الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

التوحيد والعبادة عند الوهابية

التوحيد والعبادة عند الوهابية


محتويات

التوحيد والعبادة

من هو صاحب الرسالة:

لا يكون الانسان صاحب رسالة الا اذا كان له هدف واضح عام لا يبتغي من ورائه منفعة شخصية، بل يؤمن به ويدين، كمبدأ وعقيدة، ويعمل له، ويضحي في سبيله بكل عزيز، حتى بالروح والمال، ولا يتنازل عنه مهما كان الثمن، بحيث يكون هو الغاية، وكل ما عداه وسيلة له، وان تكون الخطة الى تنفيذه معلومة ومحددة بكل دقة.

فاذا لم يكن له هدف واضح، او كان، ولكن اراد به نفسه، او لم يرد الا الخير، ولكنه جهل الوسيلة اليه، او عرفها، ولكنه لم يعمل، بل اعتمد على الصدفة والقدر، اذا كان شيء من ذلك، ثم ادعاها مدعٍ فهو كاذب، اما عظمة الشخصية وقوتها وصلابتها التي يجب ان يتمتع بها صاحب الرسالة فأمر يعود الى تنفيذ الرسالة، لا اإلى مفهومها وحقيقتها.

رسالات خاصة:

وقد وجد بكل عصرٍ واحد او اكثر توافرت فيه الشروط
التي أشرنا اليها، ويعد بجدارة انه صاحب رسالة، ولكن الرسالات التي عرفناها كلها، او جلها تنحصر في نطاق خاص، وتتجه الى جهة واحدة لا تتعداها، وتستهدف فئة دون فئة، او امة دون امة، وأصحابها تماماً كالفلاسفة والعلماء المكتشفين الذين اختص كل واحد بالكشف عن نظرية تنسب اليه. واليك عدداً من أصحاب هذه الرسالات:

فمصدق صاحب رسالة ما في ذلك ريب، ولكن رسالته اتجهت الى تأميم النفظ الايراني، وشعارها نفظ إيران للايرانيين، والخطة التي رسمها للتأميم هي توليه الحكم، وبرناد شو صاحب رسالة، وتنحصر رسالته في العمل لتحسين المسرح الانكليزي، والخروج به من اللهو والتسلية الى مدرسة الحياة عن طريق التأليف، ووضع القصص التي تعبر عن شعور الناس وحياتهم ورغباتهم، وبرتراند راسل الانكليزي الفيلسوف المعاصر عمل للسلم عن طريق الكتابة والخطابة والتظاهرات، وغاندي ناضل لتحرير الهنود بعدم التعاون مع الانكليز، وداينلد دولشي الاديب الايطالي دعا الى بناء سد جاتو، وأضرب عن الطعام، الى أن قررت الحكومة الايطالية إنشاءه وبناءه، ولو مضينا في سرد الأسماء لملأنا صفحات وصفحات.

الرسالة الشاملة:

لم تستهدف رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عشيرة قريش دون غيرهم
ولا قومه العرب وحدهم، ولا الشرق فقط، بل استهدفت البشرية بكاملها عربها وعجمها في كل زمان ومكان، كما انها لم تقف عند الحياة الروحية وحدودها، او المادية وقيودها، او عند جهة، او جهات معينة، منهما، بل هي شاملة كاملة، تمتد الى جميع الجهات بشتى انواعها وألوانها في حياتنا هذه، وفي الحياة الثانية، بل تصدت الى تحديد الكون في بدايته ونهايته.. وان هذا الشمول برسالة محمد يستتبع بطبيعته امرين يترتبان عليه قهراً:

الأول: ان محمداً رسول من عند الله، اذ يستحيل على بشر ان يقوم بهذه المهمة، او يجرأ على ادعائها، والتعرض لها من تلقائه، وان بلغ من العلم ما بلغ، فضلاً عن كونه امياً لا يقرا ولا يكتب، وان جازف وخاطر وادعى مثل ذلك فمحال ان يكتب له النجاح، ويترك اثراً محمودا.. ان هذه المهمة او هذه الرسالة الشاملة الكاملة لا تكون ولن تكون الا ممن احاط بكل شيء علماء ومحال ان تحيا الا اذا كان وراءها مدبر قدير، وعناية إله خبير، لذا اسند محمد رسالته الى خالق كل شيء، عليم بكل شيء، لا الى شخصيته وعقله وعبقريته، وأعلن لمن كان ويكون انه بشر يخضع لما تخضع له الناس، ويفعل كما يفعلون، وانه لا يملك لنفسه نفاً ولا ضراً، سوى انه رسول يوحى اليه، وانه لا يستطيع الاتصال بالله الا ان يشاء الله.

الأمر الثاني الذي يدل عليه شمول هذه الرسالة هو ان
محمداً خاتم النبيين والمرسلين، حيث لم يبق لمن بعده شيء يحتاج الى بيان في جهة لحياتنا هذه، او للحياة الثانية، أي ان التجربة الدينية للانسان انتهت بكتاب الله الذي فيه تبيان كل شيء جملة او تفصيلاً وبالشريعة السمحة التي كشفت عن أوامر الله وأحكامه، وسننه في خلقه، وكانت الشريعة الأبدية الخالدة يبلغها السابق اللاحق بدون حاجة الى رسول جديد.

واذا كان كل حكم نطق به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل بيان يتصل برسالته وراءه حقيقة عليا اوحت به اليه وجبت ـ والحال هذه ـ معرفة تلك الحقيقة، والايمان بها، والاذعان لها، وقد حدد الله سبحانه على لسان نبيه الطريق الى معرفته بالتفكير والنظر، وحدد الايمان به بكلمة التوحيد، وحدد الاذعان له بعبادته وطاعته فيما أمر ونهى.

طريق المعرفة:

لقد اراد الله سبحانه أن يعرف بالوسائل البشرية المألوفة، وهي التفكير والنظر في خلق السموات والأرض، وما فيهما من عجائب وأسرار: «ان في خلق السموات والأرض لآيات للمؤمنين). «هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق ليفصل الآيات لقوم يعلمون».
ان الله جل وعلا يضع آياته امام عبده، ويقول له:

انظر وتأمل، تماماً كما تعرض ما لديك من الأدلة على من جادلك فيما تعتقد وتدين.. ولا شيء ادل على ذلك من هذا التفضل والتلطف في اسلوب هذه الآية الكريمة التي خاطب بها منكري البعث والنشر، قال عز من قائل: «يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فأنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة».
واذا لم يفرض الله دينه على الناس فرضا، فكيف ساغ للوهابية ان تقول: «يجب دعاؤهم الى التوحيد، فمن اقر سلم، والا فهو مباح الدم والمال والذرية». (تطهير الاعتقاد ص35 و36).
وبعد، فمن هو الضال المبدع في الدين الوهابية الذين أتوا بهذه المحدثات، او امة محمد؟.

التوحيد

وبين الله على لسان نبيه حقيقة توحيده وتنزيهه عن الاضداد والاشباه والانداد، بيّنها في ابسط معنى، واوضح مبنى يستوي في فهمه العالم والجاهل، والكبير والصغير، وهو كلمة لا إله إلا الله، مع الايمان بها، أي نطق باللسان، وتصديق بالجنان، وكفى... ولو كانت حقيقة التوحيد غير هذه البساطة التي لا فلسلفة فيها، ولا صناعة، ولا اقيسة لما قبل النبي الاسلام من العجائز ورعاة الابل في الصحراء، وكان عليه قبل كل شيء ان يهييء الناس بالعلم والدراسة لتفهم

الاسلام، ثم يعرضه عليهم، أو يأمرهم بالتعلم، حتى يبلغوا درجة الاجتهاد، ويستطيعوا استنباط التوحيد من كلمة لا إله إلا الله، تماماً كما هو الحال بالقياس الى استخراج الاحكام الفرعية الشرعية من ادلتها التفصيلية، مع العلم بأنه لا شيء من ذلك، وهذا دليل قاطع على فساد ما قاله الوهابية من ان كلمة الشهادة لا تنفع، والايمان بها لا يجدي بدون قيودها الكبار الثقال التي لا يفهمها الا الخلص.

وبديهة ان الأصول الاسلامية ترتكز على الفطرة النقية الصافية الضرورية التي تشترك في معرفتها البشرية على السواء.. وبهذا يتبين ان كل ما اضافه الوهابية الى معنى التوحيد، وملأوا به الكتب والطوامير إنما هو بدعة وضلالة، وان البدع التي نعتوا بها امة محمد هم بها اولى، وهي بهم الصق ولايق.

العبادة

أما عبادة الله سبحانه فقد حددت على لسان نبيه الاكرم تحديداً يستحيل تفسيره تفسيراً صحيحاً بغير الوحي، حيث بلغ من الضبط والدقة مبلغاً لا يصل اليه عقل نافذ، ولا فكر ثاقب، ولا مثالي ولا واقعي. وتعال معي، وقف وتأمل وفكّر طويلاً في هذا الرسم العجيب، فهل تجد له تفسيراً بغير قدرة عظيمة وراء هذا الكون، لا تشبهه في شيء، ولا يشبهها في شيء، فلقد اختطت هذه القدرة لكل عاقل بالغ ان ينهض من فراشه بعد طلوع الفجر،وقبل بزوغ الشمس،

ويغسل وجهه، ويديه الى المرفقين، ويمسح برأسه ورجله، كل ذلك يأتي به على نحو خاص لا يتعداه أبداً.
ثم يقف بين يدي الله في هذا الوقت المحدد، لا يتقدم عليه، ولا يتأخر عنه ثانية، ويتجه بوجهه، ومقاديم بدنه الى جهة خاصة لا يحيد عنها قيد أنملة، ويصلي لله ركعتين فقط، يسبحه ويقدسه فيهما بالفاظ معينة لا يتجاوزها الى غيرها، ويركع بنحو خاص، ويسجد على سبعة اعضاء بشكل خاص، ولا يلتفت يمنة او يسرة، ولا يزيد حرفاً، او ينقص حرفاً، ولا يأتي بأية حركة، او أي عمل اثناء ذلك، فاذا انتهى من هذه العملية مضى الى سبيله، حتى اذا زالت الشمس، وبلغت كبد السماء عاد فصلى اربع ركع بنفس الحدود والقيود، وبعدها اربعاً مثلها، ثم يمضي حيث يشاء الى أن يدركه الغروب، فيصلي ثلاث ركع لا غير، وبعدها أربعاً، وبها يتم ما وجب عليه في يومه وليلته، يفعل ذلك كل يوم وليلة بدون استثناء لا في يوم واحد من كل اسبوع، كالجمعة او السبت او الاحد.
وان دلت على شيء هذه الدقة في التصميم والرسم فانما تدل على ان من صميم ورسم هو فوق العقول مجتمعة، فوق كل شيء، هو الكمال النهائي في كل وصف.. ومن يدري ان لهذه الصورة الخاصة من العبادة تأثيراً في البقاء والاستمرار على التوحيد، وفي النهي عن الفحشاء والمنكر.
وايضاً يجب على البالغ العاقل ان يصوم لله من كل سنة شهراً قمرياً

معيناً كاملاً، لا ينقص منه يوماً، ولا يزيد فيه، فيمسك عن الطعام والشراب والنساء من مطلع الفجر الى الليل، لا يتقدم دقيقة او يتأخر بنية الامساك، ولا يبدل شهراً بشهر، مهما كانت الظروف، اما الحكمة في كون الشهر قمرياً فلاجل ان يمر الصيام على الانسان في جميع فصول السنة، لا في فصل دون فصل، فاذا انتهى شهر الصيام وجب ان ينفق في سبيل الله مبلغاً رمزياً من المال، ان ملك مؤونة سنته.

وايضاً على المستطيع ان يحج الى حرم الله في العمر مرة على ان يلبس لباساً خاصاً، ويطوف حول البيت بشكل خاص، ويسعى بصورة خاصة، وينام في اماكن معينة في وقت معين، ويترك الطيب والنساء والصيد، وما الى ذاك.
وايضاً على الزارع ان يزكي الناتج في كل سنة اذا بلغ نصاباً معيناً، وعلى العامل والتاجر ان يخرج خمس ما يزيد عن مؤونة سنته.
ومن هذا الايجاز يتبين ان العبادة على أنواع: منها افعال يجب ان تتكرر في اليوم خمس مرات، وهي الصلاة، ومنها تروك تجب في شهر معين من كل سنة، وهي الصوم، ومنها افعال وتروك تجب في العمر مرة، وهي الحج، ومنها أموال تنفق في وجوه البر والخير.. هذي هي العبادة التي جاءت على لسان محمد بحقيقتها واجزائها، وحدودها وقيودها، لا يجوز فيها التبديل والتعديل، ولا التقليم والتطعيم، فمن اداها كان مطيعاً لله، ممثلاً ما أمر به على لسان نبيه الاكرم صلى الله عليه
وآله وسلم.

ولا يرتبط فسادها بزيارة قبر او تعميره، ولا صحتها بترك ذلك، ولا بعدم الاستغاثة، وطلب الشفاعة من الانبياء، ولا بشيء مما ذكره الوهابيون، سواء أكانت زيارة القبور وما اليها محرمة او مباحة، ومن اناط صحة العبادة وقبولها بشيء من ذلك او غير ذلك سوى التوحيد فقد ابتدع، واتى بما لم ينزل الله به سلطاناً، ولا بياناً..
والغريب في أمر الوهابية انهم يربطون بين صحة العبادة، وبين هجر القبور، وكذلك يربطون بين هجرها وبين التوحيد، اما قتل النفس المحترمة فلا ينافي مع التوحيد، ولا مع صحة العبادة، قال بضع الشعراء:

قتل امريء في غابة * جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن * مسألة فيها نظر

ولكن الجريمة التي لا تغتفر في نظر الوهابيين ليست في قتل امريء أو شعب، بل في زيارة قبور الانبياء والاولياء، وقول المسلم يا محمد اشفع لي عند ربك.. فاتقوا الله أيها الوهابيون في دين الله، وفي شريعة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشوهوا جمالها بتعصبكم، ولا تقفوا حائلاً بين نورها، وبين الأجيال بعقولكم، ولا تحرموا ما أحل الله من عناياتكم، وتربطوا بعض احكامه ببعض من تلقائكم، ولا تكفروا من وجد ويوجد من امة محمد غيركم، فان الايمان منه القوي،

ومنه الضعيف، ومنه ما بين ذلك، ولا يذهب كله بذهاب مرتبة منه: (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .
ومرة ثانية اكرر القول: ان مبادئ الاسلام صافية كلها، فطرية كلها، فلندعها تسير في طريقها لتنتشر في ارض الله الواسعة، ولا نقف حجرة عثرة في سبيلها، ولنكن لها فخاراً وزيناً، لا عيباً وشيناً.

اقتراح

اقترح ان ينتدب الوهابيون اعلم علمائهم، وأقواهم على الدفاع عن عقيدتهم، والهجوم على غيرها، ثم يجتمعوا مع علماء من المسلمين، وتطرح كل فئة ما لديها من الحجج والبراهين، وتناقشها الأخرى نقاشاً علمياً هادئاً على أساس الكتاب والسنة الثابتة، ومنطق العقل، ويحكم بين الطرفين من يثق به الجميع، هذا مع العلم بان ادلة العقيدة، ومصادر الأصول معروفة بشكل عام، والاختلاف إنما هو الفهم، والاستخراج من الأصل، وعليه فلا مانع ابداً من ان يكون الحكم اجنبياً، ما دام يملك أدوات المعرفة باصول العقيدة، والفهم السليم لها، ويتجلى بالانصاف، وعدم الانحراف، ومن كانت له الحجة على غيره فهو المسلم المؤمن حقاً، ومن كانت عليه فهو الضال المبدع.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية