الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

تحضير الأرواح تجربة معاصرة

تحضير الأرواح تجربة معاصرة


محتويات

المطلب الثالث تحضير الأرواح

انتشر في عصرنا القول بتحضير الأرواح ، وصدّق بهذه الفِرية كثير من الذين يعدّهم الناس عقلاء وعلماء .
وتحضير الأرواح المزعوم سبيله ليس واحداً ، فمنه ما هو كذب صراح ، يستعمل فيه الإيحاء النفسي ، والمؤثرات المختلفة ، والحيل العلمية ، ومنه ما هو استخدام للجنّ والشياطين .

وقد كشف الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين في كتابه ( الروحية الحديثة ) كثيراً من خداع هؤلاء وتزويرهم للحقيقة ، فهم لا يجرون تجاربهم كلها إلا في ضوء أحمر خافت ، هو أقرب إلى الظلام ، وظواهر التجسيد ، والصوت المباشر ، ونقل الأجسام ، وتحريكها تجرى في الظلام الدامس ، ولا يستطيع المراقب أن يتبين مواضع الجالسين ، ولا مصدر الصوت ، ولا يستطيع كذلك أن يميز شيئاً من تفاصيل المكان ، كجدرانه أو أبوابه أو نوافذه .

وتكلم الدكتور محمد عن ( الخباء ) وهو حجرة جانبية معزولة عن الحاضرين أو جزء من الحجرة التي يجلسون فيها تفصل بحجاب كثيف ، وهذا المكان المنفصل معدّ لجلوس الوسيط الذي تجرى على يديه ظواهر التجسد المزعوم . ومن هذا المكان المحجوب بستار يضاف إلى حجاب الظلام السابق تخرج الأرواح المزعومة متجسدة ، وإليه تعود بعد قليل ، ولا يسمح للحاضرين بلمس الأشباح .
ويرى الدكتور أن الروحيين لا يعْدِمون في مثل هذا الجو المظلم قوالب علمية يصبون فيها حيلهم .

والتدليس على الناس بالحيل طريقة قديمة معروفة ، يضلّ بها شياطين الإنس عباد الله ، يطلبون الوجاهة عند الناس ، كما يطلبون مالهم ، فقد ذكر ابن تيمية (1) عن فرقة في عصره كانت تسمى ( البطائحية ) : أنهم كانوا يدّعون علم الغيب والمكاشفة ، كما يدعون أنهم يرون الناس رجال الغيب ، ثم كشف شيئاً من دجلهم ، فقد كانوا يرسلون بعض النساء إلى بعض البيوت يستخبرون عن أحوال أهلها الباطنة ، ثم يكاشفون صاحب البيت بما علموه ، زاعمين أن هذا من الأمور التي اختصوا بالاطلاع عليها .

ووعدوا رجلاً – كانوا يمنونه بالملك – أن يروه رجال الغيب ، فصنعوا خشباً طوالاً ، وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب بأكر الزجاج ، فجعلوا يمشون على جبل المزة ، وذلك المخدوع ينظر من بعيد ، فيرى قوماً يطوفون على جبل ، وهم يرتفعون عن الأرض ، وأخذوا منه مالاً كثيراً ، ثم انكشف له أمرهم .

ودلسوا على آخر كان يدعى (قفجق) ، إذ أدخلوا رجلاً في القبر يتكلم ، وأوهموه أن الموتى تتكلم ؛ وأتوا به إلى مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الشعراني الذي بجبل لبنان ، ولم يقربوه منه ، بل من بعيد ، لتعود عليه بركته ، وقالوا : إنه طلب منه جملة من المال ، فقال (قفجق) : الشيخ يكاشف وهو يعلم أن خزائني ليس فيها هذا كله ، وتقرب قفجق ، وجذب الشعر ، فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من جلد الماعز .

وقد بين الدكتور محمد محمد حسين أن الوسيط – وهو شخص يزعم أهل هذا المذهب الروحيون أن فيه استعداداً فطرياً يؤهله لأن يكون أداة يجري عن طريقها التواصل – غالباً ما يكون دجالاً كبيراً ، وغشاشاً مدلساً ، وبين كيف أن كثيراً من هؤلاء الوسطاء لا يكون على خلق ولا دين ، بل إن الروحانيين لا يشترطون في الوسيط شيئاً من ذلك ، وقد ذكر حادثة جرت معه شخصياً تبين له بعد تحقيق منه في الموضوع أن الوسيط كان دجالاً كاذباً .

وبين كيف أن بعض الحضور يكونون متواطئين مع المحضرين ، وكيف يحترس في انتقاء الذين يسمح لهم بحضور مثل هذه الجلسات ، وكيف يعللون إخفاقهم إذا وجد في الحضور بعض الأذكياء النبهاء .

وقد أفاض الدكتور محمد محمد حسين في الكشف عن الطريق الأولى التي يزعم الروحانيون أنهم يحضرون بها الأرواح ، وهي طريق الدجل والكذب ، واستعمال المؤثرات النفسية والحيل العلمية .

وأشار مجرد إشارة إلى الطريق الثانية وهي استخدام الجن ، وأرى أن غالب الدعوات التي يزعم أصحابها تحضير الأرواح هي من هذا القبيل .

تحضير الأرواح دعوة قديمة :

دعوى تحضير الأرواح ليست جديدة ، بل هي قديمة ، وقديمة جداً ، وقد نقلنا فيما سبق كيف كان بعض الناس يتصلون بالجن ، بل حفظت لنا كتب الثقات أن بعض الناس كانوا يزعمون أن أرواح الموتى تعود إلى الحياة بعد الموت ، يقول ابن تيمية : " ومن هؤلاء ( أي أهل الحال الشيطاني من الكفرة والمشركين والسحرة ونحوهم ) من إذا مات لهم ميت يعتقدون أنه يجيء بعد الموت يكلمهم ، ويقضي ديونه ، ويرد ودائعه ، ويوصيهم بوصايا ، فإنهم يأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة ، وهو شيطان تمثل في صورته ، فيظنونه إياه " (2) .

تجربة معاصرة :

هذه تجربة حصلت مع الكاتب أحمد عز الدين البيانوني ، ذكرها في كتاب الإيمان بالملائكة ، حرصت على نقلها بنصها في هذا الموضوع يقول الكاتب :

" لقد شغل ( استحضار الأرواح ) المزعوم أفكار الناس في الشرق والغرب ، فكُتبت فيه مقالات ، بلغات مختلفات ، نُشرت في مجلات عربية وغير عربية ، وألفت فيه مؤلفات ، وبحث فيه باحثون ، وجربه مجربون ، اهتدى بعد ذلك العقلاء منهم إلى أنه كذب وبهتان ، ودعوة إلى كفر وطغيان .
إن استحضار الأرواح ، الذي يزعمه الزاعمون ، كذبٌ ودجل وخداع ، وما الأرواح المزعومة إلا شياطين تتلاعب بالإنسان ، وتخادعه .

وليس في استطاعة أحد أن يستحضر روح أحد ؛ فالأرواح بعد أن تفارق الأجساد ، تصير إلى عالم البرزخ .
ثم هي إما في نعيم وإما في عذاب ، وهي في شغل شاغل عما يدعيه مستحضرو الأرواح .

وقد دُعيتُ أنا إلى ذلك ، من قبل هذه الأرواح ، وجربته بنفسي تجربة طويلة ، وظهر لي أنه كذب ودجل وخداع ، علي أيدي شياطين تتلاعب ، غرضهم من ذلك تضليل الناس وخداعهم ، وموالاة من يواليهم .... " .
بدء التجربة :

ويتابع أحمد عزّ الدين كلامه قائلاً :
" عرفت منذ أكثر من عشر سنوات تقريباً رجلاً ، يزعم أنه يستخدم الجن في أمور صالحة في خدمة الإنسان ، وذلك بوساطة وسيط من البشر .
ويزعم أنه توصّل إلى ذلك بتلاوات وأذكار طويلة ، قضى فيها زمناً طويلاً ، دلّه عليها بعض من يزعم أنه على معرفة بهذا العلم !
جاءني الوسيط ذات يوم يبلغني دعوة فلانٍ وفلانة من الجن ، لحديث هامّ ، لي فيه شأن عظيم .
فذهبت في الموعد المحدد ، متوكلاً على الله ، فرحاً بذلك ، لأطلع في هذه التجربة على جديد " .

كيف بدأت المخادعة ؟

" من أول أساليب الخداع التي سُلكت معي ، أن طريقة الاستحضار ، استغفار وتهليل وأذكار ، مما يجعل الإنسان لأول وهلة ، يظن أنه يتحدث مع أرواح علوية صادقة طاهرة .

دخلت بيت الوسيط ، وخلونا معاً في غرفة ، وجلس هو على فراش ، وبدأنا – بدلالته طبعاً نستغفر ونهلل – حتى أخذته إغفاءة ، فَأضجعته أنا على فراشه ، وسجيته بغطاء ، كما علمني أن أفعل ، وإذا بصوت خافت ، يسلم صاحبه عليّ ، ويظهر حفاوته بي وحبه ، ويعرفني بنفسه ، إنه مخلوق ، يزعم أنه ليس من الملائكة ، ولا من الجنّ ، ولكنه خلق آخر ، من نوع آخر ، وُجد بقوله تعالى " كن " فكان .
وهذا على زعمه أنّ الجن لا يصدرون إلا عن أمره ، وأن بينه وبين الله تعالى في تلقي الأوامر خمس وسائط فقط ، خامسهم جبريل عليه السلام .

وأخذ يثني عليّ ، ويقول : إنهم سيقطعون كل علاقة لهم بالبشر ، وسيكتفون بلقائي ، لأني على زعمهم صاحب الخصوصية في هذا العصر ، وموضع العناية من الله تعالى ، وأن الله تعالى هو الذي اختارني لذلك .
ووعدني بوعود رائعة ، فيها العجب العجاب .

واستسلمت لهذه التجربة الجديدة ، والدعوة الخادعة ، متوكلاً على الله عزّ وجلّ ، سائلاً الله تعالى أن يعصمني من الزلل ، وأن يهديني إلى الحقّ المبين ، مستضيئاً بنور العلم ، سالكاً سبيل الاستقامة ، والحمد لله تعالى .

ولما انقضى اللقاء الأول ، دعاني إلى لقاء آخر ، في موعد آخر ، ثم دلني هو نفسه على تلاوة خاصة ؛ لإيقاظ الوسيط من غيبوبته .
وكان ذلك ، وجلس الوسيط ، وعرك عينيه ، كأنه انتبه من نوم عميق ، ولا علم له بشيء مما جرى .

ورجعت في الموعد المحدد أيضاً ، وتم بيننا بعد لقاءات مدة طويلة ، وفي كل لقاء ، تتجدد الوعود الحسنة ، ويوصف لي المستقبل الرائع الذي ينتظرني ، والنفع العظيم الذي تلقاه الأمة على يديّ .

تطور الموضوع :

وتطور الأمر ، فأخذ كثير من الأرواح يزورونني في كل لقاء ، بمقدمات من الأذكار ، وبغير مقدمات ، فقد أكون مع الوسيط على طعام ، أو على تناول كأس من الشاي ، فتأخذه الإغفاءة المعهودة ، فيميل رأسه إلى الأمام ، وتلتصق ذقنه بصدره ، ويحدثني الزائر الذي يزعم أنه من الملائكة ، أو من الجن ، أو من الصحابة ، أو من الأولياء ، حديثاً يغلب عليه طابع الاحترام والإجلال ، والتبرك بزيارتي ، وتبشيري بالمستقبل الزاهر المبارك ، ثم ينصرف ، ويجيء غيره وغيره ... " .

من الزائرون ؟

" زارني فيما زعموا أفراد من الملائكة ، وأفراد من الجن ، وأبو هريرة رضي الله عنه من الصحابة ، وطائفة من الأولياء ، أمثال أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه ، وطائفة من أهل العلم والفضل ، المشهود لهم بالعلم والولاية ، أمثال الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى ، وبعض من أدركتهم من أهل العلم والفضل ، ثم أدركتهم الوفاة ، ومنهم والدي رحمه الله تعالى .

وبشروني بزيارة والدي إياي ، في وقت عينوه ، وانتظرت الموعد بلهف ، ولما كان الموعد المنتظر ، كلفوني أن أقرأ سورة (( الواقعة )) جهراً ، فقرأتها ، ولما فرغت من قراءَتها ، قالوا :
سيحضر والدك بعد لحظات ، فاسمع ما يقول ، ولا تسأله عن شيء !!! " .

بدء انتباهي :

" وبعد دقائق جاءني ، جاء من يزعم أنه أبي ، فسلم علي ، وأظهر سروره بلقائي ، وفرحه بي على صلتي بهذه الأرواح ، وأوصاني أن أعتني بالوسيط وأهله ! وأن أرعاه رعاية عطف وإحسان ، إذ لا مورد له من المال إلا من هذا الطريق .
وختم حديثه بالصلاة الإبراهيمية ، وأنا أعلم أنه رحمه الله تعالى ، كان شديد الولع بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما الإبراهيمية .

وكان من العجب أن لهجة المتحدث شبيهة إلى حدّ ما بلهجة الوالد . ثم سلم وانصرف .
وأخذت أتسائل في نفسي : لم أوصوني أن لا أسأله عن شيء ؟ !
في الأمر سر ولا شك !

السر الخفي الذي انكشف لي آنذاك ، أنه ليس بوالدي ، ولكنه قرينه من الجن ، الذي صحبه مدة حياته ، فجاءني يمثل لي صوته ، ويتشبه بخصوصية من خصوصياته .

أوصوني أن لا أسأله عن شيء ؛ لأن القرين من الجن ، مهما عرف من شأن والدي وحفظ من أحواله ، فلن يستطيع أن يحفظ كل جزئية يعرفها الولد من أبيه ، فحذروا أن أسأله عن شيء من ذلك ، فلا يجيبني ، فيفتضح الأمر .
ثم سلكوا معي في لقائي مع الآخرين ، أن لا يعرفوني بأسمائهم إلا عند انصرافهم ، فيقول أحدهم : أنا فلان ، ويسلم ، وينصرف على الفور .

وفي ذلك من السر ما ذكرت : فلو أخبرني واحد منهم عن نفسه ، وهو مشهود له بالعلم ، فبحثت معه في إشكال علمي ، لعجز عن الجواب ، وانكشف الأمر .

وقد أتاني آتٍ مرة يناقشني في إباحة كشف وجه المرأة ، وأنه ليس بعورة ، فرددت عليه ، ورد عليّ رداً ليس فيه رائحة العلم ، واحتدم الجدال بيننا .

فقلت له : وماذا تجيب عن أقوال الفقهاء الذي قالوا :
إن وجه المرأة عورة ، أو يجب ستره خشية الفتنة ؟
وانتهى الجدال إلى غير جدوى ، ثم أخبرني أنه الشيخ أحمد الترمانيني ، وانصرف .
فانكشف لي أنه الكذب لا شك فيه ، لأن الشيخ المذكور من كبار فقهاء الشافعية ، والسادة الشافعية يقولون : المرأة كلها عورة ، ولو عجوزاً شمطاء .

فلو أنه كان هو الشيخ المذكور ، وانكشف له من العلم جديد ، وهو في عالم البرزخ ، لأخبرني بذلك ، وأرشدني إلى دليله .
ولكنه الكذب والخداع ، وإرادة التضليل . وأبى الله تعالى – والحمد لله – إلا هداي ، وثباتي على الحق والهدى .
فكشفُ المرأة وجهها ، ولا سيما في هذا الزمان الفاسد والمجتمع المريض ، أمر لا يُقره ذو عقل ودين " .
انكشاف الحقيقة !

" ولم تزل تنكشف لي الحقيقة على وجهها مرة بعد مرة ، وفي تجربة بعد تجربة ، حتى تحقق عندي أن الأمر كله كذب وبهتان ، ودجل وطغيان ، لا أساس له من تقوى ، ولا قائمة له على دين .

فالوسيط الذي يعتنون بشأنه ، ويوصون بحسن رعايته وإكرامه ، تارك صلاة ، ولا يأمرونه بها .
وهو يحلق لحيته ، ولا يأمرونه بإِطلاقها .

ثم هو يأكل أموال الناس بالباطل ، وبالوعود الخادعة ، ولا مورد له إلا من هذا الطريق الخبيث .
جاءني رجل بعدما عرف صلتي بهذا الوسيط ، يشكو إليّ أنه خدعه ، فأخذ منه ثلاثمائة ليرة سورية ، وهو فقير ، وفي أشد الحاجة إليها .
فألزمت الوسيط بردّها إليه ، فاستجاب لذلك حرصاً منه ومن شياطينه على بقاء صلتي بهم .
والوسيط وأسرته تقوم حياتهم على الكذب في أكثر شؤونهم ) .

الخاتمة :

وختم الشيخ أحمد عز الدين كلامه على هذه التجربة بقوله :
" حاولت هذه الأرواح بعدما انكشف لي أمرها أن تسلك معي مسلك التهديد ، فلم يزلزل ذلك من قلبي شيئاً ، والحمد لله .
وقد كنت كتبت في هذه المدة الطويلة مما حدثوني به ما ملأ دفترين كبيرين ، جمعت فيهما أكثر ما حدثوني به .
ولما ظهر الباطل ظهوراً لا يحتمل التأويل ، قطعت الصلة بهم ، وحكمت عليهم بما حكمت ، وأحرقت الدفترين اللذين امتلأا بالكذب والخداع .

فهذه الأرواح التي تدّعي أنها أرواح رجال من الصحابة والأولياء والصالحين ، كلها شياطين ، لا ينبغي لمؤمن عاقل أن ينخدع بها .
وجميع الصور التي اعتادها مستحضرو الأرواح كذب وباطل .
سواء في ذلك طريقة الوسيط التي ذكرتها وجربتها ، وطريقة المنضدة والفناجين التي ذكرها لي بعض من جربها ، ووصل إلى النتيجة التي وصلت إليها .

ومن عجيب الأمر أني قرأت بعد ذلك كتباً مؤلفةً في هذا الموضوع ، فإذا بالمجربين العاقلين وصولوا إلى مثل ما وصلت إليه ، وحكموا على تلك الأرواح ، أنها قرناء بني آدم من الجن ، كما هداني الله تعالى إلى ذلك من قبل ، والحمد لله .
وقد أديت بكلمتي هذه النصح الواجب ، والله الهادي والموفق " .

خطر هذه الدعوات :

هذه الدعوات التي تزعم أن بإمكانها تحضير الأرواح اتخذها شياطين الجن والإنس سبيلاً لإفساد الدين ، فهذه الأرواح التي تُحضّر ، وهي في الحقيقة شياطين تتكلم بكلام يحطم الدين وينسفه ، وتقر مبادئ ومثلاً جديدة تعارض الحق كل المعارضة ، ففي واحدة من هذه الجلسات زعمت الروح ( الشيطان ) على لسان الوسيط أن جبريل قد حضر هذه الجلسة ، ولما كان الحضور لا يعرفون جبريل قالت : " ألا تعرفون جبريل الذي كان ينزل بالقرآن على محمد ؟ ! إنه يبارك هذا الاجتماع " .

وينقل الدكتور محمد محمد حسين عن مجلة ( عالم الروح ) من مقال لها بعنوان (حديث الروح الكبير هوايت هوك) ما يأتي : ( يجب أن نتحد في هذه الحركة ، في هذا الدين الجديد ، يجب أن تسودنا المحبة ، ويجب أن تكون لنا قدرة على الاحتمال والتفاهم ...
رسالتي ( المتحدث هنا الروح أي الشيطان ) أي أواسي المحروم ، وأساعد الإنسان على تحرره في نفسه من الله تعالى ، ( وصدق وهو كذوب فهذه رسالته ، أي يجعله يكفر بالله ) الإنسان إله مكسو بعناصر الأرض (هكذا ينفخ في الإنسان ، ويكذب عليه ليضله) ، وهو لن يدرك ما في مقدوره ما لم يحس بجزئه الملائكي الإلهي ... ، الروحية ستكون أقدر من غيرها على تأسيس دين جديد واسع للعالم كله " .

وينقل عن هذه المجلة أيضاً تعريفاً بالمنظمة التي أسست لهذه الغاية " إن هذه المنظمة ستكون لكل البشرية ، وعن طريقها سوف يوضح لنا سكان العالم الروحي طريقة جديدة للحياة ، ويعطوننا فكرة جديدة عن الله ومشيئته ، إنهم سوف يأتون لنا بالسلام والطمأنينة الروحية وبسعادة النفس والقلب ، سوف يحطمون الحواجز بين الشعوب والأفراد ، وبين العقائد والأديان (هكذا) ... إنّ العضوية في هذه المنظمة بدون نظر للوطن أو اللون أو الدين أو المذهب السياسي " .

وقد تزعم الأرواح أنها مرسلة من عند الله ، فالدكتور محمد محمد حسين يذكر أن محمد فريد وجدي نقل عن هذه الأرواح ( الشياطين ) قولها : " نحن مرسلون من عند الله كما أرسل المرسلون قبلنا ، غير أن تعاليمنا أرقى من تعاليمهم ، فإلهنا هو إلههم ، إلا أن إلهنا أظهر من إلههم ، وأقل صفات بشرية وأكثر صفات إلهية ... ، لا تخضع لأي عقيدة مذهبية ، ولا تقبل بلا بصر ولا روية تعاليم لا تستند إلى العقل "

وهم يزعمون أنّ الرسل والأنبياء ما هم إلا وسطاء على درجة عالية من الوساطة ، وأن المعجزات التي جرت على أيديهم ليست إلا ظواهر روحية ، كالظواهر التي تحدث في حجرة تحضير الأرواح ، ويزعمون أنهم يستطيعون أن يعيدوا أحداث ما نسب للمسيح عن طريق الأرواح .
وقد قامت بعض الصحف بحملة دعائية كبيرة ، زعمت أن أحد محضري الأرواح في أمريكا يستطيع أن يقوم بمثل معجزات المسيح ، فهو يعيد البصر إلى الأعمى ، والنطق إلى الأبكم ، والحركة للمشلول ، بقي أن تعلم أن الطبيب المزعوم طفل في العاشرة من عمره يدعى ( ميشيل ) . وعندما يأتيه المريض يضع أنامله عليه ، ويتمتم ببعض الأدعية والكلمات فتحدث المعجزة . ويقولون : إن هذا الطفل ورث الموهبة الروحانية عن والده ، وهو لا يتقاضى شيئاً من المال عما يقوم به من أعمال (3) .

ووراثة هذا الطفل الأعمال من أبيه تذكرنا بقصة تروى في بعض نواحي فلسطين ، يقول الرواة : إن أحد الرجال الذين كانوا يظهرون الصلاح والتقى ، كان يفعل عجباً ، فقد كان – في ذلك الوقت الذي لم تظهر فيه الطائرة والسيارة – ينطلق إلى الحج في ليلة عرفة ، فيشهد ذلك اليوم مع الحجيج ، ويسلمهم رسائل من أقاربهم وذويهم ، ويأخذ منهم رسائل إلى أقاربهم وذويهم ، ويعود في الليلة الأخرى ، وكان كثير من الناس يعتقد فيه الصلاح والخير ، على الرغم من أنه ما كان يقوم بمناسك الحج ، ولا يمكث في منى المدة المقررة ، ولا يرمي الجمرات .

ثم شاء الله أن يكشف باطله ، ويظهر أمره للناس ، فعندما جاءَه الموت استدعى ابنه الأكبر ، وأخبره أن جملاً سيأتيه ليلة عرفة ، ويحمله إلى عرفات في كل عام ، ولما جاء الجمل وركبه الابن ، وسار مسافة وقف ، وتحدث إلى الابن وأخبره أنه شيطان ، وأن أباه كان يعبده ، ويسجد له ، وفي مقابل ذلك يخدمه مثل هذه الخدمات ، ولما رفض الابن السجود له ، واستعاذ بالله منه ، تركه في الصحراء ، وقدر الله له الرجوع ، وكشف حقيقة أبيه الكافر .

وقد أشار إلى هذه القصة البيانوني في كتابه ( الملائكة ) بأخصر مما أثبتناه هنا .
هل يمكن استحضار الأرواح ؟
لقد وضعت مجلة ( سينتفيك أمريكان ) جائزة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر الروحية ، ولا تزال الجائزة قائمة لم يظفر بها أحد على الرغم من انتشار الروحيين ونفوذهم وبراعتهم في أمريكا ، وقد ضم إلى هذه الجائزة جائزة أخرى تبرع بها الساحر الأمريكي دننجر للغرض نفسه ، ولم يظفر بها أحد أيضاً .

حكم الشريعة في تحضير الأرواح :

ما موقف الإسلام من إمكان إحضار روح المتوفى ؟ إن التأمل في النصوص التي وردت في هذا تجعل الباحث يعطي حكماً جازماً أن ذلك مستحيل ، فقد أخبرنا الله أن الروح من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى إدراكه : ( ويسألونك عن الرُّوح قل الرُّوح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] .

وأخبر الحقّ – تبارك وتعالى – أنه يتوفى الأنفس ، وأنه يمسك النفوس عند موتها :( الله يتوفَّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك الَّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمّىً ) [ الزمر : 42 ] .
وقد وكّل الله بالأنفس ملائكة يعذبونها إن كانت شقية كافرة ، وينعمونها إن كانت صالحة تقية .
وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يقبض ملك الموت الأرواح وما يفعل بها بعد ذلك .

والأرواح إذا كانت مُمْسكة عند ربها وكل الله بها حفظة أقوياء مهرة ، فلا يمكن أن تتفلت منهم ، وتهرب لتأتي إلى هؤلاء الذين يتلاعبون بعقول العباد .

وبعض هؤلاء يزعم أنه حضّر روح عبد من عبيد الله الصالحين من الأنبياء والشهداء ، فكيف يتركون جنان الخلد إلى حجرة التحضير المظلمة ، فقد أخبرنا الله أن الشهداء أحياء عند ربهم : ( ولا تحسبنَّ الَّذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) [ آل عمران : 169 ] .

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ( أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءَت ، ثمّ تأوي إلى تلك القناديل ) . رواه مسلم في صحيحه (4) ، فكيف يزعم دجالو العصر أنهم يحضرون أرواح هؤلاء ؟ كيف ؟ ( كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلاَّ كذباً ) [ الكهف : 5 ] .

شبهة وجوابها :

يقولون : فكيف تعللون معرفة الأرواح بأخلاق وأعمال الرجل الذي تزعم أنها كانت تسكنه ؟
قلنا : هذا الذي يزعم أنه روح إنما هو شيطان ، ولعل هذا الشيطان هو القرين الذي كان يلازم الإنسان ، وقد ذكرنا النصوص التي تدلّ على أن لكل إنسان شيطاناً ، فهذا القرين الملازم للإنسان يعلم عنه الكثير من أخلاقه وعاداته وصفاته ، ويعرف أقاربه وأصدقاءه .

فعندما يُخْتَبَرُ ما أسهل أن يجيب ؛ لأنه على علم ودراية ، فإن قيل : كيف تفسرون الإجابات العلمية التي قد نحصل عليها من الأرواح ؟ نقول : سبق أن بينا أن الشياطين والجن لديهم القدرات العلمية التي تمكنهم من الإجابة والإفادة .
ولكنها إفادة تحمل في طياتها الإضلال العظيم ، فهم لا يفيدوننا إلا بمقدار ، كي نثق بهم ، ثم يوجهوننا الوجهة الضالة السيئة ، التي توبقنا في دنيانا وأخرانا .

تخلي الشياطين عن أتباعها :

هؤلاء الذين يُدعون بالروحانيين ، ويزعمون أنهم يحضرون الأرواح ويعالجون بها كاذبون ، وما هذه الأرواح إلا شياطين ، وقد تتخلى الشياطين عن هؤلاء فتذلهم وتخذلهم ، نشرت جريدة القبس الكويتية (5) مقالاً جاء فيه : " بريطانيا بأسرها تتحدث هذه الأيام عن العالم الروحاني ( بيتر غودوين ) الذي كان يتمتع بمواهب ( روحانية ) خارقة ، يستطيع بوساطتها أن يشفي المرضى من الأمراض المستعصية ، ويكشف الأشياء المفقودة ، ويسخر الأرواح لخدمة الإنسان .

وكان ( بيتر غودوين ) يتمتع بقدرة فريدة يستطيع بوساطتها أن يوجد في أكثر من مكان في وقت واحد ، فقد كان يشاهده أصدقاؤه في لندن مثلاً ، ويشاهده آخرون في اللحظة نفسها في ليفربول ، وآخرون في مانشستر ، بينما يؤكد فريق رابع أنه لم يكن في هذا المكان ولا ذلك ، وإنما كان يجلس في منزله بين زوجته وأولاده .

وأحياناً كانت أجساده الأثيرية المختلفة تتجمع في مكان واحد ، فيكون جالساً بين أصدقائه مثلاً ، وفجأة ... تدخل عليهم جميع شخصياته الأخرى ... وتشاركهم الجلسة ... فتأتي شخصيته الثانية والثالثة ، والرابعة والخامسة ، ويصبح ( بيتر غودوين ) عبارة عن خمس شخصيات تجالس الحضور ، وتتحدث إليهم ، أو تتحدث بعضها مع بعض ... ، بينما يكون الجميع مبهورين ... ، وفجأة خسر ( بيتر غودوين ) كلّ شيء وتحول إلى إنسان عادي ، ولم يعد قادراً على شفاء المرضى ، ولا اكتشاف الأشياء المفقودة ، ولاكشف المستقبل ، ولا تسخير الأرواح لخدمة الناس .

وقد بدأت مأساة ( غودوين ) في السنة الماضية عندما حاول استغلال المواهب التي منحت له لتحقيق مكاسب مادية ... ، وهو ينظر الآن إلى الماضي القريب ويقول : إن ما حدث لي لم يكن في الحسبان ، فقد غضبت الأرواح مني ، وسلبتني بركتها .

--------------------------------
(1) مجموع الفتاوى : 11/458 .
(2) جامع الرسائل : ص194-195 .
(3) ملحق جريدة القبس الكويتية : 17/10/1977م .
(4) مشكاة المصابيح : 2/351 . ورقمه : 3804 .
(5) ملحق جريدة القبس ، تاريخ 12/6/1978م .

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية