الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

تفسير سورة التوبة تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران المجلد الثاني

تفسير سورة التوبة تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران المجلد الثاني

 اسم الكتاب ـ تفسير الإمام الشافعي المجلد الثاني
المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
 المحقق: أحمد مصطفى الفران
 حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
 سنة النشر: 1427 - 2006
 عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب:  أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008


 فهرست الموضوعات

  1.  سورة التوبة
  2.     قال الله عز وجل: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين (١)
  3.     قال الله عز وجل: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله)
  4.     قال الله عز وجل: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد
  5.     قال الله عز وجل: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون (٦)
  6.     قال الله عز وجل: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (٧)
  7.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء
  8.     قال الله عز وجل: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية
  9.     قال الله عز وجل: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (٣٠)
  10.     قال الله عز وجل: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (٣٣)
  11.     قال الله عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (٣٤)
  12.     قال الله عز وجل: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم
  13.     قال الله عز وجل: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم
  14.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إل
  15.     قال الله عز وجل: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (٤١)
  16.     قال الله عز وجل: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين (٤٦)
  17.     قال الله عز وجل: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكي
  18.     قال الله عز وجل: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله
  19.     قال الله عز وجل: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين (٨٠)
  20.     قال الله عز وجل: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله)
  21.     قال الله عز وجل: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (٨٤)
  22.     قال الله عز وجل: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم (٩١)
  23.     قال الله عز وجل: (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم)
  24.     قال الله عز وجل: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم)
  25.     قال الله عز وجل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)
  26.     قال الله عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)
  27.     قال الله عز وجل: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم (١٠٤)
  28.     قال الله عز وجل: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين (١٠٨)
  29.     قال الله عز وجل: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)
  30.     قال الله عز وجل: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح
  31.     قال الله عز وجل: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (١٢٢)
  32.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين (١٢٣)
  33.     قال الله عز وجل: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (١٢٤)
  34.     قال الله عز وجل: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم (١٢٨)
  35.  العودة الي كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران المجلد الأول
  36. العودة الي كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران المجلد الثاني

 

 سورة التوبة
قال الله ﷿: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)
وقال ﷿: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ)
الأم: تبديل أهل الجزية دينهم
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن كان له مال - أي: الكتابي - بالحجاز، قيل:
وكل به ولم يترك يقيم إلا ثلاثًا، وإن كان له - مال - بغير الحجاز، لم يترك يقيم في بلاد الإسلام إلا بقدر ما يجمع ماله، فإن أبطأ، فأكثر ما يؤجل إلى الخروج من بلاد الإسلام أربعة أشهر؛ لأنه أكثر مدة جعلها اللَّه لغير الذميين من المشركين، وأكثر مدة جعلها رسول الله ﷺ لهم، قال اللَّه ﵎: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قرأ الربيع إلى: (غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ)
فأجلهم النبي ﷺ ما أجلهم اللَّه من أربعة أشهر.
الأم (أيضًا) جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وعاهد رسول الله ﷺ قومًا من المشركين، فأنزل اللَّه ﷿ عليه: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الآية.
 
٢ ‏/ ٨٩٥
 
الأم (أيضًا): مهادنه من يقوى على قتاله
قال الشَّافِعِي ﵀: لما قوي أهل الاسلام أنزل اللَّه ﷿ على رسوله ﷺ مرجعه من تبوك: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الآية - وما بعد -، فأرسل بهذه الآيات مع علي بن أبي طالب ﵁ فقرأها على الناس في الموسم، وكان فرضًا
أن لا يعطى لأحد مدة بعد هذه الآيات إلا أربعة أشهر؛ لأنها الغاية التي
فرضها الله) .
قال: وجعل النبي ﷺ لصفوان بن أمية بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر، لم أعلمه زاد أحدًا - بعد أن قوي المسلمون - على أربعة أشهر.
الأم (أيضًا): باب (دية أهل الذمة):
قال الشَّافِعِي ﵀: المستأمن يقئله المسلم لا تفتله به - الخطاب:
للمحاور - وله عهد هو به حرام الدم والمال، فلو لم يُلزمك حجة إلا هذا
لزمتك.
قال: ويقال لهذا معاهد؟
قلنا: نعم؛ لعهد الأمان، وهذا مُؤمَّن، قال
فيُدل على هذا بكتاب أو سنة؟
قلنا: نعم، قال ﷿: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
الآية، إلى قوله: (غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) الآية، فجعل لهم عهدًا إلى مدة، ولم
يكونوا أمناء بجزية، كانوا أمناء بعهد، ووصفهم باسم العهد، وبعث رسول اللَّه ﷺ عليًا ﵁ بأن من كان عنده من النبي ﷺ عهد، فعهده إلى مدته، قال: ما كنا
نذهب إلا أن العهد عهد الأبد، قلنا: فقد أوجدناك العهد إلى مدة في كتاب اللَّه ﷿ وسنة رسول الله ﷺ.
 
٢ ‏/ ٨٩٦
 
الأم (أيضًا): المهادنة على النظر للمسلمين:
قال الشَّافِعِي ﵀: فأحبّ للإمام إذا نزك بالمسلمين نازلة - وأرجو أن لا
ينزلها الله ﷿ بهم إن شاء الله تعالى - مهادنة، يكون النظر لهم فيها، ولا يهادن إلا إلى مدة، ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية، فإن كانت بالمسلمين قوة، قاتلوا المشركين بعد انقضاء المدة، فان لم يقو الإمام فلا بأس أن يجدد مدة مثلها، أو دونها، ولا يجاوزها من
قِبَل أن القوة للمسلمين، والضعف لعدوهم، قد يحدث في أقل منها، وإن هادنهم إلى أكثر منها فمنتقضه؛ لأن أصل الفرض قتال - المشركين حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية -
أهل الجزية -، فإن الله ﷿ أذن بالهدنة فقال: (إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الآية.
وقال ﵎: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ)، فلما لم يبلغ رسول الله ﷺ بمدة أكثر من مدة الحديبية، لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين، ولا تُجاوَز.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)
قال الله ﷿: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ)
الأم: مهادنة من يقوى على قتاله:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة، فللإمام
مهادنتهم على النظر للمسلمين، رجاء أن يسلموا، أو يعطوا الجزية بلا مؤونة،
 
٢ ‏/ ٨٩٧
 
وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر، وليس له مهادنتهم على النظر على غير الجزية أكثر من أربعة أشهر، لقوله ﷿:
(بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
إلى قوله: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) الآية، وما بعدها.
الأم (أيضًا): ما أحدث أهل الذمة الموادَعون مما لا يكون نقضًا:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأمر الله تعالى في الذين لم يخونوا: أن يتموا إليهم
عهدهم إلى مدتهم بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) الآية.
الأم (أيضًا): المهادنة على النظر للمسلمين:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﵎: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ)
فلما لم يبلغ رسول الله ﷺ بمدة أكثر من مدة الحديبية، لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين، ولا تُجَاوَز.
 
٢ ‏/ ٨٩٨
 
قال الله ﷿: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
الأم: الحكم في السا حر والساحرة:
قال الشَّافِعِي ﵀: حقن اللَّه الدماء، ومنع الأموال إلا بحقها - بالإيمان
بالله ورسوله، أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لأهل الكتاب، وأباح دماء
البالغين من الرجال بالامتناع من الإيمان إذا لم يكن لهم عهد، قال اللَّه تبارك
وتعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: والذي أراد الله ﷿ أن يُقتلوا حتى يتوبوا، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة: أهل الأوثان من العرب وغيرهم الذين لا كتاب لهم.
الأم (أيضًا): الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال - الله تعالى - في قوم كان بينه ﷺ وبينهم شيء: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ)
 
٢ ‏/ ٨٩٩
 
مع نظائر لها في القرآن - وجاءت السنة بما جاء به القرآن -.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال:
«لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله» الحديث.
أخبرنا سفيان، عن ابن شهاب، أن عمر ﵁ قال - أي: لأبي بكر ﵁ أليس قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله».
قال أبو بكر ﵁: هذا من حقها، لو منعوني عقالًا مما أعطوا رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه. الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: يعني: من منع الصدقة ولم يرتد.
الأم (أيضًا): كتاب (الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي):
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: الحكم في قتال المشركين حكمان، فمن غزا
منهم أهل الأوثان، ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا، فليس له أن يأخذ منهم الجزية، ويقاتلهم إذا قوى عليهم حتى يقتلهم، أو يسلموا
 
٢ ‏/ ٩٠٠
 
وذلك لقول اللَّه ﷿: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) الآيتين، ولقول رسول الله ﷺ:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى بقولوا لا إله إلا الله، فإذا مالوها عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله» الحديث.
الأم (أيضًا): الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال - أي: المحاور - ففي المشركين الذين ئؤخذ
منهم الجزية حكم واحد أو حكمان؟
قيل: بل حكمان. قال: وهل يشبه هذا شيء؟
قلنا: نعم، حكم اللَّه جل ثناؤه فيمن قُتِل من أهل الكتاب وغيرهم. قال:
فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه، قياسًا على المجوس.
قلنا: فأين ذهبت عن قول اللَّه ﷿: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
إلى: (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) الآية، وقال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله.» الحديث.
فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقوله ﷿:
(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
وبقول رسول الله ﷺ:
«سُنُّوا بهم سنَّة أهل الكتاب» الحديث؛ قلنا: فإذا
زعمت ذلك، دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية، وإن لم يكونوا أهل كتاب.
قال: فإن قلت لا يصلح أن تعطِي العرب الجزية. قلنا: أوَ ليسوا
 
٢ ‏/ ٩٠١
 
داخلين في اسم ألشرك؛ قال: بلى، ولكن لم أعلم النبي ﷺ أخذ منهم جزية.
قلنا: أفعلمت أن النبي ﷺ أخذ الجزية من غير كتابي أو مجوسي؟ قال: لا. قلنا:
فكيف جعلت غير الكتابيين من المشركين قياسًا على المجوس.
الأم (أيضًا): باب (المرتد الكبير):
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: قال اللَّه ﵎: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) إلى قوله: (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) الآية.
أخبرنا الثقة، عن حماد بن زيد، عن يحمى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عثمان بن عفان ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى
ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن من سنة رسول الله ﷺ فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم، ومَنَّ على بعضهم، وفادى ببعض، وأخذ الفدية من بعض، فلم يختلف المسلمون أنه: لا يحلُّ أن يفادى بمرتد بعد إيمانه، ولا يُمَنُّ عليه، ولا تأخذ منه فدية، ولا يترك بحال، حتى يسلم أو يقتل - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأباح - اللَّه تعالى - دماء أهل الكفر من خلقه
فقال: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية، وحرَّم دماءهم إن أظهروا
 
٢ ‏/ ٩٠٢
 
الإسلام. . . فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة، وقتالهم حتمًا وفرضًا عليهم إن لم يظهروا الإيمان.
مختصر المزني: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد اختصرت من تمثيل ما يدل الكتاب على أنه
نزل من الأحكام عامًا، أريد به العام. في كتاب غير هذا، وهو الظاهر من علم القرآن، وكتبت معه غيره مما أنزل عام يُراد به الخاص، وكتبت في هذا الكتاب مما نزل عام الظاهر ما دل الكتاب على أن اللَّه أراد به الخاص؛ لإبانة الحجة على من تأول ما رأيناه، مخالفًا فيه طريق من رضينا مذهبه من أهل العلم بالكتاب والسنة، من ذلك قال اللَّه جل ثناؤه: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
فهذا من العام الذي دل الله على أنه إنما أراد به الخاص. . .، لأن كل أهل
الشرك صنفان: صنف أهل الكتاب، وصنف غير أهل الكتاب، ولهذا نظائر في القرآن، وفي السنة مثل هذا.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)
الأم: المهادنة على النظر للمسلمين:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن جاء من المشركين يريد الإسلام، فحق على
الإمام أن يؤمِّنه حتى يتلو عليه كتاب اللَّه ﷿، ويدعوه إلى الإسلام بالمعنى الذي
 
٢ ‏/ ٩٠٣
 
يرجو أن يدخل اللَّه ﷿ به عليه الإسلام، لقول اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن قلت ينبذ إليه، أبلغه مأمنه. وإبلاغه مأمنه: أن
يمنعه من المسلمين والمعاهدين، ما كان في بلاد الإسلام، أو حيث يتصل ببلاد الإسلام، وسواء قرب ذلك أم بعد.
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أبلغه مأمنه: يعني - واللَّه تعالى أعلم - منك.
أو ممن يقتله، على دينك، - أو - ممن يطيعك، لا أمانة من غيرك، من عدوك وعدوه، الذي لا يأمنه، ولا يطيعك.
الأم (أيضًا): الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين:
قال الشَّافِعِي ﵀: فأما الرسل، ومن ارتاد الإسلام فلا يمنعون
الحجاز؛ لأن اللَّه ﷿ يقول لنبيه ﷺ: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية.
وإن أراد أحد من الرسل الإمامَ وهو بالحرم.
فعلى الإمام أن يخرج إليه، ولا يدخله الحرم إلا أن يكون يغني الإمام فيه
الرسالة والجواب فيكتفى بهما، فلا يترك يدخل الحرم بحال.
الأم (أيضًا) في المرتد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإنما أمر اللَّه ﷿ نبيه ﵊ فقال:
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)
 
٢ ‏/ ٩٠٤
 
ولم أعلم أمر بذلك في أحد من أهل الإسلام. فإن قال قائل: فلم لا تجعل
ذلك في أهل الإسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين؟
قيل: لما وصفنا من سقوط ما أصاب المشرك في شركه، وامتناعه من دم أو مال عنه، وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه، فإن الحدود إنَّما هي على المؤمنين لا على المشركين.
الأم (أيضًا): باب (ديه أهل الذمة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) الآية، فجعل له العهد إلى سماع
كلام اللَّه، وبلوغ مأمنه، والعهد الذي وصفتَ على الأبد، إنما هو إلى مدة، إلى العاهد نفسه ما استقام بها كانت له، فإذا نزع عنها كان مُحَاربًا حلال الدم والمال.
مختصر المزني: باب (الجزية على أهل الكتاب والضيافة وما لهم وما عليهم):
قال الشَّافِعِي ﵀: وليس للإمام أن يصالح أحدًا منهم على أن يسكن
الحجاز بحال، ولا يبين أن يُحرِّم أن يمرَّ ذِمِّي بالحجاز مارًا لا يقيم بها كثر من
ثلاث ليالٍ وذلك مقام المسافر؛ لاحتمال أمر النبي ﷺ بإجلائهم عنها، أن لا يسكنوها، ولا بأس أن يدخلها الرسل لقول الله تعالى. (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ) الآية، ولولا أن عمر ﵁ أجل من قدم المدينة منهم
 
٢ ‏/ ٩٠٥
 
تاجرًا ثلاثة أيام، لا يقيم فيها بعد ثلاث؛ لرأيت أن لا يُصالحوا، على أن لا
يدخلوها بحال، ولا يُتركوا يدخلونها إلا بصلح، كما كان عمر ﵁ يأخذ من أموالهم إذا دخلوا المدينة ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد الإسلام تجارًا، فإن دخلوا بغير أمان، ولا رسالة غُنموا.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويؤخذ منهم، ما أخذ عمر من المسلمين ربع
العشر، ومن أهل الذمة نصف العشر، ومن أهل الحرب العشر اتباعًا له على ما أخذ. ..
ولولا أن عمر ﵁ أخذه منهم ما أخذناه، ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سَنَةِ إلا مرة.
مناقب الشافعى: باب (ما يؤثر عن الشَّافِعِي في أسماء الله وصفات ذاته، وأن
القرآن كلام الله، وكلامه من صفات ذاته):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد الفقيه، قال:
أخبرنا أبو جعفر الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو يحيى الساجي (إجازة) قال:
سمعت أبا سعيد المصري يقول:
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي يقول: القرآن كلام الله تعالى ﷿ غير مخلوق.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن
زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت الرببع يقول: لما
كلَّم الشَّافِعِي ﵀ حفص الفرد.
فقال حفص: القرآن مخلوق.
قال الشَّافِعِي: كفرت بالله العظيم.
 
٢ ‏/ ٩٠٦
 
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد اللَّه (محمد إبراهيم المؤذن) .
عن عبد الواحد بن محمد الأرغياني، عن أبي محمد الزبيري قال: قال رجل
للشافعي: أخبرني عن القرآن خالق هو؟
قال الشَّافِعِي: اللهم لا قال فمخلوق؟ قال الشَّافِعِي: اللهم لا قال: فغير
مخلوق؟ قال الشَّافِعِي: اللهم نعم.
قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؛ فرفع الشَّافِعِي رأسه وقال: ئقِرُّ بأن القرآن كلام اللَّه؟ قال: نعم.
قال الشَّافِعِي سبقت في هذه الكلمة، قال اللَّه تعالى ذكره: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية.
وقال: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) .
قال الشَّافِعِي ﵀ فتقر بأن الله كان وكان كلامه؛ أو كان اللَّه ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان اللَّه، وكان كلامه.
قال: فتبسم الشَّافِعِي وقال: يا كوفيون، إنكم لتأتوني بعظيم من القول، إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القَبل وكان كلامه، فمن أين لكم الكلام: إن الكلام اللَّه، أو سوى الله، أو غير اللَّه، أو دون اللَّه؟
قال: فسكت الرجل وخرج.
* * *
قال الله ﷿: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)
الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأنزل اللَّه تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ) الآية.
(مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا) الآية.
 
٢ ‏/ ٩٠٧
 
فإن قال قائل: كيف كان النبي ﷺ صالح أهل
الحديبية، ومن صالح من المشركين؟
قيل: كان صلحه لهم طاعة لله، إما عن أمر
الله ﷿ بما صنع نصا، وإما أن يكون اللَّه ﵎ جعل له أن يعقد لمن رأى كا رأى، ثم أنزل قضاءه عليه، فصاروا إلى قضاء اللَّه جل ثناؤه، ونسخ رسول الله ﷺ فعله بفعله، بأمر اللَّه، وكل كان طاعة لله في وقته.
فإن قال قائل، وهل لأحد أن يعقد عقدًا منسوخًا ثم يفسخه؟
قيل له: ليس له أن يبتدئ عقدًا منسوخًا، وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه، كما ليس له أن يصلي إلى بيت المقدس، ثم يصلي إلى الكعبة؛ لأن قبلة بيت المقدس قد نسخت، ومن صلى إلى بيت المقدس مع رسول الله ﷺ قبل نسخها فهو مطيع لله ﷿، كالطاعة له حين
صلى إلى الكعبة.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)
الأم: باب (ممر الجنب والمأثمرك على الأرض ومشيهما عليهما):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن أبي سليمان.
أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم، كانوا يبيتون في المسجد.
منهم جببر بن مطعم، قال جُبير: فكنت أسمع قراءة النبي ﷺ " الحديث.
 
٢ ‏/ ٩٠٨
 
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد
الحرام، فإن اللَّه ﷿ يقول: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) الآية، فلا ينبغي لمشرك أن يدخل الحرم بحال، وإذا بات المشرك في المساجد غير المسجد الحرام، فكذلك المسلم، فإن ابن عمر يروي أنه كان يبيت في المسجد زمان رسول الله ﷺ وهو أعزب، ومساكين الصفة.
الأم (أيضًا): مسأله: إعطاء الجزية على سكنى بلدٍ ودخوله:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)
الآية، قال: فسمعت بعض أهل العلم يقول: المسجد الحرام: الحَرَمُ.
قال الشَّافِعِي ﵀: وبلغتي أن رسول الله ﷺ قال: «لا بنبغي لمسلم أن يؤدي الخراج، ولا لمشرك أن يدخل الحرم» الحديث، قال: وسمعت عددًا من أهل العلم بالمغازي، يروون أنه كان في رسالة النبي ﷺ
«لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا».
فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها، ويجري
عليه الحكم، على أن يترك يدخل الحرم بحال، فليس للإمام أن يقبل منه على
ذلك شيئًا، ولا أن يدع مشركًا يطأ الحرم بحال من الحالات، طبيبًا كان، أو
صانعًا بنيانًا، أو غيره، لتحريم اللَّه ﷿ دخول المشركين المسجد الحرام، وبعده تحريم رسول الله ﷺ ذلك، وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها، ويجري عليه الحكم، على أن يسكن الحجاز، لم يكن ذلك له، والحجاز (مكة، والمدينة، واليمامة ومخالفيها كلها)؛ لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ، وقد كان النبي ﷺ
 
٢ ‏/ ٩٠٩
 
استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال:
«أقرُّكم ما أقرَّكم الله)» الحديث.
ثم أمر رسول الله ﷺ بإجلائهم من الحجاز.
ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال.
الأم (أيضًا): أين يكون اللعان؟:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن كان إلزوج مسلمًا، والزوجة مشركة، التَعَن
الزوج في المسجد، والزوجة في الكنيسة وحيث تعَظّم، وإن شاءت الزوجة
المشركة أن تحضر الزوج في المساجد كلها حضرته، إلا أنها لا تدخل المسجد
الحرام لقول اللَّه تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)
الأم: الحكم في الساحر والساحرة:
قال الشَّافِعِي ﵀: والذي أراد الله ﷿ أن يقتلوا حتى يتوبوا، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة - أهل الأوثان من العرب وغيرهم الذين لا كتاب لهم،
 
٢ ‏/ ٩١٠
 
فإن قال قائل: ما دلَّ على ذلك؟
قيل له: قال الله ﷿: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فمن لم يزل على الشرك مقيمًا، لم يحول عنه إلى
الإسلام، فالقتل على الرجال دون النساء منهم.
الأم (أيضًا): الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه، ومن لا تؤخذ
قال الشَّافِعِي ﵀: فأنزل الله ﷿ على رسوله فرض قتال المشركين - من أهل الكتاب - فقال: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) الآية.
ففرق اللَّه ﷿ كما شاء - لا معقب لحكمه -
بين قتال أهل الأوثان، ففرض أن يُقاتلوا حتى يُسلموا وقتال أهل الكتاب، ففرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية، أو أن يسلموا، وفرق اللَّه بين قتالهم.
أخبرنا الثقة يحيى بن حسان، عن محمد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، عن
سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله ﷺ كان إذا بعث سرية أو جيشًا أمَّرَ عليهم - أميرًا -، قال:
"إذا لقيت عدوًا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو ثلاث خلال - شك علقمة - ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم.
وكفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن أجابوك
 
٢ ‏/ ٩١١
 
فاقبل منهم، وأخبرهم أنهم إن فعلوا، أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم، وإن اختاروا المقام في دارهم - فأعلمهم - أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله ﷿ كما يجري على المسلمين، وليس لهم في الفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن لم يجيبوك إلى الإسلام، فادعهم إلى إعطاء الجرية، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وليست واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى، ولا
واحد من الحديثين ناسخًا للآخر ولا مخالفًا له، ولكن أحد الحديثين والآيتين من الكلام الذي مخرجه عام يراد به الخاص، ومن الجمل الذي يدل عليه المفسر.
الأم (أيضًا): من ترفع عنه الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
فكان بينًا في الآية - واللَّه تعالى أعلم - أن الذين فرض الله ﷿
قتالهم حتى يعطوا الجزية، الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ، فتركوا دين اللَّه ﷿ وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من أهل الكتاب، وكان بينًا أن الذين أمر الله بقتالهم عليها الذين فيهم القتال، وهم الرجال البالغون.
 
٢ ‏/ ٩١٢
 
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أبان رسول الله ﷺ مثل معنى كتاب الله ﷿
فأخذ الجزية من المُحتَلِمِين دون من دونهم، ودون النساء.
الأم (أيضًا): كتاب (الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربى):
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين
قوتلوا حتى يُسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإذا أعطَوها لم
يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم، لقول اللَّه ﷿: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية.
وإذا قوتل أهل الأوثان، وأهل الكتاب، قتلوا وسبيت ذراريهم، ومن لم يبلغ الحلم والمحيض منهم، ونسائهم البوالغ وغير البوالغ، ثم كانوا جميعًا فيئًا، يرفع منهم الخمس، ويقسم الأربعة الأخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب.
الأم (أيضًا): في الأمان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وعلى الوالي إذا مات قبل أن يبين، أو قال وهو
حيّ: لم أؤمنهم أن يردهم إلى مأمنهم، وينبذ إليهم قال الله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)
الآية، فحقن اللَّه دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالإيمان لا غيره، وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالإيمان، أو إعطاء الجزية عن يد وهم
 
٢ ‏/ ٩١٣
 
صاغرون، والصغار: أن يجري عليهم الحكم - أي: حكم الإسلام - لا أعرف منهم خارجًا من هذا من الرجال.
قال الشَّافِعِي ﵀: ويقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار حتى
يسلموا أو يؤدوا الجزية.
الأم (أيضًا): ما قتل أهل دار الحرب من المسلمين فأصابوا من أموالهم:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال ﷿: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
وقال رسول الله ﷺ:
«لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله.» الحديث.
يعني: بما أحدثوا بعد الإسلام؛ لأنهم يلزمهم لو كفروا بعد الإسلام القتل والحدود، ولا يلزمهم ما مضى قبله.
الأم (أيضًا): الصَّغَار مع الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿:
(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية.
فلم يأذن اللَّه ﷿ في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه
حتى يعطيها عن يدٍ صاغرًا.
قال الشَّافِعِي ﵀: وسمعت عددًا من أهل العلم يقولون: الصَّغار: أن
يجري عليهم حكم الإسلام.
 
٢ ‏/ ٩١٤
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الإسلام.
فإذا جرى عليهم حكمه فقد أصغِروا بما يجري عليهم منه.
الأم (أيضًا): كم الجزية»:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎:
(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) الآية.
وكان معقولًا أن الجرية شيء يؤخذ في أوقات، وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير.
قال الشَّافِعِي ﵀: وكان رسول الله ﷺ المبين عن الله ﷿ معنى ما أراد، فأخذ رسول الله ﷺ جزية أهل اليمين دينارًا في كل سنة، أو قيمته من
المعافري، وهي: الثياب.
وكذلك رُوي أنه أخذ من أهل أيلة، ومن نصارى مكة دينارًا عن كل
إنسان، وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة، ولا أدري ما غاية ما أخذ
منهم.
وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل
نجران، يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد كثر من دينار، وأخذها من
(أُكَيْدِر)، ومن مجوس البحرين لا أدري كم غاية ما أخذ، ولم أعلم أحدًا قط
حكى أنه: أخذ من أحد أقل من دينار.
أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر
ابن عبد العزيز، «أن النبي ﷺ كتب إلى أهل اليمن أنه على كل إنسان منكم دينارًا كل سنة أو قيمته من المعافري» الحديث.
يعني أهل الذمة منهم.
 
٢ ‏/ ٩١٥
 
الأم (أيضًا): الصلح على أموال أهل الذمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فكان معقولًا في الآية، أن تكون الجزية غير جائزة - واللَّه تعالى أعلم - إلا معلومًا، ثم دلت سنة رسول الله ﷺ على مثل معنى ما وصفت من أنها معلوم، فأما ما لم يعلم أقله ولا أكثره، ولا كيف أخد من أخَدهُ، من الولاة له، ولا من أخذت منه من أهل الجزية، فليس في معنى سنة رسول الله ﷺ، ولا
نُوقف على حَدِّه.
الأم (أيضًا): الحكم بين أهل الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية.
فكان الضغَار - واللَّه أعلم - أن يجري عليهم حكم
الإسلام، وأذن اللَّه بأخذ الجزية منهم، على أن قد علم شركهم به، واستحلالهم لمحارمه، فلا يكشفوا عن شيء مما استحلوا بينهم، ما لم يكن ضررًا على مسلم أو معاهد أو مستامن غيرهم. . ولا يجوز أن تكون دار الإسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال، لما وصفت
من قول اللَّه ﷿: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية.
الأم (أيضًا): الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
سبق ذكر هذه الفقرة في تفسير قول الله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فليرجع إليها هناك.
 
٢ ‏/ ٩١٦
 
الأم (أيضًا): الصلح على الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن قالوا نعطيكموها - أي: الجزية - ولا يجري علينا حكمكم، لم يلزمنا أن نقبلها منهم؛ لأن الله ﷿ قال:
(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية.
فلم أسمع مخالفًا في أن الصَّغار، أن يعلو حكم الإسلام
على حكم الشرك، ويجري عليهم، ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر
للإسلام وأهله، وإن لم يجرِ عليهم الحكم، كما يكون لنا ترك قتالهم.
ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية، ويجري عليهم الحكم، فاختلفنا نحن وهم في الجزية، فقلنا: لا نقبل إلا كذا، وقالوا: لا نعطيكم إلا كذا، رأيت - والله تعالى أعلم - أن يلزمنا أن نقبل منهم دينارًا دينارًا؛ لأن النبي ﷺ قد أخذه من نصراني بمكة مقهور، ومن
ذمة اليمن وهم مقهورون، ولم يلزمنا أن نأخذ منهم أقل منه - والله تعالى أعلم -؛ لأنا لم نجد رسول الله ﷺ ولا أحدًا من الأئمة أخذ منهم أقل منه.
الأم (أيضًا): باب (دية أهل الذمة):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية، فوجدت الكفار في حكم الله، ثم حكم رسوله في موضع
العبودية للمسلمين:
١ - صنفًا: متى قُدِرَ عليهم تعبدوا، وتؤخذ منهم أموالهم - بأمر الله
صدقة يطهرهم الله بها ويزكيهم -، لا يقبل منهم غير ذلك.
 
٢ ‏/ ٩١٧
 
٢ - صنفًا: يُصنع ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية: (عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
فإعطاء الجزية - يؤخذ من الكفار صَغارًا - إذا لزمهم، فهو صنف من
العبودية، فلا يجوز أن يكون من كان خَوَلًا للمسلمين في حال أو كان خولًا
لهم بكل حال، إلا أن يؤدي جزية فيكون كالعبد المُخارج في بعض حالاته كفؤًا للمسلمين.
الأم (أيضًا) باب (ما ملكه الناس من الصيد)
قال الشَّافِعِي ﵀: فحلال اللَّه تعالى لجميع خلقه، وحرامه عليهم
واحد، وكذلك هو في الخمر والخنزير وثمنهما محرمان على النصراني، كهو على المسلم.
فإن قال قائل: فلم لا تقول: إن ثمن الخمر والخنزير حلال لأهل الكتاب، وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به؟
قيل: قد أعلمنا اللَّه ﷿ أنهم لا يؤمنون به ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله إلى قوله: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فكيف يجوز لأحد عَقَلَ عن اللَّه ﷿ أن يزعم: أنها لهم حلال، وقد أخبرنا اللَّه تعالى أنهم: لا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله؛ فإن قال قائل: فأنت تقرُّهم عليها؟
قلت: نعم، وعلى الشرك بالله؛ لأن اللَّه ﷿ أذن
لنا أن نقرهم على الشرك به، واستحلالهم شربها (أي: الخمر) وتركهم دين
الحق بأن نأخذ منهم الجزية، قوة لأهل دينه، وحجة الله تعالى عليهم قائمة،
 
٢ ‏/ ٩١٨
 
لا مخرج لهم منها، ولا عذر لهم فيها حتى يؤمنوا بالله ورسوله، ويحرِّموا ما حرّم الله ورسوله.
مختصر المزني: الوقف من كتاب (الإيلاء من الإملاء على مسائل ابن
القاسم، والإملاء على مسائل مالك):
قال الشَّافِعِي ﵀: والذمي كالمسلم فيما يلزمه من الإيلاء إذا حاكم
إلينا، وحُكمُ الله تعالى على العباد واحد.
قال المزني ﵀: هذا أشبه القولين به؛ لأن تأويل اللَّه ﷿ عنده: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية، أن تجري عليهم أحكام الإسلام.
مختصر المزني (أيضًا): باب (ما جاء في حد الذميين):
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا خيار له - أي: للحاكم إذا تحاكموا إلينا - إذا
جاؤوه في حدِّ اللَّه فعليه أن يقيمه لما وصفت من قول اللَّه ﷿: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
قال المزني ﵀: هذا أولى قوليه به، كما سبق في الفقرة الماضية.
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد
قال الشَّافِعِي ﵀: فَقَبِلَ عمر ﵁ خبر عبد الرحمن بن عوف ﵁ في المجوس، فأخذ منهم - أي: الجزية - وهو يتلو القرآن (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ويقرأ القرآن بقتال
 
٢ ‏/ ٩١٩
 
الكافرين حتى يسلموا، وهو لا يعرف فيهم عن النبي ﷺ شيئًا، وهم عنده من الكافرين غير أهل الكتاب، فقبل خبر عبد الرحمن في المجوس عن النبي ﷺ، فاتَّبعه.
اختلاف الحديث: باب (الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية، وفيمن دان دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن):
قال الشَّافِعِي ﵀: فاقول: إن النبي ﷺ أخذ الجزية من المجوس، ورأيت المسلمين لم يختلفوا في أن تؤخذ منهم الجزية، ولا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم.
ورُوي هذا عن النبي ﷺ، وأهل الكتاب تؤكل ذبائحهم، وتنكح نساؤهم، وفي هذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت له: إن المجوس ليسوا بأهل كتاب مشهور عند
العامة، باقٍ في أيديهم، فهل من حجة في أن ليسوا بأهل كتاب كالعرب؛ قال: لا، إلا ما وصفت من أن لا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم.
قلت: فكيف أنكرت أن يكون النبي ﷺ دلَّ على أن قول اللَّه: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) الآية، من دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان، وأن يكون إحلال نساء أهل الكتاب، إحلال لنساء بني إسرائيل من دون أهل الكتب سواهم، فيكونون مستوين في الجزية، مختلفين في النساء والذبائح، كما أمر اللَّه بقتال المشركين: (حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) الآية.
وأمر بقتال أهل الكتاب: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية.
فسوَّى بينهم في الشرك، وخالف بينهم في القتال على الشرك.
فقال: - أو قال بعض من حضره - ما في هذا ما أنكره عالم.
 
٢ ‏/ ٩٢٠
 
قال الله ﷿: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)

قال الله ﷿: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: بعثه - أي: للنبي ﷺ
والناس صنفان:
أحدهما: أهل كتاب، بذلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كلذبًا
صاغوه بالسنتهم، فخلطوه بحقِّ الله الذي أنزل إليهم، فذكر ﵎ لنبيه ﷺ من كفرهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
إلى قوله: (عَمَّا يُشْرِكُونَ) الآيتان.
 
٢ ‏/ ٩٢١
 
قال الله ﷿: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
الأم: كتاب الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقضى أن أظهر دينه على الأديان فقال ﷿: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .
وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين كله في غير هذا الموضع.
الأم (أيضًا): (إظهار دين النبي ﷺ على الأديان:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .
أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا
قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله» الحديث.
 
٢ ‏/ ٩٢٢
 
قال الشَّافِعِي ﵀: لما أتي كسرى بكتاب رسول الله ﷺ مزَّقه، فقال رسول الله ﷺ: «يمزق ملكه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي ﷺ ووضعه في مسك، فقال النبي ﷺ:
«يثبت ملكه» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: ووعد رسول الله ﷺ الناس فتح فارس والشام.
فأغزى أبو بكر ﵁ الشام على ثقة من فتحها؛ لقول رسول الله ﷺ ففتح بعضها.
وتم فتحها في زمان عمر ﵁ وفتح العراق وفارس.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقد أظهر الله ﷿ دينه الذي بعث به رسوله ﷺ على الأديان؛ بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق، وما خالفه من الأديان باطل، وأظهره بأن جماع الشرك دينان:
١ - دين أهل الكتاب
٢ - ودين الأميين.
فقهر رسول الله ﷺ الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعًا وكرهًا، وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام، وأعطى بعضهم الجزية صاغرين، وجرى عليهم حكمه ﷺ وهذا ظهور الدِّين كله.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد يقال ليُظهِرن الله ﷿ دينه على الأديان حتى لا يدان للهِ ﷿ إلا به، وذلك متى شاء الله ﵎.
* * *
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤)
 
٢ ‏/ ٩٢٣
 
وقال تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)
الأم: كتاب (الزكاة)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥) الآيتان.
وقال عز ذكره: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأبان الله ﷿ في هاتين الآيتين فرض الزكاة؛ لأنه إنما عاقب على منع ما أوجب، وأبان أن في الذهب والفضة الزكاة.
 
٢ ‏/ ٩٢٤
 
وقال الشَّافِعِي ﵀: قول الله ﷿: (وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يعني: - واللَّه تعالى أعلم - في سبيله الذي فرض من الزكاة وغيرها.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأما دفن المال فضرب من إحرازه، وإذا حل
إحرازه بشيء حل بالدفن وغيره، وقد جاءت السنة بما يدل على ذلك، ثم لا أعلم فيه مخالفًا، ثم الآثار.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن
عمر ﵄ قال: «كل مال يُودَّى زكاته فليس بكنز، وإن كان
مدفونًا، وكل مال لا يُودَّى زكاته فهو كنز، وإن لم يكن مدفوفًا» الحديث.
الأم (أيضًا): باب (غلول الصدقة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﵎: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) إلى قوله: (فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وسبيل الله - واللَّه أعلم -: ما فرض من الصدقة.
أخبرنا الربيع قال:
 
٢ ‏/ ٩٢٥
 
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: جامع بن أبي راشد.
وعبد الملك بن أعين، سمعا أبا وائل، يخبر عن عبد الله بن مسعود ﵁ يقول:
سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«ما من رجل لا يؤدَِّي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة شجاع أقرع، يفرُّ منه، وهو يتبعه حتى يطوِّقه في عنقه» الحديث.
ثم قرأ علينا: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)
قال الشَّافِعِي ﵀: والبيع إلى الصدر جائز، والصدر: يوم النفر من
(منى) .
فإن قال وهو ببلد بغير مكة، إلى مخرج الحاج، أو إلى أن يرجع الحاج.
فالبيع فاسد؛ لأن هذا غير معلوم، فلا يجوز أن يكون الأجل إلى فعل يحدثه
الآدميون؛ لأنهم قد يعجلون السير ويؤخرونه، للعلة التي تحدث، ولا إلى ثمرة الشجرة وحدادها؛ لأنه يختلف في الشهور التي جعلها اللَّه علمًا فقال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا) الآية.
فإنما يكون الجداد بعد الخريف، وقد أدركت الخريف يقع مختلفًا في شهورنا التي وقت الله لنا، يقع في عام شهرًا ثم يعود في شهر بعده، فلا يكون الوقت فيما يخالف شهورنا التي وقت لنا ربنا ﷿.
 
٢ ‏/ ٩٢٦
 
ولا بما يحدثه الآدميون، ولا يكون إلى ما لا عمل للعباد في تقديمه ولا تأخيره، مما جعل اللَّه ﷿ وقتًا
الرسالة: باب (العلم)
قال الشَّافِعِي ﵀: فقلت له - أي: للمحاور -: فرض اللَّه الجهاد في
كتابه، وعلى لسان نبيه - في عدد من الآيات منها: قال اللَّه تعالى:
(وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ثم ذكر حديث أبي هريرة ﵁:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» الحديث.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيام:
قال الشَّافِعِي ﵀: وكانت الأعاجم، تعد الشهور بالأيام، لا بالأهِلَّة
وتذهب إلى أن الحساب - إذا عدت الشهور بالأهِلَّة - يختلف، فأبان اللَّه تعالى: أن الأهلة هي: المواقيت للناس والحج، وذكر الشهور، فقال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية.
فدل على أن الشهور بالأهلة، إذ جعلها المواقيت لا ما ذهبت إليه الأعاجم من العدد بغير الأهلة.
 
٢ ‏/ ٩٢٧
 
ثم بين رسول الله ﷺ ذلك، على ما أنزل الله ﷿، وبين أن الشهر: تسع وعشرون، يعني: أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين، وذلك أنه قد يكونون يعلمون: أن الشهر يكون ثلاثين، فأعلمهم أنه قد يكون تسعًا وعشرين وأعلمهم، أن ذلك للأهلة.
أحكام القرآن (أيضًا): ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة سوى ما مضى:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال رسول الله ﷺ: إن الزمان قد استدار كهيئتة - يوم خلق الله السماوات والأرض - السنة: اثنا عشر شهرًا، منها أربع حرم: ثلاث متواليات
(ذو القعدة، ذو الحجة، ومحرم)، ورجب: شهر مضر، الذي بين جمادى وشعبان.
أحكام القرآن (أيضًا): فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد):
قال الشَّافِعِي ﵀: فرض اللَّه الجهاد في كتابه، وعلى لسان نبيه ﷺ، ثم أكَّد النفير من الجهاد، فقال:
(وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) الآية.
ثم ذكر حديث أبي هريرة: «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا
لا إله إلا الله..» الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٣٧)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة، سوى ما مضى:
أخبرنا أبو سفيان بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع
 
٢ ‏/ ٩٢٨
 
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أكره أن يقال للمُحرّم: صفر؛ ولكن يقال له
المحرم.
وإنما كرهت أن يقال للمحرم: صفر؛ من قِبَل أن أهل الجاهلية كانوا
يعدون، فيقولون صَفَران، للمحرم وصفر، وينسؤون، فيحجون عامًا في الشهر وعامًا في غيره، ويقولون إن أخطانا موضع المحرم في عام، أصبناه في غيره، فأنزل الله ﷿: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فلا شهر يُنسأ - أي بعد بيان اللَّه ورسوله -
وسماه رسول الله ﷺ: المُحَرَّم.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولما مضت لرسول اللَّه ﷺ مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضًا - ثم ذكر عدة آيات منها -:
وقال ﷿: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) إلى: (قَدِيرٌ) الآيتان.
 
٢ ‏/ ٩٢٩
 
الأم (أيضًا): الإقرار بالشيء غير الموصوف:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا قال الرجل: لفلان على مال، أو عندي، أو في
يدي، أو قد استهلكت مالًا عظيمًا، أو قال عظيمًا جدًا، أو عظيمًا عظيمًا، فكل هذا سواء، ويسأل ما أراد، فإن قال: أردت دينارًا، أو درهمًا، أو أقل من درهم مما يقع عليه اسم مال، عَرَضٍ أو غيره، فالقول قوله مع يمينه، وكذلك إن قال مالًا صغيرًا، أو صغيرًا جدًا، أو صغيرًا صغيرًا، من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها يقع عليه قليل، قال الله ﵎:
(فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) الآية.
الأم (أيضًا): كيف تفضل فرض الجهاد؟
قال الشَّافِعِي ﵀: وأبان اللَّه ﷿ في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير:
(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأبان - اللَّه تعالى -، أن لو تخلَّفوا معًا أثموا معًا
بالتخلف، بقوله ﷿: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) الآية.
يعني - والله تعالى أعلم -: إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتُكم، قال: ففرض الجهاد على ما وصفتُ يخرج المتخلفين من المأثم القائم بالكفاية فيه، ويأثمون معًا إذا تخلفوا معًا.
 
٢ ‏/ ٩٣٠
 
الرسالة: باب (العلم):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه جل ثناؤه:
(مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)
إلى: (قَدِيرٌ) الآيتان.
قال الشَّافِعِي ﵀: فاحتملت الآيات: أن يكون الجهاد كله، والنفير
خاصة منه، على كل مطيق له، لا يسع أحدًا منهم التخلف عنه، كما كانت الصلوات والحج والزكاة، فلم يخرج أحد وجب عليه فرض منها، من أن يؤدي غيره الفرض عن نفسه، لأن عمل أحد في هذا لا يكتب لغيره.
واحتملت: أن يكون معنى فرضها غير معنى فرض الصلوات، وذلك أن
يكون قُصِدَ بالفرض فيها فصد الكفاية، فيكون من قام بالكفاية في جهاد مَن جُوهِد من المشركين مُدركًِا تأدية الفرض، ونافلة الفضل، ومُخرجًِا من تخلَّف من الإثم.
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودًا به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية، خرج من ئخلف عنه من المأثم.
ولو ضيَّعُوه معًا خِفْتُ أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا
أشك - إن شاء الله - لقوله: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) الآية.
قال: فما معناها؟
قلت: الدلالة عليها: أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم.
ونفير بعضهم - إذا كانت في نفيره كفاية - يخرج من تخلف من المأثم
- إن شاء اللَّه -؛ لأنه إذا نفر بعضهم وفع عليهم اسم (النفير) .
 
٢ ‏/ ٩٣١
 
قال الله ﷿: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١)
وقال ﷿: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) الآية.
ثم ذكر قومًا تخلَّفوا عن رسول الله ﷺ ممن كان
يظهر الإسلام، فقال: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ)
فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد، بعد إبانته ذلك في غير مكان.
الأم (أيضًا): من لا يجب عليه الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما فرض الله تعالى الجهاد دلَّ في كتابه، وعلى
لسان نبيه ﷺ أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى بالغ، ولا حر
 
٢ ‏/ ٩٣٢
 
لم يبلغ، لقول اللَّه ﷿: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا) الآية، وقرأ الربيع الآية، فكان الله ﷿ حكم أن لا مال للمملوك، ولم يكن مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال، ولم يكن للمملوك مال.
الأم (أيضًا): كيف تفضل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وأبان اللَّه ﷿ في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير:
(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) الآية، وقال ﷿: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) .
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم يغزُ رسول الله ﷺ غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر، فغزا بدرًا وتخلف عنه رجال معروفون، وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته ﷺ، وقال في غزوة تبوك، وفي تجهزه للجمع للروم:
«ليخرج من كل رجلين رجل، فيخلف الباقي الغازي، في أهله وماله» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: وبعث رسول الله ﷺ جيوشًا وسرايا، تخلف عنها بنفسه مع حرصه ﷺ على الجهاد على ما ذكرت.
 
٢ ‏/ ٩٣٣
 
قال الله ﷿: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦)
إلى قوله: (وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ)
الأم: من ليس للإمام أن يغزو به بحال:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم غزا - أي: رسول الله ﷺ- غزوة تبوك، فشهدها معه قوم، منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه؛ فوقاه اللَّه ﷿ شرهم، وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله ﷿ في غزاة تبوك أو منصرفه عنها - ولم يكن في تبوك قتال - من أخبارهم، فقال: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأظهر اللَّه ﷿ لرسوله ﷺ أسرارهم، وخبر السمَّاعين لهم، وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب، والإرجاف، والتخذيل
لهم، فأخبره أنه ﷾ كره انبعاثهم فثبطهم إذا كانوا على هذه
 
٢ ‏/ ٩٣٤
 
النية، كان فيها ما دل على أن الله ﷿ أمر أن يمنع من عُرفِ بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين؛ لأنه ضرر عليهم.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)
الأم: كتاب (قَسْم الصدقات):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الآية.
فأحكم اللَّه فرض الصدقات في كتابه، ثم أكدها فقال:
(فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وليس لأحد أن يفسئمها على غير ما قسمها الله ﷿ عليه، ذلك ما كانت الأصناف موجودة؛ لأنه إنما يُعطَى من وُجد.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا أخذت الصدقة من قوم قسمت على من
معهم في دارهم، من أهل هذه السُّهمان، ولم تخرج من جيرانهم إلى أحد حتى
لا يبقى منهم أحد يستحقها.
 
٢ ‏/ ٩٣٥
 
الأم (أيضًا) باب (جماع قسم المال من الوالي وربِّ المال)
قال الشَّافِعِي ﵀: وجميع ما أخذ من مسلم، من صدقة فطر، وخمس
ركاز، وزكاة معدن، وصدقة ماشية، وزكاة مال، وعشر زرع، وأي أصناف الصدقات أخذ من مسلم، فقَسمُه واحد على الآية التي في برآءة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية.
لا يختلف، وسواء قليله وكثيره على ما وصفتُ.
الأم (أيضًا): قَسم الصدقات الثاني:
قال الشَّافِعِي ﵀: واسم ما أخذ من الزكاة صدقة، وقد سماها اللَّه
تعالى في القسم صدقة، فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية.
نقول: إذا جاء المصدق، يعني: الذي يأخذ الماشية، وتقول: إذا جاء الساعي، وإذا جاء العامل.
قال الشَّافِعِي رحمه الة: قال رسول الله ﷺ:
«ليس فيما دون خمس ذودٍ صدقةْ، ولا فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، ولا فيما دون خمس أواق من الوَرِق صدق» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: والأغلب على أفواه العامة، أن في التمر العشر.
وفي الماشية الصدقة، وفي الورِق الزكاة وقد سمى رسول اللَّه ﷺ هذا كله صدقة.
والعرب تقول له: صدقة وزكاة ومعناهما عندهم معنى واحد.
 
٢ ‏/ ٩٣٦
 
فما أخذ من مسلم من صدقة ماله. . . - مهما كان نوعه ومسماه - مما
وجب عليه في ماله، في كتاب، أو سنة، أو أمر أجمع عليه عوام المسلمين فمعناه واحد أنه زكاة، والزكاة صدقة، وقسمه واحد لا يختلف كما قَسَمَه الله.
الصدقات: ما فرض اللَّه ﷿ على المسلمين فهي طهور.
الأم (أيضًا): باب (الولاء والحِلف)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)
فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى اللَّه، وأن في قول الله
﵎ معنيين:
أحدهما: أنها لمن سُمِّيت له.
والآخر: أنها لا تكون لغيرهم بحال.
وكذلك قول النبي ﷺ:
«إنما الولاء لمن أعتق» الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٧٤)
الأم: المرتد عن الإسلام
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي قول الله آمنوا، ثم كفروا، ثم أظهروا الرجوع
عنه، قال الله تبارك اسمه: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ)
 
٢ ‏/ ٩٣٧
 
فحقن بما أظهروا من الحَلِفِ - ما قالوا كلمة
الكفر - دماءهم بما أظهروا.
الأم (أيضًا): باب (ما يحرم به الدم من الإسلام):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه جل ثناؤه: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ)
فأخبر بكفرهم، وجحدهم
الكفر، وكذب سرائرهم لمجحدهم، وذكر كفرهم في غير آية، وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان، وكانوا على غيره.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أظهره - أي: الإيمان - قوم من المناففين، فأخبر
الله نبيه عنهم أن ما يخفون خلاف ما يعلنون، فقال: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) الآية، مع ما ذكر اللَّه سبحانه به المنافقين، فلم يجعل لنبيه قتلهم إذا أظهروا الإيمان، ولم يمنعهم رسول الله ﷺ مناكحة المسلمين ولا موارثتهم.
الأم (أيضًا): باب (الديات):
قال الشَّافِعِي ﵀: روى عطاء، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعدد
من الحجازين، أن عمر ﵁ فرض الدية اثني عشر ألف درهم، ولم أعلم بالحجاز
 
٢ ‏/ ٩٣٨
 
أحدًا خالف فيه عن الحجازين، ولا عن عثمان بن عفان ﵁، وممن قال الدية اثنا عشر ألف درهم ابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة ﵃ أجمعين
ولا أعلم بالحجاز أحدًا خالف في ذلك قديمًا ولا حديثًا، ولقد روى عكرمة عن النبي ﷺ أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم، وزعم عكرمة أنه نزل فيه: (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) فزعم محمد بن الحسن عن عمر حديثين مختلفين، قال في أحدهما: فرض الدية عشرة آلاف درهم، وقال في الآخر: اثني عشر ألف درهم. ..
* * *
قال الله ﷿: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٨٠)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي سنة رسول الله ﷺ في المنافقين دلالة على أمور منها:
١ - لا يقتل من أظهر التوبة، من كفر بعد إيمان.
٢ - ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية، ولا نصرانية، ولا
مجوسية، ولا دين يُظهرون، إنَّما أظهروا الإسلام، وأسرُّوا الكفر.
 
٢ ‏/ ٩٣٩
 
٣ - فأقرهم رسول الله ﷺ في الظاهر على أحكام المسلمين:
أ - فناكحوا المسلمين ووارثوهم.
ب - وأسهم لمن شهد الحرب منهم.
ج - وتركوا في مساجد المسلمين.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا رَجعَ عن الإيمان أبدًا أشد ولا أبين كفرًا ممن
أخبر الله ﷿ عن كفره بعد إيمانه.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال جل ثناؤه: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
إلى: (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم ذكر الله تعالى قومًا تخلَّفوا عن رسول الله ﷺ ممن كان يظهر الإسلام. . . قال الله ﷿:
(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ) الآية.
 
٢ ‏/ ٩٤٠
 
قرأ الربيع الآية، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤) .
وقال: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
مع ما ذكر به فرض الجهاد، وأوجب على المتخلف عنه.
الأم (أيضًا): من ليس للإمام أن يغزو به بحال.
قال الشَّافِعِي ﵀: فاظهر الله ﷿ لرسوله أسرارهم وخبر السمَّاعين لهم، وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتنزيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم - أي: المنافقين - فثبطهم إذ كانوا على هذه النية، كان فيها ما دل على أن الله ﷿ أمر أن يمنع من عُرف بما عُرفوا به من أن يغزو مع المسلمين؛ لأنه ضرر عليهم، ثم زاد في تكيد بيان ذلك بقوله: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ) قرأ الربيع إلى: (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) الآيات - وبسط الكلام في الموضوع -.
* * *
قال الله ﷿: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٨٥)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فإن اللَّه ﷿ قال:
(وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) إلى قوله: (فَاسِقُونَ) الآية، فإن صلاة رسول اللَّه ﷺ
 
٢ ‏/ ٩٤١
 
مخالفة صلاة المسلمين سواه، لأنا نرجو أن لا يصلي على أحد إلا صلى الله
عليه ورحمه.
فإن قال قائل: ما دل على الفرق بين صلاة رسول الله ﷺ إذ نهي عنهم.
وصلاة المسلمين غيره، فإن رسول الله ﷺ انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له.
ولم ينه اللَّه ﷿ ورسوله ﷺ عنها، ولا عن مواريثهم.
فإن قال قائل: فإن ترك قتلهم جعل لرسول اللَّه ﷺ خاصة، فذلك يدخل عليه فيما سواه من الأحكام، فيقال: فيمن ترك ﵊ قتله، أو قَتْلُه جُعل هذا له خاصة، وليس هذا لأحد، إلا بأن تأتي دلالة على أن أمرًا جُعِلَ خاصة لرسول الله ﷺ، وإلا ما صُنع عام على الناس الاقتداء به في مثله، إلا ما بين هو ﷺ أنه خاص، أو كانت عليه دلالة خبر.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد عاشروا - أي: المنافقين - أبا بكر وعمر
وعثمان ﵃ أئمة الهدى، وهم يعرفون بعضهم، فلم يقتلوا منهم
أحدًا ولم يمنعوه حكم الإسلام في الظاهر، إذ كانوا يظهرون الإسلام وكان عمر ﵁ يمر بحذيفة بن اليمان ﵁ إذا مات ميت، فإن أشار عليه أن اجلس، جلس واستدل على أنه منافق، ولم يمنع من الصلاة عليه مسلمًا، وإنَّما يجلس عمر ﵁ عن الصلاة عليه، أن الجلوس عن الصلاة عليه مباح له في غير المنافق، إذا كان لهم من يصلي عليهم سواه.
 
٢ ‏/ ٩٤٢
 
الأم (أيضًا): تكلف الحجة على قالل القول الأول، وعلى من قال أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره ولا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره:
قال الشَّافِعِي ﵀: ومنهم - أي: من المنافقين - من عَرَّف - اللَّه ﷿ النبي ﷺ عليه.
أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أسامة بن زيد ﵁، قال: «شهدت من نفاق عبد الله بن أبي، ثلاثة مجالس» الحديث.
فإن قال قائل: فقد قال الله ﷿ لرسول اللَّه ﷺ: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله: (وَهُمْ كَافِرُونَ) الآيتان.
قيل فهذا يبين ما قلنا، وخلاف ما قال من خالفنا، فأما أمره أن لا
يصلي عليهم، فإن صلاته بأبي هو وأمي - مخالفة صلاة غيره، وأرجو أن
يكون قضى إذ أمَرَهُ بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر
له، وقضى أن لا يغفر للمقيم على شرك، فنهاه عن الصلاة على من لا يُغفَر له.
* * *
قال الله ﷿: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١)
 
٢ ‏/ ٩٤٣
 
إلى: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
الأم: من له عذر بالضعف والمرض والزمانه في ترك الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿ في الجهاد:
(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) الآية.
وقال: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: وقيل: الأعرج المقعد، والأغلب أنه الأعرج في
الرِّجْل الواحدة، وقيل نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا.
وهو أشبه ما قالوا، وغير محتمل غيره، وهم داخلون في حد الضعفاء.
وغيره خارجين من فرض الحج ولا الصلاة، ولا الصوم، ولا الحدود، ولا
يحتمل - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون أريد بهذه الآية، إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض.
قال الشَّافِعِي ﵀: الغزو غزوان:
 
٢ ‏/ ٩٤٤
 
١ - غزو يبعد عن المغازي: وهو ما بلغ مسيرة ليلتين فاصدتين، حيث
تقصر الصلاة، وتقدم مواقيت الحج من مكة.
٢ - وغزو يقرب: وهو ما كان دون ليلتين مما لا تقصر فيه الصلاة، وما هو
أقرب من - أقرب - المواقيت إلى مكة.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا كان الغزو البعيد، لم يلزم القوي السالم البدن كله، إذا لم يجد مركبًا وسلاحًا ونففة، ويدع لمن تلزمه نفقته، قُوته، إذن فَدْر ما يرى أنه يلبث - في غزوة -، وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق.
قال الشَّافِعِي ﵀: نزل: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا) الآية.
مختصر المزني: باب (من له عذر بالضعف والضرر والزَّمَانة والعذر بترك
الجهاد):
قال الشَّافِعِي ﵀: بعد أن ذكر ما ورد في الأم الفقرة السابقة.
قال: ولا يجاهد إلا بإذن أهل الدِّين، وبإذن أبويه؛ لشفقتهما ورقتهما
عليه، إذا كانا مسلمين، وإن كانا على غير دينه، فإنما يجاهد أهل دينهما، فلا طاعة لهما عليه، قد جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي ﷺ، ولست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي ﷺ، وجاهد عبد الله بن عبد اللَّه بن أبي مع النبي ﷺ، وأبوه متخلف عن النبي ﷺ ب (أحد) يخذِّل من أطاعه.
قال الشَّافِعِي رحمه لله: ومن غزا ممن له عذر، أو حدث له بعد الخروج عذر، كان عليه الرجوع ما لم يلتق الزحفان، أو يكون في موضع يُخاف إن رجع أن يتلف.
 
٢ ‏/ ٩٤٥
 
قال الله ﷿: (قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ)
الأم: من قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا حلف أن لا يكلم رجلًا فأرسل إليه رسولًا، أو
كتب إليه كتابًا فالورع أن يحنث، ولا يبين لي أن يحنث؛ لأن الرسول والكتاب غير الكلام، وإن كان يكون كلامًا في حال، ومن حنَّثهُ ذهب إلى أن اللَّه ﷿ قال:
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) .
وقال: إن اللَّه ﷿ يقول في المنافقين:
(قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) الآية.
وإنما نبأهم بأخبارهم بالوحي الذي ينزل به جبريل ﵇ على النبي ﷺ ويخبرهم النبي ﷺ بوحي اللَّه.
ومن قال: لا يحنث، قال: إن كلام الآدميين لا يشبه كلام اللَّه تعالى، كلام
الآدميين بالمواجهة؛ ألا ترى لو هجر رجل رجلًا كانت الهجرة محرمة عليه فوق ثلاث، فكتب إليه، أو أرسل إليه - وهو يقدر على كلامه - لم يخرجه هذا من هجرته التي يأثم بها.
 
٢ ‏/ ٩٤٦
 
قال الله ﷿: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ)
الأم ٤ كتاب (إبطال الاستحسان)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى في المناففين: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) الآية.
فأمر بقبول ما أظهروا، ولم يجعل لنبيه ﷺ أن
يحكم عليهم خلاف حكم الإيمان، وكذلك حَكمَ نبيه ﷺ على من بعدهم بحكم الإيمان، وهم يُعرفون، أو بعضهم بأعيانهم، منهم من تقوم عليه البينة بقول الكفر، ومنهم من عليه الدلالة في أفعاله، فإذا أظهروا التوبة منه، والقول بالإيمان، حقنت دماؤهم وجمعهم ذكر الإسلام.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) الآية، مع ما ذكر به المناففين، فلم يجعل لنبيه ﷺ قتلهم، إذا أظهروا الإيمان، ولم يمنعهم رسول الله ﷺ مناكحة المسلمين ولا موارثتهم.
* * *
قال الله ﷿: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)
أحكام القرآن: الإذن بالهجرة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وذكر اللَّه ﷿ أهل الهجرة، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) الآية.
 
٢ ‏/ ٩٤٧
 
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم أذن اللَّه لرسوله ﷺ بالهجرة منها، فهاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة، ولم يحرم في هذا، على من بقي بمكة، المقام بها - وهي دار
شرك - وإن قلُّوا، بأن يفتنوا، ولم يأذن لهم بالجهاد.
* * *
قال الله ﷿: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)
الأم: كتاب: (الزكاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية.
وإنما أمَره أن يأخذ منهم ما أوجب عليهم، وذكر
الله ﵎ الزكاة في غير موضع من كتابه سوى ما وصفت منها، فأبان الله ﷿ فرض الزكاة في كتابه، ثم أبان على لسان نبيه ﷺ في أي المال الزكاة، فأبان في المال الذي فيه الزكاة أن منه ما تسقط عنه الزكاة، ومنه ما تثبت عليه، وأن
من الأموال ما لا زكاة فيه.
الأم (أيضًا) باب (الزكاة في أموال اليتامى):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي تول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) إن كل مالك تام الملك من حر له مال فيه زكاة، سواء في أن
عليه فرض الزكاة، بالغًا كان أو صحيحًا أو معتوهًا أو صبيًا؛ لأن كلًا مالك ما
 
٢ ‏/ ٩٤٨
 
يملك صاحبه، وكذلك يجب في ملكه ما يجب في ملك صاحبه، وكان مستغنيًا بما وصفت، من أن على الصبي والمعتوه الزكاة.
الأم (أيضًا): كتاب (ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة لمن يأخذها منه)
أخبرنا الربيع ﵀ قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎ لنبيه ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) الآية.
والصلاة عليهم الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم.
قال الشَّافِعِي ﵀: فحق على الوالي إذا أخذ صدقة امرئ، أن يدعو
له، وأحبّ إليّ أن يقول: (آجرك اللَّه فيما أعطيت، وجعلها لك طهورًا، وبارك لك فيما أبقيت)، وما دعا له به أجزأه إن شاء اللَّه.
الأم (أيضًا): باب (جماع فرض الزكاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية.
ففرض اللَّه ﷿ على من له مال تجب فيه الزكاة، أن
يؤدي الزكاة إلى من جعلت له، وفرض على مَن وَلِيَ الأمر أن يؤديها إلى
الوالي إذا لم يؤدها، وعلى الوالي إذا أداها أن لا يأخذها منه؛ لأنه سماها زكاة
واحدة، لا زكاتين، وفرض الزكاة مما أحكم اللَّه ﷿، وفرضه في كتابه، ثم على لسان نبيه ﷺ وبين في أي المال الزكاة، وفي أي المال تسقط، وكم من الوقت
 
٢ ‏/ ٩٤٩
 
الذي إذا بلغه حلت فيه الزكاة، لماذا لم يبلغه لم تكن فيه زكاة، ومواقيت الزكاة، وما قدرها، فمنها خمس، ومنها عشر، ومنها نصف العشر، ومنها ربع العشر، ومنها بعدد يختلف.
الأم (أيضًا): قسم الصدقات الثاني:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﷿ لنبيه ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)
ففي هذه الآية دلالة على ما وصفت، من أن ليس لأهل الأموال منع ما جعل الله ﷿ عليهم، ولا لمن وليهم ترك ذلك لهم، ولا عليهم.
أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، قال: لم يبلغنا أن أبا بكر وعمر
﵄ أخذا الصدقة مُثناة، ولكن كانا يبعثان عليها في الخصب
والجدب، والسِّمن والعجف، ولا يُضمنانها أهلها، ولا يؤخرانها عن كل عام؛ لأن أخذها في كل عام سُنة من رسول الله ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم نعلم رسول الله ﷺ أخرها عامًّا لا يأخذها فيه.
وقال أبو بكر الصديق ﵁:
«لو مئعوئي عَناقا مما أعطوا رسول الله ﷺ
لقاتلتهم عليها، لا تفرقوا بين ما جمع الله» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: هذا إنما هو فيما أخذ من المسلمين خاصة؛ لأن
الزكاة والطهور إنما هو للمسلمين، والدعاء بالأجر والبركة، وإذا أخذ - أي:
 
٢ ‏/ ٩٥٠
 
الوالي - صدقة مسلم دعا له بالأجر والبركة كما قال اللَّه تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)
أي ادع لهم، فما أخذ من مسلم فهو زكاة، والزكاة الصدقة، والصدقة
زكاة وطهور، أمرهما ومعناهما واحد.
الأم (أيضًا): باب (صدقة الثمر):
قال الشَّافِعِي ﵀: قول اللَّه ﷿: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)
يدل على أنه إذا كان في المال صدقة، والشرط من الصدقة، فإنما يؤخذ منه لا من غيره، فبهذا أقول، وبهذا اخترت القول الأول من أن البيع لازم فيما لا صدقة فيه، وغير لازم فيما فيه الصدقة.
الأم (أيضًا): كراء الأرض البيضاء
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن الله جل ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه ﷺ:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)
وخاطبهم بأن قال: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)
فلما كان الزرع مالًا من مال المسلم، والحصاد حصاد مسلم، تجب فيه الزكاة، وجب عليه ما كان لا يملك رقبة الأرض.
الأم (أيضًا): قَسم الفيء:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: أصل قَسم ما يقوم به الولاة من جُمَلِ المال ثلاثة
وجوه:
أحدها: ما جعله اللَّه ﵎ طهورًا لأهل دينه، قال اللَّه ﷿ لنبيه ﷺ
 
٢ ‏/ ٩٥١
 
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية.
فكل ما أوجب اللَّه ﷿ على مسلم في ماله بلا جناية جناها هو، ولا غيره ممن يعقل عنه، ولا شيء لزمه من كفارة.
ولا شيء ألزمه نفسه لأحدٍ، ولا نفقة لزمته لوالد أو ولد أو مملوك أو زوجة، أو ما كان في معنى هذا فهو صدقة، طهور له، وذلك مثل صدقة الأموال كلها عينيها، وحوليِّها، وماشيتها، وما وجب في مال مسلم من زكاة، أو وجه من وجوه الصدقة في كتاب، أو سنة، أو أثر أجمع عليه المسلمون وقَسم هذا كله واحد لا يختلف في كتاب اللَّه عز ذكره.
الأم (أيضًا): سن تفريق القسم:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفلت - أي: للمحاور - وقد قال اللَّه تعالى:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية.
وقال النبي ﷺ:
«فيما سُقيَ بالسماء العشر» الحديث.
فلم يُخَصَّ مالٌ دون مالٍ: في كتاب الله ﷿، ولا
في هذا الحديث.
الأم (أيضًا): كتاب (قتال أهل البغي، وأهل الردة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قاتل أهل الامتناع بالصدقة، وقتلوا، ثم
قهروا، فلم يَقُدْ منهم أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ، وكلا هذين متأول.
 
٢ ‏/ ٩٥٢
 
١ - أما أهل الامتناع فقالوا: قد فرض الله علينا: أن نؤديها إلى رسوله
كأنهم ذهبوا إلى قول اللَّه ﷿ لرسوله ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)
وقالوا: لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله ﷺ.
٢ - وأما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال، ورأوا أن جهاده
حق، فلم يكن على واحد من الفريقين - أهل الامتناع وأهل البغي - عند
تقضى الحرب قصاص عندنا - واللَّه تعالى أعلم -.
الأم (أيضًا): (ما جاء في أمر النكاح):
قال الشَّافِعِي ﵀: ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتمًا، وفي كل
الحتم من اللَّه الرشد، فيجتمع الحتم والرشد.
وقال بعض أهل العلم: الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد، حتى
توجد الدلالة من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع على أنه - إنما - أريد بالأمر الحتم، فيكون فرضًا لا يحل تركه، كقول الله ﷿: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)
وأشباه هذا في كتاب اللَّه كثير.
الأم (أيضًا): باب (الزكاة):
قال الربيع ﵀:
 
٢ ‏/ ٩٥٣
 
آخر قول الشَّافِعِي ﵀: إذا كان في يديه ألف، وعليه ألف، فعليه
الزكاة.
قال الربيع: من قِبَل أن الذي في يديه إن تلف كان منه، وإن شاء وهبها.
وإن شاء تصدق بها، فلما كانت في جميع أحكامها مالًا من ماله، وقد قال الله ﷿ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية، كانت فيها الزكاة.
الأم (أيضًا): باب (ما جاء في الصدقات):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى المازني.
عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري ﵁ أن النبي ﷺ قال:
«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة» الحديث، فأخذنا نحن وأنتم بهذا، وخالفنا فيه بعض الناس فقال: قال اللَّه ﵎ لنبيه ﷺ:
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية.
وقال النبي ﷺ:
«فيما سقت السماء العشر» الحديث.
لم يخصص اللَّه ﷿ مالًا دون مال، ولم يخصص رسول الله ﷺ في هذا الحديث مالًا دون مال، فهذا الحديث يوافق كتاب الله، والقياس عليه.
وقال - أي صاحب هذا الرأي -: لا يكون مال فيه صدقة، وآخر لا
صدقة فيه، وكل ما أخرجت الأرض من شيء وإن حزمة - من - بقل ففيه
العشر، فكانت حجتنا عليه: أن رسول الله ﷺ المبين عن اللَّه معنى ما أراد، إذ
 
٢ ‏/ ٩٥٤
 
أبان ما يؤخذ منه من الأموال دون ما لم يرد، و- أن - الحديث عن رسول الله ﷺ:
«فيما سقت السماء» جملة، والمفسر يدل على الجملة.
الرسالة: في الزكاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
فكان مخرج الآية عامًّا على الأموال.
وكان يحتمل أن ثكون على بعض الأموال دون بعض، فدلت السنة على
أن الزكاة في بعض الأموال دون بعض.
فلما كان المال أصنافًا: منه الماشية، فأخذ رسول الله ﷺ من الإبل والغنم، وأمر - فيما بلغنا - بالأخذ من البقر خاصة، دون الماشية سواها، ثم أخذ منها بعدد مختلف، كما قضى اللَّه على لسان نبيه ﷺ وكان للناس ماشية من خيل وحُمُر
وبغال وغيرها، فلما لم يأخذ رسول الله ﷺ منها شيئًا، وسن أن ليس في الخيل صدقة، استدللنا على أن الصدقة فيما أخذ منه، وأمر بالأخذ منه دون غيره.
وكان للناس زرع وغراس، فأخذ رسول الله ﷺ من النخل والعنب الزكاة بخرصٍ، غيرُ مختلف ما أخذ منهما، وأخذ منهما معًا العُشر إذا سقيا بسماء أو عين، ونصف العشر إذا سقيا بغرْبٍ وقد أخذ بعض أهل العلم من الزيتون قياسًا على النخل والعنب، ولم يزل للناس غِراس غير النخل والعنب والزيتون
 
٢ ‏/ ٩٥٥
 
كثير، من الجوز واللوز والتين وغيره، فلما لم يأخذ الرسول ﷺ منه ثميئًا، ولم يأمر بالأخذ منه، استدللنا على أن فرض الله الصدقة فيما كان من غراس في بعض الغراس دون بعض.
وزرع الناس الحنطة والشعير والذرة، وأصنافًا سواها، فحفظنا
عن رسول الله ﷺ الأخذ من الحنطة والشعير والذرة وأخذ من قَبلَنا من الدُّخن، والسُّلت، والعَلَس، والأرز وكل ما ئبَّته الناس وجعلوه قوتًا، خبزًا، وعصيدة، وسويقًا، وأذمًا مثل: الحِفص والقطاني فهي تصلح خبزًا، وسويقًا، وأدْمًا، اتباعًا لمن مضى، وقياسًا على ما ثبت أن رسول الله ﷺ أخذ منه الصدقة.
وكان في معنى ما أخذ النبي ﷺ؛ بأن الناس نبَّتوه ليقتاتوه.
وكان للناس نبات غيره، فلم يأخذ رسول الله ﷺ، ولا من بعد رسول الله ﷺ
علمناه، ولم يكن في معنى ما أخذ منه، وذلك مثل: الثُّفَّاء، والأسبيوش.
والكسبرة، وحب العصفر وما أشبهه، فلم تكن فيه زكاة، فدل ذلك على
أن الزكاة في بعض الزرع دون بعض.
وفرض رسول الله ﷺ في الوَرِقِ صدقة.
وأخذ المسلمون في الذهب بعده صدقة، إما بخبر عن النبي ﷺ لم يبلغنا، وإما قياسًا على أن الذهب والورق نقد الناس الذي اكتنزوه وأجازوه أثمانًا على ما تبايعوا به أو أجازوه على ما تبايعوا به في البلدان قبل الإسلام وبعده، وللناس تِبرٌ غيره.
من نحاس وحديد ورصاص، فلما لم بأخذ منه رسول الله ﷺ، ولا أحد بعده زكاة،
 
٢ ‏/ ٩٥٦
 
تركناه، اتباعًا بتركه، وأنه لا يجوز أن يقاس بالذهب والوَرِقِ، اللذين هما الثمَن عامًّا في البلدان على غيرهما، لأنه في غير معناهما، لا زكاة فيه، ويصلح أن يُشترَى بالذهب والوَرِقِ غيرهما من التبر إلى أجل معلوم وبوزن معلوم، وكان الياقوت والزبرجد أكثر ثمنًا من الذهب والوَرِقِ، فلما لم يأخذ منهما رسول الله ﷺ ولم يأمر
بالأخذ، ولا من بعده علمناه، وكانا مالَ الخاصة، وما لا يُقوم به على أحد في شيء استهلكه الناس؛ لأنه غير نقد، لم يؤخذ منهما.
ثم كان ما نقلت العامة عن رسول الله ﷺ في زكاة الماشية والنقد: أنه أخذها في كل سنة مرة.
* * *
قال الله ﷿: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
الأم: باب (الفضل في الصدقلأ):
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن يسار.
عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت أبا القاسم ﷺ يقول:
"والدي نفسي ييده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا، ولا يصعد إلى السماء إلا طيب، إلا كان كأنما يضعها في يد الرحمن، فيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ
 
٢ ‏/ ٩٥٧
 
حنى إن اللقمة لتأتي يوم القيامة، وإنها لمثل الجبل العظيم، ثم قرأ:
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ) الآية " الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)
الأم: باب (في الاستنجاء):
قال الشَّافِعِي ﵀: ويقال: إن قومًا من الأنصار استنجوا بالماء فنزل
فيهم: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) الآية.
وإذا اقتصر المستنجي على الماء دون الحجارة أجزأه؛ لأنه أنقى من الحجارة، وإذا استنجى بالماء فلا عدد في الاستنجاء؛ إلا أن يبلغ من ذلك ما يرى أنه أنقى كل ما هنالك، ولا أحسب ذلك يكون إلا في أكثر من ثلاث مرات، وثلاث فأكثر.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولما مضت لرسول اللَّه ﷺ مدة هجرته، أنعم اللَّه تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد لم تكن قبلها،
 
٢ ‏/ ٩٥٨
 
ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضًا، فقال ﵎:
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) .
أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع.
أخبرنا الشَّافِعِي قال: فرض اللَّه تعالى الجهاد في كتابه، وعلى لسان نبيه ﷺ.
ثم أكَّد النفير من الجهاد، فقال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم ذكر الله تعالى: قومًا تخلَّفوا عن رسول الله ﷺ ممن كان يظهر الإسلام فقال: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ) .
 
٢ ‏/ ٩٥٩
 
فأبان في هذه الآية، أن عليهم الجهاد فيما قَرُبَ وبَعُدَ، بعد إبانته ذلك
في غير مكان، في قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ)
قرأ الربيع إلى: (أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الآيتان.
الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عامًا يراد به العام ويدخله الخصوص):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) الآية.
وهذا في معنى الآية قبلها، وإنما أريد به من أطاق الجهاد من الرجال، وليس
لأحد منهم أن يرغب بنفسه عن نفس النبي ﷺ، أطاق الجهاد أو لم يطقه، ففي هذه الآية الخصوص والعموم.
مختصر المزني: باب (عطية الرجل لولده):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد حمد اللَّه جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في
وجوه الخير وأمر بهما، ومنها: (وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) الآية.
 
٢ ‏/ ٩٦٠
 
قال الله ﷿: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
الأم: من لا يجب عليه الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قال اللَّه تعالى لنبيه ﷺ: (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ)
فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث؛ لأن الإناث: المؤمنات، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)
وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث.
الرسالة: باب (العلم):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
وغزا رسول الله ﷺ وغزا معه من أصحابه
جماعةَ وخلَّف أخرى، حتى تخلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، وأخبرنا
الله أن المسلمين لم يكونوا لينفروا كافة: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ)
فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض، وأن التَّفَقُّه إنما هو على بعض
دون بعض.
 
٢ ‏/ ٩٦١
 
وكذلك ما عدا الفرض في عُظم الفرائض التي لا يسع جهلها - واللَّه
أعلم - وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودًا به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه مِنَ المأثم.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)
الأم: تفريع فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) الآية.
ففرض الله جهاد المشركين، ثم أبان مَن الذين نبدأ بجهادهم
من المشركين، فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين، وكان معقولًا في فرض اللَّه جهادهم أن أولاهم بأن يُجاهَد، أقربهم بالمسلمين دارًا؛ لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم، كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى، وكان من قرب أولى أن يُجاهد من قربه من عورات المسلمين، وأن نكاية من قَرُب أكثر من نكاية من بَعُد.
قال الشَّافِعِي ﵀: فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو، أو
كانت بالمسلمين عليهم قوة، أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين؛ لأنهم
الذين يلونهم، ولا يتناول من خلفهم من طريق المسلمين على عدو دونه، حتى
 
٢ ‏/ ٩٦٢
 
يحكم أمر العدو دونه، بأن يسلموا، أو يعطوا الجزية - إن كانوا أهل كتاب -.
وأحِبُّ له: إن لم يرد تناول عدو وراءهم، ولم يُطِل على المسلمين عدو، أن يبدأ بأقربهم من المسلمين؛ لأنهم أولى باسم الذين يلون المسلمين، وإن كان كل يلي طائفة من المسلمين فلا أحبُّ أن يبدأ بقتال طائفة ئلي قومًا من المسلمين دون آخرين، وإن كانت أقرب منهم من الأخرى إلى قوم غيرهم، فإن اختلف حال العدو، فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض، فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف، أو الأنكى، ولا بأس أن يفعل - ذلك -، وإن كانت داره أبعد - إن شاء اللَّه تعالى - حتى ما يخاف ممن بدأ به، مما لا يخاف من غيره مثله، وتكون هذه بمنزلة ضرورة؛ لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، وقد بلغ النبي ﷺ عن الحارث بن أبي ضرار أنه يجمع له، فأغار النبي ﷺ عليه وقربه عدو
أقرب منه، وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن نُبيح يجمع له، فأرسل ابن أنيس
فقتله، وقربه عدو أقرب.
قال الشَّافِعِي ﵀: وهذه منزلة لا يتباين فيها حال العدو كما
وصفت، والواجب أن يكون أول ما يُبْدَأ به سد أطراف المسلمين بالرجال، وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر، دفع العدو قبل انتياب العدو في
ديارهم؛ حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من
المشركين، وإن قدر على أن يكون فيه أكثر فَعَل، ويكون القائم بولايتهم أهل الأمانة والعقل والنصيحة للمسلمين، والعلم بالحرب والنجدة، والأناة والرفق، والإقدام في موضعه، وقلة البطش والعجلة.
 
٢ ‏/ ٩٦٣
 
قال الله ﷿: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله جل ذكره: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)
وقال: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) .
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو كان هذا الإيمان كله واحدًا لا نقصان فيه ولا
زيادة، لم يكن لأحدٍ فيه فضل، واستوى الناس، وبطل التفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة، وبالنقصان من الإيمان دخل المُفرِّطُون النار.
قال الشَّافِعِي ﵀: إن الله جل وعز، سَابَق بين عباده كما سُوبِق بين
الخيل يوم الزهان، ثم انهم على درجاتهم من سبق عليه، فجعل كل امرئ على درجة سَبقِه، لا يُنقصه فيها حقه، ولا يُقَدَّم مسبوق على سابق، ولا مفضول على فاضل، وبذلك فُضل أول هذه الأمة على آخرها، ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه، للحق أخر هذه الأمة بأولها.
 
٢ ‏/ ٩٦٤
 
قال أحمد بن حنبل ﵀: قد رأيت هذا الجواب عن الإيمان
(لابن عبيد) أبسط من هذا، فإن صحت الحكايتان فيحتمل أن يكون
(أبو عبيد) أخذه عن الشَّافِعِي، ثم زاد في البيان، ويحتمل أن يوافق قولٌ قولًا - والله أعلم -.
* * *
قال الله ﷿: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان خيرتهُ ﷺ المصطفى لوحيه، المنتخبُ لرسالته، المفضُّلُ على جميع خلقه، بفتح رحمته، وختم نبوته، وأعمُّ ما أرسل به مرسل قبله، المرفوعُ ذِكرُهُ مع ذِكر في الأولى، والشافع المشفع في الآخرة، أفضلُ خلقه نفْسًا، وأجمعُهم لكل خُلُق رضيه في دين ودنيا، وخيرُهم نسبًا ودارًا، محمد عبده ورسوله، وعرَّفنا وخَلْقَه نِعَمَهُ الخاصةَ، العامةَ النفع في الدين والدنيا.
فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
الرسالة (أيضًا): باب (البيان الخامس):
قال الشَّافِعِي ﵀: وعرفنا نِعَمَهُ - أي: على رسوله ﷺ بما خَصنا به من مكانه، فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
 
٢ ‏/ ٩٦٥
 

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية