الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الأعذار المبيحة للفطر من الصوم وقضاء رمضان

الأعذار المبيحة للفطر من الصوم وقضاء رمضان

الأعذار المبيحة للفطر
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

الأعذار المبيحة للفطر

المرض وحصول المشقة الشديدة

* الأعذار التي تبيح الفطر للصائم كثيرة: منها المرض، فإذا مرض الصائم، وخاف زيادة المرض بالصوم، أو خاف تأخر البرء من المرض، أو حصلت له مشقة شديدة بالصوم، فإنه يجوز له الفطر، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة" بل يسن له الفطر، ويكره له الصوم في هذه الأحوال، أما إذا غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم، كما إذا خاف تعطيل حاسة من حواسه، فإنه يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم، باتفاق.
هذا ما إذا كان مريضاً بالفعل، أما إذا كان صحيحاً، وظن بالصوم حصول مرض شديد، ففي حكمه تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط

(الحنابلة قالوا: يسن له الفطر، كالمريض بالفعل، ويكره له الصيام.
الحنفية قالوا: إذا كان صحيحاً من المرض، وغلب على ظنه حصول المرض بالصيام، فإنه يباح له الفطر، كما يباح له الصوم؛ كما لو كان مريضاً بالفعل.
المالكية قالوا: إذا ظن الصحيح بالصوم هلاكاً أو أذى شديداً وجب عليه الفطر كالمريض.
الشافعية قالوا: إذا كان صحيحاً وظن بالصوم حصول المرض، فلا يجوز له الفطر ما لم يشرع في الصوم، ويتحقق الضرر).
ولا يجب على المريض إذا أراد الفطر أن ينوي الرخصة التي منحها الشارع للمعذورين، باتفاق ثلاثة؛ وقال الشافعية: بل نية الترخص له بالفطر واجبة، وإن تركها كان آثماً.

خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام

* إذا خافت الحامل والمرضع الضرر من الصيام على أنفسهما وولديهما معاً، أو على أنفسهما فقط، أو على ولديهما فقط، فإنه يجوز لهما الفطر على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط

خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام عند المالكية

(المالكية قالوا: الحامل والمرضع، سواء أكانت المرضع أماً للولد من النسب، أو غيرها، وهي الظئر، إذا خافتا بالصوم مرضاً أو زيادته، سواء كان الفخوف على أنفسهما وولديهما أو أنفسهما فقط، أو ولديهما فقط يجوز لهما الفطر، وعليهما القضاء، ولا فدية على الحامل، بخلاف المرضع فعليها الفدية؛ أما إذا خافتا بالصوم هلاكاً، أو ضرراً شديداً لأنفسهما، أو ولديهما، فيجب عليهما الفطر، وإنما يباح للمرضع الفطر إذا تعين الرضاع عليها، بأن لم تجد مرضعة سواها، أو وجدت ولم يقبل الوالد غيرها. أما إن وجدت مرضعة غيرها وقبلها الولد فيتعين عليها الصوم، ولا يجوز لها الفطر بحال من الأحوال، وإذا احتاجت المرضعة الجديدة التي قبلها الولد الأجرة، فإن كان للولد مال، فالأجرة تكون من ماله، وإن لم يوجد له مال، فالأجرة تكون على الأب، لأنها من توابع النفقة على الولد، والنفقة واجبة على أبيه إذا لم يكن له مال.

خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام عند الحنفية

الحنفية قالوا: إذا خافت الحامل، أو المرضع الضرر من الصيام جاز لهما الفطر، سواء كان الخوف على النفس والولد معاً، أو على النفس فقط، أو على الولد فقط، ويجب عليهما القضاء عند القدرة بدون فدية، وبدون متابعة الصوم في أيام القضاء، ولا فرق في المرضع بين أن تكون أما أو مستأجرة للإرضاع. وكذا لا فرق بين أن تتعين لفرضاع أو لا، لأنها إن كانت أماً فالإرضاع واجب عليها ديانة، وإن كانت مستأجرة فالإرضاع واجب عليها بالعقد، فلا محيص عنه.

خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: يباح للحامل، والمرضع الفطر إذا خافتا الضرر على أنفسهما وولديهما، أو على أنفسهما فقط، وعليهما في هاتين الحالتين القضاء دون الفدية، أما إن خافتا على ولديهما فقط فعليهما القضاء والفدية، والمرضع إذا قبل الولد ثدي غيرها وقدرت أن تستأجر له، أو كان للولد مال يستأجر منه من ترضعه استأجرت له، ولا تفطر، وحكم المستأجر للرضاع كحكم الأم فيما تقدم.

خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام عند الشافعية

الشافعية قالوا: الحامل، والمرضع إذا خافتا بالصوم ضرراً لا يحتمل، سواء كان الخوف على أنفسهما وولديهما معاً، أو على أنفسهما فقط، أو على ولديهما فقط، وجب عليهما الفطر، وعليهما القضاء في الأحوال الثلاثة، وعليهما أيضاً الفدية مع القضاء في الحالة الأخيرة: وهي ما إذا كان الخوف على ولدهما فقط، ولا فرق في المرضع بين أن تكون أماً للولد أو مستأجرة للرضاع، أو متبرعة به، وإنما يجب الفطر على المرضع في كل ما تقدم إذا تعينت للإرضاع، بأن لم توجد مرضعة غيرها مفطرة، أو صائمة لا يضرها الصوم، فإن لم تتعين للإرضاع جاز لها الفطر مع الإرضاع، والصوم مع تركه، ولا يجب عليها الفطر، ومحل هذا التفصيل في المرضعة المستأجرة إذا كان ذلك الخوف قبل الإجارة، أما بعد الإجارة بأن غلب على ظنها احتياجها للفطر بعد الإجارة، فإنه يجب عليها الفطر متى خافت الضرر من الصوم، ولو لم تتعين للإرضاع.

والفدية هي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء مقداراً من الطعام يعادل ما يعطى لأحد مساكين الكفارة، على التفصيل المتقدم في المذاهب).

لفطر بسبب السفر

* يباح الفطر للمسافر بشرط أن يكون السفر مسافة تبيح قصر الصلاة على ما تقدم تفصيله، وبشرط أن يشرع فيه قبل طلوع الفجر بحيث يصل إلى المكان الذي يبدأ فيه قصر الصلاة قبل طلوع الفجر، فإن كان السفر لا يبيح قصرها لم يجز له الفطر، وهذان الشرطان متفق عليهما، عند ثلاثة. وخالف الحنابلة في الشرط الأول، فانظر مذهبهم تحت الخط

(الحنابلة قالوا: إذا سافر الصائم من بلده في أثناء النهار، ولو بعد الزوال سفراً مباحاً يبيح القصر جاز له الإفطار، ولكن الأولى له أن يتم صوم ذلك اليوم)؛ وزاد الشافعية شرطاً ثالثاً فانظره تحت الخط (الشافعية: زادوا شرطاً ثالثاً لجواز الفطر في السفر، وهو أن لا يكون الشخص مديماً للسفر، فإن كان مديماً له حرم عليه الفطر، إلا إذا لحقه بالصوم مشقة كالمشقة التي تبيح التيمم، فيفطر وجوباً)؛ فإذا شرع في السفر بعد طلوع الفجر حرم عليه الفطر، فلو أفطر فعليه القضاء دون الكفارة؛ عند ثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط

(الشافعية قالوا: إذا أفطر الصائم الذي أنشأ السفر بعد طلوع الفجر بما يوجب القضاء والكفارة وجبا عليه، وإذا أفطر بما يوجب القضاء فقط وجب عليه القضاء؛ وحرم عليه الفطر على كل حال)، ويجوز الفطر للمسافر الذي بيت النية بالصوم؛ ولا إثم عليه، وعليه القضاء، خلافاً للمالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط

(المالكية قالوا: إذا بيت نية الصوم في السفر، فأصبح صائماً فيه ثم أفطر لزمه القضاء والكفارة سواء أفطر متأولاً أو لا.
الحنفية قالوا: يحرم الفطر على من بيت نية الصوم في سفره، وإذا أفطر فعليه القضاء دون الكفارة)، ويندب للمسافر الصوم إن لم يشق عليه، لقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} فإن الشافعية قالوا: عليه كان الفطر أفضل؛ باتفاق الحنفية، والشافعية، أما المالكية والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (المالكية قالوا: الأفضل للمسافر الصوم إن لم يحصل له مشقة.
الحنابلة قالوا: يسن للمسافر الفطر، ويكره له الصوم، ولو لم يجد مشقة لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "ليس من البر الصوم في السفر")، إلا إذا أدى الصوم إلى الخوف على نفسه من التلف أو تلف عضو منه، أو تعكيل منفعته، فيكون الفطر واجباً، ويحرم الصوم، باتفاق.

صوم الحائض والنفساء

* إذا حاضت المرأة الصائمة أو نفست وجب عليها الفطر، وحرم الصيام، ولو صامت فصومها باطل، وعليها القضاء.

*4* حكم من حصل له جوع أو عطش شديدان

* فأما الجوع والعطش الشديدان اللذان لا يقدر معهما على الصوم، فيجوز لمن حصل له شيء من ذلك الفطر؛ وعليه القضاء.

حكم الفطر لكبر السن

* الشيخ الهرم الفاني الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة يفطر وتجب عن كل يوم فدية طعام مسكين؛ وقال المالكية: يستحب له الفدية فقط؛ ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه، ولا قضاء عليهما لعدم القدرة، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنابلة قالوا: من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فعليه الفدية عن كل يوم، ثم إن أخرجها فلا قضاء عليه إذا قدر بعد على الصوم؛ أما إذا لم يخرجها ثم قدر فعليه القضاء)، أما من عجز عن الصوم في رمضان، ولكن يقدر على قضائه في وقت آخر، فإنه يجب عليه القضاء في ذلك الوقت، ولا فدية عليه.

إذا طرأ على الصائم جنون

* إذا طرأ على الصائم جنون ولو لحظة، ولم يجب عليه الصوم، ولا يصح؛ وفي وجوب القضاء تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط

(الشافعية قالوا: إن كان متعدّياً بجنون بأن تناول ليلاً عمداً شيئاً أزال عقله نهاراً، فعليه قضاء ما جن فيه الأيام، وإلا فلا.
الحنابلة قالوا: إذا استغرق جنونه جميع اليوم، فلا يجب عليه القضاء مطلقاً، سواء كان متعدياً أو لا، وإن أفاق في جزء من اليوم وجب عليه القضاء.
الحنفية قالوا: إذا استغرق جنونه جميع الشهر، فلا يجب عليه القضاء، وإلا وجب.
المالكية قالوا: إذا جن يوماً كاملاً أو جله سلم في أوله أو لا، فعليه القضاء، وإن جن نصف اليوم أو أقله، ولم يسلم أوله فيهما فعليه القضاء أيضاً، وإلا فلا، كما تقدم).
وإذا زال العذر المبيح للإفطار في أثناء النهار، كأن طهرت الحائض، أو أقام المسافر، أو بلغ الصبي، وجب عليه الإمساك بقية اليوم احتراماً للشهر؛ عند الحنفية، والحنابلة، أما المالكية والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: لا يجب الإمساك، ولا يستحب في هذه الحالة إلا إذا كان العذر الإكراه، فإنه إذا زال وجب عليه الإمساك، وكذا إذا أكل ناسياً، ثم تذكر، فإنه يجب عليه الإمساك أيضاً.
الشافعية قالوا: لا يجب الإمساك في هذه الحالة، ولكنه يسن).

ما يستحب للصائم

* يستحب للصائم أمور: منها تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب، وقبل الصلاة، ويندب أن يكون على رطب، فتمر؛ فحلو، فماء، وأن يكون ما يفطر عليه من ذلك وتراً، ثلاثة، فأكثر ومنها الدعاء عقب فطره بالمأثور، كأن يقول: اللّهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر، يا واسع الفضل اغفر لي الحمد للّه الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت، ومنها السحور على شيء وإن قل، ولو جرعة ماء؛ لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "تسحروا، فإن في السحور بركة"، ويدخل وقته بنصف الليل الأخير، وكلما تأخر كان أفضل، بحيث لا يقع في شك في الفجر، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يُريبك" ومنها كف اللسان عن فضول الكلام، وأما كفه عن الحرام، كالغيبة والنميمة، فواجب في كل زمان، ويتأكد في رمضان؛ ومنها الإكثار من الصدقة والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين. ومنها الاشتغال بالعلم، وتلاوة القرآن والذكر، والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم كلما تيسر له ذلك ليلاً أو نهاراً؛ ومنها الاعتكاف، وسيأتي بيانه في مبحثه.

قضاء رمضان

* من وجب عليه قضاء رمضان لفطرة فيه عمداً أو لسبب من الأسباب السابقة فإنه يقضى بدل الأيام التي أفطرها في زمن يباح الصوم فيه تطوعاً، فلا يجزئ القضاء فيما نهى عن صومه، كأيام العيد، ولا فيما تعين لصوم مفروض كرمضان الحاضر، وأيام النذر المعين، كأن ينذر صوم عشرة أيام من أول ذي القعدة، فلا يجزئ قضاء رمضان فيها لتعينها بالنذر، عند المالكية، والشافعية، أما الحنابلة، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (الحنفية قالوا: إذا قضى ما فاته من رمضان في الأيام التي نذر صومها صح صيامه عن رمضان، وعليه قضاء النذر في أيام أخر، وذلك لأن النذر لا يتعين بالزمان والمكان والدرهم، فيجزئه صيام رجب عن صيام شعبان في النذر، وكذلك يجزئه التصدق بدرهم بدل آخر في مكان غير المكان الذي عينه في نذره.

الحنابلة قالوا: إن ظاهر عبارة الإقناع أنه إذا قضى أيام رمضان في أيام النذر المعين أجزأه)، كما لا يجزئ القضاء في رمضان الحاضر، لأنه متعين للأداء، فلا يقبل صوماً آخر سواه، فلو نوى أن يصوم رمضان الحاضر أو أياماً منه قضاء عن رمضان سابق، فلا يصح الصوم عن واحد منهما، لا عن الحاضر، لأنه لم ينوه، ولا عن الفائت، لأن الوقت لا يقبل سوى الحاضر، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية فانظر مذهبيهم تحت الخط (الحنفية قالوا: من نوى قضاء صيام الفائت في رمضان الحاضر صح الصيام ووقع عن رمضان الحاضر دون الفائت، لأن الزمن متعين لأداء الحاضر، فلا يقبل غيره، ولا يلزم فيه تعيين النية؛ كما تقدم في "شرائط الصيام")؛ ويجزئ القضاء في يوم الشك لصحة صومه تطوعاً، ويكون القضاء بالعدد لا بالهلال، فمن أفطر رمضان كله؛ وكان ثلاثين يوماً، ثم ابتدأ قضاءه من أول المحرم مثلاً، فكان تسعة وعشرين يوماً، وجب عليه أن يصوم يوماً آخر بعد المحرم ليكون القضاء ثلاثين يوماً كرممضان الذي أفطره، ويستحب لمن عليه قضاء أن يبادر به ليتعجل براءة ذمته، وأن يتابعه إذا شرع فيه؛ فإذا أخر القضاء أو فرقه صح ذلك، وخالف المندوب، إلا أنه يجب عليه القضاء فوراً إذا بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول؛ فيتعين القضاء فوراً في هذه الحالة خلافاً للشافعية، والحنفية؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (الشافعية قالوا: يجب القضاء فوراً أيضاً إذا كان فطره في رمضان عمداً بدون عذر شرعي.

الحنفية قالوا: يجب قضاء رمضان وجوباً موسعاً بلا تقييد بوقت؛ فلا يأثم بتأخره إلى أن يدخل رمضان الثاني)، ومن أخر القضاء حتى دخل رمضان الثاني وجبت عليه الفدية (الشافعية قالوا: تتكرر الفدية بتكرر الأعوام) زيادة عن القضاء، وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء ومقدارها هو ما تعطى لمسكين واحد في الكفارة، كما تقدم في "مبحث الكفارات"، باتفاق ثلاثة؛ وخالف الحنفية، فقالوا: لا فدية على من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني، سواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر؛ وإنما تجب الفدية إذا كان متمكناً من القضاء قبل دخول رمضان الثاني، وإلا فلا فدية عليه، ولا تتكرر الفدية بتكرر الأعوام بدون قضاء، باتفاق ثلاثة. وقال الشافعية: بل تتكرر الفدية بتكرر الأعوام.

الكفارة الواجبة على من أفطر رمضان، وحكم من عجز عنها

* تقدم أن الصيام ينقسم إلى مفروض وغيره، وأن المفروض ينقسم إلى أقسام. صوم رمضان وصوم الكفارات، والصيام المنذور؛ أما صوم رمضان فقد تقدم الكلام فيه، وأما الكفارات، فأنواع: منها كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة القتل، ولهذه الأنواع الثلاثة مباحث خاصة بها في قسم المعاملات. "وقد ذكرنا كفارة اليمين في الجزء الثاني وكفارة الظهارة في الجزء الرابع، ومن أنواع الكفارات كفارة الصيام، وهي المراد بيانها هنا: فكفارة الصيام هي التي تجب على ما أفطر في أداء رمضان على التفصيل السابق في المذاهب. وهي إعتاق رقبة مؤمنة، باتفاق ثلاثة، وقال الحنفية، لا يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة في الصيام، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب المضرة، كالعمى والبكم والجنون، فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين، فإن صام في أول الشهر العربي أكمله وما بعده باعتبار الأهلة، وإن ابتدأ في أثناء الشهر العربي صام باقيه. وصام الشهر الذي بعده كاملاً باعتبار الهلال، وأكمل الأول ثلاثين يوماً من الثالث، ولا يحسب يوم القضاء من الكفارة، ولا بد من تتابع هذين الشهرين بحيث لو أفسد يوماً في أثنائها ولو بعذر شرعي، كسفر، صار ما صامه نفلاً، ووجب عليه استئنافها لانقطاع التتابع الواجب فيها، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة: الفطر لعذر شرعي كالفطر للسفر لا يقطع التتابع، فإن لم يستطع الصوم لمشقة شديدة ونحوها، فإطعام ستين مسكيناً، فهي واجبة على الترتيب المذكور باتفاق ثلاثة. وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط

(المالكية قالوا: كفارة رمضان على التخيير بين الإعتاق والإطعام، وصوم الشهرين المتتابعين، وأفضلها الإطعام، فالعتق، فالصيام، وهذا التخيير بالنسبة للحر الرشيد، أما العبد فلا يصح العتق منه، لأنه لا ولاء له، فكيفر بالإطعام إن أذن له سيده فيه، وله أن يكفر بالصوم، فإن لم يأن له سيده في الإطعام تعين عليه التكفير بالصيام، وأما السفيه فيأمره وليه بالتكفير بالصوم، فإن امتنع أو عجز عنه كفر عنه وليه بأقل الأمرين قيمة من الإطعام، أو العتق)، وقد استدل الثلاثة بخبر الصحيحية عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: "هلكت، قال: وما أهلكك، ! قال: واقعت امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، ثم جلس السائل، فأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم بعرق فيه تمر "العرق: مكتل في خوص النخل، وكان فيه مقداره الكفارة" فقال تصدق بهذا، فقال: على أفقر منا يا رسول اللّه، فو اللّه ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب، فأطعمه أهلك" وما جاء في هذا الحديث من إجراء صرف الكفارة لأهل المكفر، وفيهم من تجب عليه نفقته فهو خصوصية لذلك الرجل، لأن المفروض في الكفارة إنما هو إطعام ستين مسكيناً لغير أهله، بحيث يغطي كل واحد منهم مقداراً مخصوصاً، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط

(المالكية قالوا: يجب تمليك كل واحد مداً بمد النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ويكون ذلك المد من غالب طعام أهل بلد المكفر من قمح أو غيره، ولا يجزئ بدله الغداء ولا العشاء على المعتمد، وقدر المد بالكيل بثلث قدح مصري، وبالوزن برطل وثلث، كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهماً مكياً، وكل درهم يزن خمسين حبة، وخمس حبة من متوسط الشعير، والذي يعطى إنما هو الفقراء أو المساكين، ولا يجزئ إعطاؤها لمن تلزمه نفقتهم، كأبيه وأمه وزوجته وأولاده الصغار، أما أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم فلا مانع من إعطائهم منها إذا كانوا فقراء، كإخوته وأجداده.

الحنفية قالوا: يكفي في إطعام الستين مسكيناً أن يشبعهم في غذاءين أو عشاءين، أو فطور وسحور، أو يدفع لكل فقير نصف صاع من القمح أو قيمته، أو صاعاً من الشعير، أو التمر أو الزبيب، والصاع قد حان وثلث بالكيل المصري. ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته. كأصوله وفروعه وزوجته.

الشافعية قالوا: يعطي لكل واحد من الستين مسكيناً مداً من الطعام الذي يصح إخراجه في زكاة الفطر، كالقمح والشعير، ويشترط أن يكون من غالب قوت بلده، ولا يجزئ نحو الدقيق والسويق، لأنه لا يجزئ في الفطرة. والمد: نصف قدح مصري. وهو ثمن الكيلة المصرية. ويجب تمليكهم ذلك. ولا يكفي أن يجعل هذا القدر طعاماً يطعمهم به، فلا غداهم وعشاهم به لم يكف ولم يدزئ. ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته إن كان الجاني في الصوم هو المكفر عن نفسه؛ أما إن كفر عنه غيره فيصح أن يعتبر عيال ذلك الجاني في الصوم من ضمن المساكين.

الحنابلة قالوا: يعطي كل مسكين مداً من قمح، والمد: هو رطل وثلث بالعراقي، والرطل العراقي مائة وثمانية، وعشرون درهماً، أو نصف صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط، وهو اللبن المجمد، ولا يجزئ إخراجها من غير هذه الأصناف مع القدرة؛ والصاع أربعة أمداد، ومقدار الصاع بالكيل المصري قد حان، ويجوز إخراجها من دقيق القمح والشعير أو سويقهما، وهو ما يحمص ثم يطحن، إذا كان بقدر حبة في الوزن لا في الكيل، ولو لم يكن منخولاص، كما يجزئ إخراج الحب بلا تنقية، ولا يجزئ في الكفارة إطعام الفقراء خبزاً، أو إعطاؤهم حباً معيباً، كالقمح المسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه، ويجب أن لا يكون في الفقراء الذين يطعمهم في الكفارة من هو أصل أو فرع له، كأمه وولده، ولو لم يجب عليه نفقتهما، ولا من تلزمه نفقته، كزوجته وأخته التي لا يعود لها غيره، سواء كان هو المكفر عن نفسه، أو كفر عنه غيره).

وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام التي حصل فيها ما يقتضي الكفارة، عند الشافعية، والمالكية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط

(الحنفية قالوا: لا تتعدد الكفارة بتعدد ما يقتضيها مطلقاً، سواء كان التعدد في يوم واحد، أو في أيام متعددة، وسواء كان في رمضان واحد، أو في متعدد من سنين مختلفة، إلا أنه لو فعل ما يوجب الكفارة ثم كفر عنه ثم فعل ما يوجبها ثانياً، فإن كان هذا التكرار في يوم واحد كفت كفارة واحدة، وإن كان التكرار في أيام مختلفة عما بعد الأول الذي كفر عنه بكفارة جديدة، وظاهر الرواية يقتضي التفصيل، وهو إن وجبت بسبب الجماع تتعدد، وإلا فلا تتعدد.
الحنابلة قالوا: إذا تعدد المقتضى الكفارة في يوم واحد، فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية للموجب الذي وقع بعده، وإن لم يكفر عن السابق كفته كفارة واحد عن الجميع)، أما إذا تعدد المتقضى في اليوم الواحد فلا تتعدد، ولو حصل الموجب الثاني بعد أداء الكفارة عن الأول، فلو وطئ في اليوم الواحد عدة مرات فعليه كفارة واحدة، ولو كفر بالعتق أو الإطعام عقب الوطء الأول، فلا يلزمه شيء لما بعده، وإن كان آثماً لعدم الإمساك الواجب، فإن عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته إلى الميسرة، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنابلة قالوا: إذا عجز في وقت وجوبها عن جميع أنواعها سقطت عنه ولو أيسر بعد ذلك).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية