الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب أدب الطعام في الأحاديث النبوية

كتاب أدب الطعام في الأحاديث النبوية

كتاب أدب الطعام من الأحاديث النبوية
رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام النووي

محتويات

77- باب الغضب إِذَا انتهكت حرمات الشّرع
والانتصار لدين الله تعالى

قَالَ الله تَعَالَى :  وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ  [ الحج : 30 ] ، وقال تَعَالَى :  إنْ تَنْصُرُوْا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  [ محمد : 7 ] .
وفي الباب حديث عائشة السابق في باب العفو( ) .
648- وعن أَبي مسعود عقبة بن عمرو البدري  ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ  ، فَقَالَ : إنِّي لأَتَأخَّرُ عَن صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا ! فَمَا رَأيْتُ النَّبيَّ  غَضِبَ في مَوْعِظَةٍ قَطُّ أشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئذٍ ؛ فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأيُّكُمْ أمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ ؛ فَإنَّ مِنْ وَرَائِهِ الكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَذَا الحَاجَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
649- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَدِمَ رسولُ الله  مِنْ سَفرٍ ، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رسول الله  هتكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجهُهُ ، وقال : (( يَا عائِشَةُ ، أشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بخَلْقِ اللهِ ! )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( السَّهْوَةُ )) : كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ يدي البيت . وَ(( القِرام )) بكسر القاف : سِتر رقيق ، وَ(( هَتَكَه )) : أفْسَدَ الصُّورَةَ الَّتي فِيهِ .
650- وعنها : أن قرَيشاً أهَمَّهُمْ شَأنُ المَرأَةِ المخزومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ ، فقالوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رسول الله  ؟ فقالوا : مَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبُّ رسول الله  ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رسول الله  : (( أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله تَعَالَى ؟! )) ثُمَّ قامَ فَاخْتَطَبَ ، ثُمَّ قَالَ : (( إنَّمَا أهْلَك مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ الله ، لَوْ أَنَّ فَاطمَةَ بِنْتَ مُحمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .

651- وعن أنس  : أنَّ النبيَّ  رَأى نُخَامَةً في القبلَةِ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ في وَجْهِهِ ؛ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ : (( إن أحدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ ، وَإنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبيْنَ القِبلْةِ ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ أحَدُكُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ )) ثُمَّ أخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ، فَقَالَ : (( أَوْ يَفْعَلُ هكذا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَالأمرُ بالبُصَاقِ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ هُوَ فِيما إِذَا كَانَ في غَيْرِ المسجِدِ ، فَأمَّا في المسجدِ فَلاَ يَبصُقُ إِلاَّ في ثَوْبِهِ .

78- باب أمر وُلاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم

قَالَ الله تَعَالَى :  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  [ الشعراء : 215 ] ، وقال تَعَالَى :  إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  [ النحل : 90 ] .
652- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ : الإمَامُ رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مال سيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
653- وعن أَبي يعلى مَعْقِل بن يَسارٍ  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة )) متفقٌ عليه .
وفي رواية : (( فَلَمْ يَحُطْهَا بِنُصْحِهِ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّة )) .
وفي رواية لمسلم : (( مَا مِنْ أميرٍ يلي أمور المُسْلِمينَ ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ ، إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ )) .

654- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول في بيتي هَذَا : (( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارفُقْ بِهِ )) رواه مسلم .
655- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( كَانَتْ بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُم الأَنبِيَاء ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ ، وَإنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي ، وَسَيكُونُ بَعْدِي خُلفَاءُ فَيَكثرُونَ )) ، قالوا : يَا رسول الله ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : (( أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّل فَالأَوَّل ، ثُمَّ أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ ، وَاسْأَلُوا الله الَّذِي لَكُمْ ، فَإنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ )) متفقٌ عليه .
656- وعن عائِذ بن عمرو  : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُبَيْد اللهِ بن زيادٍ ، فَقَالَ لَهُ : أيْ بُنَيَّ ، إنِّي سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( إنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ )) فإيَاكَ أن تَكُونَ مِنْهُمْ . متفقٌ عَلَيْهِ .
657- وعن أَبي مريم الأزدِيِّ  : أنّه قَالَ لِمعاوية  : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( مَنْ وَلاَّهُ اللهُ شَيْئاً مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ ، فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ ، احْتَجَبَ اللهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) فجعل معاوية رجلاً عَلَى حوائج النَّاسِ . رواه أَبُو داود والترمذي .

79- باب الوالي العادل

قَالَ الله تَعَالَى :  إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ  [ النحل : 90 ] الآية ، وقال تَعَالَى :  وَأَقْسِطُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  [ الحجرات : 9 ] .
658- وعن أَبي هريرة  ، عن النبيِّ  ، قَالَ : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إِمَامٌ عادِلٌ ، وَشَابٌ نَشَأ في عِبادة الله تَعَالَى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللهِ اجتَمَعَا عَلَيْهِ ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ ، فَقَالَ : إنّي أخافُ اللهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
659- وعن عبدِ اللهِ بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله  : (( إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ : الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيْهِم وَمَا وَلُوْا )) رواه مسلم .
660- وعن عوفِ بن مَالِكٍ  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله  ، يقول : (( خِيَارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ . وشِرَارُ أئِمَّتِكُم الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ! )) ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رسول اللهِ ، أفَلاَ نُنَابِذُهُم ؟ قَالَ : (( لاَ ، مَا أقَامُوا فِيْكُمُ الصَّلاَةَ . لاَ ، مَا أقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ )) رواه مسلم .
قَوْله : (( تصلّون عَلَيْهِمْ )) : تدعون لَهُمْ .
661- وعن عِياضِ بن حِمارٍ  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله  ، يقول : (( أهلُ الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ : ذُو سُلطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ ، وَرَجُلٌ رَحيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لكُلِّ ذي قُرْبَى ومُسْلِمٍ ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيالٍ )) رواه مسلم .

80- باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية

قَالَ الله تَعَالَى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ  [ النساء : 59 ] .
662- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبيِّ  ، قَالَ : (( عَلَى المَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيمَا أحَبَّ وكَرِهَ ، إِلاَّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيةٍ ، فَإذَا أُمِرَ بِمَعْصِيةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
663- وعنه ، قَالَ : كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رسولَ الله  عَلَى السَّمعِ والطَّاعَةِ ، يَقُولُ لَنَا : (( فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
664- وعنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : (( وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُفَارِقٌ لِلجَمَاعَةِ ، فَإنَّهُ يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) .
(( المِيتَةُ )) بكسر الميم .
665- وعن أنسٍ  ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله  : (( اسْمَعُوا وأطِيعُوا ، وَإنِ استُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشيٌّ ، كأنَّ رأْسَهُ زَبيبةٌ )) رواه البخاري .

666- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( عَلَيْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ في عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ ، وَأثَرَةٍ عَلَيْكَ )) رواه مسلم .
667- وعن عبدِ اللهِ بن عمرو رضي الله عنهما ، قَالَ : كنا مَعَ رسول الله  في سَفَرٍ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً ، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءهُ ، وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ ، إذْ نَادَى مُنَادِي رسولِ الله  : الصَّلاةَ جَامِعَةً ( ). فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رسولِ الله  ، فَقَالَ : (( إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُم شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ . وَإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أوَّلِهَا ، وَسَيُصيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتنَةٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، وَتَجِيءُ الفتنَةُ فَيقُولُ المُؤْمِنُ : هذه مُهلكتي ، ثُمَّ تنكشفُ ، وتجيء الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ : هذِهِ هذِهِ . فَمَنْ أحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، ويُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأتِهِ منيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ، وَلْيَأتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إِلَيْهِ. وَمَنْ بَايَعَ إمَاماً فَأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إن استَطَاعَ ، فإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنْقَ الآخَرِ )) رواه مسلم .
قَوْله : (( يَنْتَضِلُ )) أيْ : يُسَابِقُ بالرَّمْي بالنَّبل والنُّشَّاب . وَ(( الجَشَرُ )) : بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراء ، وهي : الدَّوابُّ الَّتي تَرْعَى وَتَبِيتُ مَكَانَهَا . وَقَوْلُه : (( يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً )) أيْ : يُصَيِّرُ بَعْضُهَا بَعْضَاً رقيقاً : أيْ خَفِيفاً لِعِظَمِ مَا بَعْدَهُ ، فالثَّانِي يُرَقّقُ الأَوَّلَ . وقيل مَعنَاهُ يُشَوِّقُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بتحسينهَا وَتَسويلِهَا ، وقيل : يُشبِهُ بَعْضُها بَعضاً .

668- وعن أَبي هُنَيْدَةَ وَائِلِ بن حُجرٍ  ، قَالَ : سَألَ سَلَمَةُ بن يَزيدَ الجُعفِيُّ رسولَ الله  ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ الله ، أرأيتَ إنْ قامَت عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسألُونَا حَقَّهُم ، وَيمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأعْرَضَ عنه ، ثُمَّ سَألَهُ ، فَقَالَ رسولُ الله  : (( اسْمَعْوا وَأَطِيعُوا ، فإنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا حملْتُمْ )) رواه مسلم .
669- وعن عبد الله بن مسعود  ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله  : (( إنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أثَرَةٌ( ) وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ! )) قالوا : يَا رسول الله ، كَيْفَ تَأمُرُ مَنْ أدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ ؟ قَالَ : (( تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
670- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ اللهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أطَاعَنِي ، وَمَنْ يَعصِ الأميرَ فَقَدْ عَصَانِي )) متفقٌ عَلَيْهِ .
671- وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما : أن رسول الله  ، قَالَ : (( مَنْ كَره مِنْ أمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ ، فَإنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبْراً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
672- وعن أَبي بكرة  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( مَنْ أهانَ السُّلطَانَ أَهَانَهُ الله )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح . وَقَدْ سبق بعضها في أبواب .

81- باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لَمْ يتعين عليه أَوْ تَدْعُ حاجة إِلَيْهِ


قَالَ الله تَعَالَى :  تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُريدُونَ عُلوّاً في الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ  [ القصص : 83 ] .
673- وعن أَبي سعيدٍ عبدِ الرحمانِ بن سَمُرَة  ، قَالَ : قَالَ لي رسول الله  : (( يَا عَبْدَ الرَّحمان بن سَمُرَةَ ، لاَ تَسْأَلِ الإمَارَةَ ؛ فَإنّكَ إن أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا ، وَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا ، فَأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
674- وعن أَبي ذرٍّ  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( يَا أَبَا ذَرٍّ ، إنِّي أرَاكَ ضَعِيفاً ، وَإنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي . لاَ تَأمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ )) رواه مسلم .
675- وعنه ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رسول الله ، ألا تَسْتَعْمِلُني ؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبي ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا أَبَا ذَرٍّ ، إنَّكَ ضَعِيفٌ ، وإنّها أمانةٌ ، وَإنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلاَّ مَنْ أخَذَهَا بِحَقِّهَا ، وَأدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا )) رواه مسلم .
676- وعن أَبي هريرة  : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ ، وَسَتَكونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ )) رواه البخاري .

82- باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور عَلَى اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم

قَالَ الله تَعَالَى :  الأَخِلاَّءُ يَوْمَئذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ  [ الزخرف : 67 ] .
677- وعن أَبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما : أنَّ رسولَ الله  ، قَالَ : (( مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ ، وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَليفَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ : بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بالمَعْرُوفِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ ))رواه البخاري .
678- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسولُ الله  : (( إِذَا أرَادَ اللهُ بِالأَمِيرِ خَيْراً ، جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صدقٍ ، إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ ، وَإنْ ذَكَرَ أعَانَهُ ، وَإِذَا أرَادَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ ، إنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ ، وَإنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ )) رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ عَلَى شرط مسلم .

83- باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أَوْ حرص عليها فعرَّض بها


679- عن أَبي موسى الأشعريِّ  ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبيِّ  أنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ، فَقَالَ أحَدُهُمَا : يَا رسول الله ، أمِّرْنَا عَلَى بَعْض مَا ولاَّكَ اللهُ  ، وقال الآخَرُ مِثلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : (( إنَّا وَاللهِ لاَ نُوَلِّي هَذَا العَمَلَ أحَداً سَألَهُ ، أَوْ أحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

1- كتَاب الأدَب

84- باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

680- عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله  مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَار وَهُوَ يَعِظُ أخَاهُ في الحَيَاءِ ، فَقَالَ رسولُ اللهِ  : (( دَعْهُ ، فَإنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
681- وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله  : (( الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية لمسلمٍ : (( الحياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ )) أَوْ قَالَ : (( الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ )) .
682- وعن أَبي هريرة  : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً : فَأفْضَلُهَا قَوْلُ : لاَ إلهَ إِلاَّ الله ، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( البِضْعُ )) بكسر الباءِ ويجوز فتحها : وَهُوَ مِنَ الثَّلاَثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ .
وَ(( الشُّعْبَةُ )) : القِطْعَةُ وَالْخَصْلَةُ . وَ(( الإمَاطَةُ )) : الإزَالَةُ . وَ(( الأَذَى )) : مَا يُؤْذِي كَحَجَرٍ وشوك وَطِينٍ ورماد وَقَذَرٍ وَنَحْو ذَلِكَ .
683- وعن أَبي سعيدٍ الخدري  ، قَالَ : كَانَ رسول الله  أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا ، فَإذَا رَأَى شَيْئاً يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ في وَجْهِه . متفقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ العلماءُ : حَقِيقَةُ الحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ القَبِيحِ ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّ ذِي الحَقِّ . وَرَوَيْنَا عَنْ أَبي القاسم الْجُنَيْدِ رَحِمَهُ اللهُ ، قَالَ : الحَيَاءُ : رُؤيَةُ الآلاءِ – أيْ النِّعَمِ – ورُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ ، فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى حَيَاءً ( ) . وَالله أعلم .

85- بابُ حفظ السِّر

قَالَ الله تَعَالَى:  وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً  [ الإسراء: 34 ].
684- وعن أَبي سعيد الخدري  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( إنَّ مِنْ أشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )) رواه مسلم .
685- وعن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما : أنَّ عمرَ  حِيْنَ تأيَّمَتْ بِنْتُهُ حَفْصَةُ ، قَالَ : لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ  ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ : إنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ؟ قَالَ : سأنْظُرُ فِي أمْرِي . فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي ، فَقَالَ : قَدْ بَدَا لِي أنْ لاَ أتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا . فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ  ، فقلتُ : إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ ، فَصَمتَ أَبُو بَكْرٍ  ، فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئاً ! فَكُنْتُ عَلَيْهِ أوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثَ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا النَّبيُّ  ، فَأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ . فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِيْنَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئاً ؟ فقلتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إِلَيْك فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلاَّ أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ النبيَّ  ذَكَرَهَا ، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسول الله  ، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبيُّ  لَقَبِلْتُهَا . رواه البخاري .
(( تَأَيَّمَتْ )) أيْ : صَارَتْ بِلاَ زَوْجٍ ، وَكَانَ زَوْجُهَا تُوُفِّيَ  . (( وَجَدْتَ )) : غَضِبْتَ .

686- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كُنَّ أزْوَاجُ النَّبيِّ  عِنْدَهُ ، فَأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي ، مَا تُخْطِئُ مِشيتُها مِنْ مشْيَةِ رسول الله  شَيْئاً ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا ، وقال : (( مَرْحَباً بابْنَتِي )) ، ثُمَّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكتْ بُكَاءً شَديداً ، فَلَمَّا رَأى جَزَعَهَا ، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ ، فقلتُ لَهَا : خَصَّكِ رسولُ الله  مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بالسِّرَارِ ، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ ! فَلَمَّا قَامَ رسولُ الله  سَألْتُهَا : مَا قَالَ لَكِ رسولُ الله  ؟ قالت : مَا كُنْتُ لأُفْشِي عَلَى رسول الله  سِرَّهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رسول الله  قُلْتُ : عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ ، لَمَا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رسول الله  ؟ فقالتْ : أمَّا الآن فَنَعَمْ ، أمَّا حِيْنَ سَارَّنِي في المَرَّةِ الأُولَى فأخْبَرَنِي أنّ جِبْريلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ، وَأنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ ، وَإنِّي لا أُرَى الأجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي ، فَإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ ، فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأيْتِ ، فَلَمَّا رَأى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ : (( يَا فَاطِمَةُ ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤُمِنِينَ ، أَوْ سَيَّدَةَ نِساءِ هذِهِ الأُمَّةِ ؟ )) فَضَحِكتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأيْتِ . متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ مسلم .

687- وعن ثَابِتٍ ، عن أنس  ، قَالَ : أتَى عَلَيَّ رسول الله  وَأنَا ألْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ ، فَسَلمَ عَلَيْنَا ، فَبَعَثَني إِلَى حاجَةٍ ، فَأبْطَأتُ عَلَى أُمِّي . فَلَمَّا جِئْتُ ، قالت : مَا حَبَسَكَ ؟ فقلتُ : بَعَثَني رسولُ الله  لِحَاجَةٍ ، قالت : مَا حَاجَتُهُ ؟ قُلْتُ : إنَّهاَ سرٌّ . قالت : لا تُخْبِرَنَّ بِسرِّ رسول الله  أحَداً ، قَالَ أنَسٌ : وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أحَداً لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ . رواه مسلم وروى البخاري بعضه مختصراً .

86- باب الوفاء بالعهد وَإنجاز الوَعد

قَالَ الله تَعَالَى:  وَأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً  [ الإسراء: 34 ]، وقال تَعَالَى :  وَأوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ  [ النحل : 91 ] ، وقال تَعَالَى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بِالْعُقُودِ  [ المائدة : 1 ] ، وقال تَعَالَى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ  [ الصف : 2-3 ] .
688- وعن أَبي هريرة  : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
زَادَ في روايةٍ لمسلم : (( وإنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ )) .
689- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

690- وعن جابر  ، قَالَ : قَالَ لي النبيُّ  : (( لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أعْطَيْتُكَ هكَذَا وَهَكَذَا وَهكَذَا )) فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَينِ حَتَّى قُبِضَ النَّبيُّ  ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أمَرَ أَبُو بَكْرٍ  فَنَادَى : مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رسول الله  عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأتِنَا ، فَأتَيْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ : إنَّ النَّبيَّ  قَالَ لي كَذَا وَكَذَا ، فَحَثَى لي حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا ، فَإذَا هِيَ خَمْسُمِئَةٍ ، فَقَالَ لِي : خُذْ مِثْلَيْهَا . متفقٌ عَلَيْهِ .

87- باب المحافظة عَلَى مَا اعتاده من الخير

قَالَ الله تَعَالَى :  إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ 
[ الرعد : 11 ] ، وقال تَعَالَى :  وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكَاثاً  [ النحل : 92 ] .
وَ(( الأنْكَاثُ )) : جَمْعُ نِكْثٍ ، وَهُوَ الْغَزْلُ المَنْقُوضُ .
وقال تَعَالَى :  وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ  [ الحديد : 16 ] ، وقال تَعَالَى :  فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا  [ الحديد : 27 ] .
691- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ لي رسول الله  : (( يَا عبْدَ الله ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

88- باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوَجه عند اللقاء

قَالَ الله تَعَالَى :  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنينَ  [ الحجر : 88 ] ، وقال تَعَالَى :  وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ  [ آل عمران : 159 ] .
692- وعن عدي بن حاتمٍ  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
693- وعن أَبي هريرة  : أنَّ النبيَّ  ، قَالَ : (( وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ بعض حديث تقدم بطولِه .
694- وعن أَبي ذَرٍّ  ، قَالَ : قَالَ لي رسول الله  : (( لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً ، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخَاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ )) رواه مسلم .

89- باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لَمْ يفهم إِلا بذلك

695- عن أنسٍ  : أنَّ النَّبيَّ  كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةً أعَادَهَا ثَلاَثاً حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ ، وَإِذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً . رواه البخاري .
696- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ كَلاَمُ رسول الله  كَلاماً فَصْلاً يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُهُ . رواه أَبُو داود .

90- باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه

697- عن جرير بن عبدِ اللهِ  ، قَالَ : قَالَ لي رسول الله  في حَجَّةِ الْوَدَاعِ : (( اسْتَنْصِتِ النَّاسَ )) ثُمَّ قَالَ : (( لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

91- بابُ الوَعظ والاقتصاد فِيهِ

قَالَ الله تَعَالَى :  ادْعُ إِلَى سَبيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ  [ النحل: 125] .
698- وعن أَبي وائلٍ شقيقِ بن سَلَمَةَ ، قَالَ : كَانَ ابنُ مَسْعُودٍ  يُذَكِّرُنَا في كُلِّ خَمِيسٍ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ ، لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ
يَوْمٍ ، فَقَالَ : أمَا إنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أنَّي أكْرَهُ أنْ أُمِلَّكُمْ ، وَإنِّي أتَخَوَّلُكُمْ
بِالْمَوْعِظَةِ ، كَمَا كَانَ رسول الله  يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( يَتَخَوَّلُنَا )) : يَتَعَهَّدُنَا .
699- وعن أَبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقههِ ، فأطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأقْصِرُوا الْخُطْبَةَ )) رواه مسلم .
(( مَئِنَّةٌ )) بميم مفتوحة ثُمَّ همزة مكسورة ثُمَّ نون مشددة ، أيْ : عَلاَمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى فِقْهِهِ .

700- وعن مُعاوِيَة بن الحكم السُّلَمي  ، قَالَ : بَيْنَا أنَا أُصَلّي مَعَ
رسول الله  ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، فَرَمَانِي القَوْمُ
بِأبْصَارِهِمْ ! فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ ، مَا شَأنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأيديهم عَلَى أفْخَاذِهِمْ ! فَلَمَّا رَأيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لكِنّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلّى رسول الله  ، فَبِأبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأيْتُ مُعَلِّماً قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيماً مِنْهُ ، فَوَاللهِ مَا كَهَرَني ، وَلاَ ضَرَبَنِي ، وَلاَ شَتَمَنِي . قَالَ : (( إنَّ هذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ ، وَقِراءةُ القُرْآنِ )) ، أَوْ كَمَا قَالَ رسول الله  . قلتُ : يَا رسول الله ، إنّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالإسْلاَمِ ، وَإنَّ مِنّا رِجَالاً يَأتُونَ الْكُهّانَ ؟ قَالَ : (( فَلاَ تَأتِهِمْ )) قُلْتُ : وَمِنّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ ؟ قَالَ : (( ذَاكَ شَيْء يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ )) رواه مسلم .
(( الثُكْلُ )) بضم الثاءِ المُثلثة : المُصيبَةُ وَالفَجِيعَةُ . (( مَا كَهَرَنِي )) أيْ : مَا نَهَرَنِي .

701- وعن العِرْباض بن ساريَةَ  ، قَالَ : وَعَظَنَا رسول الله  مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ ... وَذَكَرَ الحَدِيثَ وَقَدْ سَبَقَ بِكَمَالِهِ في باب الأمْر بِالمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَّة ، وَذَكَرْنَا أنَّ التَّرْمِذِيَّ ، قَالَ : (( إنّه حديث حسن صحيح )) .

92- باب الوقار والسكينة

قَالَ الله تَعَالَى :  وَعِبَادُ الرَّحْمانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمَاً  [ الفرقان : 63 ] .
702- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : مَا رَأيْتُ رسول الله  مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً حَتَّى تُرَى مِنهُ لَهَوَاتُهُ ، إنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( اللَّهْوَاتُ )) جَمْعُ لَهَاةٍ : وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتي في أقْصى سَقْفِ الْفَمِ .

93- باب الندب إِلَى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

قَالَ الله تَعَالَى :  وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ  [ الحج : 32 ] .
703- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ ، فَلاَ تَأتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَونَ ، وَأتُوهَا وَأنْتُمْ تَمْشُونَ ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ ، فَمَا أدْرَكْتُم فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتكُمْ فَأَتِمُّوا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
زاد مسلِمٌ في روايةٍ لَهُ : (( فَإنَّ أحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ فَهُوَ في صَلاَةٍ )) .
704- وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبيِّ  يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النبيُّ  وَرَاءهُ زَجْراً شَديداً وَضَرْباً وَصَوْتاً للإِبْلِ ، فَأشَارَ بِسَوْطِهِ إلَيْهِمْ ، وقال : (( يَا أيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ ، فَإنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بالإيضَاعِ )) رواه البخاري ، وروى مسلم بعضه .
(( الْبِرُّ )) : الطَّاعَةُ . وَ(( الإيضَاعُ )) بِضادٍ معجمةٍ قبلها ياءٌ وهمزةٌ مكسورةٌ ، وَهُوَ : الإسْرَاعُ .

94- باب إكرام الضيف

قَالَ الله تَعَالَى :  هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمَاً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ ألاَ تَأكُلُونَ  [ الذاريات : 24-27 ] ، وقال تَعَالَى :  وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ في ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ  [ هود : 78 ] .
705- وعن أَبي هريرة  : أنَّ النبيَّ  ، قَالَ : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
706- وعن أَبي شُرَيْح خُوَيْلِدِ بن عَمرو الخُزَاعِيِّ  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول: (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ ))
قالوا : وَمَا جَائِزَتُهُ ؟ يَا رسول الله ، قَالَ : (( يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أيَّامٍ ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية لِمسلمٍ : (( لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يُقِيمَ عِنْدَ أخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ )) قالوا : يَا رسول الله ، وَكيْفَ يُؤْثِمُهُ ؟ قَالَ : (( يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلاَ شَيْءَ لَهُ يُقْرِيه بِهِ )) .

95- باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

قَالَ الله تَعَالَى :  فَبَشَّرْ عبادِ الذينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فيتَّبِعُونَ أَحْسَنهُ 
[ الزمر : 17-18 ] ، وقال تَعَالَى :  يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ  [ التوبة : 21 ] ، وقال تَعَالَى :  وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنْتُم تُوعَدُونَ  [ فصلت : 30 ] ، وقال تَعَالَى :  فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ  [ الصافات : 101 ] ، وقال تَعَالَى :  وَلَقدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبْراهِيمَ بِالبُشْرَى  [ هود : 69 ] ، وقال تَعَالَى :  وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ  [ هود : 71 ] ، وقال تَعَالَى :  فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي في المِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى  [ آل عمران : 39 ] ، وقال تَعَالَى :  إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمسِيحُ 
[ آل عمران : 45 ] الآية ، والآيات في الباب كثيرة معلومة .
وأما الأحاديث فكثيرةٌ جِدّاً وهي مشهورة في الصحيح ، مِنْهَا :
707- عن أَبي إبراهيم ، ويقال : أَبُو محمد ، ويقال : أَبُو معاوية عبد اللهِ بن أَبي أوفى رضي الله عنهما : أنّ رسول الله  بَشَّرَ خَدِيجَةَ رضي اللهُ عنها ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لاَ صَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( القَصَبُ )) : هُنَا اللُّؤْلُؤُ الْمُجَوَّفُ . وَ(( الصَّخَبُ )) : الصِّياحُ وَاللَّغَطُ .
وَ(( النَّصَبُ )) : التَّعَبُ .

708- وعن أَبي موسى الأشعري  : أَنَّهُ تَوَضَّأ في بَيْتِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ : لأَلْزَمَنَّ رسول الله  ، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا ، فَجَاءَ الْمَسْجِدَ ، فَسَألَ عَنِ النَّبيِّ ، فَقَالُوا وجَّهَ هاهُنَا، قَالَ : فَخَرَجْتُ عَلَى أثَرِهِ أسْألُ عَنْهُ ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أريسٍ، فَجَلَسْتُ عِندَ البَابِ حتَّى قضى رسول الله  حاجتهُ وتوضأ ، فقمتُ إليهِ ، فإذا هو قد جلسَ على بئرِ أريسٍ وتوَسَّطَ قُفَّهَا ، وكشَفَ عنْ ساقيهِ ودلاّهُما في البئرِ ، فسلمتُ عَليهِ ثمَّ انصَرَفتُ ، فجلستُ عِندَ البابِ ، فَقُلْتُ : لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رسولِ اللهِ  الْيَوْمَ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ  فَدَفَعَ الْبَابَ ، فقلتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : أَبُو بَكْرٍ ، فقُلتُ : عَلَى رِسْلِكَ ، ثُمَّ ذَهبْتُ ، فقلتُ : يَا رسول الله ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَستَأْذِنُ ، فَقَالَ : (( ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ )) فَأقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبي بَكْرٍ : ادْخُلْ وَرسول الله  يُبَشِّرُكَ بِالجَنَّةِ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكرٍ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَمينِ النَّبيِّ  مَعَهُ في القُفِّ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئْرِ كَمَا صَنَعَ رسول الله  ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَجَلَسْتُ ، وَقَدْ تَرَكْتُ أخِي يَتَوَضَّأ وَيَلْحَقُنِي ، فقلتُ : إنْ يُرِدِ الله بِفُلانٍ – يُريدُ أخَاهُ – خَيْراً يَأتِ بِهِ . فَإذَا إنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَاب ، فقلتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : عُمَرُ بن الخَطّابِ ، فقلتُ : عَلَى رِسْلِكَ ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رسول الله  ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ : هَذَا عُمَرُ يَسْتَأذِنُ ؟ فَقَالَ : (( ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ )) فَجِئْتُ عُمَرَ ، فقلتُ : أَذِنَ وَيُبَشِّرُكَ رسول الله  بِالجَنَّةِ ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رسول الله  في القُفِّ عَنْ يَسَارِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئرِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ ، فَقُلتُ : إنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلاَنٍ خَيْراً – يَعْنِي أخَاهُ – يَأْتِ بِهِ ، فَجَاءَ إنْسَانٌ فَحَرَّكَ الْبَابَ . فَقُلتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : عُثْمَانُ بن عَفَّانَ . فقلتُ : عَلَى رِسْلِكَ ، وجِئْتُ النَّبيَّ  فأخْبَرْتُهُ ، فقالَ : (( ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ )) فَجِئْتُ ، فقلتُ : ادْخُلْ وَيُبَشِّرُكَ رسولُ الله  بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصيبُكَ ، فَدَخَلَ فَوجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ ، فجلس وِجَاهَهُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخرِ . قَالَ سَعيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : فَأوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ . متفقٌ عَلَيْهِ .
وزاد في رواية : وأمرني رسولُ الله  بحفظِ الباب . وَفيها : أنَّ عُثْمانَ حِيْنَ بَشَّرَهُ حَمِدَ اللهَ تَعَالَى ، ثُمَّ قَالَ : اللهُ المُسْتَعانُ .
وَقَوْلُه : (( وَجَّهَ )) بفتحِ الواوِ وتشديد الجيمِ . أيْ : تَوَجَّهَ . وَقَوْلُه : (( بِئْر أَرِيْسٍ )) هُوَ بفتح الهمزة وكسرِ الراءِ وبعدها ياءٌ مثناة من تحت ساكِنة ثُمَّ سِين مهملة وَهُوَ مصروف ومنهم من منع صرفه ، وَ(( القُفُّ )) بضم القاف وتشديد الفاءِ : وَهُوَ المبنيُّ حول البئر . وَقَوْلُه : (( عَلَى رِسْلِك )) بكسر الراء عَلَى المشهور ، وقيل : بفتحِهَا ، أيْ : ارفق .

709- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رسولِ الله  ، وَمَعَنَا أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما في نَفَرٍ ، فَقَامَ رسولُ الله  مِنْ بَيْنِ أظْهُرِنَا فَأبْطَأ عَلَيْنَا ، وَخَشِينَا أنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ، فَخَرَجْتُ أبْتَغِي رسولَ الله  ، حَتَّى أتَيْتُ حَائِطاً للأنصَارِ لِبَني النَّجَارِ ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أجِدُ لَهُ بَاباً ؟ فَلَمْ أجِدْ ! فَإذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ في جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ – وَالرَّبِيعُ : الجَدْوَلُ الصَّغِيرُ – فَاحْتَفَرْتُ ، فَدَخَلْتُ عَلَى رسول الله ، فَقَالَ: (( أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ )) فقلتُ : نَعَمْ ، يَا رسول اللهِ ، قَالَ : (( مَا شأنُكَ ؟ )) قُلْتُ : كُنْتَ بَيْنَ أظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأبْطَأتَ عَلَيْنَا ، فَخَشِينَا أنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا ، ففزعنا ، فَكُنْتُ أوّلَ مَنْ فَزِعَ ، فَأتَيْتُ هَذَا الحَائِطَ ، فَاحْتَفَرْتُ كَمَا يَحْتَفِرُ الثَّعْلَبُ ، وهؤلاء النَّاسُ وَرَائِي . فَقَالَ : (( يَا أَبَا هُرَيرَةَ )) وَأعْطَانِي نَعْلَيْهِ ، فَقَالَ : (( اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ الله مُسْتَيْقِنَاً بِهَا قَلْبُهُ ، فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ ... )) وَذَكَرَ الحديثَ بطوله ، رواه مسلم .
(( الرَّبِيعُ )) : النَّهْرُ الصَّغَيرُ ، وَهُوَ الجَدْوَلُ – بفتح الجيمِ – كَمَا فَسَّرَهُ في الحديث . وَقَوْلُه : (( احْتَفَرْتُ )) روِي بالراء وبالزاي ، ومعناه بالزاي : تَضَامَمْتُ وتَصَاغَرْتُ حَتَّى أمْكَنَنِي الدُّخُولُ .

710- وعن ابن شِمَاسَة ، قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بنَ العَاصِ  وَهُوَ في سِيَاقَةِ الْمَوْتِ ، فَبَكَى طَوِيلاً ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الجِدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ ، يَقُولُ : يَا أبَتَاهُ ، أمَا بَشَّرَكَ رسولُ الله  بكَذَا ؟ أمَا بَشَّرَكَ رسولُ الله  بِكَذَا ؟ فَأقْبَلَ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : إنَّ أفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ الله ، وَأنَّ مُحَمَّداً رسول اللهِ ، إنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أطْبَاقٍ ثَلاَثٍ : لَقَدْ رَأيْتُنِي وَمَا أحَدٌ أشَدُّ بُغضاً لرسولِ الله  مِنِّي ، وَلاَ أحَبَّ إليَّ مِنْ أنْ أكُونَ قدِ اسْتَمكنتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُه ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تلكَ الحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أهْلِ النَّارِ ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإسلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ  ، فقُلْتُ : ابسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعُك ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي ، فَقَالَ : (( مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ )) قلتُ: أردتُ أنْ أشْتَرِطَ ، قَالَ : (( تَشْتَرِط مَاذا ؟ )) قُلْتُ : أنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : (( أمَا عَلِمْتَ أن الإسلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأن الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا ، وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ )) وَمَا كَانَ أحدٌ أحَبَّ إليَّ مِنْ رَسُولِ الله  ، وَلاَ أجَلَّ في عَيني مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطيقُ أن أملأ عَيني مِنْهُ ؛ إجلالاً لَهُ ، ولو سئلت أن أصفه مَا أطقت ، لأني لَمْ أكن أملأ عيني مِنْهُ ، ولو مُتُّ عَلَى تِلْكَ الحالِ لَرجَوْتُ أن أكُونَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ، ثُمَّ وَلِينَا أشْيَاءَ مَا أدْرِي مَا حَالِي فِيهَا ؟ فَإذَا أنَا مُتُّ فَلاَ تَصحَبَنِّي نَائِحَةٌ وَلاَ نَارٌ ، فَإذا دَفَنْتُمُونِي ، فَشُنُّوا عَليَّ التُّرابَ شَنّاً ، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزورٌ ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأنِسَ بِكُمْ ، وَأنْظُرَ مَا أُرَاجعُ بِهِ رسُلَ رَبّي . رواه مسلم .
قَوْله : (( شُنُّوا )) رُوِي بالشّين المعجمة والمهملةِ ، أيْ : صُبُّوه قَليلاً قَليلاً ، والله سبحانه أعلم .

96- باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه للسفر وغيره والدعاء لَهُ وطلب الدعاء مِنْهُ

قَالَ الله تَعَالَى :  وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إذْ قَالَ لِبَنيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إلهَكَ وَإلهَ آبَائِكَ إبْراهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحاقَ إلهَاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  [ البقرة : 132-133 ] .
وأما الأحاديث فمنها :
711- حديث زيد بن أرقم  – الَّذِي سبق في بَابِ إكرام أهْلِ بَيْتِ رسول الله  - قَالَ : قَامَ رسول الله  فِينَا خَطِيباً ، فَحَمِدَ الله ، وَأثْنَى عَلَيْهِ ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ، ثُمَّ قَالَ : (( أمَّا بَعْدُ ، ألاَ أيُّهَا النَّاسُ ، إنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يَأتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ ، وَأنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ ، أوَّلَهُمَا : كِتَابُ اللهِ ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ )) ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ ، وَرَغَّبَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( وَأَهْلُ بَيْتِي ، أذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي )) رواه مسلم ، وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ .

712- وعن أَبي سليمان مالِك بن الحُوَيْرِثِ ، قَالَ : أَتَيْنَا رسولَ الله  ، وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رسولُ الله  رَحِيماً رَفيقاً ، فَظَنَّ أنّا قد اشْتَقْنَا أهْلَنَا ، فَسَألَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا مِنْ أهْلِنَا ، فَأخْبَرْنَاهُ ، فَقَالَ : (( ارْجِعُوا إِلَى أهْلِيكُمْ ، فَأقِيمُوا فِيهمْ ، وَعَلِّمُوهُم وَمُرُوهُمْ ، وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِيْنِ كَذَا ، وَصَلُّوا كَذَا في حِيْنِ كَذَا ، فَإذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أكْبَرُكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
زاد البخاري في رواية لَهُ : (( وَصَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي )) .
وَقَوْلُه : (( رحِيماً رَفِيقاً )) رُوِيَ بِفاءٍ وقافٍ ، وَرُوِيَ بقافينِ .
713- وعن عمرَ بن الخطاب  ، قَالَ : اسْتأذَنْتُ النَّبيَّ  في العُمْرَةِ ، فَأذِنَ ، وقال : (( لاَ تَنْسَانَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ )) فقالَ كَلِمَةً ما يَسُرُّنِي أنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا .
وفي رواية قَالَ : (( أشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ في دُعَائِكَ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .

714- وعن سالم بنِ عبدِ الله بنِ عمر : أنَّ عبدَ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ يَقُولُ للرَّجُلِ إِذَا أرَادَ سَفَراً: ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُوَدِّعَكَ كَمَا كَانَ رسولُ الله  يُوَدِّعُنَا ، فَيَقُولُ : (( أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ ، وَأمَانَتَكَ ، وَخَواتِيمَ عَمَلِكَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
715- وعن عبدِ الله بن يزيدَ الخطْمِيِّ الصحابيِّ  ، قَالَ : كَانَ رسولُ الله  إِذَا أرَادَ أنْ يُوَدِّعَ الجَيشَ ، قَالَ : (( أسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكُمْ ، وَأمَانَتَكُمْ ، وَخَواتِيمَ أعْمَالِكُمْ )) حديث صحيح ، رواه أَبُو داود وغيره بإسناد صحيح .
716- وعن أنسٍ  ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي  ، فَقَالَ : يَا رسولَ الله ، إنّي أُرِيدُ سَفَراً ، فَزَوِّدْنِي ، فَقَالَ : (( زَوَّدَكَ الله التَّقْوَى )) قَالَ : زِدْنِي قَالَ : (( وَغَفَرَ ذَنْبَكَ )) قَالَ : زِدْنِي ، قَالَ : (( وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .

97- باب الاستِخارة والمشاورة

قَالَ الله تَعَالَى :  وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ  [ آل عمران : 159 ] ، وقال الله تَعَالَى :  وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ  [ الشورى : 38 ] أيْ : يَتَشَاوَرُونَ بَيْنَهُمْ فِيهِ .
717- وعن جابر  ، قَالَ : كَانَ رسولُ الله  يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ ، يَقُولُ : (( إِذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بِالأمْرِ ، فَلْيَركعْ ركْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ، ثُمَّ ليقل : اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيْمِ ، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أعْلَمُ ، وَأنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي )) أَوْ قَالَ : (( عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ ، فاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لِي ، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ . وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي )) أَوْ قَالَ : (( عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ ؛ فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ،
وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثُمَّ أرْضِنِي بِهِ )) قَالَ : (( وَيُسَمِّيْ حَاجَتَهُ )) رواه البخاري .

98- باب استحباب الذهاب إِلَى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها من طريق ، والرجوع من طريق آخر لتكثير مواضع العبادة

718- عن جابر  ، قَالَ: كَانَ النبي  إِذَا كَانَ يومُ عيدٍ خَالَفَ الطَّريقَ .
رواه البخاري .
قَوْله : (( خَالَفَ الطَّريقَ )) يعني : ذَهَبَ في طريقٍ ، وَرَجَعَ في طريقٍ آخَرَ .
719- وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله  كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَريق الشَّجَرَةِ ، وَيَدْخُلُ مِنْ طَريقِ الْمُعَرَّسِ( ) ، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ، دَخَلَ مِن الثَّنِيَّةِ( ) الْعُلْيَا ، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى . متفقٌ عَلَيْهِ .

99- باب استحباب تقديم اليمين في كل مَا هو من باب التكريم

كالوضوءِ وَالغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ ، وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَالنَّعْلِ وَالخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ وَدُخولِ الْمَسْجِدِ ، وَالسِّوَاكِ ، وَالاكْتِحَالِ ، وَتقليم الأظْفار ، وَقَصِّ الشَّارِبِ ، وَنَتْفِ الإبْطِ ، وَحلقِ الرَّأسِ ، وَالسّلامِ مِنَ الصَّلاَةِ ، وَالأكْلِ ، والشُّربِ ، وَالمُصافحَةِ ، وَاسْتِلاَمِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ ، والخروجِ منَ الخلاءِ ، والأخذ والعطاء وغيرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ في معناه . ويُسْتَحَبُّ تَقديمُ اليسارِ في ضدِ ذَلِكَ ، كالامْتِخَاطِ وَالبُصَاقِ عن اليسار ، ودخولِ الخَلاءِ ، والخروج من المَسْجِدِ ، وخَلْعِ الخُفِّ والنَّعْلِ والسراويلِ والثوبِ ، والاسْتِنْجَاءِ وفِعلِ المُسْتَقْذرَاتِ وأشْبَاه ذَلِكَ .
قَالَ الله تَعَالَى :  فَأَمَّا مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ بيَمينِهِ فَيْقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيْه 
[ الحاقة : 19 ] الآيات ، وقَالَ تَعَالَى :  فَأصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أصْحَابُ المَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ المَشْئَمَةِ مَا أصْحَابُ المَشْئَمَةِ  [ الواقعة : 8-9 ]

720- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسولُ الله  يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ في شَأنِهِ كُلِّهِ : في طُهُورِهِ ، وَتَرَجُّلِهِ ، وَتَنَعُّلِهِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
721- وعنها ، قالت : كَانَتْ يَدُ رسول الله  اليُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ ، وَكَانَتِ الْيُسْرَى لِخَلائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أذَىً . حديث صحيح ، رواه أَبُو داود وغيره بإسنادٍ صحيحٍ .
722- وعن أم عطية رضي الله عنها : أنَّ النَّبيَّ  قَالَ لهن في غَسْلِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رضي الله عنها : (( ابْدَأنَ بِمَيَامِنِهَا ، وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
723- وعن أَبي هريرة  : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( إِذَا انْتَعَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدأْ بِالشِّمَالِ . لِتَكُنْ اليُمْنَى أوَّلَهُمَا تُنْعَلُ ، وَآخِرُهُمَا تُنْزَعُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
724- وعن حفصة رضي الله عنها : أنَّ رسول الله  كَانَ يجعل يَمينَهُ لطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ ، وَيَجْعَلُ يَسَارَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ . رواه أَبُو داود والترمذي وغيره .

725- وعن أَبي هُريرة  : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( إِذَا لَبِسْتُمْ ، وَإِذَا تَوَضَّأتُمْ ، فَابْدَأوا بأيَامِنِكُمْ )) حديث صحيح ، رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح .
726- وعن أنس  : أنَّ رسول الله  أتى مِنىً ، فَأتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ، ثُمَّ أتَى مَنْزِلَهُ بِمِنَىً ونحر ، ثُمَّ قَالَ لِلحَلاَّقِ : (( خُذْ )) وأشَارَ إِلَى جَانِبهِ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ الأَيْسَرِ ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ . متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية : لما رمَى الجَمْرَةَ ، وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ ، نَاوَلَ الحَلاَّقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأنْصَارِيَّ  ، فَأعْطَاهُ إيَّاهُ ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ ، فَقَالَ : (( احْلِقْ )) ، فَحَلَقَهُ فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ ، فَقَالَ : (( اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ )) .

2- كتاب أدب الطعام

100- باب التسمية في أوله والحمد في آخره

727- وعن عُمَرَ بنِ أبي سَلمة رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ لي رسول الله  : (( سَمِّ اللهَ ، وَكُلْ بِيَمِينكَ ، وكُلْ مِمَّا يَليكَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
728- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسول الله  : (( إِذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللهِ تَعَالَى، فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى في أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بسم اللهِ أوَّلَهُ وَآخِرَهُ )) رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (( حديث حسن صحيح )).
729- وعن جابرٍ  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقولُ : (( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ ، فَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِهِ ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ لأَصْحَابِهِ : لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ : أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ ؛ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ : أدْرَكْتُم المَبيتَ وَالعَشَاءَ )) رواه مسلم .
730- وعن حُذَيْفَةَ  ، قَالَ : كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ  طَعَاماً ، لَمْ نَضَعْ أيدِينَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ الله  فَيَضَعَ يَدَهُ ، وَإنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَاماً ، فَجَاءتْ جَارِيَةٌ كَأنَّهَا تُدْفَعُ ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا في الطَّعَامِ ، فَأَخَذَ رسولُ الله  بِيَدِهَا ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيّ كأنَّمَا يُدْفَعُ ، فَأخَذَ بِيَدهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : (( إنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسمُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَإنَّهُ جَاءَ بهذِهِ الجارية لِيَسْتَحِلَّ بِهَا ، فأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بهذا الأعرَابيّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ ، فَأخذْتُ بِيَدِهِ ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنَّ يَدَهُ في يَدِي مَعَ يَدَيْهِمَا )) ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى وَأكَلَ. رواه مسلم .

731- وعن أُمَيَّةَ بن مَخْشِيٍّ الصحابيِّ  ، قَالَ : كَانَ رسولُ الله  جَالِسَاً، وَرَجُلٌ يَأكُلُ، فَلَمْ يُسَمِّ اللهَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلاَّ لُقْمَةٌ ، فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ، قَالَ : بِسْمِ اللهِ أوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، فَضَحِكَ النَّبيّ  ، ثُمَّ قَالَ : (( مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأكُلُ مَعَهُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسمَ اللهِ اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ )) رواه أَبُو داود والنسائي .
732- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسولُ الله  يَأكُلُ طَعَاماً في سِتَّةٍ مِنْ أصْحَابِهِ ، فَجَاءَ أعْرَابِيٌّ ، فَأكَلَهُ بلُقْمَتَيْنِ . فَقَالَ رسولُ الله  : (( أما إنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
733- وعن أَبي أُمَامَة : أنَّ النبيَّ  كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ، قَالَ: (( الْحَمْدُ للهِ حَمداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَاركَاً فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ ، وَلاَ مُوَدَّعٍ ، وَلاَ مُسْتَغْنَىً عَنْهُ رَبَّنَا )) رواه البخاري .

734- وعن معاذِ بن أنسٍ  ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ  : (( مَنْ أكَلَ طَعَامَاً، فَقال : الحَمْدُ للهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا، وَرَزَقنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .

101- باب لا يَعيبُ الطّعام واستحباب مَدحه

735- وعن أَبي هُريرة  ، قَالَ : مَا عَابَ رسولُ الله  طَعَامَاً قَطُّ ، إن اشْتَهَاهُ أكَلَهُ ، وَإنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ . متفقٌ عَلَيْهِ .
736- وعن جابر  : أنَّ النَّبيَّ  سَأَلَ أهْلَهُ الأُدْمَ ، فقالوا : مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ ، فَدَعَا بِهِ ، فَجَعَلَ يَأكُلُ ، ويقول : (( نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ ، نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ )) رواه مسلم .

102- باب مَا يقوله من حضر الطعام وهو صائم إِذَا لَمْ يفطر

737- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ )) رواه مسلم.
قَالَ العلماءُ : معنى (( فَلْيُصَلِّ )) : فَلْيَدْعُ ، ومعنى (( فَلْيطْعَمْ )) : فَلْيَأْكُلْ .

103- باب مَا يقوله من دُعي إِلَى طعام فتبعه غيره

738- عن أَبي مسعود البَدْريِّ  ، قَالَ : دعا رَجُلٌ النَّبِيَّ  لِطَعَامٍ صَنعَهُ لَهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ ، فَلَمَّا بَلَغَ البَابَ ، قَالَ النَّبيّ  : (( إنَّ هَذَا تَبِعَنَا ، فَإنْ شِئْتَ أنْ تَأْذَنَ لَهُ ، وَإنْ شِئْتَ رَجَعَ )) قَالَ : بل آذَنُ لَهُ يَا رَسُولَ الله . متفقٌ عَلَيْهِ .

104- باب الأكل مِمَّا يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

739- عن عمر بن أَبي سَلمَة رضي الله عنهما ، قَالَ : كُنْتُ غُلاماً في حِجْرِ رسولِ الله ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لي رسولُ الله  : (( يَا غُلامُ ، سَمِّ اللهَ تَعَالَى ، وَكُلْ بِيَمينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
قَوْله : (( تَطِيشُ )) بكسرِ الطاء وبعدها ياءٌ مثناة من تَحْت ، معناه : تتحرك وتمتد إِلَى نَوَاحِي الصَّحْفَةِ .
740- وعن سلمةَ بن الأَكْوَع  : أنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ الله  بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ : (( كُلْ بِيَمِينِكَ )) قَالَ : لا أسْتَطِيعُ . قَالَ : (( لاَ اسْتَطَعْتَ )) ! مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ ! فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .

105- باب النّهي عن القِرَانِ بين تمرتين ونحوهما إِذَا أكل جماعة إِلاَّ بإذن رفقته

741- عن جَبَلَة بن سُحَيْم ، قَالَ : أصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابن الزُّبَيْرِ ؛ فَرُزِقْنَا تَمْراً، وَكَانَ عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما يَمُرُّ بنا ونحن نَأكُلُ، فَيقُولُ : لاَ تُقَارِنُوا ، فإنَّ النَّبِيَّ  نَهَى عنِ القِرَانِ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِلاَّ أنْ يَسْتَأذِنَ الرَّجُلُ أخَاهُ . متفقٌ عَلَيْهِ .

106- باب مَا يقوله ويفعله من يأكل وَلاَ يشبع

742- عن وَحْشِيِّ بن حرب  : أنَّ أصحابَ رسولِ الله  ، قالوا :
يَا رسولَ اللهِ ، إنَّا نَأكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ ؟ قَالَ : (( فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ )) قالوا : نَعَمْ . قَالَ: (( فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ )) رواه أَبُو داود.

107- باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها


فِيهِ : قَوْله  : (( وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ))( ) متفق عَلَيْهِ كما سبق .
743- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبيِّ  ، قَالَ : (( البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطعَامِ ؛ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ ، وَلاَ تَأكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
744- وعن عبد الله بن بُسْرٍ  ، قَالَ : كَانَ للنَّبِيِّ  قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا : الغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أرْبَعَةُ رجالٍ ؛ فَلَمَّا أضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ ؛ يعني وَقَدْ ثُردَ فِيهَا ، فَالتَفُّوا عَلَيْهَا ، فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رسولُ الله  . فَقَالَ أعرابيٌّ : مَا هذِهِ الجِلْسَةُ ؟ فَقَالَ رسولُ الله  : (( إنَّ اللهَ جَعَلَنِي عَبْداً كَريماً ، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً عَنِيداً )) ، ثُمَّ قَالَ رسولُ الله  : (( كُلُوا مِنْ حَوَالَيْهَا ، وَدَعُوا ذِرْوَتَها يُبَارَكْ فِيهَا )) رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيد .
(( ذِرْوَتها )) : أعْلاَهَا بكسر الذال وضمها .

108- باب كراهية الأكل متكئاً

745- عن أَبي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بن عبد الله  ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله  :
(( لاَ آكُلُ مُتَّكِئاً )) رواه البخاري .
قَالَ الخَطَّابِيُّ : المُتَّكئُ هاهُنَا : هُوَ الجالِسُ مُعْتَمِداً عَلَى وِطَاءٍ تحته ، قَالَ : وأرادَ أنَّهُ لا يَقْعُدُ عَلَى الوِطَاءِ وَالوَسَائِدِ كَفِعْل مَنْ يُريدُ الإكْثَارَ مِنَ الطَّعَام ، بل يَقْعُدُ مُسْتَوفِزاً لاَ مُسْتَوطِئاً ، وَيَأكُلُ بُلْغَةً . هَذَا كلامُ الخَطَّابيِّ( ) ، وأشارَ غَيْرُهُ إِلَى أنَّ الْمُتَّكِئَ هُوَ المائِلُ عَلَى جَنْبِه ، والله أعلم .
746- وعن أنس  ، قَالَ : رَأَيْتُ رسول الله  جَالِساً مُقْعِياً يَأكُلُ تَمْراً . رواه مسلم .
(( المُقْعِي )) : هُوَ الَّذِي يُلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بالأرض ، وَيَنْصِبُ سَاقَيْهِ .

109- باب استحباب الأكل بثلاث أصابع
واستحباب لعق الأصابع ، وكراهة مسحها قبل لعقها
واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة الَّتي تسقط منه وأكلها
ومسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرها

747- عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله  : (( إِذَا أكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً ، فَلاَ يَمْسَحْ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَها )) متفقٌ عَلَيْهِ .
748- وعن كعب بن مالك  ، قَالَ : رأيتُ رسولَ الله  يَأكُلُ بثَلاَثِ أصابعَ ، فإذا فَرَغَ لَعِقَهَا . رواه مسلم .
749- وعن جابر  : أنَّ رسول الله  أمر بلعق الأصابع والصحفة ، وقال : (( إنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ )) رواه مسلم .
750- وعنه : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ ، فَلْيأخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً ، وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَان ، وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيل حَتَّى يَلْعَقَ أصَابِعَهُ ، فَإنَّهُ لاَ يَدْري في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ )) رواه مسلم .
751- وعنه : أنَّ رسول الله  ، قَالَ : (( إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأنِهِ ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فإذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً ، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا للشَّيْطَانِ ، فإذا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَهُ ، فإنَّهُ لا يَدْري في أيِّ طعامِهِ البَرَكَةُ )) رواه مسلم .

752- وعن أنسٍ  ، قَالَ : كَانَ رسولُ الله  إِذَا أكَلَ طَعَاماً ، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ ، وقال : (( إِذَا سقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا ، ولْيُمِطْ عنها الأذى ، وَليَأكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْها لِلْشَّيْطَان )) وأمَرَنا أن نَسْلُتَ القَصْعَةَ ، وقال : (( إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ )) رواه مسلم .
753- وعن سعيد بنِ الحارث : أنّه سأل جابراً  عنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ، فَقَالَ : لا ، قَدْ كُنَّا زَمَنَ النبيِّ  لا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّعامِ إِلاَّ قليلاً ، فإذا نَحْنُ وجَدْنَاهُ ، لَمْ يَكُنْ لنا مَنَادِيلُ إِلاَّ أكُفَّنا ، وسَواعِدَنَا ، وأقْدامَنَا ، ثُمَّ نُصَلِّي وَلاَ نَتَوَضَّأُ . رواه البخاري .

110- باب تكثير الأيدي عَلَى الطعام

754- عن أَبي هريرة  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( طَعَامُ الاثنينِ كافِي الثلاثةِ ، وطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كافي الأربعة )) متفق عَلَيْهِ .
755- وعن جابر  ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله  ، يقول : (( طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ ، وَطَعَامُ الأرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ )) رواه مسلم .

111- باب أدب الشرب واستحباب التنفس ثلاثاً
خارج الإناء وكراهة التَّنَفُّس في الإناء واستحباب إدارة
الإناء عَلَى الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ

756- عن أنس  : أنَّ رسول الله  كَانَ يَتَنَفَّسُ في الشَّرابِ ثَلاثاً . متفق عَلَيْهِ .
يعني : يتنفس خارجَ الإناءِ .
757- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قال رسول الله  : (( لاَ تَشْرَبُوا وَاحِداً كَشُرْبِ البَعِيرِ ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ ، وَسَمُّوا إِذَا أنْتُمْ شَرِبْتُمْ ، وَاحْمَدُوا إِذَا أنْتُمْ رَفَعْتُمْ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
758- وعن أَبي قَتَادَة  : أنَّ النبيَّ  نَهَى أنْ يُتَنَفَّسَ في الإناءِ . متفق عَلَيْهِ .
يعني : يتنفس في نفس الإناءِ .

759- وعن أنس  : أنَّ رسول الله  أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بماءٍ ، وَعَنْ يَمِينهِ أعْرَابيٌّ ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْر  ، فَشَرِبَ ، ثُمَّ أعْطَى الأعْرابيَّ ، وقال : (( الأيْمَنَ فالأيْمَنَ )) متفق عَلَيْهِ .
قَوْله : (( شِيب )) أيْ : خُلِطَ .
760- وعن سهلِ بن سعدٍ  : أنَّ رسول الله  أُتِيَ بِشرابٍ ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ ، وَعَنْ يَسَارِهِ أشْيَاخٌ ، فَقَالَ للغُلامِ : (( أتَأْذَنُ لِي أنْ أُعْطِيَ هؤُلاَءِ ؟ )) فَقَالَ الغُلامُ : لا واللهِ ، لا أُوثِرُ بنَصيبـي مِنْكَ أَحَداً . فَتَلَّهُ رسول الله  في يَدِهِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
قَوْله : (( تَلَّهُ )) أيْ وَضَعَهُ . وهذا الغلامُ هُوَ ابْنُ عباس رضي الله عنهما .

112- باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنـزيه لا تحريم

761- عن أَبي سعيدٍ الْخُدْريِّ  ، قَالَ : نَهَى رسول الله  عن اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ . يعني : أن تُكْسَرَ أفْواهُها ، وَيُشْرَبَ مِنْهَا . متفق عَلَيْهِ .
762- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : نَهَى رسول الله  أن يُشْرَبَ مِنْ فِيِّ السِّقَاءِ أَوْ القِرْبَةِ . متفق عَلَيْهِ .
763- وعن أم ثابتٍ كَبْشَةَ بنتِ ثابتٍ أُختِ حَسَّانَ بن ثابتٍ رضي الله عنهما ، قالت : دخل عَلَيَّ رسولُ الله  فَشَرِبَ مِنْ فيِّ قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِماً ، فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
وإنّما قَطَعَتْهَا : لِتَحْفَظَ مَوْضِع فَمِ رسول الله  ، وَتَتَبَرَّكَ بِهِ ، وتَصُونَهُ عَن الابْتِذَال . وهذا الحديث محمولٌ عَلَى بيان الجواز ، والحديثان السابقان لبيان الأفضل والأكمل ، والله أعلم .

113- باب كراهة النفخ في الشراب

764- عن أَبي سعيد الخدري  : أنَّ النَّبيَّ  نَهَى عَن النَّفْخ في الشَّرَاب ، فَقَالَ رَجُلٌ : القَذَاةُ( ) أراها في الإناءِ ؟ فَقَالَ : (( أهرقها )) . قَالَ : إنِّي لا أرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحدٍ ؟ قَالَ : (( فَأَبِنِ القَدَحَ إِذَاً عَنْ فِيكَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
765- وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ النبيَّ  نهى أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح ))
114- باب بيان جواز الشرب قائماً
وبيان أنَّ الأكمل والأفضل الشرب قاعداً

فِيهِ حديث كبشة السابق( ) .
766- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : سَقَيْتُ النَّبيَّ  مِنْ زَمْزَمَ ، فَشَربَ وَهُوَ قَائِمٌ . متفق عَلَيْهِ .
767- وعن النَّزَّالِ بن سَبْرَةَ  ، قَالَ : أَتَى عَلِيٌّ  بَابَ الرَّحْبَةِ ، فَشَربَ قائِماً ، وقال : إنِّي رَأَيْتُ رسولَ الله  فَعَلَ كما رَأَيْتُمُوني فَعَلْتُ . رواه البخاري .
768- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : كُنَّا عَلَى عهدِ رسول الله  نَأكُلُ وَنَحْنُ نمشِي ، وَنَشْرَبُ ونَحْنُ قِيامٌ . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
769- وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جَدِّهِ  ، قَالَ : رأيتُ رسول الله  يَشْرَبُ قَائِماً وقَاعِداً . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
770- وعن أنس  ، عن النبيِّ  : أنه نَهى أن يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِماً . قَالَ قتادة : فَقُلْنَا لأَنَسٍ : فالأَكْلُ ؟ قَالَ : ذَلِكَ أَشَرُّ – أَوْ أخْبَثُ – رواه مسلم . وفي رواية لَهُ : أنَّ النبيَّ  زَجَرَ عَن الشُّرْب قائِماً .
771- وعن أَبي هريرة  ، قَالَ : قَالَ رسول الله  : (( لاَ يَشْرَبَنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ قَائِماً ، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِيء )) رواه مسلم .

115- باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شرباً

772- عن أَبي قتادة  ، عن النبيِّ  ، قَالَ : (( ساقي القوم آخِرُهُمْ شُرْباً )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .

116- باب جواز الشرب
من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة
وجواز الكرع – وَهُوَ الشرب بالفم من النهر وغيره بغير إناء ولا يد –
وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب والأكل
والطهارة وسائر وجوه الاستعمال

773- وعن أنس  ، قَالَ : حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فقامَ مَن كَانَ قَريبَ الدَّارِ إِلَى أهْلِهِ ، وبَقِيَ قَوْمٌ ، فأُتِيَ رسول الله  بِمَخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ ، فَصَغُرَ المخْضَبُ أنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ . قالوا : كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ : ثَمَانِينَ وزيادة . متفق عَلَيْهِ ، هذه رواية البخاري .
وفي رواية لَهُ ولمسلم : أنَّ النَّبيَّ  دَعَا بإناءٍ مِنْ ماءٍ ، فَأُتِيَ بقَدَحٍ رَحْرَاحٍ ( ) فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ماءٍ ، فَوَضَعَ أصابعَهُ فِيهِ . قَالَ أنسٌ : فَجَعلْتُ أنْظُرُ إِلَى الماءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْن أصَابِعِهِ ، فَحَزَرْتُ مَنْ تَوضَّأ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانينَ .

774- وعن عبد الله بن زيد  ، قَالَ : أتَانَا النبيُّ  فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً في تَوْرٍ مِنْ صُفْر فَتَوَضَّأَ . رواه البخاري .
(( الصُّفْر )) : بضم الصاد ، ويجوز كسرها ، وَهُوَ النُّحاس ، و(( التَّوْر )) : كالقدح ، وَهُوَ بالتاء المثناة من فوق .
775- وعن جابر  : أنَّ رسول الله  دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ، فَقَالَ رسول الله  : (( إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ باتَ هذِهِ اللَّيْلَةَ في شَنَّةٍ وَإلاَّ كَرَعْنَا( ) )) رواه البخاري .
(( الشنّ )) : القِربة .

776- وعن حذيفة  ، قَالَ : إنَّ النبيَّ  نَهَانَا عَن الحَرِير ، وَالدِّيباجِ ، والشُّربِ في آنِيَة الذَّهَب والفِضَّةِ ، وقال : (( هي لَهُمْ في الدُّنْيَا ، وهِيَ لَكُمْ في الآخِرَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

777- وعن أُمِّ سلمة رضي الله عنها : أنَّ رسول الله  قَالَ : (( الَّذِي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ ، إنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية لمسلم : (( إنَّ الَّذِي يَأكُلُ أَوْ يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ )) .
وفي رواية لَهُ : (( مَنْ شَرِبَ في إناءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، فَإنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَاً مِنْ جَهَنَّم )) .

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية