الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

فصل الصلاة المحرمة وأبعاض الصلاة

فصل الصلاة المحرمة وأبعاض الصلاة


كتاب كاشفة السجا شرح سفينة النجا للنووي الجاوي الشافعي

محتويات

فصل الصلاة المحرمة في خمسة أوقات

(فصل): في الصلاة المحرمة من حيث الوقت والفعل (تحرم الصلاة التي ليس لها سبب متقدم ولا مقارن) في غير حرم مكة، (في خمسة أوقات) ولا تنعقد حينئذٍ ولا يكفر بها وذلك بأن لم يكن لها سبب أصلاً وهي النفل المطلق أولها سبب متأخر كصلاة الإحرام والاستخارة أي طلب خير أمري الدنيا والآخرة، وكالصلاة عند إرادة السفر وعند الخروج من المنزل وعند القتل، وصلاة التوبة. وخرج بذلك ماله سبب متقدم كفائتة فإن سببها الوقت الماضي سواء كانت الفائتة نفلاً أو فرضاً لأنه صلى الله عليه وسلّم صلى بعد العصر أربعاً وقال هما اللتان بعد الظهر، ومثل الفائتة صلاة المنذورة والمعادة وكصلاة جنازة وسجدة تلاوة وشكر أو مقارن كصلاة الاستسقاء والكسوف فإن سببهما وهو القحط وتغير الكواكب مقارن دواماً، فيجب عند التحرم بالإحرام أن يكون الكسوف مستمراً فإن زال لم يصح الإحرام، فالمراد بالمقارنة وقوع الإحرام حال وجود السبب ولو في أثنائه، فإن أريد بها توافق السبب والإحرام في الزمن ابتداء كانت صلاة الكسوف مما سببه متقدم إذ لا يجوز الإحرام بها إلا بعد ابتدائه، ولذا مثل بعضهم بها لما سببه متقدم، أما الصلاة بحرم مكة المسجد أو غيره فلا تكره مطلقاً لخبر الترمذي وغيره: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار، نعم هي خلاف الأولى خروجاً من خلاف مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما وخرج بحرم مكة حرم المدينة فهو كغيره.

أحدها: (عند طلوع الشمس) أي ابتداء طلوعها (حتى ترتفع قدر رمح) فإذا ارتفعت كرمح صحت الصلاة مطلقاً وطول الرمح سبعة أذرع بذراع الآدمي تقريباً في رأي العين ومن قدره بأربعة أذرع أراد ذراع العمل أي الحديد. (و) ثانيها: (عند الاستواء في غير يوم الجمعة حتى تزول) اعلم أن وقت الاستواء لطيف جداً ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس إلا أن التحرم قد يمكن إيقاعه فيه فلا تصح الصلاة حينئذٍ، أما في يوم الجمعة في وقت الاستواء ولو لغير حاضرها فتصح، أما في غير هذا الوقت فحكم هذا اليوم حكم غيره من بقية الأيام. (و) ثالثها: (عند الاصفرار) أي اصفرار الشمس (حتى تغرب) للنهي عن الصلاة في تلك الأوقات قال الحسن البغوي في المصابيح: وقال عتبةبن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب" رواه مسلم. فمعنى بازغة أي طالعة، والظهيرة أي الهاجرة وذلك حين تزول الشمس والقائم بسببها هو البعير يكون باركاً فيقوم من شدة حر الأرض، فمعنى حين يقوم قائم الظهيرة أي حين يقوم البعير وتضيفت بالفاء أي قربت كما في المصباح المنير.

(و) رابعها: (بعد صلاة الصبح) أي لمن صلاها أداء مغنية عن القضاء فلو كانت قضاء أو لم تغن عن القضاء كأن كان متيمماً بمحل يغلب فيه وجود الماء لم تحرم الصلاة بل صحت النافلة المطلقة بعده حينئذٍ (حتى تطلع الشمس) أي وترتفع لأن الحرمة من جهة الفعل استمر إلى الارتفاع لكن قبل الطلوع تكون وحدها وبعده تكون مع الحرمة من جهة الزمان. (و) خامسها: (بعد صلاة العصر) أي لمن صلاها أداء مغنية عن القضاء بخلاف ما إذا قضاها في هذا الوقت أو صلاها بتيمم لفقد الماء بموضع يغلب وجوده فيه فتصح النافلة المطلقة بعدها حينئذٍ كما مر في الصبح أي فتحرم الصلاة ولا تنقعد بعد صلاة العصر ولو كانت مجموعة جمع تقديم بأن قدم العصر وجمعها مع الظهر تقديماً وحينئذٍ يقال لنا شخص يكره له التنفل بعد الزوال وقبل مصير ظل الشيء مثله (حتى تغرب) أي وتستمر الحرمة حتى تغرب الشمس، ودخل بهذه الغاية وقت الاصفرار لأن الحرمة المتعلقة بالفعل تستمر إلى الغروب، وإن كانت تجتمع بعد الاصفرار مع الحرمة المتعلقة بالزمان وذلك للنهي عن الصلاة في هذين الوقتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لا تصلوا بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ولا بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس" والحاصل أن هذه الأوقات الخمسة يتعلق النهي عن الصلاة بالزمان في الثلاثة: الأول منها وهي عند طلوع الشمس وعند الاستواء وعند الاصفرار وقد يتعلق في الأول والثالث بالفعل أيضاً، ويجتمع النهيان فيمن فعَل الفرض وقد دخل عليه وقت النهي كما لو صلى الصبح وطلعت الشمس أو العصر واصفرت الشمس فتحرم له الصلاة النافلة حينئذٍ من جهة الفعل ومن جهة الزمن، وأما في الأخيرين وهما بعد صلاتي صبح وعصر فيتعلق النهي عن الصلاة فيهما بالفعل فقط.

فصل سكتات الصلاة المستحبة ستة

(فصل): في بيان السكتات في الصلاة وهي من الهيئات (سكتات الصلاة) أي السكتات المستحبة فيها (ستة) وكلها لطيفة بقدر سبحان الله إلا التي بين آمين والسورة فهي في حق الإمام في الجهرية بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة باعتبار الوسط المعتدل، ويسن للإمام أن يشتغل فيها بقراءة أو دعاء سراً والقراءة أولى، فمعنى السكوت فيها عدم الجهر وإلا فلا يطلب السكوت حقيقة في الصلاة، قال ابن حجر: ومحل سكوت الإمام إذا لم يعلم أن المأموم قرأها. أحدها: (بين تكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح) وهي كثيرة فمنها: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.

ومنها: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. ومنها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ومنها: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً. ومنها: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد، وبأيها افتتح حصل أصل السنة لكن الأول أي وجهت الخ أفضلها، ويستحب الجمع بين جميع ذلك للمنفرد ولإمام قوم محصورين راضين بالتطويل خلافاً للأذرعي. ويزيد من ذكر: اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت ربي وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك. (قوله: والشر ليس إليك) أي لا يتقرب به إليك وقيل لا يفرد بالإضافة إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، وقيل ليس شراً بالنسبة إليك فإنك خلقته لحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة لخلقك نقله السويفي عن المغني الخطيب. واعلم أن دعاء الافتتاح لا يسن إلا بشروط خمسة: أن يكون في غير صلاة الجنازة ولو على القبر، وأن لا يخاف فوت وقت الأداء وهو ما يسع ركعة، وأن لا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة، وأن لا يدرك الإمام في غير القيام فلو أدركه في الاعتدال لم يفتتح نعم إن أدركه في التشهد وسلم الإمام أو قام قبل أن يجلس معه سن له أن يفتتح، وأن لا يشرع في التعوذ أو القراءة ولو سهواً ولم يعد إليه.

(و) ثانيها: (بين دعاء الافتتاح والتعوذ) وأفضل صيغة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقيل: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وهو مستحب في كل ركعة لقراءة أو بدلها لكن الأولى آكد، وفي كل قيام من قيامات الكسوف ويفوت بالشروع في القراءة ولو سهواً بخلاف ما لو سبق لسانه فلا يفوت، وشروطه شروط دعاء الافتتاح لكن يفارقه في أنه يسن في صلاة الجنازة وفيما لو اقتدى بإمام جالس وجلس معه فيأتي به بعد قيامه لأن القراءة لم يشرع فيها ومحله بعد الافتتاح وتكبيرة صلاة العيد. (و) ثالثها: (بين الفاتحة والتعوذ) (و) رابعها: (بين آخر الفاتحة) وهو الضالين (وآمين) قال النووي في التبيان: يستحب لكل قارىء في الصلاة أو في غيرها إذا فرغ من الفاتحة أن يقول آمين، وفي آمين أربع لغات قال العلماء أفصحها آمين بالمد وتخفيف الميم، والثانية بالقصر وهاتان مشهورتان، والثالثة آمين بالإمالة مع المد حكاه الواحدي عن حمزة والكسائي، والرابع تشديد الميم مع المد حكاه الواحدي عن الحسن والحسينبن الفضل قال: ويحقق ذلك ما روي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه قال معناه: قاصدين نحوك وأنت أكرم من أن تخيب قاصداً هذا كلام الواحدي. وهذه الرابعة غريبة جداً وقد عدها أكثر العلماء من لحن العوام، قال جماعة من أصحابنا: من قالها في الصلاة بطلت صلاته اهـ. قوله بين آخر الفاتحة وآمين يسن أن يقول بينهما رب اغفر لي للخبر الحسن أنه صلى الله عليه وسلّم قال عقب الضالين: رب اغفر لي آمين.

(و) خامسها: (بين آمين والسورة) وتسن في غير صلاة الجنازة وغير صلاة فاقد الطهورين إن كان جنباً، ويحصل أصل السنة بقراءة البسملة لا بقصد أنها التي أول الفاتحة، ويكفي الحروف أوائل السور نحو ألم وص وق ون على أنها مبتدآت أو أخبار ولاحظ ذلك إذ هو آية حذف بعضها، قال النووي: السنة أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة في الركعة الأولى آلم تنزيل} ((32) السجدة:1) بكمالها، وفي الثانية هل أتى على الإنسان} ((76) الإنسان:1) بكمالها ولا يفعل ما يفعله كثير من أئمة المساجد من الاقتصار على آية من كل واحدة منهما مع تمطيط القراءة بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما، ويدرج أو يسرع قراءته ترتيلاً، والسنة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة بكمالها وفي الثانية سورة المنافقون بكمالها، وإن شاء في الأولى سبح اسم ربك} ((87) الأعلـى: 1) وفي الثانية: هل أتاك حديث الغاشية} ((88) الغاشية:1) وكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويجتنب الاقتصار على البعض وليفعل ماقدمناه، والسنة في صلاة العيد سورة ق} ((50) ق:1) وفي الثانية اقتربت الساعة} ((54) القمر:1) بكمالها، وإن شاء قرأ سبح اسم ربك} ((88) الغاشية:1) وهل أتاك} ((88) الغاشية:1) وكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وليجتنب الاقتصار على البعض، ويقرأ في ركعتي سنة الصبح بعد الفاتحة في الأولى قل يا أيها الكافرون} ((109) الكافرون:1) وفي الثانية: قل هو الله أحد} ((112) الإخلاص:1)

وإن شاء قرأ في الأولى قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} ((2) البقرة:136) الآية وفي الثانية: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} ((3) آل عمران:64) الآية وكلاهما صحيح عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويقرأ في سنة المغرب قل يا أيها الكافرون} ((109) الكافرون:1) وقل هو الله أحد} ((112) الإخلاص:1) ويقرأ بهما أيضاً في ركعتي الطواف وركعتي الاستخارة، ويقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الركعة الأولى سبح اسم ربك الأعلى} ((87) الأعلـى:1) وفي الثانية: قل يا أيها الكافرون} ((109) الكافرون:1) وفي الثالثة: قل هو الله أحد} ((112) الإخلاص:1) والمعوذتين انتهى. (و) سادسها: (بين السورة والركوع) قال النووي في التبيان: قال أصحابنا يستحب للإمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات في حال القيام؛ إحداها بعد تكبيرة الإحرام ليقرأ دعاء التوجه وليحرم المأموم والثانية عقب الفاتحة سكتة لطيفة جداً بين آخر الفاتحة وآمين ليعلم أن آمين ليس من الفاتحة لئلا يتوهم أن آمين من الفاتحة، والثالثة بعد آمين سكتة طويلة يحيث يقرأ المأموم الفاتحة، والرابعة بعد الفراغ من السورة يفصل بين القراءة وتكبيرة الهوي إلى الركوع.

[فائدة] قال أبو القاسم الحريري في درة الغواص: ومن أغلاطهم الواضحة أنهم يقولون: المال بين زيد وبين عمرو بتكرير لفظة بين فيهمون فيه أي يغلطون فيه، والصواب أن يقال بين زيد وعمرو كما قال الله تعالى من بين فرث ودم، والعلة فيه أن لفظة بين تقتضي الاشتراك فلا تدخل إلا على مثنى أو مجموع كقولك: المال بينهما والدار بين الإخوة، فأما قوله تعالى مذبذبين بين ذلك فإن لفظة ذلك تؤدي عن شيئين وتنوب مناب لفظتين وإن كانت مفردة، ألا ترى أنك تقول ظننت ذلك فتقيم لفظة ذلك مقام مفعولي ظننت، وكان تقدير الكلام في الآية مذبذبين بين ذينك الفريقين وقد كشف الله سبحانه وتعالى هذا التأويل بقوله: لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ونظيره لفظة أحد في قوله تعالى: لا نفرق بين أحد من رسله} ((2) البقرة:285) وذلك أن لفظة أحد تستغرق الجنس الواقع على المثنى والجمع وليست بمعنى واحد بدليل قوله تعالى: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} ((33) الأحزاب:32).

فصل الأركان التي تجب فيها الطمأنينة أربعة

(فصل): فيما يتعلق بالطمأنينة (الأركان) أي أركان الصلاة السبعة عشر (التي تلزم) بفتح الزاي أي تجب (فيها الطمأنينة أربعة: الركوع والاعتدال) وهما من خصائص هذه الأمة، وكذا التأمين خلف الإمام على ما قاله الشويري، وأما قوله تعالى: يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} ((3) آل عمران:43) فالمراد بالركوع الخشوع وبالسجود الصلاة كقوله تعالى: وأدبار السجود} ((50) ق:40) وبالقنوت إدامة الطاعة لله كقوله تعالى: أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً} ((39) الزمر:9) (والسجود والجلوس بين السجدتين) ثم بيَّن المصنف صورة الطمأنينة فقال: (الطمأنينة هي سكون بعد حركة) أي سكون الأعضاء بعد حركتها من هوي ونهوض ولو قال هي سكون بين حركتين لكان أوضح. (بحيث يستقر كل عضو محله بقدر سبحان الله) أي بقدر التلفظ بذلك.

[فائدة] الطمأنينة اسم مصدر اطمأن ومصدره اطمئنان قال بعضهم: والأصل في اطمأن الألف مثل إحمار وإسواد لكنهم همزوه فراراً من الساكنين على غير قياس، وقيل الأصل همزته متقدمة على الميم لكنها أخرت على غير قياس بدليل قولهم: طأمن الرجل ظهره بالهمز على فاعل، ويجوز تسهيل الهمزة فيقال طامن الرجل ومعناه حناه وخفضه انتهى بحروفه من المصباح. قال ابن مالك في القصيدة اللامية المسماة بأبنية الأفعال من بحر البسيط:

وبالفعليلة افعلل قد جعلوا ** مستغنياً لا لزوماً فاعرف المثلا

قال الشارح محمد بحرق في فتح الأقفال: أي وقد يجيء مصدر المبدوء بالهمزة وهو افعلل كاقشعر واطمأن على فعليلة بضم الفاء وتشديد اللام الأولى كالقشعريرة والطمأنينة والقياس الاقشعرار والاطمئنان بكسر ثالثه ومد ما قبل آخره، وأشار بقوله مستغنياً لا لزوماً إلى أن ذلك إنما هو على سبيل النيابة عن المصادر القياسية لا على سبيل اللزوم أي الاطراد. وقوله: فاعرف المثلا بضم الميم والثاء المثلثة أي اعرف المقيس منها المطرد من النائب عنها السماعي.

فصل أسباب سجود السهو أربعة

(فصل): في بيان مقتضى سجود السهو وما يتعلق به (أسباب سجود السهو) في الصلاة فرضاً أو نفلاً (أربعة) فالأسباب جمع سبب وهو لغةً ما يتوصل به إلى غيره، وشرعاً ما يلزم من وجوده الوجود لذاته ومن عدمه العدم لذاته أيضاً، والسهو لغة نسيان الشيء والغفلة عنه، وشرعاً نسيان شيء مخصوص من الصلاة كأبعاضها غالباً ومن غير الغالب قد يكون لغير ذلك كتطويل الركن القصير وتكرير الركن سهواً، والمراد بالسهو هنا مطلق الخلل الواقع في الصلاة سواء كان عمداً أو سهواً. (الأول: ترك بعض) أي واحد يقيناً ولو عمداً (من أبعاض الصلاة) أي أبعاضها السبعة الآتي بيانها في كلام المصنف (أو بعض البعض) أي أو ترك بعض من البعض الواحد كترك الكلمة من القنوت الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وكذا إبدال حرف بآخر، أما ترك الفاء من: فإنك تقضي، أو الواو من: وإنه لا يذل، فلا سجود لتركها للخلاف في ذلك، وأما ما قاله الشرقاوي وعثمان في تحفة الحبيب من أنه يسن السجود لترك ذلك فهو ضعيف، هكذا قال شيخنا أحمد الخطيب كما قال ابن حجر في المنهج القويم وزيادة الفاء والواو في القنوت أخذت من ورودها في قنوت الوتر.

(الثاني: فعل ما يبطل عمده ولا يبطل سهوه إذا فعله ناسياً) سواء حصل معه زيادة بتدارك ركن أم لا وذلك كتطويل ركن قصير وهو اعتدال لم يطلب تطويله وجلوس بين السجدتين كذلك، وكقليل كلام وأكل وزيادة ركعة ومثله سلام ناسياً في غير محله. (الثالث: نقل ركن) أو غيره (قولي) أو بعضه ولو عمداً غير مبطل نقله (إلى غير محله) كقراءة الفاتحة أو سورة الإخلاص أو بعضها في القعود بنيتها، نعم يستثنى من ذلك التسبيحات فلا يسجد لنقلها على المعتمد وإن قصدها لأن جميع الصلاة قابل لها إذ لم ينه عن التسبيح في شيء منها، بخلاف القراءة فإنها منهي عنها في غير محلها، وخرج بما ذكر نقل الفعلي والسلام وتكبيرة الإحرام عمداً بأن كبر ثانياً قاصداً التحرم فإنه مبطل، لأن من افتتح صلاة ثم افتتح أخرى بطلت الأولى وفارق نقل الفعلي نقل القولي بأنه لا يغير هيئة الصلاة بخلاف نقل الفعلي. (الرابع: إيقاع ركن فعلي مع احتمال الزيادة) أي مع التردد في زيادته بأن شك في ركعة من الرباعية هل صليت ثلاثاً وهذه التي أريد الإتيان بها رابعة أم أربعة وهي خامسة فبنى على اليقين وانتصب للإتيان بركعة، ثم بعد انتصابه تذكر في أثنائها وقبل السلام أنها رابعة فيسن السجود لأن ما فعله منها عند الانتصاب لها وقبل التذكر محتمل للزيادة أي احتمال أن يكون من الخامسة وأن يكون من الرابعة بخلاف ما لو تذكر في تلك الركعة المشكوك بها قبل الانتصاب لغيرها أنها رابعة فلا سجود عليه، وكذا لو تذكر أنها ثالثة فأتى بركعة فلا سجود عليه أيضاً لأن ما فعله منها مع التردد لا يحتمل زيادة لأنه لا بد منها سواء كان في الثالثة أو الرابعة.

(فروع) لو شك بعد سلامه في ترك فرض غير نية وتكبيرة الإحرام لم تؤثر لأن الظاهر وقوع الصلاة عن تمام وسهوه حال قدوته كأن سها عن التشهد الأول يحمله الإمام كما يحمل الجهر والسورة وغيرهما أي فلا سجود عليه، فلو ظن سلامه فسلم فبان خلاف ما ظنه تابعه في السلام ولا سجود لأن سهوه في حال قدوته، ولو ذكر في حال تشهده ترك ركن غير نية أو تكبيرة أتى بعد سلام إمامه بركعة كأن ترك سجدة من غير الأخيرة ولا يسجد لأن سهوه في حال قدوته بخلاف سهوه قبل القدوة، كما لو سها وهو منفرد ثم اقتدى به فلا يتحمله لعدم اقتدائه به حال سهوه وكذلك سهوه بعدها، كما لو سها بعد سلام الإمام سواء كان مسبوقاً أو موافقاً لانتهاء القدوة، فلو سلم المسبوق بسلام الإمام فتذكر حالاً بنى على صلاته إن قصر الفصل وسجد للسهو لأن سهوه بعد انقضاء القدوة، وكذا لو سلم معه لاختلال القدوة بالشروع في السلام ويلحق المأموم سهو إمامه وكذا عمده كما يحمل الإمام سهوه سواء سها قبل اقتدائه به أم حال اقتدائه، فإن سجد إمامه تابعه وجوباً وإن لم يعرف أنه سها حتى لو اقتصر على سجدة واحدة سجد المأموم أخرى، فإن ترك متابعته عمداً بطلت صلاته ثم يعيد السجود مسبوق آخر صلاته لأنه محل سجود السهو، وإن لم يسجد الإمام وسلم المأموم آخر صلاته جبراً لخلل صلاته بسهو إمامه. قال عبدالكريم: أما لو قام إمامه لخامسة ساهياً فإنه يمتنع على المأموم متابعته ولو كان مسبوقاً وهو مخير بين مفارقته ليسلم وحده وانتظاره ليسلم معه ومحل وجوب متابعته في السجود ما لم يتيقن المأموم غلط إمامه وإلا فلا يتبعه كأن سجد لترك الجهر أو السورة انتهى.

وسجود السهو وإن كثر السهو سجدتان بنية سجود السهو من غير تلفظ بها فلو سجد بلا نية أو تلفظ بها بطلت صلاته، نعم المأموم لا يحتاج إلى نية لتبعيته للإمام ومحله قبيل السلام سواء في ذلك الحكم السهو بزيادة أم بنقص أم بهما. قال عبد العزيز في فتح المعين: وهما والجلوس بينهما كسجود الصلاة والجلوس بين سجدتيها في واجباتها ومندوباتها كالذكر فيها. وقال عبد الكريم في حاشيته على الستين: وقيل يقول في سجوده: سبحان من لا ينام ولا يسهو وهو لائق بالحال واللائق بتعمد الترك حينئذٍ الاستغفار. وقال الشبراملسي: إن الأوجه استحباب: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته انتهى. فإن سلم عمداً مطلقاً أو سهواً وطال فصلٌ عرفاً فات السجود وإلا سجد، وإذا أراد من سلم ساهياً السجود صار عائداً إلى الصلاة فيجب أن يعيد السلام، وإذا أحدث بطلت صلاته، وإذا خرج وقت الظهر فيه فاتت الجمعة، وإذا تذكر ترك ركن أو شك فيه لزمه تداركه قبل سجوده فإن سجد قبله بطلت صلاته. وبذلك يلغز فيقال لنا: شخص أتى بسنة فلزمه فرض، أو يقال: شخص عاد إلى سنة لزمه فرض، أو يقال لنا: سنة أوجبت فرضاً.

فصل أبعاض الصلاة (سبعة

(فصل): في بيان عدد الأبعاض من الصلاة (أبعاض الصلاة) بالإجمال (سبعة) أما بالتفصيل فهي عشرون؛ ففي القنوت منها أربعة عشر وهي: القنوت وقيامه والصلاة على النبي وقيامه والسلام عليه وقيامه والصلاة على الآل وقيامه والسلام عليهم وقيامه والصلاة على الصحب وقيامه والسلام عليهم وقيامه. وفي التشهد ستة وهي: التشهد الأول وقعوده والصلاة على النبي فيه وقعوده والصلاة على الآل في التشهد الأخير وقعوده. ثم بين المصنف السبعة بقوله: (التشهد الأول) والمراد به اللفظ الواجب في التشهد الأخير وهو أربع جمل كما مر بيانه فلا سجود لترك ما هو سنة فيه. (و) الثاني: (قعوده) لأنه مقصود له فكان مثله. (و) الثالث: (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم فيه) أي بعد التشهد الأول.

[فائدة] لو ترك الإمام التشهد الأول لا يجوز للمأموم التخلف له ولا لبعضه ولا الجلوس من غير تشهد وإن جلس الإمام للاستراحة، بخلاف ما إذا ترك إمامه القنوت فإنه يجوز له التخلف للإتيان به ما لم يعلم أنه يسبق بركنين بل يندب له التخلف إن علم أنه يدركه في السجدة الأولى.

[فائدة] لو كان الإمام يطيل التشهد الأول لثقل لسانه أو غيره وأتّمه المأموم استحب له الدعاء إلى أن يقوم إمامه ولا يأتي بالصلاة على الآل وما بعدها وهذا إذا كان موافقاً، أما إذا كان مسبوقاً كأن أدرك ركعتين من الرباعية فإنه يتشهد مع الإمام تشهده الأخير ومنه الصلاة على الآل، نبه على هاتين الفائدتين عبدالكريم محشي الستين. (و) الرابع: (الصلاة على الآل في التشهد الأخير) أي بعده. (و) الخامس: (القنوت) في الصبح ووتر النصف الأخير من رمضان بخلاف قنوت النازلة لأن قنوتها سنة في الصلاة لا سنة منها أي بعضها، والقنوت هو ذكر مخصوص مشتمل على دعاء وثناء ويحصل بكل لفظ اشتمل عليهما بأي صيغة شاء كقوله: اللهم اغفر لي يا غفور، فالدعاء يحصل باغفر والثناء بغفور، وكذلك ارحمني يا رحيم وقوله: الطف بي يا لطيف وهكذا،

ومثل الذكر المخصوص آية تتضمن ذلك كآخر سورة البقرة بشرط أن يقصد بها القنوت، وكقوله تعالى: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} ((59)الحشر:10) والأفضل هو القنوت الوارد على النبي صلى الله عليه وسلّم الذي رواه الحاكم عن أبي هريرة وهو: اللهم اهدني فيمن هديت أي دلني معهم وعافني فيمن عافيت أي سلمني من بلايا الدنيا والآخرة معهم وتولني فيمن توليت أي كن ناصراً لي وحافظاً لي من الذنوب معهم وبارك لي فيما أعطيت أي أنزل البركة وهي الخير الإلهي فيما أعطيته لي وقني شر ما قضيت أي احفظني وامنعني فساد ما يترتب ويتسبب على القضاء من السخط وعدم الرضاء بالقضاء والقدر، وهذا آخر الدعاء وما بعده الثناء وهو: إنك تقضي أي تحكم ولا يقضى عليك بحذف الفاء في فإنك وإنه لا يذل من واليت بحذف الواو في وإنه بكسر الهمزة فيه أيضاً وبفتح الياء وكسر الذال في يذل أي لا تحصل إهانة لمن أكرمت، وفي رواية بضم الياء وفتح الذال أي لا يذله أحد تباركت أي تزايد برك وخيرك وتعاليت أي ارتفعت وتنزهت عما يقول الجاحدون هذا آخر القنوت للاتباع.

وأما قوله: فلك الحمد على ما قضيت أي قدرت وحكمت لأنه لا يصدر عنك إلا الجميل أستغفرك من الذنوب وأتوب إليك أي منها فهو زيادة عن جماعة، قال ابن حجر: ولا بأس بزيادة ذلك ولا يسجد لتركه. وروى البيهقي عن ابن عباس لفظ ربنا بعد تباركت قال الرافعي: وزاد العلماء فيه قبل تباركت: ولا يعز من عاديت بفتح الياء وكسر العين أي لا يحصل له عزة أي قوة ويجوز ضم الياء وفتح العين أي لا يعزه أحده من حاشية الشيخ عبدالكريم على الستين بزيادة ويأتي به إمام بلفظ الجمع فيقول: اهدنا وهكذا، وأما لفظ ربنا فيختص بالجمع ولو كان منفرداً اتباعاً للوارد ثم يصلي ويسلم على النبي وآله وصحبه آخره ولا يسنان أوله لعدم ورودهما وهما وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم بصيغة الماضي فيهما أو الأمر فيهما والماضي أولى لإفادته المبالغة، فكأن الصلاة والسلام وقعا فأخبر عنهما، وهذا قنوت النبي ومثله قنوت عمر أو ابنه ونسبته إليه لأنه رواه عنه صلى الله عليه وسلّم أو قاله من عنده، ويستحب الجمع بينهما في حق المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل ليسوا أجراء ولا أرقاء ولا متزوجات وهو: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك، الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بضم الجيم أي يعصيك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد بكسر الفاء أي نسرع إلى الطاعة نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بكسر الجيم أي الحق بالكفار ملحق بكسر الحاء أي لاحق بهم ويجوز فتحها لأن الله ألحقه بهم فإن جمع بينهما فالأفضل تقديم قنوت النبي صلى الله عليه وسلّم وإن اقتصر فليقتصر عليه.

ويستحب القنوت في كل صلاة في اعتدال الركعة الأخيرة منها لنازلة، ولا يسن السجود لتركه لأنه ليس من الأبعاض والنازلة كقحط وطاعون وعدو، ولم يصرح العلماء عن لفظ قنوت النازلة وهو مشعر بأنه كقنوت الصبح لكن الذي يظهر كما قال ابن حجر إنه يدعو في كل نازلة بما يناسبها وهو حسن قاله الباجوري، ويسن رفع يديه مكشوفتين في القنوت ولو في حال الثناء كسائر الأدعية للإتباع حذو منكبيه، ويسن لكل داع رفع بطن يديه إلى السماء إذا دعا بتحصيل شيء وظهرهما إذا دعا برفعه أو عدم حصوله، ومن ذلك قوله: وقنا شر ما قضيت. قال الشيخ عبدالكريم: ويندب أن لا يمسح بهما وجهه في الصلاة وسن خارجها ويسن أن يجهر به إمام في السرية والجهرية بقدر ما يسمع المأمومون وإن كان مثل جهره بالقراءة ويسر به المنفرد في غير النازلة أما فيها فيجهر به مطلقاً ويؤمن المأموم جهراً على الدعاء إن سمع قنوت إمامه، وألحق المحب الطبري الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم بالدعاء فيؤم فيها وهو المعتمد كما قاله المحلي،

وقيل إنها من قبيل الثناء فيشارك فيها لكن قال الباجوري: الأولى الجمع وهو أن يؤمن ويشارك فيها ويقول المأموم الثناء سراً وهو إنك تقضي الخ أو يستمع لإمامه والأول أولى، ولا يتعين ما ذكر بل مثله أن يقول أشهد كما في مختصر الإحياء أو أصدق أو بررت أو بلى وإنا على ذلك من الشاهدين وما أشبهه ذلك، أما المأموم الذي لم يسمع قنوت إمامه لصممه أو بعده عنه أو عدم جهره به أو سمع صوتاً لا يفهمه فيقنت سراً. (و) السادس: (قيامه) أي القنوت. (و) السابع: (الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلّم وآله وصحبه فيه) أي بعد القنوت ففي بمعنى بعد كما تقدم نظيره. واعلم أن الأبعاض اسم للأركان فإطلاقها على السنن التي تجبر بالسجود على طريق التشبيه بالأركان بجامع الجبر في كلَ وإن كان جبر الأولى بالسجود والثانية بالتدارك، واستعير اسم المشبه وهو الأبعاض للمشبه به وهو الأركان وهذا باعتبار الأصل ثم صار حقيقة عرفية.

(تذييل) وهيئات الصلاة كثيرة ولا يجبر تركها بسجود السهو منها وضع يد يمنى على شمال فله ثلاث كيفيات، فالكيفية الفضلى هي أن يقبض كاع يسار ورسغها وساعدها بكفه اليمنى بعد فراغ الرفع من التحرم، ومنها وضع الكفين محاذيين لصدره فقط لا إنه يرسلهما ثم يرفعهما، ولا فرق في ذلك بين القائم والقاعد والمضطجع فالكاع طرف الزند الذي يلي الإبهام، والرسغ مفصل ما بين الكف والساعد، والزند ما انحسر عنه اللحم من الذراع قاله في المصباح وقال في القاموس: والزند موصل طرف الذراع في الكف وهما زندان، والساعد ما بين المرفق والكف، والكيفية الثانية أن يبسط أصابع اليمنى في عرض المفصل، والثالثة أن ينشر أصابعه جهة الساعد. والقصد من ذلك تسكين اليدين فإن أرسلهما ولم يعبث لم يكره، والحكمة في ذلك كونه ذليلاً بين يدي عزيز، ومنها جعلها تحت صدره وفوق سرته مائلاً إلى جهة يساره، والحكمة فيه إرشاد المصلي إلى حفظ قلبه عن الخواطر لأن وضع اليد كذلك يحاذيه لأن القلب الصنوبري وهو أشرف الأعضاء الذي هو محل النية والإخلاص والخشوع قاعدته في وسط الصدر ورأسه إلى الجانب الأيسر، والعادة أن من احتفظ بشيء أمسكه بيده وهذا عند ابن عباس هو المراد بالنحر في قوله تعالى: وانحر} ((108) الكوثر:2) قال: النحر وهو وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر، ومنها جلوس استراحة ومحله بعد سجدة ثانية يقوم عنها للاتباع لا بعد سجدة تلاوة.

قال الشرقاوي: ويكره تطويله فوق الجلوس بين السجدتين ولا تبطل به الصلاة على المعتمد ويأتي به المأموم ندباً وإن تركه الإمام ولا يضر تخلفه لأن الشأن يسير وبه فارق ما لو تخلف للتشهد الأول، فلو كان بطيء النهضة والإمام سريعها أو سريع القراءة بحيث يفوته بعض الفاتحة لو تأخر له جاز تخلفه، ومنها اعتماد على الأرض ببطن كفيه وأصابعه مبسوطة على الأرض عند قيامه من جلوسه أو سجوده وهو كهيئة العاجز بالزاي أو كالعاجن بالنون في شدة الاعتماد عند وضع يديه لا في كيفية ضم أصابعهما، ومنها وضع كفيه في جميع جلسات الصلاة على فخذيه بحيث تكون أطراف أصابعه عند ركبتيه، ومنه: نشر أصابع يده اليسرى مضمومة محاذياً برؤوسها طرف الركبة وقبض أصابع يده اليمنى بعد وضعها منشورة لا معه ولا قبله في تشهديه إلا المسبحة فيرسلها، والأفضل وضع رأس الإبهام عند أسفلها على طرف الراحة ويشير بها مع إمالتها قليلاً عند قوله إلا الله بلا تحريك وينوي بالإشارة الإخلاص بالتوحيد بأن يقصد من ابتدائه بهمزة إلا الله أن المعبود واحد ليجمع في توحيده بين اعتقاده

وقوله وفعله، ويديم رفعها إلى القيام في التشهد الأول أو السلام في التشهد الآخر، فإن قطعت يمناه لم يشر باليسرى بل يكره، ومنها إدامة نظره إلى موضع سجوده في جميع صلاته بأن يبتدىء النظر إليه من ابتداء التحرم ويديمه إلى آخر صلاته فتركها خلاف الأولى ولو كان أعمى أو في ظلمة، ولو كان يصلي في الكعبة أو خلف نبي أو خلف جنازة خلافاً لمن قال في هذه الصور: ينظر إلى الكعبة وللنبي وللجنازة إلا في حال رفع المسبحة فينظر إليها، وإلا في حالة صلاة شدة الخوف والعدو أمامه فينظر إلى جهته، وإلا فيما إذا كان في محل سجوده صورة تلهي فلا ينظر إلى محل سجوده بل يندب تغميض عينيه وقد يجب صرفاً عن نحو عورة أو أمرد وهو من لا شعر بوجهه، وينبغي أن يقدم النظر على ابتداء التحرم ليتأتى له تحقيق النظر من ابتداء التحرم ويطرق رأسه قليلاً.

[خاتمة] والمكروهات في الصلاة اثنان وعشرون: أحدها: جعل يديه في كميه في خمسة أشياء عند تحرمه وركوعه وسجوده وقيامه من تشهده وجلوسه له. وثانيها: التفات بوجهه بلا حاجة أما إذا كان لها كحفظ متاع فلا يكره. وثالثها: إشارة بنحو عين أو حاجب أو شفة بلا حاجة ولو من أخرس ولا تبطل بها الصلاة ما لم تكن على وجه اللعب وإلا بطلت، أما إذا كانت للحاجة كرد سلام ونحوه فلا يكره. ورابعها: جهر بمحل إسرار وعكسه حيث لا عذر، فإن حصل عذر كأن كثر اللغط عنده فاحتاج للجهر ليأتي بالقراءة على وجهها فلا كراهة. وخامسها: اختصار بأن يجعل يده أو يديه على خاصرته ما لم يكن لحاجة كعلة بجنبه وإلا فلا كراهة لخبر أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى أن يصلي الرجل متخصراً" رواه الشيخان. والمرأة كالرجل ومثلها الخنثى، ويكره ذلك الاختصار خارج الصلاة أيضاً لأنه فعل الكفار بالنسبة للصلاة، وفعل المتكبرين خارجها، وفعل المخنثين والنساء للعجب، وأن إبليس لما أهبط من الجنة فعل كذلك، وتفسير الاختصار بذلك هو المشهور، وقد يفسر باختصار سجدة لأنه منهي عنه أيضاً. قال الأزهري: يحتمل وجهين: أحدهما أن يختصر الآية. التي فيها السجود فيسجد لها. والثاني أن يقرأ السورة فإذا انتهى إلى السجدة جاوزها ولم يسجد لها.

وسادسها: إسراع في الصلاة أي عدم التأني في أفعالها وأقوالها، وكذا إسراع لحضورها لأنه يسن المشي إلى المسجد على تأنَ وسكينة وإسراع لإدراك التحرم أو غيره مع الإمام، نعم إن توقف إدراك الجماعة عليه يسن أو إدراك الجمعة وجب. وسابعها: تغميض جفنه إن خاف ضرراً وإلا فلا كراهة سواء الأعمى والبصير لأن الجفن يسجد معه وقد يجب إذا كان العراة صفوفاً، وقد يسن كأن صلى إلى حائط مزوق أي منقش ومزين يشوش الفكر أي يخلطه. وثامنها: إلصاق عضديه بجنبيه في ركوعه وسجوده. وتاسعها: إلصاق بطنه بفخذيه في الركوع والسجود. وعاشرها: إقعاء الكلب وهو إلصاق ألييه بالأرض ونصب ساقيه ووضع يديه على الأرض وهذا أحد نوعي الإقعاء، والنوع الآخر هو أن يضع أطراف أصابع رجليه وركبتيه على الأرض وألييه على عقبيه وهذا سنة في كل جلوس يعقبه حركة لما صح فعله عن النبي صلى الله عليه وسلّم، لكن الافتراش أفضل منه لأنه الأكثر الأشهر: وحادي عشرها: نقرة الغراب أي ضرب الأرض بجبته عند السجود مع الطمأنينة وإلا لم يكف. وثاني عشرها: افتراش السبع في سجوده بأن يضع ذراعيه على الأرض كما يفعل السبع. وثالث عشرها: المبالغة في خفض الرأس في الركوع.

ورابع عشرها: إطالة التشهد الأول في غير المأموم بحيث زاده ولو بالصلاة على الآل أو الدعاء أما إذا لم يزده فلا كراهة. وخامس عشرها: الاضطباع ولو لغير الرجل وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على الأيسر. وسادس عشرها: تشبيك الأصابع وهو إدخال بعضها في بعض، أما خارج الصلاة فإن كان في المسجد منتظراً للصلاة ولو غير مستقبل القبلة فهو مكروه أيضاً وإلا فلا. قال شيخنا محمد حسب الله: إن التشبيك يورث النعاس. وسابع عشرها: تفرقع الأصابع والتفرقع هو مصدر تفرقع على وزن تدحرج، قال في القاموس: فرقع الأصابع أي نفضها وضرب بها لتصوت. وثامن عشرها: الإسبال وهو إرخاء الإزار على الأرض. وتاسع عشرها: بصق أماماً ويميناً لا يساراً لخبر الشيخين: "إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عز وجل فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره" وهذا في غير المسجد أما فيه فيحرم إن اتصل بشيء من أجزائه بل يبصق في طرف ثوبه من جانبه الأيسر ويلف بعضه ببعض. وعشروها: كف ثوب أو شعر للرجل أي منعه من السجود معه دون المرأة والخنثى بل قد يجب كف شعرهما.

ولذلك قال القليوبي: نعم يجب كف شعر امرأة وخنثى توقفت صحة الصلاة عليه، ولا يكره بقاؤه مكفوفاً، ولا فرق بين الصلاة على الجنازة وغيرها ولا بين القائم والقاعد لخبر: "أمرت أن أسجد على سبعة أعضام ولا أكف ثوباً ولا شعراً" رواه الشيخان. وفي رواية: "أمرت أن لا أكفت الشعر أو الثياب" وأكفت بكسر الفاء وبالتاء من باب ضرب أي أجمع ومن ذلك أن يصلي وشعره معقوص أو مردود تحت عمامته أو ثوبه أو وكمه مشمر أي مرفوع، ويسن لمن رآه كذلك ولو مصلياً آخر أن يحله حيث لا فتنة، نعم لو بادر شخص وحل كمه المشمر وكان فيه مال وتلف كان ضامناً له ومنه شد الوسط فيكره إلا لحاجة بأن كانت ترى عورته بدون الحزام، أما العذبة وهي طرف عمامته فيكره غرزها في عمامته بل يسن إرخاؤها، ويكره أيضاً خارج الصلاة لكنه في الصلاة أشد كراهة لأنه صلى الله عليه وسلّم قال: "إن الله يكره العمامة الصماء" وحادي عشريها: وضع يده على فمه بلا حاجة فإن كان لها كما إذا تثاءب فلا كراهة بل يستحب له ذلك، ويسن أن يكون الموضوع اليد اليسرى والأولى ظهرها كما أفتى بذلك شيخنا عبد الغني. وثاني عشريها: تلثم الرجل وهو تغطية الفم وتنقب لغيره وهو تغطية ما زاد على الفم من الوجه للنهي عن الأول وقيس به الثاني قاله ابن حجر في المنهج القويم.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية