الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الاجتهاد والإفتاء والتقليد بغية المسترشدين

الاجتهاد والإفتاء والتقليد


كتاب بغية المسترشدين با علوي الحضرمي

محتويات

الاجتهاد والإفتاء والتقليد

[فائدة]: قال الإمام الشعراني في زبد العلوم والميزان: وأما أصول الفقه فترجع إلى مراتب الأوامر والنواهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وإلى معرفة ما أجمع عليه الأئمة، وما قاسوه، وما ولدوه بالاجتهاد من طريق الاستنباط، ويجمع كل من الأوامر والنواهي مرتبتين تخفيفاً وتشديداً، فمن وجد في نفسه ضعفاً أخذ بالتخفيف، أو قوة فبالأشد. وجميع أحاديث الشريعة وما بني عليها من أقوال المجتهدين إلى يوم الدين لا يخرج عن هذا، فما ثم حكم يناقض حكماً أبداً ولا يصادمه، وهذا أطلعني الله تعالى عليه، لم يظفر به أحد من المجتهدين، فمن تحقق به لم ير في الشريعة وفي أقوال العلماء خلافاً قط، ومن تحقق بما تحقق به أهل الله تعالى من الكشف والتحقيق شهد جميع ما ولده المجتهدون، مأخوذاً من شعاع الشريعة ولم يخطىء أحداً منهم اهـ.

[فائدة]: إذا أطلق الاجتهاد فالمراد به المطلق، وهو في الأصل بذل المجهود في طلب المقصود، ويرادفه التحري والتوخي، ثم استعمل استنباط الأحكام من الكتاب والسنة، وقد انقطع من نحو الثلاثمائة، وادّعى السيوطي بقاءه إلى آخر الزمان مستدلاً بحديث: "يبعث الله على رأس كل مائة من يجدد" الخ، وردّ بأن المراد بمن يجدد أمر الدين: من يقرر الشرائع والأحكام لا المجتهد المطلق، وخرج به مجتهد المذهب وهو: من يستنبط الأحكام من قواعد إمامه كالمزني، ومجتهد الفتوى وهو: من يقدر على الترجيح في الأقوال كالشيخين لا كابن حجر و (م ر)، فلم يبلغا رتبة الترجيح بل مقلدان فقط، وقال بعضهم: بل لهما الترجيح في بعض المسائل، بل وللشبراملسي أيضاً، اهـ باجوري.

[فائدة]: قال في فتاوى ابن حجر: ليس لمن قرأ كتاباً أو كتباً ولم يتأهل للافتاء أن يفتي إلا فيما علم من مذهبه علماً جازماً، كوجوب النية في الوضوء ونقضه بمس الذكر، نعم إن نقل له الحكم عن مفت أخر أو عن كتاب موثوق به جاز، وهو ناقل لا مفت، وليس له الإفتاء فيما لم يجده مسطوراً، وإن وجد له نظيراً، وحينئذ المتبحر في الفقه هو من أحاط بأصول إمامه في كل باب، وهي مرتبة أصحاب الوجوه، وقد انقطعت من نحو أربعمائة سنة اهـ.

(مسألة: ك): شخص طلب العلم، وأكثر من مطالعة الكتب المؤلفة من التفسير والحديث والفقه، وكان ذا فهم وذكاء، فتحكم في رأيه أن جملة هذه الأمة ضلوا وأضلوا عن أصل الدين وطريق سيد المرسلين ، فرفض جميع مؤلفات أهل العلم، ولم يلتزم مذهباً، بل عدل إلى الاجتهاد، وادّعى الاستنباط من الكتاب والسنة بزعمه، وليس فيه شروط الاجتهاد المعتبرة عند أهل العلم، ومع ذلك يلزم الأمة الأخذ بقوله ويوجب متابعته، فهذا الشخص المذكور المدَّعي الاجتهاد يجب عليه الرجوع إلى الحق ورفض الدعاوى الباطلة، وإذ طرح مؤلفات أهل الشرع فليت شعري بماذا يتمسك؟ فإنه لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام، ولا أحداً من أصحابه رضوان الله عليهم، فإن كان عنده شيء من العلم فهو من مؤلفات أهل الشرع، وحيث كانت على ضلالة فمن أين وقع على الهدى؟ فليبينه لنا فإن كتب الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم ومقلديهم جلّ مأخذها من الكتاب والسنة، وكيف أخذ هو ما يخالفها؟ ودعواه الاجتهاد اليوم في غاية البعد كيف؟ وقد قال الشيخان وسبقهما الفخر الرازي: الناس اليوم كالمجمعين على أنه لا مجتهد، ونقل ابن حجر عن بعض الأصوليين: أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد أي: مستقل، وهذا الإمام السيوطي مع سعة اطلاعه وباعه في العلوم وتفننه بما لم يسبق إليه ادعى الاجتهاد النسبي لا الاستقلالي، فلم يسلم له وقد نافت مؤلفاته على الخمسمائة، وأما حمل الناس على مذهبه فغير جائز، وإن فرض أنه مجتهد مستقل ككل مجتهد.

(مسألة: ي ش): يحرم على المفتي التساهل في الفتيا وسؤال من عرف بذلك، إما لعدم التثبت والمسارعة في الجواب، أو لغرض فاسد كتتبع الحيل ولو مكروهة، والتمسك بالشبه للترخيص على من يرجو نفعه والتعسير على ضده، نعم إن طلب حيلة لا شبهة فيها ولا تجرّ إلى مفسدة، بل ليتخلص بها السائل عن نحو اليمين في نحو الطلاق فلا بأس بل ربما تندب.

(مسألة ش): تجب، على مفت، إجابة مستفت في واقعة يترتب عليها الإثم بسبب الترك أو الفعل، وذلك في الواجب أو المحرم على التراخي إن لم يأت وقت الحاجة وإلا فعلى الفور، فإن لم يترتب عليها ذلك فسنة مؤكدة، بل إن كان على سبيل مذاكرة العلم التي هي من أسباب إحيائه ففرض كفاية، ولا ينبغي الجواب بلا أدري إلا إن كان صادقاً، أو ترتب على الجواب محذور كإثارة فتنة، وأما الحديث الوارد في كتم العلم فمحمول على علم واجب تعليمه ولم يمنع منه عذر كخوف على معصوم، وذلك كمن يسأل عن الإسلام والصلاة والحلال والحرام، ولو كان العالم بالغاً درجة الفتوى في مذهبه وعلم أمراً فأفتى به بحكم ولم يمتثل أمره، فله الحمل عليه قهراً بنفسه أو بغيره، إذ تجب طاعة المفتي فيما أفتى به.ونقل السمهودي عن الشافعي ومالك أن للعالم وإن لم يكن قاضياً أن يعزر بالضرب والحبس وغيرهما من رأى استحقاقه إذ يجب امتثال أمره.

(مسألة: ي): اعلم أن العبارات الواردة في مسألة واحدة التي ظاهرها التنافي والتخالف إذا أمكن الجمع بينها من غير تعسف وجب المصير إليه ويكون الأمر من المتفق عليه، وأن إطلاقات الأئمة إذا تناولت شيئاً وصرح بعضهم بخلافه فالمعتمد الأخذ بإطلاقهم، كما نص عليه في التحفة والنهاية.

(مسألة: ش): المذهب القديم ليس مذهباً للشافعي، لأن المقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الرسول عليه السلام، فكما أن الحادث من أدلة الشرع ناسخ للمتقدم منها إجماعاً حتى يجب على المجتهد الأخذ به، كذلك المقلد مع المجتهد، وأما المسائل التي عدوها وجعلوها مما يفتى به على القديم، فسببها أن جماعة من المجتهدين في مذهبه لاح لهم في بعض المسائل أن القديم أظهر دليلاً فأفتوا به، غير ناسبي ذلك إلى الشافعي كالقول المخرَّج، فمن بلغ رتبة الترجيح ولاح له الدليل أفتى بها، وإلا فلا وجه لعلمه، وفتواه على أن المسائل التي عدُّوها أكثرها فيه قول جديد، فتكون الفتوى به وهي ثمانية عشر مسألة: عدم وجوب التباعد عن النجاسة في الماء الكثير بقدر قلتين، وعدم تنجس الماء الجاري إلا بالتغير، وعدم النقض بلمس المحرم، وتحريم أكل الجلد المدبوغ، والتثويب في أذان الصبح، وامتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق، واستحباب تعجيل العشاء، وعدم ندب قراءة السورة في الأخيرتين، والجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية، وندب الخط عند عدم الشاخص، وجواز اقتداء المنفرد في أثناء صلاته، وكراهة تقليم أظافر الميت، وعدم اعتبار الحول في الركاز، وصيام الولي عن الميت الذي عليه صوم، وجواز اشتراط التحلل بالمرض، وإجبار الشريك على العمارة، وجعل الصداق في يد الزوج مضموناً، ووجوب الحد بوطء المملوكة المحرم، ذكره المجموع. ويجب اتفاقاً نقض قضاء القاضي وإفتاء المفتي بغير الراجح من مذهبه، إذ من يعمل في فتواه أو عمله بكل قول أو وجه في المسألة، ويعمل بما شاء من غير نظر إلى ترجيح، ولا يتقيد به، جاهل خارق للإجماع، ولا يجوز للمفتي أن يفتي الجاهل المتمسك بمذهب الشافعي صورة بغير الراجح منه.

(مسألة: ش): نقل ابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة، أي حتى العمل لنفسه فضلاً عن القضاء والفتوى، لعدم الثقة بنسبتها لأربابها بأسانيد تمنع التحريف والتبديل، كمذهب الزيدية المنسوبين إلى الإمام زيد بن عليّ بن الحسين السبط رضوان الله عليهم، وإن كان هو إماماً من أئمة الدين، وعلماً صالحاً للمسترشدين، غير أن أصحابه نسبوه إلى التساهل في كثير لعدم اعتنائهم بتحرير مذهبه، بخلاف المذاهب الأربعة فإن أئمتها جزاهم الله خيراً بذلوا نفوسهم في تحرير أقوالها، وبيان ما ثبت عن قائلها وما لم يثبت، فأمن أهلها التحريف، وعلموا الصحيح من الضعيف، ولا يجوز للمقلد لأحد من الأئمة الأربعة أن يعمل أو يفتي في المسألة ذات القولين أو الوجهين بما شاء منهما، بل بالمتأخر من القولين إن علم، لأنه في حكم الناسخ منهما، فإن لم يعلم فبما رجحه إمامه، فإن لم يعلمه بحث عن أصوله إن كان ذا اجتهاد، وإلا عمل بما نقله بعض أئمة الترجيح إن وجد وإلا توقف، ولا نظر في الأوجه إلى تقدم أو تأخر، بل يجب البحث عن الراجح، والمنصوص عليه مقدم على المخرج ما لم يخرج عن نص آخر، كما يقدم ما عليه الأكثر ثم الأعلم ثم الأورع، فإن لم يجد اعتبر أوصاف ناقلي القولين، ومن أفتى بكل قول أو وجه من غير نظر إلى ترجيح فهو جاهل خارق للإجماع، والمعتمد جواز العمل بذلك للمتبحر المتأهل للمشقة التي لا تحتمل عادة، بشرط أن لا يتتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ منها بالأهون بل يفسق بذلك، وأن لا يجتمع على بطلانه إماماه الأوَّل والثاني اهـ.

وعبارة ب تقليد مذهب الغير يصعب على علماء الوقت فضلاً عن عوامهم خصوصاً ما لم يخالط علماء ذلك المذهب، إذ لا بد من استيفاء شروطه، وهي كما في التحفة وغيرها خمسة: علمه بالمسألة على مذهب من يقلده بسائر شروطها ومعتبراتها. وأن لا يكون المقلد فيه مما ينقض قضاء القاضي به، وهو ما خالف النص أو الإجماع أو القواعد أو القياس الجلي. وأن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب ما هو الأهون عليه. وأن لا يلفق بين قولين تتولد منهما حقيقة لا يقول بها كل من القائلين كأن توضأ ولم يدلك تقليداً للشافعي، ومس بلا شهوة تقليداً لمالك ثم صلى فصلاته حينئذ باطلة باتفاقهما. وأن لا يعمل بقول إمام في المسألة ثم يعمل بضده، وهذا مختلف فيه عندنا، والمشهور جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، وفي قول يشترط اعتقاد الأرجحية أو المساواة اهـ. وفي ك: من شروط التقليد عدم التلفيق بحيث تتولد من تلفيقه حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين، قاله ابن حجر، إذ لا فرق عنده بين أن يكون التلفيق في قضية أو قضيتين، فلو تزوّج امرأة بولي وشاهدين فاسقين على مذهب أبي حنيفة، أو بلا ولي مع حضوره وعدم عضله، ثم علق طلاقها بإبرائها من نفقة عدَّتها مثلاً فأبرأته، ثم أراد تقليد الشافعي في عدم وقوع الطلاق لعدم صحة الإبراء عنده من نفقة العدَّة لم يصح، بل يحرم وطؤها حينئذ على كلا المذهبين، أما الشافعي فلأنها ليست بزوجة عنده أصلاً لعدم صحة النكاح، ولولا الشبهة لكان زناً محضاً، وأما أبو حنيفة الذي يرى تزويجها فلكونها بانت منه بالبراءة المذكورة، وقال ابن زياد: القادح في التلفيق إنما يتأتى إذا كان في قضية واحدة، بخلافه في قضيتين فليس بقادح، وكلام ابن حجر أحوط، وابن زياد أوفق بالعوام، فعليه يصح التقليد في مثل هذه الصورة.

(مسألة: ش): يجوز تقليد ملتزم مذهب الشافعي غير مذهبه أو المرجوح فيه للضرورة، أي المشقة التي لا تحتمل عادة، إما عند عدمها فيحرم، إلا إن كان المقلد بالفتح أهلاً للترجيح ورأى المقلد رجحان دليله على دليل إمامه. اهـ، وعبارة ي يجوز العمل في حق الشخص بالضعيف الذي رجحه بعض أهل الترجيح من المسألة ذات القولين أو الوجهين، فيجوز تقليده للعامل المتأهل وغيره، أما الضعيف غير المرجح من بعض أهل الترجيح فيمتنع تقليده على العارف بالنظر، والبحث عن الأرجح كغير عارف وجد من يخبره بالراجح وأراد العمل به، وإلا جاز له العمل بالمرجوح مطلقاً اهـ.

(مسألة: ك): صرح الأئمة بأنه لا يجوز تعاطي ما اختلف فيه ما لم يقلد القائل بحله، بل نقل ابن حجر وغيره الاتفاق عليه، سواء كان الخلاف في المذهب أو غيره، عبادة أو غيرها، ولو مع من يرى حل ذلك، نعم إنما يأثم من قصر بترك تعلم ما لزمه مع الإمكان، أو كان مما لا يعذر أحد بجهله لشهرته، أما من عجز عنه ولو لنقلة أو اضطرار إلى تحصيل ما يسدّ رمقه وممونه فيرتفع تكليفه كما قبل ورود الشرع، قاله في التحفة اهـ. وعبارة ب: ومعنى التقليد اعتقاد قول الغير من غير معرفة دليله التفصيلي، فيجوز تقليد القول الضعيف لعمل نفسه كمقابل الأصح والمعتمد والأوجه والمتجه، لا مقابل الصحيح لفساده غالباً، ويأثم غير المجتهد بترك التقليد، نعم إن وافق مذهباً معتبراً، قال جمع: تصح عبادته ومعاملته مطلقاً، وقال آخرون: لا مطلقاً، وفصل بعضهم فقال: تصح المعاملة دون العبادة لعدم الجزم بالنية فيها، وقال الشريف العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بافقيه: ويظهر من عمل وكلام الأئمة أن العامي حيث عمل معتقداً أنه حكم شرعي ووافق مذهباً معتبراً، وإن لم يعرف عين قائله صح ما لم يكن حال عمله مقلداً لغيره تقليداً صحيحاً اهـ. قلت: ونقل الجلال السيوطي عن جماعة كثيرة من العلماء أنهم كانوا يفتون الناس بالمذاهب الأربعة، لا سيما العوامّ الذين لا يتقيدون بمذهب، ولا يعرفون قواعده ولا نصوصه، ويقولون حيث وافق فعل هؤلاء قول عالم فلا بأس به، اهـ من الميزان. نعم في الفوائد المدنية للكردي أن تقليد القول أو الوجه الضعيف في المذهب بشرطه أولى من تقليد مذهب الغير لعسر اجتماع شروطه اهـ.

(مسألة: ك): يجوز التقليد بعد العمل بشرطين: أن لا يكون حال العمل عالماً بفساد ما عنّ له بعد العمل تقليده، بل عمل نسيان للمفسد أو جهل بفساده وعذر به، وأن يرى الإمام الذي يريد تقليده جواز التقليد بعد العمل، فمن أراد تقليد أبي حنيفة بعد العمل سأل الحنفية عن جواز ذلك، ولا يفيده سؤال الشافعية حينئذ، إذ هو يريد الدخول في مذهب الحنفي، ومعلوم أنه لا بد من شروط التقليد المعلومة زيادة على هذين اهـ. وفي ي نحوه، وزاد: ومن قلد من يصح تقليده في مسألة صحت صلاته في اعتقاده بل وفي اعتقادنا، لأنا لا نفسقه ولا نعدّه من تاركي الصلاة، فإن لم يقلده وعلمنا أن عمله وافق مذهباً معتبراً، فكذلك على القول بأن العامي لا مذهب له، وإن جهلنا هل وافقه أم لا لم يجز الإنكار عليه.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية