الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

حكم تعليق الطلاق في الروضة للنووي

حكم تعليق الطلاق في الروضة للنووي



روضة الطالبين وعمدة المفتين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي
الجزء الثامن صحيفة - 115


الباب السادس في تعليق الطلاق

وهو جائز قياسا على العتق ، وقد ورد الشرع بتعليقه في التدبير .

وإن علقه ، لم يجز له الرجوع فيه ، وسواء علقه بشرط معلوم الحصول ، أو محتمله ، لا يقع الطلاق إلا بوجود الشرط في النوعين .

ولا يحرم الوطء قبل وجود الشرط ووقوع الطلاق .

وإذا علق بصفة ، ثم قال : عجلت تلك الطلقة المعلقة ، لم تتعجل على الصحيح . وحكى الشيخ أبو علي وغيره وجها ، أنها تعجل . فإذا قلنا بالصحيح فأطلق وقال : عجلت لك الطلاق ، سألناه ، فإن قال : أردت تلك الطلقة ، صدقناه بيمينه ولم يتعجل شيء ، وإن أراد طلاقا مبتدءا ، وقع طلقة في الحال .

قلت : وإن لم يكن له نية ، لم يقع في الحال شيء . والله أعلم .

ولو عقب لفظ الطلاق بحرف شرط ، فقال : أنت طالق إن ، فمنعه غيره من الكلام بأن وضع يده على فيه ، ثم قال : أردت أن أعلق على شرط كذا ، صدق بيمينه ، وإنما حلفناه لاحتمال أنه أراد التعليق على شيء حاصل ، كقوله : إن كنت فعلت كذا وقد فعله . ولو قطع الكلام مختارا حكم بوقوع الطلاق .

ولو ذكر حرف الجزاء ، ولم يذكر شرطا ، بأن قال : فأنت طالق ، ثم قال : أردت ذكر صفة فسبق لساني إلى الجزاء ، قال القاضي حسين : لا يقبل في الظاهر ، لأنه متهم ، وقد خاطبها بصريح الطلاق ، وحرف الفاء ، قد يحتمل غير الشرط ، ربما كان قصده أن يقول : أما بعد ، فأنت طالق .

ولو قال : إن دخلت الدار أنت طالق بحذف الفاء ، فقد أطلق البغوي وغيره ، أنه تعليق ، وقال البوشنجي : يسأل ، فإن قال : أردت التنجيز ، حكم به ، وإن قال : أردت التعليق ، أو تعذرت المراجعة ، حمل على التعليق .

ولو قال : إن دخلت الدار . وأنت طالق بالواو ، قال البغوي : إن قال : أردت التعليق ، قبل ، أو التنجيز ، وقع ، وإن قال : أردت جعل الدخول ، [ ص: 116 ] وطلاقها شرطين لعتق أو طلاق ، قبل ، قال البوشنجي : فإن لم يقصد شيئا طلقت في الحال ، وألغيت الواو ، كما لو قال ابتداءا : وأنت طالق .

قلت : هذا الذي قاله البوشنجي فاسد حكما ودليلا ، وليس كالمقيس عليه ، والمختار ، أنه عند الإطلاق تعليق بدخول الدار ، إن كان قائله لا يعرف العربية ، وإن عرفها ، فلا يكون تعليقا ولا غيره إلا بنية ، لأنه غير مقيد عنده ، وأما العامي ، فيطلقه للتعليق ، ويفهم منه التعليق . والله أعلم .

ولو قال : أنت طالق وإن دخلت الدار ، طلقت في الحال ، وكذا لو قال : وإن دخلت الدار أنت طالق ، ولم يذكر الواو في " أنت " .

فرع

إذا علق الطلاق بشرط ، ثم قال : أردت الإيقاع في الحال ، فسبق لساني إلى الشرط ، وقع في الحال لأنه غلظ على نفسه

فصل

اعلم أن هذا الباب واسع جدا ويتلخص لمقصوده في أطراف .

الأول : في التعليق بالأوقات ، وفيه مسائل .

الأولى : قال : أنت طالق في شهر كذا ، أو غرة شهر كذا ، أو أوله ، أو رأس الشهر ، أو ابتداءه ، أو دخوله ، أو استقباله ، أو إذا جاء شهر كذا ، طلقت عند أول جزء منه ، فلو رأوا الهلال قبل غروب الشمس ، لم تطلق حتى تغرب .

ولو قال : في نهار شهر كذا أو في أول يوم منه ، طلقت عند طلوع الفجر من اليوم الأول . ولو قال : أنت طالق في يوم كذا ، طلقت عند طلوع الفجر [ ص: 117 ] من ذلك اليوم ، وحكى الحناطي قولا ، أنها تطلق عند غروب الشمس من ذلك اليوم ، وطرده في الشهر أيضا ، وهو شاذ ضعيف جدا . وعلى قياس هذا ما لو قال : في وقت الظهر أو العصر ، ولو قال : أردت بقولي : في شهر كذا أو في يوم كذا وسطه أو آخره ، لم يقبل ظاهرا على الصحيح ، وحكى ابن كج وغيره في قبوله وجها ، ويدين قطعا . ولو قال : أردت بقولي : في غرته اليوم الثاني أو الثالث ، فكذلك ، لأن الثلاثة الأولى تسمى غررا ، فلو قال : أردت به المنتصف ، لم يدين ، لأنه لا يطلق على غير الثلاثة الأولى ، وكذا لو قال : في رأس الشهر ، ثم قال : أردت السادس عشر .

الثانية : قال في رمضان : أنت طالق في رمضان ، طلقت في الحال ، ولو قال : في أول رمضان ، وإذا جاء رمضان ، وقع في أول رمضان القابل .

الثالثة : قال : أنت طالق في آخر رمضان ، فهل يقع في جزء من الشهر ، أم أول جزء من ليلة السادس عشر ، أم أول اليوم الأخير منه ؟ فيه أوجه ، أصحها الأول ، ولو قال : أنت طالق في آخر السنة ، فعلى الأول يقع في آخر جزء من السنة ، وعلى الثاني في أول الشهر السابع .

ولو قال : في آخر طهرك ، فعلى الأول يقع في آخر جزء من الطهر ، وعلى الثاني ، في أول النصف الثاني من الطهر . ولو قال : أنت طالق في أول آخر الشهر ، قال الجمهور : يقع في أول اليوم الأخير .

وقال ابن سريج : في أول النصف الأخير ، وقال الصيرفي أو غيره : في أول اليوم السادس عشر .

ولو قال : أنت طالق في آخر أول الشهر ، قال الجمهور : يقع عند غروب الشمس في اليوم الأول . وعن ابن سريج ، يقع في آخر جزء من الخامس عشر . وقيل : عند طلوع الفجر في اليوم الأول ، وبهذا قطع المتولي بدلا عن الأول . [ ص: 118 ] فقال : لو قال : أنت طالق أخر أول آخر الشهر ، فمن جعل آخر الشهر اليوم الأخير ، قال : تطلق بغروب الشمس في اليوم الأخير ، لأن ذلك اليوم هو آخر الشهر ، وأوله طلوع الفجر ، وآخر أوله غروب الشمس ، ومن جعل الآخر على النصف الثاني ، فأوله ليلة السادس عشر ، فتطلق عند انقضاء الشهر على الوجهين .

الرابعة : قال : أنت طالق في سلخ الشهر ، فأوجه .

أحدها : وبه قطع الشيخ أبو حامد ورجحه الغزالي : يقع في آخر جزء من الشهر .

والثاني : وبه قطع المتولي والبغوي : يقع في أول اليوم الأخير .

والثالث : في أول جزء من الشهر ، فإن الانسلاخ يأخذ من حينئذ . وقال الإمام : اسم السلخ يقع على الثلاثة الأخيرة من الشهر ، فتحتمل أن يقع في أول جزء من الثلاثة .

قلت : الصواب الأول ، وما سواه ضعيف . والله أعلم .

الخامسة : قال أنت طالق عند انتصاف الشهر ، يقع عند غروب الشمس في اليوم الخامس عشر ، وإن كان الشهر ناقصا ، لأنه المفهوم من مطلقه ، ذكره المتولي .

ولو قال : نصف النصف الأول من الشهر ، طلقت عند طلوع الفجر يوم الثامن . ولو قال : نصف يوم كذا ، طلقت عند الزوال لأنه المفهوم منه . وإن كان اليوم يحسب من طلوع الفجر شرعا ، ويكون نصفه الأول أطول .

[ السادسة : إذا قال : إذا مضى يوم فأنت طالق ، نظر إن قاله بالليل ، طلقت عند غروب الشمس من الغد ، وإن قاله بالنهار ، طلقت إذا جاء مثل ذلك الوقت من اليوم الثاني ، هكذا أطلقوه .

ولو فرض انطباق التعليق على أول نهار ، طلقت عند غروب شمس يومه . ولو قال : أنت طالق إذا مضى اليوم ، نظر ، إن قاله نهارا ، طلقت عند غروب شمسه ، وإن كان الباقي منه يسيرا ، وإن قاله ليلا ، كان لغوا ، إذ لا نهار ، ولا يمكن الحمل على الجنس . ولو قال : أنت طالق اليوم ، طلقت في الحال نهارا كان أو ليلا ، قاله المتولي ، ويلغو قوله : اليوم لأنه لم يعلق ، وإنما أوقع وسمى الوقت بغير اسمه . ولو قال : أنت طالق الشهر ، أو السنة ، وقع في الحال .

السابعة : قال : إذا مضى شهر فأنت طالق ، لم تطلق حتى يمضي شهر كامل . فإن اتفق قوله في ابتداء الهلال ، طلقت بمضيه تاما أو ناقصا ، وإلا فإن قاله ليلا ، طلقت إذا مضى ثلاثون يوما ، ومن ليلة الحادي والثلاثين تقدر ما كان سبق من ليلة التعليق ، وإن قاله : نهارا كمل من اليوم الحادي والثلاثين بعد التعليق . ولو قال : إذا مضى الشهر ، طلقت إذا انقضى الشهر الهلالي ، وكذا لو قال : إذا مضت السنة ، طلقت بمضي بقية السنة العربية ، وإن كانت قليلة ، وإنقال : إذا مضت سنة بالتنكير ، لم تطلق حتى يمضي اثنا عشر شهرا ، ثم إن لم ينكسر الشهر الأول ، طلقت بمضي اثني عشر شهرا بالأهلة ، وإن انكسر به الأول ، حسب أحد عشر شهرا بعده بالأهلة ، وكملت بقية الأول ثلاثين يوما من الثالث عشر . وفي وجه : أنه إذا انكسر شهر ، انكسر جميع الشهور ، واعتبرت سنة بالعدد ، وقد سبق مثله في السلم وهو ضعيف . ولو شك فيما كان مضى من شهر التعليق ، لم يقع الطلاق إلا باليقين ، وذكر الحناطي في حل الوطء في حال التردد وجهين .

قلت : أصحهما الحل . والله أعلم .

ولو قال : أردت بالسنة ، السنة الفارسية أو الرومية ، دين ولم يقبل ظاهرا على الصحيح . ولو قال : أردت بقولي : السنة سنة كاملة ، دين ولم يقبل ظاهرا . ولو قال : أردت بقولي سنة بقية السنة ، فقد غلط على نفسه .

الثامنة : إذا علق الطلاق بصفة مستحيلة عرفا ، كقوله : إن طرت أو صعدت السماء ، أو إن حملت الجبل ، فأنت طالق ، أو عقلا كقوله : إن أحييت ميتا ، أو إن اجتمع السواد والبياض ، فهل يقع الطلاق أم لا ، أم يقع في العقلي دون العرفي ؟ فيه أوجه ، أصحها : لا يقع ، أما في العرفي ، فباتفاق الأصحاب وهو المنصوص ، وأما في العقلي ، فعند الإمام وجماعة خلافا للمتولي ، والمستحيل شرعا كالمستحيل عقلا ، كقوله : إن نسخ صوم رمضان .

أما إذا قال : أنت طالق أمس أو الشهر الماضي ، أو في الشهر الماضي ، فله أحوال .

أحدها : أن يقول : أردت ، أن يقع في الحال طلاق ، يستند إلى أمس أو إلى الشهر الماضي ، فلا شك أنه لا يستند ، لكن يقع في الحال على الصحيح . وقيل : لا يقع أصلا .

الحال الثاني : أن يقول : لم أوقع في الحال ، بل أردت إيقاعه في الماضي ، فالمذهب والمنصوص ، وقوع الطلاق في الحال وبه قطع الأكثرون ، وقيل : قولان ثانيهما : لا يقع .

الحال الثالث : أن يقول : لم أرد إيقاعه في الحال ولا في الماضي ، بل أردت أني طلقتها في الشهر الماضي في هذا النكاح وهي في عدة الرجعية أو بائن الآن ، [ ص: 121 ] فيصدق بيمينه ، وتكون عدتها من الوقت الذي ذكره إن صدقته ، ويبقى النظر في أنه كان يخالطها أم لا ؟ وإن كذبته ، فالعدة من وقت الإقرار . وعن القاضي حسين : أنها إن صدقته ، قبل ، وإلا فالقول قولها في أنه أنشأ الطلاق ، وحينئذ يحكم عليه بطلاقين ، والصحيح الأول .

الحال الرابع : قال : أردت أني طلقتها في الشهر الماضي وبانت ، ثم جددت نكاحها ، أو أن زوجا آخر طلقها في نكاح سابق ، قال الأصحاب : ينظر ، إن عرف نكاح سابق ، فطلاق فيه ، أو أقام بذلك بينة وصدقته المرأة في إرادته ، فذاك ، وإن كذبته وقالت : إنما أردت إنشاء طلاق الآن ، حلف .

وإن لم يعرف نكاح سابق ، وطلاق في ذلك النكاح ، وكان محتملا ، فينبغي أن يقبل التفسير به وإن لم يقم بينة ، وإلا يقع الطلاق وإن كان كاذبا ، ولهذا لو قال ابتداءا : طلقك في الشهر الماضي زوج غيري ، لا يحكم بالطلاق عليه وإن كذب .

الحال الخامس : أن يقول : لم أرد شيئا أو مات ولم يفسر ، أو جن ، أو خرس وهو عاجز عن التفهيم بالإشارة ، فالصحيح وقوع الطلاق ، ولو قال : أنت طالق للشهر الماضي ، ففي " المجرد " للقاضي أبي الطيب : أنه يقع الطلاق في الحال بلا خلاف ، كما لو قال : لرضى فلان ، لكن الكلام في مثل ذلك يستعمل للتاريخ ، واللفظ محتمل للمعاني المذكورة في قوله .

المسألة التاسعة : قال : إذا مات أو إذا قدم فلان ، فأنت طالق قبله بشهر ، أو قال : أنت طالق قبل أن أضربك بشهر ، نظر إن مات فلان أو قدم ، أو ضربها قبل مضي شهر من وقت التعليق ، لم يقع الطلاق . وقيل : يقع عند الضرب ، والصحيح الأول ، وبه قطع الجمهور ، وتنحل اليمين . حتى لو ضربها بعد ذلك وقد مضى شهر أو أكثر ، لم تطلق ، وللإمام احتمال أنه لا تنحل لكون الضرب الأول ليس هو المحلوف عليه .

وإن مات أو قدم أو ضرب بعد مضي شهر من وقت التعليق ، تبينا وقوع الطلاق قبله بشهر ، وتحسب العدة من يومئذ .

[ ص: 122 ] ولو ماتت وبينها وبين القدوم

[ دون ] شهر . لا يرثها الزوج ، ولو خالعها قبل القدوم أو الموت ، فإن كان بين الخلع وقدوم فلان أكثر من شهر ، وقع الخلع صحيحا ، ولم يقع الطلاق المعلق . وإن كان بينهما دون شهر والطلاق المعلق ثلاث ، فالخلع فاسد والمال مردود .

ولو علق عتق عبده كذلك ثم باعه ، وبين البيع وموت فلان ، أو قدومه أكثر من شهر ، صح البيع ، ولم يحصل العتق .

المسألة العاشرة : قال : أنت طالق غد أمس ، أو أمس غد على الإضافة ، وقع الطلاق في اليوم لأنه غد أمس وأمس غد .

ولو قال : أمس غدا ، أو غدا أمس لا بالإضافة ، طلقت إذا طلع الفجر من الغد ، ويلغو ذكر الأمس . هكذا أطلقه البغوي ، ونقل الإمام مثله في قوله : أنت طالق أمس غدا ، وأبدى فيه توقفا ، لأنه يشبه : أنت طالق الشهر الماضي . ولو قال : أنت طالق اليوم غدا ، وقع في الحال طلقة ، ولا يقع في الغد شيء . ولو قال : أردت اليوم طلقة وغدا أخرى ، طلقت كذلك إلا أن يبين . وإن قال : أردت إيقاع نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا ، فكذلك تطلق طلقتين . ولو قال : أردت نصف طلقة اليوم ونصفها الآخر غدا ، فوجهان ، أحدهما : يقع طلقتان أيضا ، وأصحهما : لا يقع إلا واحدة ، لأن النصف الذي أخره تعجل ، وبهذا قطع المتولي .

ولو قال : أنت طالق غد اليوم ، فوجهان ، أحدهما : يقع في الحال طلقة ، ولا يقع في غد شيء ، كما سبق في قوله : اليوم غدا ، والثاني وهو الصحيح ، وبه قال القاضي أبو حامد وصححه أبو عاصم : لا يقع في الحال شيء ، ويقع في غد طلقة ، لأن الطلاق تعلق بالغد ، وقوله : بعده اليوم ، كتعجيل الطلاق المعلق ، فلا يتعجل . ولو قال : أنت طالق اليوم وغدا ، وبعد غد ، يقع في الحال طلقة ، ولا يقع [ ص: 123 ] في الغد ولا بعده شيء آخر ، لأن المطلقة في وقت مطلقة فيما بعده ، كذا ذكره المتولي .

ولو قال : أنت طالق اليوم ، وإذا جاء الغد ، قال إسماعيل البوشنجي : يسأل . فإن قال : أردت طلقة اليوم وتبقى بها مطلقة غدا ، أو لم يكن له نية ، لم يقع إلا طلقة ، وإن قال : أردت طلقة اليوم وطلقة غدا ، أوقعناه كذلك إن كانت مدخولا بها .

ولو قال : أنت طالق اليوم ورأس الشهر ، فهو كقوله : اليوم وغدا .

ولو قال : أنت طالق اليوم وفي الغد ، وفيما بعد غد ، قال المتولي : يقع في كل يوم طلقة . قال : وكذلك لو قال : في الليل وفي النهار ، لأن المظروف يتعدد بتعدد الظرف ، وليس هذا الدليل بواضح فقد يتحد المظروف ، ويختلف الظرف .

ولو قال : أنت طالق بالليل والنهار ، لم تطلق إلا واحدة . ولو قال : أنت طالق اليوم أو غدا ، فوجهان ، الصحيح : لا يقع إلا في الغد لأنه اليقين . والثاني : يقع في الحال تغليبا للإيقاع ، ولو قال : أنت طالق غدا أو بعد غد ، أو إذا جاء الغد أو بعد غد ، قال البوشنجي : لا تطلق في الغد ، قال : وعلى هذا استقر رأي أبي بكر الشاشي وابن عقيل ببغداد ، وهذا يوافق الصحيح من هذين الوجهين السابقين . ولو قال : أنت طالق اليوم إذا جاء الغد ، فوجهان . أحدهما عن ابن سريج وصاحب " التقريب " : لا تطلق أصلا ، لأنه علقه بمجيء الغد ، فلا يقع قبله ، وإذا جاء الغد ، فقد مضى اليوم الذي جعله محلا للإيقاع . والثاني : إذا جاء الغد ، وقع الطلاق مستندا إلى اليوم ، ويكون كقوله : إذا قدم زيد ، فأنت طالق اليوم .

[ ص: 124 ] قلت : الأصح لا تطلق ، وبه قطع صاحب " التنبيه " وهو الأشبه بالتعليق بمحال . والله أعلم .

ولو قال : أنت طالق الساعة إذا دخلت الدار ، قال البوشنجي : هو كقوله : أنت طالق اليوم إذا جاء الغد .

المسألة الحادية عشرة : إذا قال لمدخول بها : أنت طالق ثلاثا ، في كل سنة طلقة ، وقع في الحال طلقة ، ثم إن أراد السنين العربية ، وقعت أخرى في أول المحرم المستقبل ، وأخرى في أول المحرم الذي بعده . وإن أراد أن بين كل طلقتين سنة ، وقعت الثانية عند انقضاءه سنة كاملة من وقت التعليق ، والثالثة بعد انقضاء سنة كاملة بعد ذلك ، وهذا مفروض فيما إذا امتدت العدة أو راجعها ، فلو بانت وجدد نكاحها وهذه المدة باقية ، ففي وقوع الطلاق قولا عود الحنث فإن قلنا : يعود وكان التجديد في خلال السنة ، تطلق في الحال ، وإن أطلق السنين ، فهل ينزل على العربية أم على الاحتمال الثاني ؟ فيه وجهان . أصحهما : الثاني ، وإن قال : أنت طالق ثلاثا في ثلاثة أيام ، أو في كل يوم طلقة ، فإن قالها بالنهار ، وقع في الحال طلقة ، وبطلوع الفجر في اليوم الثاني أخرى ، وبطلوعه في الثالث أخرى . فلو قال : أردت أن يكون بين كل طلقتين يوم دين ، وفي قبوله ظاهرا وجهان ، أقيسهما : القبول ، وإن قاله بالليل ، وقع ثلاث طلقات بطلوع الفجر في الأيام الثلاثة التالية للتعليق .

[ المسألة ] الثانية عشرة : قال : أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم ، فمضى اليوم ولم يطلقها ، فوجهان . قال ابن سريج وغيره : لا طلاق ، وقال الشيخ أبو حامد : تقع في آخر لحظة من اليوم ، وهو إذا بقي من اليوم زمن لا يسع التطليق .

قلت : هذا الثاني : أفقه ، وهو المختار . والله أعلم .

[ ص: 125 ] [ المسألة ] الثالثة عشرة : قال : أنت طالق في أفضل الأوقات ، طلقت ليلة القدر ، ولو قال : أفضل الأيام ، طلقت يوم عرفة ، وفي وجه : يوم الجمعة عند غروب الشمس ، ذكره القفال في " الفتاوى " .

قلت : تخصيصه ب " عند غروب الشمس " ضعيف أو غلط ، لأن اليوم يتحقق بطلوع الفجر ، فإن تخيل متخيل أن ساعة الإجابة ، قد قيل : إنها آخر النهار ، فهو وهم ظاهر لوجهين ، أحدهما : أن الصواب أن ساعة الإجابة ، من حين يجلس الإمام عند المنبر ، إلى أن تقضى الصلاة ، كذا صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في " صحيح مسلم " : والثاني : أنه لم يعلق بأفضل أوقات اليوم ، بل اليوم الأفضل ، واسم اليوم الأفضل يحصل بطلوع الفجر . والله أعلم .

[ المسألة ] الرابعة عشرة : في " فتاوى القفال " . لو قال : أنت طالق بين الليل والنهار ، لا تطلق ما لم تغرب الشمس .

قلت : هذا إذا كان نهارا ، فإن علق ليلا ، طلقت بطلوع الفجر . والله أعلم .

[ المسألة ] الخامسة عشرة : في فتاوى القفال . لو قال : أنت طالق قبل موتي ، طلقت في الحال ، وإن قال : قبيل بضم القاف وفتح الياء أو قبيل بزيادة ياء ، لا تطلق إلا في آخر جزء من أجزاء حياته . ولو قال : بعد قبل موتي ، طلقت في الحال ، لأنه بعد قبل موته ، ويحتمل أن لا يقع ، لأن جميع عمره قبل الموت . ولو قال : أنت طالق قبل أن تدخلي الدار ، أو قبل أن أضربك ونحو ذلك مما لا يقع بوجوده ، قال إسماعيل البوشنجي : يحتمل وجهين ، أحدهما : وقوع الطلاق في الحال ، كقوله : قبل موتي أو موت فلان . وأصحهما : لا يقع حتى يوجد ذلك الفعل ، فحينئذ يقع الطلاق مستندا إلى حال اللفظ ، لأن الصيغة تقتضي وجود ذلك الفعل ، وربما لا يوجد ، ولو قال : أنت طالق تطليقة قبلها يوم الأضحى ، سألناه ، فإن أراد الأضحى الذي بين يديه ، لم تطلق حتى يجيء ذلك الأضحى وينقرض ، ليكون [ ص: 126 ] قبل التطليقة ، وإن أراد الأضحى الماضي طلقت في الحال كما لو قال : يوم السبت أنت طالق طلقة قبلها يوم الجمعة .

قلت : فإن لم يكن له نية ، لم يقع حتى ينقضي الأضحى الذي بين يديه . والله أعلم .

ولو قال : أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر ، فمات أحدهما قبل شهر ، لم تطلق ، وإن مات أحدهما بعد مضي شهر ، فوجهان ، أحدهما : تطلق قبل موته بشهر ، لأنه وإن تأخر موت الآخر ، فيصدق عليه أنه وقع قبل موتهما بشهر ، والثاني : لا تطلق أصلا ، لأنه في العرف لا يقال : طلقت قبل موته بشهر ، إلا إذا لم يزد ولم ينقص ، وهذا الثاني خرجه البوشنجي ، ونظير المسألة ، قوله : أنت طالق قبل عيدي الفطر والأضحى بشهر ، فعلى الأول تطلق أول رمضان ، وعلى الثاني ، لا تطلق .

قلت : الصواب الأول ، والثاني غلط ، ولا أطلق عليه اسم الضعيف ، وعجب ممن يخرج مثل هذا أو يحكيه ويسكت عليه . والله أعلم .

فرع

في فتاوى القاضي حسين : أنه لو قال : أنت طالق قبل ما بعده رمضان ، وأراد الشهر ، طلقت في آخر جزء من رجب ، وإن أراد اليوم بليلته ، ففي آخر جزء من التاسع والعشرين من شعبان ، وإن أراد مجرد اليوم ، فقبيل فجر يوم الثلاثين من شعبان ، وإن قال : بعد ما قبله رمضان وأراد الشهر ، طلقت عند استهلال ذي القعدة ، وإن أراد الأيام ، ففي اليوم الثاني من شوال .

السادسة عشرة : قال : أنت طالق كل يوم ، فوجهان حكاهما أبو العباس [ ص: 127 ] الروياني ، أحدهما : تطلق كل يوم طلقة ، حتى يكمل الثلاث ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثاني : لا يقع إلا واحدة ، والمعنى : أنت طالق أبدا .

قلت : الأول أصح ، لأنه السابق إلى الفهم . والله أعلم .

ولو قال : أنت طالق يوما ويوما لا ، ولم ينو شيئا ، وقع واحدة ، وقال البوشنجي : المفهوم منه وقوع ثلاث طلقات آخرهن في اليوم الخامس . وإن قال : أردت طلقة ، يثبت حكمها في يوم دون يوم ، أو تقع في يوم دون يوم ، وقعت طلقة .

السابعة عشرة : قال : أنت طالق إلى شهر ، قال المتولي وغيره : يقع الطلاق بعد مضي شهر ، ويتأبد إلا أن يريد تنجيز الطلاق وتوقيته ، فيقع في الحال مؤبدا ، قال البوشنجي : ويحتمل أن يقع في الحال عند الإطلاق .

قلت : هذا الاحتمال ضعيف . والله أعلم .

الثامنة عشرة : قال : أنت طالق غدا ، أو عبدي حر بعد غد ، قال البوشنجي : يؤمر بالتعيين ، فإذا عين الطلاق أو العتق ، يعين في اليوم الذي ذكره .

قال : ولو قال : أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم ، كان الحكم كما لو تزوجها قبل الأمس .

قال : ولو قال : أنت طالق طلقة ، لا تقع عليك إلا غدا ، طلقت بمجيء الغد ، كما لو قال : طلقة تقع عليك غدا . قال : ولو قال : أنت طالق اليوم ، وإن جاء رأس الشهر ، طلقت في الحال ، كقوله : أنت طالق اليوم وإن دخلت الدار .



الطرف الثاني : في التعليق بالتطليق ، ونفيه ونحوهما . قال الأصحاب : الألفاظ التي يعلق بها الطلاق بالشرط والصفات " من " ، و " إن " ، و " إذا " ، و " متى " ، و " متى ما " ، و " مهما " ، و " كلما " ، و " أي " .

كقوله : من دخلت منكن ، أو إن دخلت ، أو إذا دخلت ، أو متى ، أو متى ما ، أو مهما ، أو كلما ، أو أي وقت ، أي زمان دخلت ، فأنت طالق . ثم إن كان التعليق بإثبات فعل ، لم يقتض شيء منها الفور‌ ، ولم يشترط وجود المعلق عليه في المجلس ، إلا إذا كان التعليق بتحصيل مال ، بأن يقول : إن ضمنت لي ، أو إن أعطيتني ألفا ، فإنه يشترط الفور في الضمان والإعطاء في بعض الصيغ المذكورة ، كما سبق في كتاب الخلع ، وإلا إذا علق الطلاق على مشيئتها فإنه تعتبر مشيئتها على الفور كما سبق ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، ولا يقتضي شيء من هذه الصيغ تعدد الطلاق بتكرر الفعل ، بل إذا وجد الفعل المعلق عليه مرة ، انحلت اليمين ولم يؤثر وجوده ثانيا إلا " كلما " فإنها تقتضي التكرار بالوضع والاستعمال ، وحكى الحناطي وجها ، أن " متى " ، و " متى ما " يقتضيان التكرار ، ووجها أن " متى ما " تقتضيه دون " متى " ، وهما شاذان ضعيفان .

فصل

إذا قال : إن طلقتك ، أو إذا طلقتك ، أو متى طلقتك فأنت طالق ، ثم طلقها ، نظر إن كان مدخولا بها ، وقع طلقتان ، إحداهما : المنجزة ، والأخرى المعلقة سواء طلق بصريح أو كناية مع النية ، ولو طلقها طلقتين وقع ثلاث ، الثالثة بالتعليق ، ولو قال : لم أرد التعليق ، إنما أردت أني إذا طلقتها تكون مطلقة بتلك الطلقة ، دين ولم يقبل ظاهرا .

ولو وكل فطلقها وكيله ، وقعت المنجزة فقط ، لأنه لم يطلقها هو ، وأما إذا لم يكن مدخولا بها ، فيقع ما نجزه وتحصل البينونة ، فلا يقع شيء آخر ، [ ص: 129 ] وتنحل اليمين ، فلو نكحها بعد ذلك وطلقها ، لم يجئ الخلاف في عود الحنث .

ولو خالعها وهي مدخول بها ، أو غيرها ، لم يقع الطلاق المعلق لحصول البينونة بالخلع ، ثم إن جعلنا الخلع طلاقا ، انحلت اليمين ، وإن جعلناه فسخا ، لم تنحل ، وحكى الحناطي وجها ، أنه يقع في غير المدخول بها وفي الخلع طلقتان ، وهو غريب ضعيف .

فرع

الطلقة المعلقة بصفة ، هل تقع مع الصفة مقترنة بها ، أم تقع مترتبة على الصفة ؟ وجهان ، أصحهما والمرضي عند الإمام وقول المحققين : أنها معها ، لأن الشرط علة وضعية ، والطلاق معلولها فيتقاربان في الوجود ، كالعلة الحقيقية مع معلولها . فمن قال بالترتيب قال : إنما لم يقع على غير المدخول بها الطلقة الثانية في المسألة السابقة ، لكونها بانت بالمنجزة . ومن قال بالأصح وهو المقارنة ، قال : إنما لم تقع في الثانية ، لأن قوله : إن طلقتك ، فأنت طالق ، معناه : إن صرت مطلقة ، وبمجرد مصيرها مطلقة ، بانت .

فرع

كما أن تنجيز الطلاق تطليق يقع به الطلقة المعلقة بالتطليق في المدخول بها ، فكذا تعليق الطلاق مع وجود الصفة تطليق . فإذا قال : إذا طلقتك فأنت طالق ، ثم قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فدخلت ، وقع طلقتان ، وكما أن التعليق بالصفة مع الصفة تطليق ، فالتعليق مع الصفة إيقاع للطلاق . فإذا قال : إذا أوقعت عليك الطلاق ، فأنت طالق ، ثم قال : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، فدخلت ، وقع طلقتان . وقال الشيخ أبو حامد : لا يقع إلا طلقة ، وحكاه صاحبا " المهذب " [ ص: 130 ] و " التهذيب " ، وزعم قائله أن لفظ الإيقاع يقتضي طلاقا يباشره بخلاف التطليق ، والصحيح الأول .

وأما مجرد الصفة ، فليس بتطليق ولا إيقاع ، لكنه وقوع ، فإذا قال : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، ثم قال : إن طلقتك ، أو إذا أوقعت عليك الطلاق فأنت طالق ، ثم دخلت الدار ، لا يقع المعلق بالتطليق أو الإيقاع ، بل يقع طلقة بالدخول . ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ثم قال : إن وقع عليك طلاقي ، فأنت طالق ، ثم دخلت الدار ، وقع طلقتان ، وتطليق الوكيل وقوع على الصحيح .

وأما مجرد التعليق ، فليس بتطليق ولا إيقاع ولا وقوع .

وإذا قال : كلما وقع عليك طلاقي ، فأنت طالق ، ثم طلقها ، وقع ثلاث طلقات ، فيقع بوقوع الأولى ثانية ، وبوقوع الثانية ثالثة .

ولو قال : كلما طلقتك فأنت طالق ، ثم طلقها ، وقع طلقتان على الصحيح والمشهور ، وحكى ابن كج عن القاضي أبي حامد وغيره وقوع ثلاث ، وجعله الحناطي قولا منسوبا إلى كتاب البويطي . فإذا قلنا بالصحيح : لا تنحل اليمين لاقتضاء اللفظ التكرار . قال البغوي : لكن لا تظهر فائدة هنا ، لأنه إذا طلقها أخرى ، كان بالمنجزة مستوفيا للثلاث ، ولا تعود اليمين بعد استيفاء الثلاث على المذهب ، ولو قال : كلما طلقتك ، فأنت طالق ، ثم قال : إذا أوقعت عليك طلاقي ، فأنت طالق ، ثم طلقها ، طلقت ثلاثا .

الطرف الخامس : في التعليق بالمشيئة . أما تعليقه بمشيئة الله تعالى ، فسبق بيانه ، وأما التعليق بمشيئة غيره ، فينظر ، إن علق بمشيئة الزوجة مخاطبة ، فقال : أنت طالق إن شئت ، اشترط مشيئتها في مجلس التواجب ، كما سبق في " كتاب الخلع " ، فإن أخرت ، لم تقع ، وفيه قول شاذ ذكرناه في " كتاب الخلع " . ولو قال لأجنبي : إن شئت فزوجتي طالق ، فالأصح أنه لا يشترط مشيئته على الفور ، وقيل : كالزوجة ، ورجحه المتولي . ولو علق بمشيئتها لا مخاطبة ، فقال : زوجتي طالق إن شاءت ، لم تشترط المشيئة على الفور على الأصح ، وقيل : يشترط قولها : شئت في الحال إن كانت حاضرة ، وإن كانت غائبة ، فتبادر بها إذا بلغها الخبر . ولو قال : امرأتي طالق إذا شاء زيد ، لم يشترط الفور بالاتفاق . ولو قال : إن شئت وشاء فلان ، فأنت طالق ، اشترط مشيئتها على الفور ، وفي مشيئة فلان الوجهان ، أصحهما : لا يشترط الفور .

فصل

علق بمشيئتها أو مشيئة غيرها ، فقال المعلق بمشيئة الزوج : شئت إن شئت ، أو إن شاء فلان ، فقال الزوج أو فلان : شئت ، أو قال : شئت غدا ، لم يقع الطلاق ، لأنه علق على مشيئة مجزوم بها ، ولم تحصل . وحكى الحناطي وجها : أنه يصح تعليق المشيئة ، ويقع الطلاق إذا قال الزوج : شئت ، وهذا غريب ضعيف . ولو شاء المعلق بمشيئته بلسانه وهو كاره بقلبه ، طلقت في الظاهر ، وفي الباطن وجهان ، قال أبو يعقوب الأبيوردي : لا يقع ، كما لو أخبرت بالحيض كاذبة ، وإلى هذا مال القاضي حسين ، وقال القفال : يقع ، قال البغوي : وهو الأصح ، لأن التعليق في الحقيقة بلفظ المشيئة .

قلت : قال الرافعي في " المحرر " : الأصح الوقوع باطنا . والله أعلم .

[ ص: 158 ] ولو وجدت الإرادة دون اللفظ ، لم تطلق على قول القفال ، وعلى قول الأبيوردي وجهان .

فرع

علق بمشيئتها وهي صبية ، أو بمشيئة صبي ، فقالت : شئت ، أو قال : شئت ، لم تطلق على الأصح ، وقيل : تطلق إن شاءت وهي مميزة ، كما لو قال لها : أنت طالق إن قلت : شئت ، أما لو علق بمشيئتها وهي مجنونة أو صغيرة لا تميز ، أو بمشيئة غيرها ، وهو بهذه الصفة ، فقالت : شئت ، فلا تقع بلا خلاف . ولو قال المعلق بمشيئته : شئت وهو سكران ، خرج على الخلاف في أنه كالصاحي أو المجنون ، ولو علق بمشيئة أخرس ، فقال بالإشارة : شئت ، طلقت ، وإن علق بمشيئة ناطق ، فخرس ، وأشار بالمشيئة ، طلقت على الأصح .

فرع

قال : أنت طالق إذا شئت ، فهو كقوله : إن شئت ، وإن قال : متى شئت ، طلقت متى شاءت ، وإن فارقت المجلس .

فرع

إذا علق بمشيئتها ، فإن أراد أن يرجع قبل مشيئتها ، لم يكن له كسائر التعليقات .

فرع

قال : أنت طالق إن شاءت الملائكة ، لم تطلق ، لأن لهم مشيئة ، وحصولها غير معلوم ، ولو قال : إن شاء الحمار ، فكقوله : إن صعدت السماء ، ولو قال : إن شئت أنا ، فمتى شاء وقع .

[ ص: 159 ] فرع

قال لامرأتيه : إن شئتما فأنتما طالقان ، فشاءت كل واحدة طلاق نفسها دون ضرتها ، قال إسماعيل البوشنجي : القياس وقوع الطلاق ، لأن المفهوم منه تعليق كل واحدة بمشيئتها ، وفي " التتمة " ما يقتضي تعليق طلاق كل واحدة بالمشيئتين .

فرع

ذكر البغوي ، أنه لو قال : أنت طالق كيف شئت ، قال أبو زيد والقفال : تطلق شاءت أم لم تشأ ، وقال الشيخ أبو علي : لا تطلق حتى توجد مشيئة في المجلس ، إما مشيئة أن تطلق ، وإما مشيئة أن لا تطلق ، قال البغوي : وكذا الحكم في قوله : أنت طالق على أي وجه شئت . ولو قال : أنت طالق إن شئت أو أبيت ، فمقتضى اللفظ وقوع الطلاق بأحد الأمرين : المشيئة أو الإباء ، كما لو قال : أنت طالق إن قمت أو قعدت ، ولو قال : أنت طالق ، شئت أو أبيت ، طلقت في الحال ، إذ لا تعليق في هذا .

فصل

قال : أنت طالق ثلاثا ، إلا أن يشاء أبوك أو فلان واحدة ، فشاء واحدة ، فثلاثة أوجه ، أصحها : لا يقع شيء ، كما لو قال : أنت طالق إلا أن يدخل أبوك الدار ، فدخل . وعلى هذا لو شاء اثنتين أو ثلاثا ، لم يقع شيء أيضا ، لأنه شاء واحدة وزاد ، والثاني : أنه إذا شاء واحدة وقعت ، والثالث ، يقع طلقتان ، وتقديره : أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء أبوك أن لا يقع واحدة منها ، فلا يقع ، فإذا قلنا بالأول ، فقال : أردت المراد بالثاني ، قبل ، وإن قلنا : بالثاني ، فقال : أردت [ ص: 160 ] معنى الأول ، قبل أيضا على الأصح فلا يقع شيء ، ولو قال : أنت طالق واحدة إلا أن يشاء أبوك ، أو إلا أن تشائي ثلاثا ، فإن شاء أو شاءت ثلاثا ، لم يقع شيء تفريعا على الأصح . وإن لم يشأ شيئا ، أو شاءت واحدة أو ثنتين ، وقعت واحدة . ولو قال : أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت : شئت واحدة أو ثنتين ، لم يقع شيء ، ولو قال : أنت طالق واحدة إن شئت ، فقالت : شئت ثنتين أو ثلاثا ، وقعت الواحدة .

فرع

قال : أنت طالق لولا أبوك ، لم تطلق على الصحيح . وفيه وجه ضعيف حكاه المتولي . ولو قال : أنت طالق لولا أبواك لطلقتك . قال الأصحاب : لا تطلق ، لأنه أخبر أنه لولا حرمة أبيها لطلقها ، وأكد هذا الخبر بالحلف بطلاقها ، كقوله : والله لولا أبوك لطلقتك . قال المتولي : إنما لا تطلق إذا كان صادقا في خبره ، فإن كان كاذبا ، طلقت في الباطن ، وإن أقر أنه كان كاذبا ، طلقت في الظاهر أيضا .

فرع

قال : أنت طالق إلا أن يشاء أو يبدو لي ، قال البغوي : يقع في الحال .

فرع

قال البغوي : لو قال لها : أحبي الطلاق ، أو اهوي ، أو أريدي ، أو ارضي ، وأراد تمليكها الطلاق ، فهو كقوله : شائي أو اختاري ، فإذا رضيت أو أحبت ، أو أرادت ، وقع الطلاق ، هذا لفظه . وقال البوشنجي : إذا قال : شائي الطلاق ، ونوى وقوع الطلاق بمشيئتها فقالت : شئت ، لا تطلق ، وكذا لو قال : أحبي [ ص: 161 ] أو أريدي ، لأنه استدعى منها المشيئة ولم يطلقها ، ولا علق طلاقها ، ولا فوضه إليها ، ولو قدر أنه تفويض ، فقولها : شئت ليس بتطليق ، وهذا أقوى . ولو قال : إذا رضيت أو أحببت أو أردت الطلاق ، فأنت طالق ، فقالت : رضيت أو أحببت أو أردت ، طلقت . ولو قالت : شئت ، قال البوشنجي : ينبغي أن لا يقع ، وكذا لو قال : إن شئت ، فقالت : أحببت أو هويت ، لأن كلا من لفظي المشيئة والمحبة يقتضي ما لا يقتضيه الآخر . ولهذا يقال : الإنسان يشاء دخول الدار ، ولا يقال : يحبه ، ويحب ولده ، ولا يسوغ لفظ المشيئة فيه .

فرع

قال : أنت طالق إلا أن يرى فلان غير ذلك ، أو إلا أن يشاء أو يريد غير ذلك ، أو إلا أن يبدو لفلان غير ذلك ، فلا يقع الطلاق في الحال ، بل يقف الأمر على ما يبدو من فلان ، ولا يختص ما يبدو منه بالمجلس . ولو مات فلان وفات ما جعله مانعا من الوقوع ، تبين وقوع الطلاق قبيل موته .

فرع

ذكر البوشنجي أنه لو قال : أنت طالق إن لم يشأ فلان ، فقال فلان : لم أشأ ، وقع الطلاق . وكذا لو قال : إن لم يشأ فلان طلاقك اليوم ، فقال فلان في اليوم : لا أشاء ، وقع الطلاق ، وقياس التعليق ينفي الدخول وسائر الصفات أن يقال : إنه وإن لم يشأ في الحال ، فقد يشاء بعد ، فلا يقع الطلاق إلا إذا حصل اليأس ، وفاتت المشيئة .

وفي صورة التقييد باليوم ، لا يقع إلا إذا مضى اليوم خاليا عن المشيئة ، ويجوز أن يوجه ما ذكره البوشنجي بأن كلام المعلق محمول على تلفظه بعدم المشيئة ، فإذا قال : لم أشأ ، فقد تحقق الوصف .

فصل

قيل له على وجه الاستخبار : أطلقت امرأتك ، أو فارقتها ، أو زوجتك طالق ؟ فقال : نعم ، فهذا إقرار بالطلاق ، فإن كان كاذبا فهي زوجته في الباطن . فلو قال : أردت الإقرار بطلاق سابق وقد راجعتها ، صدق . وإن قال : أبنتها وجددت النكاح ، فعلى ما ذكرناه فيما إذا قال : أنت طالق في الشهر الماضي ، وفسر بذلك .

ولو قيل له ذلك على وجه التماس الإنشاء ، فإن قال في الجواب : نعم ، طلقت ، ولا إشكال ، وإن اقتصر على قوله : نعم ، فهل هو صريح أم كناية ؟ قولان . قال [ ص: 180 ] ابن الصباغ والروياني وغيرهما : أظهرهما : أنه صريح ، وقطع به بعضهم ، وهو اختيار المزني ، وفي كلام بعضهم إطلاق الخلاف بلا فرق بين الالتماس والاستخبار والإنشاء . والصحيح التفصيل الذي ذكرناه .

ولو قيل له : طلقت زوجتك ، فقال : طلقت ، فقد قيل : هو كقوله : نعم . وقيل : ليس بصريح قطعا ، لأن ( نعم ) متعين للجواب ، وقوله : طلقت ، مستقل بنفسه ، فكأنه قال ابتداء : طلقت واقتصر عليه ، وقد سبق أنه لو اقتصر عليه فلا طلاق .

فرع

قيل له : ألك زوجة ؟ فقال : لا ، فقد نص في " الإملاء " أنه لا يقع به طلاق وإن نوى ، لأنه كذب محض ، وبهذا قطع كثير من الأصحاب ، ولم يجعلوه إنشاء ، ولا بأس لو فرق بين كون السائل مستخبرا أو ملتمسا الإنشاء ، كما قد سبق في الفصل قبله ، لأنا ذكرنا في كنايات الطلاق ، أنه لو قال مبتدئا : لست بزوجة لي ، كان كناية على الأصح ، وذكروا وجهين ، في أنه صريح في الإقرار ، أم كناية ؟ قال القاضي حسين : هو صريح ، والأصح أنه كناية ، لاحتمال أنه يريد نفي فائدة الزوجات ، وبهذا قطع البغوي ، ولها تحليفه أنه لم يرد طلاقها . ولو قال قائل : هذه زوجتك مشيرا إليها ؟ فقال : لا ، فهذا أظهر في كونه إقرارا بالطلاق .

فرع

قيل : أطلقت زوجتك ؟ فقال : قد كان بعض ذلك ، لم يكن إقرارا بالطلاق ، لاحتمال التعليق ، أو الوعد بالطلاق ، أو خصومة تئول إليه ، ولو فسر بشيء من ذلك ، قبل . وإن كان السؤال عن ثلاث ، ففسر بواحدة قبل ، وإن لم يفسر بشيء ، قال المتولي : إن كان السؤال عن ثلاث ، لزمه الطلاق ، وإن كان عن واحدة ، فلا ، لأنها لا تتبعض والأصل أن لا طلاق ، وفي كل واحد من الطرفين نظر .

[ ص: 181 ] قلت : الصواب أنه لا يقع شيء ، إلا أن يعرف به ، سواء سئل عن ثلاث أو مطلقا ، للاحتمالات المذكورة مع الأصل . - والله أعلم .
Masdar: Raudah Nawawi VIII/115 - 184

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية