الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفصل السابع: مبطلات الصلاة أو مفسداتها عند المذاهب الأربعة الفقه للزحيلي

 
الفصل السابع: مبطلات الصلاة أو مفسداتها علي المذاهب الأربعة الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

اسم الكتاب الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها
اسم المؤلف: د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ
المهنة:أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة
الوفاة 8 أغسطس 2015 الموافق 23 شوال 1436 هـ
التصنيف: الفقه المقارن

المحتويات
  1. الفصل السابع: مبطلات الصلاة أو مفسداتها
  2. أولا ـ مفسدات الصلاة عند الفقهاء
  3. ١ - الكلام
  4. الفتح على غير الإمام وعلى الإمام
  5. ٢ - الأكل والشرب
  6. ٣ - العمل الكثير المتوالي
  7.  المشي في الصلاة
  8.  ٤ - استدبار القبلة
  9.  ٥ - كشف العورة عمدا
  10.  ٦ - طروء الحدث الأصغر أو الأكبر
  11.  ٧ - حدوث النجاسة التي لا يعفى عنها في البدن والثوب والمكان
  12.  ٨ - القهقهة
  13.  ٩ - الردة (وهي قطع الإسلام بقول أو فعل) والموت والجنون والإغماء
  14.  ١٠ - تغيير النية
  15.  ١١ - اللحن في القراءة، أو زلة القارئ
  16.  ١٢ - ترك ركن بلا قضاء، وشرط بلا عذر
  17.  ١٣ - أن يسبق المقتدي إمامه عمدا بركن لم يشاركه فيه
  18.  ١٤ - محاذاة المرأة الرجل في الصلاة من غير فرجة
  19.  ١٥ - إذا وجد المتيمم ماء قدر على استعماله وهو في الصلاة
  20.  ١٦ - القدرة على الساتر لعورته
  21.  ١٧ - أن يسلم عمدا قبل تمام الصلاة
  22.  ١٨ - المسائل الاثنتا عشرة عند أبي حنيفة
  23.  ثانيا - مبطلات الصلاة في كل مذهب على حدة
  24.  مذهب الحنفية
  25.  مذهب المالكية
  26.  مذهب الشافعية
  27.  مذهب الحنابلة
  28.  ثالثا ـ ما تقطع الصلاة لأجله
  29.  ما يجب قطع الصلاة له لضرورة
  30.  تقطع الصلاة ولو فرضا باستغاثة شخص ملهوف،
  31.  وتقطع الصلاة أيضا إذا غلب على ظن المصلي خوف تردي أعمى، أو صغير أو غيرهما
  32.  ما يجوز قطع الصلاة له ولو فرضا لعذر
  33.  سرقة المتاع،
  34.  خوف المرأة على ولدها، أو خوف فوران القدر، أواحتراق الطعام على النار.
  35.  مخافة المسافر من اللصوص أو قطاع الطرق.
  36.  قتل الحيوان المؤذي إذا احتاج قتله إلى عمل كثير.
  37.  رد الدابة إذا شردت.
  38.  مدافعة الأخبثين
  39.  نداء أحد الأبوين في صلاة النافلة،
  40. العودة الي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 
 
  الفَصْل ُالسَّابع: مُبْطِلاتُ الصَّلاة أو مُفْسِداتُها  
الصلاة عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة كما عرفنا، ويجب أداؤها مستوفية شرائطها وأركانها لتكون صحيحة على النحو الذي بينه النبي ﷺ، وأمر به المسلمين فقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (١).
فإذا اشتملت الصلاة على أمر مخالف للكيفية المشروعة، فسدت أو بطلت، والفساد والبطلان في العبادات بمعنى واحد باتفاق الفقهاء، أما في المعاملات كالبيع فهما عند الحنفية مفترقان بمعنى مختلف.
وإذا فسدت العبادة وجب إعادتها، والفساد أو البطلان: هو خروج العبادة عن كونها عبادة بسبب فوات بعض الفرائض.
والصلاة قد تبدأ فاسدة بترك شرط من شروطها الصحيحة كالطهارة وستر العورة، أما كشف العورة في أثناء الصلاة فمفسد لها عند الحنفية إذا دام قدر أداء ركن وهو مقدار ثلاث تسبيحات، كما قد تكون فاسدة بترك فريضة من فرائضها كتكبيرة الإحرام، وقد يطرأ الفساد بترك ركن من أركانها كترك الركوع أو السجود.
(١) سبق تخريجه.
 
أولًا - مفسدات الصلاة عند الفقهاء: 
إن أهم مفسدات الصلاة عند الفقهاء هي مايأتي (١)، علمًا بأن الحنفية ذكروا ثمانية وستين أمرًا مفسدًا للصلاة، والمالكية حوالي ثلاثين، والشافعية سبعة وعشرين، والحنابلة حوالي ستة وثلاثين.

١ - الكلام: 
 أي النطق بحرفين ولو لم يفهما أو حرف مفهم أجنبي عن الصلاة، عمدًا أو سهوًا؛ لخبر زيد بن أرقم: «كنا نتكلم في الصلاة، يكلّم الرجل منا صاحبه، وهو إلى جنبه حتى نزلت: وقوموا لله قانتين، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» (٢) وخبر معاوية بن الحكم السُّلَمي: «بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطَس رجل من القوم، فقلت: يرحمُك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكل أمَّاه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمتونني لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله ﷺ، فبأبي وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله، ما كهرني (انتهرني) ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (٣).
ومن الكلام المبطل: التنحنح بلا عذر إذا صحبه حرفان فأكثر، ومنه التأوه والأنين والتأفف والبكاء إذا اشتمل على حروف مسموعة، إلا إذا نشأ من مرض أو
(١) الدر المختار: ٥٧٤/ ١ - ٥٩٣، البدائع: ٢٣٣/ ١ - ٢٤٢، مراقي الفلاح: ص ٥٢ - ٥٤، الشرح الصغير ٣٤٣/ ١ - ٣٥٦، حاشية الباجوري: ١٨٢/ ١ - ١٨٦، القوانين الفقهية: ص ٥١، مغني المحتاج: ١٩٤/ ١ - ٢٠٠، المهذب: ٨٦/ ١ - ٨٨، كشاف القناع: ٤٦٥/ ١ - ٤٧٠، المغني: ١/ ٢ - ٥، ٤٤ - ٦٢.
(٢) رواه الجماعة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار: ٣١١/ ٢).
(٣) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (المصدر السابق: ص ٣١٤ وما بعدها).
 
قوله لكني سكت، قال المنذري: يريد لم أتكلم لكني سكت. من خشية الله، ومنه تشميت العاطس، ورد السلام ومنه الدعاء بما يشبه كلام الناس، غير أن للفقهاء تفصيلات في ذلك يحسن إيرادها:
قال الحنفية (١): تفسد الصلاة بالكلام عمدًا أو سهوًا، أو جاهلًا، أو مخطئًا، أو مكرهًا، على المختار، وذلك بالنطق بحرفين أو حرف مفهم، مثل (عِ) و(قِ)، وكما لو سلم على إنسان، أو رد السلام بلسانه، لا بيده، ويكره ذلك على المعتمد، أو شمَّت عاطسًا، أو نادى إنسانًا بقوله (يا) ولو ساهيًا، لكن لو سلم ساهيًا للخروج من الصلاة قبل إتمامها على ظن إكمالها، فلا تفسد الصلاة، ولو صافح بنية السلام، تفسد، لأنه عمل كثير. ولو استعطف كلبًا أو هرة أو ساق حمارًا بما ليس من حروف الهجاء لا تفسد صلاته؛ لأنه صوت لا هجاء له.
ومن ارتفع بكاؤه لمصيبة بلغته، فسدت صلاته، لأنه تعرض لإظهارها.
وتبطل بالتنحنح بحرفين بلا عذر، فإن وجد عذر، كأن نشأ من طبعه فلا تفسد، كما لا تفسد إن كان لغرض صحيح كتحسين الصوت، أو ليهتدي إمامه إلى الصواب، أو للإعلام أنه في الصلاة، فلا فساد على الصحيح، وهكذا فإن التنحنح عن عذر لا يفسد الصلاة. وتفسد بالدعاء بما يشبه كلام الناس: وهو ما ليس في القرآن ولا في السنة، ولا يستحيل طلبه من العباد، وبالأنين (هو قوله: أه)، والتأوه (هو قوله: آه) والتأفف (أف أو تف)، والبكاء بصوت يحصل به حروف، لوجع أو مصيبة في الحالات الأربع الأخيرة، إلا لمرض لا يملك نفسه عن أنين وتأوه؛ لأنه حينئذ كعطاس وسعال وجشاء وتثاؤب، وإن ظهرت حروف للضرورة.
(١) الدر المختار: ٥٧٤/ ١ - ٥٩٣، البدائع: ٢٢٠/ ١، ٢٣٢ - ٢٤٢، فتح القدير: ٢٨٠/ ١ - ٢٨٦.
 
والنفخ بصوت مسموع يفسد الصلاة سواء أراد به التأفف أو لم يردعند أبي حنيفة ومحمد، لقول ابن عباس: «النفخ في الصلاة كلام» (١).
ولا تفسد بالدعاء لذكر جنة أو نار عند قراءة الإمام، فجعل يبكي ويقول: بلى أو نعم، لدلالته على الخشوع.
وتفسد بجواب خبر سوء، بالاسترجاع على المذهب، أي بقوله: ﴿إنا لله وإنا إليه راجعون﴾ [البقرة:١٥٦/ ٢]، لأنه يقصد الجواب، فصار ككلام الناس.
وتفسد بكل ما قصد به الجواب، كأن قيل: هل مع الله إله؟ فقال: (لا إله إلا الله) أو قيل: ما مالك؟ فقال: الخيل والبغال والحمير. أو سئل: من أين جئت؟ فقال: وبئر معطلة وقصر مشيد.
وتفسد بالخطاب كقوله لمن اسمه يحيى أو موسى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أو (وما تلك بيمينك يا موسى) أو لمن بالباب: (ومن دخله كان آمنا).
وتفسد إن قصد الجواب: إذا قال عند سماع اسم الله تعالى: (لا إله إلا الله) أو قال: ﷻ، أو عند ذكر النبي ﷺ، فصلى عليه، أو عند قراءة الإمام، فقال: صدق الله ورسوله. أما إن لم يقصد الجواب، بل قصد الثناء والتعظيم، فلا تفسد؛ لأن تعظيم الله تعالى بذاته، والصلاة على نبيه ﷺ لا ينافي الصلاة.
ولا تفسد الصلاة بالنظر إلى مكتوب وفهمه، غير أنه مكروه، أما القراءة من المصحف فتفسد الصلاة عند أبي حنيفة؛ لأن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير، ولأنه يشبه التلقين من الآخرين. وقال الصاحبان: لا تفسد
(١) رواه سعيد بن منصور في سننه (نيل الأوطار: ٣١٧/ ٢) وروي نحوه عن أبي هريرة، لكن قال ابن المنذر: لا يثبت عنهما
 
وإنما تكره؛ لأن القراءة من المصحف عبادة انضافت إلى عبادة أخرى. وتكره لأنه تشبه بأهل الكتاب.
وقال المالكية (١): يشترط لصحة الصلاة ترك الكلام إلا بما هو من جنسها، أو مصلح لها. وتبطل بتعمد كلام أجنبي ولو كلمة، نحو «نعم» أو «لا» لمن سأله عن شيء، لغير إصلاح الصلاة، فإن كان الكلام لإصلاح الصلاة وبقدر الحاجة لا تبطل الصلاة إلا إن كان كثيرًا، كأن يسلم الإمام بعد ركعتين في صلاة رباعية، أو يقوم لركعة خامسة، ولم يفهم بالتسبيح، فقال له المأموم: أنت سلمت من ركعتين أو قمت لخامسة، لم يضر عملًا بقصة ذي اليدين، روى أبو هريرة، قال: صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي، إما الظهر، وإما العصر، فسلم في ركعتين، ثم أتى جِذْعًا في قبلة المسجد، فاستند إليها مغضبًا، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلما، وخرج سَرْعانُ الناس (أي المتسرعون)، فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا الركعتين، فصلى ركعتين، وسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم (٢). ومن تلا وقصده التفهيم لشخص لم يضره كقوله: (ادخلوها بسلام).
وتبطل أيضًا بتعمد تصويت خال عن الحروف، كصوت الغراب، وبتعمد نفخ بفم، لا بأنف، وبتعمد سلام في حال العلم أو الظن أو الشك بعدم إكمال الصلاة.
(١) الشرح الصغير: ٣٤٤/ ١، القوانين الفقهية: ص ٥٠.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، كما أخرجاه عن عمران بن حصين، وأخرجه أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر (نصب الراية: ٦٧/ ٢ وما بعدها).
 
وقال الشافعية (١): تبطل الصلاة بالنطق بكلام البشر بحرفين مفهمين ولو لمصلحة الصلاة كقوله: لا تقم أو اقعد، أم بحرف مفهم، أو بمدَّة حرف في الأصح؛ لأن الممدود في الحقيقة حرفان. والأصح أن التنحنح والبكاء والأنين، والنفخ إن ظهر به حرفان مبطل للصلاة. ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه إليه، أو نسي الصلاة عملًا بقصة ذي اليدين السابقة، أو جهل تحريم الكلام في الصلاة إن قرب عهده بالإسلام، وتبطل بكثير الكلام (٢) في الأصح، ويعذر في اليسير عرفًا من التنحنح ونحوه كالسعال والعطاس وإن ظهر به حرفان ولو من كل نفخة ونحوها، لغلبة كل ما ذكر عليه فلا تقصير منه، أو لتعذر القراءة الواجبة وغيرها من الأركان القولية في حال التنحنح للضرورة، والجهر بالقراءة لا يصلح في الأصح عذرًا ليسير التنحنح. ولو أكره المصلي على الكلام اليسير في صلاته بطلت صلاته في الأظهر؛ لأنه أمر نادر كالإكراه على الحدث.
وقال الحنابلة (٣): تبطل الصلاة بكلام الآدميين (وهو ما انتظم حرفين فصاعدًا)، لغير مصلحة الصلاة، كقوله: يا غلام اسقني، ونحوه. ولا تبطل إن تكلم من سلَّم قبل إتمام صلاته سهوًا بكلام يسير عرفًا لمصلحة الصلاة، عملًا بقصة ذي اليدين، سواء أكان إمامًا أم مأمومًا. ولا تبطل إن تكلم مغلوبًا على الكلام، بأن خرجت الحروف منه بغير اختياره، كأن سلم سهوًا أو نام فتكلم لرفع القلم عنه، أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة لا من القرآن، لأنه لا يمكنه التحرز عنه، أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب، فبان منه حرفان.
(١) مغني المحتاج: ١٩٤/ ١ وما بعدها.
(٢) مرجع القليل والكثير إلى العرف على الأصح، وقدروا الكلام اليسير بنحو سبع كلمات كما ورد في قصة ذي اليدين.
(٣) كشاف القناع: ٤٦٩/ ١ وما بعدها، المغني: ٥٧٥/ ١، ٤٤/ ٢ - ٥٤.
 
وتبطل الصلاة بالنفخ إن بان منه حرفان، لقول ابن عباس السابق: «من نفخ في صلاته فقد تكلم» وبالنحيب (هو رفع الصوت بالبكاء) إذا بان منه حرفان، لا من خشية الله، وبالتنحنح من غير حاجة، فبان منه حرفان، فإن تنحنح لحاجة لم تبطل.
وأجاز الحنابلة القراءة في أثناء الصلاة في المصحف، ويكره ذلك لمن يحفظ؛ لأنه يشغل عن الخشوع والنظر إلى موضع السجود لغير حاجة، كما يكره في الفرض على الإطلاق؛ لأن العادة أنه لا يحتاج إلى ذلك فيها، وتباح في غير هذين الموضعين للحاجة إلى سماع القرآن والقيام به. والدليل على الجواز أن «عائشة كان يؤمها عبد لها في المصحف» (١)، وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف؟ فقال: كان خيارنا يقرؤون في المصاحف.

الفتح على غير الإمام وعلى الإمام:
 
أي إرشاده إلى الصواب في القراءة. تبطل الصلاة بإرشاد المأموم غير إمامه إلى صواب القراءة لأنه تعليم وتعلم، فكان من جنس كلام الناس، أما إرشاد المأموم إمامه ففيه تفصيل بين الفقهاء:
قال الحنفية (٢): إذا توقف الإمام في القراءة أو تردد فيها، قبل أن ينتقل إلى آية أخرى، جاز للمأموم أن يفتح عليه أي يرده إلى الصواب، وينوي الفتح على إمامه دون القراءة على الصحيح؛ لأنه مرخص فيه، أما القراءة خلف الإمام فهي ممنوعة مكروهة تحريمًا. فلو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى، تفسد صلاة الفاتح، وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله، لوجود التلقين والتلقن من غير ضرورة.
وينبغي للمقتدي ألا يعجل الإمام بالفتح، ويكره
(١) رواه أبو بكر الأثرم وابن أبي داود عن عائشة.
(٢) فتح القدير: ٢٨٣/ ١ وما بعدها، الدر المختار: ٥٨١/ ١ وما بعدها.
 
له المبادرة بالفتح، كما يكره للإمام أن يلجئ المأموم إليه، بل يركع حين الحرج إذا جاء أوان التردد في القراءة، أو ينتقل إلى آية أخرى.
وتبطل الصلاة إن فتح المأموم على غير إمامه إلا إذا قصد التلاوة لا الإرشاد، ويكون ذلك مكروهًا تحريمًا.
كما تبطل الصلاة بإرشاد غير المصلي له، أو بامتثال أمر الغير، كأن يطلب منه غيره سد فرجة، فامتثل وسدها، وإنما ينبغي أن يصبر زمنًا ثم يفعل من تلقاء نفسه.
ودليل جواز الفتح على الإمام: حديث المُسَوَّر بن يزيد المكي قال: «صلى رسول الله ﷺ، فترك آية، فقال له رجل: يا رسول الله، آية كذا وكذا، قال: فهلاّ ذكّرْتنيها؟» (١) وحديث ابن عمر: «أن النبي ﷺ صلى صلاة، فقرأ فيها، فَلَبَس عليه، فلماانصرف، قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟» (٢).
وقال المالكية (٣): تبطل الصلاة بالفتح على غير الإمام سواء من المصلي أو من غيره، بأن سمعه يقرأ، فتوقف في القراءة، فأرشده للصواب؛ لأنه من باب المكالمة، أما الفتح على الإمام إذا وقف وتردد في القراءة، ولو في غير الفاتحة فجائز لا يبطل الصلاة، بل هو واجب، فإن وقف ولم يتردد كره الفتح عليه.
وقال الشافعية (٤): الفتح على الإمام: هو تلقين الآية عند التوقف فيها. ويفتح عليه إذا سكت، ولا يفتح عليه ما دام يردد التلاوة وسؤال الرحمة
(١) ر واه أبو داود وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه (نيل الأوطار: ٣٢٢/ ٢).
(٢) رواه أبو داود (المصدر السابق).
(٣) الشرح الصغير:٣٤٧/ ١، القوانين الفقهية: ص ٧٤.
(٤) مغني المحتاج:١٥٨/ ١ ٠
 
والاستعاذة من عذاب، لقراءة آيتهما. والفتح في حالة السكوت لا يقطع في الأصح موالاة قراءة المأموم، أما في حالة التردد فيقطع موالاة قراءته، ويلزمه استئناف القراءة.
ولا بد لمن يفتح على إمامه أن يقصد القراءة وحدها أو يقصدها مع الفتح، فإن قصد الفتح وحده، أو لم يقصد شيئًا أصلًا، بطلت صلاته على المعتمد. أما الفتح على غير إمامه فيقطع موالاة القراءة.
وقال الحنابلة (١): للمصلي أن يفتح على إمامه إذا أُرْتِج عليه (منع من القراءة) أو غلط في قراءته، فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا. ويجب الفتح على إمامه إذا أرتج عليه أو غلط في الفاتحة، لتوقف صحة صلاته على ذلك، كما يجب تنبيهه عند نسيان سجدة ونحوها من الأركان.
وإن عجز المصلي عن إتمام الفاتحة بالإرتاج عليه، فكالعاجز عن القيام في أثناء الصلاة، يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه، ولا يعيدها.
وقال ابن قدامة في المغني: والصحيح أنه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة فإن صلاته تفسد؛ لأنه قادر على الصلاة بقراءتها، فلم تصح صلاته بدون ذلك، لعموم قوله ﷺ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
ويكره للمصلي الفتح على من هو في صلاة أخرى، أو على من ليس في صلاة؛ لأن ذلك يشغله عن صلاته، ولا تبطل صلاته، وقد قال النبي ﷺ: «إن في الصلاة لشغلًا» (٢).
(١) كشاف القناع: ٤٤٢/ ١، المغني: ٥٦/ ٢ - ٦٠.
(٢) رواه البخاري ومسلم أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه عن ابن مسعود، وهو صحيح.
 
٢ - الأكل والشرب: 
هذا مبطل للصلاة على تفصيل في جزئيات يسيرة بين الفقهاء.
قال الحنفية: تبطل الصلاة بالأكل والشرب عامدًا أم ناسيًا، سواء أكان المأكول قليلًا أم كثيرًا؛ لأنه ليس من أعمال الصلاة، إلا إذا كا بين أسنانه مأكول دون الحِمِّصة، فابتلعه، فلا تبطل صلاته لمشقة الاحتراز عنه دائمًا، كما هو الحال في الصوم.
أما المضغ الكثير بأن كان ثلاثًا متواليات فمفسد، وكذا لو ابتلع ذوب سكرأو حلوى في فمه.
وقال المالكية: تبطل الصلاة بتعمد أكل ولو لقمة بمضعها، وتعمد شرب ولو قلّ، ولا تبطل بأكل يسير مثل الحبة بين أسنانه، كما لا تبطل بأكل أو شرب سهوًا على الراجح، ويسجد له بعد السلام. فإن اجتمع الأكل والشرب، أو وجد أحدهما مع السلام سهوًا، فتبطل الصلاة.
وقال الشافعية والحنابلة: تبطل الصلاة بتعمد تناول قليل الأكل، لشدة منافاته للصلاة؛ لأن ذلك يشعر بالإعراض عنها، ولا تبطل بتناول قليل الأكل ناسيًا أو جاهلًا تحريمه، وتبطل بكثير الأكل ولو مع النسيان والجهل في الأصح، ولو مفرقًا، بخلاف الصوم، فإنه لا يبطل بذلك.
كما تبطل بكثير المضغ، وإن لم يصل إلى الجوف شيء من الممضوغ.
وتبطل في الأصح ببلع ذوب سُكَّرة بفمه، لمنافاته للصلاة.
ولا يضر ما وصل مع الريق إلى الجوف من طعام بين أسنانه، إذا عجز عن تمييزه ومجه.
 
٣ - العمل الكثير المتوالي:
اتفق الفقهاء على بطلان الصلاة بالعمل الكثير المتوالي، ولو سهوًا؛ لأن الحاجة لا تدعو إليه.
قال الحنفية: تبطل الصلاة بكل عمل كثيرليس من أعمالها ولا إصلاحها، كزيادة ركوع أو سجود، وكمشي لغير تجديد الوضوء لمن سبقه الحدث. ولا تفسد برفع اليدين في تكبيرات الزوائد ولكنه يكره. والعمل الكثير: هو الذي لا يشك الناظر لفاعله أنه ليس في الصلاة. فإن اشتبه فهو قليل على الأصح.
وقال المالكية: تبطل الصلاة بالفعل الكثير عمدًا أو سهوًا كحك جسد، وعبث بلحية، ووضع رداء على كتف، ودفع مارّ وإشارة بيد. ولا تبطل بالفعل القليل أو اليسير جدًا كالإشارة وحك البشرة، أما المتوسط بين الكثير والقليل، كالانصراف من الصلاة، فيبطل عمده دون سهوه.
وقال الشافعية والحنابلة: تبطل الصلاة بكثير من العمل عمدًا أو سهوًا، لا بقليله، وتعرف الكثرة بالعرف والعادة، فالخُطوتان والضربتان قليل، والثلاث المتواليات عند الشافعية كثير. ومعنى التوالي: ألا تعد إحداها منقطعة عن الأخرى.
وتبطل بالوثبة الفاحشة وهي النطة لمنافاتها الصلاة، لا الحركات الخفيفة المتوالية، كتحريك أصابعه في سُبْحة أو عِقْد، أو حكّ أو نحو ذلك في الأصح، كتحريك لسانه أو أجفانه أو شفتيه أو ذكره مرارًا ولاء، فلا تبطل بذلك.
ولا يضر العمل اليسير عادة من غير جنس الصلاة، لفتح النبي ﷺ الباب
 
لعائشة، وحمله أمامة ووضعها (١)، كما لايضر العمل المتفرق وإن كثر، ولا الحاصل بعذر كمرض يستدعي حركة لا يستطيع الصبر عنها زمنًا يسع الصلاة.
ويكره العمل الكثير غير المتوالي بلا حاجة. ولا يقدر عند الحنابلة العمل الكثير بثلاث ولا بعدد.
وأضاف الشافعية (٢): أن العمل الكثير في العرف يضبط بثلاثة أفعال فأكثر، ولو بأعضاء متعددة، كأن حرك رأسه ويده. ويحسب ذهاب اليد وعودها مرة واحدة، ما لم يسكن بينهما، وكذا رفع الرجل، سواء عادت لموضعها الذي كانت فيه أو لا. أما ذهابها وعودها فمرتان. وقد عرفنا أن الوثبة الفاحشة كالعمل الكثير، وكذا تحريك كل البدن، أو معظمه ولو من غير نقل قدميه.
ومحل البطلان بالعمل الكثير: إن كان بعضو ثقيل، فإن كان بعضو خفيف، فلا بطلان، كما لو حرك أصابعه من غير تحريك كفه في سُبْحة أو حل عِقْد، أو تحريك لسان وأجفان وشفة أو ذكر ولو مرارًا؛ إذ لا يخل ذلك بهيئة الخشوع والتعظيم، فأشبه الفعل القليل.
ولو تردد في فعل، هل هو قليل أو كثير، فالمعتمد أنه لا يؤثر.
والفرق بين الكلام في أن الصلاة تبطل بقليله وكثيره، وبين العمل في الصلاة لا تبطل إلا بكثيره: هو أن العمل يتعذر الاحتراز عنه، فعفي عن القليل؛ لأنه لا يخل بالصلاة، بخلاف الكلام العمد عند الشافعية، وأما غير العمد فلا يضر قليله، كما تقدم. وتبطل الصلاة عند أبي حنيفة بالقراءة في مصحف لسببين:
(١) ثبت «أنه ﷺ صلَّى وهو حامل أمامة بنت بنته، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها» رواه الشيخان. وأمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب، وخلع نعليه في صلاته.
(٢) حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم الغزي: ١٨٤/ ١.
 
أحدهما - أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير.
والثاني - أن تلقن من المصحف كما تلقن من غيره، وجوزه الصاحبان بالكراهة، وجوزه الشافعي وأحمد بلا كراهة.

المشي في الصلاة:
 لا تبطل الصلاة إن مشى مستقبل القبلة بنحو متقطع يفصل بين تقديم كل رجل والأخرى بقدر أداء ركن، فيقف، ثم يمشي وهكذا وإن كثر ما لم يختلف المكان، بأن خرج من المسجد، أو تجاوز الصفوف إن كانت الصلاة في الصحراء.

٤ - استدبار القبلة: 
بتحويل الصدر عنها بغير عذر، عند الحنفية والشافعية، فإن كان بعذر، كاستدبار القبلة للذهاب إلى الوضوء، فلا تبطل لأنه مغتفر. ومن العذر عند الشافعية: انحراف الجاهل والناسي إن عاد عن قرب.
ولا تبطل الصلاة عند المالكية ما لم تتحول قدما المصلي عن مواجهة القبلة. وعند الحنابلة: ما لم يتحول المصلي بجملته عن القبلة.

٥ - كشف العورة عمدا ً
  أو انكشافها بنحو ريح ومضي مقدار أداء ركن أو مقدار ثلاث تسبيحات عند الحنفية إذا انكشف ربع عضو من أعضاء العورة، وإن سترها حالًا لم تبطل صلاته عند الشافعية والحنابلة. وتبطل الصلاة عند المالكية بمجرد انكشاف العورة المغلظة مطلقًا، لا غيرها والمعتبر في ستر العورة من الجوانب، لا من الأسفل، فإن ظهرت عورته من أسفل سقيفة أو سدّة مثلًا لم يضر.

٦ - طروء الحدث الأصغر 
 أو الأكبر ولو من فاقد الطهورين عمدًا أو سهوًا، ولو من دائم الحدث غير حدثه الدائم. لكن لو شك في الحدث استمر.
 
ومن الحدث: نوم غير المتمكن مقعدته من الأرض. والمفسد للصلاة عند الحنفية: هو الحدث العمد بعد الجلوس الأخير قدر التشهد، أو قبل ذلك، فإن سبقه الحدث قبل السلام بعد الجلوس الأخير صحت الصلاة عندهم. كما أنه يبني على صلاته استحسانًا إن سبقه الحدث من غير قصد في أثناء الصلاة: وهو ما يخرج من بدنه من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغير صنعه.

٧ - حدوث النجاسة التي لا يعفى عنها في البدن والثوب والمكان: 
فمن تنجس جسده أو ثوبه، أو سجد على شيء نجس بنجاسة لا يعفى عنها، أو سالت نجاسة داخل فمه أو أنفه أو أذنه، بطلت صلاته. ولا تبطل الصلاة بالنجاسة التي يعفى عنها، ولا بما إذا وقع على ثوبه نجاسة يابسة فنفض ثوبه حالًا.

٨ - القهقهة: 
أي الضحك بصوت، تفسد الصلاة عند الجمهور (غير الحنفية) إن ظهر بها حرفان فأكثر، أو حرف مفهم. فالبطلان فيها من جهة الكلام المشتملة عليه.
وفرق الحنفية (١): بين الضحك والقهقهة، فالأول: هو ما يكون مسموعًا للمصلي فقط دون جيرانه، وحكمه أنه يفسد الصلاة فقط، ولا يبطل الوضوء. وأما القهقهة: فهي ما يكون مسموعًا للمصلي ولجيرانه، وحكمه: أنه يفسد الصلاة ويبطل الوضوء. أما التبسم وهو ماخلا عن الصوت فلا يفسد شيئًا.
(١) الهداية للمرغيناني: ٦/ ١، البدائع: ٢٣٢.
 
ودليل الحنفية حديث: مضمونه: ألا من ضحك منكم قهقهة، فليعد الصلاة والوضوء جميعًا (١).
وتبطل الصلاة عند الحنفية بالقهقهة، كما تبطل بالحدث العمد إذا حصلت قبل القعود الأخير قدر التشهد، فإن كانت بعده فلا تبطل الصلاة التي تمت بها، وإن نقض الوضوء. ويفسد الجزء الذي حصلت فيه، كما يفسد مثله من صلاة المسبوق، فلا يمكن بناؤه الفائت عليه؛ لأن الجزء الذي لا بسته القهقهة، أفسدته من وسط صلاة المأمومين، فإذا فسد الجزء، فسدت الصلاة.

٩ - الردة (وهي قطع الإسلام بقول أو فعل) والموت والجنون والإغماء.
 
- تغيير النية: 
تبطل الصلاة بفسخ النية أو تردده فيها، أو عزمه على إبطالها أو نية الخروج من الصلاة، أو إبطالها وإلغاء ما فعله من الصلاة، أو شكه هل نوى أم لا، فعمل مع الشك عملًا. وهذا متفق عليه. وتبطل الصلاة أيضًا عند الحنفية (٢) بالانتقال من صلاة إلى مغايرتها، كأن ينوي الانتقال من صلاته التي هو فيها إلى صلاة أخرى: كمن صلى ركعة من الظهر، ثم افتتح بتكبير العصر أو التطوع، فقد نقض الظهر؛ لأنه صح شروعه في غيره، فيخرج عنه. ولو كان يصلي منفردًا في فرض، فكبر ناويًا الشروع في الاقتداء بإمام، أو كبر ناويًا إمامة النساء، فسدت الصلاة الأولى، وصار شارعًا في الصلاة الثانية.
(١) فيه أحاديث مسندة وأحاديث مرسلة، أما المسندة فرويت من حديث أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعمران بن الحصين، وأبي المليح. وحديث أبي موسى رواه الطبراني قال: «بينما رسول الله ﷺ يصلي بالناس، إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد - وكان في بصره ضرر - فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة، فأمر رسول الله ﷺ من ضحك أن يعيد الوضوء ويعيد الصلاة» (نصب الراية: ٤٧/ ١ - ٥٤).
(٢) فتح القدير ٢٨٥/ ١، الدر المختار ورد المحتار: ٥٨٣/ ١، تبيين الحقائق: ١٥٨/ ١.
 
وكذا لو نوى نفلًا أو واجبًا، أو شرع في جنازة، فجيء بأخرى، فكبر ينويهما، أو كبر ناويًا الصلاة على الثانية، بطل ما مضى، ويصير شارعًا في الثانية.
لكن لو بدأ صلاة الظهرمثلًا، فصلى ركعة أو دونها أو فوقها، ثم كبر ناويًا استئناف الظهر بعينها، لا يفسد ما أداه، وتحتسب الركعة أو غيرها التي صلاها، لعدم صحة الشروع في الثانية، إذ إنه نوِى الشروع في عين ما هو فيه، فلغت نيته، إلا إذا كبر ينوي إمامة النساء أو الاقتداء بالإمام، أو كان مقتديًا، فكبر ينوي الانفراد، فحينئذ يكون شارعًا فيما كبر له، ويبطل ما مضى من صلاته.
وإن تلفظ بنية جديدة يصير مستأنفًا مطلقًا، أي سواء انتقل إلى صلاة مغايرة أو متحدة؛ لأن التلفظ بالنية كلام مفسد للصلاة الأولى، فصح الشروع الثاني.
والخلاصة: إذا كبر المصلي ينوي الاستئناف (أي البدء بصلاة جديدة) ينظر:
فإن كانت الثانية التي نوى الشروع فيها هي الأولى بعينها من كل وجه، ولم تخالفها في شيء، لا تبطل صلاته، ويجتزئ بما مضى من صلاته، إلا إذا تلفظ أو اقتدى بإمام أو نوى إمامة النساء.
وإن كانت تخالفها تبطل صلاته، ويستأنف، سواء نوى بقلبه أو تلفظ. هذا وقد أجاز الشافعية تحويل الصلاة المفروضة إلى نفل مطلق، دون أن يبطل ما مضى من الصلاة كما سنبين.

١١ - اللحن في القراءة، 
 أو زلة القارئ: للحنفية (١) في هذا رأيان: رأي المتقدمين، ومعهم الشافعية في الجملة، وهو الأحوط، ورأي المتأخرين، وهو الأيسر.
(١) الدر المختار ورد المحتار:٥٨٩/ ١ - ٥٩٣.
 
ويتلخص رأي المتقدمين فيما يأتي:
تبطل الصلاة بكل ما غيَّر المعنى تغيرًا يكون اعتقاده كفرًا، وبكل مالم يكن مثله في القرآن، والمعنى بعيد متغير تغيرًا فاحشًا، كهذا الغبار مكان ﴿هذا الغراب﴾ [المائدة:٥/ ٣١]، وبكل مالم يكن له مثل في القرآن، ولا معنى له، كالسرائل مكان ﴿السرائر﴾، وتبطل أيضًا عند أبي حنيفة ومحمد بما له مثل في القرآن، والمعنى بعيد، ولم يكن متغيرًا تغيرًا فاحشًا. ولا تبطل عند أبي يوسف؛ لعموم البلوى. فإن لم يكن له مثل في القرآن، ولم يتغير به المعنى، كقيامين مكان ﴿قوامين﴾ فعكس الخلاف السابق: لا تبطل عند الطرفين، وتبطل عند أبي يوسف.
وقال المتأخرون: إن الخطأ في الإعراب لا يفسد الصلاة مطلقًا، ولو كان اعتقاده كفرًا؛ لأن أكثر الناس لا يميزون بين وجوه الإعراب.
وإن كان الخطأ بإبدال حرف مكان حرف: فإن أمكن الفصل بينهما بلا كلفة، كالصاد مع الطاء، بأن قرأ الطالحات مكان ﴿الصالحات﴾ فتفسد الصلاة اتفاقًا. وإن لم يكن الفصل إلا بمشقة، فالأكثر على عدم الفساد، لعموم البلوى، كالصاد مع السين، كالسراط بدل ﴿الصراط﴾.
ولا تفسد الصلاة بتخفيف مشدّد ولا عكسه (تشديد مخفّف)، كما لو قرأ ﴿أفعيينا﴾ بالتشديد، و﴿اهدنا الصراط﴾ بإظهار اللام، كما لا تفسد بزيادة حرف فأكثر نحو (الصراط الذين)، أو بوصل حرفٍ بكلمة نحو (إياكنعبد)، أو بوقف وابتداء، وإن غيَّر المعنى.
 
لكن تفسد الصلاة بعدم تشديد ﴿ربّ العالمين﴾ و﴿إيّاك نعبد﴾ [الفاتحة:١/ ٥].
ولا تفسد لو زاد كلمة، أو نقص كلمة، أو نقص حرفًا أو قدمه أو بدله بآخر، نحو (من ثمره إذا أثمر واستحصد) و(تعال جدّ ربنا) و(انفرجت) بدل «انفجرت» و(إياب) بدل (أواب) إلا إذا تغير المعنى.
ولا تفسد لو كرر كلمة وإن تغير المعنى، مثل (رب رب العالمين).
وتفسد لو بدل كلمة بكلمة، وغير المعنى، مثل: (إن الفجار لفي جنات) و(لعنة الله على الموحدين) وكتغيير النسب نحو (عيسى بن لقمان) بخلاف موسى ابن لقمان، ونحو (مريم بنت غيلان). فإن لم يتغير المعنى، مثل الرحمن بدل الكريم لم تفسد اتفاقًا.
وقال الحنابلة (١): إن أحال اللحان المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة الصلاة ولا الائتمام به إلا أن يتعمده، فتبطل صلاتهما. أما إن أحال المعنى في الفاتحة فتبطل الصلاة مطلقًا.

١٢ - ترك ركن بلا قضاء، 
وشرط بلا عذر: الأول: مثل ترك سجدة من ركعة، وسلم قبل الإتيان بها. والثاني: كترك ستر العورة بلا عذر، فإن وجد عذر كعدم وجود ساتر أو مطهر للنجاسة، وعدم قدرة على استقبال القبلة، فلا فساد.

١٣ - أن يسبق المقتدي إمامه عمدًا بركن لم يشاركه فيه: 
كأن يركع ويرفع قبل أن يركع مع الإمام. فإن كان سهوًا، رجع لإمامه ولا تبطل صلاته، لكن
(١) المغني:١٩٨/ ٢.
 
الحنفية قالوا: تبطل الصلاة ولو سبق سهوًا إن لم يعد ذلك مع الإمام، أو بعده ويسلم معه، فإن أعاده معه أو بعده وسلم معه، فلا تبطل.
وقال الشافعية: لا تبطل صلاة المأموم إلا بتقدمه عن الإمام بركنين فعليين بغير عذر، كسهو مثلًا، وكذا لو تخلف عنه عمدًا من غير عذر، كبطء قراءة.

١٤ - محاذاة المرأة الرجل في الصلاة 
 من غير فرجة تسع مكان مصلٍ، أو من غير حائل، سواء أكانت المرأة مَحْرمًا كأخت أو بنت، أم غير محرم كزوجة.
وتتحقق المحاذاة عند الحنفية بالشروط الآتية:
أولًا - أن تكون المحاذاة بالساق والكعب.
ثانيًا - أن تكون الصلاة مشتركة بينهما في التحريمة، والأداء، ونية الإمام إمامتها، أو باقتدائها مع الرجل بإمام آخر، أو باقتدائها برجل، ولم يشر إليها لتتأخر عنه. فإن لم ينو الإمام إمامتها، لا تكون معه في الصلاة، وإن لم تتأخر بإشارته فسدت صلاتها هي، لا صلاته.
ثالثًا - أن يكون مكانهما متحدًا ولا حائل بينهما.
رابعًا - أن تكون المرأة مشتهاة.
ومقدار المحاذاة المفسدة: أداء ركن عند محمد، أو قدره عند أبي يوسف، ويقدر بمقدار ثلاث تسبيحات.

١٥ - إذا وجد المتيمم ماء قدر على استعماله وهو في الصلاة: 
تبطل الصلاة عند الحنابلة والحنفية بمجرد رؤية الماء، إلا أن الحنفية قالوا: تبطل إذا رأى الماء قبل القعود الأخير قدر التشهد، وإلا فلا تبطل؛ لأن الصلاة تكون قد تمت عندهم.
 
ولا تبطل الصلاة برؤية الماء عند المالكية والشافعية، إلا إذا كان عند المالكية ناسيًا للماء الموجود معه، ثم تذكره، فتبطل الصلاة حينئذ إذا اتسع الوقت لإدراك ركعة من الصلاة بعد استعماله.

١٦ - القدرة على الساتر لعورته:  
إذا وجد العريان ثوبًا ساترًا لعورته أثناء الصلاة واحتاج إلى عمل كثير لإحضاره، بطلت صلاته. إلا أن المالكية قالوا: لاتبطل إن كان بعيدًا عنه أكثر من نحو صفين من صفوف الصلاة غير صفه، وإنما يكمل الصلاة، ويعيدها في الوقت فقط.

١٧ - أن يسلم عمدًا قبل تمام الصلاة: 
 فإن سلم سهوًا، لم تبطل صلاته إذا لم يعمل عملًا كثيرًا، ولم يتكلم كلامًا كثيرًا على الخلاف السابق في بحث (السلام).

١٨ - المسائل الاثنتا عشرة عند أبي حنيفة خلافًا للصاحبين (١):
تفسد الصلاة عند الإمام أبي حنيفة ﵀ باثنتي عشرة مسألة وهي:
رؤية المتيمم الماء، وتمام مدة المسح على الخفين، وتعلم الأمي آية ما لم يكن مقتديًا بقارئ، ووجدان العاري ساترًا، وقدرة المومي على الركوع والسجود، وتذكر فائتة إن كان من أصحاب الترتيب (٢)، واستخلاف من لا يصلح إمامًا كالمرأة، وطلوع الشمس في صلاة الفجر، وزوال الشمس في صلاة العيدين، ودخول وقت العصر في الجمعة، وسقوط الجبيرة عن برء، وزوال عذر المعذور.
(١) رد المحتار:٥٨٨/ ١.
(٢) وهذا متفق مع المالكية إن تذكرها قبل عقد ركعة، فيقطع الصلاة إن كان إمامًا أو منفردًا، أما المأموم فيتبع إمامه، ولا تبطل بتذكر الفائتة عند الشافعية.
 
ودليله أن هذه المذكورات مغيرة للفرض، فاستوى حدوثها في أول الصلاة وفي آخرها.
وقال الصاحبان: لا تفسد الصلاة بهذه المذكورا ت إن حدثت بعد الجلوس الأخير بقدر التشهد، عملًا بحديث ابن مسعود السابق: «إذا قلت هذا أوفعلت هذا، فقد تمت صلاتك» فإنه نص على أن تمام الصلاة بالقعود، فلا شيء يفترض بعد ذلك، وافتراضه زيادة على هذا النص، وهذه الأمور وإن كانت مفسدة للصلاة، إلا أنها حدثت بعد تمام الفرائض والأركان، فلا تفسد الصلاة.
وهناك مبطلات أخرى نادرة مذكورة فيما يأتي من آراء المذاهب.

ثانيًا - مبطلات الصلاة في كل مذهب على حدة: 
 
مذهب الحنفية:
تبطل الصلاة بثمانية وستين سببًا (١):
الكلام ولو سهوًا أو خطأ، والدعاء بما يشبه كلام الناس، مثل: اللهم ارزقني فلانة أو ألبسني ثوبًا، والسلام بنية التحية ولو ساهيًا، ورد السلام بلسانه أو بالمصافحة.
والعمل الكثير، وتحويل الصدر عن القبلة، وأكل شيء من خارج فمه ولو قل، وأكل ما بين أسنانه: وهو قدر الحِمَّصه، والشرب. ولو مضغ العلْك في الصلاة فسدت صلاته؛ لأن الناظر إليه من بُعْد لا يشك أنه في غير الصلاة.
والتنحنح بلا عذر، والتأفيف كنفخ التراب والتضجر والأنين والتأوه بأن يقول «آه»، وارتفاع البكاء من وجع أو مصيبة، لا من ذكر جنة أو نار.
(١) مراقي الفلاح: ص٥٢ - ٥٤، الدر المختار:٥٧٤/ ١ - ٥٨٩، البدائع:٢٣٣/ ١ - ٢٤٢.
 
وتشميت عاطس بقوله (يرحمك الله)، وجواب مستفهم عن شريك أو ندّ لله بقوله: (لا إله إلا الله) وعن خبر السوء بقوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) وعن بشارة بقوله: (الحمد لله) وعن تعجب بقوله: (لا إله إلا الله) أو (سبحان الله)، وكل شيء قصد به الجواب مثل: (يا يحيى خذ الكتاب) لمن طلب كتابًا ونحوه، وقوله: (آتنا غداءنا) لمستفهم عن شيء يأتي به، وقوله (تلك حدود الله فلا تقربوها) لمن استأذن في الأخذ. وإذا لم يرد بذلك الجواب، بل أراد الإعلام بأنه في الصلاة، لاتفسد.
ورؤية المتيمم ماء قدر على استعماله قبل قعوده قدر التشهد الأخير. وتمام مدة المسح على الخفين، ونزع الخف، وتعلم الأمي آية ما لم يكن مقتديًا، وقدرة المومي على الركوع والسجود، وتذكر فائتة إذا كان من أهل الترتيب، وكان الوقت متسعًا، واستخلاف من لا يصلح إمامًا، ووجدان العاري ساترًا، وطلوع الشمس في الفجر، وزوالها في العيدين ودخول وقت العصر في الجمعة، وسقوط الجبيرة عن برء، وزوال عذر المعذور إذا حدث كل ذلك من المسائل الاثنتي عشرة قبل الجلوس الأخير قدر التشهد.
والحدث عمدًا، أو بصنع غيره كوقوع ثمرة أدمته، والإغماء، والجنون، والجنابة بنظر أو احتلام نائم متمكن.
ومحاذاة المرأة المشتهاة للرجل بساقها وكعبها في الأصح، ولو محرمًا له أو زوجة، أو عجوزًا شوهاء، في أداء ركن عند محمد، أو قدره عند أبي يوسف، في صلاة ذات ركوع وسجود، فلا تبطل صلاة الجنازة، إذ لا سجود لها، اشتركت معه بتحريمة باقتدائها بإمام، أو اقتدائها به، في مكان متحد، بلا حائل قدر ذراع أو فرجة تسع رجلًا، ولم يشر إليها لتتأخر عنه، فإن لم تتأخر بإشارته، فسدت
 
صلاتها، لاصلاته، ولا يكلف بالتقدم عنها لكراهته. وأن يكون الإمام قد نوى إمامتها، فإن لم ينوها لا تكون في الصلاة، فلم تتحقق المحاذاة. فهذه شروط تسعة للمحاذاة المبطلة أوجزناها سابقًا بخمسة.
وظهور عورة من سبقه الحدث في ظاهر الرواية، ولو اضطر إليه ككشف المرأة ذراعها للوضوء، أو عورة الرجل بعد سبق الحدث، على الصحيح.
وقراءة من سبقه الحدث وهو ذاهب للوضوء أو عائد منه، لإتيانه بركن مع الحدث، ومكثه قدر أداء ركن بعد سبق الحدث مستيقظًا، بلا عذر، فلومكث لزحام أو لقطع رعاف، لا تبطل.
ومجاوزة ماء قريب لغيره بأكثر من صفين، وخروج المصلي من المسجد لظن الحدث، لوجود النافي بغير عذر، فإن لم يخرج من المسجد فلا تفسد.
وانصرافه عن مقامه للصلاة، ظانًا أنه غير متوضئ، أو أن مدة مسحه انقضت، أو أن عليه فائتة، أو نجاسة، وإن لم يخرج من المسجد.
وفتح المأموم على غير إمامه لتعليمه، بلا ضرورة. أما فتحه على إمامه فهو جائز، ولو قرأ المقدار المفروض في القراءة. وأخذ المصلي بفتح غيره، وامتثال أمر الغير في الصلاة.
والتكبير بنية الانتقال لصلاة أخرى غير صلاته، كما إذا نوى المنفرد الاقتداء بغيره، أوالعكس، أو انتقل بالتكبير من فرض لفرض، أو من فرض إلى نفل، وبالعكس. وذلك إذا حصل قبل القعود الأخير قدر التشهد، وإلا فلا تفسد على المختار، فإن عرض المنافي قبيل السلام بعد القعود، فالمختار صحة الصلاة؛ لأن الخروج منها بفعل المصلي واجب على الصحيح.
 
ومدُّ الهمزة في التكبير، وقراءة ما لا يحفظه في المصحف، أو يلقنه غيره القراءة. وأداء ركن كركوع أو مضي زمن يسع أداء ركن مع كشف العورة أو مع نجاسة مانعة من الصلاة، وأن يسبق المقتدي إمامه بركن لم يشاركه فيه، ومتابعة المسبوق إمامه في سجود السهو بعد تأكد انفراده (١) (أي المسبوق) بأن قام إلى الإتيان بما فاته بعد سلام الإمام أو قبله بعد قعوده (أي الإمام) قدر التشهد (٢)، وقيد ركعته (أي المسبوق) بسجدة، فتذكر الإمام سجود سهو، فتابعه، فتفسد صلاته؛ لأنه اقتدى بعد وجود الانفراد ووجوبه.
وعدم إعادة الجلوس الأخير بعد أداء سجدة صلبية أو تلاوية تذكرها بعد الجلوس.
وعدم إعادة ركن أداه نائمًا.
وقهقهة إمام المسبوق أو حدثه العمد، أي إذا قهقه الإمام وإن لم يتعمد، أو أحدث عمدًا بعد قعوده قدر التشهد تمت صلاته، وصلاة المدرك خلفه، وفسدت صلاة المسبوق خلفه، لوقوع المفسد قبل تمام أركانه، إلا إذا قام قبل سلام إمامه وقيد الركعة بسجدة، لتأكد انفراده.
والسلام على رأس الركعتين في الرباعية أو الثلاثية، إذا ظن أنه مسافر أو يصلي غيرها، كأن كان يصلي الظهر، فظن أنه يصلي الجمعة أو التراويح، أو كان قريب عهد بالإسلام، فصلى الفرض ركعتين.
وتقدم المأموم على الإمام بقدمه، أما مساواته فلا تبطل.
(١) أما قبله فتجب متابعته.
(٢) والسبب في ذلك: أنه إن كان قبل قعود الإمام قدر التشهد لم يجزه؛ لأن الإمام بقي عليه فرض، لا ينفرد به المسبوق.
 
والقراءة بالألحان، وزلة القارئ أي اللحن في القراءة بما يغير المعنى، مثل: (فما لهم يؤمنون) بترك (لا) على الصحيح. فإن لم تغير المعنى مثل (وجزاء سيئة مثلها) بترك (سيئة) الثانية، لا تفسد.
ولا تفسد الصلاة بالنظر إلى مكتوب وفهمه، لعدم النطق بالكلام، ولا بأكل ما بين أسنانه بقدر الحمصة، لعسر الاحتراز عنه، ولا بمرور بين يدي المصلي في بيت أو مسجد كبير أو صغير، أو صحراء أو في مكان أسفل من موضع المصلي، ولو كان المار امرأة أو كلبًا، وإن كان المرور بمحل السجود في الأصح مكروهًا، كما سبق بيانه.

مذهب المالكية:
تبطل الصلاة بحوالي ثلاثين سببًا (١) وهي:
رفض النية (أي تركها، وإبطالها وإلغاء وقطع ما فعله منها)، ترك ركن أو شرط من أركان وشروط الصلاة عمدًا، وترك ركن سهوًا حتى سلم وطال تركه عرفًا، زيادة ركن فعلي عمدًا كركوع أو سجود، بخلاف زيادة ركن قولي كالقراءة، زيادة تشهد بعد الركعة الأولى أو الثالثة عمدًا في حالة الجلوس.
القهقهة عمدًا أو سهوًا، تعمد أكل ولو لقمة بمضغها، أو شرب ولو قل، الكلام عمدًا لغير إصلاح الصلاة، فإن كان لإصلاحها، فإن الصلاة تبطل بكثيره دون يسيره، التصويت عمدًا، كصوت الغراب، النفخ بالفم عمدًا، القيء عمدًا، ولو كان قليلًا.
السلام عمدًا حال الشك في تمام الصلاة، طروء ناقض للوضوء أو تذكره،
(١) الشرح الصغير:٣٤٣/ ١ - ٣٥٧، القوانين الفقهية: ص٥١.
 
كشف العورة المغلظة أو شيء منها، لا غيرها، طروء نجاسة على المصلي أو علمه بها أثناء الصلاة.
فتح المصلي على غير الإمام، الفعل الكثير عمدًا أو سهوًا الذي ليس من جنس الصلاة، كحك جسد وعبث بلحية ووضع رداء على كتف ودفع مارّ دفعًا قويًا وإشارة بيد، فإن كان الفعل قليلًا لم تبطل.
طروء شاغل عن إتمام فرض كاحتباس بول يمنع من الطمأنينة مثلًا، أو هم كثير أو غثيان (فوران النفس)، أو وضع شيء في فمه.
تذكر أولى الصلاتين المشتركتي الوقت في الصلاة الثانية، كالظهر والعصر. فإذا كان يصلي العصر، فتذكر أنه لم يصل الظهر، بطلت صلاته، لأنه يجب عليه ترتيبها.
زيادة أربع ركعات سهوًا على الصلاة الرباعية ولو في السفر، أو على الثلاثية، وزيادة ركعتين على الثنائية كالصبح والجمعة، أو على الوتْر، وزيادة مثل النفل المحدود كالعيد والاستسقاء والكسوف.
سجود المسبوق الذي لم يدرك ركعة مع الإمام، سجود سهو، سواء أكان السجود قبل السلام أم بعده؛ لأن سجوده لا يلزم ذلك المسبوق؛ لأنه ليس بمأموم حقيقة، فسجوده معه محض زيادة في الصلاة. فإن أدرك معه ركعة بسجدتيها، سجد معه السجود القبلي، وقام لقضاء ما عليه بعد سلامه، وأخر السجود البَعْدي لتمام صلاته، فإن قدمه قبل إتمام ما عليه، بطلت صلاته.
السجود قبل السلام لترك سنة خفيفة كتكبيرة أو تسميعة، أو لترك مستحب أو فضيلة كالقنوت.
 
ترك ثلاث سنن من سنن الصلاة سهوًا، مع ترك السجود لها، حتى سلم، وطال الأمر عرفًا.
الردة، والاتكاء حال قيامه على حائط أو عصا لغير عذر، بحيث لو أزيل عنه متكَؤه، لسقط.
الجهل بالقبلة، وصلاة الفريضة في الكعبة أوعلى ظهرها، وتذكر المتيمم الماء في صلاته، واختلاف نية المأموم والإمام، وفساد صلاة الإمام بغير سهو.

مذهب الشافعية:
تبطل الصلاة بسبعة وعشرين سببًا وهي ما يأتي (١):
١، ٢ - طروء الحدث الأصغر أو الأكبر، ولو بلا قصد، واتصال النجاسة التي لا يعفى عنها بالبدن أو الملبوس، والمكان، إلا إن نحاها حالًا.
٣ - الكلام العمد الذي يخاطب به البشر بحرفين، أو حرف مفهم، ولو لمصلحة الصلاة، كما لو قال لإمامه إذا قام لركعة زائدة: لا تقم أو اقعد، أو هذه خامسة. أما كلام الله تعالى أو الذكر أو الدعاء فلا تبطل به الصلاة، كما لا تبطل بخطاب الرسول عند ذكره، قائلًا: (الصلاة والسلام عليك يا رسول الله)، أما لو نطق بالقرآن بقصد آخر، كأن استأذنه شخص في أخذ شيء، فقال: ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة﴾ [مريم:١٢/ ١٩] فإن قصد القراءة، ولو مع التفهيم، لم تبطل صلاته، وإلا بطلت.
وكما لا تبطل الصلاة بالذكر والدعاء بلا خطاب لمخلوق غير النبي ﷺ، لا
(١) حاشية الباجوري:١٨٢/ ١ - ١٨٦، تحفة الطلاب للأنصاري: ص٥٠ - ٥٢، حاشية الشرقاوي على التحفة المذكورة:٢١٧/ ١ - ٢٢٦، مغني المحتاج:١٩٤/ ١ - ٢٠٠،٢٠٦ - ٢٠٧.
 
تبطل بالتلفظ بقربة بلا تعليق ولا خطاب لمخلوق غير النبي كالنذر؛ لأنه من جنس الدعاء، ولا تبطل بالسكوت الطويل بلا عذر، لأنه لا يخل بنظم الصلاة.
ولو قرأ الإمام: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ [الفاتحة:١/ ٥] فقال المقتدي: استعنا بالله، بطلت صلاته، إلا إن قصد بذلك الدعاء.
ولو قال: (صدق الله العظيم) لم تبطل صلاته؛ لأنه ثناء.
ومن المبطلات: البكاء والأنين والضحك والتنحنح إن ظهر فيه حرفان وإن لم يكونا مفهمين، والذكر والدعاء إن قصد به مخاطبة الناس، كقوله لإنسان: يرحمك الله.
٤ - تناول مفطر للصائم من أكل، أو شرب، قليل أو كثير، ولو بالإكراه إلا أن يكون الشخص في هذه الحالة جاهلًا تحريم ذلك.
٥ - الفعل الكثير المتوالي من غير جنس الصلاة، كثلاث خطوات وذهاب اليد وعودها ثلاث مرات، وحركة البدن كله، وقفزة، في غير صلاة شدة الخوف ونفل السفر، عمدًا كان ذلك أو سهوًا، إذ لا مشقة في الاحتراز عنه. أما الفعل القليل كتحريك أصابعه في سبحة، فلا يفسد، لخبرالصحيحين أنه ﷺ صلَّى وهوحامل أمامة، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
وكذلك لا تفسد الصلاة بالفعل الكثير إذا كان لشدة جرب، أو كان منفصلًا لاتوالي فيه.
٦، ٧، ٨ - القهقهة، والردة، والجنون في الصلاة.
٩، ١٠ - ترك استقبال القبلة حيث يشترط أي في غير صلاة الخوف، بتحول
 
الصدر عنها، وكشف عورة عمدًا مع القدرة على سترها، أو قهرًا ولم يسترها حالًا، فإن كشفها الريح، فسترها في الحال، لم تبطل صلاته.
١١ - أن يجد من يصلي عاريًا ثوبًا بعيدًا منه: بأن احتاج في المضي إليه إلى أفعال كثيرة، أو طالت مدة الكشف. أما لو كان قريبًا منه: فإن استتر به حالًا بلا أفعال كثيرة دامت صلاته على الصحة، وإلا بطلت.
١٢ - فعل ركن من أركان الصلاة أو مضي زمن يسع ركنًا، مع طروء الشك في النية، أو في شروط الصلاة كالطهارة، أو الشك في كيفية النية: هل نوى ظهرًا أو عصرًا مثلًا؟
١٣ - تغيير النية إلى صلاة أخرى، أي صرف الفرض إلى غيره: فلو قلب صلاته التي هو فيها صلاة أخرى عالمًاَ عامدًا بطلت صلاته، إلا إذا قلب فرضًا نفلًا مطلقًا ليدرك جماعة مشروعة، وهومنفرد، فسلم من ركعتين ليدركها، لم تبطل صلاته، بل يندب له القلب إن كان الوقت متسعًا، فإن ضاق الوقت حرم القلب. ولو قلبها نفلًا معينًا كركعتي الضحى لم تصح لافتقاره إلى التعيين حال النية، أو كانت الجماعة غير مشروعة، كما لو كان يصلي الظهر، فوجد من يصلي العصر، فلا يجوز له القلب، وكما لو كان الإمام ممن يكره الاقتداء به، فلا يندب القلب، بل يكره. ولو قام للركعة الثالثة من الثلاثية أو الرباعية لم يندب القلب، بل يباح، كما يباح ولا يندب لو كان في الركعة الأولى ولو من الصلاة الثنائية؛ لأن النفل المطلق يجوز فيه الاقتصار على ركعة.
١٤، ١٥، ١٦ - نية الخروج من الصلاة قبل تمامها أو العزم على قطعها، والتردد في قطع الصلاة والاستمرار فيها، وتعليق قطعها بشيء ولو كان محالًا في العادة كعدم قطع السكين، كأن قال بقلبه: إن جاء زيد، قطعت الصلاة. أما إن علق الخروج من الصلاة على محال عقلي، كالجمع بين الضدين، فلا يضر.
 
١٧، ١٨، ١٩ - ترك ركن من أركان الصلاة ولو قوليًا عمدًا، فإن تركه سهوًا لعذر لا تبطل ويتداركه، وتكرير ركن فعلي عمدًا لتلاعبه، وتقديمه على غيره؛ لأن ذلك يخل بصورة الصلاة، أما تكرير الركن القولي عمدًا كالفاتحة والتشهد وتقديمه على غيره، أو تكرير الركن الفعلي سهوًا، فلا يفسد الصلاة على المعتمد.
٢١،٢٠ - ظهور بعض ما يستر بالخف من الرِجل، أو الخِرَق (جمع خرقة)، وخروج وقت مسحه، لبطلان بعض طهارته.
٢٢ - اقتداء بمن لا يقتدى به، لكفر أو غيره، ولو مع الجهل بحاله في بعض الصور، بأن اقتدى به بعد تحرّم صحيح.
٢٣ - تطويل ركن قصير عمدًا: بأن يزيد في الاعتدال (الرفع من الركوع) على الدعاء الوارد فيه بقدر الفاتحة، أو أن يزيد في الجلوس بين السجدتين على الدعاء الوارد فيه بقدر التشهد.
ويستثنى من ذلك تطويل الاعتدال في الركعة الأخيرة من سائر الصلوات لأنه معهود في الصلاة في الجملة، كما في صلاة النازلة، وتطويل الجلوس بين السجدتين في صلاة التسابيح، كما سيأتي في النوافل.
٢٤ - سبق المأموم إمامه بركنين فعليين أو تأخره عنه بهما من غير عذر.
٢٥ - التسليم عمدًا قبل محله.
٢٦ - تكرير تكبيرة الإحرام مرة ثانية بنية الافتتاح.
٢٧ - العود بعد الانتصاب للتشهد الأول عامدًا عالمًا بتحريمه؛ لأنه زاد قعودًا عمدًا. فإن عاد ناسيًا أنه في صلاة أو جاهلًا بتحريم العود، فلا تبطل في الأصح.
 
مذهب الحنابلة:
عدوا مبطلات الصلاة بحوالي ستة وثلاثين وهي ما يأتي (١)، وهي تشبه كثيرًا المبطلات عند الشافعية:
طروء ناقض للطهارة، واتصال نجاسة به إن لم يزلها حالًا، واستدبار القبلة حيث شرط استقبالها، وكشف عورة إلا إن كشفتها الريح فسترها حالًا، ووجود سترة بعيدة لعريان، واستناد قوي على شيء بلا عذر بحيث لو أزيل سقط.
ترك ركن مطلقًا، وترك واجب عمدًا، وتعمد زيادة ركن فعلي كركوع، وتقديم بعض الأركان على بعض عمدًا، ورجوعه للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة إن كان عالمًا ذاكرًا للرجوع.
السلام عمدًا قبل تمام الصلاة وسلام المأموم قبل إمامه عمدًا، أو سهوًا ولم يعده بعد سلام إمامه، والتلحين في القراءة لحنًا يغير المعنى مع قدرته على إصلاحه، كضم تاء ﴿أنعمت﴾ [الفاتحة:٧/ ١].
فسخ النية بأن ينوي قطع الصلاة، والتردد في الفسخ، والعزم على الفسخ، وإن لم يفسخ بالفعل، والشك في النية هل نوى أوعين، وعمل عملًا مع الشك كأن ركع أو سجد، والشك في تكبيرة الإحرام.
مرور الكلب الأسود البهيم (٢) بين يدي المصلي، للحديث السابق الذي رواه الجماعة إلا البخاري عن أبي ذر: «الكلب الأسود شيطان».
تسبيح ركوع وسجود بعد اعتدال، وجلوس وسؤال مغفرة بعد سجود، والدعاء بملاذ الدنيا كأن يسأل عروسًا حسناء مثلًا.
(١) غاية المنتهى:١٥٠/ ١ - ١٥١، المغني:١/ ٢ ومابعدها، ٤٤ - ٦٢،٦٧،٢٤٩.
(٢) المراد بالبهيم: الذي ليس في لونه شيء سوى السواد.
 
الكلام مطلقًا ولو قل، أو سهوًا أو مكرهًا أو تحذيرًا من مهلكة، والنطق بكاف الخطاب لغير الله تعالى ورسوله أحمد ﷺ، والقهقهة مطلقًا، والتنحنح بلا حاجة، والنفخ إذا بان منه حرفان، والبكاء لغير خشية الله تعالى إذا بان منه حرفان، إلا إذا غلبه، وكلام النائم غير الجالس والقائم.
العمل المتوالي الكثير عادة من غير جنس الصلاة بلا ضرورة كخوف وهرب من عدو ونحوه، ولو سهوًا أو جهلًا، ولا يقدر العمل اليسير بثلاث، ولا غيرها من العدد، وإشارة الأخرس كفعله.
الأكل والشرب إلا اليسير لناسٍ (ساهٍ) وجاهل، وبلع ذوب نحو سكر بفم أي ما يتحلل منه إلا إن كان يسيرًا من ساه وجاهل.
ومن علم ببطلان الصلاة ومضى فيها أدّب.
ولا تبطل الصلاة بعمل يسير، أو كثير غير متوال، وكره بلا حاجة. ولا يشرع له سجود، ولا تبطل ببلع ما بين أسنان عمدًا بلا مضغ، ولو لم يجر به ريق، ولايبطل النفل بيسير شرب عمدًا، ولا بإطالة نظر لشيء، ولو لكتاب، وقرأ ما فيه بقلبه، ولا بعمل قلبي ولو طال (١)، فلا تبطل صلاة من غلبة وسواس على أكثرها، ولا تبطل إذا غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب وإن بان منها حرفان، ولا تبطل بكلام النائم القليل إذا كان نومًا يسيرًا، وكان جالسًا أو قائمًا.
وتبطل الصلاة عند الحنابلة كما بينا في المقبرة وموضع الخلاء والحمام وفي أعطان الإبل (مباركها)، لقوله ﷺ: «الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة (٢)»
(١) بدليل حديث، أبي هريرة: «أن النبي ﷺ قال: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضُراط حتى لا يسمع الأذان .. ثم ذكر سجدتي السهو» متفق عليه، قال عمر فيما رواه البخاري: «إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة» (نيل الأوطار:٣٣٧/ ٢).
(٢) رواه أبو داود.
 
وحديث «لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين» (١) والنهي يقتضي التحريم، ولأن بعض هذه الأماكن موضع نجاسة، أوتعري.

ثالثًا - ما تقطع الصلاة لأجله: 
قد يجب قطع الصلاة لضرورة، وقد يباح لعذر (٢).

أما ما يجب قطع الصلاة له لضرورة فهو ما يأتي:
 
١ ً - تقطع الصلاة ولو فرضًا باستغاثة شخص ملهوف، 
ولو لم يستغث بالمصلي بعينه، كما لو شاهد إنسانًا وقع في الماء، أو صال عليه حيوان، أو اعتدى عليه ظالم، وهو قادر على إغاثته.
ولا يجب عند الحنفية قطع الصلاة بنداء أحد الأبوين من غير استغاثة؛ لأن قطع الصلاة لا يجوز إلا لضرورة.

٢ ً - وتقطع الصلاة أيضًا إذا غلب على ظن المصلي خوف تردي أعمى، أو صغير أو غيرهما 
في بئر ونحوه. كما تقطع الصلاة خوف اندلاع النار واحتراق المتاع ومهاجمة الذئب الغنم؛ لما في ذلك من إحياء النفس أوالمال، وإمكان تدارك الصلاة بعد قطعها، لأن أداء حق الله تعالى مبني على المسامحة.

وأما ما يجوز قطع الصلاة له ولو فرضًا لعذر فهو ما يأتي:
 
١ ً - سرقة المتاع، 
ولو كان المسروق لغيره، إذا كان المسروق يساوي درهمًا فأكثر.
(١) رواه أبو داود عن البراء بن عازب، وروى مسلم مثله عن جابر بن سمرة، وروى أحمد مثله عن أسيد بن حضير.
(٢) مراقي الفلاح: ص٦٠.
 
٢ ً - خوف المرأة على ولدها، 
أو خوف فوران القدر، أواحتراق الطعام على النار. ولو خافت القابلة (الداية) موت الولد أو تلف عضو منه، أو تلف أمه بتركها، وجب عليها تأخير الصلاة عن وقتها، وقطعها لو كانت فيها.

٣ ً - مخافة المسافر من اللصوص أو قطاع الطرق
 
٤ ً - قتل الحيوان المؤذي  إذا احتاج قتله إلى عمل كثير
 
٥ ً - رد الدابة إذا شردت
 
٦ ً - مدافعة الأخبثين (البول والغائط) وإن فاتته الجماعة.

٧ ً - نداء أحد الأبوين في صلاة النافلة، 
وهولا يعلم أنه في الصلاة، أما في الفريضة فلا يجيبه إلا للضرر، وهذا متفق عليه.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية