الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

ملخص السيرة النبوية

ملخص السيرة النبوية


اسم الكتاب / المقالة: ملخص السيرة النبوية
التصنيف: السيرة النبوية
المؤلف: -
الوظيفة: -

ملخص السيرة النبوية

• هو محمد بن عبد الله ( آمنة بنت وهب الزهرية القرشية ) بن عبد المطلب ( فاطمة بنت عمرو المخزومية القرشية ) بن هاشم ( سلمى بنت عمرو النجارية الخزرجية ) بن عبد مناف ( عاتكة بنت مرة السلمية ) بن قصي ( حبى بنت حليل الخزاعية ) بن كلاب ( فاطمة بنت سعد ) بن مـرة ( هند بنت سرير ) بن كعب ( وحشية بنت شيبـان ) بن لـؤي ( مارية بنت كعب ــ أم كعب ) ابن غالب ( سلمى بنت عمرو الخزاعي ــ أم لؤي ) ابن فهر ــ وهو قريش ــ ( ليلى بنت سعد ــ أم غالب ) ابن مالك ( جندلة بنت الحرث ) ابن النضر ( عاتكة بنت عدوان ) ابن كنانــة ( برة بنت مر بن إد ) ابن خزيمة ( عوانة بنت سعد ) ابن مدركة ( سلمى بنت أسلم ) ابن الياس ( حندف ــ المضروب بها المثل في الشرف والمنعة ) ابن مضر ( الرباب بنت جندة ) ابن نزار ( سودة بنت عك ) ابن معد ( معانة بنت جوشم ) ابن عدنان ........ إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .

• كان إلى قصي ــ الجد الرابع ــ حجابة البيت وسقاية الحاج واطعام الحاج " الرفادة " والندوة ، ولما أشرف على الموت جعلها في يد أحد أولاده عبد الدار ، وكاد الأمر يفضي إلى قتال بين بني عبد الدار وبني عمهم بني عبد مناف ، وانتهى الأمر إلى أن أصبحت حجابة البيت لبني عبد الدار وكذلك اللواء حتى أبطله الإسلام وجعله حقاً للخليفة على المسلمين ، والسقاية والرفادة لبني عبد مناف .

• النسب المتفق علي صحته من علماء التاريخ والمحدثين هو من عبد الله إلى عدنان وهم (21) أب أو (20) جد ، أما النسب فوق ذلك فلا يصح فيه طريق ، إلا أنهم أجمعوا على أن نسب الرسول  ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
• لا يوجد في سلسلة آبائة  إلا كراماً وكذلك أمهات آبائه من أرفع قبائلهن شأناً ، وكل اجتماع بين آبائه وأمهاته  كان شرعياً بحسب الأصول العربية ولم ينل نسبه  شئ من سفاح الجاهلية .

• زَوَّج عبد المطلب أحب أبنائه إليه وهو عبد الله آمنة بنت وهب وسنه ثماني عشرة سنة ، ولما دخل عليها حملت برسول الله  ، وتوفي عبد الله بعد الحمل بشهرين عندما ذهب بتجارة إلى الشام ، ودفن بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار ، وولد  في دار أبي طالب بشعب بني هاشم صبيحة يوم الأثنين 9 ربيع الأول الموافق 20 ابريل 571 من الميلاد والمعروف بعام الفيل ، وكانت قابلته هي الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف ، وسماه جده عبد المطلب محمداً وفرح به فرحاً شديداً ، وكانت حاضنته هي بركة الحبشية ــ أم أيمن ــ أَمَة عبد الله ، وأول من أرضعته هي ثويبة ــ أَمَة عمه أبي لهب .

• جاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً يرضعنهن ، فكان الرسول  من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وزوجها أبو كبشة ، حيث كان من عادة العرب التماس المراضع لمواليدهم في البوادي ليكون أنجب للولد لأنهم يرون أن المربى في المدن يكون كليل الذهن فاتر العزم، ودُرت البركـات على أهل هذا البيت الذين أرضعوه  مدة وجوده بينهم ( ما يربو على أربع سنوات ) .
• وأثناء وجوده  ببني سعد شُق صدره ، وخافت لذلك حليمة خوفاً شديداً فردته إلى أمه .
• وماتت أمه  وعمره ست سنوات بقرية بين مكة والمدينة وهي أقرب إلى المدينة تعرف بالأبواء ، عندما كانت في زيارة لأخوال أبيه بني عدي بن النجار ، فحضنته أم أيمن ــ بركة الحبشية ــ وكفله جده عبد المطلب وكان يكرمه غاية الإكرام ، ولم يلبث أن توفي وكان عمره  ثماني سنوات ، فكفله عمه أبو طالب وكان له رحيماً .

• ولما بلغ سنه  اثنتي عشرة سنة أراد عمه أبو طالب الخروج إلى الشام بتجارة فاستعظم  فراق عمه كفيله فرق له وأخذه معه ــ وهذه هي الرحلة الأولى ــ وفي أثناء هذه الرحلة أقبل بحيرا الراهب على رجال القافلة سائلاً إياهم عما رآه في كتبهم المقدسة من بعثة نبي من العرب في هذا الزمن ، فقالوا لم يظهر بعد .

• حرب الفجار : وسببها أن النعمان بن المنذر ملك العرب بالحيرة كان له تجارة يرسلها كل عام إلى عكاظ في أمان رجل ذي منعه ، وفي يوم وعنده البراض بن قيس الكناني وعروة بن عتبه الرحال قال : من يجزي لي تجارتي هذه حتى يبلغها عكاظ؟ فعرض البراض عليه أن يجيزها له على بني كنانه فقال النعمان : بل أريد على الناس كلهم! فعرض عروة أن يجيزها هو على الناس كلهم بما فيهم كنانه ، فأسرها البراض في نفسه وتربص له حتى إذا خرج بالتجارة فقتله غدراً ، ونشبت الحرب بين كل من كنانه معها قريش وبين قيس وكان عمره وقئذ  عشرون عاماً . وقد سميت بذلك الأسم لما استحل فيها من حرمات مكة التي كانت مقدسة عند العرب . وقد انتهى الأمر إلى الصلح بأن يدفع الطرف صاحب عدد القتلى الأقل الدية للطرف الأخر عما يزيد عليهم في القتلى .

• حلف الفضول : بعد انتهاء قريش من حرب الفجار دعوا إلى ذلك الحلف والذي تم الاتفاق عليه في دار عبد الله بن جدعان التميمي وتعاقدوا على ألا يجدوا مظلوماً بمكة من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد إليه مظلمته . وقال فيه الرسول  " شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ، ما أحب لي به حمر النعم ، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت" .

• عرف  في قومه بالأمين ، مما دعا خديجة بنت خويلد الأسدية إلى أن تستأجره ليخرج في مالها إلى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره ، وخرج في تجارة إلى الشام مع غلامها ميسرة وظهر من البركات في هذه السفرة ما حبب الرسول  إلى قلب ميسرة .وكانت تلك هي الرحلة الثانية له  وكان عمره  خمسة وعشرون عاماً .

• قدم الرسول  مع ميسرة الى مكة وقد ربحا ربحاً عظيماً ، مما جعل خديجة تخطبه لنفسها وكانت سنها نحو الأربعين ، فقام  مع أعمامه ليخطبها من عمها عمرو بن أسد وكان ذلك بواسطة عمه أبو طالب . وتزوجها  .

• لما بلغت سنه  خمسا وثلاثون سنة جاء سيل جارف فصدع جدران الكعبة بعد توهينها من حريق اصابها من قبل فأرادوا قريش أن يعيدوا بنائها ولكنهم هابوا هدمها لما لها من مكانة في قلوبهم ، حتى تحدث إليهم الوليد بن المغيرة بأنه لا بأس في ذلك طالما أنهم يريدون بها خير ، وشرع يهدم فتبعوه ، وأعدوا لذلك مالاً ليس فيه مهر بغي ولا بيع ربا ، وحمل أشراف قريش ومعهم الحبيب المصطفى  الحجارة على أعناقهم ، ولما ضاقت بهم النفقة الطيبة أخرجوا منها حجر اسماعيل واكتفوا بأن يبنوا عليه جداراً قصيراً ليدل ذلك على أنه من الكعبة ، وعند وضع الحجر الأسود موضعه اختلفوا فيمن يكون له الشرف بعمل ذلك وكادت تنشب نار الحرب فيما بينهم ، ودام الخصام أربع ليال ، حتى اشار عليهم أبو أمية بن المغيرة المخزومي عم خالد بن الوليد بأن يحكموا بينهم من يرضون حكمه ، فأتفقوا على أن يحكموا أول داخل عليهم . وكان الأمين  ، فرضوا به حاكماً ، فوضع رداءه وقال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ووضع  الحجر فيه وأمرهم برفعه حتى انتهوا إلى الكعبة فأخذه ووضعه في مكانه .

• كما سبق الذكر فإنه  ولد يتيما لم يرث شيئاً ، ولما بلغ مبلغاً يمكنه معه أن يعمل فأخذ يرعى الغنم مع اخوته من الرضاع في البادية ، وذلك عندما كان في بني سعد ، ولما رجع إلى مكه أخذ يرعى الغنم لأهلها ، وهذا هو حال الأنبياء ، حيث لو أنهم ولدوا أغنياء لألهاهم ذلك عما أرسلوا إليه . وكما أخبرنا  بأنه ما من نبي إلا ورعى الغنم . ولعل الحكمة من ذلك أنه من استرعى الغنم وهى أضعف البهائم سكن قلبه الرأفة والعطف ، بحيث إذا انتقل إلى رعاية الخلق كان عادلاً فيما بينهم رحيماً عليهم .
• كان  احسن قومه خلقاً وأصدقهم حديثاً ,أعظمهم أمانة ,أبعدهم عن الفحش وأفضلهم مروءة ، ولذا سموه الأمين لما جُمع فيه من صفات صالحة حميدة . حتى شهد له بذلك أشد أعدائه النضر بن الحارث حيث قال فيه " قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً ، أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم ، قلتم ساحر !! لا , والله ما هو بساحر " . كذلك لما سأل هرقل ملك الروم أبو سفيان "هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟" قال لا ، فقال هرقل "ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله" . وقد حفظه الله تعالى من أعمال الجاهلية وبُغضت إليه الأوثان والشعر ، وكان  لا يأكل مما ذبح على النصب وحرم شرب الخمر على نفسه ــ وهذه هي الصفات التي يحلي الله تعالى بها أنبياءه قبل النبوة وبعدها .

• أكرم الله تعالي نبيه محمد  ببعض المنح قبل بعثته عليه السلام ، (1) فأول منحه منحه الله تعالى إياها كانت عندما كان  مسترضعاً في بني سعد بن بكر ، حيث كانوا قبل وجوده  بينهم مجدبين ولما صار بينهم حل الخير عليهم وصارت غنيماتهم تؤوب من مرعاها وإن أضراعها لتسيل لبناً . (2) وما حدث له من شق صدره واخراج حظ الشيطان منه ، (3) وتسخير الغمامة لتظله وحده أثناء خروجه في تجارة أم المؤمنين خديجة إلى الشام كما روى ذلك ميسرة غلام أم المؤمنين خديجة ، (4) وما أخبر به  بما كان يسمعه عليه السلام عندما كان يخرج لقضاء حاجته فلا يمر بحجر ولا شجر إلا سمع " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " وكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحداً .

• كان التبشير به  في التوراة وفي الإنجيل ولكن حُجُب الجهالة أعمت من لم يصدقوه  من اليهود والنصارى عن التصديق به ، بالرغم من أن اليهود كانوا يستفتحون على عرب المدينة برسول منتظر ، حيث كانوا يتوعدون المشركين ويقولون " قد تقارب زمان نبي يبعث الآن ، نقتلكم معه قتل عاد وارم " ، ولما بعثه الله تعالى بادر بعض المشركين بتصديقه  لما عرفوه عنه من اليهود قبل بعثته عليه السلام ، وأما اليهود أنفسهم فقد كفروا به . وقد آمن به  بعض النصارى بعد أن وجدوا فيه من الصفات التي وُصف بها عليه السلام في الإنجيل كالنجاشي ملك الحبشة .

• وفي يوليو سنة 610 من الميلاد وعندما بلغ  سن الكمال ــ أربعون سنة ــ أرسله الله تعالى للعالمين بشيراً ونذيرا وليخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم . ,والرؤيا الصادقة هي أول ما بدئ به الوحي فكان  لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح واستمر ذلك لمدة ستة أشهر ــ لذا فقد قيل أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة واربعون جزء من النبوة ، لأن مدة التبليغ ثلاثة وعشرون سنة ـــ ثم حُبب إليه عليه السلام الخلاء لينقطع عن الخلق إلى الله تعالى ، فكان يخلو بغار حراء "جبل على مقربة من مكة" فيتعبد فيه الليالي ذوات العدد فتارة عشراً وتارة أكثر إلى شهر ويأخذ لذلك زاده ، حتى جاءه الحق ، فبينما هو قائم في بعض الأيام على الجبل إذ ظهر له شخص وقال : أبشر يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله إلى هذه الأمة ، ثم قال : إقرأ ، قال : ما أنا بقارئ ــ لأنه  أمي ــ فأخذه فغطه بالنمط الذي كان ينام عليه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : إقرأ ، قال : ما أنا بقارئ ، فأخذه فغطه ثانية ثم أرسله فقال : إقرأ ، قال ما أنا بقارئ ، فأخذه فغطه الثالثة ثم أرسله فتلا عليه اول سورة العلق (آية 1 : 5) .

فرجع إلى السيدة خديجة يرتجف لما ألم به من مقابلة المَلَك لأول مره ولم يكن له  علم قبل ذلك بجبريل ، وقال زملوني زملوني ، ثم أخبرها الخبر ، فأخذت تطئمنه  بأن الله لن يخذيه أبداً ، وبادرت السيدة خديجة بالإستعانة بمن له علم بحال الرسل ، وكان لها ابن عم قد تنصر في الجاهلية يدعى ورقة بن نوفل فقصت عليه ما حدث ، فأخبر بأن هذا الذي جاءه هو الناموس الذي نَزَّل الله على موسى عليه السلام ، ثم أخبره بأنه لم يأت أحداً بمثل ما جاء هو  به إلا عودي .

• وفتر الوحي لفترة ــ اربعون يوما على أرجح الأقوال ــ ليشتد شوق النبي  له ، وقد كان ، حتى صار كلما أتى ذروة الجبل بدا له أن يرمي نفسه منها حذرا من قطيعة الله له بعد أن أراه نعمته الكبرى بأن يكون واسطة بينه سبحانه وتعالى وبين خلقه ، فيتبدى له المَلَك قائلاً : انت رسول الله حقاً ، فيطمئن ويرجع عما عزم . وذات يوم إذ هو يمشي  سمع صوتاً من السماء فرفع إليه بصره فإذا هو المَلَك الذي جاءه بحراء جالس بين السماء والأرض ، فخاف منه  لتذكره ما حدث في المرة الأولى .فرجع وقال دثروني دثروني ، فأنزل الله تعالي عليه أول سورة المدثر ( من الآية 1 : 7) ، حيث كان ذلك بداية التكليف الحقيقي له  بالأمر بالدعوة بين الناس وأن يحذرهم عذاب الله وبكل ما أشتملت عليه هذه الآيات من أوامر .

• وامتثالاً لأمر الله له قام بالدعوة لعبادة الله ، ولكن لم يصدقه إلا ذووا العقول الواعية ، فكان أول من تحلى بنور الإسلام هي زوجه  السيدة خديجة بنت خويلد ، وابن عمه  علي بن أبي طالب ــ حيث كان رضي الله عنه مقيماً عنده  في المنزل بعد أن كفله  تخفيفاً للعبء على عمه ابا طالب لأنه كان كثير الأولاد مقلاً ولِما أصاب قريش من مجاعة ، وكذلك قام العباس بن عبد المطلب عم الرسول  بكفالة ابن أخر من أبناء أخيه وهو جعفر بن عبد المطلب ـــ وأسلم أيضاً زيد بن حارثة ــ مولاه عليه السلام ــ حيث اشتراه  واعتقه وتبناه ، وكان يعرف بزيد بن محمد قبل أن يمنع الاسلام التبني . وكذلك أجابت أم أيمن ( بركة الحبشية ) حاضنته  والتي زوجها بمولاه زيد .

• وأول من أجاب من غير أهل بيت النبي  أبو بكر بن أبي قحافة وكان صدراً معظماً في قريش وعلي سعة من المال وكرم الأخلاق ، وقد قال فيه الحبيب  (( ما دعوت أحداً للاسلام إلا وكانت له كبوه ، غير أبي بكر )) ، وقد كان رضي الله عنه بمنزلة الوزير للرسول  لما اتصف به من مكارم الأخلاق والعفه والمحبة بين الناس . وقام رضوان الله عليه بدعوة من كان يثق بهم من رجال قريش ــ حيث كانت الدعوة سراً في ذلك الوقت ــ فأجابه منهم عثمان بن عفان بن أبي العاص ، وكان يناهز الثلاثين من عمره ، وكذلك الزبير ابن العوام بن خويلد ــ ابن عمته  صفيه بنت عبد المطلب ــ وكان شاباً لا يتجاوز سن الاحتلام ، وأيضاً عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث ، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه عليه السلام عبد الرحمن ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان الذي كان من الرهبان وكان يعرف الرسول  وصفته ، وصهيب الرومي ، وعمار ابن ياسر العنسي ، وأبوه ياسر ، وأمه سمية ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو ذر الغفاري ، وسعيد بن زيد العدوي وزوجه فاطمة بنت الخطاب ــ اخت عمر ــ وأم فضل "لبابة بنت الحارث الهلالية ــ زوج العباس بن عبد المطلب عم الرسول  ، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ــ ابن عم النبي  ــ وأبو سلمة بن عبد الله بن عبد الأسد ــ ابن عمة الرسول  ــ وزوجه أم سلمة ، وعثمان بن مظعون الجمحي وأخواه قدامه وعبد الله ، والأرقم بن أبي الأرقم ، وخالد بن سعيد بن العاص بن أميه ، وكان أبوه سيد قريش ، وبعد ان علم بدخول ابنه في الاسلام منعه القوت فانصرف إلى رسول الله  ، واسلم بعده أخوه عمر بن سعيد .

• وهؤلاء السابقين لم يُرغموا على الدخول في الاسلام ، فلم يكن معه  سيف ليضربهم به فيصدقوه خوفاً ، ولم يكن معه المال الوفير ليغريهم به ، بل كان منهم من هم في سعة من المال مثل أبو بكر وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وخالد بن سعيد . بل على العكس من ذلك تماماً فقد لاقوا هؤلاء من الأذى والعذاب حتى يتركوا هذا الدين ، ولكن هيهات هيهات ، فإذا سطع نور الايمان الصادق لا يغشاه ظلمة الشرك والضلال .فاللهم أرزقنا ايماناً صادقاً نجد حلاوته في قولبنا ، وامنع عنا الضلال وظلمته ، وهون علينا القبر وضمته ، واحشرنا مع الحبيب وزمرته  .

• وكما ذُكر آنفاً ، فقد كانت الدعوة سراً ، ولم يُظهر المسلمون عباداتهم حذراً من تعصب قريش ، إلى أن جاءه الأمر من قبل المولى عز وجل بالجهر بالدعوة (سورة الحجر/ آية 24) ، فصعد على الصفا  وأخذ ينادي لبطون قريش فخرج إليه من خرج ومن لم يستطع الخروج ارسل رسولاً لينظر الخبر ، فقال  (( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي ؟ )) قالوا : ما جربنا عليك كذباً ، قال  (( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد )) فقال ابو لهب : تباً لك ، الهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله في شأنه سورة المسد .ثم أمره الله تعالي بأن يدعوا عشيرته وأقربائه  ( سورة الشعراء/ الآيات 214 و215 و216) ، فجمعهم عليه السلام وأخذ يدعوهم ، ولكن تكلموا كلاماً طيباً على عكس ما فعله عمه ابو لهب .

• واستمر  في الدعوة حتى سخرت منه قريش واستهزءوا به في مجالسهم ، فكان إذا مر عليهم يقولون : هذا ابن ابو كبشة (زوج حليمة بنت أبي ذؤييب السعدية ــ مرضعته  ) يكلم من السماء!! . ولما أخبرهم عليه السلام أنهم خالفوا دين ابيهم ابراهيم عليه السلام وسفه آلهتهم التي يعبدونها من دون الله ، ذهبوا إلى ابي طالب عم النبي  وسيد بني هاشم الذي أخذ على نفسه حمايته من أيدي أعدائه ، وطلبوا منه أن يخلي بينهم وبينه أو يكفه عما يقول . ولكن لم يصرفه  ذلك عن الاستمرار في طريق الدعوة إلى الله مما زاد من عداوة قريش له  ، فمشوا إلى أبي طالب مرة أخرى ليبلغوه بأنهم لن يصبروا على شتم آبائهم وتسفيه عقولهم , وأنه إما أن يكفه عن ذلك أو ينازلوه وإياه  . فعظم ذلك على أبي طالب ــ إما أن يفارق قومه بمؤازرة ابن أخيه أو أن يخذله بموافقة قومه ــ فتحدث بذلك إلى الرسول  وأخبره بالأمر ، فظن الرسول  أن عمه خاذله فقال له (( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذه الأمر ، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) ثم بكى  وولى .فقال أبو طالب : أقبل يا ابن أخي . فأقبل  عليه . فقال : اذهب فقل ما أحببت ، والله لا اسلمك .

• لم يهتز الرسول  من تهديد تلك الفئة الضالة من قريش له ولعمه أبو طالب وما رجع عن الدعوة إلى الله ، مما دفع بمشركي قريش لإيذاء الحبيب المصطفى عليه السلام ، وقد كان هناك جماعة كثيرون الأذى له  عرفوا بالمستهزئين ـــ وأول هؤلاء الضالة قلوبهم أبو جهل " عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي " ، فقد قال يوماً : يا معشر قريش إن محمداً قد أتى ما ترون من عيب دينكم وشتم آلهتكم وسب أبائكم ، وإني اعاهد الله لأجلسن له غداً بحجر لا أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو أمنعوني فليصنع بي بنو عبد مناف ما بدا لهم ، فلما أصبح أخذ حجراً كما وصف ، ثم جلس لرسول الله ينتظره ، وغدا  إلى صلاته وقريش في أنديتهم ينظرون ما أبو جهل فاعل ، فلما سجد  احتمل أبو جهل الحجر وأقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقع اللون من الفزع ورمه حجره من يده ، فقام إليه رجال من قريش فقالوا : مالك يا ابا الحكم؟ قال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم ، فلما دنوت منه عرض لي فحل من الإبل ، والله ما رأيت مثله قط ، هم بي أن يأكلني!!! . فلما ذُكر ذلك لرسول الله  قال : ذاك جبريل ولو دنا لأخذه .

ومن إيذاء أبو جهل للنبي  ما حكاه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من رواية البخاري : كنا مع رسول الله في المسجد وهو يصلي فقال أبو جهل : ألا رجل يقوم على فرث جزور بني فلان ، فيلقيه على محمد وهو ساجد؟ فقام عقبة بن ابي معيط بن أبي عمرو بن أميه وفعل ذلك ، ولم يجرؤ أحداً من المسلمين الموجودين بالمسجد على معاداة مشركي قريش وقتئذ ويرفع ذلك الأذى عن رسول الله  . وظل ذلك حتى جاءت فاطمة بنت رسول الله  فألقت عنه  القذر ، فقام  ودعا على من صنع هذا الصنع القبيح فقال  : اللهم عليك بالملأ من قريش . وسمى أقواماً ، فقال ابن مسعود : فرأيتهم قتلوا يوم بدر .

ومن جماعة المستهزئين أبو لهب بن عبد المطلب عم النبي  ، فكان جاراً لرسول الله  وكان يرمي القذر على بابه ، فكان الرسول  يطرحه ويقول : يا بني عبد مناف أي جوار هذا ؟! ، وكانت تعاونه على هذا الفعل القبيح زوجته أم جميل بنت حرب بن أمية .
وممن كانوا أشد الناس إيذاءاً للرسول  عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية ، فكان الجار الثاني للرسول عليه السلام ، وكان يصنع صنع أبي لهب .وقد صنع مرة وليمة ودعا لها كبراء قريش وفيهم رسول الله  ، فقال عليه السلام : والله لا آكل طعامك حتى تؤمن بالله فتشهد . فبلغ ذلك أُبي بن خلف الجمحي القرشي ، صديق عقبة ، فقال له : ما شئ بلغني عنك؟ فقال : لا شئ ، دخل منزلي رجل شريف فأبى أن يأكل طعامي حتى اشهد له، فأستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم ، فشهدت له . قال أُبي : وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تطأ عنقه ، وتبزق في وجهه ، وتلطم عينه . فلما رأى عقبة رسول الله فعل به ذلك وفيه نزل قول الله تعالى في سورة الفرقان ( آية 27 و28 و29 ) .

ومما صنعه هذه الملعون ــ عقبة بن أبي معيط ــ ما رواه البخاري في صحيحه قال : بينما النبي يصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنق رسول الله فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبي بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي  وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!!! .

ومن المستهزئين العاص بن وائل السهمي القرشي والد عمرو بن العاص ، فكان شديد العداوة لرسول الله  ، فكان عليه دين لخباب بن الأرت ــ وهو أحد رجال المسلمين ــ فقال له العاص : أليس يزعم محمد هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما يبتغي أهلها من ذهب أو فضة أو ثياب أو خدم؟ قال خباب : بلى . قال فأنظرني إلى ذلك اليوم فسأوتي مالاً وولداً وأقضيك دينك .فنزلت فيه الآيات (77 : 80) من سورة مريم .

ومن جماعة المستهزئين أيضاً الأسود بن عبد يغوث الزهري القرشي من بني زهرة أخوال النبي  ، فكان إذا رأى أصحاب رسول الله  استهزأ بهم ، وكان يقول للنبي  ساخراً منه : أما كلمت اليوم من السماء؟ .

ومنهم الأسود بن عبد المطلب الأسدي ــ ابن عم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ــ فكان إذا مر عليه وشيعته المسلمون يستهزئون منهم ويسخرون ، وفيهم نزل قول الله في سورة المطففين الآيات (29 : 32 ) .

ومنهم الوليد بن المغيرة المخزومي عم أبو جهل ، فكان من عظماء قريش وقد سمع القرآن مرة من رسول الله  فقال لقومه : والله لقد سمعت من محمداً آنفاً كلاماً ، ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وأنه يعلوا وما يعلي . فقالت قريش صبأ الوليد .فتحدث إليه أبو جهل بما أحماه حتى فكر ثم قال على رسول الله  أنه ما هو إلا ساحر .

ومنهم النضر بن الحارث العبدري ــ من بني عبد الدار ــ فكان يجمع الناس ويحدثهم عن ملوك فارس ، وكان يعلم أحاديثهم ليصرفهم بذلك عن الاستماع لرسول الله  .

وقد توعد الحق سبحانه وتعالى هذه الفئة ــ فئة المستهزئين ــ وقد كان هلاكهم بعد الهجرة ، فمنهم من قتل كأبي جهل والنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ، ومنهم من ابتلاه الله بمرض شديد حتى أهلكه ، كأبي لهب والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة .
• وسبحان الله العظيم خالق العسر واليسر مقدر الأقدار ومسبب الأسباب ، فقد كان هذا الإيذاء سبباً في إسلام حمزة بن عبد المطلب ــ عم رسول الله  ــ فقد عيرته بعض الجواري بإيذاء أبي جهل لإبن أخيه ، فتوجه إليه وسبه وقال له : كيف تسب محمداً ، وأنا على دينه ؟ ــ مع أنه لم يكن كذلك ، ولكن عز عليه ايذاء ابن أخيه ــ ثم أنار الله بصيرته بنور الإيمان حتى أصبح من أحسن الناس اسلاماً ,اقواهم شكيمة على أعداء الدين حتى سمي " أسد الله " .

• ولم يقتصر الأذى على رسول الله  وحده ، وإنما أوذي وعدوي أصحابه عليه السلام لإتباعهم له ، خصوصاً من ليس له عشيرة ترد كيد عدوه عنه . ومن هؤلاء الذين أوذوا اشد الأذى لإسلامهم هو بلال بن رباح ، فكان مملوكاً لأمية بن خلف الجمحي ، فكان يضع الحبل في عنقه ويعطيه للصبيان ليلعبوا به ، ويضع الصخرة العظيمة على صدره في وقت الظهيرة حيث الرمل الشديد الحرارة ، ولكن ما زاده ذلك إلا قوة وصلابة ، فكان لا يقول إلا أحدُ أحد ، وذلك إلى أن أشتراه الصديق وأعتقه . ومن هؤلاء الذين عُذبوا حمامةُ " أم بلال " ، وعامر بن فهيرة الذي كان يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكذلك أبو فكيهة كان عبداً لصفوان بن أمية بن خلف ، وزنيرة ــ التي عذبت حتى عميت ، وأم عنيس ، وعمار بن ياسر وأخوه وأبوه وامه كانوا يعذبون بالنار حتى ماتا أبوه وأمه ، ومر بهم رسول الله  فقال " صبراً آل ياسر ، فموعدكم الجنة " . وكذلك ممن عُذبوا خباب بن الأرت ، فكانت مولاته تعذبه بالنار ، وقد جاء يوماً إلى رسول الله  وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فقال : يا رسول الله ، ألا تدعو لنا؟. فقعد عليه السلام محمراً وجهه فقال " إنه كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ويوضع المنشار على فرق رأس أحدهم فيشق ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليظهرن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه " . وممن أوذوا أيضاً أبو بكر الصديق ، فلما اشتد عليه الأذى أجمع أمره على الهجرة من مكة إلى جهة الحبشة ، فلقيه ابن الدغنة ــ سيد قبيلة عظيمة اسمها القارة ــ فعاد به إلى مكة وكان جار له . ومُنع أبو بكر من أن يعلن صلاته ، فكان لا يصلي إلا في بيته ، ثم ابتنى مسجداً في فناء بيته فأزعج ذلك قريش ، وأخبرت بذلك ابن الدغنة ، فما كان إلا أن رد ابو بكر الصديق على ابن الدغنة جواره ورضي بجوار الله له .

• ونتيجة لهذا الذي لحق بالمسلمين من الأذى ، تجهز ناس للخروج من مكة متجهين إلى الحبشة فراراً بدينهم كما أشار  . وهذه هي أول هجرة من مكة ، وعددهم عشرة رجال وخمس نسوة . ولم يبقى مع الرسول  إلا القليل .

• وفي ذلك الوقت تحققت دعوة المصطفى  بإسلام عمر بن الخطاب العدوي القرشي ، حيث دعا رسول الله  قبيل اسلامه " اللهم أعز الاسلام بعمر " . وكان اسلامه في دار الأرقم بن أبي الأرقم التي كان يجتمع فيها المسلمون ، وقال عبد الله بن مسعود من رواية البخاري : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر . وقد طلب من رسول الله  أن يعلن صلاته في المسجد ففعل ، وكان اسلامه صدمة كبيرة لمشركي قريش ، وارادوا قتله حتى قال له العاص بن وائل السهمي : أنا جار لك ، وكف عنه بذلك ما ارادوه كفار قريش .
• كانت هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة في شهر رجب ، ونظراً لقلة عددهم وأنهم من أشراف قريش صعب عليهم الاقامة في الحبشة ، فرجعوا في شهر شوال من نفس السنة ، أي بعد ثلاثة أشهر . ولم يدخل مكة إلا من وجد له مجيراً .

• ولما أدرك كفار قريش الخطر الداهم الذي أحاط بهم من ازدياد قوة المسلمين وتزايد عددهم بجانب عجزهم عن أن يوقفوا حركة الدعوة إلى دين الله ، لم يجدوا إلا أن يعرضوا على بني عبد مناف دية مضاعفة حتى يسلموهم رسول الله  ، فأبوا . ثم عرضوا على أبي طالب أن يعطوه سيداً من شبانهم يتبناه ويسلم إليهم رسول الله  فقال : عجبا لكم!!! تعطوني ابنكم أغذيه لكم وأعطيكم ابني تقتلوه؟!!! . مما أضطرهم إلى مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب ولدي بني عبد مناف وإخراجهم من مكة ولا يبيعونهم ولا يبتاعوا منهم حتى يسلموا محمداً رسول الله  للقتل . وكتبوا بذلك صحيفة وضعوها في جوف الكعبة ، فانحاز كل من بني هاشم وبني عبد المطلب في شعب أبي طالب ما عدا أبا لهب فكان مع قريش وانخذل عنهم بنو عميهم عبد شمس ونوفل ابني عبد المطلب . وطال ذلك لما يقرب من ثلاث سنوات حتى ضاق بهم الحال في شعب أبي طالب وكانوا يأكلون ورق الشجر .

• وهنا أمر رسول الله  جميع المسلمين بالهجرة إلى الحبشة ، ففعل معظمهم ، وكانوا نحو ثلاثة وثمانين رجلاً وثمانية عشرة امرأة ، وقد انضم إليهم الذين أسلموا من جهة اليمن ــ وهم الأشعريون " أبو موسى وبنو عمه " ــ فأرسلت قريش في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدايا إلى ملك الحبشة " النجاشي " ليسلم المسلمين ، فرجعا شر رجعة ولم ينالوا مرادهم .

• وسخر الله تعالى خمسة رجال من قريش ليطالبون بنقض هذه الصحيفة الظالمة ، وانتهى الأمر إلى أن قام أحدهم وهو المطعم بن عدي فشق الصحيفة وقد أكلتها الأرضة ولم يبق فيها إلا ما فيه اسم الله . وانتهت بذلك هذه الشدة .

• وقد بلغ نصارى نجران خبر الرسول  من مهاجري الحبشة ، مما جعلهم يقدمون على رسول الله  حتى يروا صفاته التي ذكر منها في كتبهم ، وكانوا عشرون رجلاً تقريباً .

• بعد خروجه  من شعب أبي طالب بقليل وقبل الهجرة بثلاث سنوات توفيت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ، وحزن لذلك رسول الله  حزناًَ عميقاً . حيث أنها كانت أول من آمن به من أهل بيته وصدقته وآزرته ، كما أنجبت لرسول الله  كل أولاده ــ عدا إبراهيم ــ ( وهم : زينب ــ رقية ــ أم كلثوم ــ فاطمة ــ القاسم ــ عبد الله) . وقد جاءت السيدة خديجة بأولاد توفوا صغاراً . ولم يعش بعد رسول الله  من أولاده إلا فاطمة رضي الله عنهم جميعاً .

• وفي نفس الشهر الذي فارقته فيه السيدة خديجة عقد  على السيدة سودة بنت زمعة العامرية القرشية بعد أن توفي عنها زوجها وابن عمها السكران بن عمرو بعد رجوعه من هجرته إلى الحبشة في المرة الثانية .

• وبعد شهر من زواجه  بأم المؤمنين سودة ، عقد  على عائشة بنت أبي بكر وهي لا تتجاوز السابعة من عمرها ، وبنى بها بالمدينة . ولم يتزوج  بكراً غيرها .

• وبعد شهر من وفاة السيدة خديجة توفي أبو طالب ــ عم النبي  ــ وقد نال مشركي قريش من رسول الله  بعد وفاة عمه ما لم ينالوه أثناء حياته حتى كانوا ينثرون على رأسه الشريف التراب ويضعون الأوساخ عليه  أثناء صلاته ، وفي مرة تعلقت به كفار قريش يتجاذبونه ، فما تقدم أحد من المسلمين ليخلصه لما هم عليه من ضعف ، إلا أبو بكر ، فعل . وبالرغم من أن أبو طالب لم يكذب رسول الله  ، فإنه لم ينطق بالشهادتين حتى آخر لحظة في حياته . وقد سمى رسول الله  العام الذي توفي فيه السيدة خديجة وأبو طالب بعام الحزن ، لشدة حزنه  عليهما وتأثره لفراقهما .

• وأشتد الأمر على رسول الله  ، فاراد أن يتوجه إلى ثقيف بالطائف ( بلد تقع في الجنوب الشرقي من مكة ) لينصروه على قومه ، حيث أنه له فيهم خؤولة ( أقرباء من جهة الأم ) ، فردوا عليه رداً قبيحاً ، فطلب منهم  أن لا يخبروا قريشاً بأنه طلب النصرة من أعدائهم فأبوا وارسلوا سفهائهم وغلمانهم يقفون ويرمونه بالحجارة هو ومولاه زيد بن حارثة حتى أدموا قدمه  . وذلك إلى أن انتهى إلى شجرة كرم بجوار بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة ــ وهما من أعدائه ــ ودعا عليه السلام قائلاً " اللهم اني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا ارحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم على عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا ابالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .

فلما رآه ابنا ربيعة رقا له وأرسلا إليه بقطف من العنب مع مولى لهما نصراني اسمه عدَّاس الذي أسلم بعد حديثه مع رسول الله  .وأتي جبريل عليه السلام إلى رسول الله وقال له: إن الله أمرني أن أطيعك في قومك لما صنعوه معك ، فقال  (( اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون )) .

• فلم يستطع  الدخول إلى مكة بعد أن علم كفار قريش بما حدث بالطائف ، فأرسل عليه السلام إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ليدخل مكة في جواره فأجاب المطعم .

• قدم على النبي عليه السلام الطفيل بن عمرو الدوسي من أشراف قبيلة دوس وكان شاعراً فلما قرأ الرسول  عليه القرآن أسلم ، وسأله الرسول  أن يذهب لقومه ويدعوهم للإسلام ودعا لهم  وقال " اللهم أهدِ دوساً " ، فدعا الطفيل قومه للإسلام وآمن الكثير بدعوته لهم .

• أكرم الله تعالى رسوله بالإسراء والمعراج قبل الهجرة إلى المدينة ، فقد أُسري به  إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس وعرج به  إلى السماء الأولى فإذا بآدم عليه السلام ، ثم السماء الثانية فإذا بعيسى ويحيى عليهما السلام ، ثم الثالثة فإذا بيوسف عليه السلام وقد أعطي شطر الحسن ، ثم الرابعة فإذا بإدريس عليه السلام ، ثم الخامسة فإذا بهارون عليه السلام ، ثم السادسة فإذا بموسى عليه السلام ، ثم إلى السماء السابعة فإذا بإبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ( بيت بالسماء منزلته فيها كمنزلة الكعبة في الأرض ) ، ثم ذُهب به  إلى سدرة المنتهى ( شجرة عظيمة في السماء أوراقها كآذان الفيلة وثمارها كالقلال ) .و فرضت خمسون صلاة في اليوم والليلة إلى أن خففت إلى خمس صلوات .

• ثم رجع  من ليلته ، فلما أصبح حدث بذلك أبو جهل بن هشام ، فنادي ابو جهل فأقبل عليه كفار قريش ، وأخبرهم رسول الله  بما جرى فتعجبوا لذلك وارتد من ارتد من ضعاف القلوب ، وبلغ الخبر إلى أبي بكر فقال : إن كان قال ذلك فقد صدق . فسمي من ذلك اليوم صِديقاً . وفي صبيحة ليلة الإسراء والمعراج جاء جبريل عليه السلام ليعلم رسول الله  كيفية الصلاة وأوقاتها : فيصلي ركعتين إذا ظهر الفجر ، وأربع ركعات إذا زالت الشمس ، ومثلها إذا ضوعف ظل الشي علاوة على ظل الزوال ، وثلاثاً إذا غربت الشمس ، وأربع ركعات إذا غاب الشفق الأحمر .وقد كان  قبل مشروعية الصلاة يصلي ركعتين صباحاً وركعتين مساءً كما كان يفعل إبراهيم عليه السلام .

• ولما رأى رسول الله  عناد كفار قريش وجمود أفئدتهم وتكذيبهم له ، أخذ يعرض نفسه على القبائل التي كانت ترد إلى أسواق العرب ليحموه حتى يؤدي رسالة ربه ، فكان هناك من يرد رداً جميلاً وآخرون غير ذلك ، وكان أقبح القبائل رداً بنو حنيفة " رهط مسيلمة الكذاب " .وكان ممن يحجون البيت عرب يثرب (مدينة بين مكة والشام ) وكان يقطنها قبيلتين إحداهما من ولد الأوس والثانية من ولد الخزرج ، وهما أخوان ولكن بينهما من العداوة ما يجعل الحرب لا تضع أوزارها بين الفريقين . وكان يجاورهم أقوام من اليهود ( بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير ) الذين كان لهم الغلبة على المدينة أولاً ولكن حاربتهم العرب حتى أصبح لهم النفوذ والقوة .

• ولما جاء الموسم تعرض رسول الله لنفر يبلغون الستة كلهم من الخزرج ، فعرفوا فيه من الصفات ما كان اليهود يستفتحون به عليهم ، فأمنوا به ، ووعدوه المقابلة في الموسم المقبل ، وهذا هو بدء الإسلام لعرب يثرب .

• فلما كان العام المقبل قدم اثنا عشر رجلاً ( عشرة من الخزرج واثنان من الأوس ) ، فأجتمعوا به عند العقبة وبايعوه على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفرض الحرب ، وأرسل لهم رسول الله  مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم ليقرآنهم القرآن ويفقهانهم في الدين .

• وفي العام الذي يلي بيعة العقبة الأولى قدم إلى مكة كثيرون من عرب يثرب وبينهم كثير من المشركين ، وقابل وفدهم رسول الله  وواعدوه ليلاً عند العقبة وأمرهم الرسول  ألا ينبهوا في ذلك الوقت نائماً ولا ينتظروا غائباً ، لأن كل تلك الأعمال كانت في خفية من قريش . وتوجهوا في موعدهم بعد مضي ثلث الليل الأول إلى العقبة وكان عددهم ثلاثة وسبعون رجلاً(اثنان وستون من الخزرج واحد عشر من الأوس) وامرأتان .وحضر النبي  إليهم ومعه عمه العباس بن عبد المطلب،وكان على دين قومه ولكنه أراد أن يحضر أمر ابن أخيه ليكون متوثقاً له . وبلغ خبر هذه البيعة مشركي قريش ، فجاءوا ودخلوا شعب الأنصار وواجهوهم بذلك ، فأنكروا وصار بعض المشركين الذين لم يحضروا المبايعة يحلفون لهم أنهم لم يحصل منهم شئ .

• وفي الوقت الذي تزايد فيه عدد من دخل في الإسلام من أهل يثرب خاصة بعد بيعة العقبة الثانية ، تزايد أيضاً أذى مشركي قريش لرسول الله ولأصحابه ، ولا سيما بعد أن علموا بتحالفه  مع قوم عليهم ، مما حمل رسول الله  على أمر جميع المسلمين بالهجرة إلى المدينة ، وكان أول من خرج هو أبو سلمة المخزومي ــ زوج أم سلمة . ولم يبقى بمكة مع رسول الله  إلا أبو بكر وعلي وصهيب وزيد بن حارثة وقليل من المستضعفين الذين لم تمكنهم حالهم من الهجرة . ولما أراد أبو بكر الهجرة قال له النبي  : على رِسلِك فإني أرجو أن يؤذن لي . فأنتظر أبو بكر وعلف راحلتين استعداداً للهجرة مع رسول الله  .

• اشتد غضب كفار قريش بعدما علموا بمبايعة الأنصار لرسول الله  ، واجتمعوا بدار الندوة ــ دار قصي بن كلاب ــ ليروا ما هم فاعلين , فأشار أحدهم بأن يخرجوا رسول الله  من أرضهم ، ولكن رُفض هذا الرأي خوفاً من أن تجتمع الجموع حوله ويصدقونه ويؤازرونه ، فأشار آخر بأن يحبسوه حتى يموت ، فرُفض هذا الرأي خوفاً من عداوة أصحاب رسول الله  لهم ، وقد اسلم آنذاك من هم لهم المكانة والجاه فيهم ، كأمثال أبو بكر وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن الخطاب رضوان الله عليهم جميعاً . فأشار رأس الكفر أبو جهل بن هشام بأن يجمعوا من كل قبيلة فتى جلداً ويتنظرون خروجه من بيته فيضربوه ضربة رجل واحد ، فلا يطيق بنو عبد مناف محاربة قريش كلها فيقبلون الدية . ولكن الله تعالى أطلع حبيبه ومصطفاه  على ما دبره له المشركين وأذن له بالهجرة إلى المدينة المنورة .

• فتوجه  إلى أبي بكر ليخبره بأمر الله له  بالهجرة فسأله أبو بكر الصحبة ، فقال  : نعم . فعرض أبو بكر على رسول الله  إحدى راحلتيه اللتين كانتا قد جهزتا من قبل ، وصُنعت لهما سفرة من جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر نطاقها وربطت به على فم الجراب ــ لذا سميت بذات النطاقين ــ وأستأجر عبد الله بن أريقط الذي كان على دين كفار قريش ، فأمناه ليكون لهما دليلاً أثناء هجرتهما .وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال .

ثم فارق رسول الله  أبي بكر وواعده المقابلة ليلاً خارج مكة ، وقد كانت هي نفس الليلة التي اختارها الكفار لتنفيذ مخططهم لقتل النبي  ، فأجتمعوا حول باب دار النبي  وهو داخله ، فأمر  علياً بأن ينام مكانه وسجاه ببردته حتى لا يشك الكفار في أن رسول الله  غادر الدار ، وخرج  عليهم وهو يقرأ قول الله تعالى ( الآية 9 من سورة يس ) فألقى الله عليهم النوم حتى لم يره أحد . وتقابل  مع الصديق وسارا حتى بلغا الغار واختبئا فيه . ولما علموا المشركون بفساد خطتهم جعلوا الجوائز لمن يأتي بمحمد  أو يدل عليه . وأخذوا يبحثون عنه  حتى وصلوا إلى الغار بحيث لو نظر أحدهم تحت قدميه لنظر رسول الله  وصاحبه ولكن الله أعمى أبصارهم .

وأقام النبي وصاحبه في الغار ثلاث ليال حتى ينقطع الطلب ، وكان عبد الله بن أبي بكر يقوم بدور قوات الاستطلاع لهما ، بحيث يعيش بالنهار مع قريش ويعرف أخبارهم ثم يمد الرسول  وصاحبه بها بالليل .وكان عامر بن فهيرة يروح ويغدو عليهما بقطعة من غنم يرعاها حتى يمحو بها أثر قدمي عبد الله بن أبي بكر .

وبعدما انتهت الثلاث ليال بالغار أتاهما الدليل عبد الله بن أريقط براحلتيهما وساروا بطريق الساحل ، وعلم سراقة بن مالك المدلجي بخبرهما ، فلحق بهما ، ولكن لا مبدل لقضاء الله ، فقد عثرت به فرسه فخر عنها ، ثم حاول مرة أخرى فساخت قائمتا فرسه في الأرض حتى بلغتا الركبتين ، فخر عنها وزجرها حتى لم تكد تخرج يدها فسطع لأثرهما غبار ساطع في السماء كالدخن . فدخل قلب سراقة رعب عظيم وعلم وقتها انه لا سبيل له لذلك وأن قدرته محدودة أمام هذه الآيات . فناداهما بالأمان فوقف له رسول الله  ومن معه وطلب منه  أن يخفي عن المشركين أمرهم .

وسمعوا أهل المدينة بقدوم رسول الله  فأخذوا يخرجون إلى الحرة( الأرض ذات الحجارة السود ) حتى يردهم حر الظهيرة ، وذلك إلى أن رآه رجل من اليهود من على بناء ضخم فقال : يا معشر العرب هذا جدكم (حظكم) الذي تنتظرون ، فتلقوا رسول الله  بظهر الحرة .

وفي اليوم الثاني من ربيع الأول الموافق 20 سبتمبر سنة 622م ــ ( وهذا هو أول تاريخ جديد ، حيث أنه في عهد الفاروق عمر بن الخطاب وُضع التقويم الهجري وجُعل مبدأه من هذه الهجرة ، ولعدم المخالفة بين بدء الهجرة وأول السنة الهلالية ، قدموا ميعاد الهجرة شهرين وأياما ليصبح بذلك مبدأ الهجرة مع مبدأ السنة الهلاليةمن أول محرم) .

• ولا غرابة في هجرة رسول الله  وخاتم أنبيائه ومصطفاه وحبيبه من بلاد منعه أهلها من تتميم ما أراده الله تعالى ، وقبل كل شئ فهذه هي إرادة الله تعالى ، فلو أراد الله سبحانه لدينه أن يسطع بين رؤوس الشرك بمكة لكان ذلك ، فسبحان من يقدر ولا يُقدر عليه ، ويُجير ولا يجار عليه . ولكن هذه هي سنة أنبيائه ، فما من نبي إلا عودي في قومه بما أتى به ، وأجتهد في تبليغ دعوته ، أبى من أبى وشاء من شاء ، ولكن هي أولاً وأخيراً إرادة الله القادر فوق عباده ، مدبر الأمر ، مالك الملك ذو الجلال والإكرام .

• وأقام  بقباء ليالي أسس خلالها مسجد قباء الذي وصفه الله سبحانه بأنه مسجد أسس على التقوى من أول يوم ، وصلى فيه  ومن معه من المهاجرين والأنصار آمنين مطمئنين . ثم تحول عليه السلام إلى المدينة محاطاً بالأنصار وهم متقلدون سيوفهم ، ولم يرا أهل المدينة فرحين بشيء فرحهم برسول الله  . وكان الناس يسيرون وراءه  يتنازعون زمام ناقته ، كل يريد أن يكون نزيله ، وقد ادركته  صلاة الجمعة وهو في بني سالم بن عوف ، فنزل وصلاها ، وكانت هذه هي أول جمعة له عليه السلام .

ثم ساروا ، وكلما تضرع إليه  أحداً من الأنصار لينزل عنده ويأخذ بزمام الناقة ، فيقول عليه السلام : دعوها إنها مأمورة . حتى أتت بفناء بني عدي بن النجار ــ أخوال النبي  ــ فبركت أمام دار أبي أيوب الأنصاري " خالد بن زيد" ، فقال عليه السلام : ههنا المنزل إن شاء الله .

وقد تنافس الأنصار على ضيافة المهاجرين ، فما نزل مهاجر على أنصاري إلا بقرعة ، وكان الأنصار يؤثرون إخوانهم من المهاجرين على أنفسهم ، ولكي يمكن رسول الله  بينهم الإخاء ، فقد آخى  بينهم ، فكان كل أنصاري ونزيله أخوين في الله .
فائدة

فاللهم ألف بين قلوبنا وأجمع المسلمين على كلمة سواء ، فوالله الذي لا إله إلا هو ما قويت شوكة المسلمين ولا كان لهم النصر على الأعداء إلا بحب الله ورسوله وحب بعضهم لبعض لا بحب الدنيا وحب النفس ، فلينظر أحدنا في قلبه نظرة تأمل ، ماذا به؟؟؟ حب الله ورسوله  ، أم الدنيا !!! ، حب المسلمين (على اختلاف ألسنتهم) ، أم حب النفس !!! . أين الأخوة في الله ؟؟؟، فليسأل كل منا نفسه سؤالاً : كم أخاً لي وكم أخت لي في الله ؟ أحبهم في الله ولله ، لا لهوى ، أو لمصلحة ، أو ...... الخ . نحن نعيش تحت راية أعمت قلوبنا قبل أعيننا مكتوب عليها ( يا عم .. وأنا مالي .. دع الخلق للخالق .. يالله نفسي ) . فما رأيكم في أمة كان هذا شعارها ؟! أتظنون أن لها النصر وقيادة العالم بأسره ؟؟؟ أم أنها تكون تابع لمن يملي عليها أوامره ــ إلا من رحم الله .

فما لنا ونحن كذلك إلا أن نشكو لله ضعف قوتنا ، وقلة حيلتنا ، وهواننا على الناس ، فيا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربنا ، إلى من تكلنا ، إلى بعيد يتجهمنا ، أم إلى عدو ملكته أمرنا ، إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لنا ، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والأخرة ، من أن تنزل علينا غضبك ، أو يحل بنا سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك .

• ولما أستقر  في المدينة أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ليأتيا بمن تخلف من أهله ، وأرسل معهما عبد الله بن أريقط ليدلهما على الطريق ، فقدما بفاطمة وأم كلثون ابنتا النبي  وسودة زوجه  ، وأم أيمن زوجة زيد وأبنها أسامة ، وأما زينب فمنعها زوجها أبو العاص بن الربيع ، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر وأم رومان زوجة أبيه ، وأخته عائشة وأسماء زوج الزبير بن العوام ، حيث كانت حاملاً بأبنها عبد الله،وهو أول مولود للمهاجرين بالمدينة . ومنع مشركي مكة بعض المسلمين من الهجرة وعذبوهم ، فكان الرسول  يدعو لهم في صلاته ، وهذا أصل القنوت .

• ونظراً لإختلاف طبيعة الطقس بين مكة والمدينة ، فقد أصاب كثيراً من المهاجرين الحمى ، فدعا  " اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد ، وبارك لنا في مدها وفي صاعها ، وانقل وباءها إلى الجحفة (قرية تبعد 82 ميلاً عن مكة وهي ميقات أهل الشام) " . فاستجاب الله تعالى له وهنأ المهاجرون بحياتهم في المدينة .

• وشرع  في بناء مسجده في مبرك ناقته ، وكان محله مربداً للتمر لغلامان يتيمان فدعاهما  وساومهما المربد ليتخذه  مسجداً ، ورفض عليه السلام أن يقبله منهما هبة ، بل ابتاعه منهما ، وعمل فيه النبي  ليرغب المسلمين في العمل ، وكان له ثلاثة أبواب ، فجعلت عضادتي الباب من الحجارة والسقف من الجريد والأعمدة من جذوع النخل وارتفاعه لا يزد عن القامة إلا قليلاً ، وحصبت أرض المسجد ، وجعلت القبلة جهة بيت المقدس ، وبُني بجانب المسجد حجرتان لزوجتي النبي  سودة بنت زمعة وعائشة بنت أبي بكر ، ولم يكن له  وقتها من الزوجات إلا هما . وصارت الحجرات تبنى كلما جاءت زوج .

• وأخذ الرسول  هو وأصحابه يفكرون في فعل لينبهوا المسلمين إلى قدوم وقت الصلاة ، فأشار بعضهم برفع راية عند دخول وقت الصلاة وأشار أخر بإشعال نار ، وأخر أشار باستعمال بوق ــ وهو ما كانت تستعمله اليهود لصلواتهم ــ وأشار أخر بناقوس ــ وهو ما يستعمله النصاري ــ ولكن رُفضت كل هذه الآراء ، حتى أشار البعض بالنداء ، فقبل هذا الرأي ، وكان أحد المنادين هو عبد الله بن زيد الأنصاري ، فبينما هو بين النائم واليقظان إذ عرض له شخص وقال : ألا أعلمك كلمات تقولها عند النداء بالصلاة؟ . فقال بلى . فعلمه النداء . ثم استيقظ وأخبر النبي  فقال : إنها لرؤيا حق . ثم قال  : لقن ذلك بلالاً ، فإنه أندى منك صوتاً . وبينما بلال يؤذن إذ جاء عمر فقال : والله لقد رأيت مثله يا رسول الله . وكان بلال هو أحد المؤذنين للصلاة والأخر هو عبد الله بن أم مكتوم .

• وفي المدينة كان العدو اللدود للإسلام وللمسلمين هو اليهود ــ كما هو حالنا اليوم وحتى تقوم الساعة ــ فقد كان بالمدينة يهود بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة ، وبالرغم من أنهم كانوا يستفتحون على أهل المدينة ــ قبل بعثته  ــ بأنه قد تقارب زمن نبي يبعث ، فإنهم كفروا به  لاستعظامهم أن تكون النبوة في ولد إسماعيل عليه السلام . ومما عابوه على الإسلام نسخ الأحكام ، وما علموا أن الله تعالي هو أعلم بشان عباده ، فكان لا بد من التدرج في أحكام الإسلام ، فلو حُرم ما حرمه الإسلام وأُمر بما أمره الإسلام جملة واحدة ، ما أجاب أحد من هؤلاء النافرة قلوبهم المنغمسين في كثير من الأضاليل ، فكان لا بد من ترويض عقولهم وتهذيب نفوسهم شيئاً فشيئاً . وقد كان عبد الله بن سلام هو أحد رؤساء يهود بنو قينقاع ،ولكن بعد أن سمع القرآن وشرح الله صدره للإسلام ، عَدُّوه من سفهائهم .

• ولتحقيق اليهود مقاصدهم ، فقد أستعانوا ببعض عرب المدينة الذين أعمى الله بصائرهم فأخفوا كفرهم ، وكان يرأس جماعة المنافقين هذه عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي وهو الذي كان مرشحاً لرياسة أهل المدينة قبل هجرة الرسول  . ومما لا شك فيه أن ضرر المنافقين على مجتمع المسلمين اشد واخطر من ضرر الكفار ، فالكفار عدائهم واضح وصريح ، أما المنافقين فهم يعيشون على أنهم من المسلمين ولكن يكنون الكفر في صدورهم ، فيعرفون أسرار المسلمين ويضرون بهم دون أن يدري أحد .

• وقد تمثلت العداوة للإسلام وللمسلمين في اليهود والمنافقين ، ولكن قَبِل رسول الله  ظواهر هؤلاء ، وعقد مع اليهود عهداً ، مقتضاه ترك الحرب فيما بين الطرفين ، ولا يعينون عليه أحداً ، وإن دهمه عدو بالمدينة ينصرونه ، وأقرهم على دينهم .
• وفي شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة ، أذن الله للمهاجرين بقتال مشركي قريش ، ولما ظهرت عداوة غير أهل مكة ، أمر الله تعالى بقتال المشركين كافة . وصار قتال رسول الله  للأعداء على عدة مبادئ ــ هي :

1. قتال مشركي قريش ومصادرة تجارتهم حتى تفتح مكة أو تعقد هدنة وقتية بين الطرفين،لأنهم بدءوا بالعدوان .
2. قتال اليهود حتى ينفوا أو يقتلوا ، متى رئي منهم خيانة وتحيز للمشركين .
3. قتال أي قبيلة من العرب حتى تدين بالإسلام ، متى تعدت على المسلمين ، أو ساعدت قريش .
4. قتال من بدأ بالعداوة من من أهل الكتاب من النصارى حتى يسلم أو يعطي الجزية .
5. كل من أسلم فقد عصم دمه وماله إلا بحقه ، والإسلام يقطع ما قبله .

• كانت من عادة قريش أن تذهب بتجارتها إلى الشام ، وهذا الركب السائر بهذه التجارة يسمى عيراً ، وكان يسير معها لحراستها كثير من أشراف القوم ، فأراد رسول الله  أن يصادر تجارتهم ذاهبة وآيبة لإضعاف قوة المشركين الذين لا بد من ملاقاتهم يوماً ما .

• وفي شهر رمضان أرسل رسول الله  عمه حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين رجلاً من المهاجرين وعقد له لواء أبيض حمله أبو مرثد ، ليعترض عيراً لقريش آيبة من الشام ، فسار حمزة حتى صادف العير عند ساحل البحر من ناحية من نواحي المدينة ، فلما تصافوا للقتال ، حجز بين الفريقين مجدي بن عمرو الجُهني ، فأطاعوه وأنصرفوا ، وشكر النبي  مجدياً على عمله هذا لما كان من قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم .

وفي شوال أرسل عبيدة بن الحارث ابن عم حمزة بن عبد المطلب في ثمانين من المهاجرين ، وعقد له لواء أبيض حمله مِسطح بن أثاثة ليعترض عيراً لقريش فيها مائتا رجل ، فسار حتى وافوا العير ببطن رابغ (وادي بين الحرمين قرب البحر) فكان بينهم الرمي بالنبل ، فخاف المشركين أن يكون للمسلمين كمين ، فإنهزموا ، ولم يتبعهم المسلمون وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن الأسود ، وعتبة بن غزوان ، وكانا قد أسلما ، وخرجا ليلحقا بالمسلمين .

• وبعد مرور اثنتي عشر ليلة من السنة الثانية من الهجرة ، خرج رسول الله  بعد أن استخلف على المدينة سعد بن عبادة ليعترض عيراً لقريش ، فسار حتى بلغ ودَّان (قرية بين مكة والمدينة) وكان يحمل لواءه عمه حمزة بن عبد المطلب ، ولم تكن هناك حرباً لأن العير قد سبقته ، وقد صالح النبي  في هذه الغزوة بني مرة على أنهم آمنون على أنفسهم ولهم النصر على من رامهم (قصدهم) وعليهم نصرة المسلمين إذا دعوا ، وبعد خمس عشرة ليلة رجع الرسول  إلى المدينة . وهذه هي غزوة ودَّان .

• وفي ربيع الأول من نفس السنة خرج الرسول  في عزوة بواط ، حيث بلغ رسول الله  أن عيراً لقريش آيبة من الشام فيها أمية بن خلف ومائة من قريش وألفان وخمسمائة بعير ، فسار إليهم في مائتين من المهاجرين ، وحمل لواءه سعد بن أبي وقاص ، فسار حتى بلغ بواط ، ولم يكن هناك قتال لأن العير قد فاتته .

• وفي جمادى الأولى خرج رسول الله  في مائة وخمسون من المهاجرين واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد ليعترض أعظم عيراً لقريش ، حيث لم يبق بمكة قرشي أو قرشية لها مثقال فصاعداً إلا بعث به في تلك العير . وكان يرأسها أبو سفيان ومعه بضعة وعشرون رجلاً . وسار  حتى بلغ العُشيرة ، ولكنه وجد العير قد مضت ، وحالف  في هذه الغزوة بني مدلج وحلفاؤهم ، ورجع المدينة  منتظراً هذه العير حينما ترجع .

• وبعد أن رجع  إلى المدينة بقليل أغار على سرح المدينة كُرزُ بن جابر الفِهري ، وهرب ، فخرج  في طلبه واستخلف المدينة زيد بن حارثة الأنصاري وحمل لواءه على بن أبي طالب ، وسار حتى بلغ سَفَوان (وادي من ناحية بدر) ، وفاته كُرزُ ، ولم تكن هناك حرباً . وتسمى هذه الغزوة بدراً الصغرى .

• وفي رجب من السنة الثانية من الهجرة أرسل رسول الله  سرية عدتها ثمانية رجال برئاسة عبد الله بن جحش ، وأعطاه  كتاباً مختوماً لا يقرأه إلا بعد مسيرة يومين ، فسار عبد الله يومين وفتح الكتاب فإذا فيه (اذا نظرت كتابي هذا فامضي حتى تنزل نخلة ، فترصد بها قريشاً ، وتعلم لنا من أخبارها) ، ولم يخبرهم  هذا وهم بالمدينة حذراً من شيوع الخبر عن طريق المنافقين أو اليهود . وتخلف أثناء السير سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان لأنهما أضلا بعيرهما الذي كانا يتناوبان ركوبه ، وسار الباقون حتى وصلوا نخلة ، وكان ذلك في آخر رجب ، وهناك التقوا بقريش فقتلوا عمرو بن الحضرمي وأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان ،واستاقوا العير ، وكانت هذه هي أول غنيمة غنمها المسلمون من أعدائهم قريش ، ورجعوا ولم يتمكن المشركين من اللحاق بهم . ولكن عاتبتهم قريش واليهود وعنفهم المسلمون على قتالهم في الأشهر الحرم وقال لهم  : ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم . فندموا ، فأنزل الله الآية (217) من سورة البقرة التي سُرَّي عنهم بها .وطالبت قريش بالفدية في أسيرهما ، فقبل رسول الله  بعد أن رجعا سعد وعتبة .

• وظلت القبلة إلى بيت المقدس مدة ستة عشر شهراً ، ولكن كان  يقلب وجهه في السماء داعياً الله تعالى أن تكون قبلته إلى الكعبة ، فبينما هو في صلاته إذ أوحى الله تعالى إليه بتحويل القبلة إلى الكعبة ، فتحول وتحول المسلمين من وراءه . وارتد ضعاف القلوب من المسلمين على أعقابهم بهذا التحول ، ولا يدرون أن لله المشرق والمغرب .

• وفي شهر شعبان من هذه السنة (الثانية من الهجرة) أوجب الله تعالى صوم شهر رمضان على الأمة الإسلامية ، وقد كان  يصوم قبل ذلك ثلاثة أيام من كل شهر . كما أوجب الله تعالى زكاة الفطر،وفي نفس العام فُرضت زكاة المال .

فائدة

هذه الصفحات الأربعة عشر استعرضنا خلالها فترة من الزمن ، ألا وهى أشرف وأطهر الفترات في حياة البشرية على الإطلاق ، حيث أشرق النور الذي غربت معه ظلمة الضلال ، وأشرقت معه قلوب تتلألأ بضياء الإيمان ، وتحررت معه عقول من عبودية الجهل والضلال . وبُذل في سبيل ذلك المال والولد والأنفس كي ننعم نحن بعد ما يزيد على الأربعة عشر قرناً من الزمان بنعمة ــ هي أعظم النعم ــ ألا وهي نعمة الإسلام .

فهذا النور أشرق منذ أذن الله تعالى له ، وسيظل مشرقاً وعزيزاً حتى يأذن الله تعالى بقيام الساعة ، أبى من أبى وشاء من شاء ، وإن كان هناك ثمة ظلمة تطل علينا ، فهي من أنفسنا نحن ... ألم يحن الوقت لأن نزكيها ــ وقد أُمرنا بذلك ــ ونخلع عشق الدنيا من قلوبنا ، ونغرس حب هذا الدين ، لننهل من هذا النور الرباني في الدنيا ، ومن نعيم الله تعالى في الآخرة .
ولكن أخوتي في الله هذه ليست دعوة للاعتزال عن الناس وترك العمل وعدم السعي لتحصيل الرزق ، كلا والله ، فلو كان هذا هو الإسلام ، لَما وصل إلينا ، ولكن ما حض الإسلام على شئ كما حض على العمل والسعي لتحصيل الرزق والتمتع بما أحله الله لنا من الطيبات من المال والولد ، ولكن بما لا يغضب الله تعالى . فالحلال بين والحرام بين .

*** وصلي اللهم وسلم وبارك على نبيك ورسولك محمد بن عبد الله  ***

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية