوء عند الشَّافِعِي ﵀.
 
٢ ‏/ ٥٦٤
 
الوجه الثاني: من الإفضاء: أن يولج فرجه في فرجها حتى يتماسا، وهذا
يوجب الغسل عليهما، وهو قول اللَّه ﷿: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) الآية.
أراد الإفضاء: الإيلاج هاهنا.
الوجه الثالث: من الإفضاء: أن يجامع الرجل الجارية الصغيرة التي لا
تحتمل الجماع، فيصير مسلكاها مسلكًا واحدًا، وهو من الفضاء: وهو البلد الواسع، يقال: جارية مُفْضَاة وشَرِيم: إذا كانت كذلك.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكحَءَابَاؤكم من النساء إِلا مَا قَد سَلَفَ)
الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي ﵀:
قال الله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (٢٢)
فأي امرأة نكحها رجل، حرمت على ولده، دخل بها الأب، أو لم يدخل بها، وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء، وإن سفلوا؛ لأن الأبوُّة تجمعهم معًا.
وفي قول الله ﷿: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) الآية.
كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه، وكان الرجل يجمع
 
٢ ‏/ ٥٦٥
 
بين الأختين، فنهى ﷿ أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه.
الأم (أيضًا): الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: وقلنا إذا نكح رجل امرأة حرمت على ابنه
وأبيه، وحرمت عليه أمُّها بما حكيت من قول الله ﷿، فإن زنى بامرأة أبيه، أو ابنه، أو أم امرأته، فقد عصى الله تعالى، ولا تحرم عليه امرأته، ولا على أبيه، ولا على ابنة امرأته لو زنى بواحدة منهما، لأنَّ الله ﷿ إنَّما حرّم بحرمة الحلال تعزيزًا لحلاله، وزيادة في نعمته، بما أباح منه، بأن أثبت به الحُرَمَ التي لم تكن قبله، وأوجب بها الحقوق، والحرام خلاف الحلال. . . قال اللَّه تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية.
الأم (أيضًا): المدعي والمدعى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية.
فقلنا - بهذه الآية وما في موضوعها - إن التحريم في غير
النسب والرضاع، وما خصته سنة بهذه الآية وغيرها إنما هو النكاح، ولا يحرم الحلال الحرام، وكذلك قال ابن عباس ﵄.
وقال بعض الناس: إذا قبَّل أم امرأته، أو نظر إلى فرجها بشهوة حرمت
عليه امرأته، وحرمت هي عليه؛ لأنَّها أم امرأته، ولو أن امرأته قبَّلت ابنه بشهوة حرمت على زوجها.
 
٢ ‏/ ٥٦٦
 
فقلنا له: ظاهر القرآن يدل على أن التحريم إنَّما هو بالنكاح، فهل عندك
سنَّة بأن الحرام يحرّم الحلال؟ قال: لا.
وقال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية.
فمن أين زعمتَ - أي: للمحاور - أن حكم الحلال
حكم الحرام!؛ وأبيت ذلك في المرأة يفارقها زوجها، والأمَةِ يفارقها زوجها.
فيصيبها سيدها؟!.
* * *
قال الله ﷿: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٣)
الأم: ما يحرم من النساء بالقرابلًا:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله ﵎: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) الآية.
والأمهات: أم الرجل (الوالدة)، وأمَّهاتها، وأمّضهات آبائه، وإن بَعُدت
الجدات، لأنهن يلزمهن اسم الأمهات.
والبنات: بناتُ الرجل لصلبه، وبنات بنيه، وبناتهن، وإن سفلن، فكلُّهن
يلزمهن اسم البنات، كما لزم الجدات اسم الأمهات، وإن علون وتباعدن منه، وكذلك ولد الولد وإن سفلوا.
 
٢ ‏/ ٥٦٧
 
والأخوات: من ولد أبيه لصلبه، أو أفه نفسها.
وعماته: من ولد جده الأدنى أو الأقصى، ومن فوقهما من أجداده.
وخالاته: من ولدته أم أمه، وأمها، ومن فوقهما من جداته من قِبَلها.
وبنات الأخ: كل ما ولد الأخ لأبيه، أو لأمه، أو لهما، من ولدٍ ولدته
والدته فكلهم بنو أخيه، وإن تسفلوا.
وهكذا بنات الأخت.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو شرب غلام وجارية لبن بهيمه من (شاة، أو
بقرة، أو ناقة)، لم يكن هذا رضاع، إنما هذا كالطعام والشراب، ولا يكون محرِّمًا بين من شربه، إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم.
وقال تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: حرَّم اللَّه تعالى الأخت من الرضاعة فاحتمل
تحريمها معنيين:
أحدهما: إذ ذكر اللَّه تحريم الأم والأخت من الرضاعة، فأقامهما في
التحريم مقام الأم والأخت من النسب، أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام
النسب، فما حَرُم بالنسب، حَرُم بالرضاع مثله، وبهذا نقول، بدلالة سنة رسول الله ﷺ والقياس على القرآن.
الآخر: أن يحرم من الرضاع الأم والأخت، ولا يحرم سواهما.
 
٢ ‏/ ٥٦٨
 
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم
مقام النسب؟
قيل له إن - شاء الله تعالى -: أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله
ابن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله
عنها، أن رسول الله ﷺ قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة» الحديث.
أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن
عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي ﷺ أخبرتها، أن النبي ﷺ كان عندها.
وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشة، فقلت:
يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله ﷺ:
«أراه فلانًا لعم حفصة من الرضاعة»، فقلت: يا رسول الله لو كان فلان حيًا لعمِّها من الرضاعة أيدخلُ عليَّ؟ فقال رسول الله ﷺ: «نعم، إن الرضاعة تحرِّم ما يَحرُم من الولادة» الحديث.
أخبرنا ابن عيينة قال: سمعت ابن جدعان قال: سمعت ابن المسيب
يحدث، عن عليٍّ بن أبي طالب ﵁ أنَّه قال: يا رسول الله هل لك في ابنة عمك (بنت حمزة) ﵁ فإنها أجمل فتاة في قريش فقال: «أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة، وأن الله تعالى حرَّم من الرضاعة ما حرَّم من النسب» الحديث.
والرضاع: اسم جامع، يقع على المصَّة، وأكثر منها، إلى كمال رضاع الحولين.
 
٢ ‏/ ٥٦٩
 
ويقع: على كل رضاع، وإن كان بعد الحولين.
فهكذا استدللنا بسنة رسول الله ﷺ: أن المراد بتحريم الرضاع: بعض المرضَعين دون بعض، لا من لزمه اسم: رضاع.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي نفس السنةِ لأنَّه يحرم من الرضاع ما يحرم من
الولادة، وأن لبن الفحل يحرّم كما يُحرّم ولادة الأب، يُحرّم لبن الأب، لا
اختلاف في ذلك.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عمرو بن الشريد، أنَّ ابن عباس ﵄ سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلامًا، وأرضعت الأخرى جارية، فقيل له: هل يتزوج الغلام الجارية؛ فقال: «لا، اللفاح واحد» الحديث.
أخبرنا سعيد بن سالم قال: أخبرنا ابن جريج، أنه سأل عطاء ﵀
تعالى - عن لبن الفحل أيُحرّم؟ فقال: نعم، فقلت له: أبلَغكَ مِن ثَبت؟ فقال: نعم، قال ابن جريج، قال عطاء: (وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) الآية، فهي أختك من أبيك.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت، أو طلقها قبل أن
يدخل بها، لم أرَ له أن ينكح أمها؛ لأنَّ الأم مبهمة التحريم في كتاب الله ﷿ ليس فيها شرط، إنَّما الشرط في الربائب، لقول اللَّه تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) الآية.
وهذا قول أكثر المفتين، وقول بعض أصحاب النبي ﷺ الحديث.
 
٢ ‏/ ٥٧٠
 
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، قال سُئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج
امرأة ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها؛ فقال زيد بن ثابت: لا، الأم
مبهمة ليس فيها شرط، إنَّما الشرط في الربائب.
وهكذا أمهاتها وإن بعدن، وجداتها، لأنَّهن من أمهات نسائه.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية، فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه، دخل بها
الابن أو لم يدخل، وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه؛ لأن الأبوة تجمعهم معًا، وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجال وإن سفلوا؛ لأن الأبوة تجمعهم معًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكل امرأة أب، أو ابن، حرَّمْتُها على ابنه، أو أبيه
بنسب، فكذلك أحرِّمها إذا كانت امرأة أبٍ، أو ابنٍ من الرضاع.
فإن قال قائل: إنما قال اللَّه ﵎: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية.
فكيف حرَّمتَ حليلة الابن من الرضاعة؟
قيل: بما وصفت من جمع اللَّه بين الأم والأخت من الرضاعة، والأم
والأخت من النسب في التحريم، ثم بأن النبي ﷺ قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» الحديث.
فإن قال قائل فهل تعلم فِيمَ أنزلت: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ)؟
 
٢ ‏/ ٥٧١
 
قيل: اللَّه تعالى أعلم فيما أنزلها، فأما معنى
ما سمعت متفرقًا فجمعته، فإن رسول الله ﷺ أراد نكاح ابنة جحش، فكانت عند زيد بن حارثة، فكان النبي ﷺ تبنَّاه، فأمر اللَّه تعالى ذكره أن يُدعى الأدعياء
لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) .
وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) .
وقال لنبيه ﷺ: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) . الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية.
دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم، ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرّمنا من الرضاع بما حرَّم الله قياسًا عليه، وبما قال رسول الله ﷺ إنه: «بحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي قوله ﷾: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) الآية، وكان الرجل يجمع بين الأختين، فنهى
الله ﷿ عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية، قبل علمهم بتحريمه، ليس أنَّه أقرَّ في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام، كما أقرَّهم النبي ﷺ على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال.
 
٢ ‏/ ٥٧٢
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وما حرَّمنا على الآباء من نساء الأبناء، وعلى
الأبناء من نساء الآباء، وعلى الرجل من أمهات نسائه، وبنات نسائه اللاتي
دخل بهن بالنكاح فأصيب.
فأما بالزنا: فلا حكم للزنا يحرم حلالًا، وإن كانت الإصابة بنكاح فاسد.
احتمل أن يحرّم من قِبَلِ أنه يثبت فيه النسب، ويؤخذ فيه المهر، ويُدرأُ فيه الحدُّ، وتكون فيه العدة، وهذا حكم الحلال، وأحبّ إليَّ أن يحرّم به من غير أن يكون واضحًا، فلو نكح رجل امرأة نكاحًا فاسدًا فأصابها، لم في له - عندي - أن ينكح أمها ولا ابنتها، ولا ينكحها أبوه ولا ابنه، وإن لم يصب الناكح نكاحًا فاسدًا، لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئًا، من قِبَل أنَّ حكمه لا يكون فيه صداق، ولا يلحق فيه طلاق، ولا شيء مما بين الزوجين.
الأم (أيضًا): ما يحرم الجمع بينه من النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا يجمع بين أختين أبدًا بنكاح، ولا وطء ملك.
وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع، حَرُم من الإماء مثله إلا العدد.
والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل، فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها، فنكاح الآخرة باطل، ونكاح الأولى ثابت، وسواء دخل بها، أو لم يدخل بها، ويفرَّق بينه وبين الآخرة.
أخبرنا الربيع قال:
 
٢ ‏/ ٥٧٣
 
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج.
عن أبي هريرة ﵁ أنَّ رسول الله ﷺ قال: «لا يجمع الرجل يين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٢٤)
الأم: ما يحرم الجمع بينه من النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية.
والمحصنات: اسم جامع، فَعمَاعُه أن الإحصان المنع.
والمنع يكون بأسباب مختلفة منها: المنع بالحبس، والمنع يقع على الحرائر بالحرية، ويقع على المسلمات بالإسلام، ويقع على العفائف بالعفاف، ويقع على ذوات الأزواج، فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت، بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحُرِّم إصابة واحد؛ منهما بنكاح ولا ملك؛ ولأني لم أعلمهم اختلفوا في: أن العفائف وغير العفائف فيما في منهن بالنكاح والوطء بالملك سواء، على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية.
والآية تدلُّ على أنَّه لم يرد بالإحصان هاهنا الحرائر، فبين أنَّه إنَّما قصد
بالآية: قصد ذوات الأزواج، ثم دلُّ الكتاب، وإجماع أهل العلم أن ذوات
 
٢ ‏/ ٥٧٤
 
الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت، أو فرقة طلاق، أو فسخ نكاح، إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع.
الأم (أيضًا): الخلاف في السبايا:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله ﷿: (إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فقال: هذا كما قلت، ولم يزل يقول به، ولا يفسره هذا التفسير الواضح، غير أنَّا نخالفك منه في شيء!
قلت: وما هو؟ قال: نقول في المرأة يسبيها المسلمون قِبَل زوجها تستبرأ بحيضة، وتُصاب - ذات زوج كانت أو غير ذات زوج - قال: ولكن إن سبيت وزوجها معها، فهما على النكاح.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت له: سَبَى النبي ﷺ نساء بني المصطلق، ونساء هوازن بحُنَين، وأوطاس، وغيره فكانت سنَّتُه فيهم، ألَّا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، وأمر أن يُستبرأنَ بحيضة حيضة.
وقد أسر رجالًا من بني المصطلق وهوازن، فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا غيرها، فاستدللنا على أن السِّبَاء قطعٌ للعصمة، والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا سُبيَ معها، لم يقطع عصمتها لو لم يُسبَ معها، ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة، إذ لم يسأل رسول الله ﷺ له عن ذات زوج ولا غيرها.
وقد علم ﷺ أن فيهن ذوات أزواج بالحمل، وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل، وقد أسِرَ من أزواجهن معهن، أن السِّبَاء قطع للعصمة.
 
٢ ‏/ ٥٧٥
 
أخبرنا الطحاوي قال: حدثنا المزني قال:
حدثنا الشَّافِعِي ﵀ قال: وسمعت الثقفي يحدِّث، عن خالد الحدّاء، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود ﵁ في قول الله ﷿: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية.
قال: سبايا كان لهن أزواج قبل أن يسبين فأحللن.
الأم (أيضًا): المرأة تسبى مع زوجها:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر ابن مسعود ﵁، قول الله ﷿: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسبي، ولم يكن استيماؤهن بعد الحرية، بكثر من قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن، وسواء أسِرْن مع أزواجهن، أو قبل أزواجهن، أو بعد، أو كن في دار الإسلام، أو دار الحرب، لا تقع العصمة إلا ما كان بالسباء الذي كن به مستأميات بعد الحرية، وقد سبى رسول الله ﷺ رجالًا من هوازن، فما علمناه
سأل عن أزواج المسبيات، أسبُوا معهن، أو قبلهن، أو بعدهن، أو لم يسبَوا، ولو كان في أزواجهن معنى لسأل عنهن - إن شاء الله تعالى -.
الأم (أيضًا): كتاب (الصداق):
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان بينًا في كتاب الله ﷿ أن على الناكح الواطئ صداقًا، لما ذكرتُ، ففرض اللَّه في الإماء أن يُنكحن بإذن أهلهن، وُيؤتين أجورهن، والأجر: الصداق، وبقوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
 
٢ ‏/ ٥٧٦
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية، فأمر اللَّه الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن.
والأجر هو: الصداق، والصداق هو: الأجر والمهر، وهي كلمة عربية تُسمى بعدة أسماء.
الأم (أيضًا): الجمع بين المرأة وعمتها:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد يذكر اللَّه ﷿ الشيء في كتابه فيحرمه، ويُحرم على لسان نبيه ﷺ غيره، مثل قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية.
ليس فيه إباحة أكثر من أربع؛ لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع، وقال رسول اللَّه ﷺ لغيلان بن سلمة ﵁، وأسلم وعنده عشر نسوة: «أمسك أربعًا وفارق سائرهن» الحديث.
فأبان على لسان نبيه ﷺ أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع
حظرٌ لما وراء أربع، وإن لم بكن ذلك نصًا في القرآن، وحرّم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره بالقرآن، وامرأة الملاعن بالسنة، وما سواهن مما سميت كفاية لما استُثني منه.
 
٢ ‏/ ٥٧٧
 
الأم (أيضًا): المدعي والمدعى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم قال سبحانه: (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فقال - أي: المحاور -: قد سمى الله من حرّم، ثم أحل ما وراءهن، فلا أزعم أنَّ ما سوى هؤلاء حرام، فلا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها؟! وبينها وبين خالتها! لأن كل واحدة منهما تحل على الانفراد، ولا أجد في الكتاب تحريم الجمع بينهما؟
قال الشَّافِعِي ﵀: ليس ذلك له، والجمع بينهما حرام، لأن النبي ﷺ نهى عنه.
الأم (أيضًا): باب الخلاف في اليمين مع الشاهد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقول الله ﷿: (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فحرمنا نحن وأنت - الخطاب: للمحاور - أن يُجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها بالسنة.
الرسالة: (في محرمات النساء):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فاحتملت الآية - والآية التي قبلها - معنيين.
 
٢ ‏/ ٥٧٨
 
أحدهما: أن ما سمى اللَّه من النساء مَحْرَمًا مُحَرَّم، وما سكت عنه حلال
بالصمت عنه، وبقول اللَّه: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية.
وكان هذا المعنى هو الظاهرَ من الآية.
وكان بينًا في الآية أن تحريم الجمع بمعنىَ غير تحريم الأمهات، فكان ما
سمى حلالًا حلال، وما سمى حرامًا حرام، وما نهى عن الجمع بينه من
الأختين كما نهى عنه.
وكان في نهيه عن الجمع بينهما دليل على أنه إنما حرم الجمع، وأن كل
واحدة منهما على الانفراد حلال في الأصل، وما سواهن من الأمهات والبنات والعمات والخالات، محرمات في الأصل.
وكان معنى قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، من سمى تحريمه في
الأصل، ومن هو في مثل حاله بالرضاع، أن ينكحوهن بالوجه الذي حل به النكاح.
فإن قال قائل: ما دلَّ على هذا؛ فإن النساء المباحات لا يحل أن يُنكح
منهن أكثر من أربع، ولو نكح خامسة فسخ النكاح، فلا تحِل منهن واحدة إلا بنكاح صحيح، وقد كانت الخامسة من الحلال بوجهِ، وكذلك الواحدة، بمعنى قول اللَّه: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بالوجه الذي أحِل به النكاح، وعلى الشرط الذي أحلَّه به، لا مطلقًا.
فيكون نكاح الرجل المرأة لا يُحرًم عليه نكاح عمتها ولا خالتها بكل
حال، كما حرّم اللَّه أمهات النساء بكل حالِ، فتكون العمة والخالة داخلتين في معنى من أحل بالوجه الذي أحلَّها به.
كما في له نكاح امرأة إذا فارق، رابعة كانت العمة إذا فورقت ابنةُ
أخيها حلَّت.
 
٢ ‏/ ٥٧٩
 
الرسالة (أيضًا): باب (العلل في الأحاديث):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، والتي قبلها، وذكر الله من حرّم، ثم قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فقال رسول الله ﷺ:
«لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» الحديث.
فلم أعلم مخالفًا في اتباعه.
فكانت فيه دلالتان:
الأولى: دلالة على أن سنَّة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال.
ولكنها مبينة عامَّهُ وخاصَّهُ.
الثانية: ودلالة على أنهم قبلوا فيه خبر الواحد، فلا نعلم أحدًا رواه من
وجه يصح عن النبي ﷺ إلا أبا هريرة ﵁.
قال - المحاور -: أفيحتمل أن يكون هذا الحديث عندك خلافًا لشيء من
ظاهر الكتاب؟
فقلت: لا، ولا غيره.
قال: فما معنى قول الله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) الآية، فقد ذكر
التحريم وقال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية.
قلتُ: ذكَر تحريم من هو حرام بكل حال، مثل: الأمّ والبنت والأخت
والعمّة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت، وذكر من حرّم بكلّ حال من
النسب والرضاع، وذكر من حَرَّم من الجمع بينه، وكان أصل كل واحدة منهما
 
٢ ‏/ ٥٨٠
 
مباحًا على الانفراد قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، يعني: بالحال
التي أحفها به.
ألا ترى أن قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بمعنى ما أحل به.
لا أن واحدة من النساء حلال بغير نكاح يصح، ولا أنه يجوز نكاح خامسة على أربع، ولا جمع بين أختين، ولا غير ذلك مما نهى عنه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت له - للمحاور -: لما كان في كتاب الله
دلالة على أن اللَّه قد وضع رسوله موضع الإبابة عنه، وفرض على خلقه اتباع أمره فقال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بما أحلَّه الله به من النكاح ومِلْك اليمين في كتابه، لا أنَّه أباحه بكلَ وجه، وهذا كلام عربي.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحدود:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: وقال الحسين بن محمد - فيما أخبرت عنه
وقرأته في كتابه، أخبرنا محمد بن سفيان بن سعيد أبو بكر (بمصر)، أخبرنا يونس ابن عبد الأعلى قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله ﷿: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، ذوات الأزواج من النساء.
(أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) عفائف غير خبائث:
(فَإِذَا أُحْصِنَّ) قال: فإذا نكحن.
 
٢ ‏/ ٥٨١
 
قال الله ﷿: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
الأم: ما جاء في منع إماء المسلمين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله ﵎:
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) الآية.
ففي هذه الآية - والله تعالى أعلم - دلالة على أنّ
المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك، فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة.
لأنَّه غير واجد طولًا لحرّة ولا أمة. ..
فإن قال قائل: ما دلَّ على أن هذا على الأحرار ولهم دون المماليك؟
قيل: الواجدون للطول، المالكون للمال، والمملوك لا يملك مالًا بحال.
ويشبه ألَّا يخاطب، بأن يقال: إن لم يجد مالًا من يعلم أنَّه لا يملك مالًا بحال؛ إنما يملك أبدًا لغيره.
قال: ولا في نكاح الأمة إلا كما وصفتُ في أصل نكاحهن، إلا بأن لا
يجد الرجل الحرّ بصداق أمة طولًا لحرّة، وبأن يخاف العنت، والعنت: الزنا.
 
٢ ‏/ ٥٨٢
 
فإذا اجتمع ألَّا يجد طولًا لحرة، وأن يخاف الزنا، حل له نكاح الأمة، وان
انفرد فيه أحدهما، لم يحلل له، وذلك أن يكون لا يجد طولًا لحرة وهو لا يخاف العنت، أو يخاف العنت وهو يجد طولًا لحرَّة، إنما رُخِّص له في خوف العنت على الضرورة.
الأم (أيضًا): نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا) الى
قوله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) الآية.
وفي إباحة اللَّه الإماء المؤمنات على ما شرط، لمن لم يجد طولًا، وخاف العنت، دلالة - واللَّه تعالى أعلم - على تحريم
نكاح إماء أهل الكتاب، وعلى أن الإماء المؤمنات لايحللنْ إلا لمن جمع الأمرين مع إيمانهن، لأن كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك الشرط، كما أباح التيمم في السفر والإعواز في الماء، فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم، وليس إماء أهل الكتاب مؤمنات، فيحللن بما حلَّ به الإماء المؤمنات من الشرطين مع الإيمان.
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﵎: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) إلى قوله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) الآية.
فبهذا كله نقول: لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح، ولا في أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرَّة، ولا من الإماء
 
٢ ‏/ ٥٨٣
 
إلا مسلمة، ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معًا، فيكون ناكحها لا يجد طولًا لحرَّة، ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها، وهذا أشبه بظاهر الكتاب.
وأحبّ إليَّ لو ترك نكاح الكتابية، وإن نكحها فلا بأس، وهي كالحرَّة
المسلمة في القَسم لها، والنفقة، والطلاق، والإيلاء، والظهار، والعدة وكل أمر، يعني: أنهما لا يتوارثان، وتعتدُّ منه عدة الوفاة، وعدة الطلاق، وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة - وكذلك الصبية - ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف.
فأما الأمة المسلمة: فإن نكحها وهو يجد طولًا لحرَّة فُسخ النكاح، ولكن إن
لم يجد طولًا ثم نكحها، ثم أيسر لم يُفسخ النكاح؛ لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها، ولو عقد نكاح حرَّة وأمة فقد قيل: تثبت عقدة الحرَّة، وعقدة الأمة مفسوخة.
وقد قيل: هي مفسوخة معًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي الشعثاء قال:
لا يصلح نكاح الإماء اليوم؛ لأنَّه يجد طولًا إلى حرَّة.
الأم (أيضًا): باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷾ في الإماء:
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الآية وغيرها من الآيات التي تبين منزلة الولي في عقد النكاح -.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سليمان
ابن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة ﵂، عن النبي ﷺ
 
٢ ‏/ ٥٨٤
 
أنَّه قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، ثلاثًا، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: ففي سُنَّة رسول الله ﷺ دلالات منها.
١ - أن للولي شركًا في بضع المرأة، ولا يتم النكاح إلَّا به، ما لم يعضلها.
٢ - ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملُّكة، وهو معنى فضل نظر بحياطة
الموضع، أن ينال المرأة من لا يساويها، وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى
الأكفاء - والله أعلم -.
٣ - ويحتمل أن تدعو المرأة الشهوة إلى أن يصير إلى ما لا يجوز من النكاح.
فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها، وفي قول النبي ﷺ: البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير وَليٍّ فهي منفسخة، لقول رسول الله ﷺ: «فنكاحها باطل» الحديث.
والباطل لا يكون حقًا إلا بتجديد نكاح غيره، ولا يجوز لو أجازه
الولي أبدًا، لأنَّه إذا انعقد النكاح باطلًا لم يكن حقًا، إلا بأن يعقد عقدًا جديدًا غير باطل.
٤ - وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر، ودرء
الحد؛ لأنَّه لم يذكر حدًا.
٥ - وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة، وكان البعل رضًا.
فإذا منع ما عليه زَوَّج السلطان، كما يعطي السلطان ويأخذ ما منع مما عليه.
 
٢ ‏/ ٥٨٥
 
الأم (أيضًا): عدة الأمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال ﷾ في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ الآية.
وكان للزنا حدَّان:
أحدهما: الجلد، فكان له نصف، فجعل عليها النصف.
ثانيهما: ولم يكن للرجم نصف، فلم يجعل عليها، ولم يبطل عنها حد الزنا.
وحُدَّت بأحد حدَّيه على الأحرار.
وبهذا مضت الآثار عما روينا عنه من أصحاب رسول الله ﷺ.
الأم (أيضًا): وشهود الزنا أربعة:
وقال اللَّه ﷿ في الإماء نيمن أحصن: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال من أحفظ عنه من أهل العلم: إحصانها إسلامها.
فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت خمسين؛ لأن العذاب في الجلد يتبعْض ولا يتبعْض في الرجم. وكذلك العبد.
وذلك لأن حدود الرجال والنساء لا تختلف في كتاب الله ﷿.
ولا سُنَّة نبيه ﷺ، ولا عامة المسلمين، وهما مِثل الحرين في ألَّا يقام عليهما الحد إلا بأربعة، كما وصفت في الحرين، أو باعتراف يَثْبُتان عليه، لا يخالفان في هذا الحرين.
 
٢ ‏/ ٥٨٦
 
مختصر المزني: باب (في عدة الأمة):
قال الشَّافِعِي ﵀: فرَق اللَّه بين الأحرار والعبيد في حد الزنا، فقال في
الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ) الآية.
ألا ترى أنَّ الحرَ المحصن يزني بالأمة فيرجم، وتجلد الأمة خمسين، والزنا معنى واحد، فاختُلف حكمه لاختلاف حال فاعليه.
فكذلك يحكم للحرِّ حكم نفسه في الطلاق ثلاثًا، وإن كانت امرأته أمة.
وعلى الأمة عدَة أمةٍ، وإن كان زوجها حرًا.
الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدُل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎ في المملوكات: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
والنصف لا يكون إلا من الجلد الذي يتبعَّض، فأمَّا الرجم - الذي هو قتل
- فلا نصف له؛ لأن المرجوم قد يموت في أول حجر يُرمى به فلا يزاد عليه.
وُيرمى بألف وأكثر فيزاد عليه حتى يموت، فلا يكون لهذا نصف محدود أبدًا.
والحدود مؤقَّتة بإتلاف نفسي، والإتلاف موقَّتٌ بعدد ضربٍ، أو تحديد
قطع، وكل هذا معروف، ولا نصف للرجم معروف.
وقال رسول الله ﷺ:
«إذا زنت أمةُ أحدكم فتبيَّن زناها فليجلدها» الحديث.
ولم يقل: «يرجمها»، ولم يختلف المسلمون في ألَّا رجم على المملوك في الزنا.
 
٢ ‏/ ٥٨٧
 
وإحصان الأمة إسلامها وإنما قلنا هذا استدلالًا بالسنة، وإجماع أكثر أهل
ولما قال رسول الله ﷺ:
«إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها»
ولم يقل: «محصنة كانت أو غير محصنة»، استدللنا على أن قول الله في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
إذا أسلمن، لا إذا نكِخن فأصبن بالنكاح - أي: زُوِّجن -، ولا إذا
أعتقن وإن لم يُصبن.
فإن قال قائل: أراك توقع الإحصان على معانٍ مختلفة؟
قيل: نعم، جماع الإحصان: أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرَّم.
فالإسلام مانع، كذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع.
وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أَحصَن، قال الله:
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)
وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ)
يعني: ممنوعة.
وقال - الشَّافِعِي ﵀: وآخر الكلام وأوله يدلان على أن معنى الإحصان المذكور عامًّا في موضع دون غيره: أن الإحصان هاهنا الإسلام، دون النكاح والحرية والتحصين بالحبس والعفاف، وهذه الأسماء التي يجمعها اسم الإحصان.
أحكام القرآن: ما يؤتر عنه في الحدود:
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله ﷿: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ)
عفائف غير خبائث.
 
٢ ‏/ ٥٨٨
 
(فَإِذَا أُحْصِنَّ) قال فإذا نكِحْنَ - أي: زُوِّجن -. (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ): غير ذوات الأزواج - أي: نصف حد الزاني الأعزب -.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩)
الأم: الطعام والشراب:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الذ تعالى: قال الله ﵎: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية، فبيّن الله ﷿ في كتابه أن مال المرأة ممنوع من زوجها الواجب
الحق عليها إلا بطيب نفسها، وأباحه بطيب نفسها؛ لأنَّها مالكة لمالها، ممنوع
بملكها، مباح بطيب نفسها، كما قضى الله ﷿ في كتابه.
وهذا بيَّن أن كلّ من كان مالكًا فماله ممنوع به، محرّم إلا بطيب نفسه
بإباحته، فيكون مباحًا بإباحة مالكه له، لا فرق بين المرأة والرجل.
وبين أن سلطان المرأة على مالها، كسلطان الرجل على ماله إذا بلغت
المحيض وجمعت الرشد.
 
٢ ‏/ ٥٨٩
 
الأم (أيضًا): جماع ما يحل من الطعام والشراب ويَحرمُ:
قال الشَّافِعِي ﵀: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من
الآدميين، أو أحله مالكه من الآدميين حلال، إلا ما حرّم الله ﷿ في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ، فإن ما حرّم رسول الله ﷺ لزم في كتاب اللَّه ﷿ أن يحرم.
ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع.
فإن قال قائل: فما الحجة في أنَّ كلَ ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى
يأذن فيه مالكه؛ فالحجة فيه أن الله ﷿ قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية.
الأم (أيضًا): كتاب البيوع:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه ﵎: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية.
وذكَرَ اللَّه البيعَ في غير موضع من كتابه بما يدل على إباحته، فلما نهى
رسول الله ﷺ عن بيوع تراضى بها المتبايعان، استدللنا على أنَّ الله ﷿ أراد بما أحل من البيوع ما لم يدلّ على تحريمه على لسان نبيه ﷺ دون ما حرَّم على لسانه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأصل البيوع كلّها مباح إذا كانت برضا المتبايعين
الجائزي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نهى رسول الله ﷺ منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله ﷺ محرّم بإذنه، داخل في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك
أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى.
 
٢ ‏/ ٥٩٠
 
الأم (أيضًا): باب في: (بيع العروض):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية.
فكل بيع كان عن تراضِ من المتبايعين جائز من الزيادة في جميع البيوع، إلا بيعًا حرَّمه رسول الله ﷺ إلا الذهب والوَرِقِ يدًا بيد، والمأكول، والمشروب في معنى المأكول، فكل ما أكل الآدميون وشربوا، فلا يجوز أن يباع بشيء منه بشيء من صنفه إلا مثلًا بمثل إن كان موزونًا، وإن كان كيلًا فكيل يدًا بيد، وسواء في ذلك الذهب والوَرِق وجميع
المأكول، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما.
قال الشَّافِعِي ﵀: وما عدا ذلك كله مما أكلته البهائم، ولم يأكله
الآدميون مثل القرظ والقضب والنوى والحشيش، ومثل العروض التي لا تأكل مثل القراطيس والثياب وغيرها، ومثل الحيوان فلا بأس بفضل بعضه على بعض، يدًا بيد، ونسيئة تباعدت أو تقاربت؛ لأنَّه داخل في معنى ما أحلَّ اللَّهُ من البيوع، وخارج من معنى ما حرَّم رسول الله ﷺ من الفضل في بعضه على بعض.
وداخل في نص إحلال رسول الله ﷺ، ثم أصحابه من بعده رضوان الله عليهم.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا الثقة، عن الليث، عن أبي الزبير، عن جابر
ابن عبد اللَّه: «أن النبي ﷺ اشترى عبدًا بعبدين» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه
عنهما أنَّه: «باع بعيرًا له بأربعة أبعرة مضمونه عليه بالرَّبذة» الحديث.
 
٢ ‏/ ٥٩١
 
الأم (أيضًا): الغصب:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)، فلم أعلم أحدًا من
المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحدٍ أن يملك شيئًا إلا أن يشاء أن يملكه، إلا الميراث فإن اللَّه ﷿ نقل ملك الأحياء إذا ماتوا إلى من وَرَّثهم إياه، شاؤوا أو أبوا.
الأم (أيضًا): كراء الأرض البيضاء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) الآية، وقال ﷿: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) .
فكانت الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كلّه، إلا أن تكون دلالة من
رسول اللَّه ﷺ أو في إجماع المسلمين الذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد اللَّه، تخصّ تحريم بيع دون بيع، فنصير إلى قول النبي ﷺ فيه؛ لأنَّه المبين عن الله ﷿
معنى ما أراد اللَّه خاصّا وعامًا، ووجدنا الدلالة على النبي ﷺ بتحريم شيئين:
أحدهما: التفاضل في النقد، والآخر: النسيئة كلّها.
وما سوى هذا فعلى أصل الآيتين من إحلال اللَّه ﷿.
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أَوحى إليه. .):
قال الشَّافِعِي ﵀: ومنهم من قال: لم يَسُن - النبي ﷺ سنَّة قط إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها، على أصل جُملَة
 
٢ ‏/ ٥٩٢
 
فرض الصلاة، وكذلك ما سَنَّ من البيوع وغيرها من الشرائع؛ لأنّ الله قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)، وقال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)
فما أحل وحَرَّم فإنما بَيَّن فيه عن الله، كما بيَّن الصلاة.
ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله، فأثبتت سُنتُهُ بفرض الله.
ومنهم من قال: ألقِي في رُوعه كلُّ ما سنَّ، وسنته الحكمة: الذي ألقي في
رُوعه عن الله، فكان ما ألقي في رُوعه سنته.
أخبرنا عبد العزيز - ابن محمد الدراوردي -، عن عمرو بن أبي عمرو.
عن المطلب قال: قال رسول الله ﷺ:
«إن الزوح الأمين قد ألقى في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى نستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب» الحديث.
الرسالة (أيضًا): الفرض المنصوص الذي دلَّت السنة على أنه إنما أراد الخاص:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية، ثم ساق ما ورد
في الأم.
الرسالة (أيضًا): باب (العلل في الأحاديث):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقوله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)، ثم حرّم رسول الله ﷺ
 
٢ ‏/ ٥٩٣
 
بيوعًا، منها الدنانير بالدراهم إلى أجل، وغيرها، فَحرَّمها المسلمون بتحريم
الرسول ﷺ، فليس هذا ولا غيره خلافًا لكتاب الله.
مختصر المزني: مقدمة اختلاف الحديث:
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت له - أي: للمحاور -: ويجوز أن ينسخ القرآن السنة إلا أحدث رسول الله ﷺ سنة تنسخها، قال: أما هذا فأحبّ أن تبينه لي؟
قلت: أرأيت لو جاز أن يكون رسول الله ﷺ سنَّ فتلزمنا سئته، ثم نسخ الله
سنته بالقرآن، ولا يحدث النبي ﷺ مع القرآن سُنَّة تدل على أن سنته الأولى منسوخة، ألا يجوز أن يقال إنما حرّم رسول الله ﷺ مَا حرّم من البيوع قبل نزول
قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية.
وقوله: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .!
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيد والذبائح:
قال الشَّافِعِي ﵀: والحجة في أن ما كان مباح الأصل، يحرُم بمالكه.
حتى يأذن فيه مالكه. (يعني: وهو غير محجور عليه) أن الله جل ثناؤه قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أخبرنا
عبد الرحمن يعني: (ابن أبي حاتم)، أخبرني أبي، قال سمعت يونس بن عبد
الأعلى يقول:
 
٢ ‏/ ٥٩٤
 
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله ﷿: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية.
قال: لا يكون في هذا المعنى إلا هذه الثلاثة الأحكام. فهو الأكل
بالباطل، على المرء في ماله، فرض من الله ﷿ لا ينبغي له التصرف فيه، وشيء يعطيه يريد به وجه صاحبه، ومن الباطل، أن يقول: اُحْزُز ما في يدي وهو لك.
آداب الشافعى: في الجامع:
أخبرنا أبو محمد، أخبرني أبي، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية.
قال: لا يكون في هذا المعنى إلا هذه الثلاثة الأحكام فما عداها فهو:
من الأكل بالباطل.
أولهما: على المرء في ماله فرض من الله تعالى، لا ينبغي له حبسه.
ثانيهما: وشيء يُعطيه - يُريد به وجه الله تعالى - ليس مفترضًا عليه.
ثالهما: وشيء يعطيه، يريد به وجه صاحبه.
 
٢ ‏/ ٥٩٥
 
ومن الباطل أن يقول: اُحْزُز ما في بيتي وهو لك.
تفسير ابن كثير: في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) الآية:
احتج الشَّافِعِي ﵀ بهده الآية على: أنَّه لا يصح البيع إلا بالقبول.
لأنَّه يدلّ على التراضي نصًا بخلاف المعاطاة، فإنها قد لا تدلُّ على
الرضا ولا بد، وخالف الجمهور في ذلك (مالك وأبو حنيفة وأحمد)، فرأوا أن الأقوال كما تدلُّ على التراضي فكذلك الأفعال تدلُّ في بعض المحالِّ قطعًا، فصححوا بيع المعاطاة، ومنهم من قال: يصحُّ في المحقرات، وفيما يعده الناس بيعًا، وهو احتياط نظر من محققي المذهب - والله أعلم -.
* * *
قال الله ﷿: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤)
الأم: لا نكاح إلا بولي:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)
وهذا أبين ما في القرآن من أنَّ للولي مع المرأة في نفسها حقًا، وأن على
الولي ألا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف.
 
٢ ‏/ ٥٩٦
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وجاءت السنة - بمثل معنى كتاب الله ﷿، أخبرنا مسلم، وسعيد، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال:
«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها
باطل، فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأيّ امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها.
لأن النبي ﷺ قال: «فنكاحها باطل» الحديث.
وإن أصابها، فلها صداق مثلها بما أصاب منها، بما قضى لها به النبي ﷺ.
الأم (أيضًا): باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍى) الآية.
وقال في الإماء: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الآية.
وقال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فهذه الآية - وما قبلها - أبين آية في كناب الله ﷿، دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها. ..
وفي هذه الآية الدلالة على أنّ النكاح يتمّ برضا الولي، والمنكَحة، والناكح، وعلى أن على الولي ألا يعضل، فإذا كان عليه ألا يعضل، فعلى السلطان التزويج إذا عضل؛ لأن من منع حقًا، فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه، وإعطاؤه عليه، والسنة تدلّ على ما دلَّ عليه القرآن، وما وصفنا من الأولياء والسلطان.
 
٢ ‏/ ٥٩٧
 
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سلمان بن
موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي ﷺ أنه قال:
«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثًا، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» الحديث.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)
فقلنا: - بهذه الآية وغيرها - إن التحريم في غير النسب والرضاع، وما خصته سُنَّة - بهذه الآية وغيرها - إنَّما هو بالنكاح
ولا يحرّم الحلالُ الحرامَ، وكذلك قال ابن عباس ﵄.
الأم (أيضًا): جماع نقض العهد بلا خيانه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قول الله ﷿: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) الآية.
فكان معلومًا أن الرجل إذا عقد على المرأة النكاح ولم يرها، فقد يخطر على باله أن تنشز منه بدلالة، ومعقولًا عنده، أنه إذا أمره بالعظة والهجر والضرب، لم يؤمر به إلا عند دلالة النشوز، وما يجوز به من بعلها ما أبيح له فيها.
 
٢ ‏/ ٥٩٨
 
الأم (أيضًا): نشوز الرجل على امرأته:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) إلى قوله: (سَبِيلا) .
وقال اللَّه ﷿: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الآية.
يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز، فكان
للخوف موضع أن يعظها، فإن أبدت نشوزًا هجرها، فإن أقامت عليه ضربها.
وذلك أنَّ العظة مباحة قبل الفعل المكروه - إذا رؤيت أسبابه - وأن لا
مؤنة فيها عليها تضرُّ بها، وأن العظة غير محرَّمة من المرء لأخيه، فكيف لامرأته؟
والهجرة لا تكون إلا بما في به الهجرة؛ لأن الهجرة محرّمة في غير هذا الموضع
فوق ثلاث، والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل..
فالآية في العظة، والهجرة، والضرب على بيان الفعل، تدلُّ على أن حالات
المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب: من العظة، والهجرة، والضرب مختلفة، فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد يحتمل قوله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّنَّ):
إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز، أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب.
وإذا رجعت الناشز عن النشوز، لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها؛ لأنَّه
إنما أبيحا له بالنشوز، فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذي أبيحا له به.
الأم (أيضًا): تفريع القَسْم والعدل بينهن:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قال الله ﵎: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) الآية، فإذا أذن
 
٢ ‏/ ٥٩٩
 
في هجرتها في المضجع لخوف نشوزها، كان مباحًا له أن يأتي غيرها من أزواجه في تلك الحال، وفيما كان مثلها.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهكذا الأمَةُ إذا امتنعت بنفسها، أو منعها أهلها
منه، فلا نفقة ولا قَسْم لها حتى تعود إليه.
وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه، أو غير إذنه فلا نفقة ولا قَسْم. لها. ..
الأم (أيضًا): نشوز المرأة على الرجل:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) إلى قوله: (سَبِيلا) الآية.
أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد الله بن عمر، عن
إياسَ بن عبد اللَّه بن أبي ذباب قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تضريوا إماء الله».
قال: فأتاه عمر بن الخطاب ﵁ فقال: يا رسول اللَّه ذئِرَ النساء على أزواجهن، فَأذِن في ضربهن، فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، فقال النبي ﷺ:
«لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلُّهن
يشتكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: في نهي النبي ﷺ عن ضرب النساء، ثم إذنه في ضربهن، وقوله: «لن يضرب خياركم»
يشبه أن يكون ﷺ نهى عنه على اختيار
النهي، وأذن فيه بأن مباحًا لهم الضرب في الحق، واختار لهم ألَّا يضربوا، لقوله: «لن يضرب خياركم» الحديث.
 
٢ ‏/ ٦٠٠
 
ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن، ثم أذن لهم بعد نزولها بضربهن.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي قوله ﷺ:
«لن يضرب خياركم» دلالة على أنَّ ضربهن مباح، لا فرض أن يضربن، وتحتار له من ذلك ما اختار رسول الله ﷺ فنحبُّ للرجل ألا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه، وما أشبه ذلك.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأشبه ما سمعت - والله أعلم - في قوله تعالى:
(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الآية، أن لخوف النشوز دلائل، فإذا كانت:١ - (فَعِظُوهُنَّ): لأن العظة مباحة، فإن لججن فأظهرن نشوزًا بقول أو فعل.
٢ - (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ): فإن أقمن بذلك على ذلك.
٣ - (وَاضْرِبُوهُنَّ): وذلك بين أنَّه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهي
عنه، ولا ضرب إلا بقول أو فعل، أو هما.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويحتمل في: (تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ): إذا نشزن.
فَأَبنَّ النشوزَ فكنَّ عاصيات به، أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب، ولا يبلغ في الضرب حدًا، ولا يكون مبرحًا، ولا مدميًا، ويتوقى فيه الوجه.
ويهجرها في المضجع حتى ترجع عن النشوز، ولا يجاوز بها في هجرة
الكلام ثلاثًا؛ لأن الله ﷿ إنَّما أباح الهجرة في المضجع.
والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام، ونهى رسول الله ﷺ أن يجاوَز بالهجرة في الكلام ثلاثًا.
 
٢ ‏/ ٦٠١
 
ولا يجوز لأحد أن يضرب، ولا يهجر مضجعًا بغير بيان نشوزها.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قَسم للممتنعة من
زوجها، ولا نفقة ما كانت ممتنعة؛ لأن الله ﵎ أباح هجرة مضجعها، وضربها في النشوز. والامتناع نشوز، ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها، ولا ضربها وصارت على حقِّها، كما كانت قبل النشوز.
وفي قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية.
وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها، وله عليها مما ليس لها عليه، ولكل واحد منهما على صاحبه.
الأم (أيضًا): باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) الآية.
أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلًا واحدًا، وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها.
وزوج الأخرى لا يخاف به نشوزها؟
قال: يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجرة والضرب، ولا يسع الآخر الضرب.
الأم (أيضًا): ما جاء في حد الرجل أَمَتَهُ إذا زنت:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) الآية.
فقد أباح اللَّه ﷿ أن يضرب الرجل امرأته وهي حرة غير ملك
يمين قال: ليس هذا بحد.
 
٢ ‏/ ٦٠٢
 
قلتُ: فإذا أباحه الله ﷿ فيما ليس بحدٍّ، فهو في الحد الذي بعدد أولى أن يباح؛ لأنَّ العدد لا يتعدى، والعقوبة لا حد لها، فكيف أجزته في شيء وأبطلته في غيره. . ..
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستل به على فقه الشَّافِعِي، وتقدمه فيه وحُسن استنباطه):
حدثنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا
الربيع قال:
حدثنا الشَّافِعِي قال: لا تجوز إمامة المرأة الرجال لما قصر بهن فيه عن
الرجال، فإن الله جل ثناؤه قال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) الآية.
وقال: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) الآية.
فلما كانت الصلاة مما يقوم به الإمام على المأموم، لم يجز أن تكون المرأة التي عليها القيِّمُ قيِّمة على قيِّمِها.
ولما كانت الإمامة درجة فضل لم يجز أن يكون لها درجة الفضل على من
جعل الله له عليها درجة.
ولما كانت من سنة النبي ﷺ، ثم الإسلام أن تكون متأخرة خلف الرجال؛ لم يجز أن تكون متقدمة بين أيديهم.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (٣٥)
الأم: الوجه الذي يحل به للرجل أن يأخذ من امرأته:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم يكن له - للزوج - الأخذ أيضًا منها - من
الزوجة - حتى يجمع أن يطلب الفدية منه لقوله ﷿: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)
 
٢ ‏/ ٦٠٣
 
وافتداؤها منه شيء تعطيه من نفسها؛ لأن
الله ﷿ يقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) الآية، فكانت هذه الحال التي تخالف هذه الحال، وهي التي لم تبذل فيها المرأة المهر، والحال التي يتداعيان فيها الإساءة.
لا تقرُّ المرأة أنهّا منها.
الأم (أيضًا): الشقاق بين الزوجين:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا)
الآية، قال: - اللَّه أعلم بمعنى ما أراد - من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمَرَهُ أن يبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها؛ والذي يشبه ظاهر الآية: فما عمَّ الزوجين معًا حتى يشتبه فيه حالاهما الآية، وذلك أني وجدت الله ﷿ أذن في نشوز الرجل أن يصطلحا، وسن رسول الله ﷺ ذلك، وأذن في نشوز المرأة بالضرب، وأن في خوفهما ألا يقيما حدود اللَّه بالخلع، ودلَّت السنة أن ذلك
برضا من المرأة، وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئًا، إذا أراد استبدال زوج مكان زوج، فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين، دلَّ ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما، وكان الذي يعرفهما بإباية الأزواج أن يشتبه حالاهما في الشقاق، فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة، ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية،. . . فإذا كان هكذا بعث حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها، ولا يبعث الحاكمان إلا مأمومنين، وبرضا الزوجين، ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك.
أخبرنا الربيع قال:
 
٢ ‏/ ٦٠٤
 
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا الثقفي، عن أيوب، عن محمد بن
سيرين، عن عَييْدة، عن عليٍّ ﵁ في هذه الآية:
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) الآية.
ثم قال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟
عليكما إن رأيتما أن تجمعا، أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا.
أن تفرقا، قالت المرأة: رضيت بكتاب اللَّه بما عليَّ فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال علي ﵁: كذبت واللَّه حتى تقرَّ بمثل الذي أقرَّت به. الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقول علي ﵁ يدلُّ على ما وصفت، من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل عكمهما، وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة، بالنظر بينهما بالجمع والفرقة.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو عاد الشقاق عادا للحكمين، ولم تكن الأولى
أوْلى من الثانية، فإن شأنهما بعد مرة ومرتين وأكثر واحد في الحكمين.
الأم (أيضًا): الحكمين:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) الآية -
واللَّه أعلم بمعنى ما أراد -
فأما ظاهر الآية، فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه منع الحق، ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به، ولا ينقطع ما بينهما بفرقة، ولا صلح، ولا ترك القيام بالشقاق، وذلك أن الله ﷿ أذن في نشوز المرأة بالعظة، والهجرة، والضرب، ولنشوز الرجل بالصلح، فإذا خافا ألا يقيما حدود اللَّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به، ونهى إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج، أن يأخذ مما آتاها شيئًا.
 
٢ ‏/ ٦٠٥
 
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم.
فحق عليه أن يبعث حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها، من أهل القناعة والعقل ليكشفا أمرهما، ويصلحا بينهما إن قدرا، وليس له أن يأمرهما يفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج ولا يُعطيا من مال المرأة إلا بإذنها،. . . وذلك أن الله ﷿ إنما ذكر ألهما: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)
ولم يذكر تفريقًا، وأختار للإمام أن يسأل الزوجين أن يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معًا، فيوكلهما الزوج، إن رأيا أن يفرقا بينهما، فرقا على ما رأيا من أخذ شيء، أو غير أخذه، إن اختبرا توليا من المرأة عنه. ..
ثم ذكر حديث علي ﵁ المذكور في الفقرة السابقة.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)
الأم: باب ما يوجب الغسل ولا يوجبه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٠٦
 
فأوجب الله ﷿ الغسل من الجنابة، فكان معروفًا في لسان العرب، أن الجنابة: الجماع، وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق، وكذلك ذلك في حد الزنا، وإيجاب المهر وغيره، وكل من خوطب بأن فلانًا أجنب من فلانة، عَقَل أله
أصابها، وإن لم يكن مقترفًا.
قال الربيع ﵀: يريد أنَّه لم ينزل.
ودلَّت السنَّة على أن الجنابة: أن يفضي الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه
في فرجها، إلى أن يواري حشفته، أو أن يرمي الماء الدافق، وإن لم يكن جماعًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان.
عن سعيد بن المسيب، أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة ﵂ عن
التقاء الختانين؛ فقالت عائشة ﵂: قال الرسول ﷺ
«إذا التقى الختانان - أو مس الختانُ الختانَ - فقد وجب الغسل» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن اللَّه لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟
فقال: «نعم إذا هي رأت الماء» الحديث.
الأم (أيضًا): باب (ممر الجنب والمشرك على الأرض ومشيهما عليها):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٠٧
 
فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله ﷿: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) الآية، قال: لا تقربوا مواضع الصلاة، وما أشبه ما قال بما قال؛ لأنه
ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعها، وهو المسجد، فلا بأس أن يمرَّ الجنبُ في المسجد مارًا ولا يقيم فيه؛ لقول اللَّه ﷿: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) الآية.
وذكر ابن كثير: أنَّ هذا مذهب الشَّافِعِي، وأبي حنيفة، ومالك رحمهما
الله، لأنَّه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل، أو يتيمم إن عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله بطريقة.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن أبي
سليمان، أنَّ مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم، كانوا يبيتون في المسجد - منهم: جبير بن مطعم، قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي ﷺ.
قال الشَّافِعِي: ولا تنجس الأرض بممرِّ حائض، ولا جنب، ولا مشرك.
ولا ميتة؛ لأنَّه ليس في الأحياء من الآدميين نجاسة، وأكره للحائض تمر في
المسجد، وإن مرَّت به لم تنجِّسهُ.
الأم (أيضًا): صلاة السكران والمغلوب على عقله:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) الآية، يقال: نزلت قبل تحريم الخمر، وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر أو بعده، فمن صلى سكران لم تجز صلاته، لنهي الله ﷿ إيَّاه
 
٢ ‏/ ٦٠٨
 
عن الصلاة حتى يعلم ما يقول، وإن معقولًا أن الصلاة قول، وعمل، وإمساك في مواضع مختلفة، ولا يؤدي هذا إلا من أمر به ممن عَقَلَهُ، وعليه إذا صلى سكران، أن يعيد إذا صحا، ولو صلى شارب محرَّمٍ غير سكران، كان عاصيًا في شرب المحرم، ولم يكن عليه إعادة صلاة؛ لأنه ممن يعقل ما يقول.
الأم (أيضًا): باب (كيف الغسل):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فكان فرض الله الغسل مطلقا، لم يذكر فيه شيئًا يبدأ فيه قبل
شيء، فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه - والله أعلم - كيفما جاء به، وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه.
قال الشَّافِعِي ﵀: كذلك دلَّت السنَّة.
فإن قال قائل: فأين فى دلالة السنة؟
قيل: لما حكت عائشة ﵂: «أنها كانت تغتسل والنبي ﷺ من إناء واحد» الحديث.
كان العلم يحيط أن أخذهما منه مختلف، لو كان فيه وقت
غير ما وصفت، ما أشبه أن يغتسل اثنان يفرغان من إناء واحد عليهما، وأكثر ما حكت عائشة ﵂: غسله ﷺ وغسلها فَرَقٌ - والفرق: ثلاثة آصع -.
قال الشَّافِعِي ﵀: ورُوي أن رسول الله ﷺ قال لأبي ذر: فإذا وجدت الماء فاممسسه جلدك، ولم يَحْكِ أنَّه وصف له قدرًا من الماء إلا إمساس الجلد -
والاختيار في الغسل من الجنابة ما حكت عائشة ﵂.
 
٢ ‏/ ٦٠٩
 
الأم (أيضًا): باب (تقديم الوضوء ومتابعته):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأصل مذهبنا لأنَّه يأتي بالغسل كيف شاء ولو
قطعه؛ لأن اللَّه ﷿ قال: (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فهذا مغتسل، وإن قطع الغسل، ولا أحسبه يجوز إذا قطع الوضوء إلا مثل هذا.
أخبرنا مالك عن نافع، عن ابن عمر أنَّه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه
ومسح برأسه، ثم دُعي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها.
الأم (أيضًا): باب (المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم):
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو حج المغلوب على عقله، لم يجز عنه، ولا
يجزى عمل على البدن لا يعقل عامله، قياسًا على قول اللَّه ﷿: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) الآية، ولو حج العاقل المغلوب بالمرض أجزأ عنه.
الأم (أيضًا): الخلاف في اليمين مع الشاهد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وجعلتَ - مخاطبًا: المحاور - تيمُّمَ الجنبِ سُنة، ولم
تبطلها برد عمر ﵁، وخلاف ابن مسعود ﵁ التيمم، وتأولهما قول اللَّه ﷿:
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) الآية، والطهور بالماء، قول اللَّه عز ذكره:
(وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، قال: نعم.
 
٢ ‏/ ٦١٠
 
الأم (أيضًا): باب (كيف التيمم):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) الآية.
أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث (عبد الرحمن بن معاوية)، عن الأعرج، عن ابن الصفة، أن رسول الله ﷺ:
«تيمم فمسح وجهه وذراعيه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: ومعقول: إذا كان التيمم بدلًا من الوضوء على
الوجه واليدين، أن يؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه فيهما، وأن الله ﷿ إذا ذكرهما فقد عفا في التيمم عما سواهما من أعضاء الوضوء والغسل.
ولا يجوز أن يتيمم الرجل إلا أن ييمِّمَ وجهه وذراعية إلى المرفقين، ويكون
المرفقان فيما يتيمم، فإن ترك شيئًا من هذا لم يمر عليه التراب قل أو كثر، كان عليه أن يتيممه، وإن صلى قبل أن يتيممه أعاد الصلاة.
الأم (أيضًا): باب (التراب الذي يُتيمم به لا يُتيمم):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال المئه ﵎: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)
وكل وما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة، فهو صعيد طيب يُتيمم
به، وكل ما حال عن اسم صعيد لم يُتيمم به، ولا يقع اسم الصعيد إلا على
تراب ذي غبار.
 
٢ ‏/ ٦١١
 
مختصر المزني: باب (الاستطابة):
واحتج - الشَّافِعِي - في الملامسة بقول الله جل وعز: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ)
الآية، وبقول ابن عمر ﵄: قُبْلَة الرجل امرأته، وجَسُّها بيده من الملامسة، وعن ابن مسعود قريب من معنى قول ابن عمر ﵄.
مختصر المزني (أيضًا): كتاب الظهار:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك طلاق السكران - أي: لا يقع -؛ لأنه لا
يعقل، قال الله تعالى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) الآية.
فلم تكن له صلاة حتى يعلمها ويريدها، وكذلك لا طلاق له ولا ظهار حتى
يعلمه ويريده، وهو قول عثمان بن عفان، وابن عباس ﵃، وعمر بن عبد العزيز، ويحيى بن سعيد، والليث بن سعد وغيرهم ﵏ جميعًا.
الرسالةً: البيان الثاني:
قال الشَّافِعِي رحمه فه: قال اللَّه ﵎: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ)
الآية، فاتى كتاب الله على البيان في الوضوء - دون الاستنجاء بالحجارة - وفي الغسل من الجنابة، ودل على أن أقل غسل الأعضاء يجزئ، وأن أقل الغسل واحدة.
ودلَّ النبي ﷺ على ما يكون منه الوضوء، وما يكون منه الغسل.
الرسالة (أيضًا): الفرائض المنصوصة التي سنَّ رسول الله ﷺ معها:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ثبارك وتعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فأبان أن طهارة الجنب الغسل دون الوضوء.
 
٢ ‏/ ٦١٢
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وسن رسول الله ﷺ في الغسل من الجنابة، غسل
الفرج، والوضوء كوضوء الصلاة، ثم الغسل، فكذلك أحببنا أن نفعل.
ولم أعلم مخالفًا حفظت عنه من أهل العلم، في أنَّه كيف ما جاء بغسل.
وأتى على الإسباغ: أجزأه، وإن اختاروا غيره؛ لأن الفرض الغسل فيه، ولم
يحدد تحديد الوضوء.
وسن رسول الله ﷺ فيما يجب منه الوضوء، وما الجنابة التي يجب بها الغسل، إذ لم يكن بعض ذلك منصوصًا في الكتاب.
اختلاف الحديث: باب (الطهارة بالماء):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال ﷾ في الطهارة -:
(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) الآية.
فدل على أن الطهارة بالماء كله.
اختلاف الحديث (أيضًا): باب (غسل الجمعة):
حدثنا الربيع ﵀ قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال الله جل ثناؤه: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فكان الوضوء عامًّا في كتاب اللَّه من الأحداث، وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة دليلًا - والله أعلم - ألَّا يجب الغسل إلا من جنابة، إلا أن تدل السنة على غسل واجب، فنوجبه بالسنة، بطاعة اللَّه في الأخذ بها، ودلَّت على وجوب الغسل من الجنابة، ولم أعلم دليلًا بينًا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزي غيره.
 
٢ ‏/ ٦١٣
 
وقد رُوي في غسل يوم الجمعة شيء، فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا، ولسان
العرب واسع.
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن
رسول اللَّه ﷺ قال: «من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل» الحديث.
أخبرنا مالك وسفيان، عن صفوان بن مسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي
سعيد الخدري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» الحديث.
اختلاف الحديث (أيضًا): باب (الخلاف في أن الغسل لا يجب إلا بخروج الماء):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله جل ثناؤه: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)
حتى قوله: (تَغتَسِلُوا) الآية، فكان الذي يعرفه من خوطب بالجنابة من العرب
أنها الجماع دون الإنزال، ولم تختلف العامة أن الزنا الذي يجب به الحد الجماع دون الإنزال، وإن غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد. ..
وبعد أن ذكر معاني الالتقاء في لغة العرب قال -: فإنَّما يراد به أن تغيب
الحشفة في الفرج حتى يصير الختان الذي خلف الحشفة حذو ختان المرأة، وإنما يجهل هذا من جهل (لسان العرب) .
 
٢ ‏/ ٦١٤
 
آداب الشَّافِعِي: باب (ما ذكر من معرفة الشَّافِعِي اللغات، وما فسر من غريب الحديث):
أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو محمد قال: قال الربيع بن سليمان:
سُئل الشَّافِعِي: عن اللَّمَاس؛ فقال: هو اللمس باليد، ألا ترى: «أن
النبي ﷺ نهى عن الملامسة» الحديث.
والملامسة: أن يلمس الثوب بيده ليشتريه ولا يُقَلِّبَ.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الشاعر:
وألمست كفي كله أطلب الغِني ... ولم أدر أن الجود من كفِّه يُعدِي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغِني ... أفدت وأعداني فبددت ما عندي
* * *
قال الله ﷿: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بعثه - أي بعث الله نبيه ﷺ والناس صنفان:
 
٢ ‏/ ٦١٥
 
أحدهما: أهل كتاب، بدَّلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كذبًا
صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق الله الذي أنزل إليهم.
فذكر ﵎ لنبيه ﷺ من كفرهم - نماذج منها -:
وقال اللَّه ﵎: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢) . ..
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)
الأم: الحجة على من خالفنا:
فقال - أي: المحاور - للشافعي ﵀: إنه يقال: إن النبي ﷺ قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» الحديث، فما معنى هذا؟
قلنا - أي قال الشَّافِعِي ﵀: ليس هذا بثابت عند أهل الحديث
منكم، ولو كان ثابتًا لم يكن فيه حجة علينا، ولو كانت، كانت عليك معنا.
قال: وكيف؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
الآية، فتأدية الأمانة فرض، والخيانة محرَّمة، وليس من أخذ حقه بخائن.
الأم (أيضًا): باب (في الأقضية):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الآية، فأعلم الله نبيه ﷺ أن فرضًا عليه، وعلى من قبله، والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل.
 
٢ ‏/ ٦١٦
 
والعدل: اتباع حُكْمه المنزل.
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)
الأم: كراهية الإمامة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وعلى الناس أن يُصلُّوا لأنفسهم، أو جماعة
مع غير من يصنع هذا - ممن يصلي لهم - فإن قال قائل: ما دليل ما
وصفتَ؟
قيل: قال الله ﵎: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) الآية.
ويقال: نزلت في أمراء السرايا، وأمروا إذا تنازعوا في شيءِ - وذلك
اختلافهم فيه - أن يردوه إلى حكم الله ﷿، ثم حكم الرسول، فحُكم الله ثم حكم رسوله ﷺ أن يؤتى بالصلاة في الوقت، وبما تجزئ به.
الأم (أيضًا): ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا إبراهيم قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع، عن تميم بن طَرَفَة، عن عدي بن حاتم قال: خطب رجل عند رسول الله ﷺ فقال:
ومن يطع اللَّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال النبي ﷺ:
 
٢ ‏/ ٦١٧
 
«اسكت فبئس الخطيب أنت»، ثم قال النبي ﷺ:
«من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى.
ولا تقل ومن يعصهما» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فبهذا نقول. فيجوز أن تقول ومن يعص الله
ورسوله فقد غوى، لأنك أفردت معصية اللَّه ﷿ وقلت: (ورسوله) استئناف الكلام، وقد قال اللَّه ﵎: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) الآية.
وهذا وإن كان في سياق الكلام، استئناف كلام.
ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله، ومن عصى اللَّه فقد عصى رسوله، ومن
أطاع رسوله فقد أطاع الله، ومن عصى رسوله فقد عصى الله؛ لأنَّ رسول الله ﷺ عَبدٌ من عباده، قام في خلق الله بطاعة الله، وفرض الله تعالى على عباده طاعته لما وفقه الله تعالى من رشده؛ ومن قال: (ومن يعصهما) كرهت ذلك القول له، حتى يفرد اسم اللَّه ﷿، ثم يذكر بعده اسم الرسول ﷺ لا يذكره إلا منفردًا.
الرسالة: باب (فرض الله طاعة رسولِ الله مقرونةَ بطاعة الله ومذكورة وحدها):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) .
فقال بعض أهل العلم: أولو الأمر: أمراء سرايا رسول الله ﷺ والله أعلم - وهكذا أخبرنا، وهو يشبه ما قال - واللَّه أعلم -؛ لأن كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن يُعطيَ بعضُها بعضًا طاعة الإمارة.
 
٢ ‏/ ٦١٨
 
فلما دانت لرسول الله ﷺ بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يَصلحُ لغير رسول الله ﷺ، فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمَّرهم رسول الله ﷺ، لا طاعة
مطلقة، بل طاعة مستثناة، فيما لهم وعليهم، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) الآية، يعني إن اختلفتم في شيء.
وهذا - إن شاء الله - كما قال في أولي الأمر، إلا أنه يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ)
يعني - والله أعلم - هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم، (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) يعني - والله أعلم -: إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه، فإن لم تعرفوه سألتم رسول الله ﷺ عنه إذا وصلتم؛ أوْ مَنْ وصل منكم إليه؛ لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه. لقول الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) .
ومَنْ يُنازع ممن بعد رسول اللَّه رد الأمر إلى قضاء اللَّه، ثم قضاء رسوله.
فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء - نصًا فيهما، ولا في واحد منهما - ردوه
قياسًا على أحدهما، كما وصفت من ذكر القِبلَة والعدل والمثل، مع ما قال اللَّه في غير آية مثل هذا المعنى.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد فَرَضَ اللَّه في كتابه طاعة رسوله ﷺ والانتهاء إلى حكمه. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)
 
٢ ‏/ ٦١٩
 
الأم: باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة):
قال الشَّافِعِي ﵀: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥) .
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مسلم، عن ابن جريج أن رسول الله ﷺ أمر نعيمًا أن يؤامر أم ابنته فيها، ولا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر، ولكن على معنى استطابة النفس وما وصفت، أوَ لا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت؛ لأن ابنة نعيم لو كان لها أن تردَّ أمر أبيها وهي بكر، أمر رسول الله ﷺ
بمسألتها، فإن أذنت جاز عليها، وإن لم تأذن ردَّ عنها، كما ردَّ عن خنساء ابنة خِدَام.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الرحمن ومجمع (ابني يزيد بن حارثة)، عن خنساء بنت خدام الأنصارية، أن أباها زوَّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت النبي ﷺ «فردَّ نكاحها» الحديث.
الأم (أيضًا): الخلاف في نكاح الشغار:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال - أي: المحاور -: فلأيِّ شيء أفسدت أنت
الشغار والمتعة؟
قلت: بالذي أوجب الله ﷿ على من طاعة رسوله ﷺ، وما أجد في كتاب الله من ذلك، فقال ﷾:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
 
٢ ‏/ ٦٢٠
 
وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (في الأقضية):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فأعلم الله نبيه ﷺ أن فرضًا عليه، وعلى من قبله والناس، إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزل.
قال الله ﷿ لنبيه ﷺ حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) .
ووضع الله نبيه ﷺ من دينه، وأهل
دينه، موضع الإبانة عن كتاب الله ﷿ معنى ما أراد الله، وفرض طاعته فقال:
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآية.
وقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) . الآية.
فعلم أن الحق كتاب اللَّه، ثم سُنَّة نبيه ﷺ، فليس لمفتٍ ولا لحاكم، أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالمًا بهما، ولا أن يخالفهما ولا واحدًا منهما بحال، فإذا خالفهما
فهو عاصِ لله ﷿، وحكمه مردود، فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد.
 
٢ ‏/ ٦٢١
 
الأم (أيضًا): بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: فَرضُ الله ﷿ في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استُغنى فيه بالتنزيل عن
التأويل، وعن الخبر.
والآخر: أنَّه أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هي على لسان رسوله ﷺ، ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله ﷺ في كتابه، بقوله ﷿: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وبقوله تبارك اسمه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
وبقوله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
مع غير آية في القرآن بهذا المعنى فمن قبل عن رسول الله ﷺ فبفرض الله ﷿ قَبِلَ.
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعه رسول الله ﷺ:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
 
٢ ‏/ ٦٢٢
 
نزلت هذه الآية فيما بلغنا - واللَّه أعلم - في رجل خاصم الزبير في أرض.
فقضى النبي ﷺ بها للزبير ﵁.
وهذا القضاء سُنَّة من رسول الله، لا حكم منصوص في القرآن، والقرآن
يدلّ - والله أعلم - على ما وصفت؛ لأنه لو كان قضاة بالقرآن كان حكمًا
منصوصًا بكتاب اللَّه، وأشبه أن يكونوا إذا لم يُسلموا لحكم كتاب الله نصًا غير مشكل الأمر: أنهَّم ليسوا بمؤمنين، إذا رَدُّوا حكم التنزبل، إذا لم يُسلموا له.
اختلاف الحديث: الجزء الأول:
قال الشَّافِعِي ﵀: أبان الله جل ثناؤه لخلقه، أنَّه أنزل كتابه بلسان نبيه.
وهو لسان قومه العرب، فخاطبهم بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم، وكانوا يعرفون من معاني كلامهم أنهم يلفظون بالشيء عامًّا يريدون به العام، وعامًا يريدون به الخاص، ثم دلَّهم على ما أراد من ذلك في كتابه، وعلى لسان نبيه ﷺ، وأبان لهم أنَّ ما قبلوا عن نبيه ﷺ، فعنه جل ثناؤه قبلوا بما فرض من طاعة
رسوله في غير موضع من كتابه، منها: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
* * *
قال الله ﷿: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)
 
٢ ‏/ ٦٢٣
 
الأم: الفرقة بين الأزواج بالطلاق أو الفسخ:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، أنَّه سمع محمد
ابن عباد بن جعفر يقول: أخبرني المطلب بن حنطب لأنَّه طلق امرأته ألبتة، ثم
أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فذكر ذلك له فقال: ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته، قال: فقرأ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) الآية.
ما حملك على ذلك؟ قلت: قد فعلته، قال: أمسك عليك
امرأتك فإن الواحدة لا تبتُّ.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن
أبي سلمة، سليمان بن يسار، أن عمر بن الخطاب ﵁ قال للتوأمة مثل قوله للمطلب.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)
 
٢ ‏/ ٦٢٤
 
الرسالة: فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها:
بعد أن ذكر الشَّافِعِي رحمه الله تعالى الآيات التي تتعلق بفرض طاعة رسول
الله ﷺ ذكر هذه كثمرة من ثمار طاعة رسوله ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال - الله ﷿: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) .
وقال ﷾: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
* * *
قال الله ﷿: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (٧٥)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولما مضت لرسول الله ﷺ مدة من هجرته، أنعم الله فيها على جماعة باتباعه، حدث لهم بها - مع عون الله - قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضًا. .
 
٢ ‏/ ٦٢٥
 
وبعد أن ذكر الآيات المتعلقة بفرض الجهاد، ذكر قول اللَّه تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية، مع ما ذكر به فرض الجهاد، وأوجب على
المتخلف عنه.
الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عامًّا يراد به العام ويدخله الخصوص):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا)
وهكذا قول اللَّه: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) .
وفي هذه الآية دلالة على أنْ لم يستطعما كل أهل قرية، فهي في معناهما.
وفيها وفي (الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) خصوصٌ، لأن كل أهل القرية لم يكن ظالمًا.
قد كان فيهم المسلم، ولكنهم كانوا فيها مَكثورِين، وكانوا فيها أقل.
وفي القرآن نظائر لهذا، يُكتفى بها - إن شاء الله - منها، وفي السنة له نظائر
موضوعة مواضعها.
* * *
قال الله ﷿: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (٨٠)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه ﵃:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: إن اللَّه ﵎ لما خصَّ به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه، بالفرض على خلقه بطاعته في غير آية من كتابه، فقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٢٦
 
الأم (أيضًا): الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولقوله ﷾: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية، ففرض علينا اتباع رسوله، فإذا كان الكتاب والسنَّة هما
الأصلان اللذان افترض اللَّه ﷿ لا مخالف فيهما، وهما عينان، ثم قال: (إذا اجتهد) الحديث، فالاجتهاد ليس بعين قائمة إنما هو شيء يحدثه من نفسه ولم يؤمر باتباع نفسه، إنما أمر باتباع غيره، فإحداثه على الأصلين اللذين افترض اللَّه عليه أولى به من إحداثه على غير أصل، أمر باتباعه وهو رأي نفسه، ولم يؤمر باتباعه، فإذا كان الأصل أنَّه لا يجوز له أن يتبع نفسه، وعليه أن يتبع غيره، والاجتهاد شيء يحدثه من عند نفسه، والاستحسان يدخل على قائله كما يدخل على من اجتهد على غير كتاب ولا سنَّة، ومن قال هذين القولين قال قولًا عظيمًا، لأنَّه وضع نفسه في رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سُنَّة موضعهما، في أن يتبع رأيه كما اتبعا.
الأم (أيضًا): باب (في الأقضية):
قال الشَّافِعِي ﵀: ووضع اللَّه نبيه ﷺ من دينه، وأهل دينه موضع الإبانة عن كتاب اللَّه ﷿ معنى ما أراد اللَّه وفرض طاعته، فقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٢٧
 
فعُلِم أن الحق كتاب الله ثم سنَّة نبيه ﷺ، فليس لمفْتِ ولا لحاكم، أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالمًا بهما، ولا أن يخالفهما ولا واحدًا منهما بحال، فإذا خالفهما فهو عاصِ لله ﷿، وحكمه مردود، فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد.
الأم (أيضًا): باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها):
وقلت - أي الشَّافِعِي ﵀: افترض اللَّه علينا اتباع نبيه محمد ﷺ.
قال: أين؟
قلت: قال اللَّه ﷿: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية.
ثم ذكر الآيات المتعلقة بهذا الموضوع.
الأم (أيضًا): باب (الصوم):
قال الشَّافِعِي ﵀: إن اللَّه ﷿ وضع نبيه ﷺ من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه، فالفرض على خلقه أن يكونوا عالين بأنه لا يقول فيما أنزل الله عليه إلا بما أنزل عليه، ولأنه لا يخالف كتاب الله، ولأنه بينَ عن اللَّه عز وعلا معنى ما أراد الله، وبيان ذلك في كتاب اللَّه ﷿ قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) .
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الله ﷿ ّ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: وما فرض رسول الله ﷺ شيئًا قط إلا بوحي، فمن الوحي ما يُتلى، ومنه ما يكون وحيًا إلى رسول الله ﷺ فيُستنُّ به.
 
٢ ‏/ ٦٢٨
 
أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن
حنطب، أن رسول الله ﷺ قال:
«ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئًا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد ألقى في رُوعِي أنَّه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قيل:
١ - ما لم يُتلَ قرآنًا، إنما ألقاه جبريل في رُوعِه بأمر الله فكان وحيًا إليه.
وقيل:
٢ - جعل الله إليه لما شهد له به من أنَّه يهدي إلى صراط مستقيم، أن
يسنَّ.
وأنهما كان فقد ألزمهما الله تعالى خلقه، ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم
فيما سنَّ لهم وفرض عليهم اتباع سنته ﷺ.
مختصر المزني: مقدمة كتاب (اختلاف الحديث):
قال الشَّافِعِي ﵀: أبان الله جل ثناؤه لخلقه أنَّه أنزل كتابه بلسان نبيه ﷺ وهو لسان قومه العرب، فخاطبهم بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم، وكانوا يعرفون من معاني كلامهم، أنهم يلفظون بالشيء عامًّا يريدون به العام، وعامًا يريدون به الخاص، ثم دلَّهم على ما أراد من ذلك في كتابه، وعلى لسان نبيه ﷺ، وأبان لهم أن ما قبلوا عن نبيه ﷺ فعنه جل ثناؤه قبلوا بما
فرض من طاعة رسوله في غير موضع من كتابه منها: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) .
 
٢ ‏/ ٦٢٩
 
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسول الله ﷺ:
قال الشَّافِعِي ﵀: - قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)
فأعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته.
* * *
قال الله ﷿: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)
توالي التأسيس: الفصل الخامس (في بيان صفة خَلْقه وخُلُقهِ ﷺ):
قال ابن حجر ﵀: وقرأتُ على فاطمة (بنت المنجا)، عن سليمان بن
حمزة، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو الحسن الموازيني، عن أبي عبد الله القضاعي، أخبرنا أبو عبد الله بن شاكر، حدثنا علي بن محمد بن الحسن، حدثنا عثمان بن محمد بن شاذان، حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا يحيى بن عبد الباقي، حدثنا محمد بن عامر، عن البويطي ﵀ قال:
سمعت الشَّافِعِي رحمه الله تعالى يقول: لقد ألفت هذه الكتب ولم آل
فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) الآية.
فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة، فقد رجعت عنه.
وأخرج البيهقي ﵀: من طريق أبي العباس الأصم: سمعت الربيع يقول:
 
٢ ‏/ ٦٣٠
 
سمعت الشَّافِعِي ﵀ يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول
الله ﷺ فقولوا بها؛ ودعوا ما قلته.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدلَُّ به على إتقان الشَّافِعِي ﵀ في الرواية):
قال البيهقي ﵀: وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا
الحسن القصَّار، الفقيه، يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت الربيع بن
سليمان يقول: قرأت: (كتاب الرسالة المصرية) على الشَّافِعِي نيفًا وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يصححه.
ثم قال الشَّافِعِي في آخره: أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، يدل
على ذلك قول الله ﵎: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (٨٦)
الرسالة: باب (العلم):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهكذا ردَّ السلام، قال الله: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)
 
٢ ‏/ ٦٣١
 
وقال رسول الله ﷺ: «يسلم القائم على القاعد»
وإذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم" الحديث.
وإنَّما أريد بهذا الردُّ، فرد القليل جامع لاسم (الرد)، والكفاية فيه مانع لأن يكون الرد مُعطلًا.
* * *
قال الله ﷿: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (٨٧)
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: لَعَمرُ اللَّه، فإن لم يرد بها يمينًا فليست
بيمين.
قال أبو منصور الأزهري: والدليل على ذلك قول اللَّه ﷿: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) الآية، وعلى هذا المعنى يجعل الشَّافِعِي ﵀ لَعَمْرُ الله يمينًا إذا نوى به اليمين.
فائدة: قال أبو عبيد: سألت الفراء: لم ارتفع لَعَمرُ الله ولَعَمرُك؟
فقال: على إضمار قسم ثان به، كأنه قال: وعمر اللَّه، فلعَمرُه عظيم، وكذلك لحَيَاتك.
 
٢ ‏/ ٦٣٢
 
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٩٢)
الأم: الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً) إلى قوله: (مُتَتَابِعَيْنِ) .
فذكر الله ﷿ في المؤمن يُقْتَل خطأ.
والذمِّي يُقتَل خطأ، الدية في كلّ واحد منهما، وتحرير رقبة، فدلَّ ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الإسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة؛ وذكر من
حكمهما، حكم المؤمن من عدو لنا يُقتل، فجعل فيه تحرير رقبة، فلم تحتمل
الآية - والله أعلم - إلا أن يكون قوله: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ)
يعني: في قوم عدو لكم، وذلك أنها نزلت، وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين؛ لأن مسلمي العرب هم من قوم عدو للمسلمين، وكذلك مسلمو العجم، ولو كانت على ألَّا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الإسلام من جماعة المشركين؛ وهم عدو لأهل الإسلام، للزم من قال هذا القول، أن يزعم أن من أسلم من
 
٢ ‏/ ٦٣٣
 
قوم مشركين، فخرج إلى دار الإسلام فقُتِلَ كانت فيه تحرير رقبة، ولم تكن فيه دية، وهذا خلاف حكم المسلمين.
وإنما معنى الآية - إن شاء الله تعالى - على ما قلنا، وقد سمعت بعض من
أرضى من أهل العلم يقول ذلك، فالفرق بين القتلين، أن يُقتل المسلم في دار
الإسلام غير معمودِ بالقتل، فيكون فيه دية، وتحرير رقبة، أو يُقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا اسلام فيها ظاهر غير معمودِ بالقتل، ففي ذلك تحرير رقبة، ولا دية.
الأم (أيضًا): قتل المسلم ببلاد الحرب:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
قوله من قوم: يعني في قوم عدو لكم.
وأخبرنا مروان بن معاوية الفزاري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس
ابن أبي حازم قال: لجأ قوم إلى خثعم فلما غشيهم المسلمون استعصموا
بالسجود، فقتلوا بعضهم، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: «أعطوهم نصف العَقل لصلاتهم» ثم قال عند ذلك:
«ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك» قالوا:
يا رسول الله لم؟ قال: «الا تتراءى ناراهما» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: إن كان هذا يثبت، فأحسب النبي ﷺ أعطى من أعطى منهم تطوعًا، وأعلمهم أنَّه بريء من كل مسلم مع مشرك - واللَّه أعلم - في دار
 
٢ ‏/ ٦٣٤
 
الشرك، ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قَوَد، وقد يكون هذا قبل نزول الآية، فنزلت الآية بعد، ويكون إنما قال: إني بريء من كل مسلم مع مشرك بنزول الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي التنزيل كفاية عن التأويل؛ لأن الله ﷿ إذ حكم في الآية الأولى في المؤمن يقتل خطأ بالدية والكفارة، وحكم بمثل ذلك في الآية بعدها في الذي بيننا وبينه ميثاق، وقال بين هذين الحُكْمين: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
ولم يذكر دية، ولم تحتمل الآية معنى إلا أن يكون قوله: (مِنْ قَوْمٍ)
يعني: في قوم عدو لنا، دارهم دار حرب مباحة، فلما كانت مباحة، وكان من سنة رسول الله ﷺ أن إذا بلغت
الناسَ الدعوةُ أن يغير عليهم غارين (١)، كان في ذلك دليل على لأنَّه لا يبيح
الغارة على دار وفيها من له إن قتل عقل أو قود؛ فكان هذا حكم الله عز ذكره.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم إلا في
قوم عدو لنا.
الأم (أيضًا): ديات الخطأ (ديات الرجال الأحرار المسلمين):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا)
فأحكم الله ﵎ في تنزيل كتابه، أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى
أهله، وأبان على لسان نبيه ﷺ كم الدية؛ فكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم، أن رسول الله ﷺ قضى بدية المسلم مائة من الإبل، فكان
(١) أي: وهم غافلون، مفردها: غار، انظر القاموس المحيط ص / ٥٧٨.
 
٢ ‏/ ٦٣٥
 
هذا أقوى من نقل الخاصة، وقد رُوي من طريق الخاصة وبه نأخذ، ففي المسلم يُقتل خطأ مائة من الإبل.
أخبرنا سفيان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن ربيعه، عن
عبد اللَّه بن عمر ﵄، أنَّ رسول الله ﷺ قال: «ألا إنَّ في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خَلِفَة في بطونها أولادها» الحديث.
أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم، عن أبيه، أنَّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم: «في النفس مائة من الإبل» الحديث.
أخبرنا ابن عينية، عن ابن طاووس، عن أبيه، وأخبرنا مسلم بن خالد، عن
عبيد الله بن عمر، عن أيوب بن موسى، عن ابن شهاب، وعن مكحول وعطاء، قالوا: أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على عهد رسول الله ﷺ مائة من الإبل، فقوَّم عمر بن الخطاب ﵁ تلك الدية على أهل القرى ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، فإذا كان الذي أصابه من الأعراب فدية مائة من الإبل، لا
يكلف الأعرابي الذهب ولا الوَرِق، ودية الأعرابي إذا أصابه أعرابي مائة من
الإبل.
قال الشَّافِعِي ﵀: ودية الحر المسلم مائة من الإبل لا دية غيرها، كما
فرض رسول الله ﷺ، فإن أعوزت الإبل فقيمتها.
 
٢ ‏/ ٦٣٦
 
الأم (أيضًا): باب (خطأ الطبيب والإمام يؤدب):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قال اللَّه ﵎: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا)
والذي يعرف أن الخطأ: أن يرمي الشيء فيصيب
غيره، وقد يحتمل معنى غيره.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم أعلم من أهل العلم مخالفًا في أنَّ للرجل أن
يرمي الصيد، وأن يرمي الغرض، وأنه لو رمى واحدًا منهما، ولا يرى إنسانًا ولا شاة لإنسان، فأصابت الرَّمية إنسانًا أو شاة لإنسان، ضمن دية المصاب إذا مات، وثمن الشاة إذا فاتت، فوجدت حكمهم له بإباحة الرمية إذا تعقب، فمعناه، معنى: أن يرمى على أن لا يتلف مسلمًا ولا حقَّ مسلم، ووجدته يحل له أن يترك الرمي، كما وجدته يحل للإمام أن يترك العقوبة، وكان الشيء الذي يفعله الإمام وله تركه بالرمية يرميها الرجل مباحة له، وله تركها فيتلف شيئًا فيضمنه الرامي، أشبه به منه بالحدِّ الذي فرض اللَّه ﷿ أن يأخذه، بل العقوبة به أولى أن تكون مضمونة إن جاء فيها تلف من الرمية، لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأباح اللَّه ﷿ دماء أهل الكفر من خلقه فقال: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)، وحرّم دماءهم إن أظهروا
الإسلام فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٣٧
 
الأم (أيضًا): باب دية أهل الذمة:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال أبو حنيفة ﵀: ودية اليهودي
والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم، وعلى من قتله من المسلمين القَوَد.
وقال أهل المدينة: دية اليهودي والنصراني إذا قُتل أحدهما نصف دية الحر
المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، وقال أهل المدينة: لا يقتل مؤمن بكافر.
قال محمد بن الحسن ﵀؛ قد روى أهل المدينة أن رسول الله ﷺ قتل مسلمًا بكافر، وقال ﵊:
«أنا أحقَ من أوفى بذمَّته»
وساق الحديث بهذا اللفظ. ..
وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب ﵁ أنَّه أمر أن يُقتل رجل من المسلمين بقتل رجل نصراني غيلة من أهل الحيرة، فقتله به، وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب ﵁ أنَّه كان يقول: إذا قتل المسلم النصراني قُتِل به.
فأما ما قالوا في الدية فقول الله ﷿ أصدق القول، ذكر الله الدية في كتابه فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) الآية.
ثم ذكر أهل الميثاق فقال:
 
٢ ‏/ ٦٣٨
 
(وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
فجعل في كل واحد منهما دية مُسَلَّمَةٌ - أي: إلى أهله -، ولم يقل في أهل
الميثاق نصف الدية، - كما قال أهل المدينة - وأهل الميثاق ليسوا مسلمين، فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة إلى أهله، والأحاديث في ذلك كثيرة عن رسول الله ﷺ مشهورة معروفة، أنَّه جعل دية الكافر مثل دية المسلم، وروى ذلك أفقههم، وأعلمهم في زمانه، وأعلمهم بحديث رسول الله ﷺ ابن شهاب الزهري
﵀ فذكر أن دية المعاهَد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان ﵃
مثل دية الحر المسلم، فلما كان معاوية ﵁ جعلها مثل نصف دية الحر المسلم.
فإن الزهري كان أعلمهم في زمانه بالأحاديث فكيف رغبوا عما رواه أفقههم إلى قول معاوية؟!
قال الشَّافِعِي ﵀: لا يقتل مؤمن بكافر، ودية اليهودي والنصراني
ثلث دية المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، وقد خالفنا في هذا غير واحد من بعض الناس وغيرهم، وسألني بعضهم، وسألته، وسأحكي ما حضرني منه، إن شاء الله تعالى.
فقال - المحاور - ما حجتك في ألَّا يقتل مؤمن بكافر؟
فقلت: ما لا ينبغي لأحد دفعه مما فرّق الله به بين المؤمنين والكافرين، ثم سنَّه رسول الله ﷺ أيضًا.
ثم الأخبار عمن بعده.
ثم ساق الأدلَّة على ذلك من الكتاب والسنة والأخبار.
 
٢ ‏/ ٦٣٩
 
قال الشَّافِعِي - رحمه الله تعالى -: إن الله ﷿ قال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)
وقال: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
فلما سويتَ وسوينا بين قتل المعاهد والمسلم في الرقبة بحكم الله، كان ينبغي لنا أن نسوي بينهما في الدية.
قلنا: الرقبة معروفة فيهما، والدية جملة لا دلالة على عددها في تنزيل
الوحي، فإنَّما قبلت الدلالة على عددها عن النبي ﷺ بأمر الله ﷿ بطاعته، أو عمن بعده إذا لم يكن موجودًا عنه.
قال: ما في كتاب الله عدد الدية.
قلنا: ففي سنة رسول الله ﷺ عدد دية
المسلم مائة من الإبل، وعن عمر ﵁ من الذهب والوَرِقِ قبلنا عنه وأنت عن النبي ﷺ الإبل، وعن عمر الذهب والوَرقِ إذا لم يكن فيه عن النبي ﷺ شيء.
قال: نعم. قلنا: فهكذا قبلنا عن النبي ﷺ عدد دية المسلم، وعن عمر ﵁ عدد دية غيره ممن خالف الإسلام، إذا لم يكن فيه عن النبي ﷺ شيء نعرفه.
الأم (أيضًا): باب (قتل الصيد خطأ):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: يُجزى الصيد من قتله عمدًا أو خطأ، فإن قال قائل:
إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد عمدًا، وكيف أوجبته على قاتله خطأ؟!
 
٢ ‏/ ٦٤٠
 
قيل له - إن شاء الله -: إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدًا لا يحظر أن
يُوجب على قاتله خطأ.
فإن قال قائل: فإذا أوحبت في العمد بالكتاب فمن أين
أوجبت الجزاء في الخطأ؟
قيل: أوجبته في الخطأ قياسًا على القرآن والسنة
والإجماع، فإن قال: فأين القياس على القرآن؟
قيل: قال الله ﷿ في قتل الخطأ:
(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) الآية. ..
الأم (أيضًا): (في المرتد)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى في الخطأ: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) الآية، وذكر القصاص في القتلى، ثم قال ﷿: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) .
فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم، ولم يذكرهم في المحاربة، فدل على أن
حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره، والله أعلم.
الأم (أيضًا): البحيرة والوصيلة والسائبة والحام:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تبارك اسمه في القاتل خطأ: (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
الأم (أيضًا): ما أصاب المسلمون في يد أهل الردة من متاع المسلمين:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو عمد رجل قَتله في غير غارة، وقد أظهر الإسلام
قبل القتل، وعَلِمه القاتل، قُتِل به، وإن لم يعلَمه وَدَاه، لأنَّه عَمَدَه وهو مؤمن بالقتل،
 
٢ ‏/ ٦٤١
 
وانما يسقط عنه العقل والقود إذا قتله غير عامد لقتله بعينه، كأنه قتله في غارة لقول اللَّه ﷿: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀ يعني والله أعلم: في قوم عدو لكم.
مختصر المزني: باب (كفارة القتل):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) الآية.
وقال: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
يعني: في قوم، في دار حرب خاصة، ولم يجعل له قودًا ولا ديه إذا قتله وهو لا يعرفه مسلمًا، وذلك أن يغير، أو يقتله في
سرية، أو يلقاه منفردًا بهيئة المشركين، وفي دارهم، أو نحو ذلك.
قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا وجبت عليه كفارة القتل في الخطأ، وفي قتل
المؤمن في دار الحرب، كانت الكفارة في العمد أولى.
قال المزني ﵀: واحتج - أي: الشَّافِعِي - بأن الكفارة في قتل الصيد
في الإحرام، والحرم عمدًا أو خطأ سواء إلا في المأثم، فكذلك كفارة القتل عمدًا أو خطأ سواء إلا في المأثم.
 
٢ ‏/ ٦٤٢
 
الرسالة: وجه آخر من الاختلاف:
قال الشَّافِعِي ﵀: قلتُ - للمحاور -: نعم، قال الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) إلى قوله: (حَكِيمًا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأوجب الله بقتل المؤمن خطأ الدية، وتحرير رقبة.
وفي قتل ذي الميثاق الدية، وتحرير رقبة، إذا كانا معًا ممنوعَي الدم بالإيمان والعهد والدار معًا، فكان المؤمن في الدار غير الممنوعة وهو ممنوع بالإيمان، فجُعِلَت فيه الكفارة بإتلافه، ولم يُجعل فيه الدية، وهو ممنوع الدم بالإيمان، فلما كان الوِلْدان والنساء من المشركين لا ممنوعين بإيمان ولا دارِ، لم يكن فيهم عَقل، ولا قَوَد، ولا دِيَة، ولا مَأثم - إن شاء الله - ولا كفارة.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحج:
وقاسَ الشَّافِعِي ذلك في الخطأ: على قتل المؤمن خطأ، قال الله تعالى:
(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية، والمنع عن قتلها: عامٌّ.
والمسلمون: لم يُفرِّقُوا بين الغرم في الممنوع - من الناس والأموال - في العمد والخطأ.
أحكام القرآن (أيضًا): ما يؤثر عنه في الخلع، والطلاق والرجعة:
قال الشَّافِعِي في قول اللَّه ﷿: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)
قال: لا يُجزيه تحرير رقبة على غير دين الإسلام؛ لأنَّ الله ﷿ يقول في القتل: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
 
٢ ‏/ ٦٤٣
 
وكان شرط الله في رقبة القتل - إذا كانت - كفارة، كالدليل - والله أعلم - على ألا تجزي رقبة في كفارة إلا مؤمنة.
أحكام القرآن (أيضًا): ما يؤثر عنه في التفسير في آيات متفرقة:
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله ﷿:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً)
معناه: أنه ليس للمؤمن أن يقتل أخاه إلا خطأ.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)
الأم: كتاب جراح العمد (أصل تحريم القتل من القرآن):
أخبرنا الربيع ﵀ قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر الآيات التي تدلُّ على أصل تحريم
القتل من القرآن - وقال الله ﷿: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا) الآية.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﷿:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) الآية، فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة، وقتالهم حتمًا وفرضًا عليهم؛ إن لم يظهروا الإيمان.
 
٢ ‏/ ٦٤٤
 
قال الله ﷿: (إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا)
الأم: باب (التثبت في الحكم وغيره):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا)
فأمر اللَّه من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون مستبينًا قبل أن يمضيه.
* * *
قال الله ﷿: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥)
الأم: كيف تَقضُ فرض الجهاد؟:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله ﷿: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٤٥
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وبين إذ وعد الله ﷿ القاعدين غير أولي الضرر الحسنى، أنهم لا يأثمون بالتخلف، ويوعدون الحسنى بالتخلف، بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى، إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكًا، ولا سوء نية، وإن تركوا الفضل في الغزو.
الرسالة: باب (العلم):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولم يسوِّ الله بينهما، فقال الله:
(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) .
فأما الظاهر في الآيات فالفرض على العامة.
قال - أي: المحاور -: فَأينِ الدلالة في أنه إذا قام بعض العامة بالكفاية.
أخرج المتخلفين من المأثم؟
فقلت له: في هذه الآية. قال: وأين هو منها؟
قلت: قال اللَّه: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) الآية.
فوعد المتخلفين عن الجهاد الحسنى على الإيمان، وأبان فضيلة المجاهدين على القاعدين، ولو كانوا آثمين بالتخلف إذا غزا غيرهم، كانت العقوبة بالإثم - إن لم يعف الله - أولى بهم من الحسنى.
مختصر المزني: باب (النفير من كتاب الجزية والرسالة:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
وقال: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)
 
٢ ‏/ ٦٤٦
 
فلما وعد القاعدين الحسنى دلَّ أن فرض النفير على الكفاية، فإذا لم يقم بالنفير كفاية خرج من تخلف، واستوجبوا ما قال الله تعالى، وإن كان فيهم كفاية حتى لا يكون النفير معطلًا، لم يأثم من تخلف؛ لأن الله تعالى وعد جميعهم الحسنى.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (٩٩)
الأم: فرض الهجرة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولما فرض الله ﷿ الجهاد على رسوله ﷺ وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحهُ، وأثخن رسول الله ﷺ في أهل مكة، ورأوا كثرة من دخل في دين الله ﷿، اشتدوا على من أسلم منهم، ففتنوهم عن
دينهم، أو من فتنوا منهم.
فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) وبعث إليهم رسول الله ﷺ:
"إنَّ الله جعل لكم مخرجًا، وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يُفتن عن دينه
 
٢ ‏/ ٦٤٧
 
ولا يمتنع «الحديث، فقال في رجل منهم توفي، تخلف عن الهجرة فلم يهاجر: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) .
وأبان اللَّه عذر المستضعفين فقال: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) إلى: (رَحِيمًا الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ويقال: (عسى) من الله واجبة.
قال الشَّافِعِي ﵀: ودلَّت سُنَّة رسول الله ﷺ على أن فرض الهجرة على من أطاقها، إنما هو على من فُتِنَ عن دينه بالبلد الذي يَسلَم بها؛ لأن رسول الله ﷺ أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم - فيهم - العباس بن عبد المطلب وغيره؛ إذا لم يخافوا الفتنة، وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم:
إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين، وإن أقمتم فأنتم كأعراب - المسلمبن -.
وليس يُخيرهم إلا فيما يحلُّ لهم)» الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٠)
الأم: الإذن بالهجرة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانًا، لم
يؤذن لهم فيه بالهجرة منها، ثم أذن الله ﷿ لهم بالهجرة، وجعل لهم مخرجًا فيقال:
نزلت (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)، فأعلمهم رسول الله ﷺ
 
٢ ‏/ ٦٤٨
 
أن قد جعل الله ﵎ لهم بالهجرة مخرجًا، وقال: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) الآية.
وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة، ثم دخل أهل المدينة في
الإسلام، فأمر رسول الله ﷺ طائفة فهاجرت إليهم غير محرّم على من بقي ترك الهجرة إليهم.
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أذن الله ﵎ لرسوله ﷺ بالهجرة -
فهاجر رسول الله ﷺ - إلى المدينة، ولم يحرّم في هذا على من بقي بمكة المقام بها، وهي دار شرك - وقتئذ - وإن قفوا: بأن يفتنوا، ولم يأذن لهم بحهاد.
ثم أذن الله ﷿ لهم بالجهاد، ثم فرض بعد هذا عليهم أن يهاجروا من دار الشرك.
وهذا موضوع في غير هذا الموضع.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١)
الأم: باب (الحالَين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة
الأول: قال الله ﷿: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) إلى: (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) .
 
٢ ‏/ ٦٤٩
 
فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة، فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم لها من القبلة.
الثاني: وقال الله ﷿: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) إلى: (رُكبَانًا) الآية، فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالًا وركبانًا، على أنَّ الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالًا وركبانًا، من الخوف غير
الحال الأولى التي أمرهم فيها؛ أن يحرس بعضهم بعضًا، فعلمنا أن الخوفين مختلفان.
الأم (أيضًا): باب (صلاة المسافر):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية، فكان بيَنًا في كتاب اللَّه تعالى: أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض، والخوف، تخفيف من اللَّه ﷿ عن خلقه، لا أنَّ فرضًا عليهم أن يقصروا.
قال الشَّافِعِي ﵀: والقصر في الخوف والسفر في الكتاب، ثم بالسنة.
والقصر في السفر بلا خوف سنة، والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من اللَّه ﷿ لا أنَّ حتمًا عليهم أن يقصروا كما كان ذلك في الخوف والسفر.
أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الرحمن
بن عبد اللَّه بن أبي عمار، عن عبد اللَّه بن باباه، عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب ﵁: إنَّما قال اللَّه ﷿: (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية.
فقد أمن الناس. فقال عمر ﵁ لقد عجبت مما
 
٢ ‏/ ٦٥٠
 
عجبت منه، فسألت رسول الله ﷺ فقال:
«صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» الحديث.
أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن عائشة
﵂، قالت:
«كل ذلك قد فعل رسول الله ﷺ قصر الصلاة في السفر، وأتم» الحديث.
أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة، عن ابن المسيب قال: قال رسول ﷺ: «خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا»
أو قال: «الم يصوموا» الحديث.
فالاختيار والذي أفعل مسافرًا، وأحبُّ أن يُفعل قصر الصلاة في الخوف
والسفر، وفي السفر بلا خوف، ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته.
الأم (أيضًا): رضاعة الكبير:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وما جعل اللَّه تعالى له غاية، فالحكم بعد
مضي الغاية فيه غيره قبل مضيها.
فإن قال قائل وما ذلك؟
قيل: قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) الآية.
فكان لهم أن يقصروا مسافرين، وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة؛ دليل على أن حكمهم في غير تلك الصفة غير القصر.
 
٢ ‏/ ٦٥١
 
اختلاف الحديث: الجزء الثاني: (باب الفطر والصوم في السفر):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال - أي: المحاور - فما تقول في قصر الصلاة في
السفر وإتمامها؟
فقلت: قصرها في السفر والخوف رخصة في الكتاب والسنة.
وقصرها في السفر بلا خوف رخصة في السنة، أختارها، وللمسافر إتمامها.
فقال الشَّافِعِي: أما قصر الصلاة فبين أن الله إنما جعله رخصة، لقول الله:
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية.
فلما كان إنما جعل لهم أن يقصروا خائفين مسافرين، فهم إذا قصروا مسافرين - بما ذكرت من السنَّة - أولى أن يكون
القصر رخصة، لا حتمًا أن يقصروا؛ لأن قول الله: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية.
رخصة بينة.
أحكام القرآن: فصل فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات:
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: التقصير لمن خرج غازيًا خائفًا في كتاب اللَّه ﷿.
قال اللَّه جلّ ثناؤه: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) .
قال الشَّافِعِي ﵀: والقصر لمن خرج في غير معصية: في السنة.
 
٢ ‏/ ٦٥٢
 
فأما من خرج: باغيًا على مسلم، أو معاهَدٍ، أو يقطع طريقًا، أو يفسد في
الأرض، أو العبد يخرج (آبقًا من سيده)، أو الرجل (هاربًا ليمنع دمًا لزمه)، أو ما في مثل هذا المعنى، أو غيره من المعصية؛ فليس له أن يقصر، فإن قصر أعاد كل صلاة صلَّاها؛ لأن القصر رخصة، وإنَّما جعلت الرخصة لمن لم يكن
عاصيًا، ألا ترى قول اللَّه ﷿:
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) .
آداب الشافعى ومناقبه: باب (في الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: في قوله تعالى: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا)
قال: موضع بخيبر.
فلما ثبت أن رسول الله ﷺ، لم يزل يقصر مخرجه من المدينة إلى مكة، كانت السنة في التقصير.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٠٢)
 
٢ ‏/ ٦٥٣
 
الأم: كيف صلاة الخوف:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﵎: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى) الآية.
أخبرنا مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات بن جبير، عمن صلى مع رسول الله ﷺ يوم ذات
الرقاع صلاة الخوف، «أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلَّى
بالذين معه ركعة ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصفُّوا وجاه
العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التى بقيت عليه ثم ثبت
جالسًا، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يخبر
عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات بن
جبير، عن خوات بن جبير، عن النبي ﷺ مثل هذا الحديث أو مثل معناه لا يخالفه الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان بينًا في كتاب اللَّه ﷿ أن يصلي الإمام بطائفة، فإذا سجد كانوا من ورائه، وجاءت طائفة أخرى لم يصلُّوا فصلُّوا معه.
واحتمل قول الله ﷿: (فَإِذَا سَجَدُوا) الآية، إذا سجدوا ما عليهم من سجود الصلاة
 
٢ ‏/ ٦٥٤
 
كله، ودلَّت على ذلك سنَّة رسول الله ﷺ مع دلالة كتاب اللَّه ﷿، فإذا ذكر انصراف الطائفتين والإمام من الصلاة، ولم يذكر على واحد منها قضاء.
قال الشَّافِعِي ﵀: ورويت أحاديث عن رسول الله ﷺ في صلاة الخوف حديث صالح بن خوات أوفَق ما يثبت منها لظاهر كتاب اللَّه ﷿ فقلنا به.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا صلى بهم صلاة الخوف، صلّى كما وصفت
بدلالة القرآن، ثم حديث رسول الله ﷺ.
الأم (أيضًا): كم قدر من يصلِّي مع الإمام صلاة الخوف ":
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا كانت مع الإمام في صلاة الخوف طائفة -
والطائفة: ثلاثة فأكثر - أو حرسته طائفة - والطائفة ثلاثة فأكثر - لم أكره ذلك له، غير أني أحبّ أن يحرسه من يمنع مثله إن أريد.
قال الشَّافِعِي ﵀: وسواء في هذا كثر من معه أو قل. . . فإن حرسه
أقل من ثلاثة، أو كان معه في الصلاة أقل من ثلاثة، كرهت ذلك له؛ لأن أقل اسم الطائفة لا يقع عليهم فلا إعادة على أحد منهم بهذه الحال؛ لأن ذلك إذا أجزأ الطائفة أجزأ الواحد - إن شاء اللَّه -.
الأم (أيضًا): أخذ السلاح في صلاة الخوف:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا أجيز له وضع السلاح كلّه في صلاة الخوف.
إلا أن يكون مريضًا يشق عليه حمل السلاح، أو يكون به أذى من مطر، فإنهما
 
٢ ‏/ ٦٥٥
 
الحالتان اللتان أذن الله فيهما بوضع السلاح، وأمرهم أن يأخذوا حذرهم فيهما، لقوله عز وعلا: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن وضع سلاحه كله من غير مرض ولا مطر، أو
أخذ من سلاحه ما يؤذي به من يقاربه، كرهت ذلك له في كلّ واحد من
الحالين، ولم يفسد ذلك صلاته في واحدة من الحالين؛ لأنَّ معصيته في ترك
وأخذ السلاح ليس من الصلاة، فيقال: يفسد صلاته ولا يتمها أخذه! . ..
الأم (أيضًا): من له من الخائفين أن يصلِّي صلاة الخوف؟:
قال الشَّافِعِي ﵀: يصلي صلاة الخوف من قاتل أهل الشرك بكتاب
الله وسنة نبيه ﷺ؛ لأن الله ﷿ أمر بها في قتال المشركين فقال في سياق الآية:
(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكل جهاد كان مباحًا يخاف أهله، كان لهم أن
يصلُّوا صلاة شدة الخوف؛ لأنّ المجاهدين عليه مأجورون، أو غير مأزورين.
وذلك جهاد أهل البغي الذي أمر اللَّه ﷿ بجهادهم، وجهاد قُطاع الطريق، ومن أراد من مال رجل أو نفسه، أو حريمه، فإنّ النبي ﷺ قال:
«من قتل دون ماله فهو شهيد» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأما من قاتل وليس له قتال فخاف، فليس له أن
يصلِّي صلاة الخوف من شدة الخوف، يومئ إيماء، وعليه إن فعل أن يعيدها،
 
٢ ‏/ ٦٥٦
 
ولا له أن يصلِّي صلاة الخوف في خوف دون غاية الخوف، إلا أن يصلِّيها صلاة لو صلاها غير خائف أجزأت عنه.
الأم (أيضًا): باب (صلاة الخوف)
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان أبو حنيفة رحمه اللَّه تعالى يقول في صلاة
الخوف: يقوم الإمام، وتقوم معه طائفة، فيكبرون مع الإمام ركعة وسجدتين، ويسجدون معه، فينفتلون من غير أن يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو، ثم تأتي الطائفة التي كانت بإزاء العدو، فيستقبلون التكبير، ثم يصلي بهم الإمام ركعة أخرى وسجدتين، ويسلَّم الإمام، فينفتلون هم من غير تسليم، ولا يتكلموا فيقوموا بإزاء العدو، وتأتي الأخرى فيصلون ركعة وحدانًا ثم يسلمون، وذلك لقول الله ﷿: (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا كان العدو بينه وبين القبلة لا حائل بينه
وبينهم ولا سترة، وحيث لا يناله النبل، وكان العدو قليلًا مأمونين وأصحابه
كثيرًا، وكانوا بعيدًا منه لا يقدرون في السجود على الغارة عليه، قبل أن يصيروا إلى الركوب والامتناع صلى بأصحابه كلهم، فإذا ركع ركعوا كلهم، وإذا رفع رفعوا كلهم، وإذا سجد سجدوا كلهم إلا صفًا، يكونون على رأسه قيامًا، فإذا رفع رأسه من السجدتين، فاستوى قائمًا أو قاعدًا في مثنى، اتبعوه فسجدوا، ثم قاموا بقيامه، وقعدوا بقعوده، وهكذا صلى رسول الله ﷺ في غزاة الحديبية
بعسفان، وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة، وكان خالد في مائتي فارس منتبذًا من النبي ﷺ في صحراء ملساء ليس فيها جبل ولا شجر، والنبي ﷺ في ألف وأربعمائة، ولم يكن خالد فيما نرى يطمع بقتالهم، وإنما كان طليعة يأتي بخبرهم.
 
٢ ‏/ ٦٥٧
 
الأم (أيضًا): كتاب (صلاة الخوف وهل يصلِّيها المقيم؟):
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأذن الله ﷿ بالقصر في الخوف والسفر، وأمر رسول اللَّه ﷺ إذا كان فيهم يصلي لهم صلاة الخوف، أن يصلي فريق منهم بعد فريق، فكانت صلاة الخوف مباحة للمسافر والمقيم، بدلالة كتاب الله ﷿، ثم سنة رسول الله ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: فللمسافر والمقيم إذا كان الخوف أن يصلِّيها صلاة
الخوف، وليس للمقيم أن يصلِّيها إلا بكمال عدد صلاة المقيم، وللمسافر أن يقصر في صلاة الخوف إن شاء للسفر، وإن أتم فصلاته جائزة، وأختارُ له القصر.
الأم (أيضًا): باب (ما ينوب الإمام في صلاة الخوف):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأذن اللَّه ﵎ في صلاة الخوف بوجهين:
أحدهما: الخوف الأدنى وهو قول اللَّه ﷿: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) الآية.
والثاني: الخوف الذي أشد منه وهو قول الله ﵎: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٥٨
 
فلما فرّق اللَّه بينهما ودلَّت السنة على افترافهما، لم يجز إلا التفريق بينهما
- واللَّه تعالى أعلم -، لأن اللَّه ﷿ فرَّق بينهما لافتراق الحالين فيهما.
الأم (أيضًا): صلاة الجماعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد جمع رسول الله ﷺ مسافرًا ومقيمًا، خائفًا وغير خائفِ.
وقال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) الآية والتي بعدها.
مختصر المزني: باب (صلاة الخوف):
قال الشَّافِعِي ﵀: وليس لأحد أن يصلي صلاة الخوف في طلب
العدو» لأنه آمن؛ وطلبهم تطوع، والصلاة فرض، ولا يصليها كذلك إلا خائفًا.
الرسالة: جُمَلُ الفرائض:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر الآيتين (١٠١ - ١٠٢) وحديث خوات بن جبير -: وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل هذا في
(هذا الكتاب) .
من أن رسول الله ﷺ إذا سنَّ سُنَّة، فأحدث اللَّه إليه في تلك السُنة نسخها، أو مخرجًا إلى سَعَة منها، سنَّ رسول الله ﷺ سُنَّة تقوم الحجة على الناس بها، حتى
يكونوا إنمّا صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها.
فنسخ اللَّه تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها - كما أنزل
الله وسن رسوله ﷺ في وقتها، ونسخ رسول الله ﷺ سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه، ثم بسنَّته، صلَّاها رسول الله ﷺ في وقتها كما وصفتُ.
 
٢ ‏/ ٦٥٩
 
أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر ﵄ أرَاهُ عن النبي ﷺ فذكر صلاة الخوف، فقال: إن كان خوفٌ أشذ من ذلك صلّوا رجالًا وركبانًا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، الحديث أخبرنا رجل، عن ابن أبي ذئب.
عن الزهري، عن أبيه، عن سالم، عن أبيه، عن النبي ﷺ: مثل معناه، ولم يشك أنه عن أبيه، وأنه مرفوع إلى النبي ﷺ الحديث.
اختلاف الحديث: باب (المختلفات التي يوجد على ما يُؤخذ منها دليل على
صلاة الخوف):
حدثنا الربيع ﵀ قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله جلّ ثناؤه في صلاة الخوف: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) الآية -
وبعد أن ذكر حديث خوات بن جبير - قال:
وأخذنا بهذا في صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أو جهتها غير مأمونين لثبوته عن النبي ﷺ وموافقته للقرآن.
قال الشَّافِعِي ﵀: وروى ابن عمر ﵄، عن النبي ﷺ في صلاة الخوف شيئًا يخالف فيه هذه الصلاة، روى أنَّ طائفة صلَّت مع النبي ﷺ.
وطائفة وجاه العدو، فَصَلَّى بالطائفة التي معه ركعة ثم استأخروا، ولم يتموا
الصلاة، فوقفوا بإزاء العدو، وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو، فصلوا معه الركعة التي بقيت عليه، ثم انصرفت، وقامت الطائفتان معًا فأتموا لأنفسهم.
 
٢ ‏/ ٦٦٠
 
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: كيف أخذت بحديث خوات بن
جبير، دون حديث ابن عمر ﵄؟
قيل: لمعنيين.
أحدهما: موافقة القرآن.
وثانيهما: وأن معقولًا فيه: أنَّه عدل بين الطائفتين، وأحرى ألَّا يصيب
المشركين غرَّة من المسلمين.
فإن قال قائل: فأين موافقة القرآن؟
قلت: قال الله: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) إلى (وَأَسْلِحَتَهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وحديث خوات بن جبير كما وصفنا أقوى من
المكيدة، وأحصن لكل المسلمين من الحديث الذي يخالفه، فبهذه الدلائل قلنا
بحديث خوات بن جبير.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد رُوي حديث لا يُثبت أهل العلم بالحديث
مثله، أن النبي ﷺ صلى (بذي قَرَدٍ) بطائفة ركعة، ثم سلموا، وبطائفة ركعة ثم سلموا، فكانت للإمام ركعتان، وعلى كلّ واحدة ركعة، وإنما تركناه؛ لأن جميع الأحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن على المأمومين من عدد الصلاة مثل ما على الإمام، وكذلك أصل الفرض في الصلاة على الناس واحد في العدد؛ ولأنه لا يثبت عندنا مثله لشيء في بعض إسناده.
قال الشَّافِعِي ﵀: ورُوي في صلاة الخوف أحاديث، لا تضاد حديث
خوات بن جبير؛ وذلك أن جابرًا روى أن النبي ﷺ صلّى (ببطن نخل) صلاة الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم، ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلّى بهم ركعتين، ثم سلم، وهاتان الطائفتان محروستان، فإن صلّى الإمام هكذا أجزأ عنه.
 
٢ ‏/ ٦٦١
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد روى أبو عياش الزُّرَقِي، أن العدو كان في
القبلة فصلى النبي ﷺ بالطائفتين معًا (بعُسفان)، فركع، وركعوا، ثم سجد فسجدت معه طائفة، وقامت طائفة تحرسه، فلما قام سجد الذين يحرسونه، وهكذا نقول، لأن أصحاب النبي ﷺ كانوا كثيرًا، والعدو قليل لا حائل بينهم
وبينه يخاف حملتهم، فإذا كانوا هكذا، صُلِّيت صلاة الخوف هكذا، وليس هذا مضادًا للحديث الذي أخذنا به، ولكن الحالين مختلفان.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن. . . ثم حمله إلى الرشيد، وما جرى بينه وبين محمد بن الحسن رحمهما الله) .
قال له الشَّافِعِي رحمهما الله: ما تقول في صلاة الخوف، كيف يصلِّيها
الرجل؟
فقال محمد بن الحسن: منسوخة، قال الله ﷿: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) الآية.
فلما خرج رسول الله ﷺ من بين أظهرهم، لم تجب عليهم صلاة الخوف.
 
٢ ‏/ ٦٦٢
 
فقال له الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)
فلما خرج رسول الله ﷺ من بين
أظهرهم لم تجب عليهم؟
زاد فيه غيره: قال ابن الحسن: كلا بل تجب عليهم - أي: الزكاة -.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (١٠٣)
الأم: باب (أن لا تقضي الصلاة حائض):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﵎:
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)
فلما لم يرخص رسول اللَّه ﷺ في أن تؤخر الصلاة في الخوف، وأرخص أن يصلِّيها المصلِّي كما أمكنه راجلًا
أوراكبًا، وقال: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية.
الأم (أيضًا): باب (أصل فرض الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ﵎: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، مع عدد آي فيه ذكر الصلاة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وسئل رسول الله ﷺ عن الإسلام فقال: «خمس صلوات في اليوم والليلة».
قال السائل: هل علي غيرها؟
قال: «لا، إلا أن تطوع» الحديث.
 
٢ ‏/ ٦٦٣
 
الأم (أيضًا): جماع مواقيت الصلاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: أحكم اللَّه ﷿ كتابه، أن فرض الصلاة موقوت، والموقوت - واللَّه أعلم -: الوقت الذي يصلى فيه، وعددها، فقال ﷿: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، وقد ذكرنا نقل العامة عدد الصلاة في مواضعها، ونحن
ذاكرون الوقت. -
ثم ذكر حديث عروة بن الزبير وابن عباس ﵄ المتعلق
به بإقامة جبريل ﵇ للنبي ﷺ أول وقت الصلاة وآخرها -.
الأم (أيضًا): باب (سجود التلاوة والشكر):
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا أحبُّ أن يدع شيئًا من سجود القرآن، وإن
تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنَّه ليس بفرض.
فإن قال قائل: ما دلَّ على أنه ليس بفرض؟
قيل: السجود صلاة، قال اللَّه تعالى:
(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية.
فكان الموقوت يحتمل: مؤقتًا بالعدد، ومؤقتًا بالوقت.
فأبان رسول الله ﷺ أن اللَّه ﷿ فرض خمس صلوات فقال رجل يا رسول اللَّه هل على غيرها؟
قال: «لا، إلا أن تطَوَّع» الحديث.
فلما كان سجود القرآن خارجًا من الصلوات المكتوبات، كانت سُنَّة اختيار، فأحبُّ إلينا ألَّا يدعه، ومن تركه ترك فضلًا لا فرضًا.
مختصر المزني: مقدمة كتاب (اختلاف الحديث):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه جل ثناؤه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية.
فدل رسول الله ﷺ على عدد الصلاة،
 
٢ ‏/ ٦٦٤
 
ومواقيتها، والعمل بها وفيها، ودلَّ على أنها على العامة الأحرار والمماليك من الرجال والنساء، إلا الحيَّض.
الرسالة: باب (البيان الثالث)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) .
ثم بيَّن على لسان رسوله ﷺ عدد ما فرض من الصلوات، ومواقيتها، وسننها.
الرسالة (أيضًا): باب (بيان ما أُنزل من الكتاب عامّ الظاهر وهو يجمع العام
والخصوص):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، فبين في كتاب اللَّه أن في هذه الآية العموم
والخصوص،. . . وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة: على البالغين العاقلين، دون من لم يبلغ، ومن بلغ ممن غُلِبَ على عقله، ودون الحُيَّض في أيام حيضهن.
الرسالة (أيضًا): جُمَلُ الفرائض:
قال الله ﵎: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)
الآية، وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) .
 
٢ ‏/ ٦٦٥
 
قال الشَّافِعِي ﵀: أحكم اللَّه فرضه في كتابه في الصلاة والزكاة
والحج، وبين كيف فرضه على لسان نبيه ﷺ، فأخبر رسول الله ﷺ أن عدد الصلوات المفروضات خمس، وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر:
أربع، وعدد المغرب ثلاث، وعدد الصبح ركعتان.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه في الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، فبين رسول الله ﷺ عن الله ﷿ تلك المواقيت، وصفى الصلوات لوقتها، فحوصر يوم الأحزاب، فلم يقدر على الصلاة في وقتها، فأخرها للعذر، حتى صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مقام واحد.
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري.
عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان بعد المغرب بهويٍّ من الليل، حتى كفينا، وذلك قول اللَّه: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)
فدعا رسول اللَّه ﷺ بلالًا ﵁ فأمره، فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها، كما كان يصليها في
وقتها، ثم أقام العصر فصلاها هكذا، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام
العشاء فصلاها كذلك أيضًا، قال: وذلك قبل أن يُتزل في صلاة الخوف (فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) .
الرسالة (أيضًا): وجه آخر - أى: من الناسخ والمنسوخ -:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)
يعني - واللَّه أعلم - فأقيموا الصلاة كما كنتم تُصلون في غير الخوف.
 
٢ ‏/ ٦٦٦
 
قال الله ﷿: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨)
الأم: تكلُّف الحجة على قائل القول الأول - بقتل المرتد -، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة. .:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والأعراب لا يدينون دينًا يظهر، بل يظهرون
الإسلام، ويَسْتَخْفُونَ بالشرك والتعطيل، قال اللَّه ﷿: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) الآية.
فإن قال قائل: فلعل من سميت لم يظهر شركًا سمعه منه آدمي، وإنما أخبر اللَّه
أسرارهم، فقد سمع من عدد منهم الشرك، وشهد به عند النبي ﷺ، فمنهم من جحده، وشهد شهادة الحق، فتركه رسول الله ﷺ بما أظهر، ولم يَقِفهُ، على أن يقول: أقِرَّ.
ومنهم من أقرَّ بما شهد به عليه، وقال: تبت إلى اللَّه، وشهد شهادة
الحق، فتركه رسول الله ﷺ بما أظهر.
 
٢ ‏/ ٦٦٧
 
قال الله ﷿: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه ﵎: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) الآية.
فيذهب إلى أن الكتاب هو: ما يتلى عن اللَّه تعالى.
والحكمة هي: ما جاءت به الرسالة عن اللَّه، مما بينْت سُنَّة لرسول الله ﷺ.
الرسالة: باب (ما نزل عامًا دلت السنة الخاصة على أنه يراد به الخاص):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) الآية.
فذكر اللَّه الكتاب وهو: القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله ﷺ الرسالة ً (أيضًا): باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)
 
٢ ‏/ ٦٦٨
 
فأبان اللَّه أن قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع عنه، وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به، تقربًا إلى اللَّه بالإيمان به، وتوسلًا إليه بتصديق كلماته.
أخبرنا عبد العزيز، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن
حَنطب، أن رسول الله ﷺ قال:
«ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئًا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وما أعلمنا اللَّه مما سبق في علمه، وَحَتم قضائه
الذي لا يُرد - من فضله عليه ونعمته - أنه منعه من أن يهمُّوا به أن يُضِلُّوه.
وأعلمه أنَّهم لا يضرونه من شيء.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعانى في آيات متفرقة):
أخبرنا أبو عبد الحافظ، أخبرني أبو عبد اللَّه الزبير بن عبد الواحد الحافظ
الاسترابادي، قال سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي، يقول: قال المزني والربيع - رحمهما اللَّه تعالى -:
" كنا يومًا عند الشَّافِعِي، إذ جاء شيخ، فقال له:
أسألُ؟ قال الشَّافِعِي: سل، قال: (إيش) الحجّة في دين اللَّه؟
فقال الشَّافِعِي: كتاب اللَّه.
قال: وماذا؟
قال: سُنَّة رسول الله ﷺ.
قال: وماذا؟
قال: اتفاق الأمة.
قال: ومن أين قلت اتفاق الأمة، من كتاب اللَّه؛ فتدبر الشَّافِعِي ﵀
 
٢ ‏/ ٦٦٩
 
ساعة. فقال الشيخ: أجلتك ثلاثة أيام. فتغير لون الشَّافِعِي، ثم إنَّه ذهب فلم يخرج أيامًا.
قال: فخرج من البيت في اليوم الثالث، فلم يكن بأسرع أن جاء
الشيخ فسلم فجلس، فقال حاجتي؟
فقال الشَّافِعِي رحمه اللَّه تعالى: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم
الله الرحمن الرحيم، قال اللَّه ﷿ بهث: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمن إلا وهو فرض.
قال: فقال: صدقت. وقام وذهب.
قال الشَّافِعِي ﵀: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى
وقفت عليه.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥)
الأم: كتاب (الجزية):
قال الشَّافِعِي ﵀: خلق اللَّه الخلق لعبادته، ثم أبان جل وعلا أن
خيرته من خلقه أنبياؤه. . . وذكر إبراهيم ﵊ فقال جل ثناؤه: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) الآية.
 
٢ ‏/ ٦٧٠
 
قال الله ﷿: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٢٨)
الأم: ما لا يحل أن يُؤخذ من المرأة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأذن الله ﵎ بأخذ مالها محبوسة
ومفارقة بطيب نفسها. . . وقال اللَّه تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا)
الآية، وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت.
الأم (أيضًا): ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب في
ذلك: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا) إلى: (صُلْحًا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذا موضوع في موضعه بحججه.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة.
عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، ﵂ قالت: قلت: يا رسول اللَّه هل لك في أختي بنت أبي سفيان؛ قال رسول الله ﷺ:»فأفعل ماذا؟ «
قالت: تنكحها. قال:»أختك«، قالت: نعم.
قال: أو تحبين ذلك»، قالت: نعم لست لك بمخْلِية، وأحَبّ مَن شركني في خير أختي.
قال: «فإنها لا تحلُّ لي» فقلت: واللَّه لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبي
سلمة.
قال: «ابنة أم سلمة؟»، قالت: نعم.
قال: "فوالله لو لم تكن ربيبتى في
 
٢ ‏/ ٦٧١
 
حجري، ما حلَّت لي، إنها لاَبنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ذويبة، فلا تعرضنَّ عليَّ بناتكن ولا أخواتكن» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكل ما وصفت لك مما فرض اللَّه على النبي ﷺ، وجعل له دون الناس، وبيَّنه في كتاب الله، أو قول رسول الله ﷺ، وفعله، أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا، لم يختلفوا فيه.
الأم (أيضًا): الخلع والنشوز:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ قال: قال اللَّه ﵎:
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفبان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب، أن ابنة محمد بن مَسلَمة كانت عند رافع بن خَديج، فكره منها أمرًا - إما كبرًا أو غيره - فأراد طلاقها، فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واقسم لي ما بدا لك، فأنزل اللَّه تعالى:
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) الحديث.
 
٢ ‏/ ٦٧٢
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد رُوي أن رسول الله ﷺ هَمَّ بطلاق بعض نسائه فقالت: لا تطلقني، ودعني يحشرني اللَّه في نسائك، وقد وهبت يومي وليلتي لأختي عائشة ﵂، الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن
سودة وهبت يومها لعائشة ﵄، الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٢٩)
الأم: القسْمُ للنساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال ﵎: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا) الآية.
وقال بعض أهل العلم بالتفسير: لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب، فإنّ اللَّه عز وعلا تجاوز للعباد
عما في القلوب فلا تميلوا: تتبعوا أهواءكم.
(كُلَّ الْمَيْلِ): بالفعل مع الهوى، وهذا يشبه ما قال - واللَّه أعلم -.
ودلّت سُنَّة رسول الله ﷺ، وما عليه عوام علماء المسلمين، على أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مرخص له أن يجوز فيه، فدل ذلك على لأنَّه إنما أريد به ما في القلوب، مما قد تجاوز اللَّه للعباد عنه، فيما هو أعظم من الميل على النساء - واللَّه أعلم -.
 
٢ ‏/ ٦٧٣
 
والحرائر المسلمات والذميات إذا اجتمعن عند الرجل في القَسم سواء. والقَسمُ هو: الليل يبيت عند كل واحدة منهن ليلتها، ونحبُّ لو أوى عندها نهاره.
فإن كانت عنده أمة مع حرَّة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة.
أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس ﵄
أنّ رسول الله ﷺ قُبض عن تسع نسوة، وكان يقسم منهن لثمان الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: التاسعة التي لم يكن يقسم لها: سودة وهبت يومها
لعائشة ﵂.
الأم (أيضًا): جماع القسْم للنساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) الآية.
سمعت بعض أهل العلم يقول قولًا معناه ما أصفُ: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا): إنما ذلك في القلوب.
فلا تميلوا كل الميل: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم، فيصير الميل بالفعل الذي
ليس لكم، فتذروها - كالمعلقة -.
وما أشبه ما قالوا عندي بما قالوا؛ لأن اللَّه ﷿ تجاوز عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل، فإذا مال بالقول والفعل فذلك كلّ الميل.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم أعلم مخالفًا في أن على المرء أن يقسم لنسائه.
فيعدل بينهن، وقد بلغنا أن رسول الله ﷺ كان يقسم فيعدل، ثم يقول:
 
٢ ‏/ ٦٧٤
 
«اللهم هذا قسْمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك» الحديث.
يعني - والله أعلم -: قلبه، وقد بلغنا أنَّه كان يُطاف به محمولًا في مرضه على نساءه حتى حَلَلَنَه.
الأم (أيضًا): جماع عشرَة النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف، أن يؤدي
الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه، من نفقة، وكسوة، وترك ميل ظاهر، فإنه يقول جل وعز: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في القضايا والشهادات:
قال الشَّافِعِي ﵀: فيما يجب على المرء من القيام بشهادته، إذا
شهد،. . . قال ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: الذي أحفظ عن كلَ ما سمعت منه من أهل العلم
في هذه الآيات، أنَّه في الشاهد قد لزمته الشهادة، وأن فرضًا عليه أن يقوم بها
 
٢ ‏/ ٦٧٥
 
على والديه، وولده، والقريب، والبعيد، وللبغيض (البعيد والقريب)، ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحدًا.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦)
الرسالة: بيان فرض الله ﷿ اتباع سنة نبيه ﷺ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وضع اللَّه رسوله من دينه وفرضه وكتابه
الموضع الذي أبان جل ثناؤه؛ لأنَّه جعله علمًا لدينه، بما افترض من طاعته،، وحرّم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال ﵎: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) الآية.
وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) الآية.
فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذي ما سواه تبع له (الإيمانَ بالله ثم برسوله) .
فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله، لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدًا، حتى
يؤمن برسوله ﷺ معه.
 
٢ ‏/ ٦٧٦
 
قال الله ﷿: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)
الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي ﷺ ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أنزل اللَّه ﵎ بعد هذا في الحال التي فرض
فيها عُزْلة المشركين، فقال:
(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ)
مما فرض عليه، فقال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا)
قرأ الربيع إلى: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) الآية.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في تفسير في آيات متفرقة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومثل قوله ﷿: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الآية.
ومثل هذا في القرآن على ألفاظ.
 
٢ ‏/ ٦٧٧
 
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض اللَّه على السمع: أن يتنزه عن الاستماع
إلى ما حرُّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال في ذلك:
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قضى اللَّه (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) الآية.
الأم (أيضًا) اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: فحقن رسول الله ﷺ دماءهم بما أظهروا من الإسلام.
وأقرَّهم على المناكحة والموارثة، وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر، فأخبره الله ﷿، أنهم في النار، فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية.
وهذا يوجب على الحكام ما وصفت، من ترك الدلالة الباطنة، والحكم
بالظاهر، من القول، أو البينة، أو الاعتراف، أو الحجة.
 
٢ ‏/ ٦٧٨
 
الأم (أيضًا): باب (ما يحرم به الدم من الإسلام):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال جلّ وعز: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) الآية.
فأخبر اللَّه ﷿ عن المنافقين بالكفر، وحكم
فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنَّهم في الدرك الأسفل من النار، وأنَّهم كاذبون بإيمانهم، وحكم فيهم جلّ ثناؤه في الدنيا، بأن ما أظهروا من الإيمان، وإن كانوا به كاذبين، لهم جُنة من القتل، وهم المُسِرُّون الكفر، المظهرون الإيمان، وبين على لسانه ﷺ مثل ما أنزل في كتابه؛ من أنَّ إظهار القول بالإيمان جُنة من القتل، أقرَّ من شهد عليه بالإيمان بعد الكفر، أو لم يقر إذا أظهر الإيمان.
فإظهاره مانع من القتل، وبيّن رسول الله ﷺ إذا حقن الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين في الموارثة، والمناكحة، وغير ذلك من أحكام المسلمين.
الأم (أيضًا): تكلف الحجة على قائل القول الأول - بقتل المرتد -، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة..:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من
كتابه، بإظهار الإيمان، والاستسرار بالشرك، وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار، فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) الآية.
فأعلم أنَّ حكمهم في الآخرة النار، بعلمه أسرارهم.
وأن حكمه عليهم في الدنيا - إن أظهروا الإيمان - جُنة لهم.
 
٢ ‏/ ٦٧٩
 
الأم (أيضًا): من قال لزوجته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
قال الشَّافِعِي ﵀: يحنث الناس في الحكم على الظاهر من أيمانهم.
وكذلك أمرنا الله تعالى أن نحكم عليهم بما ظهر، وكذلك أمرنا رسول الله ﷺ.
وكذلك أحكام الله، وأحكام رسوله في الدنيا.
فأمّا السرائر فلا يعلمها إلا الله، فهو يدين بها، ويجزى، ولا يعلمها دونه
ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ألا ترى أن حكم اللَّه تعالى في المنافقين، أنَّه يعلمهم مشركين، فأوجب عليهم في الآخرة جهنم، فقال ﷿: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية.
وحكم لهم رسول الله ﷺ بأحكام الإسلام، بما أظهروا منه، فلم يسفك لهم دمًا، ولم يأخذ لهم مالًا، ولم يمنعهم أن يناكحوا المسلمين وينكحوهم.
ورسول اللَّه ﷺ يعرفهم بأعيانهم، يأتيه الوحي، ويسمع ذلك منهم، ويبلغه عنهم، فيظهرون التوبة، والوحي يأتيه بأنهم كاذبون بالتوبة، ومثل ذلك قال رسول الله ﷺ في جميع الناس:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» الحديث.
 
٢ ‏/ ٦٨٠
 
الأم (أيضًا): كتاب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أوجب - اللَّه ﷿ - للمنافقين إذا أسروا نار جهنم فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا أظهروا التوبة منه، والقول بالإيمان.
حقنت عليهم دماؤهم، وجمعهم ذكر الإسلام، وقد أعلم اللَّه رسوله ﷺ، أنهم في الدرك الأسفل من النار، فقال:
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية.
فجعل حكمه عليهم جلّ وعز على سرائرهم، وحكم نبيه عليهم في الدنيا
على علانيتهم بإظهار التوبة، وما قامت عليهم بينة من المسلمين بقوله، وما
أقرُّوا بقوله، وما جحدوا من قول الكفر، مما لم يقروا به ولم تقم به ببينة عليهم، وقد كذبهم على قولهم في كل، وكذلك أخبر رسول الله ﷺ عن الله ﷿.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد
الليثي، عن عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار، أنَّ رجلًا سارَّ النبي ﷺ، فلم ندر ما سارَّه حتى جهر رسول الله ﷺ، فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين.
فقال رسول الله ﷺ:
»أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ «
قال: بلى، ولا شهادة له.
فقال:»أليس يصلي؟ «
قال: بلى، ولا صلاة له.
فقال له رسول الله ﷺ:
أولئك الدين نهاني الله تعالى عنهم» الحديث.
 
٢ ‏/ ٦٨١
 
قال الله ﷿: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠)
الأم: باب ذبائح بني إسرائيل:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال عز ذكره: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) الآية.
يعني - واللَّه تعالى أعلم -: طيبات كانتأُحِلَّتْ لَهُمْ.
* * *
قال الله ﷿: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
الرسالة: في الزكاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) فقال بعض أهل العلم: هي الزكاة المفروضة.
 
٢ ‏/ ٦٨٢
 
قال الله ﷿: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣)
الرسالة ً: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) الآية.
وقال لنبيه محمد ﷺ: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ) الآية، فأقام جلّ ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجّة بها ثابتة علي من شاهد أمور الأنبياء ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومَن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.
* * *
قال الله ﷿: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - في دلائل التوحيد):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد اللَّه (محمد بن إبراهيم
المؤذن)، عن عبد الواحد بن محمد الأرغياني، عن أبي محمد الزبيري قال: قال رجل للشافعي: أخبرني عن القرآن خالق هو؟
 
٢ ‏/ ٦٨٣
 
قال الشَّافِعِي ﵀: اللهم لا.
قال: مخلوق؟ قال الشَّافِعِي: اللهم لا.
قال: فغير مخلوق؟
قال الشَّافِعِي: اللهم نعم.
قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟
فرفع الشَّافِعِي رأسه وقال: تقرُّ بأن القرآن كلام اللَّه؟
قال: نعم.
قال الشَّافِعِي سُبقْتَ في هذه الكلمة، قال اللَّه تعالى ذكره: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) .
وقال: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فتقرُّ بأن اللَّه كان وكان كلامه؛ أو كان اللَّه ولم يكن
كلامه؟ فقال الرجل: بل كان اللَّه، وكان كلامه.
قال: فتبسم الشَّافِعِي وقال: يا كوفيون، إنكم لتأتوني بعظيم من القول: إذا كنتم تقرون بأن اللَّه كان قبل القَبل وكان كلامه، فمن أين لكم الكلام: إن الكلام اللَّه، أو سوى اللَّه، أو غير اللَّه، أو دون اللَّه؟!
قال: فسكت الرجل وخرج.
* * *
قال الله ﷿: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ)
الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنه نبيه ﷺ:
قال الشَّافِعِي ﵀: وضع اللَّه رسوله ﷺ من دينه، وفرضه، وكتابه، الموضع الذي أبان جلَّ ثناؤه أنه جعله علمًا لدينه، بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال
 
٢ ‏/ ٦٨٤
 
﵎: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) الآية.
قلت: أشرنا في تفسير الآية / ١٣٦ من سورة النساء إلى أن الشَّافِعِي رحمه
الله ذكر هذه الآية دليلًا على أن اللَّه قرن الإيمان به بالإيمان برسوله، وهنا كلام رائع لمحقق كتاب الرسالة، يستحسن أن ننقله كاملًا بحرفيته كما ورد في تعليقه على هذه الفقرة / ٢٣٧ إذ يقول ﵀:
والعصمة لله ولكتابه ولأنبيائه، وقد أبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، كما
قال بعض الأئمة من السلف.
فإن الشَّافِعِي ﵀: ذكر هذه الآية محتجًا بها على
أن الله قرن الإيمان برسوله محمد ﷺ مع الإيمان به، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن، منها:
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) .
ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) .
ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) .
ولكن الآية التي ذكرها الشَّافِعِي هنا ليست في موضع الدلالة على ما يريد.
لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة.
ووجه الخطأ من الشَّافِعِي ﵀: أنه ذكر الآية بلفظ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) بإفراد لفظ الرسول وهكذا كتبت في أصل الربيع، وطبعت في
الطبعات الثلاثة من الرسالة، وهو خلاف التلاوة، وقد خُيِّل إلي بادئ ذي بدء
 
٢ ‏/ ٦٨٥
 
أن تكون هناك قراءة بالإفراد، وإن كانت - إذا وجدت - لا تفيد في الاحتجاج لما يريد؛ لأن سياق الكلام في شأن عيسى ﵇، فلو كان اللفظ: (وَرَسُوله) لكان المراد به عيسى، ولكني لم أجد آية قراءة في هذا الحرف من الآية بالإفراد.
لا في القراءات العشر، ولا في غيرها من الأربع، ولا في القراءات الأخرى التي يسمونها: (القراءات الشاذة) .
ومن عجب أن يبقى هذا الخطأ في الرسالة، وقد مضى على تأليفها أكثر
من ألف ومائة وخمسون سنة، وكانت في أيدي العلماء هذه القرون الطوال.
وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي، انتقل فيه ذهن المؤلف الإمام، من آية إلى آية أخرى حين التأليف: ثم لا ينبه عليه أحد! أولا يلتفت إليه أحد!
وقد مكث أصل الربيع من الرسالة بين يدي عشرات من العلماء الكبار.
والأئمة الحفاظ، نحوًا من أربعة قرون إلى ما بعد سنة ٦٥٠ هـ يتداولونه بينهم قراءة وإقراء ونسخًا ومقابلة، كما هو ثابت في السماعات الكثيرة المسجلة مع الأصل، وفيها سماعات لعلماء أعلام، ورجال من الرجالات الأفذاذ، وكلهم دخل عليه هذا الخطأ، وفاته أن يتدبر موضعه فيصححه.
ومرد ذلك كله - فيما نرى واللَّه أعلم -: إلى الثقة ثم إلى التقليد، فما كان
ليخطر ببال واحد منهم أن الشَّافِعِي، وهو إمام الأئمة، وحجة هذه الأمة يخطئ في تلاوة آية من القرآن، ثم يخطئ في وجه الاستدلال بها، والموضوع أصله من بديهيات الإسلام، وحجج القرآن فيه متوافرة، وآياته متلوة محفوظة، ولذلك لم يكلف واحد منهم نفسه عناء المراجعة، ولم يفكر في صدر الآية التي أتى بها الشَّافِعِي للاحتجاج، تقليدًا له وَثِقَة به، حتى يرى إن كان موضعها موضع الكلام في شأن نبينا ﷺ أو في شأن غيره من الرسل ﵈.
ونقول هنا: ما قال الشَّافِعِي ﵀ فيما مضى من الرسالة في الفقرة /
١٣٦: (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، واللَّه يغفر لنا ولهم) . اهـ،
 
٢ ‏/ ٦٨٦
 
قال الله ﷿: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)
الأم: القراءة في الخطبة:
قال الشَّافِعِي ﵀: بلغني أن عثمان بن عفان ﵁ كان إذا كان في آخر الخطبة، قرأ آخر النساء: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) إلى آخر السورة.
الأم (أيضًا): الخلاف في المرتد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال بعض الناس: وإذا ارتد الرجل عن الإسلام.
فقُتِل، أو مات على ردته، أو لحق بدار الحرب، قسمنا ميراثه بين ورثته من
المسلمين، وقضينا كل دَين عليه إلى أجل، وأعتقنا أمهات أولاده، ومُدَبَّريه، فإن
رجع إلى الإسلام لم نرد من الحكم شيئًا، إلا أن نجد من ماله شيئًا في يدي أحدٍ من ورثة، فيردون عليه؛ لأنه ماله، ومن أتلف من ورثتة شيئًا مما قضينا له به ميراثًا لم يضمنه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت لأعلى من قال هذا القول عندهم: أصول
العلم عندك أربعة أصول، أوجبها وأولاها: أن يؤخذ به فلا يترك كتاب الله، وسنه نبيه ﷺ فلا أعلمك إلا قد جردت خلافهما - ثم القياس، والمعقول عندك الذي يؤخذ به بعد هذين الإجماع، فقد خالفت القياس والمعقول، وقلت في هذا قولًا متناقضًا.
 
٢ ‏/ ٦٨٧
 
قال: فأوجدني ما وصفت.
قلت له: قال اللَّه ﵎: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)
مع ما ذكر من آي المواريث، ألا ترى أن اللَّه ﷿ إنما ملَّك الأحياء
بالمواريث، ما كان الموتى يملكون إذا كانوا أحياء؟
قال: بلى. قلت: والأحياء خلاف الموتى؟ قال: نعم.
قلت: أفرأيت المرتد ببعض ثغورنا يلحق بمسلحة
لأهل الحرب يراها، فيكون قائمًا بقتالنا، أو مترهبًا، أو معتزلًا لا تعرف حياته.
فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو حيٌّ؟! . ..
الأم (أيضًا): باب (من قال: لا يورث أحد حتى يموت):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) الآية.
وقال النبي ﷺ:
«لا يرث المسلم الكافر» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان معقولًا عن اللَّه ﷿، ثم عن رسول الله ﷺ، ثم في لسان العرب، وقول عوام أهل العلم ببلدنا: أن امرأً لا يكون موروثًا أبدًا حتى يموت، فإذا مات كان موروثًا، وأن الأحياء خلاف الموتى، فمن ورَّث حيًا دخل عليه - واللَّه تعالى أعلم - خلاف حكم الله ﷿، وحكم رسول الله ﷺ.
فقلنا والناس معنا بهذا، لم يُختلف بحملته، وقلنا به في المفقود، وقلنا لا
يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته.
 
٢ ‏/ ٦٨٨
 
الأم (أيضًا): باب (ردِّ المواريث):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) الآية.
وقال ﷿: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وذكر بقية آيات المواريث -.
قال الشَّافِعِي ﵀: فهذه الآي في المواريث كلها، تدل على: أن اللَّه ﷿ انتهى بمن سمى له فريضة إلى شيء، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى اللَّه به إلى شيء غير ما انتهى به ولا ينقصه، فبذلك قلنا: لا يجوز رد المواريث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة، ولا زوج ولا
زوجة له فريضة، ولا تجاوز بذي فريضة فريضته، والقرآن - إن شاء اللَّه تعالى - يدل على هذا، وهو قول زيد بن ثابت، وقول الأئمة ممن لقيت من أصحابنا.
الأم (أيضًا): باب (الخلاف في ردِّ المواريث):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت - أي: للمحاور - قال الله ﷿:
(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)
 
٢ ‏/ ٦٨٩
 
وقال: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
فذكر الأخت منفردة فأنتهى بها إلى النصف، وذكر الأخ منفردًا فأنتهى به
إلى الكل، وذكر الأخ والأخت مجتمعين فجعلها على النصف من الأخ في
الاجتماع، كما جعلها في الانفراد، أفرأيت إن أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم اللَّه ﵎ نصًا؟؛ لأن اللَّه ﷿ انتهى بها إلى النصف، وخالفت معنى حكم الله، إذ سويتها به، وقد جعلها اللَّه ﵎ معه على النصف منه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت له: فأي المواريث كلها تدل على خلاف رد
المواريث.
الأم (أيضًا): ميراث المرتد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) الآية.
فإنما نقل ملك الموتى إلى الأحياء، والموتى خلاف الأحياء، ولم ينقل بميراث قط، ميراث حي إلى حي.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: قلنا: قالوا: قال اللَّه ﷿: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) الآية.
وقال: في جميع المواريث مثل هذا
 
٢ ‏/ ٦٩٠
 
المعنى، فإنما مَلَّك "الله الأحياء، ما كان يملك غيرهم بالميراث بعد موت غيرهم.
فأما ما كان مالك المال حيًا، فهو مالك ماله، وسواء كان مريضًا أو صحيحًا؛ لأنه لا يخلو مال من أن يكون له مالك، وهذا مالك لا غيره، فإذا أعتق جميع ما يملك، أو وهب جميع ما يملك، عِتْقَ بتات، أو هبة بتات، جاز العتق والهبة وإن
مات؛ لأنه في الحال التي أعتق فيها ووهب، مالك. . .
 
٢ ‏/ ٦٩١
 

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية