الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

المطلب الثالث أحكام التصرف في الوقف وزكاته

المطلب الثالث أحكام التصرف في الوقف وزكاته

المحتويات



المطلب الثالث أحكام التصرف في الوقف وزكاته


أولاً : التصرف في الوقف

قد يتعرض الوقف نتيجة استعماله والانتفاع به إلى الاستهلاك ، مما يؤدي إلى تعطيل منافعه، فلا يعود بالنفع على الموقوف عليهم ، فما الحكم والحالة هذه ، هل يباع الوقف ؟ أم يبقى على حاله متعطلاً ؟

حصل في ذلك خلاف بين الفقهاء ، فكانت الأقوال في هذه المسألة ثلاثة :
القول الأول : إذا خرب الوقف أو تعطلت منافعه ، ولم تمكن عمارتها ، أو كان الوقف مسجداً ، فانتقل أهل المنطقة عنه وصار في موضع لا يصلّى فيه ، أو أنه ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه ، فإنه يباع والحالة هذه ويجعل مكانه ما ينتفع به. وهذا مذهب الحنابلة( ).

القول الثاني : لا يجوز بيع شيء من ذلك بأي حال من الأحوال . وهو مذهب المالكية والشافعية( )، وإليه ذهب أبو الخطاب وابن عقيل من الحنابلة( ) .

القول الثالث : إذا خرب الوقف ولم يكن الواقف قد اشترط الاستبدال لنفسه ولا لغيره ، فالاستبدال جائز ، إذا أذن فيه القاضي . وهو مذهب أكثر الحنفية ، وعند محمد بن الحسن يعود الوقف إلى ملك واقفه( ) .

الأدلــــة :

استدل أصحاب القول الأول بما يلي :

1 – ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد ، لما بلغه أنه قد نُقِب بيت المال الذي بالكوفة : أن انقل المسجد الذي بالتَّمّارين ، واجعل بيت المال في قبلة المسجد ، فإنه لن يزال في المسجد مصلٍّ( ) .
يقول ابن تيمية تعليقاً على هذا الأثر : « إذا كان يجوز في المسجد الموقوف الذي يوقف للانتفاع بعينه ، وعينه محترمة شرعاً ، أن يبدل به غيره للمصلحة ، فلأن يجوز الإبدال بالأصلح والأنفع فيما يوقف للاستغلال أولى وأحرى » ( ).
2 – أن فيه استبقاء للوقف بمعناه عند تعذر إبقاء صورته ، فوجب ذلك . وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للرهن( ) .

أما أصحاب القول الثاني فاستدلوا بما يلي :

1 – قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : « لا يباع أصلها ولا تبتاع ، ولا توهب ، ولا تورث » .
2 – أن الإجماع قد انعقد على أن انتشار الأصنام حول الكعبة من غير أن يخرج موضعها عن المسجدية والقربة( ) . فدل ذلك على أن تعطل الوقف لا يخرج الوقف عن كونه يبقى وقفاً ؛ إذ ربما تعود منفعته مرة أخرى .

وقد أجيب عنه : أن القربة التي عينت للبيت الحرام هي الطواف من أهل الآفاق ، وهو لم ينقطع بحال ، وإن كان جملة من يطوفون به من الكفار وهو لا يصح منهم ، إلا أن الإيمان لم ينقطع من الدنيا ، فبقيت منفعته ودامت( ) .

2 – ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه ، لا يجـوز بيعه مع تعطلـها ، كالمعتَق( ) .

ويجاب عنه أن المعتق قد خرج عن ملك معتِقِه بالكلية ، وانتقل إلى وصف الحرية الذي هو مانع شرعي من التصرف برقبته ، بخلاف العين الموقوفة ، فإنها رقبتها باقية على الملك ، حيث انتقلت من مالكها الأول إلى كونها ملكاً لله تعالى أو لمن أوقفت عليه إن كانت وقفاً خاصاً - على الخلاف في ذلك - ففارقت العتق .

أما أصحاب القول الثالث فقالوا : إن أمر نقل الوقف أو بيعه راجع إلى تحقق المصلحة بالنسبة للوقف والموقوف عليهم ، والقاضي هو الأقدر على تقدير هذه المصلحة( ) .

1 - إن الوقف إنما هو تسبيل المنفعة ، فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف عليه منه ، فزال ملكه عنه( ) .
وأجيب عنه بأنه إزالة للملك على وجه القربة ، وما كانت صورته كذلك لا يعود إلى مالكه باختلاله وذهاب منافعه ، كالعتق( ) .
2 – القياس على كفن الميت فيما لو افترس الميت سبع ، فإن الكفن يعود إلى ملك صاحبه( ) .

وأجيب عنه بأن الكفن لم يحرره صاحبه من ملكه، وإنما دفعه لحاجة الميت، مع بقاء ملكه عليه ، فإذا انتفت هذه الحاجة رجع إلى ملك صاحبه( ) .

الترجيـــح :

بعد هذا الاستعراض للأقوال في المسألة وأدلة كل قول ، يظهر لي أن القول الراجح هو القول بجواز بيع الوقف في حالة خرابه وعدم الانتفاع به ، وأنه يجعل مكانه ما ينتفع به ؛ لأن الواقف حين عين الموقوف إنما أراد به حصول النفع للموقوف عليهم ، فإذا خرب الوقف لم يمكن تحصيل قصد الواقف من وقفه ، فكان من اللازم استبداله بآخر يعيد الوقف إلى غايته التي جعل من أجلها .

بل يمكن القول بأن المنفعة المقصودة من الوقف إذا تعطلت مع بقاء العين ، بحيث أصبح لا يستفاد منه ولا يعود بالنفع على الموقوف عليهم ، فإنه لا بأس باستبداله بما يعود نفعه على الموقوف عليهم ؛ لأن الواقف حين أوقفه قصد منه نفع الموقوف عليهم ، وكان ما أوقفه زمن صدور حكم الوقف هو الأنفع للموقوف عليهم ، ولو قدّر أن هذا الوقف لا يعود على الموقوف عليهم في ذاك الزمن ، لسعى الواقف إلى وقف شيء آخر يعود نفعه على الموقوف عليهم . والله تعالى أعلم .


ثانياً : زكـاة الوقــف

اختلفت أقوال العلماء فيما إذا بلغت أموال الوقف نصاب الزكاة ، هل تجب فيها الزكاة أم لا ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن الوقف إذا كان على قوم بأعيانهم ، فحصل من مال الوقف ما فيه النصاب ، فقد وجبت زكاته . أما إذا كان الوقف على المساكين ، فإنه لا زكاة عليهم فيما يحصل في أيديهم حتى لو بلغ النصاب بلا خلاف . وهذا مذهب الحنابلة ، وقول للشافعية( ) .

القول الثاني : لأنه لا زكاة في مال الوقف وإن بلغ النصاب . وهو مروي عن طاوس ومكحول ، وهو المفهوم من إطلاق الحنفية ، وهو قول للشافعية( ) .

القول الثالث : أن الزكاة تجب في مال الوقف سواء كانت على معينين أو غير معينين . وهو مذهب مالك( ) .

الأدلــــة :

استدل أصحاب القول الأول وهم القائلون بالتفريق بين المعين وغيره : بأن الموقوف عليه قد ملك العين الموقوفة ملكاً تاماً ، فوجبت في العين الموقوف الزكاة كسائر الأموال ، ومما يؤكد ذلك أن الوقف الأصل ، والثمرة طلْق وملكه فيها تام ، إذ للموقوف عليه أن يتصرف في الثمرة بجميع التصرفات ، فوجبت فيها الزكاة( ) .

أما غير المعين كالمساكين ؛ فإن الوقف لا يتعين لواحد منهم ، بدليل أن كل واحد يجوز حرمانه والدفع إلى غيره .

يقول ابن رشد رحمه الله : « ولا معنى لمن أوجبها على المساكين ؛ لأنه يجتمع في ذلك شيئان : أحدهما : أنها ملك ناقص ، والثانية أنها على قوم غير معينين ، من الصنف الذين تصرف إليه الصدقة لا من الذين تجب عليهم »( ) .

أما أصحاب القول الثاني فاستندوا في قولهم على ما يأتي :
1 – حديث أبي هريرة في قصة خالد بن الوليد حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أما خالد فإنكم تظلمون خالداً ، فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله »( ) ، ففيه دليل على أن الزكاة تسقط عن الأموال الموقوفة( ) .

ويمكن الجواب عنه بأن احتباس خالد إنما هو في سبيل الله ، وليس احتباساً على معين ، فلم تجب فيه الزكاة لذلك .
2- أن العين الموقوف ليس مملوكة للموقوف عليهم ، وإنما هي ملك لله تعالى ، فلم تجب عليهم الزكاة ( ) .

إلا أن الجمهور اعترضوا على هذا الاستدلال بأننا لا نسلم أن الوقف لا تنتقل ملكيته إلى الموقوف عليهم . وعلى فرض التسليم بذلك ، فإنهم يملكون المنفعة ، ويكفي ذلك في وجوب الزكاة ، قياساً على الأرض المستأجرة التي تجب زكاتها على المستأجر مع أنه لا يملك رقبتها وإنما يملك منفعتها( ) .

أما القائلون بوجوب الزكاة في الوقف مطلقاً ، فقالوا إن الوقف لا يخرج عن ملك الواقف، وبما أن ملكه مستقر عليه، وكان قد بلغ نصاباً فإن الزكاة واجبة فيه( ).

وبذلك يظهر رجحان ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من وجوب الزكاة في أموال الوقف إذا بلغت نصاباً ، وكان الوقف على معيَّنين .

تعليق ختامي

( ) انظر : ابن قدامة : المغني 8/220 ، ابن تيمية : مجموع الفتاوى 31/213، 215 .
ويرى ابن تيمية جواز إبدال الوقف بخير منه مطلقاً ، سواء تعطلت منافعه أو لم تتعطل ، ويجب البيع للحاجة ؛ كتعطل المنافع . وقوله هذا مبناه المصلحة المقصودة من الوقف ، قياساً على الهدي إذا عطب في السفر ، فإنه يذبح في الحال ، وإن كان يختص بموضع . انظر : مجموع الفتاوى 31/223، 228، 236، 238، 252 .
( ) انظر : مالك : المدونة 6/99 ، الدسوقي : حاشية الدسوقي 5/480 ، الغزالي : الوسيط في المذهب 6/260، 261، الشربيني : مغني المحتاج 2/392 .
إلا أن الشافعية نصوّا على أنه يجوز بيع حصر المسجد الموقوفة وجذوعه إذا بليت أو انكسرت أو أشرفت على ذلك ؛ لأنها أصبحت في حكم المعدومة ، فتباع ويصرف ثمنها في مصالح المسجد . أما إذا أمكن الاستفادة من هذه الحصر أو الجذوع في شيء آخر مما هو من مصلحة المسجد فإنه لا يجوز بيعه. انظر : الغزالي : الوسيط في المذهب 4/260 ، المطيعي : تكملة المجموع 15/347 ، الشربيني : مغني المحتاج 2/392 .
( ) انظر : ابن رجب : ذيل طبقات الحنابلة 3/158 ، ابن مفلح : المبدع 5/354، المرداوي : الإنصاف 7/103 .
( ) انظر : السرخسي : المبسوط 12/42 ، ابن الهمام : شرح فتح القدير 6/237 ، الكاساني : بدائع الصنائع 6/221 ، ابن عابدين : رد المحتار 6/548، 550 .
ويرى أبو يوسف أن حصير المسجد وحشيشه إذا استغني عنه ، فإنه يجوز نقله إلى مسجد آخر ، خلافاً لمحمد الذي يقول برجوعه إلى مالكه ، والفتوى عند الحنفية على قول أبي يوسف في خراب الأصل ، وعلى قول محمد في خراب الآلة . انظر : ابن الهمام : شرح فتح القدير 6/236، 237 ، ابن عابدين : رد المحتار 6/549 .
( ) رواه الطبراني في المعجم الكبير 9/192- رقم 8949 . قال الهيثمي في المجمع 6/275 : « رواه الطبراني ، والقاسم لم يسمع من جده ، ورجاله رجال الصحيح » . فالحديث فيه انقطاع .
( ) ابن تيمية : مجموع الفتاوى 31/229 .
( ) انظر : ابن قدامة : المغني 8/222 .
( ) انظر : ابن الهمام : شرح فتح القدير 6/237 .
( ) انظر : ابن الهمام : شرح فتح القدير 6/237 .
( ) انظر : الكاساني : بدائع الصنائع 6/221 ، ابن قدامة : المغني 8/221 .
( ) انظر : الطرسوسي : أنفع الوسائل ص112 .
( ) انظر : ابن الهمام : شرح فتح القدير 6/236 ، الكاساني : بدائع الصنائع 6/221.
( ) انظر : ابن قدامة : المغني 8/222 .
( ) انظر : ابن الهمام : شرح فتح القدير 6/236 ، الكاساني : بدائع الصنائع 6/221.
( ) انظر : الكاساني : بدائع الصنائع 6/221 .
( ) انظر : النووي : المجموع شرح المهذب 5/340 ، ابن قدامة : المغني 8/228 .
( ) انظر : الكاساني : بدائع الصنائع 2/9 ، ابن رشد : بداية المجتهد 1/291 ، النووي : المجموع 5/340 .
( ) انظر : مالك : المدونة 1/285 ، ابن رشد : المقدمات الممهدات 1/307 ، الدسوقي : حاشية الدسوقي 2/88، 89 ، عليش : منح الجليل 4/77 .
( ) انظر : الكاساني : بدائع الصنائع 2/59 ، ابن قدامة : المغني 8/228 .
( ) ابن رشد : بداية المجتهد 1/291 ، وانظر : الكاساني : بدائع الصنائع 2/9 ، ابن قدامة : المغني 8/228 .
( ) سبق تخريجه .
( ) انظر : ابن حجر : فتح الباري 3/392 .
( ) انظر : ابن قدامة : المغني 8/228 .
( ) انظر : ابن قدامة : المغني : 2/228 ، القرضاوي : فقه الزكاة 1/132 .
( ) انظر : ابن رشد : المقدمات الممهدات 2/306 ، الدسوقي : حاشية الدسوقي 1/88، 89 .

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية