الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

فصل في بيان ما يحرم بالحدث الأصغر والأكبر والتيمم




كتاب كاشفة السجا شرح سفينة النجا للنووي الجاوي

محتويات

فصل في بيان ما يحرم بالحدث الأصغر والأكبر

(فصل): في بيان ما يحرم بالحدث الأصغر والمتوسط والأكبر (من انتقض وضوءه حرم عليه أربعة أشياء) أحدها: (الصلاة) ولو نفلاً وصلاة جنازة لخبر الصحيحين: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" أي لا يقبل الله صلاة أحدكم حين حدثه إلى أن يتوضأ فيقبل صلاته إلا على فاقد الطهورين فيصلي الفرض دون النفل لحرمة الوقت ويقضي إذا قدر على أحدهما، وفي معنى الصلاة خطبة الجمعة وسجدة التلاوة والشكر. (و) ثانيها: (الطواف) فرضاً أو نفلاً كطواف القدوم لخبر الحاكم: الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير. (و) ثالثها: (مس المصحف) وهو كل ما كتب عليه قرآن لدراسة ولو عموداً أو لوحاً أو جلداً أو قرطاساً وخرج بذلك التميمة وهي ما يكتب فيها شيء من القرآن للتبرك وتعلق على الرأس مثلاً فلا يحرم مسها ولا حملها ما لم تسم مصحفاً عرفاً، فإذا كتب القرآن كله لا يقال له تميمة ولو صغر وإن قصد ذلك فلا عبرة لقصده، قال ابن حجر: والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحال الكتابة دون ما بعدها وبالكاتب لنفسه أو غيره تبرعاً أي بلا أجرة ولا أمر وإلا فآمره أو مستأجره.

فصل في بيان ما يحرم بالحدث الأصغر والأكبر والتيمم

قال النووي في التبيان: وسواء مس نفس المصحف المكتوب أو الحواشي أو الجلد، ويحرم مس الخريطة والغلاف والصندوق إذا كان فيهن المصحف هذا هو المذهب المختار، وقيل لا تحرم هذه الثلاثة وهو ضعيف، ولو كتب القرآن، في لوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر حتى لو كان بعض آية كتب للدراسة حرم. وقال أيضاً: وفي المصحف ثلاثة لغات ضم الميم وفتحها وكسرها فالضم والكسر مشهوران والفتح ذكرها أبو حفص النحاس وغيره. قال الشبراملسي: وظاهر أن مسه مع الحدث ليس كبيرة بخلاف الصلاة ونحوها كالطواف وسجدتي التلاوة والشكر فإنها كبيرة. (و) رابعها: (حمله) إلا في متاع فيحل حمله معه تبعاً له إذا لم يكن مقصوداً بالحمل وحده بأن لم يقصد شيئاً أو قصد المتاع وحده، وكذا إذا قصده مع المتاع على المعتمد بخلاف ما إذا قصده وحده أو قصد واحداً لا بعينه فإنه يحرم، ولا يشترط كون المتاع ظرفاً له، ومحل جواز الحمل فيما ذكر حيث لم يعد ماساً له بأن غرز فيه شيئاً، وحمله إذ مسه حرام ولو بحائل ولو بلا قصد، قال النووي في التبيان: أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه. قال أصحابنا وغيرهم: ولو ألقاه مسلم في القاذورة والعياذ بالله تعالى صار الملقى كافراً قالوا: ويحرم توسده بل توسد آحاد كتب العلم حرام، ويستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه لأن القيام مستحب للفضلاء من العلماء والأخيار فالمصحف أولى.

(ويحرم على الجنب) أي المحدث حدثاً أوسط (ستة أشياء) أحدها: (الصلاة) للحديث لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول والغلول بضم الغين المعجمة الحرام قال النووي: أما إذا لم يجد الجنب ماء ولا تراباً فإنه يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، ويحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على فاتحة الكتاب، وهل يحرم قراءة الفاتحة؟ فيه وجهان الصحيح المختار أنه لا يحرم بل يجب فإن الصلاة لا تصح إلا بها، وكما جازت الصلاة للضرورة مع الجنابة تجوز القراءة. والثاني لا يجوز بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي لا يحفظ شيئاً من القرآن لأن هذا عاجز شرعاً، فصار كالعاجز حساً والصواب الأول اهـ. (و) ثانيها: (الطواف) لخبر الحاكم: "الطواف بالبيت صلاة" أي كالصلاة في الستر والطهارة. (و) ثالثها: (مس المصحف) قال النووي: إذا كتب الجنب أو المحدث مصحفاً إن كان يحمل الورقة ويمسها حال الكتابة فهو حرام، وإن لم يحملها ولم يمسها ففيه ثلاثة أوجه الصحيح جوازه والثاني تحريمه والثالث يجوز للمحدث ويحرم على الجنب. (و) رابعها. (حمله) لأنه أعظم من المس فهو حرام بالقياس الأولوي، قال النووي: سواء حمله بغلافه أو بغيره انتهى. ويجوز حمل حامل المصحف ولا يجري فيه تفصيل المتاع لأنه لا يعد حاملاً للمصحف ولو قصده فلا عبرة بقصده ولو حمل مصحفاً مع كتاب في جلد واحد فحكمه حكم المصحف مع المتاع في التفصيل المار بالنسبة للحمل، أما المس فيحرم مس الجلد المسامت للمصحف دون ما عداه، وإنما حرم مس جلد المصحف مع أنه حائل والمس من ورائه لا يؤثر كما في عدم نقض الوضوء بالمس من وراء حائل لأن حرمة المس هنا تعظيم للمصحف فحرم من وراء حائل مبالغة فيه والنقض في الوضوء بالمس لما فيه من إثارة الشهوة المفقود ذلك مع الحائل. ولا يجب منع صبي مميز ولو جنباً من حمل مصحفه ومسه لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهراً فمحل ذلك إن كان للدراسة قال الشبراملسي بخلاف تمكينه من الصلاة والطواف أو نحوهما مع الحدث انتهى. ويحرم تمكين غير المميز من نحو مصحف ولو بعض آية لما فيه من الإهانة.

[فائدة] قال النووي في التبيان: لا يمنع الكافر عن سماع القرآن لقوله عز وجل: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} ((9) التوبة: 6) ويمنع من مس المصحف، وهل يجوز تعليمه القرآن؟ قال أصحابنا: إن كان لا يرجى إسلامه لم يجز تعليمه وإن رجي إسلامه ففيه وجهان أصحهما يجوز رجاء لإسلامه والثاني لا يجوز كما لا يجوز بيع المصحف منه وإن رجى، وأما إذا رأيناه يتعلم فهل يمنع فيه وجهان انتهى. (و) خامسها. (اللبث) بضم اللام وفتحها مصدر لبث من باب سمع أي لبث مسلم بالغ غير نبي (في المسجد) وهو ما وقف للصلاة ولو كان اللبث بقدر الطمأنينة لا عبوره وهو الدخول من باب والخروج من آخر، بخلاف ما إذا لم يكن له إلا باب واحد فيمتنع الدخول أما التردد فإنه حرام كالمكث قال تعالى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} ((4) النساء: 43) أي لا تقربوا موضع الصلاة حال كونكم سكارى ولا في حال كونكم جنباً، نعم يجوز لبثه فيه لضرورة كأن نام فيه فاحتلم وتعذر خروجه لخوف من عسس ونحوه، لكن يلزمه التيمم إن وجد غير تراب المسجد، أما ترابه وهو الداخل في وقفيته كأن كان المسجد ترابياً فيحرم التيمم به ويصح، والعسس هو الحاكم الذي يطوف بالليل، ولو جامع زوجته فيه وهما ماران لم يحرم، أما لو مكثا فيه لعذر فإنه يمتنع مجامعتها حينئذٍ، ومن المسجد سطحه ورحبته وروشنه وجداره وسرداب تحت أرضه وخرج بالمسجد مصلى العيد والمدارس وهي المواضع التي يدرس فيها الشيخ مع الطلبة والرباط وهو البيت الذي يبنى للفقراء وللطلبة أو هو معبد الصوفية أو هو الثغور أي المواضع التي يخاف منها هجوم العدو، وأما الصبي فيجوز لوليه تمكينه من المكث كالقراءة، وأما النبي صلى الله عليه وسلّم فيحل مكثه بالمسجد جنباً وهو من خصائصه صلى الله عليه وسلّم لأن احتياجه للمسجد أكثر لنشر السنة فجوز له ذلك لكنه لم يقع منه ولأن ذاته أعظم من ذات المسجد، وأما الكافر فلا يمنع من المكث في المسجد جنباً لأنه لا يعتقد حرمته وإن حرم عليه لأنه مخاطب بفروع الشريعة، ولا يجوز له دخول المسجد ولو غير جنب إلا بإذن مسلم بالغ مع الحاجة ومنها جلوس القاضي أو المفتي فيه أو عمارته. (و) سادسها: (قراءة القرآن)

وشرط في حرمتها سبعة شروط: الأول كون القراءة باللفظ ومثله إشارة الأخرس المفهمة لأن إشارته معتد بها إلا في ثلاثة أبواب الصلاة فلا تبطل بها، والحنث فإذا حلف وهو ناطق أن لا يتكلم ثم خرس وأشار بالكلام لم يحنث والشهادة فإذا أشار بها لا تقبل، وإشارة الناطق غير معتد بها إلا في ثلاثة أبواب: أمان الكافر والإفتاء كأن قيل له أتتوضأ بهذا الماء؟ فأشار أن نعم أو لا، ورواية الحديث كأن قيل له: نروي عنك هذا الحديث؟ فأشار أن نعم أو لا وخرج باللفظ ما إذا أجرى القراءة على قلبه. الثاني: كون القارىء مسمعاً بها نفسه وخرج ما إذا تلفظ ولم يسمع نفسه حيث اعتدل سمعه ولا مانع. الثالث: كونه مسلماً فخرج الكافر فلا يمنع من القراءة لعدم اعتقاده الحرمة وإن عوقب عليها. الرابع: كونه مكلفاً فخرج الصبي والمجنون. الخامس: كون ما أتى به قرآناً حيث قال قراءة القرآن فخرج التوراة والإنجيل ومنسوخ التلاوة ولو بقي حكمه كآية الرجم وهم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً عن الله والله عزيز حكيم. والسادس: القصد للقراءة وحدها أو مع الذكر والقصد لواحد لا بعينه، فإن قرأ آية للاحتجاج بها حرم وإن قصد الذكر أو أطلق كأن جرى القرآن على لسانه من غير قصد لواحد منهما فلا يحرم فإنه لا يسمى قرآناً عند الصارف إلا بالقصد، وأما عند عدم الصارف فيسمى قرآناً ولو بلا قصد. السابع: أن تكون القراءة نفلاً بخلاف ما إذا كانت واجبة سواء داخل الصلاة كفاقد الطهورين فلا فرق بين أن يقصد القراءة وأن يطلق مثلاً فتكون قرآناً عند الإطلاق لوجوب الصلاة عليه فلا يعتبر المانع وهو الجنابة أو خارجها كأن نذر أن يقرأ سورة يس مثلاً في وقت كذا فكان في ذلك الوقت جنباً فاقداً الطهورين فإنه يقرؤها وجوباً للضرورة لكن بقصد القرآن لا مطلقاً ولا حرمة عليه فليس ذلك كالفاتحة من كل وجه.

(ويحرم بالحيض) ومثله النفاس (عشرة أشياء) أحدها: (الصلاة) أي من العامدة العالمة ولا تصح مطلقاً أي ولو مع الجهل أو النسيان ولا يلزمها قضاؤها فلو قضتها كره وتنعقد نفلاً مطلقاً لا ثواب فيه على المعتمد وفارقت الصوم حيث يجب قضاؤه لأن الصلاة تتكرر كثيراً فيشق قضاؤها، ولا كذلك الصوم فلا يشق قضاؤه ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. (و) ثانيها: (الطواف) سواء كان في ضمن نسك أم لا لأنه لا يكون إلا في المسجد. فإن قلت: إذا كان دخول المسجد حراماً فالطواف أولى فما الحاجة إلى ذكره؟ قلت: لئلا يتوهم أنه لما جاز لها الوقوف مع أنه أقوى أركان الحج فلأن يجوز لها الطواف أولى. (و) ثالثها: (مس المصحف) حتى حواشيه وما بين سطوره والورق البياض بينه وبين جلده في أوله وآخره المتصل به، ويحرم المس ولو بحائل ولو كان ثخيناً حيث يعد ما ساله عرفاً لأنه يخل بالتعظيم والمراد مسه بأي جزء لا بباطن الكف فقط، قال النووي: إذا مس المحدث أو الجنب أو الحائض أو حمل كتاباً من كتب الفقه أو غيره من العلوم وفيه آية من القرآن أو ثوباً مطرزاً بالقرآن أو دراهم أو دنانير منقوشة به أو مس الجدار أو الحلو أو الخبز المنقوش فيه فالمذهب الصحيح جواز هذا كله لأنه ليس بمصحف وفيه وجه أنه حرام. وقال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي: يجوز مس الثياب المطرزة بالقرآن ولا يجوز لبسها بلا خلاف لأن المقصود بلبسها التبرك بالقرآن، وهذا الذي قاله ضعيف لم يوافقه أحد عليه فيما رأيته بل جزم الشيخ أبو محمد الجويني وغيره بجواز لبسها وهذا هو الصواب والله أعلم. وأما كتب التفسير والفقه فإن كان القرآن فيها أكثر من غيره حرم مسها وحملها وإن كان غيره أكثر كما هو الغالب ففيه ثلاثة أوجه أصحها لا يحرم والثاني يحرم والثالث إذا كان القرآن بخط متميز بلفظ أي باجتماع أو حمرة ونحوها حرم وإن لم يتميز لم يحرم، قال صاحب التتمة من أصحابنا: إذا قلنا لا يحرم فهو مكروه.

وأما كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإن لم يكن فيها آيات من القرآن فلا يحرم مسها والأولى أن تمس على طهارة وإن كان فيها آيات فلا يحرم على المذهب بل يكره، وفيه وجه أنه يحرم وهو الوجه الذي في كتب الفقه، وأما المنسوخ تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وما أشبه ذلك فلا يحرم مسه ولا حمله قال أصحابنا: وكذلك التوراة والإنجيل انتهى كلام النووي. (و) رابعها: (حمله) ولو وضع يده على قرآن وتفسير فهو كالحمل في التفصيل بين كون التفسير الذي تحت يده أكثر أو لا، قال النووي: إذا تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود وشبهه ففي جوازه وجهان لأصحابنا أظهرهما جوازه، وبه قطع العراقيون من أصحابنا لأنه غير ماسَ ولا حامل. والثاني وهو اختيار الرافعي تحريمه لأنه يعد حاملاً للورقة والورقة كالجميع فأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة فحرام بلا خلاف، وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين والصواب القطع بالتحريم لأن القلب يقع باليد لا بالكم انتهى. قال الشرقاوي: فمحل جواز قلب الورقة بالعود إذا لم يلزم عليه حمل لها بأن يتحامل عليها بالعود فتنفصل عن صاحبتها أو تكون قائمة فيخفضها به وليس المراد أنه يدخل العود بين الورق ويفصل بعضه من بعض لأن ذلك حمل. (و) خامسها (اللبث) أي الإقامة (في المسجد) ومثله التردد لقوله صلى الله عليه وسلّم: "لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب" رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها. ودخل في المسجد هواؤه وما اتصل به من نحو روشن وغصن شجرة أصلها خارج لا عكسه ورحبته لا حريمه، فرحبة المسجد هي الساحة المنبسطة والحريم ما حوله من المرفق بكسر الميم وفتح الفاء لا غير أي كالمطبخ ونحوه.

[فائدة] لا بأس بالنوم في المسجد لغير الجنب ولو لغير أعزب وهو من لم يكن عنده أهل فقد ثبت أن أصحاب الصفة وهم زهاد من الصحابة فقراء غرباء كانوا ينامون فيه في زمنه صلى الله عليه وسلّم، نعم يحرم النوم فيه إذا ضيق على المصلين ويجب حينئذٍ تنبيهه، ويندب تنبيه من نام في نحو الصف الأول أو أمام المصلين، ولا ينبغي التصدق في المسجد ويلزم من رآه الإنكار عليه ومنعه إن قدر، ويكره السؤال فيه بل يحرم إن شوش على المصلين أو مشى أمام الصفوف أو تخطى رقابهم، وأما إعطاء السائل فيه فيندب ويحرم الرقص فيه ولو لغير شابة ويحرم النط فيه ولو بالذكر لما فيه من تقطيع حصره وإيذاء غيره. والنط: الوثب وهو نقل الرجل من محل إلى محل آخر مرة بعد أخرى، والحصر بضم الحاء والصاد جمع حصير وهو البارية الخشنة. (و) سادسها: (قراءة القرآن) قال النووي في التبيان: سواء كان آية أو أقل منها ويجوز للجنب والحائض إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وغير ذلك من الأذكار للجنب والحائض، قال أصحابنا: وكذا إذا قالا لإنسان: خذ الكتاب بقوة وقصد به غير القرآن فهو جائز وكذا ما أشبهه، قالوا: ويجوز لهما أن يقولا عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون إذا لم يقصد القرآن، وقال أصحابنا الخراسانيون: ويجوز أن يقول عند ركوب الدابة سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} ((43 )الزخرف:13) أي مطيقين وعند الدعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} ((2) البقرة:201) إذا لم يقصد به القرآن. قال إمام الحرمين: وإن قال الجنب: بسم الله والحمد لله فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد شيئاً لم يأثم، ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله. انتهى قول النووي رضي الله عنه. (و) سابعها: (الصوم) فمتى نوت الصوم حرم عليها، وأما إذا لم تنو ومنعت نفسها الطعام والشراب فلا يحرم عليها لأنه لا يسمى صوماً والأوجه أنه لم يجب عليها أصلاً، ووجوب القضاء إنما هو بأمر جديد وقيل وجب عليها ثم سقط. (و) ثامنها: (الطلاق) وهو من الكبائر إلا في سبع صور: فلا يحرم طلاقها فيها الأول إذا قال: أنت طالق في آخر جزء من حيضك أو مع آخره أو عنده، ومثل ذلك ما لو تم لفظ الطلاق في آخر الحيض لاستعقاب ذلك الطلاق الشروع في العدة.

الثاني: أن تكون المطلقة في ذلك غير مدخول بها لعدم العدة بخلاف المتوفى عنها زوجها قبل الدخول فتجب عليها العدة. الثالث: أن تكون حاملاً منه لاستعقاب ذلك الطلاق الشروع في العدة. الرابع: أن يكون الطلاق يعوض منها إذا كانت حائلاً لأن إعطاءها المال يشعر بالحاجة إلى الطلاق، وخرج بالعوض منها ما لو طلقها بسؤالها بلا عوض أو بعوض من غيرها فيحرم. والخامس: أن يكون الطلاق في إيلاء بمطالبتها الطلاق في حال الحيض بعد مطالبتها بالوطء من الزوج في حال الطهر فيمتنع منه لأن حاجتها شديدة إلى الطلاق. السادس: ما إذا طلقها الحكم في شقاق وقع بينها وبين زوجها لحاجتها الشديدة إليه. السابع: ما لو قال السيد لأمته. إن طلقك الزوج اليوم فأنت حرة فعلم الزوج ذلك التعليق وعدم رجوع السيد فطلقها أو سألته ذلك فلا يحرم طلاقها للخلاص من الرق إذ دوامه أضر بها من تطويل العدة وقد لا يسمح به السيد بعد ذلك أو يموت فيدوم أسرها، والحكمة في تحريم الطلاق بالحيض تضررها بطول مدة التربص لأن بقية الحيض لا تحسب من العدة قال الله تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} ((65) الطلاق:1) أي إذا أردتم طلاق الأزواج الموطوآت اللاتي يعتددن بالأقراء فطلقوهن في أول الوقت الذي يشرعن فيه في العدة بأن يكون الطلاق في طهر لم تجامع فيه، والمراد بوقت شروعهن ما يشمل وقت تلبسهن بها، فلو طلقت في عدة طلاق رجعي فلا حرمة لتلبسها بالعدة. (و) تاسعها: (المرور) أي مجرد العبور (في المسجد) لغلظ حدثها وبهذا فارقت الجنب حيث لم يحرم في حقه مجرد العبور (إن خافت تلويثه) بالثاء المثلثة أي تلطيخه بالدم صيانة للمسجد فإن أمنته كان لها العبور لكن مع الكراهة عند انتفاء حاجة عبورها بخلاف الجنب فإن العبور في حقه بلا حاجة خلاف الأولى، فإن كان لها غرض صحيح كقرب طريق فلا كراهة ولا خلاف الأولى، وخرج بالمسجد المدرسة والربط، بضم الراء والباء جمع رباط ككتب جمع كتاب ومصلى العيد وملك الغير فلا يحرم عبورها إلا عند تحقق التلويث أو ظنه لا عند توهمه، والفرق أن حرمة المسجد ذاتية وحرمة هذه عرضية. وكالحائض فيما ذكر من له حدث دائم كمستحاضة وسلس بول أو مذي ومن به جراحة نضاحة بالدم، فإذا خيف التلويث بشيء من ذلك حرم العبور وإلا كره إلا لحاجة، وكذا سائر النجاسات الملوثة ولو في نعل أو ثوب فلا يجوز إدخال النجاسة على نحو النعل إلا بشرطين أن يأمن التلويث وأن يكون لحاجة كخوف الضياع

(و) عاشرها: (الاستمتاع) أي المباشرة سواء كان بشهوة أم لا (بما بين السرة والركبة) بوطء سواء كانت بحائل أم لا وبغيره حيث لا حائل، ولا بد أن تكون المباشرة بما ينقض مسه الوضوء ليخرج السن والشعر فلا تحرم المباشرة به، والحاصل أن بدن المرأة حال الحيض بالنسبة إلى الاستمتاع والمباشرة على قسمين: أحدهما ما بين السرة والركبة فيحرم على الرجل المباشرة فيه مطلقاً سواء كانت بوطء أو بلمس إذا كانت تحت الثياب بخلاف الاستمتاع بغيرهما كنظر بشهوة فإنه لا يحرم، وأما المباشرة فوقهما إن كانت بوطء فيحرم أيضاً وأما بغيره فلا وثانيهما ما عدا ما بين السرة والركبة فلا يحرم مطلقاً ويحرم على المرأة وهي حائض أن تباشر الرجل بما بين سرتها وركبتها في أي جزء من بدنه ولو غير ما بين سرته وركبته لأن ما منع من مسه يمنعها أن تمسه به، ومما يحرم على الحائض الطهارة للحدث بقصد التعبد مع علمها بالحرمة لتلاعبها فإن كان المقصود النظافة كأغسال الحج لم يمتنع ولا يحرم على الحائض والنفساء حضور المحتضر على المعتمد خلافاً لما في العباب والروض، وعلله بتضرره بامتناع ملائكة الرحمة من الحضور عنده بسببهما، كذا ذكره السويفي نقلاً عن الرملي.

فصل أسباب التيمم ثلاثة

(فصل): في بيان العجز عن استعمال الماء (أسباب التيمم) أي جوازه (ثلاثة) أحدها: (فقد الماء) في السفر أو في الحضر. وللمسافر أربعة أحوال: الحالة الأولى: أن يتيقن عدم الماء حوله بأن يكون في بعض رمال البوادي فيتيمم ولا يحتاج إلى طلب الماء لأنه والحالة هذه عبث.الحالة الثانية: أن يجوز وجود الماء حوله تجويزاً قريباً أو بعيداً فهذا يجب عليه الطلب بلا خلاف، ويشترط كونه بعد دخول الوقت لأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع إمكان الطهارة بالماء قبل دخول الوقت ولا يكفيه الطلب من لم يأذن له بلا خلاف، وكيفية الطلب أن يفتش رحله أي مسكنه لاحتمال أن يكون في رحله ماء وهو لا يشعر فإن لم يجد نظر يميناً وشمالاً وأماماً وخلفاً، إن استوى موضعه وخص موضع الخضرة واجتماع الطير بمزيد احتياط، وإن لم يستو الموضع ففيه تفصيل إن خاف على نفسه أو ماله وإن قل أو اختصاصه كجلد ميتة أو انقطاعه عن رفقة أو خروج وقت لو تردد لم يجب التردد لأن هذا الخوف يبيح له التيمم عند تيقن الماء فعند التوهم أولى، وإن لم يخف وجب عليه التردد إلى حد يلحقه غوث الرفاق مع ما هم عليه من التشاغل بشغلهم والتفاوض في أقوالهم، ويختلف ذلك باستواء الأرض واختلافها صعوداً وهبوطاً، فإن كان معه رفقة وجب سؤالهم إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا ما يسع الصلاة على الراجح وقيل يستوعبهم ولو خرج الوقت، ولا يجب أن يطلب من كل واحد من الرفقة بعينه بل يكفي أن ينادي فيهم من معه ماء يجود به أو بثمنه ويجب أن يجمع بينهما ولو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفاهم كلهم.

الحالة الثالثة: أن يتيقن وجود الماء حواليه وهذا له ثلاث مراتب. المرتبة الأولى: أن يكون الماء على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي فيجب السعي إلى الماء، ولا يجوز التيمم إلا إن خاف على ما مر غير اختصاص وما يجب بذله في تحصيل الماء ثمناً وأجرة، قال محمدبن يحيى: لعله يقرب من نصف فرسخ وهذه المسافة فوق المسافة عند التوهم. المرتبة الثانية: أن يكون بعيداً بحيث لو سعى إليه خرج الوقت فهذا يتيمم على المذهب لأنه فاقد للماء في الحال، ولو وجب انتظار الماء مع خروج الوقت لما ساغ التيمم أصلاً بخلاف ما لو كان الماء معه وخاف فوت الوقت لو توضأ فإنه لا يجوز له التيمم على المذهب لأنه ليس فاقداً للماء في الحال. المرتبة الثالثة: أن يكون الماء بين المرتبتين بأن تزيد مسافته على ما ينتشر إليه النازلون وتقصر عن خروج الوقت وفي ذلك خلاف منتشر، والمذهب جواز التيمم لأنه فاقد للماء في الحال وفي السعي زيادة مشقة. الحالة الرابعة: أن يكون الماء حاضراً لكن تقع عليه زحمة المسافرين بأن يكون في بئرٍ ولا يمكن الوصول إليه إلا بآلة وليس هناك إلا آلة واحدة أو لأن موقف الاستقاء لا يسع إلا واحداً وفي ذلك خلاف، والراجح أنه يتيمم للعجز الحسي ولا إعادة عليه على المذهب، ومن أسباب الإباحة أيضاً إذا كان بقربه ماء ويخاف لو سعى إليه على نفسه من سبع أو عدو عند الماء أو يخاف على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق أو كان في سفينة لو استقى لاستلقى في البحر فله التيمم في ذلك كله، ولو خاف الانقطاع عن الرفقة إن كان عليه ضرر لو قصد الماء فله التيمم قطعاً وإن لم يكن عليه ضرر فخلاف والراجح أن له أن يتيمم للوحشة.

(و) السبب الثاني: (المرض) وهو ثلاثة أقسام، الأول: أن يخاف معه بالوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو فوت منفعة العضو. ويلحق بذلك ما إذا كان به مرض مخوف إلا أنه يخاف من استعمال الماء أن يصير مرضاً مخوفاً فيباح له التيمم. الثاني: أن يخاف زيادة العلة وهي كثرة الألم وإن لم تزد المدة أو يخاف طول مدة البرء وإن لم يزد الألم أو يخاف شدة الضنى وهو المرض الملازم المقرب إلى الموت أو يخاف حصول شين قبيح كالسواد على عضو ظاهر كالوجه وغيره مما يبدو غالباً عند المهنة وهي بفتح الميم وكسرها مع كسر الهاء وسكونها ومعناها الخدمة، وفي جميع هذه الصور خلاف منتشر والراجح جواز التيمم، وعلة الشين الفاحش أنه يشوه الخلقة ويدوم ضرره فأشبه تلف العضو. الثالث: أن يخاف شيناً يسيراً كأثر الجدري أو سواداً قليلاً أو يخاف شيناً قبيحاً على غير الأعضاء الظاهرة أو يكون به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه محذوراً في العاقبة وإن تألم في الحال لجراحة أو برد أو حر فلا يجوز التيمم لشيء من هذا بلا خلاف.

[فرع] للمريض أن يعتمد في ذلك قول الطبيب العدل في الرواية ويعمل بمعرفة نفسه حيث كان عالماً بالطب ولا يعمل بتجربة نفسه على المعتمد لاختلاف المزاج باختلاف الأزمنة ومحل ذلك في الحضر، أما لو كان ببرية لا يجد بها طبيباً فإنه يجوز له التيمم حيث ظن حصول ما ذكر ولكن تجب عليه الإعادة وظنه ذلك مع فقد الطبيب مجوز للتيمم لا مسقط للصلاة.

(و) السبب الثالث: (الاحتياج إليه) أي إلى الماء (لعطش حيوان محترم) وهو ما يحرم قتله قاله النووي في الإيضاح، ولو وجده وهو محتاج إليه لعطشه أو عطش رفيقه أو دابته أو حيوان محترم تيمم ولم يتوضأ سواء في ذلك العطش في يومه أو فيما بعده قبل وصوله إلى ماء آخر، قال أصحابنا: ويحرم عليه الوضوء في هذا الحال لأن حرمة النفس آكد ولا بدل للشرب وللوضوء بدل وهو التيمم والغسل عن الجنابة وعن الحيض وغيرهما كالوضوء فيما ذكرناه وسواء كان المحتاج للعطش رفيقه المخالط له أو واحداً من القافلة وهو المسافر، والركب بفتح الراء وسكون الكاف جمع راكب كصحب جمع صاحب ولو امتنع صاحب الماء من بذله وهو غير محتاج إليه لعطش وهناك مضطر إليه للعطش حالاً وإن احتاجه المالك مآلاً كان للمضطر أخذه قهراً أي وعليه قيمته وله أن يقاتله عليه فإن قتل أحدهما كان صاحب الماء مهدر الدم لا قصاص فيه ولادية ولا كفارة لكونه ظالماً يمنعه منه، وكان المضطر مضموناً بالقصاص أو الدية أو الكفارة لكونه مقتولاً بغير حق، ولو احتاج صاحب الماء إليه لعطش نفسه كان المالك مقدماً على غيره، ولو احتاج الأجنبي للوضوء وكان المالك مستغنياً عنه لم يلزمه بذله لطهارته، ولا يجوز للأجنبي أخذه قهراً لأنه يمكنه التيمم.

(واعلم) أنه مهما احتاج إليه لعطش نفسه حالاً أو مآلاً أو رقيقه أو حيوان محترم وإن لم يكن معه ولو في ثاني الحال قبل وصولهم إلى ماء آخر فله التيمم وجوباً ويصلي ولا يعيد لفقد الماء شرعاً ولو لم يجد الماء أو وجده يباع بثمن مثله وهو واجد الثمن فاضلاً، عما يحتاج إليه في سفره ذاهباً وراجعاً لزمه شراؤه، وإن كان يباع بأكثر من ثمن المثل لم يلزمه شراؤه لأن للماء بدلاً سواء قلت الزيادة أم كثرت، لكن يستحب شراؤه وثمن المثل هو قيمته في ذلك الموضع في تلك الحالة. انتهى قول النووي ملخصاً. ومثل احتياجه للماء احتياجه لثمنه في مؤنة ممونه من نفسه وعياله. قال الحصني: ولو مات رجل وله ماء ورفقته عطاش شربوه ويمموه ووجب عليهم ثمنه وجعله في ميراثه وثمنه قيمته في موضع الإتلاف في وقته اهـ. قال البيجوري: والعطش المبيح للتيمم يعتبر فيه قول الطبيب العدل وله أن يعمل فيه بمعرفته اهـ تكميل. (غير المحترم) وهو ما لا يحرم قتله (ستة) من الأشياء أحدها: (تارك الصلاة) أي بعد أمر الإمام والاستتابة ندباً وقيل وجوباً، وعلى ندب الاستتابة لا يضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم.

(و) ثانيها: (الزاني المحصن) بفتح الصاد على غير قياس وشرائط الإحصان أربع: البلوغ والعقل والحرية ووجود الوطء في نكاح صحيح، قال الشافعي: إذا أصاب الحر البالغ امرأته أو أصيبت الحرة البالغة بنكاح فهو إحصان في الإسلام والشرك.
[فرع] قال الشرقاوي: والمعتمد أن غير المحترم من الآدمي فيه تفصيل إن كان قادراً على التوبة كتارك الصلاة والمرتد لم يجز له شرب ماء وإن احتاجه في إنقاذ روحه من العطش لتعينه للطهر مع قدرته على الخروج من المعصية، وإن لم يقدر عليها كالزاني المحصن جاز له التيمم وشرب الماء للعطش قرره شيخنا الخفي. (و) ثالثها: (المرتد) وهو من قطع ممن يصح طلاقه الإسلام. قال المدابغي فائدة: من دعاء ابن مسعود رضي الله عنه: اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلّم في أعلى جنان الخلد اهـ. (و) رابعها: (الكافر الحربي) وهو الذي لا صلح له مع المسلمين قاله الفيومي، وخرج بالحربي ثلاثة أقسام: الذمي وهو من عقد الجزية مع الإمام أو نائبه ودخل تحت أحكام الإسلام فإنه محترم وسمي ذمياً لذلك نسبته إلى الذمة أي الجزية. والمعاهد: وهو من عقد المصالحة مع الإمام أو نائبه من أهل الحرب على ترك القتال في أربعة أشهر أو في عشر سنين بعوض منهم موصل إلينا أو بغيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه أي خصمه يوم القيامة" رواه أبو داود. والمؤمن: وهو من عقد الأمان مع بعض المسلمين في أربعة أشهر فقط لقوله تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} ((9) التوبة:6) أي إذا استأمنك أحد منهم من القتل فأمنه. ولقوله صلى الله عليه وسلّم: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" رواه الشيخان وصححاه. أي عقود المسلمين كعقد شخص واحد منهم يقوم بهذا العقد أدناهم أي كالعبيد والنساء فمن نقض عهد مسلم فعليه لعنة من ذكر. قال شيخنا أحمد النحراوي: والمراد بالمعاهد في الحديث ما يشمل هؤلاء الثلاثة.

[فائدة] قال محمد الشربيني في كتابه التفسير الملقب بالسراج المنير: والكفر لغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح وهو الستر وفي الشرع إنكار ما علم بالضرورة مجيء رسول به وينقسم إلى أربعة أقسام: كفر إنكار وكفر جحود وكفر عناد وكفر نفاق، فكفر الإنكار هو أن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به، وكفر الجحود هو أن يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس واليهود قال الله تعالى: فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} ((2) البقرة:89) وكفر العناد هو أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ككفر أبي طالب حيث يقول:

ولقد علمت بأن دين محمد ** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ** لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

وأما كفر النفاق فهو أن يقر باللسان ولا يعتقد بالقلب اهـ. وقال الباجوري: والكفر قيل هو عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون متصفاً به، وقيل هو العناد بإنكار الشيء مما علم مجيء الرسول به ضرروة، فالتقابل بينه وبين الإيمان على الأول وهو الحق من تقابل العدم والملكة، وعلى الثاني من تقابل الضدين، والملكة هي صفة راسخة في النفس سميت بذلك لأنها ملكت محلها.

[فرع] قال البراوي؛ والذي نقله سيدي عبد الوهاب الشعراني عن السبكي أن عمه صلى الله عليه وسلّم أبا طالب بعد أن توفي أحياه الله تعالى وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلّم. قال شيخنا العلامة السحيمي: وهذا هو اللائق بحبه صلى الله عليه وسلّم وهو الذي اعتقده وألقى الله به، وأما إحياء الله تعالى أبويه صلى الله عليه وسلّم فللدخول في أمته فقط وإن كانا من الناجين انتهى لأنهما من أهل الإسلام. (و) خامسها: (الكلب العقور) أي الجارح، والكلب ثلاثة أقسام: عقور وهذا لا خلاف في عدم احترامه وندب قتله وما فيه نفع من اصطياد أو حراسة وهذا لا خلاف في احترامه وحرمة قتله وما لا نفع فيه ولا ضرر وهو كلب السوق المسمى بالجعاصي، ومعتمد الرملي فيه أنه محترم فيحرم قتله، وعند شيخ الإسلام يجوز قتله، فإن كان الكلب عقوراً ولكن فيه نفع سن قتله تغليباً لجانب الضرر. (و) سادسها: (الخنزير) وهو حيوان خبيث ويقال إنه حرام على لسان كل نبي، ويسن قتله سواء كان عقوراً أم لا على المعتمد وقيل يجب قتل العقور.

[فرع] يسن قتل المؤذيات أي التي تؤذي بطبعها كالفواسق الخمس وهي التي كثر خبثها وإيذاؤها: الغراب الذي لا يؤكل وهو الذي بعثه نبي الله نوح عليه السلام من السفينة ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره وأقبل على جيفة، والحدأة والعقرب ولها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها ولذا يقال إنها عيماء لكونها لا تبصر ما أمامها تلدغ وتؤلم إيلاماً شديداً، والفأرة وهي التي عمدت إلى حبال سفينة سيدنا نوح فقطعتها وأخذت الفتيلة لتحرق البيت أيضاً فأمر النبي صلى الله عليه وسلّم بقتلها، والكلب العقور وقضية كلام النووي والرافعي أن اقتناء هذه الفواسق الخمس حرام، وكذلك العنكبوت فهي من ذوات السموم كما قال الأطباء وإن كان نسجها طاهراً، وكثير من العوام يمتنع من قتلها لأنها عششت في فم الغار على النبي صلى الله عليه وسلّم ويلزم على هذا أن لا يذبح الحمام لأنه عشش أيضاً على فم الغار، وفي كلام بعضهم أن العنكبوت ضربان ذو سم وغيره، وكالأسد النمر بكسر النون وإسكان الميم وهو سبع أخبث وأجرأ من الأسد يختلف لون جسده والذئب والدب بضم الدال المهملة وهو حيوان خبيث، والنسر وهو من الطير الجارح والعقاب وهو أنثى الجوارح والوزغ وروى مسلم أن من قتل الوزغ في أول ضربة كتب الله له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك وفيه حض على قتله قيل: لأنها كانت تنفخ النار على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والبعوض والقراد مثل غراب وهو ما يتعلق بالبعير ونحوه وهو كالقمل للإنسان،

والقرد وهو حيوان خبيث والصرد وزان عمر نوع من الغربان قال أحمد السجاعي: وهو طائر فوق العصفور أبقع نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم الرأس والمنقار أصابعه عظيمة لا يقدر عليه أحد وله صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد أن يصيده بلغته ويدعوه إلى التقرب منه فإذا اجتمعوا إليه شد على بعضهم ومنقاره شديد فإذا نقر واحداً بده من ساعته وأكله، والبرغوث والبق والزنبور بضم الزاي، ويحرم قتل النمل السليماني وهو الكبير لانتفاء أذاه، والنحل والخطاف بضم الخاء وتشديد الطاء ويسمى الآن عصفور الجنة لأنه زهد ما في أيدي الناس من الأقوات واكتفى بتقوته بالبعوض، والضفدع والهدهد والوطواط وهو الخفاش وهو طائر لا يكاد يبصر بالنهار، وكالقمل والصئبان وهو بيضه أما غير السليماني وهو الصغير المسمى بالذر فيجوز قتله بغير الإحراق لكونه مؤذياً وكذابه إن تعين طريقاً لدفعه، أما ما ينفع ويضر كصقر وهو من الجوارح يسمى القطا بضم القاف وفتحها وباز فلا يسن قتله ولا يكره بل هو مباح، وما لا يظهر فيه نفع ولا ضر كخنافس وجعلان جمع جعل وزن عمر والحرباء وهي أكبر من القطا تستقبل الشمس وتدور معها كيفما دارت وتتلون ألواناً، ودود وذباب يكره قتله لأنه ليس من إحسان القتلة، أما السرطان وهو حيوان البحر ويسمى عقرب الماء والرخمة وهو طائر يأكل العذرة وهو من الخبائث فإنه يحرم قتلهما على المعتمد، ويجوز رمي القمل حياً إن لم يكن في مسجد، ذكر ذلك كله الشيخ الشرقاوي في حاشيته على تحفة الطلاب في باب جزاء الصيد.

فصل شروط التيمم عشرة

(فصل): في شروط صحة التيمم (شروط التيمم) أي ما لا بد منه فيه (عشرة) الأولى: (أن يكون بتراب) أي خالص بجميع أنواعه حتى ما يداوي به وهو الطين الأرمني والمحرق منه ولو أسود ما لم يصر رماداً والبطحاء وهو ما في مسيل الماء والسبخ بفتح الباء أي الملح الذي لا ينبت ما لم يعله أي يغلبه ملح فجميع ما يصدق عليه اسم التراب كاف من أي محل أخذ ولو من ظهر كلب إذا لم يعلم تنجس التراب المأخوذ منه. (و) الثاني: (أن يكون التراب طاهراً) لقوله تعالى: فتيمموا صعيداً طيباً} ((4)النساء:43) أي تراباً طاهراً. (و) الثالث: (أن لا يكون مستعملاً) أي في رفع الحدث ومثله المستعمل في إزالة النجاسة المغلظة فإن كان في السابعة كان طاهراً فقط أو فيما قبلها فمتنجس، ولا يصير مطهراً بغسله والمستعمل منه في رفع الحدث ما بقي بعضو ممسوح بعد مسحه أو تناثر منه حالة التيمم بعد مسحه العضو، أما ما تناثر ولم يمس العضو بل لاقى ما لاصق العضو فليس بمستعمل كالباقي بالأرض، وكذا لو ألقت الريح على وجهه تراباً فأخذه بخرقة ثم أعاده على وجهه فإنه يكفي، وعلم من ذلك أنه لو تيمم واحد أو جماعة مرات كثيرة من تراب يسير في نحو خرقة جاز حيث لم يتناثر إليه شيء مما ذكر، كما يجوز الوضوء متكرراً من إناء واحد، ولو رفع إحدى يديه عن الأخرى قبل استيعابها ثم أراد أن يعيدها للاستيعاب جاز في الأصح لأن المستعمل هو الباقي بالممسوحة، أما الباقي بالماسحة ففي حكم التراب الذي يضرب عليه اليد مرتين فلا يكون مستعملاً بالنسبة للممسوحة، أي فلو أغفل فيها لمعة كان له أن يمسحها بما في الماسحة أما بالنسبة لغير الممسوحة كعضو متيمم آخر أو العضو الماسح فلا يجوز مسحه بما في الكف لارتفاع حدث ذلك الكف به فهو مستعمل.

(و) الرابع: (أن لا يخالطه دقيق ونحوه) كزعفران ونورة من المخالطات وإن قل ذلك الخليط لمنعه وصول التراب إلى العضو لكثافته، قال الحصني: والكثير ما يرى والقليل ما لا يظهر انتهى. ولو اختلط التراب بماء مستعمل وجف جاز له التيمم به. (و) الخامس: (أن يقصده) أي يقصد التراب لأجل التحويل إلى العضو الممسوح فيتيمم ولو بفعل غيره بإذنه أو يمرغ وجهه أو يديه في الأرض لقوله تعالى: فتيمموا صعيداً طيباً} ((4)النساء:43) أي اقصدوه، فلو انتفى النقل كأن سفته ريح على عضو من أعضاء التيمم فردده عليه ونوى لم يكف، وإن قصد بوقوفه في مهب الريح التيمم لانتفاء القصد من جهته بانتفاء النقل المحقق للقصد، وأما قصد العضو فلا يشترط على المعتمد، فلو أخذ تراباً ليمسح به وجهه فتذكر أنه مسحه صح أن يمسح به يديه وبالعكس. (و) السادس: (أن يمسح وجهه ويديه بضربتين) أي ولا بد من الضربتين شرعاً وإن أمكن التيمم عقلاً بضربة بخرقة أو نحوها بأن يضرب بالخرقة على تراب ويضعها على وجهه ويديه معاً ويرتب في المسح بأن يمسح وجهه بطرفها ثم يديه بطرفها الآخر فلا يكفي ذلك شرعاً لأنه نقلة واحدة، فلا بد من نقلة ثانية يمسح بها ولو قطعة من يده، والمراد بالضرب النقل، فلو أخذ التراب من الهواء كفى، لا يقال إن النقل من الأركان فكيف يجعله من الشروط؟ لأنا نقول: إن الركن ذاته والشرط إنما هو تعدده لا ذاته.

(و) السابع: (أن يزيل) أي المتيمم (النجاسة أولاً) أي فيشترط على المتيمم تقديم إزالة النجاسة غير المعفو عنها ولو عن بدنه وعن غير أعضاء التيمم من فرج أو غيره لا عن ثوبه ومكانه بخلافه في الوضوء لأن الوضوء لرفع الحدث وهو يحصل مع عدم ذلك والتيمم لإباحة الصلاة التابع لها غيرها ولا إباحة مع ذلك فأشبه التيمم معها التيمم قبل الوقت، قال الشرقاوي: فلو تيمم قبل إزالة النجاسة لم يصح تيممه على المعتمد في المذهب وجرى عليه الرملي وقيل يصح وجرى عليه ابن حجر، وينبني على الخلاف ما لو كان الميت أقلف وتحت قلفته نجاسة فعند الرملي يدفن بلا صلاة عليه لأنه لم يتقدم إزالة النجاسة، وعند ابن حجر يصلى عليه إذ لا يشترط عنده ذلك. (و) الثامن: (أن يجتهد في القبلة قبله) أي قبل التيمم. قال ابن حجر في المنهج القويم: فلو تيمم قبل الاجتهاد فيها لم يصح على الأوجه، قال الشرقاوي: هذا ضعيف فيصح التيمم بعد دخول الوقت ولو قبل الاجتهاد في القبلة ولهذا تصح صلاة من صلى أربع ركعات لأربع جهات بلا إعادة.(و) التاسع: (أن يكون التيمم بعد دخول الوقت) أي الذي يصح فعل الصلاة فيه لأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل دخوله والوقت شامل لوقت الجواز ووقت العذر وأوقات الرواتب وسائر المؤقتات كصلاة العيد والكسوف، ويدخل وقت صلاة الاستسقاء باجتماع أكثر الناس لها إن أراد فعلها جماعة وإلا فبإرادة فعلها والكسوف بمجرد التغير وإن أراد فعلها جماعة والفرق بينهما أن الكسوف يفوت بالانجلاء ولا كذلك الاستسقاء لا يفوت بالسقيا وتحية المسجد بدخوله والجنازة بتمام الغسل الواجب وهي الغسلة الأولى والتيمم للميت وإن لم يكفن.

وبهذا يلغز فيقال شخص لا يصح تيممه حتى يتيمم غيره وهو الميت والنفل المطلق في كل وقت أراده إلا وقت الكراهة إذا أراد أن يصلي فيه، أما إذا تيمم ليصلي خارجه أو أطلق فإنه يصح ويدخل وقت التيمم للخطبة بالزوال كالجمعة فلو تيمم قبله لم يصح، ويجوز التيمم للجمعة قبل الخطبة لدخول وقتها وتقدم الخطبة إنما هو شرط لصحة فعلها، ويجوز تيمم الخطيب أو غيره قبل تمام العدد الذي تنعقد به الجمعة، ويشترط العلم أو الظن بدخول الوقت ولو بالاجتهاد، فلو تيمم شاكاً فيه لم يصح وإن صادفه. (و) العاشر: (أن يتيمم) أي المعذور وجوباً (لكل فرض) أي عيني فلا يجمع بتيمم واحد وإن كان المتيمم صبياً فرضين كصلاتين أو طوافين لأنه طهارة ضرورة فيقدر بقدرها، ويمتنع الجمع مع الجمعة وخطبتها بتيمم واحد لأن الخطبة وإن كانت فرض كفاية فقد ألحقت بفرائض الأعيان، وإنما جمع بين الخطبتين بتيمم واحد مع أنهما فرضان لأنهما لتلازمهما صارا كالشيء الواحد فاكتفي لهما بتيمم واحد، بل الظاهر امتناع إفراد كل واحد منهما بتيمم لعدم وروده ويجمع به فرضاً وما شاء من النوافل لأنها تكثر فيؤدي إيجاب التيمم لكل صلاة منها إلى الترك أو إلى ضيق عظيم، فخفف في أمرها كما خفف بترك القيام فيها مع القدرة وبترك القبلة في السفر، ومثل النوافل تمكين المرأة حليلها وصلاة الجنازة وتعينها بانفراد المكلف عارض فإذا تيممت للفرض فإنها تجمع بينه وبين التمكين، وكذا صلاة الجنازة، أما لو تيممت للتمكين فلا يباح لها إلا ما في مرتبته كمس المصحف والمكث في المسجد والاعتكاف وقراءة القرآن ولو فرضاً عينياً كتعلم الفاتحة، وكذا سجدة التلاوة والشكر، ولا يباح لها فرض ولا نفل أو تيممت لصلاة الجنازة أبيح لها ما في مرتبته من صلاة النافلة وما دونه مما تقدم ولا يباح لها الفرض فالمراتب ثلاث، ومس المصحف وما بعده في مرتبة واحدة حتى لو تيمم لكل واحد منها جاز له فعل البقية، وللمرأة إذا تيممت للتمكين أن تمكن من الوطء مراراً، ولو كان تيممها لفقد ماء ثم رأته في أثناء الجماع بطل تيممها وحرم عليها تمكينه ووجب عليه النزع، بخلاف ما إذا رآه هو وهو يجامعها فلا يجب عليه النزع لعدم بطلان تيممها برؤيته هو، إذ لو تيمم شخص لفقد الماء ثم رآه غيره لم يبطل تيمم الأول قاله الشرقاوي والله أعلم.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية