الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الولي والعصمة عند أهل السنة

الولي والعصمة عند أهل السنة


أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف

محتويات
  1. الولي والعصمة عند أهل السنة
  2. عصمة ولي الأمر عند الرازي
  3. بماذا يعتصم الولي
  4. معنى العصمة الواردة في القرآن
  5. الولي إذا أرتد
  6. شرح حديث الولي
  7. تواضع الولي
  8. الفرائض أحب إلى الله من النوافل
  9. مذهب الحكيم الترمذي في التقرب
  10. مسألة التردد
  11. المصادر
  12. العودة الي كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي


الولي والعصمة عند أهل السنة

ولا يشترط للولي العصمة فإنه من بني آدم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون))([1])

وإنما يعتقد أهل البدع العصمة في مشايخهم وأئمتهم كما كان اعتقدها اليهود والنصارى في أحبارهم ورهبانهم حتى اتخذوهم أربابا من دون الله. وأهل البدع وإن لم يصرحوا بها بلسان مقالهم فإنها واضحة بلسان حالهم. فالأولياء مهما بلغوا من صلاح الحال ومن التقرب إلى الله. فأنهم بشر ليسوا معصومين وإنما مستعصمين بكتاب الله وسنة رسوله. والكل يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم.

فالمشهور عند أهل السنة من أصول الاعتقاد: أنه لا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من الذنوب والخطايا([2]) كما أنه: ((ليس من شروط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ؛ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين))([3]).

عصمة ولي الأمر عند الرازي

وقد أغرب الرازي فقرر العصمة لأولي الأمر بناء على قوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (([4]) ثم قال: ((أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك والخطأ، والخطأ لكونه خطأ: منهي عنه، فهذا يقضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الواحد بالاعتبار الواحد وأنه محال.. فثبت قطعا أن ولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما))([5])أ.هـ

ولا شك أن السلف الصالح لم يفهموا من الآية ما فهمه الرازي رحمه الله، فإنه لما تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني، قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني))... إلى أن قال: ((أطيعوني ما أطعت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم))([6]) قال ابن تيمية مجيبا عن هذه الآية: ((وقد قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ( قال: ((فلم يقل [وأطيعوا أولي الأمر] ليبين أن طاعتهم فيما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أيضا، إذ اندراج طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في طاعة الله أمر معلوم. فلم يكن تكرير لفظ الطاعة فيه مؤذنا بالفرق، بخلاف ما لو قيل [أطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر] منكم، فإنه قد يوهم طاعة كل منهما على حياله)). أضاف: ((فمن أوجب طاعة أحد غير رسول الله في كل ما يا أمر به، وأوجب تصديقه في كل ما يأمر به ويخبر به، وأثبت عصمته أو حفظه([7]) في كل ما يأمر به ويخبر من الدين، فقد جعل فيه المكافئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمضاهاة له في خصائص الرسالة([8]) ثم استشهد بقصة الذي جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أميرا على سرية فغضب منهم وأمرهم أن يجمعوا حطبا ويلقوا بأنفسهم فيها، فكادوا أن يفعلوا فقال بعضهم لبعض: إنما تبعنا رسول الله فرارا من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضب الأمير، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ((لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف))([9]) واستدل بقوله: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))([10]) وكذلك قوله: (( على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))([11]).

بماذا يعتصم الولي

وأعظم ما يعتصم به المرء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الزهري: ((كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، وقال مالك: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق))([12]).

فما معنى العصمة الواردة في القرآن:

وقد أشكل على البعض لفظ العصمة في الوارد في القرآن فظنوا أن المراد منه العصمة التي بمعنى الكمال المطلق والتنزيه الكلي عن اقتراف الذنوب والخطايا، وذلك كما في قوله تعالى: )وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (([13]) غير أن معنى العصمة في هذه الآية ليس من مجرد الخطأ وإنما المقصود أن يعصمه الله من أذى الناس في تبليغ ما أنزل إليه، فإن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم حفظ للشريعة. قال ابن تيمية: ((ولفظ العصمة في القرآن جاء في قوله: (والله يعصمك من الناس) أي من أذاهم، فمعنى هذا اللفظ في القرآن: هو الذي يحفظه الله عن الكذب خطأ وعمدا.. وقد يكون معصوما على لغة القرآن، بمعنى أن الله عصمه من الشياطين: شياطين الإنس والجن، أن يغيروا ما بعث به أو يمنعوه عن تبليغه، فلا يكتم ولا يكذب كما قال تعال:ى )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (([14]) )لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ( فهو يسلك الوحي من بين يدي الرسول ومن خلفه، وهذا في معنى عصمته من الناس، فهو المؤيد المعصوم بما يحفظه الله من الإنس والجن حتى يبلغ رسالات ربه كما أمر))([15]).

الولي إذا أرتد

وقد وقع النزاع بين طوائف هذه الأمة في مسألة الولي الذي ارتد:

*فالولي إذا قام به الإيمان والتقوى زمنا ثم ارتد هل كان زمن إيمانه مؤمنا ووليا حقا أم كان باطلا بمنزلة من كان صائما وأفطر قبل الغروب؟

*وهل كان الله يحبه ويرضى عنه زمن ولايته وإيمانه ثم أبغضه وسخط عليه حين ارتد أم كان ساخطا عليه زمن ولايته وإيمانه لعلمه بأنه سيكون مرتدا؟

يصف ابن تيمية من قام به الإيمان والتقوى ومات على ذلك بـ ((الولي المطلق)). قال: ((ولا نزاع في هذا النوع)).

ثم إن أكثر أصحاب أبي حنيفة لا يشترطون سلامة العقبة في ذلك فقد تقوم به الولاية زمنا ثم تتغير عاقبته فيكون وليا حقيقة ثم يرتد.

أما أكثر أهل السنة والحديث من أصحاب أحمد وأصحاب مالك والشافعي وكذلك المتكلمين كالأشعري والشيعة فإنهم يشترطون سلامة العاقبة، وإلا لم يكن وليا حقيقة زمن ولايته.

أجاب قائلا: ((والتحقيق هو الجمع بين القولين، فإن علم الله القديم الأزلي وما يتبعه من محبته ورضاه وبغضه وسخطه وولايته وعداوته لا يتغير. فمن علم الله منه أنه يوافي حين موته بالإيمان والتقوى فقد تعلق به محبة الله وولايته ورضاه عنه أزلا وأبدا. وكذلك من علم الله منه أنه يوافي حين موته بالكفر فقد تعلق به بغض الله وعداوته وسخطه أزلا وأبدا، لكن مع ذلك فإن الله يبغض ما قام بالأول من كفر وفسوق قبل موته وقد يقال: أنه يبغضه ويمقته على ذلك كما ينهاه عن ذلك وهو سبحانه وتعالى يأمر بما يفعله الثاني من الإيمان والتقوى، ويحب ما يأمر به ويرضاه. وقد يقال: أنه يواليه حينئذ على ذلك([16]).

أضاف: ((والدليل على ذلك: اتفاق الأمة على أن من كان مؤمنا ثم ارتد فانه لا يحكم بأن إيمانه الأول كان فاسدا بمنزلة من أفسد الصلاة والصيام والحج قبل الإكمال. وإنما يقال كما قال تعالى: )وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (([17]) )لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (([18]) )وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (([19]).

قال: ((ولو كان فاسدا في نفسه لوجب الحكم بفساد أنكحته المتقدمة وتحريم ذبائحه، وبطلان إرثه المتقدم، وبطلان عباداته جميعها فلو حج عن غيره كان حجه باطلا. ولو صلى مدة بقوم ثم ارتد كان عليهم أن يعيدوا صلاتهم خلفه. ولو شهد- أو حكم- ثم ارتد لوجب أن تفسد شهادته وحكمه.

كذلك أيضا الكافر إذا تاب من كفره: لو كان محبوبا لله وليا له في حال كفره لوجب أن يقضي بعدم أحكام ذلك الكفر. ثم انتهى إلى أن ((هذا كله خلاف ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع))([20]).

شرح حديث الولي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما أفترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))([21]).

تواضع الولي

وقد أدرج البخاري هذا الحديث في باب التواضع، وهذا من بعد نظره وفقهه غير أن بعض العلماء لم يدركوا سبب إفراده في باب التواضع حيث أشكل الأمر عليهم كما أفاد ذلك الحافظ ابن حجر حتى قال الداودي: ((ليس هذا الحديث من التواضع في شيء)) وقال بعضهم: المناسب إدخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه.

قال الحافظ: ((والجواب عن البخاري من أوجه: أحدهما أن التقرب إلى الله بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع))([22]).

وقد ورد عن بعض السلف كلمة في تواضع الولي قال فيها ((فأولياء الله قد خالطهم أمر عظيم، فهم لا يرضون أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زكي أحدهم خاف مما يقال فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من نفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، وأغفر لي ما لا يعلمون))([23]).

*((من عادى لي وليا فقد آذنته بالمحاربة)) قال ابن تيمية: ((فجعل معاداة عبده معاداة له، فعين عدوه عدو عبده، وعين معاداة وليه عين معاداته ليسا هما شيئين متميزين. ولكن ليس الله هو عين عبده ولا جهة عداوة عبده عين جهة عداوة نفسه، وإنما اتفقا في النوع))([24]).

قال الحافظ ابن حجر: ((وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق! والجواب: أنه من المخاطبة بما يفهم فإن الحرب تنشأ عن العداوة، والعداوة تنشأ عن المخالفة.. فكأن المعنى: تعرض لإهلاكي إياه، قال الفاكهاني: في هذا تهديد لأن من حاربه الله أهلكه. قال الحافظ: ((وإذا ثبت هذا من جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة، فمن والى أولياء الله أكرمه الله))([25]).

الفرائض أحب إلى الله من النوافل

*((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه)) قال الحافظ: ((وفي رواية ابن أمامة: ((ابن آدم إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك..)). قال ابن هبيرة: ((النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة، فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة، ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب))([26]) وهذا رد على من جعل النافلة أفضل من الفريضة وأقرب وسيلة إلى الله منها. وقصر الولاية على المتقربين إلى الله بكثرة الأذكار والأوراد والنوافل.

مذهب الحكيم الترمذي في التقرب ([27])

بيد أن الحكيم الترمذي لم يهنأ بالا لذلك فإن هذا لا يتماشى مع مبدئه القاضي بتقرب الولي بالمجاهدات حتى ترتفع درجة ولايته فوق الأنبياء)) كما زعم.

فذهب إلى أن (الفرائض من الصلاة والصوم والزكاة إنما فرضها الله ليحط بها عن العبد الخطايا وليطهره بها... فإن العبد قد يلهو عن العبودة [أي العبادة] ويطيع الهوى ويركب الخطايا والذنوب، فهذه سيئات قد قبحته وشانته، فإذا صلح فالقيام تذلل وتسليم، والركوع خشوع، والسجود خضوع، والجلوس رغبة وضرع، فهذه حسنات تذهب السيئات، وتظهر الزين وتستر الشين)). ((وأما الزكاة فقال تعالى: )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (([28]) وأما الحج فإن الله أمر بالوقوف ثم قال في أخره )فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (([29]) أي يرجعون مغفورين قد حطت عنهم الآثام)). قال: ((فهذه الفرائض فرضها عليهم لتكون دواء للداء الذي اكتسبوه فإذا أقامها فقد تطهر فيصلح للقربة))([30]).

مناقشة قوله

ومعنى ذلك أن الفرض ليس وسيلة للتقرب إلى الله وإنما هو دافع للإثم والتخلص من أثار الذنوب، مع أن الحديث القدسي بأنه ما تقرب العبد إلى الله بشيء أحب إلى الله من أداء ما افترضه عليه!

وقد أخطأ الاستدلال بالآية )فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ( لأن الآية تتحدث عن التأخر وهو سنة زائدة عن يومي المبيت الواجبين بمنى. ولا يعقل أن يقال في الفرض فمن أتى به فلا إثم عليه ومن تركه فلا إثم عليه.

ثم قوله تعالى: ((ما تقرب عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) واضح في أن أداء الفريضة هو من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله. وهذا من يسر الإسلام فما الداعي إلى تعسير الأمر وقصر الولاية على النوافل والأذكار مع أن النوافل شرعت لجبر ما نقص من الفرائض كما في حديث ((أن أول ما يسئل عنه العبد يوم القيامة الصلاة. فإذا كانت ناقصة قال الله للملائكة: ((أنظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته))([31]) فتكون النافلة تابعة للفريضة غير مقدمة عليها ولا أعظم منها.

وباب الولاية مفتوح لعامة الناس وليس للخواص كما امتلأت به كتب التصوف وليس فقط للأئمة كما امتلأت به كتب الشيعة ويؤيد ذلك حديث الرجل الذي أقسم للنبي صلى الله عليه وسلم ألا يزيد على الأركان الخمس شيئا ولا ينقص منها ((أفلح أن صدق)) وفي رواية ((دخل الجنة أن صدق))([32]) فهل يدخل الجنة غير الأولياء؟

ولقد أخذت الاستهانة بالفرائض طوراً آخر عند صوفية آخرين، فقالوا بإسقاط الله التكاليف الشرعية عن أوليائه المقربين وجواز تركهم الفرائض لأنهم صاروا من الواصلين. مثال ذلك ما قاله الكمشخانلي الصوفي: ((يبلغ الولي مبلغا يقال له أصحبناك السلامة وأسقطنا عنك الملامة فافعل ما شئت))([33]).

* فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به قال ابن تيمية: ((ليس معناه أنه يكون نفس الحدقة والشحمة والعصب والقدم، وإنما يبقى المقصود بهذه الأعضاء والقوى وهو بمنزلتها في ذلك، فإن العبد بحسب أعضائه وقواه يكون إدراكه وحركته، فإذا كان إدراكه وحركته بالحق ليس بمعنى خلق الإدراك والحركة فإن هذا قدر مشترك فيمن يحبه وفيمن لا يحبه))([34]).

أما الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد أجاب عن هذه الجملة بما يلي:

- أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني. الخ.

- أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى: كنت سمعه وبصره في ايثارة أمري

- أجعل له مقاصد كأنه ينالها بسمعه وبصره.

- كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله.

- أنه حذف مضاف والتقدير: كنت حافظ سمعه.

- أن يكون معنى سمعه مسموعة لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول ([35]).

ولم يرجح الشوكاني شيئا مما ذكره الحافظ غير أنه قال: ((الذي يظهر لي في معنى هذا الحديث القدسي، أنه إمداد الرب سبحانه لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية وتنقشع عنه سحب الغواية. وقد نطق القرآن العظيم بأن الله هو نور السموات والأرض.

ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه قال: ((رأيت نورا أنى أراه))([36]) وثبت أنه سبحانه محتجب بالأنوار، وثبت في الصحيحين وغيرهما من دعائه: ((اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا))([37]) وأي مانع من أن يمد الله سبحانه عبده من نوره فيصير صافيا من كدورات الحيوانية الإنسانية لاحقا بالعلم العلوي سامعا بنور الله، مبصرا بنور الله، باطشا بنور الله، ماشيا بنور الله، وما في هذا من منع أو من أمر لا يجوز على الرب سبحانه وتعالى وقد سأله رسوله صلى الله عليه وسلم وطلبه من ربه.

ووصف الله عباده بقوله: )نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (([38]) وليس في هذا ما يخالف موارد الشريعة.. وقد جعل الله سبحانه الخروج من ظلمات المعاصي إلى أنوار الطاعات خروجا من الظلمات إلى النور)).

((فمعنى الحديث: كنت سمعه بنوري الذي أقذف فيه، فيسمع سماعا لا كما يسمعه أمثاله من بني أدم، وكذلك بقية الجوارح)).

وأنظر في هذا الدعاء الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون نور الله في سمعه وبصره وقلبه وعصبه ولحمه ودمه وشعره وبشره ولسانه ونفسه، بل سأل ربه أن يمده بنوره خلفه وأمامه، فلولا أن لنور الله سبحانه قوة لجميع الأعضاء ما طلبه سيد ولد آدم وخير الخليقة))([39]).

مسألة التردد:

أما التردد فقد أورد الحافظ فيه كلاما كثيرا لأهل العلم أضعفها ما حمله الخطابي على معنى ((الترديد)) وهو التكرار وحاصل هذا المحمل ((أخراج التردد عن معناه اللغوي إلى معنى لا يلاقيه ولا يلابسه بوجه من الوجوه)) قاله الشوكاني([40]) وقال ابن تيمية رحمه الله ((فبين سبحانه أنه يتردد، لأن التردد تعارض أرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال تعالى ((وأنا أكره مساءته)) وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت([41]) فسمي ذلك ترددا ثم بين أنه لابد من وقوع ذلك))([42]).

وبعد استعراض الشوكاني لأقوال العلماء خلص إلى أن التردد ((كناية عن محبة الله لعبده المؤمن أن يأتي بسبب من الأسباب الموجبة لخلوصه من المرض الذي وقع فيه حتى يطول به عمره من دعاء أو صلة رحم أو صدقة، فإن فعل مد له في عمره بما يشاء وتقضيه حكمه، وإن لم يفعل حتى جاء أجله وحضره الموت: مات بأجله الذي قد قضى عليه إذا لم يتسبب بسبب يترتب عليه الفسحة له في عمره مع أنه وإن فعل ما يوجب التأخير والخلوص من الأجل الأول: فهو لابد من الموت بعد انقضاء تلك المدة التي وهبها الله سبحانه له)) فكان هذا التردد معناه: انتظار ما يأتي به العبد مما يقتضي تأخير الأجل أولا يأتي فيموت بالأجل الأول.([43])

المصادر

([1]) رواه الترمذي (2501) والدارمي 2: 303 وأحمد 3: 198 بسند حسن.

([2]) جامع الرسائل 1: 266 ومختصر الفتاوى المصرية 100.

([3]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 48-49.

([4]) النساء 59.

([5]) التفسير الكبير للرازي 10: 144.

([6]) البداية والنهاية 5: 248.

([7]) الحفظ عند الصوفية هو العصمة لكنه مختلف عنها لفظا فقط.

([8]) جامع الرسائل 1: 273.

([9]) أخرجه البخاري في المغازي باب سرية عبد الله بن حذافة، وفي الأحكام باب السمع والطاعة ومسلم (1840) وأبو داود (2625) والنسائي في البيعة 7: 159 والطيالسي (1568 وأحمد 1: 82.

([10]) رواه أحمد 5: 66 والطيالسي رقم (109و850) وإسناده ضعيف غير أن له شواهد كما عند الحاكم 3: 443، وصححه ووافقه الذهبي وشواهد أخرى تحسنه (سلسلة الصحيحة رقم 181).

([11]) أخرجه البخاري في الأحكام باب السمع والطاعة ومسلم في الأمارة (1839) والترمذي (1707) وأبو داود (2626) والنسائي 7: 16 وأبن ماجة (2864).

([12]) الصفدية 1: 259 .

([13]) المائدة 67.

([14]) الجن 26.

([15]) النبوات 221- 222.

([16]) دقائق التفسير 3: 220- 221.

([17]) المائدة 5.

([18]) الزمر 65.

([19]) الأنعام 58.

([20]) نفس المصدر السابق 2213.

([21]) سبق تخريجه. وقد شرح الشيخ محمد بن علي الشوكاني هذا الحديث في مجلد أسماه: قطر الولي على حديث الولي.

([22]) فتح الباري 11: 347 وانظر قطر الولي 534 للشوكاني.

([23]) عن خطبة منسوبة لعلي رضي الله عنه. أنظر الأولياء والكرامات 31 لأبي السمح محمد عبد الظاهر الفقيه رحمه الله.

([24]) مجموع الفتاوى 2: 391.

([25]) الفتح 11: 342- 343.

([26]) الفتح 11: 343.

([27]) وهو غير الترمذي المحدث صاحب السنن. وقد أخرجه أهل ترمذ منها وشهدوا عليه بالكفر بسبب كتابة ((ختم الولي)) الذي يفضل فيه الولي على النبي. وأخذ عنه أبن عربي هذه الفكرة. أنظر سير أعلام النبلاء. سير أعلام النبلاء 13: 441.

([28]) التوبة 103.

([29]) البقرة 203.

([30]) نوادر الأصول 207.

([31]) رواه الترمذي (413) والنسائي 1: 232 والحاكم 1: 263 وأبو داود (864) وأحمد 5: 72 (صحيح الجامع 2571).

([32]) تقدم تخريجه.

([33]) جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 58.

([34]) مجموع الفتاوى 3912.

([35]) الفتح 34411.

([36]) أخرجه مسلم في الإيمان (178) والترمذي (3278) في التفسير.

([37]) أخرجه البخاري في العلم 1: 37 ومسلم (763) والموطأ 1: 121 وأبو داود (58).

([38]) التحريم 28.

([39]) قطر الولي 433- 434.

([40]) قطر الولي 490 وأنظر الفتح 11: 34- 344.

([41]) ولأن الله يعلم ما ينتظره بعد موته مما هو خير له من دنياه.

([42]) مجموع الفتاوى 10: 58- 59 و5: 511 و 11: 75- 76 و17: 133- 134 وقد نقل الألباني خلاصة قول أبن تيمية في هذه المسألة (سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 191- 193.

([43]) قطر الولي 515.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية