الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

المبحث التاسع والعاشر والحادي عشر ـ كيفية التحلل من الحج

 

كيفية التحلل من الحج

اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة     8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
عدد الأجزاء: 10
التصنيف: الفقه المقارن

 المحتويات

  1. المبحث التاسع ـ كيفية التحلل من الحج
    1. التحلل الأول
    2. التحلل الثاني أو الأكبر
  2. المبحث العاشر ـ محظورات الإحرام أو ممنوعاته، ومباحاته
  3. المحظورات
  4. الأصل الأول ـ لبس المخيط
    1. أـ أما الرجل
    2. ضابط ما يحرم لبسه
    3. ب ـ وأما المرأة
    4. لبس المعذور
  5. الأصل الثاني ـ ترفيه البدن بالطيب وإزالة الشعر وتقليم الظفر ونحوهما مما يجري مجرى الطيب
    1. أما الطيب
    2. ضابط حرمة الطيب
    3. الحنفية
    4. المالكية
    5. الشافعية
    6. الحنابلة
    7. إزالة الشعر
    8. الفدية
    9. الحنفية
    10. المالكية
    11. الأظهر عند الشافعية
    12. الحنابلة
  6. الأصل الثالث ـ النساء
    1. عقد الزواج
    2. الجماع ومقدماته
    3. الرفث والفسوق والجدال
  7. ما يفسد الحج، وحكمه إذا فسد
    1. أولا ـ شروط كونه مفسدا
    2. الأول ـ أن يكون الجماع في الفرج
    3. الثاني ـ أن يكون الجماع عند الحنفية قبل الوقوف بعرفة
    4. ثانيا ـ حكم الحج إذا فسد
    5. الأصل الرابع ـ الصيد
  8. تفصيلات في الصيد الممنوع
    1. قال الحنفية
    2. قال المالكية
    3. قال الشافعية
    4. قال الحنابلة
    5. هل يباح أكله لمحرم آخر لم يصد له؟
    6. مباحات الإحرام
  9. المبحث الحادي عشر ـ جزاء الجنايات
    1. جناية على الإحرام
    2. جناية على الحرم
    3. الجناية على الإحرام
  10. أولا ـ الجناية التي توجب بدنة
  11. ثانيا ـ الجناية التي توجب دمين
  12. ثالثا ـ الجناية التي توجب دما واحدا إما على سبيل التخيير أو الترتيب
  13. رابعا ـ ما يوجب الصدقة
    1. الحنفية
    2. المالكية
    3. الشافعية
    4. الحنابلة
  14. خامسا ـ ما يوجب أقل من نصف صاع: وهو التصدق بما شاء
    1. قال الحنفية
    2. قال المالكية
    3. قال الشافعية
    4. قال الحنابلة
  15. سادسا ـ الجناية التي توجب القيمة أو المثل (جزاء الصيد وقطع النبات)
    1. قال أبو حنيفة
    2. قال المالكية
    3. قال الشافعية
    4. قال الحنابلة
  16. ضوابط جزاء الصيد
    1. أولا ـ وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد
    2. ثانيا ـ الجزاء واجب في الخطأ والعمد
    3. ثالثا ـ الجزاء لا يجب إلا على المحرم
    4. رابعا ـ الجزاء لا يجب إلا بقتل الصيد
    5. خامسا ـ وجوب الجزاء في صيد البر دون صيد البحر بغير خلاف
    6. سادسا ـ كيفية وجوب الجزاء بقتل الصيد
    7. سابعا ـ نوع الجزاء
  17. ضمان جزء الصيد
  18. ضمان مضاعفات الجرح
  19. قاعدة الضمان
  20. كيفية ضمان الطير
    1. ثامنا ـ التخيير في جزاء الصيد
    2. كيفية تقدير الطعام ونوعه
    3. تقدير الصيام
    4. تاسعا ـ ما لا مثل له من الصيد كالجراد
    5. عاشرا ـ تكرار قتل الصيد والاشتراك في القتل
    6. حادي عشر ـ تملك الصيد بالبيع ونحوه وزوال ملكيته عنه، وتملكه بالإرث
  21. جدول محظورات الإحرام
  22. العودة إلي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 

 

المبحث التاسع - كيفية التحلل من الحج:
اتفق الفقهاء على أن في الحج تحللين: تحلل أصغر أو أول، وتحلل أكبر أو ثاني، لكنهم اختلفوا فيما يباح ب التحلل الأول على النحو الآتي (٢):


أما التحلل الأول: 

فيحصل بفعل اثنين من ثلاثة: رمي جمرة العقبة والحلق وطواف الإفاضة، ويحل به كل شيء إلا النساء أي جماعهن ودواعيه عند الحنفية
(١) رواه البخاري.
(٢) البدائع: ١٥٩/ ٢، الدر المختار: ٢٥٠/ ٢ ومابعدها، الشرح الصغير: ٥٨/ ٢ - ٦٠، القوانين الفقهية: ص ١٣٨، المهذب: ٢٣٠/ ١، مغني المحتاج: ٥٠٥/ ١، غاية المنتهى: ٤١٢/ ١، المغني: ٤٣٨/ ٣ ومابعدها، كشاف القناع: ٥٨٥/ ٢.
 
والشافعية والحنابلة، لقوله ﷺ:
«إذا رميتم وحلقتم، فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء» (١) فيبقى ما كان محرمًا عليه من النساء من الوطء والقبلة واللمس لشهوة، وكذا عقد النكاح عند الشافعية والحنابلة، ويحل له ما سواه، كالصيد وحلق الشعر وتقليم الأظفار.
ويحل بهذا التحلل عند المالكية كل شيء إلا النساء والصيد والطيب لقول عمر: «إذا رميتم الجمرة، وذبحتم وحلقتم، فقد حل لكم كل شيء إلا الطيب والنساء» (٢) ولقول الله تعالى: ﴿لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] وهذا حرام.

وأما التحلل الثاني أو الأكبر:

  فيحصل بفعل الشيء الثالث من الأشياء السابقة، فإذا كان قد رمى الجمرة وحلق، ثم طاف طواف الإفاضة، حل له كل شيء من المحرَّمات، وخرج عن إحرامه بالكلية بالإجماع، ويجب عليه الإتيان بما بقي من أعمال الرمي بالاتفاق، والمبيت بمنى عند الجمهور غير الحنفية، مع أنه غير محرم، كما أنه يخرج من الصلاة بالتسليمة الأولى، ويطلب منه التسليمة الثانية، لكن المطلوب في الحج على سبيل الوجوب، وفي الصلاة على سبيل الندب.
ويستحب تأخير الوطء عن باقي أيام الرمي ليزول عنه أثر الإحرام.
(١) رواه سعيد بن منصور عن عائشة ﵂، ورواه الأثرم وأبو داود بلفظ «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء إلا النساء» قال أبو داود، هذا حديث ضعيف (نصب الراية: ٨٠/ ٣ - ٨١) وأخرجه النسائي وابن ماجه عن ابن عباس بلفظ: «إذا رميتم الجمرة، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء».
(٢) هذا منقطع، وقال عبد الله بن الزبير: «من سنة الحج: إذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب، حتى يزور البيت» رواه الحاكم وقال: على شرط الشيخين (نصب الراية: ٨١/ ٣ - ٨٢).
 
المبحث العاشر - محظورات الإحرام أو ممنوعاته، ومباحاته:

 
المحظورات:

 هي ما يحرم على المحرم بحج أوعمرة حتى يحلق رأسه بمنى. وهي أنواع كثيرة ترجع إلى أصول أربعة: هي لبس المخيط، وترفيه البدن وتنظيفه، والصيد، والنساء.
وهي أيضًا نوعان: نوع لا يوجب فساد الحج وهي الأصول الثلاثة الأولى، ونوع يوجب فساد الحج وهو الجماع.
وتفصيل الكلام في هذه المحظورات وآراء الفقهاء فيها على النحو التالي (١):

الأصل الأول -

  لبس المخيط: يختلف الحكم بحسب كون المحرم رجلًا أو امرأة.


أـ أما الرجل: 

 فيحرم عليه بمجرد الإحرام ستر جميع رأسه أو بعضه بكل ما يعد ساترًا، سواء أكان مخيطًا أم غيره، فلا يجوز أن يضع على رأسه ووجهه عمامة ولا خرقة ولا قلنسوة، ولا يغطيه بثوب وإن بدت البشرة من ورائه، ولا يعصبه بعصابة ونحوها، لخبر الصحيحين: «أنه ﷺ قال في المحرم الذي خر عن بعيره ميتًا: لا تختمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» (٢). وذلك كله إلا لحاجة كمداواة أو حر أو برد، فيجوز التغطية، وتجب الفدية.
أما ما لا يعد ساترًا فلا بأس به، مثل أن يتوسد عمامة أو وسادة أو ينغمس في ماء أو يستظل بمحمل أو نحوه. ولا يضر وضع يده على رأسه ولو طال، ولا يضر
(١) البدائع: ١٨٣/ ٢ - ٢٠٦، ٢١٦ - ٢١٩، القوانين الفقهية: ص ١٣٦ - ١٣٨، الشرح الصغير: ٧٤/ ٢ - ١١٠، الإيضاح: ص ٢٣ - ٣١، مغني المحتاج: ٥١٨/ ١ - ٥٢٤، المهذب: ٢٠٤/ ١ - ٢١٢، المغني: ٢٩٥/ ٣ - ٣٤٤، كشاف القناع: ٤٩١/ ٢ - ٥١٠، غاية المنتهى: ٣٧٣/ ١ - ٣٨٢.
(٢) رواه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس (نيل الأوطار: ٨/ ٥).
 
شد خيط عليه لصداع أو غيره. ولو وضع على رأسه حملًا أو زنبيلًا ونحوه، كره، ولا يحرم في الأصح عند الشافعية. ويجوز الاستظلال بمظلة أو بيت أو سيارة أو شجر أو خيمة.
ومنع الحنابلة من الاستظلال بمحمل ونحوه، وبنحو ثوب، ويجوز لعذر ويفدي.
ويحرم أيضًا ستر الوجه وباقي الجسد بغير إزار ورداء، فلا يلبس جبة ولا قميصًا ولا سراويل ولا
خفًا ولا نعلًا مخيطًا، وإنما يلبس نعلًا (١) غير مخيطة أو قبقابًا ونحوه بحيث يظهر أغلب الأصابع، فإن لم يجدها أو لم يجد ثمنها فليلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين في رأي الحنفية والمالكية. وقال الحنابلة في المشهور والشافعية: لا يلزمه قطع الخفين.
ودليل جواز لبس السراويل والخفين عند العذر: ما رواه ابن عباس قال: «سمعت النبي ﷺ يخطب بعرفات يقول: من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل» (٢) ولا فدية عليه في لبسهما عند الحنابلة والشافعية وعليه الفدية عند الحنفية والمالكية لحديث ابن عمر: «أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله ﷺ: لا يلبس القميص ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحدًا لا يجد نعلين، فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئًا مسَّه الزعفران ولا الورس» (٣).
(١) وهو ما يكون مفتوحًا من قدام، أما الحذاء أو الخف الذي له حاجز يستر مقدم الرجل فلايجوز.
(٢) متفق عليه.
(٣) متفق عليه.
 
ودليل الحنابلة والشافعية على عدم لزوم قطع الخفين (١): حديث ابن عباس السابق: «من لم يجد نعلين، فليلبس خفين» وهو متأخر عن حديث ابن عمر المتقدم، لكونه في خطبة عرفات، فيكون ناسخًا له؛ لأنه لو كان القطع واجبًا لبينه للناس، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، والمفهوم من إطلاق لبسِهما لبسُهما على حالهما من غير قطع، والأولى قطعهما عملًا بالحديث الصحيح، وخروجًا من الخلاف وأخذًا بالاحتياط.
ودليل الحنابلة على إسقاط الفدية بلبس السراويل والخفين: خبر ابن عباس أيضًا، لأنه أمر بلبسه، ولم يذكر فدية.

وضابط ما يحرم لبسه: 

هو الملبوس والمعمول على قدر البدن أو قدر عضو منه بحيث يحيط به، إما بخياطة، وإما بغير خياطة، فيشمل القميص والسراويل والجبة والقباء والخف، والقميص المنسوج غير المخيط، والدرع والجورب والملزق بعضه ببعض، والمعقود في سائر أجزاء بدنه.
والأصح عند الشافعية تحريم المداس: وهو الذي لا يستر الكعبين ويستر مقدم الرِجْل.
والمعتبر في اللبس: العادة في كل ملبوس، إذ به يحصل الترفه، فلو ارتدى بالقميص أو القباء أو التحف بهما أو اتزر بالسراويل فلا بأس ولا فدية. ولو ألقى على جسده قَباء (٢) أو عباءة وكان بحيث لو قام أو قعد، لم يستمسك عليه إلا بمزيد عناية، لم تلزمه الفدية، فله أن يجعل المخيط على ظهره من غير لباس، ملتحفًا به أو مرتديًا. ويمنع عند المالكية غير المخيط إذا كان فيه رفاهية كجلد حيوان مسلوخ.
(١) بناء عليه: يجوز لبس الحذاء الحالي (الجزمة أو الصَّباط) إن قطعه من الأمام من أعلى الأصابع، لا من مؤخرته من الوراء لأن الحذاء لا يستر عادة الكعبين، فتحقق قطع الخفين أسفل من الكعبين، ولا فدية حينئذ اتفاقًا.
(٢) كساء منفرج من أمام يلبس فوق الثياب.
 
ولا يجوز عند الشافعية عقد الرداء ولا أن يزره ولا يخله بخلال أو مسلة ولا يربط خيطًا في طرفه، ثم يربطه في طرفه الآخر، فلو زرَّ الإزار أو خاطه، حرم ولزمه الفدية. وله أن يعقد إزاره لستر العورة، لا رداءه، وله أن يغرز طرف ردائه في إزاره. وقال الحنفية: يكره أن يخلل الإزار بالخلال وأن يعقد الإزار.
وله عند الشافعية والحنفية والحنابلة أن يتقلد السيف للحاجة (١)، ويشد على وسطه الهِمْيان (٢) والمِنْطقة، ويلبس الخاتم والساعة.
ولا يلبس ثوبًا مصبوغًا بوَرْس (٣) ولا زعفران ولا عُصْفُر (٤)، للحديث الصحيح: «ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران».
ومن أحرم وعليه قميص، فنزعه في الحال فلا فدية عليه، لقول النبي ﷺ لرجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب: «أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك» (٥) فلم يأمر الرجل بفدية، أما إن استدام اللبس بعد إمكان نزعه، فعليه الفدية؛ لأن استدامة اللبس محرم كابتدائه، بدليل أن النبي ﷺ أمر الرجل بنزع جبته (٦).

ب - وأما المرأة: 

 فتستر بالمخيط رأسها وسائر بدنها سوى الوجه، فالوجه في
(١) روى البخاري وأحمد عن البراء وعن ابن عمر أن النبي ﷺ اتفق مع أهل مكة في عمرة القضاء ألا يحمل سلاحًا عليهم إلا السيوف (نيل الأوطار: ٩/ ٥).
(٢) وهو ما يجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط. والمنطقة: حزام يجعل كالكيس يوضع فيه الدراهم.
(٣) الورس: نبت أصفر يزرع في اليمن، ويصبغ به، ويطيب به الطعام.
(٤) لأن لها رائحة طيبة.
(٥) متفق عليه.
(٦) قال ابن قدامة الحنبلي: وإنما لم يأمره بفدية لما مضى، فيما نرى، لأنه كان جاهلًا بالتحريم، فجرى مجرى الناسي.
 
حقها كرأس الرجل، وإحرامها في وجهها، فيحرم عليها تغطيته في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه باتفاق العلماء، لقوله ﷺ: «ولا تنتقب المرأة ولاتلبس القفازين» (١) وقوله: «إحرام المرأة في وجهها».
لكن قال الحنابلة: ولا خلاف في أن المرأة إذا احتاجت أحيانًا إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها (٢). لما روي عن عائشة ﵂ قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله ﷺ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» (٣)، ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق كالعورة.
وأباح المالكية للمرأة ستر وجهها عند الفتنة بلا غرز للساتر بإبرة ونحوها، وبلا ربط له برأسها، بل المطلوب سدله على رأسها ووجهها، أو تجعله كاللثام وتلقي طرفيه على رأسها بلا غرز ولا ربط (٤).
وأجاز الشافعية والحنفية (٥) ذلك بوجود حاجز عن الوجه فقالوا: للمرأة أن تسدل على وجهها ثوبًا متجافيًا عنه بخشبة ونحوها، سواء فعلته لحاجة من حر أو برد أو خوف فتنة ونحوها، أو لغير حاجة، فإن وقعت الخشبة فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها ورفعته في الحال، فلا فدية. وإن كان عمدًا وقعت بغير اختيارها فاستدامت، لزمتها الفدية. وقال الشافعية: وإن ستر الخنثى المشكل
(١) رواه البخاري وغيره.
(٢) المغني: ٣٢٥/ ٣ - ٣٢٦.
(٣) رواه أبو داود والأثرم.
(٤) الشرح الصغير: ٧٥/ ٢.
(٥) الإيضاح: ص ٢٤، البدائع: ١٨٦/ ٢.
 
وجهه فقط أو رأسه فقط، فلا فدية عليه، وإن سترهما معًا، لزمته الفدية. والصحيح عند الشافعية ألا فدية على المرأة إن اختضبت ولفت على يدها خرقة أو لفتها بلا خضاب.
ويحرم على الرجل لبس القفازين في يده، ويحرم ذلك أيضًا على المرأة، على الأصح عند الشافعية، ويلزمهما بلبسه الفدية.

لبس المعذور: 

يلاحظ أن تحريم اللبس والستر هو إذا لم يكن عذر، فإذا لبس أو ستر شيئًا مما يجب كشفه، أثم ولزمته الفدية. أما المعذور الذي يحتاج لستر رأسه أو لبس المخيط لحر أو برد أو مداواة أو نحوها، أو احتاجت المرأة إلى ستر وجهها، فيجوز له وعليه الفدية.
والخلاصة: يحرم على الرجل لبس ما يحيط بالبدن أو الكف أو أي عضو إلا الخاتم والمنطقة والساعة ونحوها، وحكم المرأة في ذلك كله كالرجل إلا في ثلاثة أمور تجوز لها السترة وهي لبس المخيط والخفين وتغطية رأسها.

الأصل الثاني - ترفيه البدن بالطيب وإزالة الشعر وتقليم الظفر ونحوهما مما يجري مجرى الطيب:

 
أما الطيب: فيحرم على المحرم استعماله في ثوب أو بدن، 

 لقوله ﷺ: «ولايلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران» والورس طيب. وكذا يحرم عند الشافعية دهن الرأس أو اللحية ولو من امرأة، ولو كان الدهن غير مطيب كزيت وشمع مذاب، لما فيه من التزين المنافي لحال المحرم فإنه أشعث أغبر، كما ورد في الخبر: «المحرم: الأشعث الأغبر» (١) ولقوله ﷺ في المحرم الذي وقصت به ناقته: «لا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيبًا» فإن تطيب أو ادهن فعليه فدية.
(١) أخرج الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر قال: «قام رجل إلى النبي ﷺ فقال: من الحاج؟ فقال: الشعث التفل».
 
وقال أبو حنيفة: لو ادهن بدهن مطيب كدهن البنفسج والورد والزئبق، فعليه دم إذا بلغ عضوًا كاملًا، وكذا لو ادهن بغير مطيب كالزيت والشيرج.

وضابط حرمة الطيب 

 عند الحنفية: 

هو مس الطيب بحيث يلزَق شيء منه بثوبه أو بدنه كاستعمال ماء الورد والمسك وغيرهما.
ولابأس عند الحنفية أن يغتسل المحرم ويدخل الحمام لأنه طهارة، فلا يمنع منها، وله أن يكتحل؛ لأن الكحل ليس له رائحة طيبة، فلا يكون طيبًا، ولكن لا يغسل رأسه ولا لحيته بالخِطمي؛ لأنه نوع طيب، ولأنه يقتل هوام الرأس.

وضابط حرمة الطيب عند المالكية كالحنفية: 

هو مس الطيب، ويكره شمه بلا مسّ له ولا يدهن مطلقًا بطيب لغير علة، وإلا جاز؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، ولابدهن غير مطيب، ولا يكتحل إلا من ضرورة، فيكتحل بما لا طيب فيه، ولا يأكل طعامًا فيه طيب لم تمسه النار، ولا يصحب طيبًا فيكره، ولا يستديم شمه فيكره. ولا يدخل الحمام للتنظيف، ويجوز للتبرد أو الجنابة، وعليه الفدية ك الشافعية وأبي حنيفة بدهن شيء من جسده أو شعره بدهن ولو بغير مطيب لغير ضرورة كعلة مرضية، فإن وجدت علة جاز الادهان ببطن كف أو بطن رجل ولا فدية اتفاقًا، وهناك قولان بالفدية وعدمها في دهن ظاهر الجسد (١).


ورأي الشافعية كالحنفية والمالكية في الاستعمال المحرم للطيب: 

 وهو أن يلصق الطيب ببدنه أو ثوبه على الوجه المعتاد في ذلك الطيب، فلو طيب جزءًا من بدنه بمسك أو نحوه لزمته الفدية، سواء في ظاهر البدن أو باطنه، بأن أكله أو احتقن به أو استعط. ولا يحرم أن يجلس في حانوت عطار أو موضع يبخر أو عند
(١) الشرح الكبير: ٥٩/ ٢ - ٦١.
 
الكعبة وهي تبخر. ويكره في الأصح قصد اشتمام الرائحة. ولا فدية في الأصح إن مس طيبًا فلم يعلق به شيء من عينه (ذات الطيب) ولو شم الورد فقد تطيب، ولوشم ماء الورد فليس متطيبًا. ولو حمل مسكًا في زجاجة مغلقة، أو خرقة مشدودة أو كيس، فلا إثم عليه ولافدية، وإن وجد رائحته.
وتحريم استعمال الطيب هو في حالة القصد، فإن تطيب ناسيًا لإحرامه أو جاهلًا بتحريم الطيب أو مكرهًا، فلا إثم ولا فدية. وكذا لا إثم ولا فدية إذا جهل كون المستعمل طيبًا، والأظهر عدم وجوب الفدية لو مس طيبًا يظنه يابسًا لا يعلق منه شيء، فكان رطبًا.
ومتى ألصق طيبًا ببدنه أو ثوبه على وجه يقتضي التحريم، عصى ولزمه الفدية، ووجب عليه المبادرة إلى إزالته.
وإن استهلك الطيب في المخالط له بأن لم يبق له ريح ولا طعم ولا لون، كأن استعمل في دواء وأكله، جاز ولا فدية، فإن بقيت له رائحة في المستهلك فدى، ويجوز أكل ما فيه ريح طيبة كالتفاح والأترج. وإن بقي اللون دون الرائحة والطعم لم يحرم الدهن المستهلك على الأصح.
ويحرم كما بينت عندهم دهن شعر الرأس واللحية بكل دهن، سواء أكان مطيبًا أم غير مطيب كالزيت والسمن ودهن الجوز واللوز. ولا بأس أن يدهن الأقرع رأسه، أو يدهن الأمرد ذقنه. ويجوز استعمال هذا الدهن في جميع البدن سوى الرأس واللحية، ولو شعرة أو بعضها، وبقية شعور الوجه كاللحية على المعتمد.
ولا يكره عند الشافعية غسل البدن والرأس بخطمي ونحوه كسدر وصابون من غير نتف، والأولى تركه، وترك الاكتحال الذي لا طيب فيه.
 
والمعتمد عندهم كراهة ترجيل (تسريح) الشعر، وحك الشعر بالظفر.

وتشدد الحنابلة فقالوا: 

 يحرم تعمد الطيب مسًا وشمًا واستعمالًا، فمتى طيب محرم ثوبه أو بدنه، أو استعمل في أكل أو شرب أو ادهان أواكتحال أو استعاط أو احتقان طيبًا يظهر طعمه أو ريحه، أو قصد شم دهن مطيب أو مسك أو عنبر أو زعفران أو ورس أو بخور عود أو نحوه، أو ما ينبته آدمي لطيب ويتخذ منه كورد وبنفسج ومنثور وياسمين وزنبق، وشمه أو مس ما يعلق به كماء ورد، حرم وعليه الفدية.
ولا يحرم إن شم بلا قصد، أو مس ما لا يعلق بالجسد كقطع المسك، أو شم الفواكه أو النباتات الصحراوية كالخزامى والقيصوم والنرجس والإذخر، أو ما ينبته آدمي لا بقصد طيب كحناء وعصفر وقرنفل، أو ادهن للحاجة بغير مطيب كزيت وشيرج، ولو في رأسه أو بدنه؛ لأن النبي ﷺ فعله (١)، أو شم بلا قصد بسبب الجلوس عند عطار. وإذا تطيب ناسيًا أو عامدًا لزمه إزالته بما أمكن من الماء وغيره من المائعات. ولا يضر بقاء اللون دون الرائحة والطعم من الدهن المطيب في أكل أو شرب، لذهاب المقصود.
وللمحرم غسل رأسه وبدنه في حمام وغيره، بلا تسريح؛ لأن تسريحه تعريض لقطع الشعر، وله مع الكراهة الغسل بسدر وخطمي ونحوهما كصابون وأشنان. وله غسل ثياب الإحرام.
والخلاصة: تحريم مسّ الطيب بالاتفاق، وكذا قصد شمه عند الحنابلة، ويكره عند غيرهم، وتحريم الادهان بالزيوت مطلقًا عند أبي حنيفة والمالكية، وبالدهن
(١) رواه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث ابن عمر مرفوعًا، وهو ضعيف.
 
المطيب عند الحنابلة، دون غير المطيب، ودهن الشعر والرأس فقط مطلقًا عند الشافعية ولو بغير مطيب. ويجوز الاغتسال ولو بالصابون عند الشافعية والحنابلة، ولا يجوز بالصابون ونحوه عند الحنفية، ويغتسل عند المالكية للتبرد لا للتنظيف.


وأما إزالة الشعر من جميع بدنه ولو من أنفه بالحلق أو النتف وتقليم الأظفار:

  فحرام بالاتفاق لقوله تعالى: ﴿ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله﴾ [البقرة:١٩٦/ ٢] وقيس سائر البدن على الرأس؛ لأنه في معناه، إذ حلقه يؤذن بالرفاهية، وهو ينافي الإحرام، والمحرم أشعث أغبر. وقيس النتف والقلع على الحلق؛ لأنهما في معناه، وإنما عبر النص بالحلق لأنه الغالب.
فلا يقلم أظفاره ولا ينتف إبطه ولا يحلق عانته ولا شاربه وغيرهما من شعور البدن، ولا يقص شعره وشعر غيره، ولا يزيل الشعث والوسخ، ولا يطرح التفث (وهو الظفر المنكسر والشعر المنتوف وشبهه) ولا يقتل قملة ولا برغوثًا ولا يطرحهما عن نفسه، ولا يطرح القراد عن دابته، ولا يحك ما لا يراه من بدنه حكًا عنيفًا لئلا يكون فيه قملة فتقع، وذلك كله بغير عذر، فإن كان بعذر فلا إثم.

أما الفدية ففيها تفصيل آراء الفقهاء:

 
قال الحنفية: 

إن حلق رأسه أو ربع رأسه أو ثلثه من غير عذر، فعليه دم لا يجزئه غيره؛ لأنه ارتفاق كامل من غير ضرورة، وإن حلقه لعذر، فعليه أحد الأشياء الثلاثة، لقوله ﷿: ﴿فمن كان منكم مريضًا أوبه أذى من رأسه، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك﴾ [البقرة:١٩٦/ ٢]. وإن حلق دون الربع فعليه الصدقة عند أبي حنيفة.
وإن حلق شاربه فعليه صدقة؛ لأن الشارب تبع للحية. وإذا نتف أحد الإبطين أو كليهما فعليه كفارة واحدة وهو الدم. وإذا قلم ظفرًا عليه نصف صاع
 
لكل ظفر، وإن قلم أظافير يد أو أو رجل من غير عذر وضرورة، فعليه دم؛ لأنه ارتفاق كامل، فتكاملت الجناية، فتجب كفارة كاملة. ويجب الجزاء بالحلق والتقليم العمد والسهو والطوع والكره.

وقال المالكية: 

 في إزالة الشعر والظفر الواحد والشعرات الأظفار العشرة لغير إماطة الأذى: حفنة من طعام، وفي قتل القَمْلة والقَملات إلى العشرة أو طرحها بلا قتل لا لإماطة الأذى حفنة من طعام يعطيها لفقير، فإن زاد عن العشرة ففدية تلزمه.
ولا شيء في طرح بُرْغوث ونحوه من كل ما يعيش بالأرض كدود ونمل وبعوض وقراد، إذا لم يقتله، ولا شيء في دخول حمام ولو طال مكثه فيه، إلا أن يزيل الوسخ عن جسده، فتلزمه الفدية حينئذ.
ولا يحرم إزالة ما تحت أظفاره وغسل يديه بمزيل الوسخ كالأشنان. ولا شيء بتساقط شعر من لحية أو رأس أو غيرهما بسبب وضوء أو غسل.

والأظهر عند الشافعية

 أن في الشعرة الواحدة مد طعام، وفي الشعرتين مدين، وتكمل الفدية في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار، ولو كان ناسيًا أوجاهلًا على الأصح، ولو بواسطة كحجامة وحك بنحو ظفر وتحريك رجل راكب على برذعة أو قتَب، وامتشاط، فيحرم ذلك إن علم إزالة الشعر به. وتجب الفدية، وإلا فيكره ولا فدية. ومنع الحنفية والمالكية الامتشاط مطلقًا.
وللمعذور في الحلق لإيذاء أو وسخ أو حر أو جراحة أو نحو ذلك أن يحلق ويفدي، لقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك﴾ [البقرة:١٩٦/ ٢]، وفي الصحيحين عن كعب بن عُجْرة قال: «فيَّ نزلت هذه الآية، أتيت رسول الله ﷺ، فقال: ادن فدنوت، فقال:
 
أيؤذيك هوام رأسك؟ قال ابن عوف: وأظنه قال: نعم، قال: فأمرني بفدية من صيام أو صدقة أو نسك» (١).
ولكن يجوز قلع شعرة نبتت داخل جفنه وتأذى بها، ولا فدية، وكذا يجوز قطع شعر حاجبه أو رأسه إذا غطى عينه، ولا فدية، وكذا قطع ما انكسر من ظفره وتأذى به، ولا يقطع معه من الصحيح شيئًا.
والمعتمد كراهة ترجيل (تسريح الشعر) وحك الشعر بالظفر، ولا يكره كما بينت غسل بدنه ورأسه بخطمي وسدر من غير نتف شعر؛ لأن ذلك ليس للتزين، بل لإزالة الوسخ، لكن الأولى تركه، وللمحرم الاحتجام والفصد ما لم يقطع بهما شعرًا، والأولى ترك الاكتحال الذي لا طيب فيه، وأما ما فيه طيب فهو حرام. ولا شيء بسقوط الشعر وحده دون نتف أو إزالة أو حك بنحو ظفر أو أثناء حجامة أو امتشاط.

وقال الحنابلة كالشافعية: 

 يجب إطعام مسكين فيما دون ثلاث من شعر أو ظفر، وتجب الفدية في ثلاث منها أو في التطيب واللبس، ولو في أثناء التمشيط أو تخليل اللحية، أو كان ناسيًا أو مكرهًا. ويباح حك بدنه برفق بلا قطع شعره.
ولا فدية إن تفلى أو قتل قملًا، فإن كعب بن عجرة حين حلق رأسه قد أذهب قملًا كثيرًا، ولم يجب عليه لذلك شيء، وإنما وجبت الفدية بحلق الشعر، ولأن القمل لا قيمة له، فأشبه البعوض والبراغيث، ولأنه ليس بصيد ولا هو مأكول. وله قلم الظفر إذا انكسر بقدر المنكسر من غير فدية تلزمه، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر، ولأن
(١) نيل الأوطار: ١١/ ٥.
 
ما انكسر يؤذيه ويؤلمه، فأشبه الشعر النابت في عينه، والصيد الصائل عليه. فإن قص أكثر مما انكسر فعليه الفدية لذلك الزائد.
ولا ينظر في المرآة لإصلاح شيء كإزالة شعث أو تسوية شعر أو شيء من الزينة، لحديث «إن المحرم الأشعث الأغبر» وفي حديث آخر: «إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثًا غبرًا ضاحين» أو كما جاء لفظ الحديث. ولافدية عليه بالنظر في المرآة على كل حال، وإنما ذلك أدب لا شيء على تاركه. وله النظر في المرآة لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر نبت في جفنه ونحو ذلك مما أباح الشرع له فعله. والخلاصة: يكره النظر لزينة، ويجوز لحاجة.

الأصل الثالث - النساء:
وهذا يشمل أمرين: عقد الزواج، والجماع ومقدماته.


أما عقد الزواج:

 فيحرم ولا يصح عند الجمهور إلا في حق النبي ﷺ إن ثبت تزوجه ميمونة وهو محرم - ولا فدية فيه، فلا يتزوج المحرم ولو بوكيل غير محرم، ولا يزوج بولاية أو وكالة، فإن فعل فالزواج باطل. لقوله ﷺ: «لا يَنْكح المحرم ولا يُنكح، ولا يخطب» (١)، ولأن الإحرام يحرم الطيب، فيحرم النكاح كالعدة. ومتى تزوج المحرم أو زوج، أو زُوِّجت محرمة، فالنكاح باطل؛ لأنه منهي عنه.
وتكره الخطبة للمحرم، وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب لحلال (غير محرم)، للحديث السابق «ولا يخطب» ولأنه تسبب إلى الحرام، فأشبه الإشارة إلى الصيد.
(١) رواه مسلم.
 
والإحرام الفاسد كالصحيح في منع النكاح وسائر المحظورات؛ لأن حكمه باق في وجوب ما يجب في الإحرام، فكذلك ما يحرم به.
وأجاز الحنفية الزواج والخطبة للمحرم، لما روى ابن عباس: «أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم» (١). ورد الجمهور بحديث ميمونة: «أن النبي ﷺ تزوجها حلالًا، وبنى بها حلالًا، وماتت بسَرف في الظلة التي بنى بها فيها» (٢) وبحديث أبي رافع قال: «تزوج رسول الله ﷺ ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما» (٣) وميمونة وأبو رافع أعلم بذلك من ابن عباس، وأولى بالتقديم لو كان ابن عباس كبيرًا، فكيف وقد كان صغيرًا لا يعرف حقائق الأمور، ولا يقف عليها، وقد أنكر عليه هذا القول، وقال سعيد بن المسيب: «وَهِم ابن عباس، ما تزوجها النبي ﷺ إلا حلالًا». ثم إن حديث «لا ينكح المحرم ...» قول، فيقدم على الفعل المروي عن ابن عباس، وهو آكد، لأن الفعل يحتمل أن يكون مختصًا بما فعله ﵇.

وأما الجماع ومقدماته: 

فيحرم بالاتفاق ولو لبهيمة، ويحرم على المرأة الحلال تمكين زوجها المحرم من الجماع؛ لأنه إعانة على معصية، ويحرم على الرجل الحلال جماع زوجته المحرمة.
وبناء عليه: يحرم على المحرم الوطء في الفرج، ومقدمات الجماع من تقبيل ولمس بشهوة ومباشرة وجماع فيما دون الفرج، لقوله تعالى: ﴿الحج أشهر
(١) متفق عليه.
(٢) رواه أبو داود والأثرم.
(٣) قال الترمذي: هذا حديث حسن، وميمونة أعلم بنفسها، وأبو رافع صاحب القصة، وهو السفير فيها.
 
معلومات، فمن فرض فيهن الحج، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾ [البقرة:١٩٧/ ٢] والرفث: ما يكنى به عن الجماع وجميع حاجات الرجال إلى النساء.

الرفث والفسوق والجدال 

ويتوقى المحرم في إحرامه ما نهاه الله عنه في هذه الآية من الرفث (الجماع) والفسوق وهو السباب، والجدال: وهو المراء والمجادلة. وقال النبي ﷺ:
«من حج فلم يرفُث ولم يفسُق، خرج من ذنوبه كيومَ ولدته أمه» (١).
فإن جامع قبل الوقوف بعرفة أفسد حجه ومضى في فاسده وعليه القضاء فورًا من العام القادم، حتى وإن كان نسكه تطوعًا، وعليه بدنة، لقضاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم بذلك، كما سأبين.
وإن جامع بين التحللين، أو جامع ثانيًا بعد جماعه الأول قبل التحللين، فعليه شاة.
وإن جامع فيما دون الفرج أنزل أو لم ينزل، أو قبل أو لمس بشهوة أو باشر، فعليه دم، لكن لا يفسد حجه عند الجمهور غير المالكية، قال ابن عمر: «إذا باشر المحرم امرأته، فعليه دم» وذلك سواء فعل ما ذكر من الجماع ومقدماته عامدًا أو ناسيًا أو مكرهًا. أما لو نظر إلى فرج امرأته عن شهوة، فأمنى، فلا شيء عليه، بخلاف المس عن شهوة، إنه يوجب الدم، أمنى أو لم يمن، والفرق: أن اللمس: استمتاع بالمرأة وقضاء للشهوة، أما النظر فليس استمتاعًا ولا قضاء للشهوة، بل هو سبب لزرع الشهوة في القلب، والمحرم ليس ممنوعا عما يزرع الشهوة كالأكل.
ورأى الشافعية أنه إن باشر فيما دون الفرج ناسيًا فلا شيء عليه، سواء أنزل
(١) متفق عليه.
 
أم لا. والاستمناء باليد يوجب الفدية. ولو كرر النظر إلى امرأة فأنزل من غير مباشرة ولا استمناء، فلا فدية عليه، كما قال الحنفية.
وكذلك قال الحنابلة: إن فكر أو نظر فأنزل فلا شيء عليه؛ لأن النبي ﷺ كان ينظر إلى نسائه وهو محرم. وإن كرر النظر حتى أمذى أو أمنى، فعليه دم عندهم.
أما المالكية فقالوا: إن إنزال المني مفسد الحج والعمرة مطلقًا، حتى وإن حدث بنظر أو فكر مستديمين، لا بمجردهما، بخلاف الإنزال بغيرهما لا يشترط فيه الإدامة. وبه يلتقي الحنابلة مع المالكية في إيجاب الدم في حال الاستدامة، لكن يختلف المذهبان في مجرد النظر أو الفكر، فعند المالكية: يجب دم، وعند الحنابلة: لا شيء عليه.
وللمحرم بالاتفاق أن يتجر ويصنع الصنائع ويرتجع زوجته مادامت في عدتها، لقوله تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًامن ربكم﴾ [البقرة:١٩٨/ ٢] أي في مواسم الحج، والمرأة الرجعية زوجة، والرجعة إمساك، لقوله تعالى: ﴿فأمسكوهن بمعروف﴾ [البقرة:٢٣١/ ٢] فأبيح ذلك كالإمساك قبل الطلاق.

ما يفسد الحج، وحكمه إذا فسد:

 
أولًا - شروط كونه مفسدًا: 

يشترط في الجماع المفسد للحج شرطان عند الحنفية وغيرهم:


الأول - أن يكون الجماع في الفرج: 

 وهذا متفق عليه، فلو جامع فيما دون الفرج، أو لمس بشهوة، أو عانق، أو قبل، أو باشر، لا يفسد حجه، لكن تلزمه عند الحنفية الكفارة، سواء أنزل أو لم ينزل.
 
وقال المالكية: وكذا الإنزال بالوطء أو بغيرالوطء إلا الاحتلام يوجب الدم.
ورأى الشافعية: أن الاستمناء باليد والمباشرة فيما دون الفرج حرام، لا يفسد الحج، ويوجب الدم إن أنزل. وشرطوا لإفساد الحج بالجماع أن يكون المجامع عالمًا بالتحريم، فإن كان ناسيًا أو جاهلًا بالتحريم أو جومعت المرأة مكرهة، لم يفسد الحج ولا فدية أيضًا في الأصح. والجماع وحده هو الذي يفسد الحج، سواء للرجل والمرأة، حتى لو استدخلت المرأة ذكر نائم، فسد حجها وعمرتها.
وذهب الحنابلة إلى أنه إن وطئ دون الفرج، فلم ينزل، فعليه دم، وإن أنزل، فعليه بدنة، ولا يفسد حجه في الرواية الصحيحة. وقالوا: على الرجل المحرم بدنة إن وطئ في الفرج واستكرهها، فإن كانت طاوعته فعلى كل واحد منهما بدنة. وإذا تكرر الجماع، فإن كفر عن الأول، فعليه للثاني كفارة ثانية كالأول، وإن لم يكن كفر عن الأول، فكفارة واحدة.
والخلاصة: إن الجماع وحده مفسد للحج عند الجمهور، ويضم إليه الإنزال عند المالكية.

والثاني - أن يكون الجماع عند الحنفية قبل الوقوف بعرفة، 

فمن جامع بعد الوقوف بعرفة، لم يفسد حجه. وعليه بدنة إن جامع بعد الوقوف قبل الحلق، لأن الركن الأصلي هوالوقوف بعرفة، لحديث: «الحج عرفة» أي الوقوف بعرفة، وعليه مع فساد الحج شاة إن جامع قبل الوقوف، لما روي أن الصحابة قالوا: عليه هدي.
وقال الجمهور غير الحنفية: يفسد الحج إن وقع قبل التحلل الأول (١)،ولو
(١) التحلل الأول كماسبق يحصل بفعل اثنين من ثلاثةوهي رمي جمرة العقبة والحلق وطواف الإفاضة.
 
بعد الوقوف؛ لأنه وطء صادف إحرامًا صحيحًا لم يحصل في التحلل الأول، فأشبه ما قبل الوقوف. وعليه بدنة عند الشافعية والحنابلة، لقضاء الصحابة بذلك، وهدي عند المالكية في زمن القضاء، وأفضله الإبل، ثم البقر ثم الضأن، ثم المعز أما العمرة: فتفسد عند الحنفية (١) إن جامع قبل أن يطوف أربعة أشواط، وعليه قضاوها، وشاة. وإن وطئ بعدما طاف أربعة أشواط فلا تفسد، ولا يلزمه قضاؤها، وعليه شاة.
وتفسد عند المالكية والحنابلة (٢) إن جامع قبل تمام السعي، قبل الحلق، وعليه لإفسادها هدي عند المالكية، وشاة عند الحنابلة، ولا فدية على مكرهة، ولا يفسد بعد تمام السعي وقبل الحلق.
وتفسد عند الشافعية (٣) إن جامع قبل التحلل أو الفراغ منها، وعليه لإفسادها بدنة كالحج، لتغليظ الجناية.

ثانيًا - حكم الحج إذا فسد: 

 إذا فسد الحج بالجماع يجب المضي في فاسده، ويجب القضاء اتفاقًا على الفور من العام التالي، وإن كان نسكه تطوعًا؛ لأنه يلزم بالشروع فيه، فصار فرضًا، بخلاف باقي العبادات عند غير الحنفية. وفورية قضاء الفاسد؛ لأنه وإن كان وقت الحج موسعًا، يضيق بالشروع فيه، ولقول الصحابة بقضائه من قابل.
ويستوي في ذلك الرجل والمرأة لاستوائهما في المعنى الموجب للفساد.
(١) الكتاب مع اللباب: ٢٠٢/ ١.
(٢) الشرح الصغير: ٩٤/ ٢، غاية المنتهى: ٣٨٢/ ١.
(٣) مغني المحتاج: ٥٢٢/ ١.
 
ويجب عليه بدنة عند الشافعية والحنابلة، سواء حدث الإفساد قبل الوقوف أم بعده، لقضاء الصحابة بذلك، بدون تفرقة بين ما قبل الوقوف وبعده، ولأنه جماع صادف إحرامًا تامًا، فوجب به كما بعد الوقوف، والقضاء واجب على الصبي إن أفسد نسكه بالجماع.
وعليه عند المالكية هدي زمن القضاء، لقول ابن عمر لمن واقع امرأته: «.. فإذا كان في العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هديًا ..».
وأوجب الحنفية عليه شاة إن جامع قبل الوقوف وفسد حجه، وبدنة إن جامع بعد الوقوف قبل الحلق وحجه صحيح؛ لأنه قبل الوقوف معنى يوجب القضاء، فلم يجب به بدنة كفوات الوقوف، ولأن ابن عباس أوجب البدنة في موضعين في الحج: أحدهما إذا طاف للزيارة جنبًا ورجع إلى أهله ولم يعد، والثاني إذا جامع بعد الوقوف. وإذا كان المحرم قارنًا فجامع قبل الوقوف فسد حجه وعمرته، وعليه دمان لكل واحد منهما شاة، وعليه المضي فيهما وإتمامهما على الفساد، وعليه قضاؤهما، ويسقط عنه دم القران، وأوجب الشافعية مع البدنة دم القران.

الأصل الرابع - الصيد:
لا يجوز للمحرم قتل صيد البر واصطياده أو الدلالة عليه، إلا المؤذي المبتدئ بالأذى غالبًا كالأسد والذئب والحية والفأرة والعقرب والكلب العقور، والكلب عند المالكية: كل حيوان وحشي يخاف منه كالسباع. وعند أبي حنيفة: الكلب المعروف.
ويجوز للمحرم صيد البحر مطلقًا، وذبح المواشي الإنسية كالأنعام من الإبل والبقر والغنم، وذبح الطير الذي لا يطير في الهواء كالدجاج، والدليل قوله
 
تعالى: ﴿أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة، وحرِّم عليكم صيد البر مادمتم حرمًا﴾ [المائدة:٩٦/ ٥]، وقوله سبحانه: ﴿ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥]، وتحريم الإشارة إلى الصيد والدلالة عليه والأكل منه واضح من حديث أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون، فقال النبي ﷺ لأصحابه: «هل أشار إليه إنسان أو أمره بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوه» (١) وهذا دليل الحنفية القائلين: يجوز للمحرم أكل الصيد مطلقًا إذا صاده الحلال.
وقال الجمهور: يحرم الأكل من لحم صيد البر على المحرم إذا صيد له، لحديث الصعب بن جَثَّامة: «أنه أهدى إلى رسول الله ﷺ حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء أو بودّان، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نردَّه عليك، إلا أنا حُرُم» (٢) وهذا الرأي أرجح؛ لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرمًا، كما قال الشوكاني، ولحديث آتٍ: «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم».

وللمذاهب تفصيلات في الصيد الممنوع، خلاصتها ما يأتي:

 
قال الحنفية (٣): 

لا يجوز للمحرم أن يتعرض لصيد البر المأكول وغير المأكول إلا المؤذي غالبًا. والصيد الممنوع: كل حيوان بري متوحش بأصل الخلقة مباح أو مملوك، فلا يحرم على المحرم ذبح الإبل والبقر والغنم؛ لأنها ليست بصيد، لعدم الامتناع، والصيد هو الممتنع المتوحش، ولا يحرم الدجاج والبط الذي في المنازل. والكلب والسنَّور (القط) الأهلي ليس بصيد: لأنه مستأنس. ويحل صيد البحر
(١) رواه مسلم، والبخاري بلفظ آخر عن أبي قتادة (نيل الأوطار: ٢١/ ٥).
(٢) متفق عليه بين أحمد والشيخين (المرجع السابق: ص ١٨) ولأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي مثله عن زيد بن أرقم.
(٣) البدائع: ١٩٥/ ٢ - ٢٠٦، الكتاب: ٢٠٦/ ١ - ٢١٠، فتح القدير: ٢٥٥/ ٢.
 
للحلال والمحرم، للآية السابقة، والبحري: هو الذي توالده في البحر، سواء أكان لا يعيش إلا في البحر أم يعيش في البحر والبر. والبري: ما يكون توالده في البر، سواء أكان لا يعيش إلا في البر، أم يعيش في البر والبحر، فالعبرة للتوالد.
ولا بأس بقتل البرغوث والبعوض والنملة والذباب والقراد والزنبور؛ لأنها ليست بصيد، لانعدام التوحش والامتناع، ولأن هذه الأشياء من المؤذيات المبتدئة بالأذى غالبًا، فالتحقت بالمؤذيات المنصوص عليها من الحية والعقرب في حديث: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والغراب» (١).
ولا يقتل القملة، لا لأنها صيد، بل لما فيها من إزالة التفث، لأنه متولد من البدن كالشعر، والمحرم منهي عن إزالة التفث من بدنه، فإن قتلها تصدق بشيء، كما لو أزال شعرة.
وكذا لا يقتل الجرادة، لأنها صيد البر.
ولا بأس له بقتل هوام الأرض من الفأرة والحية والعقرب والخنافس والجعلان وصياح الليل والصرصر ونحوها؛ لأنها ليست بصيد، بل من حشرات الأرض. وكذا القنفذ وابن عرس؛ لأنهما من الهوام.
وله أن يقتل ما لا يبتدئ بالأذى غالبًا كالضبع والثعلب وغيرهما من الضب واليربوع والقرد والفيل والخنزير إن عدا عليه، ولا شيء عليه إذا قتله في قول أئمة الحنفية ما عدا زفر.
وإن ذبح المحرم صيدًا، فذبيحته ميتة لا يحل أكلها لأحد من مُحرم أو حلال،
(١) رواه مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة، وله ألفاظ أخرى عند أبي داود وأحمد.
 
ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال أوذبحه، إذا لم يدلَّه المحرم عليه، ولا أمره بصيد، سواء اصطاده لنفسه أو للمحرم، حيث لم يكن له فيه صنع.

وقال المالكية (١): 

لايقتل المحرم شيئًا من صيد البر، ما أكل لحمه، ومالم يؤكل، كما قال الحنفية: سواء أكان ماشيًا أم طائرًا في الحرم أم في غيره، ولا يأمر به، ولا يدل عليه، ولا يشير إليه، فإن أمر أو دل، فقد أساء ولا كفارة عليه.
ولا يأكل لحم صيد صيد له أو من أجله، خلافًا للحنفية، وإن صيد في الحل لحلال، جاز للمحرم أكله.
وكل ما ذبحه المحرم من الصيد أو قتله عمدًا أو خطأ، فهو ميتة، ولا يجوز له ولا لغيره أكله، كما قال الحنفية.
ويجوز له ذبح المواشي الإنسية كالأنعام والطير الذي لا يطير في الهواء كالدجاج، وله صيد البحر مطلقًا، وهذا متفق عليه.
وله قتل الحيوان المضر كالأسد ونحوه مما ذكر، وهذا متفق عليه.
ولا يقتل ضبعًا ولا خنزيرًا ولا قردًا إلا أن يخاف من عاديته.
ويحرم قتل ما لا ضرر فيه من البعوضة فما فوقها.

وقال الشافعية (٢): 

يحرم بالإحرام اصطياد كل حيوان مأكول بري متوحش مباح أو مملوك، وكذا المتولد من المأكول وغيره، أو من الإنسي وغيره، كالمتولد من حمار وحشي وحمار أهلي، أو من شاة وظبي، ويجب به الجزاء احتياطًا.
(١) القوانين الفقهية: ص١٣٧، الشرح الصغير: ٩٩/ ٢ - ١١٠.
(٢) مغني المحتاج: ٥٢٤/ ١ - ٥٢٦، المهذب: ٢١٠/ ١ ومابعدها، الإيضاح: ص ٢٨ ومابعدها.
 
ويحرم الجراد، ولا يحرم السمك وصيد البحر: وهو مالا يعيش إلا في البحر. أما ما يعيش في البر والبحر فحرام، وتحرم الطيور المائية التي تغوص في الماء وتخرج. ولا يحرم ما ليس مأكولًا كما قال الحنابلة، خلافًا للحنفية والمالكية.
ولو ذبح المحرم صيدًا، صار ميتة على الأصح، فيحرم على كل أحد أكله.
ويحرم على المحرم أكل صيد ذبحه هو، أو صاد هـ غيره بإذنه، أوبغير إذنه، أو أعان عليه، أو كان له تسبب فيه، فإن أكل منه عصى، ولا جزاء عليه بسبب الأكل. ولو صاده حلال للمحرم ولا تسبب فيه، جاز له الأكل منه، ولا جزاء عليه، كما قال المالكية.


وقال الحنابلة (١): 

 يحرم على المحرم قتل صيد البر واصطياده والإعانة أو الدلالة عليه إذا كان وحشيًا مأكولًا، أومتولدًا منه ومن غيره، ويباح صيد غير المأكول كما قرر الشافعية.
ويحرم عليه أكله من ذلك كله، وكذا ما ذبح أو صيد لأجله فلا يأكل المحرم ما صاده الحلال أو ذبحه لأجله، كما قال الشافعية، لقوله ﷺ: «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم» (٢) ويتعين حمل حديث الصعب بن جثَّامة على هذا، ويكون امتناع النبي ﷺ عن الأكل من الحمار الوحشي لعلمه أو ظنه أنه صيد من أجله. ويحمل حديث أبي قتادة الذي استدل به الحنفية على جواز الأكل من الصيد الذي صاده الحلال، لا من أجل المحرم.
ويحرم قتل القمل وصئبانه؛ لأنه يترفه بإزالته كإزالة الشعر، ولو كان قتله
(١) المغني: ٣٠٩/ ٣ - ٣١٥، كشاف القناع: ٥٠٢/ ٢ - ٥١٤، غاية المنتهى: ٣٧٦/ ١ - ٣٧٩.
(٢) رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: هو أحسن حديث في الباب، وفيه جمع بين الأحاديث وبيان المختلف منها.
 
بزئبق ونحوه، ويحرم رميه أيضًا، ولا جزاء فيه، لأنه ليس بصيد ولا قيمة له. ويحرم قتل الجراد ويضمن بقيمته في مكانه.
وما حرم على المحرم لكونه صيد من أجله أو دل عليه أو أعان عليه، لم يحرم على الحلال أكله، لقول علي: «أطعموه حلالًا» وهو محمول على أنه صيد من أجلهم، ولم ينه النبي ﷺ الصعب بن جثامة عن أكل الحمار الوحشي، ولأنه صيد حلال، فأبيح للحلال أكله، كما لو صيد لهم.

وهل يباح أكله لمحرم آخر لم يصد له؟ 

فيه احتمالان: قال عثمان: يباح، لظاهر الحديث «صيد البر لكم حلال مالم تصيدوه أو يصد لكم» وروي «أنه أهدي لعثمان صيد وهو محرم، فقال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل هو، وقال: إنما صيد من أجلي» ولأنه لم يصد من أجله، فحل له كما لو صاده الحلال لنفسه.
وقال علي: يحرم عليه، لقوله: «أطعموه حلالًا، فإنا حُرُم» وهذا ما أرجحه.
وإذا ذبح المحرم الصيد، صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس. وهذا متفق عليه؛ لأنه حيوان حرم عليه ذبحه لحق الله تعالى، فلم يحل بذبحه كذبح المجوسي.
والخلاصة يحرم عند الحنفية والمالكية الصيد المأكول وغيرالمأكول، ولا يحرم عند غيرهم إلا الصيد المأكول أو المتولد منه ومن غيره.
وإذا اضطر المحرم فوجد صيدًا وميتة، أكل الميتةعند الحنابلة والمالكية، وقال الشافعي: يأكل الصيد (١).
(١) هذا ما ذكره المغني:٣١٥/ ٣ وكشاف القناع:٥١٤/ ٣.
 
وأضاف الحنابلة: ويباح قتل الفواسق كالحية والغراب ونحوهما، وقتل كل ما كان طبعه الأذى، وإن لم يوجد منه الأذى كالأسد والنمر والذئب والفهد وما في معناه، والحشرات المؤذية كالزنبور والبق والبعوض والبراغيث. ويباح صيد البحر والنهر إلا في الحرم، ولو للحلال.

مباحات الإحرام:
يتلخص مماسبق بيانه أنه يباح للمحرم ما يأتي مما ليس من المحرمات السابقة (١):
١ - للمحرم غسل الرأس بما ينظفه من الوسخ كالسدر والخطمي وغيرهما من غيرنتف شيء من شعره، لكن الأولى ألا يفعل؛ لأن ذلك نوع من الترفه، والحاج أشعث أغبر. وله أن يغتسل من الجنابة بالإجماع، وإذا اغتسل من الجنابة استحب أن يغسل رأسه ببطون أنامله برفق، حتى يتسرب الماء في أصول شعره، ولا يحكه بأظفاره. ويكره له عند المالكية والحنابلة غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما، لما فيه من إزالة الشعث والتعرض لقلع الشعر. ويجوز له أيضًا غسل البدن في الحمام وغيره ولا يكره.
٢ - وله الاكتحال بما لا طيب فيه، ويكره بالإثمد إلا للحاجة فلا يكره.
٣ - لا بأس بالاختتان والفصد والحجامةإذا لم يقطع الشعر؛ لأن النبي ﷺ احتجم وهو محرم (٢)، ويجوز قلع الضرس وجبر الكسر، وحك الرأس والبدن برفق بأظفاره على وجه لا ينتف شعرًا، أو يسقط قملة، والمستحب ألا يفعل.
فلو
(١) وانظر الإيضاح للنووي: ص ٣٠، المغني: ٢٩٧/ ٣ - ٣٠٨.
(٢) متفق عليه عن ابن عباس.
 
حك رأسه أو لحيته، فسقط بحكه شعرة أوشعرات، لزمته الفدية أو التصدق بما شاء. ولو سقط شعر وشك، هل كان زائلًا بنفسه، أم انتتف بحكه فلا فدية على الأصح عند الشافعية.
وللمحرم عند الشافعية أن ينحي القمل من بدنه وثيابه ولا كراهة في ذلك، وله قتله ولا شيء عليه، بل يستحب للمحرم قتله، كما يستحب لغيره. وهذا هو الراجح خلافًا لمن منع ذلك، تحقيقًا للنظافة ومنع الأذى. ويكره للمحرم أن يفلي رأسه ولحيته، فإن فعل، فأخرج منهما قملة وقتلها، تصدق ولو بلقمة على ما عليه الشافعي، وهذا التصدق مستحب. ولا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل عند الحنابلة، فإن خالف وتفلى أو قتل قملًا أو ألقاه أو قتله بالزئبق فلا فدية عليه. وقال الحنفية: يتصدق بما شاء من كف من طعام.
٤ - للمحرم أن ينشد الشِعْر الذي لا يأثم فيه.
٥ - ولا يكره للمحرم والمحرمة النظر في المرآة، خلافًا للحنابلة والمالكية فيكره.
٦ - يباح قتل الفواسق كالحدأة والفأرة، بنص الحديث المتقدم، ويجوز قتل السباع، وقتل الحشرات المؤذية كالبعوض والبراغيث والذباب في رأي الجمهور غيرالمالكية.
٧ - يجوز صيد البحر، وذبح الأنعام الإنسية، والطيور التي لا تطير كالدجاج والبط والإوز الأهلي.
٨ - يباح الاستظلال بالبيت والمحمل والمظلة ونحوها مما لا يصيب رأسه أو وجهه. ويكره الاستظلال بالمحمل عند المالكية والحنابلة، فإن فعل فعليه دم، ولكن له أن يستظل بالسقف والحائط والشجرة والخباء.
 
٩ - يجوز أن يشد على وسطه حزام النقود ولو كانت لغيره، ويجوز عقد الإزار لستر العورة، وكذا يجوز لبس حزام الفتق، وعليه الفدية.
١٠ - يحل حمل السلاح وقتال العدو للحاجة، ولبس الخاتم والساعة والحزام (الكمر).
١١ - يباح الكلام، ولكن يستحب للمحرم قلة الكلام في كل حال إلا فيما ينفع، صيانة لنفسه عن اللغو والوقوع في الكذب، وما لا يحل؛ لأن من كثر كلامه كثر سقطه. ويستحب للمحرم أن يشتغل بالتلبية وذكر الله تعالى أو قراءة القرآن، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو تعليم لجاهل، أو يأمر بحاجته، أو يسكت. وإن تكلم بما لا مأثم فيه، أو أنشد شعرًا لا يقبح، فهو مباح ولا يكثر.

المبحث الحادي عشر - جزاء الجنايات
تطرأ على المحرم عوارض: هي الجنايات، والإحصار، والفوات. أما الجنايات فهي جمع جناية، وهي لغة: ما تجنيه من شر، وشرعًا: ما حرم من الفعل بسبب الإحرام أو الحرم.
والجنايات نوعان:

١ً - جناية على الإحرام: 

 هي ارتكاب مخالفة لأعمال الحج أو العمرة، أو اقتراف محظور من محظورات الإحرام السابقة، وترك واجب من واجبات الحج، ولو كان الجاني ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا أو مخطئًا، أو مغمى عليه، بشرط أن يكون الجاني عند الحنفية محرمًا بالغًا، فلا شيء على الصبي عند الحنفية والمالكية والحنابلة؛ لأن عمده خطأ، لكن لو وطئ يفسد حجه ويمضي في فاسده، وفي وجوب القضاء عليه عند الحنابلة وجهان: الأول: لا يجب لعدم تكليفه، والثاني: يجب كوطء البالغ.
 
وأوجب الشافعية في الأصح على الصبي الفدية والقضاء إذا ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام وكان عامدًا لا ناسيًا أو مكرهًا، بناء على أن عمده عمد، وهو أحد القولين المشهورين (١).
والحاصل أنه يفسد حج الصبي بالجماع بلا خلاف بين أئمة المذاهب الأربعة خلافًا لداود الظاهري، وقال الدسوقي المالكي: لا يفسد حجه.

٢ً - جناية على الحرم: 

وهي التعرض لصيد الحرم وشجره، سواء من المحرم أو غيره، إذا كان الشخص مكلفًا (بالغًا عاقلًا) ولو ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا أو مخطئًا. وذلك يوجب ضمان المثل أو القيمة، وسوف أبينه في بحث خصوصيات الحرم.


أما الجناية على الإحرام:

  فقد توجب دمًا (٢) واحدًا أو أكثر، أو صدقة، أو دون ذلك، أو قيمة، على النحو التالي (٣)، وهو يشمل بحث الفدية وجزاء الصيد.


أولًا - الجناية التي توجب بدنة (ناقة أو بقرة) يوزع لحمها على فقراء الحرم:
١ً - الجماع في أثناء الإحرام قبل التحلل الأول وبعد وقوف عرفة: ويفسد حجه عند الجمهور، ولا يفسد حجه عند الحنفية، فإن جامع المحرم زوجته قبل
(١) شرح المجموع:٢٨/ ٧، الإيضاح: ص ٩٩.
(٢) يراد بكلمة الدم عند الإطلاق: هو وجوب الشاة أو سبع بدنة أو بقرة كالواجب في الأضحية.
(٣) الدر المختار:٢٧٣٣/ ٢ - ٢٩٦، فتح القدير:٢٢٤/ ٢ - ٢٥٤، الكتاب مع اللباب: ١٩٩/ ١ - ٢١٠، القوانين الفقهية: ص ١٣٨ ومابعدها، بداية المجتهد: ٣٤٦/ ١ - ٣٥٦، الشرح الكبير: ٥٤/ ١ - ٧١، الشرح الصغير: ٨٤/ ٢ - ٩٨، مغني المحتاج: ٥٢١/ ١ - ٥٢٦، المهذب: ٢١٠/ ١ - ٢١٧، غاية المنتهى: ٣٨٤/ ١ - ٣٩١، المغني:٢٥٥/ ٣، ٤٩٢ - ٥٢٦، ٥٤٤ ومابعدها، مراقي الفلاح: ص ٢٦ ومابعدها، حاشية الشرقاوي: ٥١٠/ ١ ومابعدها.
 
الوقوف فإنه يفسد حجه، وعليه شاة فقط عند الحنفية، ويمضي في فاسده من حج أو عمرة حتى التمام، ثم يقضيه بالاتفاق فورًا في العام المقبل إن كان حجًا، وبعد تمام الفاسد إن كان عمرة.
وأوجب المالكية الهدي من الأنعام (الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز) بالجماع أو الإنزال بغير الاحتلام قبل الوقوف مطلقًا أو بعد الوقوف قبل طواف الإفاضة ورمي جمرة العقبة يوم النحر.
٢ً - إذا طاف طواف الإفاضة جنبًا أو حائضًا أو نفساء.

ثانيًا - الجناية التي توجب دمين:  

هي جناية القارن عند الحنفية، وهي كل جناية يجب بها على المفرد دم واحد، فعليه مثلًا دمان إذا حلق قبل الذبح، دم للتأخير ودم للقران على المذهب، وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: القارن والمفرد في كفارات الإحرام واحد؛ لأن القارن كالمفرد في الأفعال، فكان كالمفرد في الكفارات، فتلزمه بالجماع بدنة واحدة بسبب الإفساد لاتحاد الإحرام، ويلزمه مع ذلك شاة للقران. والمتمتع كالقارن (١).


ثالثًا - الجناية التي توجب دمًا واحدًا إما على سبيل التخيير أو الترتيب: ١ ً - لبس المخيط وتغطية الرأس والحلق وقص الأظفار والتطيب:
قال الحنفية: إن لبس المحرم ثوبًا مخيطًا أوغطى رأسه يومًا كاملًا، فعليه دم (شاة) يفرق لحمها على فقراء الحرم، وإن كان أقل من ذلك، فعليه صدقة.
(١) شرح المجموع: ٧ ٣٨٥/ ٧،٣٩٤، ٤٠٠، ٤١٨.
 
وإن حلق موضع الحجامة، فعليه دم عند أبي حنيفة، وقال الصاحبان: عليه صدقة؛ لأنه غير مقصود في ذاته.
وإن حلق ربع الرأس فصاعدًا أو ربع اللحية، فعليه دم، وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقة؛ لأن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل لأنه معتاد، فتتكامل به الجناية، ويتقاصر فيما دونه.
وإن قص في مجلس واحد أظافر يديه ورجليه جميعًا، أو أظافر يديه فقط أو أظافر يد واحدة أو رجل واحدة، فعليه شاة. وإن تعدد المجلس بأن قص أظافر يديه في مجلس، ثم أظافر رجليه في مجلس واحد وجب عليه دمان.
وإن قص أقل من خمسة أظافر متفرقة من يديه ورجليه، فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وإن طيب المحرم عضوًا كاملًا كالرأس والفم واليد والرجل فأكثر أو جسمه كله، فعليه دم (شاة)؛ لأن المعتبر الكثرة، وحد الكثرة: هو العضو.
وإن طيب المحرم ثوبه، لزمه دم بشرط لبسه يومًا كاملًا.
وإن خضب رأسه أو يده أو لحيته بحناء وجب دم.
وإن ادهن بزيت أو شيرج، لزمه دم، لأنهما أصل الطيب (١)، بخلاف بقية الأدهان كالسمن والشحم ودهن اللوز. أما لو أكل الزيت أو داوى به جرحه أو شقوق رجليه أو أقطر في أذنيه، فلا يجب عليه شيء، لا دم ولا صدقة باتفاق الحنفية، لأنه ليس بطيب من كل وجه، لكن لو استعمل المسك والعنبر والغالية
(١) ومن الأدهان الموجبة لذبح شاة: زيت الشعر ونحوه أو الكريم.
 
والكافور ونحوهما مما هو طيب في نفسه، فإنه يلزمه الدم بالاستعمال ولو على وجه التداوي. ولو جعله في طعام وإن لم يطبخ فلا شيء فيه إذا كان مغلوبًا، ويكره أكله، كما يكره شم الطيب والتفاح.
وإن تطيب أو حلق أو لبس ثوبًا لعذر فهو مخير: إن شاء ذبح شاة، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة
أصوع (١) من طعام لكل مسكين نصف صاع، وإن شاء صام ثلاثة أيام، لقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسُك﴾ [البقرة:١٩٦/ ٢].
وقال الجمهور غير الحنفية: من لبس أو حلق شعره أو قلم أظفاره أو تطيب أو ادهن أو أزال ثلاث شعرات متوالية عند الشافعية أو أزال أكثر من شعرتين أو ظفرين عند الحنابلة: يخير في الفدية بين ذبح شاة يتصدق بها، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وذبح الشاة يسمى نسكًا، فالنسك أحد خصال الفدية، سواء فعل المحظور عمدًا أو خطأ أو جهلًا، والتخيير ثابت مع العسر واليسر في أي مكان شاء، ودليل التخيير الآية السابقة: ﴿ففدية من صيام أو صدقة أو نسك﴾ [البقرة:١٩٦/ ٢] وقوله ﷺ لكعب بن عُجرة: «أيؤذيك هوامّ رأسك؟ قال: نعم، قال: انسك شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فَرقًا من الطعام (٢) على ستة مساكين» وقيس بالحلق وبالمعذور غيرهما. فهذه الفدية عند الجمهور عامة للمعذور وغيره، وخاصة عند الحنفية بالمعذور. وشعر الرأس وغيره سواء في وجوب الفدية؛ لأن الشعر كله جنس واحد في البدن، ويجزئ البر والشعير والزبيب في الفدية، كما في الفطرة وكفارة اليمين. والواجب
(١) جمع صاع، وهو جملة قلة، وجمع الكثرة صيعان. وجمعه على آصع من خطأ العوام، والصاع (٢٧٥١) غرامًا عند الجمهور، وعند الحنفية (٣٨٠٠ غم).
(٢) الفرق: ثلاثة آصع.
 
عند الحنابلة فدية واحدة مالم يكفر عن الأول، فإن كفر عن الأول ثم حلق ثانيًا، فعليه كفارة ثانية. وإذا حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره،! فلا فدية عليه عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: يلزمه صدقة؛ لأنه أتلف شعر آدمي، فأشبه شعر المحرم. وإن حلق رأس محرم بإذنه أو حلقه حلال بإذنه، فالفدية على المحلوق. وإن كان المحلوق مكرهًا أونائمًا، فلا
فدية على المحلوق رأسه عند المالكية والحنابلة، وقال أبو حنيفة: على المحلوق رأسه الفدية، وعن الشافعي كالمذهبين (١).
وهذه الفدية عند الشافعية والحنابلة تجب في مقدمات الجماع بشهوة كإمناء بنظرة ومباشرة بغير إنزال، وإمذاء بتكرار نظر أو تقبيل أو لمس أو مباشرة. وتجب أيضًا في الجماع الثاني بعد الجماع الأول، وفي حالة الجماع بين التحللين. والإنزال بغير الاحتلام عند المالكية كالجماع يفسد الحج ويوجب الهدي.
٢ً - الجماع ومقدماته:
قال الحنفية: إن قبل أو لمس بشهوة أنزل أو لم ينزل في الأصح، أواستمنى بكفه، فعليه دم؛ لأن دواعي الجماع محرمة لأجل الإحرام مطلقًا، فيجب الدم مطلقًا.
وإن جامع في أحد السبيلين من آدمي ولو ناسيًا أو مكرهًا أو كانت نائمة، قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه، ووجب عليه شاة أو سُبْع بدنة، ويمضي وجوبًا في حجه الفاسد كغيره ممن لم يفسد حجه، ووجب عليه القضاء فورًا، ولو كان حجه نفلًا، لوجوبه بالشروع فيه، ولم يقع الموقع المطلوب. لكن ليس على صبي أو مجنون أفسد حجه دم ولا قضاء.
(١) المغني: ٤٩٤/ ٣ - ٤٩٦.
 
فإن جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق أو الطواف، لم يفسد حجه، ويجب عليه بدنة، كما بينت؛ لأنه أعلى أنواع الجناية فغلظت عقوبتها.
وإن جامع ثانيًا فعليه شاة؛ لأنه وقع في إحرام مهتوك.
وإن جامع بعد الوقوف والحلق، فعليه شاة، لبقاء إحرامه في حق النساء فقط أي بين التحللين الأول والثاني.
ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف لها أربعة أشواط، أفسدها؛ لأن الطواف في العمرة بمنزلة الوقوف في الحج، ومضى فيها، وقضاها فورًا، ووجب عليه شاة؛ لأنها عند الحنفية سنة. وإن وطئ بعد ما طاف لها أربعة أشواط، وقبل الحلق، فعليه شاة، ولا تفسد عمرته، ولا يلزمه قضاؤها.
وقد سبق بيان رأي غير الحنفية في هذا المحظور، فعند الشافعية والحنابلة إن كان الوطء قبل التحلل الأول يجب عليه بدنة، فإن عدمها لزمه بقرة، فإن عدمها لزمه سبع شياه، فإن عدمها قوم البدنة بدراهم واشترى بقيمتها طعامًا وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يومًا. فإن وطئ بين التحللين أو بعد الإفساد لزمه شاة، كما في الحلق ونحوه.
٣ً - ترك واجب من واجبات الحج:
قال الحنفية: إن طاف طواف القدوم جنبًا فعليه شاة لغلظ الجنابة. وإن طاف طواف الزيارة محدثًا، فعليه شاة؛ لأنه أدخل النقص في الركن. وإن طاف للقدوم محدثًا فعليه صدقة، وإن طاف للزيارة جنبًا، فعليه بدنة لغلظ الجنابة. والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه.
ومن طاف طواف الصَّدَر (الوداع) محدثًا، فعليه صدقة، وإن طاف جنبًا، فعليه شاة.
 
ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها، فعليه شاة. وإن ترك أربعة أشواط، بقي محرمًا أبدًا حتى يطوفها.
وإن ترك طواف الوداع أو أربعة أشواط منه، فعليه شاة، ومن ترك من طواف الوداع ثلاثة أشواط فعليه صدقة.
ومن أعاد أي طواف على طهارة، سقط الدم، لإتيانه به على الوجه المشروع، والأصح وجوب الإعادة في حال الجنابة، وندبها في حال الحدث، ومن طاف وربع عضو من العورة مكشوف، أعاد الطواف ما دام بمكة، وإن لم يعد حتى خرج من مكة، فعليه دم.
ومن ترك السعي بين الصفا والمروة، فعليه شاة، وحجه تام.
ومن أفاض من عرفة قبل الإمام والغروب، فعليه دم، ويسقط بالعود قبل الغروب، لا بعده.
ومن ترك الوقوف بالمزدلفة، فعليه دم.
ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها بغروب شمس آخر أيام الرمي وهو اليوم الرابع، فعليه دم واحد، وإن ترك رمي يوم فعليه دم، وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث. فعليه صدقة.
وإن ترك رمي جمرة العقبة، فعليه دم.
ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر، فعليه دم عند أبي حنيفة، وكذا لو أخر طواف الزيارة عن أيام النحر، فعليه دم عنده. وقال الصاحبان: لا شيء عليه.
 
ويجب ذبح شاة على القارن والمتمتع بالاتفاق، كما بينت سابقًا. وكل ما وجب فيه دم على المفرد وجب فيه دمان على القارن: دم لحجته ودم لعمرته، إلا في حال تجاوز الميقات من غير إحرام عليه إن عاد دم واحد.
وقال المالكية (١): دماء الحج أو العمرة ثلاثة: الفدية، وجزاء الصيد، والهدي، وقد عرفنا الفدية، أما الهدي فيجب في خمسة أنواع: جبر ما تركه من الواجبات كترك التلبية أو طواف القدوم أو رمي الجمار أو المبيت بمنى والمزدلفة وغير ذلك، وهدي المتعة والقران، وكفارة الوطء ونحوه كمذي وقبلة بفم، وجزاء الصيد، وهدي الفوات. والهدي مرتب، بخلاف الفدية وجزاء الصيد.
وقال الشافعية: حاصل الدماء الواجبة في الحج أربعة أنواع:
الأول - دم ترتيب وتقدير: ومعنى الترتيب: أنه يلزمه الذبح، ولايجوز العدول إلى غيره إلا إذا عجز عنه. ومعنى التقدير: أن الشرع قدر مايعدل إليه بما لايزيد ولاينقص. وهو دم التمتع والقران والفوات، والمنوط بترك مأمور: وهو ترك الإحرام من الميقات، والمبيت بمزدلفة ومنى، وطواف الوداع، والواجب ذبح شاة للموسر، فإن عجز صام عشرة أيام.
والثاني - دم ترتيب وتعديل: بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة، ويلزمه في حال الجماع، فيجب فيه بدنة، ثم بقرة، ثم سبع شياه، فإن عجز قوم البدنة بدراهم، والدراهم طعامًا، وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يومًا.
ويلزم في حال الإحصار، فعليه شاة، ثم طعام بالتعديل، فإن عجز عن
(١) الشرح الصغير:١١٩/ ٢، القوانين الفقهية: ص١٣٩.
 
الطعام، صام عن كل مد يومًا، لقوله تعالى: ﴿فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي﴾ [البقرة:١٩٦/ ٢].
والثالث- دم تخيير وتقدير: أي إنه يجوز العدول إلى غيره مع القدرة عليه. فيتخير في حلق ثلاث شعرات أو قلم ثلاثة أظفار بالتتابع، بين ذبح وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وصوم ثلاثة أيام. ويتخير أيضًا في حال التطيب ودَهْن الرأس أو اللحية وبعض شعور الوجه، واللبس، ومقدمات الجماع، والاستمناء، والجماع غير المفسد. والفدية تجب في حلق الشعر ولو ناسيًا أو جاهلًا بالحرمة، لعموم الآية: ﴿ولاتحلقوا رؤوسكم﴾ [البقرة:١٩٦/ ٢]، بخلاف الناسي والجاهل في التمتع باللبس والطيب والدهن والجماع ومقدماته: لاتجب الفدية عليه لاشتراط العلم والقصد فيه.
والرابع - دم تخيير وتعديل: وهو دم جزاء الصيد والشجر، فيجب مثل الصيد، أوشراء حَبّ لأهل الحرم بقدر قيمته، يوزع على الفقراء، أو الصيام عن كل مد يومًا. فإن لم يكن للصيد مثل، خيِّر بين الإطعام أوالصيام إلا الحمام فيجب فيه شاة، والدليل آية المائدة ٩٥: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم، ومن قتله منكم متعمدًا، فجزاءٌ مِثْل ُما قتل من النَّعَم، يحكم به ذوا عدل منكم، هديًا بالغ الكعبة، أو كفارةٌ طعام مساكين، أو عَدْل ُ ذلك صيامًا ليذوق وبال أمره ..﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] وأما شجر الحرم ونباته فيحرم قطعه ويجب ضمانه بالقطع أو القلع، سواء النبات الذي ينبت بنفسه والمستنبت، ففي الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة، عملًا بما رواه الشافعي عن ابن الزبير. فإن صغرت الشجرة جدًا، ففيها القيمة.
وقال الحنابلة: الفدية: ما يجب بسبب نسك أو حرم، وله تقديمًا على فعل محظور لمعذور، وهي نوعان: تخيير وترتيب.
 
فالتخيير: يكون بين ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بُر أو نصف صاع يجزئ في الفطرة. وذلك كفدية لبس المخيط، وطيب، وتغطية رأس، وإزالة أكثر من شعرتين أو ظفرين، ومقدمات الجماع كما تقدم، وجزاء صيد كما سأبين.
والترتيب:
أـ إما بذبح شاة حال اليسار، وصيام عشرة أيام حال الإعسار، وذلك كدم التمتع والقران، وترك واجب، وفوات، وإحصار، والصوم في غير الإحصار: ثلاثة في أيام الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، ولا يجب تتابع ولا تفريق في الأيام، ومن لم يصم الثلاثة في أيام منى، صام بعدها عشرة، وعليه دم مطلقًا، وعلى المحصر دم، فإن لم يجد ثمنه أو عدمه، صام عشرة أيام بنية التحلل ثم حل، ولا إطعام فيه.
ب - وإما بذبح بدنة ونحوها في الحج، وشاة في العمرة، فإن عجز صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع، وذلك في حال الوطء وإنزال مني بمباشرة دون فرج، أو بتكرار نظر أو تقبيل أو لمس بشهوة، أواستمناء، ولو خطأ. والمرأة المطاوعة كالرجل، لا النائمة والمكرهة، ولا شيء على من فكر فأنزل أو احتلم أوأمذى بنظرة، ولا على من قتل القمل وعقد النكاح.

رابعًا - ما يوجب الصدقة: الصدقة: 

 نصف صاع من البر (١)، أو قيمة ذلك من الدراهم عند الحنفية.

 وتجب الصدقة عند الحنفية فيما يأتي من الحالات التي أشرت إليها سابقًا وهي:
(١) وهو عند الحنفية ١٩٠٠ غم، وعند الجمهور ١٣٧٥ غم.
 
أـ إن طيب المحرم أقل من عضو كامل.
ب - إن حلق أقل من ربع الرأس أو اللحية أو حلق شاربه.
جـ - إن لبس المخيط أو ستر رأسه أقل من يوم أو أقل من ليلة.
د - إن قص أقل من خمسة أظافير متفرقة، فلكل ظفر صدقة.
هـ - إن طاف للقدوم أو للوداع أو لكل طواف تطوع محدثًا، فإن طاف للقدوم جنبًا أو طاف طواف الزيارة محدثًا فعليه شاة، وإن طاف للزيارة جنبًا فعليه بدنة. وإن طاف للوداع جنبًا فعليه شاة.
وـ إن ترك شوطًا من أشواط طواف الوداع أو السعي، أو نقص حصاة من إحدى الجمار.
ز - إن حلق المحرم رأس غيره، سواء أكان الغير محرمًا أم حلالًا. ولا شيء عليه إن طيب عضو غيره أو ألبسه مخيطًا إجماعًا.

وقال المالكية: 

في قلم الظفر ترفهًا أوعبثًا، لا لإماطة الأذى، حفنة من طعام. وفي إزالة الشعر والشعرات والقملة والقملات لعشر لغير إماطة الأذى: حفنة من طعام يعطيها لفقير، فإن قلم أكثر من ظفر مطلقًا أو قلم واحدًا فقط لإماطة الأذى، أو أزال أكثر من عشر مطلقًا، أو قتل أو طرح أكثر من عشر قملات مطلقًا لإماطة الأذى، فتلزمه فدية.


وقال الشافعية: 

 الأظهر أن في الشعرة والظفر مد طعام، وفي الشعرتين والظفرين مدين أي نصف صاع، وفي ثلاث شعرات وثلاثة أظفار فدية كاملة (شاة).
 
وقال الحنابلة كالشافعية:

 في كل شعرة أو ظفر مد من طعام، وفي قطع بعض الظفر أوبعض الشعرة مثل ما في جميعه. والمذهب وجوب الفدية الكاملة في حلق ثلاث شعرات وقلم ثلاثة أظفار.


خامسًا - ما يوجب أقل من نصف صاع: 

 وهو التصدق بما شاء: قال الحنفية: إن قتل جرادة، أو قملة أو اثنتين أوثلاثًا أو ألقاها من بدنه أو ثوبه، أو ألقى ثوبه بالشمس لتموت، أو دل عليها غيره، يتصدق بما شاء ككف طعام؛ لأن القملة متولدة من التفث الذي على البدن. ولو قتل قملة وجدها على الأرض لم يكن عليه شيء. والجراد من صيد البر.
زمان الفدية ومكانها:


قال الحنفية (١): 

 النسك: أي ذبح الشاة أو البدنة يختص بالحرم بالاتفاق؛ لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان، وهذا لم يختص بزمان، فتعين اختصاصه بالمكان.
وأما الصوم: فيجزئ في أي موضع شاء؛ لأنه عبادة في كل مكان، ولا يشترط تتابع الأيام. وكذا الصدقة تصح في أي مكان شاء.

وقال المالكية (٢):

  الفدية: وهي كفارة ما يفعله المحرم من الممنوعات إلا الصيد والوطء، لا تختص بأنواعها الثلاثة (الصيام والصدقة والنسك) بمكان أو زمان، فيجوز تأخيرها لبلده أو غيره في أي وقت شاء. أما الهدي الواجب جزاء للصيد أو الوطء فمحله منى أو مكة، فإن وقف بالهدي بعرفة بجزء من الليل ذبحه بمنى، وإلا فبمكة.
(١) الدر المختار: ٢٨٨/ ٢، اللباب: ٢٠١/ ١.
(٢) الشرح الصغير: ٩٣/ ٢، القوانين الفقهية: ص ١٣٨ ومابعدها.
 
وقال الشافعية (١):

  الدم الواجب بفعل حرام كالحلق لعذر أو ترك واجب عليه غير ركن كدم الجبرانات ودم التمتع والقرآن والحلق: لايختص بزمان، ويختص ذبحه بالحرم في الأظهر، ويجب صرف لحمه إلى مساكين الحرم وفقرائه: القاطنين منهم والغرباء، فكل الدماء الواجبة وبدلها من الطعام تختص تفرقتها بالحرم على مساكينه، وكذا يختص به الذبح، إلا دم المحصر، فيذبح حيث أحصر. ودم الفوات يجزئ قبل دخول وقت الإحرام بالقضاء، كالتمتع إذا فرغ من عمرته، فإنه يجوز له أن يذبح قبل الإحرام بالحج على المعتمد.


وقال الحنابلة (٢): 

ما وجب لترك واجب، أو بفعل محظور من هدي أو إطعام يكون في الحرم. ويلزم ذبح هدي التمتع والقران والمنذور بالحرم، ويفرق لحمه على مساكينه.
والأفضل نحر ما وجب بحج بمنى، وما وجب بعمرة بالمروة، ومن عجز عن إيصال المذبوح للحرم حتى بوكيله، ينحره حيث قدر، ويفرقه بمنحره. وتجزئ فدية أذى في الرأس، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، والطيب، وفدية فعل المحظور غير الصيد: خارج الحرم، ولو بلا عذر. ويدخل وقت ذبح الفدية من حين فعل الجناية، وقبله بعد وجود سببه المبيح ككفارة يمين، ويكون جزاء الصيد بعد جرحه، وفدية ترك الواجب عند تركه. ويجزئ دم الإحصار حيث أحصر. ويصح الصوم في كل مكان.

سادسًا - الجناية التي توجب القيمة أو المثل (جزاء الصيد وقطع النبات): 

 أوجب أبو حنيفة القيمة بقتل الصيد، وأوجب الجمهور المثل في المثلي أو القيمة.
(١) مغني المحتاج: ٥٣٠/ ١ - ٥٣٢.
(٢) غاية المنتهى:٣٨٨/ ١ ومابعدها.
 
قال أبو حنيفة (١): 

 تجب القيمة بقتل الصيد أو الدلالة عليه. والصيد المقصود: هو كل حيوان بري متوحش بأصل خلقته، سواء أكان مباحًا أم مملوكًا مأكولًا أم غير مأكول كالأسد والنمر إذا لم يكن صائلًا، وكالنسر والبوم والغزال والنعام ونحوها، فلا يعد صيدًا الكلب والهر والحية والعقرب والذباب والبعوض والبرغوث والقراد والسلحفاة، والفراشة والدجاج والبط ونحوها.
وتجب القيمة على قاتله سواء أكان عامدًا أم مخطئًا أم ناسيًا لإحرامه، أم مبتدئًا بقتل الصيد أم عائدًا إليه (أي تكرر منه)؛ لأنه ضمان إتلاف، فأشبه غرامات الأموال.
وتقدر القيمة عند أبي حنيفة وأبي يوسف: بأن يقوم الصيد في المكان الذي قتله المحرم فيه، أو في أقرب المواضع منه إن كان في برية، يقوّمه ذوا عدل لهما خبرة في تقويم الصيد، لقوله تعالى: ﴿فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] وقال في الهداية: والواحد يكفي، والاثنان أولى؛ لأنه أحوط وأبعد من الغلط، كما في حقوق العباد.
ثم يخير المحكوم عليه بالقيمة: إن شاء اشترى بها هديًا فذبح بمكة إن بلغت القيمة هديًا مجزئآً في الأضحية من إبل أو بقر أوغنم؛ وإن شاء اشترى بها طعامًا، فتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بُر، أو صاعًا من تمر أوشعير؛ وإن شاء صام يومًا عن كل نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير. فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير: إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يومًا كاملًا. وتجب قيمة الحشيش والشجر النابت بنفسه الذي لا ينبته الناس في حرم مكة إذا قطعه الشخص البالغ إلا الإذخر والكمأة، سواء أكان محرمًا أم حلالًا، وتوزع القيمة مثل توزيع جزاء صيد الحرم.
(١) اللباب: ٢٠٦/ ١ وما بعدها.
 
وقال المالكية (١): 

 جزاء الصيد أحد ثلاثة أنواع على التخيير كالفدية، بخلاف الهدي، يحكم بالجزاء من غير المخالف ذوا عدل فقيهان اثنان، فلا يكفي واحد أو كون الصائد أحدهما، ولا يكفي كافر، ولا فاسق، ولامرتكب ما يخل بالمروءة، ولا جاهل غير عالم بالحكم في الصيد؛ لأن كل من ولّي أمرًا، فلا بد من أن يكون عالمًا بما وُلّي به.
وأنواع الجزاء الثلاثة هي:
النوع الأول: مثل الصيد الذي قتله من النَّعَم (الإبل والبقر والغنم) قدرًا وصورة أو قدرًا، بشرط كونه مجزئًا كما تجزئ الأضحية سنًا وسلامة من العيوب. فلا يجزئ صغير ولا معيب.
النوع الثاني - قيمة الصيد طعامًا: بأن يقوَّم بطعام من غالب طعام أهل ذلك المكان الذي يخرج فيه. وتعتبر القيمة يوم التلف بمحل التلف، ويعطى لكل مسكين بمحل التلف مدّ بمد النبي ﷺ، فإن لم يوجد فيه مساكين فيعطى لمساكين أقرب مكان له.
النوع الثالث - عدل ذلك الطعام صيامًا: لكل مد صوم يوم، في أي مكان شاء من مكة أو غيرها، وفي أي زمان شاء، ولايتقيد بكونه في الحج أو بعد رجوعه.
وطريق تقدير الحكمين لجزاء الصيد: في النعامة أو الفيل بَدَنة، وفي حمار الوحش أو بقرة الوحش بقرة، وفي الضَّبْع والثعلب والظبي وحمام حرم مكة
(١) الشرح الصغير: ١١٢/ ٢ - ١١٨.
 
ويمامه شاة. وفيما دون ذلك كفارة طعام أو صيام بتقويم الحكمين. ولا جزاء عندهم فيما حرم قطعه من الشجر في حرمي مكة والمدينة.

وكذلك قال الشافعية (١) مثل المالكية:

  إن أتلف المحرم صيدًا له مثل من النعم ففيه مثله، وإن لم يكن له مثل ففيه قيمة، ويتخير في جزاء إتلاف الصيد المثلي بين ثلاثة أمور: ذبح مثله والتصدق به على مساكين الحرم، أو أن يقوم المثل بالدراهم ويشتري به طعامًا لمساكين الحرم، أو يصوم عن كل مد يومًا. وغير المثلي: يتصدق بقيمته طعامًا أو يصوم عن كل مد يومًا. ففي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، وفي الغزال عنز، وفي الأرنب عَنَآق، وفي اليَرْبوع جَفْرة (أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها)، وفي الضبع كبش، وفي الثعلب شاة، وفي الضب: جدي. وما لا نقل فيه يحكم بمثله من النعم عدلان، لقوله تعالى: ﴿يحكم به ذوا عدل منكم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] ويجب فيما لا مثل له مما لا نقل فيه من السُّنة أو عن الصحابة كالجراد وبقية الطيور ما عدا الحمام: القيمة، عملًا بالأصل في القيميات. وتقدر القيمة بموضع الإتلاف أو التلف لا بمكة على المذهب. ويلزم في الكبير كبير، وفي الصغير صغير، وفي الذكر ذكر، وفي الأنثى أنثى، وفي الصحيح صحيح، وفي المعيب معيب إن اتحد جنس العيب، وفي السمين سمين، وفي الهزيل هزيل، ولو فدى المريض بالصحيح أو المعيب أو الهزيل بالسمين
فهو أفضل، وما لا مثل له مما فيه نقل وهو الحمام في الواحدة منها شاة.
والأظهر ضمان قطع نبات الحرم المكي الرطب الذي لا يستنبت، وقطع أشجاره، ففي قطع الشجرة الحرمية الكبيرة، بقرة لها سنة، وفي الصغيرة شاة، وفي الشجرة الصغير جدًا: قيمتها. والمذهب وهو الأظهر أن النبات المستنبت وهو
(١) مغني المحتاج: ٥٢٤/ ١ - ٥٢٩.
 
ما استنبته الآدميون من الشجر كغيره في الحرمة والضمان، لكن يحل الإذخر والشوك وغيره كالعوسج من كل مؤذ، كالصيد المؤذي، فلا ضمان في قطعه، والأصح حل أخذ نبات الحرم من حشيش ونحوه لعلف البهائم وللدواء، وللتغذي، للحاجة إليه، ولأن ذلك في معنى الزرع، ولا يضمن في الجديد صيد المدينة مع حرمته.

وقال الحنابلة (١) أيضًا مثل الشافعية: 

 يخير في جزاء الصيد بين مثل له، أو تقويمه بمحل تلف أو قربه بدراهم يشتري بها طعامًا، فيطعم كل مسكين مد بُر، أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن طعام كل مسكين يومًا، وإن بقي دون طعام صام. ويخير فيما لا مثل له من القيميات بين إطعام وصيام، ولا يجب تتابع فيه.
ويضمن نبات الحرم المكي وشجره حتى المزروع إلا الإذخر والكمأة والثمرة، فيجب في الشجرة الصغيرة شاة، وفيما فوقها بقرة، ويخير بين ذلك وبين تقويم الجزاء، وتوزع قيمته كجزاء الصيد، وتجب قيمة الحشيش. ولاجزاء في قطع ما حرم من صيد المدينة وشجرها.

ضوابط جزاء الصيد:
أفاض ابن قدامة في بيان أحكام جزاء الصيد (٢)، أوجزها فيما يلي:

أولًا - وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد: 

 أجمع أهل العلم على وجوبه، لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم، ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥].
(١) غاية المنتهى: ٣٨٤/ ١ - ٣٩٧.
(٢) المغني: ٥٠٤/ ٣ - ٥٢٦.
 
وقتل الصيد نوعان: مباح ومحرم.
فالمحرم: قتله ابتداء من غير سبب يبيح قتله، ففيه الجزاء. والمباح ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يضطر إلى أكله، فيباح له ذلك بغير خلاف نعلمه، لقوله تعالى: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ [البقرة:١٩٥/ ٢] ومتى قتله ضمنه، سواء وجد غيره أم لم يجد.
الثاني: إذا صال عليه صيد، فلم يقدر على دفعه إلا بقتله، فله قتله، ولا ضمان عليه، وهذا موافق لرأي الشافعي وأبي حنيفة، لأنه قتله لدفع شره، فلم يضمنه كالآدمي الصائل.
الثالث: إذا خلص صيدًا من سبع أو شبكة صياد، أو أخذه ليخلص من رجله خيطًا ونحوه، فتلف بذلك، فلا ضمان عليه؛ لأنه فعل أبيح لحاجة الحيوان، فلم يضمن ما تلف به.

ثانيًا - الجزاء واجب في الخطأ والعمد:

  وهذا متفق عليه بين أئمة المذاهب، لقول جابر: «جعل رسول الله ﷺ في الضبع يصيده المحرم كبشًا» وقال ﵊: «في بيض النعام يصيبه المحرم: ثمنه، ولم يفرق» (١) ولأنه ضمان إتلاف استوى عمده وخطؤه كمال الآدمي.


ثالثًا - الجزاء لا يجب إلا على المحرم: 

 ولا فرق بين إحرام الحج وإحرام العمرة، سواء أكان مفردًا أم قارنًا، لعموم النص فيهما، ولا خلاف في ذلك.


رابعًا - الجزاء لا يجب إلا بقتل الصيد: 

 لأنه الذي ورد به النص بقوله تعالى: ﴿لا تقتلوا الصيد﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] والصيد: ما جمع ثلاثة أوصاف: وهو أن
(١) رواهما ابن ماجه.
 
يكون مباحًا أكله، لا مالك له، ممتنعًا وحشيًا، فلا جزاء فيما ليس بمأكول كسباع البهائم والمستخبث من الحشرات والطير وسائر المحرمات. وهذا قول أكثر أهل العلم، إلا أنهم أوجبوا الجزاء في المتولد بين المأكول وغيره، كالمتولد من الضبع والذئب، تغليبًا لتحريم قتله.
ولا جزاء اتفاقًا بذبح وأكل ما ليس بوحشي، كبهيمة الأنعام كلها والخيل والدجاج ونحوها. والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال.

خامسًا - وجوب الجزاء في صيد البر دون صيد البحر بغير خلاف: 

 لقوله تعالى: ﴿أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة، وحرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا﴾ [المائدة:٩٦/ ٥].
ولا فرق بين حيوان البحر الملح، وبين ما في الأنهار والعيون، فإن اسم البحر يتناول الكل، لقوله تعالى: ﴿وما يستوي البحران، هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج، ومن كلٍ تأكلون لحمًا طريًا﴾ [فاطر:١٢/ ٣٥] وحيوان البحر: ماكان يعيش في الماء ويفرخ ويبيض فيه، كالسمك ونحوه، وإن كان مما يعيش في البر والبحر كالسلحفاة والسرطان فهو كالسمك لا جزاء فيه. أما طير الماء ففيه الجزاء باتفاق أهل العلم. وكذا الجراد فيه الجزاء في قول الأكثرين.

سادسًا - كيفية وجوب الجزاء بقتل الصيد: 

 قال أبو حنيفة: الواجب القيمة؛ لأن الصيد ليس بمثلي. وقال الجمهور: الواجب المثل من النعم؛ لقوله تعالى: ﴿فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] وجعل النبي ﷺ في الضبع كبشًا، وأجمع الصحابة على إيجاب المثل، فقالوا: «في النعامة بدنة» وحكم ابن عباس وأبو عبيدة «في حمار الوحش ببدنة» وحكم عمر «فيه ببقرة»، فليس المراد حقيقة المماثلة، فإنها لاتتحقق بين النعم والصيد، لكن أريدت المماثلة من حيث الصورة، وهو الأرجح لدي.
 
والمتلف من الصيد قسمان:
١ - قسم قضت فيه الصحابة: فيجب فيه ما قضت، وبه قال الحنابلة والشافعية. وقال مالك: يستأنف الحكم فيه، لقوله تعالى: ﴿يحكم به ذوا عدل﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] لكن مذهب المالكية موافق للرأي الأول كما تقدم. ويدل للحنابلة وموافقيهم ما روي عن جابر: «أن النبي ﷺ جعل في الضبع يصيدها المحرم كبشًا» (١) وروى جابر عن النبي ﷺ: قال: «في الضبع كبش إذا أصاب المحرم، وفي الظبي شاة، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة» (٢).
٢ - وقسم لم تقض فيه الصحابة: فيرجع إلى قول عدلين من أهل الخبرة، لقوله تعالى: ﴿يحكم به ذوا عدل منكم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] فيحكمان فيه بأشبه الأشياء به من النعم من حيث الخلقة، لا من حيث القيمة، بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في القيمة. ولم يشترط الحنابلة في الحاكم كونه فقيهًا خلافًا للمالكية، وإنما شرطوا فيه العدالة، للنص عليها.
ويجوز عند الحنابلة والشافعية كون قاتل الصيد أحد العدلين، لعموم قوله تعالى: ﴿يحكم به ذوا عدل منكم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] والقاتل مع غيره ذوا عدل منا.

سابعًا - نوع الجزاء: 

قال الحنابلة والشافعية: في كبير الصيد مثله من النعم، وفي الصغير: صغير، وفي الذكر: ذكر، وفي الأنثى أنثى، وفي الصحيح صحيح، وفي المعيب: معيب، لقوله تعالى: ﴿فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] مثل الصغير صغير.
(١) رواه أبو داود وابن ماجه عن جابر.
(٢) رواه الدارقطني.
 
والجفرة: التي قد فطمت ورعت.
وقال المالكية: يجب ما يجزئ في الأضحية، ففي الصغير كبير، وفي المعيب صحيح، لقوله تعالى: ﴿هديًا بالغ الكعبة﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] ولا يجزئ في الهدي صغير ولا معيب.

ضمان جزء الصيد:

  أضاف الحنابلة: إن أتلف جزءًا من الصيد وجب ضمانه؛ لأن جملته مضمونة، فكان بعضه مضمونًا كالآدمي والأموال، ولأن النبي ﷺ قال: «لا ينفَّر صيدها» فالجرح أولى بالنهي، والنهي يقتضي التحريم، وما كان محرمًا من الصيد وجب ضمانه كنفسه. ويضمن بمثله من مثله. هذا إن اندمل الصيد ممتنعًا، فإن اندمل غير ممتنع ضمنه جميعه؛ لأنه عطَّله، فصار كالتالف، ولأنه مفض إلى تلفه، فصار كالجارح له جرحًا يتيقن به موته. قال ابن قدامة: وهذا مذهب أبي حنيفة.


ضمان مضاعفات الجرح: 

 إن جرح المحرم صيدًا، فوقع في شيء تلف به: ضمنه؛ لأنه تلف بسببه، وكذلك إن نفره فتلف في حال نفوره، ضمنه. فإن سكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف، لم يضمنه. ويجوز عند الحنابلة إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته.


قاعدة الضمان: 

وكل ما يضمن به الآدمي يضمن به الصيد من مباشرة وتسبب. وما جنت عليه دابته بيدها أو فمها من الصيد. فالضمان على راكبها، أو قائدها أو سائقها، وما جنت برجلها، فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يمكن حفظ رجلها.


كيفية ضمان الطير:

  قال الجمهور: في النعامة بدنة، وفي الحمام شاة؛ لأن النعامة تشبه البعير في خلقته، فكانت البدنة مثلًا لها، وتوجب الآية المثل: ﴿فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] ولأن الآثار عن الصحابة ذكرت في الحمام شاة، وكذلك ما كان أكبر من الحمام كالحباري والكركي والكروان والحجل والأوز الكبير من طير الماء، فيه شاة.
 
وقال أبو حنيفة: الواجب هو القيمة.
ولا خلاف في أن ضمان غير الحمام ونحوه من الطير هو القيمة في المكان الذي أتلفه فيه. وكذلك يضمن بيض الطير بقيمة الطير، لقول ابن عباس: «في بيض النعام قيمته».
وقال المالكية (١): يجب في الجنين وفي البيض عُشر دية الأم.

ثامنًا - التخيير في جزاء الصيد: 

اتفقت المذاهب على أن قاتل الصيد مخير في الجزاء بين أحد أمور ثلاثة، بأيها شاء كفَّر، سواء أكان موسرًا أم معسرًا، والأمور الثلاثة: هي ذبح النظير، وتقويم النظير بدراهم ثم بطعام، لكل مسكين مد، وصيام يوم عن كل مد، لقوله تعالى: ﴿هديًا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صيامًا﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] و«أو» في الأمر للتخيير، بين المثل أو الإطعام أوالصيام. وإذا اختار المثل ذبحه، وتصدق به على مساكين الحرم، لقوله تعالى: ﴿هديًا بالغ الكعبة﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] والهدي يجب ذبحه، ولا يجزئه أن يتصدق به حيًا على المساكين، لتسميته هديًا، وله ذبحه في أي وقت شاء، ولا يختص ذلك بأيام النحر.


كيفية تقدير الطعام ونوعه:
قال الشافعية والحنابلة: متى اختار الإطعام: فإنه يقوم المثل بالدراهم، والدراهم بطعام ويتصدق به على المساكين؛ لأن المثل الواجب إذا قوم، لزمت قيمة مثله. ولا يجزئ إخراج القيمة؛ لأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ليست القيمة منها. ونوع الطعام المخرج: هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأذى: وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وقال مالك: يقوم الصيد لا المثل؛ لأن التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف، قوم المتلف كالذي لا مثل له.
(١) الشرح الصغير: ١١٨/ ٢.
 
تقدير الصيام:
في الصيام: يصوم عند الجمهور: عن كل مد يومًا؛ لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام، فكان في مقابلة المد ككفارة الظهار: المد فيها في مقابلة إطعام المسكين. وإذا بقي ما لا يعدل يومًا، صام يومًا كذلك.
وقال أبو حنيفة: يصوم عن كل نصف صاع من بُرّ يومًا، إذ لا يجوز عنده أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع؛ لأن الطعام المذكور ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع.

تاسعًا - ما لا مثل له من الصيد كالجراد: 

 يخير قاتله بين أن يشتري بقيمته طعامًا، فيطعمه للمساكين، وبين أن يصوم. ولا يجوز إخراج القيمة عند الحنابلة في الظاهر، والشافعية، وإنما يتخير بين إخراج طعام بقيمته والصيام بعدد الأمداد.


عاشرًا - تكرار قتل الصيد والاشتراك في القتل: 

كلما قتل صيدًا حكم عليه، فيجب الجزاء بقتل الصيد الثاني، كما يجب عليه إذا قتله ابتداء؛ لأنه كفارة عن قتل، فاستوى فيه المبتدئ والعائد كقتل الآدمي، ولأن هذه الكفارة بدل متلف يجب به المثل أو القيمة، فأشبه بدل مال الآدمي.
ولو اشترك جماعة في قتل صيد، فعليهم جزاء واحد في رأي الحنابلة على الصحيح والشافعية، لقوله تعالى: ﴿فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾ [المائدة:٩٥/ ٥] والجماعة قد قتلوا صيدًا، فيلزمهم مثله، والزائد خارج عن المثل، فلا يجب.
وقال الحنفية (١) والمالكية: إذا اشترك المحرمان في قتل صيد، فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملًا؛ لأن كل واحد منهما جنى على إحرام كامل. وإذا اشترك الحلالان في قتل صيد الحرم، فعليهما جزاء واحد؛ لأن الضمان هنا لحرمة الحرم،
(١) اللباب:٢١١/ ١ ومابعدها.
 
فجرى مجرى ضمان الأموال، كرجلين قتلا رجلًا خطأ، يجب عليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما كفارة.
وأضاف الحنابلة: إن كان شريك المحرم في قتل صيد مطلقًا حلالًا أو سبعًا، فلا شيء على الحلال، ويحكم على الحرام.
وإن اشترك حرام وحلال في صيد حرمي، فالجزاء بينهما نصفان؛ لأن الإتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه.

حادي عشر - تملك الصيد بالبيع ونحوه وزوال ملكيته عنه، وتملكه بالإرث:
قال أكثر الفقهاء: إذا أحرم الرجل وفي ملكه صيد، لم يزل ملكه عنه، ولا يده الحكمية، مثل أن يكون في بلده أو في يد نائب له في غير مكانه. ولا شيء عليه إن مات، وله التصرف فيه بالبيع والهبة وغيرهما، ومن غصبه لزمه رده، ويلزمه إزالة يده المشاهدة عنه، فإذا كان في قبضته أو رحله أو خيمته أو قفص معه أو مربوطًا بحبل معه، لزمه إرساله.
والدليل على بقاء يد المالك عليه: أنه لم يفعل في الصيد فعلًا، فلم يلزمه شيء، كما لو كان في ملك غيره.
ولا يملك المحرم الصيد ابتداء بالبيع ولا بالهبة ونحوهما من الأسباب، بدليل حديث الصعب بن جثَّامة المتقدم أنه ﷺ رد الحمار الوحشي على صاحبه، لأنه محرم. فإن أخذه بأحد هذه الأسباب، ثم تلف فعليه جزاؤه، وإن كان مبيعًا فعليه القيمة أو رده إلى مالكه، فإن أرسله فعليه ضمانه كما لو أتلفه، وليس عليه جزاء، وعليه رد المبيع أيضًا.
وإن ورث المحرم صيدًا ملكه؛ لأن الملك بالإرث ليس بفعل من جهته وإنما يدخل في ملكه حكمًا، سواء اختار ذلك أو كرهه.
 
جدول محظورات الإحرام 

المحرّمات ................. ما يترتب على فعل شيءٍ منها عمدًا أو سهوًا أو جهلًا أو لعذر
١ - لبس الرجل المخيط من .................... الفدية بذبح شاة .............................
الثياب أو الحذاء وستر بلا عذر .............................................................
٢ - تغطية رأس الرجل ووجه المرأة .............. الفدية بذبح شاة .............................
٣ - إزالة الشعر من الجسم بأي ... الفدية بذبح شاة بحلق ربع الرأس عند الحنفية، وإلا فعليه نوع في أي موضع .................... صدقة
................................ الفدية بذبح شاة بإزالة ما يزيد عن عشر شعرات عند المالكية
................................ وإلا فعليه حفنة من طعام.
................................ الفدية بذبح شاة بإزالة ثلاث شعرات فأكثر عند الشافعية
................................ والحنابلة، وإلا فعليه إطعام مسكين عند الحنابلة، ومد لشعرة ................................ ومدان لشعرتين عند الشافعية
٤ - تقليم الأظافر ................ الفدية بالذبح بتقليم أظافر يد أو رجل عند الحنفية، وأما عند ................................ الأئمة الآخرين فعلى تفصيل إزالة الشعر.
٥ - استعمال الطيب مطلقًا ...... الفدية بالذبح ..............................................
٦ - صيد الحيوان أو التعرّض له ... جزاء عند الجمهور بالمثل أو التصدق بقيمته طعامًا، أو الصيام
................................ عن كل مد يومًا ............................................
............................... جزاء بالقيمة عند أبي حنيفة، ويخير فيها بين شراء هدي وذبحه
.............................. أو التصدق بطعام لكل
 
مسكين نصف صاع من حنطة، أو صوم
.............................. يوم عن كل نصف صاع .....................................
٧ - قطع نبات حرم مكة أو شجرة ..... لا جزاء عند المالكي، وعليه القيمة عند أبي حنيفة، وعليه ...................................... شاة أو بقرة عند الشافعية والحنابلة بحسب كون الشجرة
...................................... صغيرة أو كبيرة، وقيمة النبات.
٨ - الجماع ومقدماته التي فيها ....... فساد الحج بالجماع اتفاقًا، وكذا بالإنزال عند المالكية
استمتاع بالنساء ..................... مع القضاء اتفاقًا، وذبح بدنة عند الشافعية والحنابلة،
.................................... وهدي عند المالكية، وبدنة بعد الوقوف عند الحنفية
.................................... وقبله شاة. ولافدية عند أحمد على المرأة النائمة والمكرهة،
................................... ولا شيء عند الشافعية على من باشر مقدمات الجماع ناسيًا
................................... ولا على المجامع الناسي والجاهل بالتحريم والمرأة المكرهة، ................................... ولا يفسد الحج أيضًا بذلك عندهم.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية