الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الوارث المحمدي وأخذ العهد والبيعة

الوارث المحمدي وأخذ العهد


محتويات

البحث عن الوارث المحمدي

مما سبق يتبين أهمية صحبة الوارث المحمدي للترقي في مدارج الكمال، وتلقي دروس الآداب والفضائل، واكتشاف العيوب الخفية والأمراض القلبية.

ولكن قد يسأل سائل: كيف الاهتداء إليه؟ والوصول إلى معرفته؟ وما هي شروطه وأوصافه؟ فنقول:
1 - حين يشعر الطالب بحاجته إليه كشعور المريض بحاجته إلى الطبيب، عليه أن يصدق العزم، ويصحح النية، ويتجه إلى الله تعالى بقلب ضارع منكسر، يناديه في جوف الليل، ويدعوه في سجوده وأعقاب صلاته: (اللهم دلَّني على من يدلني عليك، وأوصلني إلى من يوصلني إليك).

2 - عليه أن يبحث في بلده، ويفتش ويسأل عن المرشد بدقة وانتباه غير ملتفت لما يشيعه بعضهم من فقد المرشد المربي في هذا الزمن. يقول ابن عجيبة: (والناس في إثبات الخصوصية ونفيها على ثلاثة أقسام:
1 - قسم أثبتوها للمتقدمين ونفوها عن المتأخرين ؛ وهم أقبح العوام.
2 - وقسم أقروها قديماً وحديثاً، وقالوا: إنهم أخفياء في زمانهم، فحرمهم الله بركتهم.
3 - وقوم أقروا الخصوصية في أهل زمانهم، مع إقرارهم بخصوصية السلف، وعرفوهم، وظفروا بهم، وعظموهم ؛ وهم السعداء الذين أراد الله أن يرحلهم إليه ويقربهم إلى حضرته، وفي الحكم: (سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ؛ ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه). وبهذا يُرَدُّ على من زعم أن شيخ التربية انقطع، فإن قدرة الله تعالى عامة، وملك الله قائم ؛ والأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة حتى يأتي أمر الله) "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" لابن عجيبة ج1/ص77.
ويحضرني في هذا الموضوع أبيات لبعضهم يَردُّ فيها على من يدَّعي أن المرشدين قد عدموا في هذا العصر أو قلُّوا، قال:

يقول قوم عن هداهم ضلوا قد عُدموا في عصرنا أو قَلُّوا
فقلت: كلا إنما قد جَلُّوا عن أن تراهم أعين الجهال

وقد أدركنا والحمد لله في زمننا هذا رجالاً عارفين مرشدين قد توفرت فيهم شروط التربية على الكمال، ذوي همة وحال ومقال، تخرَّج على أيديهم خلق كثير، وانتفع بهم جم غفير، ولكن الخفاش لا يستطيع أن يبصر النور.

فإذا لم يجد أحداً في مدينته فليبحث عنه في مدن أخرى، ألا ترى المريض يسافر إلى بلدة ثانية للتداوي إذا لم يجد الطبيب المختص، أو حين يعجز أطباء مدينته عن تشخيص دائه، ومعرفة دوائه. ومداواة الأرواح تحتاج إلى أطباء أمهر من أطباء الأجسام.
وللمرشد شروط لا بد منها حتى يتأهل لإرشاد الناس وهي أربعة:

1 - أن يكون عالماً بالفرائض العينية.
2 - أن يكون عارفاً بالله تعالى.
3 - أن يكون خبيراً بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها.
4 - أن يكون مأذوناً بالإرشاد من شيخه.

1 - أما الشرط الأول: فينبغي أن يكون المرشد عالماً بالفرائض العينية: كأحكام الصلاة والصوم والزكاة إن كان مالكاً للنصاب، وأحكام المعاملات والبيوع إن كان ممن يتعاطى التجارة... الخ. وأن يكون عالماً بعقيدة أهل السنة والجماعة في التوحيد، فيعرف ما يجب لله تعالى، وما يجوز وما يستحيل إجمالاً وتفصيلاً، وكذلك في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهكذا سائر أركان الإيمان.

2 - وأما الشرط الثاني: فينبغي أن يتحقق المرشد بعقيدة أهل السنة عملاً وذوقاً بعد أن عرفها علماً ودراية، فيشهد في قلبه وروحه صحتها، ويشهد أن الله تعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله، ويتعرف على حضرات أسماء الله تعالى ذوقاً وشهوداً، ويرجعها إلى الحضرة الجامعة، ولا يشتبه عليه تعدد الحضرات، إذ تعدد الحضرات لا يدل على تعدد الذات.

3 - وأما الشرط الثالث: فلا بد أن يكون قد زَكَّى نفسه على يد مربٍ ومرشد، فخبَرَ مراتب النفس وأمراضها ووساوسها، وعرف أساليب الشيطان ومداخله. وآفات كل مرحلة من مراحل السير، وطرائق معالجة كل ذلك بما يلائم حالة كل شخص وأوضاعه.

4 - وأما الشرط الرابع: فلا بد للمرشد من أن يكون قد أُجيز من شيخه بهذه التربية وهذا السير، فمن لم يشهد له الاختصاصيون بعلم يَدَّعيه لا يحق له أن يتصدر فيه، فالإجازة: هي شهادة أهلية الإرشاد وحيازة صفاته وعليها أُسِّسَتْ الآن فكرة المدارس والجامعات، فكما لا يجوز لمن لا يحمل شهادة الطب أن يفتح عيادة لمداواة المرضى، ولا يصح لغير المجاز في الهندسة أن يرسم مخططاً للبناء، وكما لا يجوز للذي لا يحمل شهادة أهلية التعليم أن يُدَرِّس في المدارس والجامعات، فكذلك لا يجوز أن يدَّعي الإرشاد غير مأذون له به من قِبَلِ مرشدين مأذونين مؤهَّلين، يتصل سندهم بالتسلسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار علماء الحديث الذين تناقلوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند رجلاً عن رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبروا السند أساساً لحفظ السنة النبوية من الضياع والتحريف ولهذا قال ابن المبارك: (الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).

وكما أنه لا يصح من العاقل أن يتداوى عند جاهل بالطب، كذلك لا يجوز للمرء أن يركن إلى غير المرشد المأذون المختص بالتوجيه والإرشاد، وكل من درس الوضع العلمي في الماضي يعرف قيمة الإجازة من الأشياخ وأهمية التلقي عندهم، حتى إنهم أطلقوا على من لم يأخذ علمه من العلماء اسم (الصحفي)، لأنه أخذ علمه من الصحف والمطالعة الخاصة، قال ابن سيرين رحمه الله:
(إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) [رواه مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين].

وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما بذلك فقال:
(يا ابن عمر دينَك دينَك إنما هو لحمك ودمك فانظرْ عمن تأخذ، خذ الدين عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا) [أخرجه الحافظ ابن عدي عن ابن عمر كذا في "كنز العمال" ج3/ص152].

وقال بعض العارفين:
(العلم روح تُنفخ لا مسائل تُنسخ، فلْيَنْتبه المتعلمون عمن يأخذون، ولْيَنْتبه العالِمون لمن يُعطون).
ثم اعلم أن من علامات المرشد أموراً يمكن ملاحظتها:
- منها: أنك إذا جالسته تشعر بنفحة إيمانية، ونشوة روحية، لا يتكلم إلا لله، ولا ينطق إلا بخير، ولا يتحدث إلا بموعظة أو نصيحة، تستفيد من صحبته كما تستفيد من كلامه، تنتفع من قربه كما تنتفع من بعده، تستفيد من لحظه كما تستفيد من لفظه.
- ومنها: أن تلاحظ في إخوانه ومريديه صور الإيمان والإخلاص والتقوى والتواضع، وتتذكر وأنت تخالطهم المُثُلَ العليا من الحب، والصدق والإيثار والأخوة الخالصة، وهكذا يُعرف الطبيب الماهر بآثاره ونتائج جهوده، حيث ترى المرضى الذي شُفوا على يديه، وتخرجوا من مصحه بأوفر قوة، وأتم عافية.

علماً أن كثرة المريدين والتلاميذ وقلتهم ليست مقياساً وحيداً، وإنما العبرة بصلاح هؤلاء المريدين وتقواهم، وتخلصهم من العيوب والأمراض واستقامتهم على شرع الله تعالى.
- ومنها: أنك ترى تلامذته يمثلون مختلف طبقات الأمة، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالظفر به يدفع الطالب للأخذ بيده، والتزام مجالسه، والتأدب معه، والعمل بنصحه وإرشاده، في سبيل الفوز بسعادة الدارين.

أخذ العهد

مما سبق ثبت أنه ينبغي لمريد الكمال أن يلتحق بمرشد يتعهده بالتوجيه ويرشده إلى الطريق الحق، ويضيء له ما أظلم من جوانب نفسه، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة وهدى ويقين.
يبايع المرشد، ويعاهده على السير معه في طريق التخلي عن العيوب والتحلي بالصفات الحسنة، والتحقق بركن الإحسان، والترقي في مقاماته.

وأخذُ العهد ثابت في القرآن، والسنة، وسيرة الصحابة:

فمن القرآن:

قول الله تعالى: {إنَّ الذينَ يُبايعونَك إنَّما يبايعونَ اللهَ يدُ اللهِ فوق أيديهم فمَنْ نكث فإنَّما ينكث على نفسه ومَنْ أوفى بما عاهَدَ عليهُ اللهَ فسيؤتيهِ أجراً عظيماً} [الفتح: 10].
ولما كانت البيعة في الواقع لله تعالى، حذَّر الله من نقضها تحذيراً، فقال تعالى: {وأوفوا بعهد ِ الله إذا عاهدْتُم ولا تنْقُضوا الأَيمَانَ بعد توكيدها وقد جعلتم اللهَ عليكم كفيلاً} [النحل: 91].
وقوله أيضاً: {وأوفوا بالعهدِ إنَّ العهد كانَ مسؤولاً} [الإسراء: 34].

ومن السنة:

فإن أخذ العهد والبيعة في السنة المطهرة ما كان يتخذ صورة واحدة من التلقين أو يختص بجماعة من المسلمين، وإنما كان أخذ العهد في السنة جامعاً بين بيعة الرجال، وتلقين الجماعات والأفراد، ومبايعة النساء، بل وحتى من لم يحتلم.

بيعة الرجال

فأما بيعة الرجال: فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه ؛ وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك" [أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان. وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي كما في "الترغيب والترهيب" ج2/ص415].

وأما التلقين جماعة:

فعن يعلى بن شداد قال: حدثني أبي شداد بن أوس رضي الله عنه ؛ وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل فيكم غريب؟" - يعني من أهل الكتاب - فقلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغلق الباب فقال: "ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله"، فرفعنا أيدينا وقلنا: لا إله إلا الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله ؛ اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد"، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أبشروا فإنَّ الله قد غفر لكم" [أخرجه الإمام أحمد والطبراني والبزار. ورجاله موثوقون. كما في "مجمع الزوائد" ج1/ص19].

وأما التلقين الإفرادي:

فإن علياً كرَّم الله وجهه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله، وأسهلها على عباده، وأفضلها عنده تعالى)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليك بمداومة ذكر الله سراً وجهراً"، فقال علي: (كلُّ الناس ذاكرون فخصَّني بشيء) ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، ولو أن السموات والأرضين في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهم، ولا تقوم القيامة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله"، ثم قال علي: (فكيف أذكر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غَمِّضْ عينيكَ واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم قلها ثلاثاً وأنا أسمع، ثم فعل ذلك برفع الصوت" [رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن].

ومن التلقين الإفرادي: ما أخرج الطبراني في "الأوسط" وأبو نعيم والحاكم والبيهقي وابن عساكر عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقلت: علامَ تُبايعني يا رسول الله؟ فمدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقال: "تشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وتصلي الصلوات الخمس لوقتها، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتُجاهد في سبيل الله". قلت: يا رسول الله! كُلاًّ نطيق إلا اثنتين فلا أطيقهما: الزكاة، والله ما لي إلا عَشْر ذَوْد [الذود من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر] هُنَّ رِسْلُ [بالكسر ثم السكون: اللبن] أهلي وحَمُولتهن [بالفتح: ما يحتمل عليه الناس من الدواب سواء أكانت عليها الأحمال أم لم تكن، وبالضم: الأحمال]، وأما الجهاد ؛ فإني رجل جبان، ويزعمون أنَّ من وَلَّى فقد باءَ بغضبٍ من الله، وأخاف إن حضر القتال أن أخشع بنفسي فأفرَّ فأبوء بغضب من الله، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يدهُ ثم حرَّكها ثم قال:"يا بشير! لا صدقة ولا جهاد!! فبم إذاً تدخل الجنة؟!" قلت: يا رسول الله! ابسط يديك أُبايعك فبسط يده ، فبايعته عليهن) [أخرجه الإمام أحمد، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" رجاله موثوقون ج1/ص42].

وروي عن جَرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله اشترط عليَّ فأنت أعلم بالشرط. قال: (أبايعك على أن تعبد الله وحده، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من الشرك)[ رواه الإمام أحمد والنسائي في باب البيعة على النصح لكل مسلم].

وعن جرير أيضاً قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) [أخرجه البخاري في صحيحه في باب البيعة على إقام الصلاة].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما استطعتم"[أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأحكام، ومسلم في كتاب الإمارة].

بيعة النساء

وأما بيعة النساء: فعن سلمى بنت قيس رضي الله عنها - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلت معه القبلتِين، وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار - قالت: (جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته في نسوة من الأنصار ؛ فلما شرط علينا على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، قال: "ولا تغششن أزواجكن" قالت: فبايعناه ثم انصرفنا، فقلتُ لامرأة منهن ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حُرِّم علينا من مال أزواجنا؟ قالت: فسألته فقال: "تأخذ ماله فتُحابي به غيرَهُ") [رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني. ورجاله ثقات كما في "مجمع الزوائد" ج6/ص38].

وعن أُميمة بنت رُقَيْقِة قالت: (أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة يبايعنه فقلن: نبايعك يا رسولَ الله على أن لا نشركَ بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما استطعتن وأطقتن"، فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هَلُمَّ نبايعك يا رسول الله، فقال: "إني لا أُصافح النساء، إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة"[أخرجه الترمذي في كتاب السِّيَر باب بيعة النساء، ورواه النسائي في باب بيعة النساء. وإسناده حسن].

وجاءت أميمة بنت رُقَيْقَة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال: (أُبايعكِ على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرَّجي تبرج الجاهلية الأولى) [أخرجه النسائي وصححه الترمذي. كما في "حياة الصحابة" ج1/ص231].

وعن عزة بنت خايل رضي الله عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعها: "أن لا تزنين، ولا تسرقين، ولا تئدين فَتُبدين أو تخفين". قلت: أما الوأد المبدي فقد عرفته، أما الوأد الخفي فلم أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يخبرني، وقد وقع في نفسي أنه إفساد الولد، فو الله لا أفسد لي ولداً أبداً [رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" كما في "مجمع الزوائد" ج6/ص39].
وأما بيعة من لم يحتلم: فقد أخرج الطبراني عن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم وهم صغار ولم يُبْقِلوا [يقال: أبقل وجهه، إذا نبتت لحيته] ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيراً إلا منَّا [قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ج6/ص140: هو مرسل، ورجاله ثقات].

وأخرج الطبراني أيضاً عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنهما بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين، فلمَّا رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم وبسط يده، فبايعهما ["مجمع الزوائد" ج9/ص285].

والخلاصة: إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على حالات مختلفة. منها بيعتهم على الإسلام، وبيعتهم على أعمال الإسلام، وبيعتهم على الهجرة وعلى النصرة والجهاد، وبيعتهم على الموت، وبيعتهم على السمع والطاعة...

وأما بيعة الصحابة رضي الله عنهم لخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخرج ابن شاهين في الصحابة عن إبراهيم بن المنتشر عن أبيه عن جده قال: (كانت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه: {إنّ الذين يبايعُونَك إنَّما يبايعون الله} [الفتح: 10] التي بايع الناس عليها البيعة لله والطاعة للحق، وكانت بيعة أبي بكر رضي الله عنه : (تبايعوني ما أطعت الله)، وكانت بيعة عمر رضي الله عنه ومن بعده كبيعة النبي صلى الله عليه وسلم) ["الإصابة" ج3/ص458].

وعن أنس رضي الله عنه قال: (قدمت المدينة وقد مات أبو بكر رضي الله عنه واستُخلف عمر رضي الله عنه، فقلت لعمر: ارفع يدك أُبايعك على ما بايعت عليه صاحبك قبلك، على السمع والطاعة فيما استطعت) ["حياة الصحابة" ج1/ص237].

عن سليم أبي عامر رضي الله عنه: (أنَّ وفد الحمراء أتوا عثمان رضي الله عنه فبايعوه على ألاَّ يشركوا بالله شيئاً، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويَدَعُوا عيد المجوس، فلما قالوا: نعم، بايعهم)[رواه الإمام أحمد كما في نفس المرجع].
ثم نهج الورَّاث من مرشدي الصوفية منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في أخذ البيعة في كل عصر، فقد ذكر الأستاذ الندوي في كتابه "رجال الفكر والدعوة في الإسلام": (أن الشيخ عبد القادر الجيلاني فتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه، يدخل فيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي، يجددون العهد والميثاق مع الله، ويعاهدون على ألاَّ يشركوا ولا يكفروا، ولا يفسقوا، ولا يبتدعوا، ولا يظلموا، ولا يستحلوا ما حرَّم الله، ولا يتركوا ما فرض الله، ولا يتفانوا في الدنيا، ولا يتناسوا الآخرة. وقد دخل في هذا الباب - وقد فتحه الله على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني - خلق لا يحصيهم إلا الله، وصلحت أحوالهم، وحسن إسلامهم، وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم، ويشرف عليهم، وعلى تقدمهم، فأصبح هؤلاء التلاميذ الروحيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الإيمان) ["رجال الفكر والدعوة في الإسلام" ص248]. فكان لهذه المعاهدات والبيعات من الأثر في التزكية والإصلاح الفردي والجماعي أقوى شأن وأوفر نصيب.

تناقل الإذن

منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا تناقل هذا الإذنَ والتلقينَ والعهدَ رجالٌ عن رجال، فوصل إلينا محققاً مسلسلاً مسجلاً، والصوفية يُسمُّون البيعة والإذن والتلقين باسم "القبضة"، يتلقاها واحد عن واحد، يقبض كل منهما يد الآخر، فكأنما الْتقى السالب بالموجب فارتبط التيار واتصل السند، ونفذ التأثير الروحي المحسوس المجرب

وما هؤلاء المرشدون المجددون على توالي العصور والأزمان الذين يربطون قلوب الناس بهم حتى يوصلوها بنور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا كالمراكز الكهربائية التي توضع في الأماكن البعيدة عن المولِّد الكهربائي فتأخذ النور من مركز التوليد لتعطيه لمن حولها قوياً وهَّاجاً ؛ فهذه المراكز ليست مصدر النور ولكنها موزعة له وناقلة، ولكن لبعد المسافة يضعف نور الشريط المتصل بالمولِّد، فاحتاج الأمر إلى هذه المراكز التي تعيد لهذا النور قوته وحيويته.

وهكذا فإن المرشدين يجددون النشاط الإيماني في عصرهم، ويعيدون النور المحمدي إلى ضيائه وبريقه بعد تطاول الزمن وتعاقب القرون، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "العلماء ورثة الأنبياء" [فقرة من حديث رواه الترمذي في كتاب العلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه].

والتجربة العملية هي الدليل الأكبر على ما يثمره أخذ العهد من نتائج طيبة وآثار حميدة، ولهذا اعتصم به السلف، وورثه صالحوا الخلف، وسار عليه جمهور الأمة.

أدب المريد مع شيخه وإخوانه

بعد أن عرفنا فائدة الصحبة وأهميتها، وبصورة خاصة صحبة الوارث المحمدي ؛ وهو الشيخ المرشد المأذون بالتربية الذي ترقَّى في مقامات الرجال الكمل على يد مرشد كامل مسلسلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع بين الشريعة والحقيقة، ثم تبيَّن معنا أهمية بيعته وأخذ العهد عنه وملازمته، نذكر هنا بعضاً من الآداب التي تطلب من المريد الصادق كي يتحقق له الوصول إلى مطلوبه، فقد اتفق أهل الله قاطبة على أن من لا أدبَ له لا سيرَ له، ومن لا سيرَ له لا وصولَ له، وأن صاحب الأدب يَبلغ في قليل من الزمن مبلغَ الرجال، وها نحن نورد بعض آداب المريد مع شيخه وإخوانه:

1 - آداب المريد مع شيخه:

وهي نوعان: آداب باطنة، وآداب ظاهرة.

فأما الآداب الباطنة فهي:

1 - الاستسلام لشيخه وطاعته في جميع أوامره ونصائحه، وليس هذا من باب الانقياد الأعمى الذي يهمل فيه المرء عقله ويتخلى عن شخصيته، ولكنه من باب التسليم لِذي الاختصاص والخبرة ؛ بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية، منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته ورحمته، وأنه جمع بين الشريعة والحقيقة.. الخ. وهذا يشبه تماماً استسلام المريض لطبيبه استسلاماً كلياً في جميع معالجاته وتوصياته، ولا يُعَدُّ المريض في هذا الحال مهملاً لعقله متخلياً عن كيانه وشخصيته، بل يُعْتَبَرُ منصفاً عاقلاً لأنه سلَّم لذي الاختصاص، وكان صادقاً في طلب الشفاء.

2 - عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه، لأنه مجتهد في هذا الباب عن علم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات شيخه ؛ فهذا من شأنه أن يُضْعِفَ ثقته به ويَحجُبَ عنه خيراً كثيراً، ويَقطعَ الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه.

قال العلامة ابن حجر الهيثمي: (ومَنْ فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبحث عنها فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته، وأنه لا يَنْتُج قط، ومن ثَمَّ قالوا: [ من قال لشيخه لِم؟ لَمْ يفلح أبداً ] [المقصود بهذا الأدب هو مريد التربية والكمال والوصول إلى الله تعالى، أما التلميذ الذي يأخذ علمه عن العلماء فينبغي له مناقشتهم وسؤالهم حتى تتحقق له الفائدة العلمية] أي لشيخه في السلوك والتربية)[الفتاوى الحديثية" ص55. للمحدث ابن حجر الهيثمي المكي المتوفى سنة 974هـ].
وإذا أورد الشيطان على قلب المريد إشكالاً شرعياً حول تصرفٍ من تصرفات شيخه بغية قطع الصلة ونزع الثقة فما على المريد إلا أن يُحسِنَ الظن بشيخه ويلتمسَ له تأويلاً شرعياً ومخرجاً فقهياً، فإن لم يستطع ذلك فعليه أن يسأل شيخه مستفسراً بأدب واحترام، كما سيأتي في بحث مذاكرة المريد لمرشده.

قال العلامة ابن حجر الهيثمي: (ومن فتح باب التأويل للمشايخ، وغض عن أحوالهم، ووكل أمورهم إلى الله تعالى، واعتنى بحال نفسه وجاهدها بحسَب طاقته، فإنه يُرجى له الوصول إلى مقاصده، والظفر بمراده في أسرع زمن) ["الفتاوى الحديثية" ص55].
3 - أن لا يعتقد في شيخه العصمة، فإن الشيخ وإن كان على أكمل الحالات فليس بمعصوم، إذ قد تصدر منه الهفوات والزلات، ولكنه لا يصر عليها ولا تتعلق همته أبداً بغير الله تعالى، لأنه إذا اعتقد المريد في شيخه العصمة، ثم رأى منه ما يخالف ذلك، وقع في الاعتراض والاضطراب مما يسبب له القطيعة والحرمان.

ولكن لا ينبغي للمريد حين يعتقد في شيخه عدم العصمة أن يضع بين عينيه دائماً احتمال خطأ شيخه في كل أمر من أوامره أو توجيه من توجيهاته، لأنه بذلك يمنع عن نفسه الاستفادة، كمثل المريض الذي يدخل إلى طبيبه وليس في قلبه إلا فكرة احتمال خطأ الطبيب في معالجته فهذا من شأنه أن يُضعف الثقة ويُحدثَ الشكَّ والاضطراب في نفسه.

4 - أن يعتقد كمال شيخه وتمام أهليته للتربية والإرشاد، وإنما كَوَّن هذا الاعتقاد بعد أن فتش ودقَّقَ بادىء أمره ؛ فوجد شروط الوارث المحمدي التي سبق ذكرها قد تحققت في شيخه، ووجد أن الذين يصحبونه يتقدمون في إيمانهم وعباداتهم وعلمهم وأخلاقهم ومعارفهم الإلهية [لا ينبغي للمرء أن يكون عاطفياً تغره المظاهر ؛ فيقع في صحبة أدعياء التصوف دون أن يكون له ميزان شرعي صحيح وتفكير عقلي سليم، إذ ليس كل من ادعى التصوف صار صوفياً ومربياً ؛ ولو تزيا بزي المرشدين. كما أنه ليس كل من لبس ثوب الأطباء في المستشفى صار طبيباً لأن هذه الثياب يلبسها الممرضون والآذنون وغيرهم].

5 - اتصافه بالصدق والإخلاص في صحبته لشيخه، فيكون جاداً في طلبه، منزهاً عن الأغراض والمصالح.
6 - تعظيمه وحفظ حرمته حاضراً وغائباً. قال إبراهيم بن شيبان القرميسيني: (من ترك حرمة المشايخ ابتلي بالدعاوي الكاذبة وافتضح بها) ["طبقات الصوفية" ص405].
وقال محمد بن حامد الترمذي رضي الله عنه: (إذا أوصلك الله إلى مقام ومنعك حرمة أهله والالتذاذ بما أوصلك إليه، فاعلم أنك مغرور مستدرَج).
وقال أيضاً:
(من لم تُرضِهِ أوامر المشايخ وتأديبُهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة) ["طبقات الصوفية" ص283].
وقال أبو العباس المرسي:
(تَتَبَّعْنا أحوال القوم فما رأينا أحداً أنكر عليهم ومات بخير)["مدارج السلوك إلى ملك الملوك" ص12. للشيخ أبو بكر بن محمد بناني الشاذلي المتوفى سنة 1284هـ].
وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني:
(من وقع في عِرض وليٌّ ابتلاه الله بموت القلب) ["مدارج السلوك إلى ملك الملوك" ص12. للشيخ أبو بكر بن محمد بناني الشاذلي المتوفى سنة 1284هـ].

7 - أن يحب شيخه محبة فائقة شريطة أن لا ينقص من قدر بقية الشيوخ، وأن لا يصل غلوه في المحبة إلى حدٌّ فاسد ؛ بأن يُخرج شيخه عن طور البشرية، وإنما تقوى محبة المريد لشيخه بموافقته له أمراً ونهياً، ومعرفتِهِ لله تعالى في سيره وسلوكه، فالمريد كلما كبرت شخصيته بالموافقة ازدادت معرفته، وكلما ازدادت معرفته ازدادت محبته.
8 - عدم تطلعه إلى غير شيخه لئلا يتشتت قلبه بين شيخين، ومثال المريد في ذلك كمثل المريض الذي يطبب جسمه عند طبيبين في وقت واحد فيقع في الحيرة والتردد [ينبغي الملاحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية لا شيخ التعليم ؛ إذ يمكن لطالب العلم أن يكون له عدة أساتذة، ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة في العلم لأن ارتباطه بهم ارتباط علمي، بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية وتربوية].

وأما الآداب الظاهرة فهي:

1 - أن يوافق شيخه أمراً ونهياً، كموافقة المريض لطبيبه.
2 - أن يلتزم السكينة والوقار في مجلسه، فلا يتكىء على شيء يعتمده، ولا يتثاءب ولا ينام، ولا يضحك بلا سبب، ولا يرفع صوته عليه، ولا يتكلم حتى يستأذنه لأن ذلك من عدم المبالاة بالشيخ وعدم الاحترام له. ومن صحب المشايخ بغير أدب واحترام حرم مددهم وثمرات ألحاظهم وبركاتهم.

3 - المبادرة إلى خدمته بقدر الإمكان، فمن خَدَم خُدِم.
4 - دوام حضور مجالسه، فإن كان في بلد بعيد فعليه أن يكرر زيارته بقدر المستطاع، ولذلك قيل: (زيارة المربي ترقي وتربي).
وإن السادة الصوفية بنوا سيرهم على ثلاثة أصول "الاجتماع والاستماع والاتباع" وبذلك يحصل الانتفاع.
5 - الصبر على مواقفه التربوية كجفوته وإعراضه... الخ، التي يقصد بها تخليص المريد من رعوناته النفسية وأمراضه القلبية.
قال ابن حجر الهيثمي: (كثير من النفوس التي يراد لها عدم التوفيق إذا رأت من أستاذ شدة في التربية تنفر عنه، وترميه بالقبائح والنقائص مما هو عنه بريء. فليحذر الموفق من ذلك، لأن النفس لا تريد إلا هلاك صاحبها، فلا يطعها في الإعراض عن شيخه) ["الفتاوى الحديثية" ص55].

6 - أن لا ينقل من كلام الشيخ إلى الناس إلا بقدر أفهامهم وعقولهم لئلا يسيء إلى نفسه وشيخه، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ الله ورسولُهُ؟) [أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم].
وهذه الآداب كلها إنما تُطلب من المريد الحقيقي الذي يريد الوصول للحضرة الإلهية، وأما المريد المجازي فهو الذي ليس قصده من الدخول مع الصوفية إلا التزيي بزيهم، والانتظام في سلك عقدهم، وهذا لا يُلزَم بشروط الصحبة ولا بآدابها. ومثل هذا له أن ينتقل إلى طريق أخرى ولا حرج عليه، كما أن طريق التبرك لا حرج في الانتقال منها إلى غيرها كما هو معروف عند المربين المرشدين.

2 - آداب المريد مع إخوانه:

1 - حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين، فلا يغتاب أحداً منهم، ولا ينقص أحداً، لأن لحومهم مسمومة كلحوم العلماء والصالحين.
2 - نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم، وتقوية ضعيفهم.
وللنصيحة شروط ينبغي التزامها، وهي ثلاثة للناصح، وثلاثة للمنصوح.
فشروط الناصح:
1 - أن تكون النصيحة سراً.
2 - أن تكون بلطف.
3 - أن تكون بلا استعلاء.
وشروط المنصوح:
1 - أن يقبل النصيحة.
2 - أن يشكر الناصح.
3 - أن يطبق النصيحة.

3 - التواضع لهم والإنصاف معهم وخدمتهم بقدر الإمكان إذ "سيد القوم خادمهم" [أخرجه ابن ماجه والترمذي عن أبي قتادة رضي الله عنه، كما في "فيض القدير" "شرح الجامع الصغير" للمناوي ج4/ص122].
4 - حسن الظن بهم وعدم الانشغال بعيوبهم ووَكْلُ أمورهم إلى الله تعالى:

ولا تر العيب إلا فيك معتقداً عيباً بدا بيِّناً لكنه استترا

5 - قبول عذرهم إذا اعتذروا.
6 - إصلاح ذات بينهم إذا اختلفوا واختصموا.
7 - الدفاع عنهم إذا أُوذوا أو انتُهكِتْ حرماتهم.
8 - أن لا يطلب الرئاسة والتقدم عليهم لأن طالب الولاية لا يُوَلَّى.

فهذه جملة من الآداب التي يجب على السالك مراعاتها والمحافظة عليها فإن الطريق كلها آداب، حتى قال بعضهم: (اجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً).

وقال أبو حفص النيسابوري رضي الله عنه: (التصوف كله آداب، لكل وقت آداب، ولكل حال آداب، ولكل مقام آداب، فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حُرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، مردود من حيث يظن القبول) ["طبقات الصوفية" للسلمي ص119].
وبالجملة فأدب المريد لا نهاية له مع شيخه ولا مع إخوانه ولا مع عامة الوجود، وقد أفرده المربون بالتآليف، وألف فيه ابن عربي الحاتمي، والشعراني، وأحمد زروق، وابن عجيبة، والسهروردي، وغيرهم.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية