الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

فصل مفسدات ومبطلات الصلاة أربع عشرة

فصل مفسدات ومبطلات الصلاة أربع عشرة


كتاب كاشفة السجا شرح سفينة النجا للنووي الجاوي الشافعي

محتويات

فصل مفسدات الصلاة أربع عشرة

(فصل): في مفسدات الصلاة (تبطل الصلاة بأربع عشرة خصلة) بل بأكثر من ذلك، والخصلة بكسر الخاء النوع والفرق بين المفسد والمبطل أن المفسد ما يطرأ بعد الانعقاد وهو المراد هنا، والمبطل ما يمنعه قاله الشرقاوي أحدها: (بالحدث) ولو بلا قصد أو أكره عليه كأن عصر بطنه فخرج ولا فرق في البطلان بين المتطهر وغيره كفاقد الطهورين للخبر الصحيح: "إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته" وهذا الكلام في السليم، أما السلس فلا يبطل صلاته إلا حدثه الغير الدائم بخلاف الدائم فإنه لا يبطلها، ويسن لمن أحدث في صلاته أن يأخذ بأنفه ثم ينصرف موهماً أنه رعف ستراً على نفسه لئلا يخوض الناس فيه فيأثموا، وكذا إذا أحدث وهو منتظر للصلاة لا سيما إذا قربت إقامتها أو أقيمت بالفعل

(و) ثانيها (بوقوع النجاسة) التي لا يعفى عنها وسواء وقعت على ثوبه وإن لم يتحرك بحركته كطرف عمامته الطويل أو بدنه أو داخل أنفه أو فمه أو عينه أو أذنه وإنما جعل داخل ذلك كظاهره هنا بخلاف غسل الجنابة ونحوها لغلظ أمر النجاسة (إن لم تلق حالاً) أي قبل مضي أقل الطمأنينة (من غير حمل) كما لو وضع أصبعه على حجر تحته نجاسة ونحاها به من غير حمل له أو على موضع طاهر من نعله ونحاه من غير حمل لها فإن ذلك لا يضر، فإن ترتب على إزالتها حمل كأن نحاها بنحو عود أو جر الثوب ولو قبض موضعاً طاهراً منه ضر ثم النجاسة إن كانت يابسة فله نفضها ولو في المسجد وإن اتسع الوقت ثم يجب إزالتها بعد الصلاة فوراً، وإن كانت رطبة ويلزم على إلقائها تنجس المسجد بها ففيه تفصيل، فإن اتسع الوقت راعاه فلا يلقيها فيه بل يقطع الصلاة ويرميها خارجه ثم يستأنف الصلاة وإلا راعاها وأتمها وألقاها فيه ووجبت إزالتها بعد الصلاة فوراً، هذا إن قدر على الإزالة في الفور وإلا بأن لم يجد ماء ليطهر المسجد به فيقطع الصلاة ويرميها خارجه كما أفاده شيخنا محمد حسب الله، وخرج بالمسجد الرباط والمدرسة وملك الغير والآدمي المحترم وقبره وملك نفسه وإن لزم إفساد شيء منه فيراعي في ذلك الصلاة مطلقاً، وأما المصحف ونحوه جوف الكعبة فينبغي مراعاتهما ولو ضاق الوقت ولو كانت النجاسة جافة لعظم حرمتهما، ولو اقتصد مثلاً فخرج دمه ولم يلوث بشرته أو لوثها قليلاً لم يضر.

(و) ثالثها: (انكشاف العورة) أي كلها أو بعضها مما يجب ستره لأجل الصلاة (إن لم تستر حالاً) وإن صلى في الخلوة فإن كشفها ريح فلا تبطل صلاته إن سترها حالاً أي قبل مضي أقل الطمأنينة، نعم لو تكرر كشف الريح وتوالى بحيث يحتاج في الستر إلى حركات كثيرة متوالية بطلت صلاته بذلك لأنه نادر، كما لو دفع المار بفعل كثير وخرج بالريح غيره ولو بهيمة كقرد أو آدمي سواء كان مميزاً أم مأذوناً له أم لا فيضر كشفه وإن سترها حالاً وكذا لو كشفها سهواً إن لم يسترها حالاً وإلا لم يضر، وإذا صلت أمة ورأسها مكشوف وعتقت في الصلاة فإن لم تستر فوراً بلا أفعال كثيرة بطلت صلاتها وإلا فلا بطلان. ويلغز بمسألة الأمة فيقال لنا: شخص بطلت صلاته بكلام غيره وذلك فيما إذا كانت أم ولد ومات سيدها ببلد أخرى ولم تعلم بموته إلا بعد مدة وهي تصلي مكشوفة الرأس مثلاً.

(و) رابعها ب (النطق بحرفين) متواليين وإن لم يفهما كعن ومن أو كانا من آية نسخت تلاوتها، ومن متعلقات القرآن المحذوفة وإن قصد أنها متعلق اللفظ أو كان لمصلحة الصلاة كقوله لإمامه: قم، أو كان في تنحنح ونحوه كضحك وبكاء ولو من خوف الآخرة وأنين ولو من شدة مرض ونفخ بأنف أو فم وسعال وعطاس فالبطلان فيها من جهة الكلام، ولو غلبه الضحك لم تبطل صلاته إلا إن كثر فيغتفر اليسير للغلبة وخرج بالضحك التبسم فلا تبطل به الصلاة نعم يجوز التنحنح للصائم لإخراج نخامة تبطل صومه، وللمفطر أيضاً لإخراج نخامة تبطل صلاته إذا لم يمكنه إخراجها إلا به، ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يجب مفارقته لأن الظاهر تحرزه عن المبطل إلا إن دلت قرينة حاله على عدم عذره فتجب مفارقته، ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن لوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل فالذي يظهر العفو عنه ولا قضاء عليه لو شفي (أو حرف مفهم) كق وع وف وش فهذا كله مفهم لأن ق فعل أمر من الوقاية بكسر الواو وفتحها يقال قِ نفسك من الهلاك أي صنها وتباعد عنه وع من الوعي يقال ع الحديث أي احفظه وتدبره، وف من الوفاء يقال ف الوعد، وش من الوشي كالوعد يقال ش كتاب الفقه أي اكتبه، أو يقال ش في كلامك أي اكذب فيه، أو يقال ش بهذا الأمر عند السلطان أي اسع به، ومثل ذلك حرف ممدود إن لم يفهم إذ المدة ألف أو واو أو ياء فالمدود في الحقيقة حرفان.

ثم قيد المصنف ذلك بقوله: (عمداً) أي حال كون الناطق عامداً، ولو كان مكرهاً مع العلم بالتحريم وتذكر كونه في الصلاة أما مع عدم العمد بأن سبق إليه لسانه أو مع عدم العلم بالتحريم أو مع النسيان إنه في الصلاة فإن كان ما أتى به كلاماً قليلاً عرفاً وضبط بست كلمات عرفية فأقل لم يضر إن كان في صورة عدم العلم بالتحريم قريب عهد بالإسلام أي قريب علم به أو نشأ بعيداً عن العلماء فيكون جاهلاً معذوراً، بخلاف من لم يكن كذلك لتقصيره بترك التعلم فيكون غير معذور، وإن كان كثيراً عرفاً وضبط بأكثر من ست كلمات عرفية ضر لأنه يقطع نظم الصلاة، ولأن سبق اللسان والنسيان في الكثير نادر، والمراد بالعلماء هنا العالمون بهذا الحكم المجهول، والمراد بالبعيد أن يكون بحيث لو سعى للتعلم لشق عليه ذلك مشقة شديدة كخوف أو عدم زاد وضياع من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك ولو دون مسافة القصر وإلا لزمه السفر إليه لتعلم المسائل الظاهرة دون الخفية، ويعذر في إجابة نبينا بالقول فلا تبطل الصلاة بها، ومثله الفعل فلا تبطل بإجابته بالفعل وإن استدبر القبلة،

وإذا انتهى غرض النبي صلى الله عليه وسلّم أتم الصلاة فيما وصل إليه وليس له أن يعود إلى مكانه الأول حيث لزم على ذلك أفعال متوالية ما لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلّم بالعود فيه، وينبغي أن تكون إجابته بقدر الحاجة وإلا بطلت، أما غيره من بقية الأنبياء كعيسى عليه الصلاة والسلام فتجب إجابته وتبطل بها الصلاة، ومثل الأنبياء الملائكة، وتحرم إجابة الوالدين في الفرض وتجوز في النفل وهي أفضل منه إن شق عليهما عدمها، وتبطل الصلاة بها مطلقاً، وخرج بالنطق المبطل الذكر والدعاء فلا تبطل بهما الصلاة إلا أن يخاطب بهما غير الله ورسوله كقوله لعاطس أو لميت: يرحمك الله بخلاف يرحمه الله فلا تبطل لانتفاء الخطاب، أما إذا خاطب الله أو نبياً كقوله: السلام عليك يا رسول الله فلا تبطل لكن بشرط تضمنها ثناء عليه كما ذكر، بخلاف نحو صدقت يا رسول الله وبشرط عدم التعليق، ويسن لمن عطس أن يحمد الله ويسمع نفسه، ولا تبطل الصلاة بسكوت طويل ولو بلا عذر.

وسن لرجل تسبيح ولغيره تصفيق بضرب بطن كف أو ظهرها على ظهر كف أخرى، أو بضرب ظهر كف على بطن أخرى لا بضرب بطن على بطن إذا أصابهما شيء في صلاتهما، سواء كان ذلك الشيء مندوباً كتنبه إمامهما عند سهوه أو مباحاً كإذنهما لمستأذن، أو واجباً كإنذار أعمى أو غافل مميز من وقوعه في محذور، ويعتبر في التسبيح أن يقصد به الذكر وحده أو مع الإعلام فإن أطلق أو قصد الإعلام فقط بطلت صلاته، ولا يضر في التصفيق قصد الإعلام فإن لم يحصل الإنذار إلا بالكلام أو بالفعل المبطل وجب وتبطل الصلاة به. (و) خامسها: (بالمفطر) أي للصائم (عمداً) لتلاعبه، والمفطر بفتح الفاء وكسر الطاء مع تشديده معناه المفسد على الصائم صومه كأن أدخل عوداً أو نحوه وإن قل في فمه أو أذنه أو دبره إن وصل لجوفه ولو بلا حركة فمه لأن الحركة وحدها فعل يبطل كثيره.

والحاصل أن كل ما أبطل الصوم أبطل الصلاة إلا الأكل الكثير سهواً فيبطلها دونه، والفرق أن لها هيئة مدكرة فكان التقصير فيها أشد بخلافه وأنها ذات أفعال منظومة، والفعل الكثير يقطع نظمها بخلافه فإنه كف عن نحو الطعام. (و) سادسها ب (الأكل الكثير ناسياً) أي للصلاة أو جاهلاً معذوراً بأن قرب علمه بالإسلام أو نشأ بعيداً عن العلماء أو مكرهاً، أما إذا أكل قليلاً ناسياً للصلاة أو جاهلاً تحريم ذلك فلا تبطل صلاته، بخلاف المكره فتبطل صلاته لندرة الإكراه فيها. وقوله الأكل قال في المصباح: والأكل بضمتين وإسكان الثاني للتخفيف المأكول. (و) سابعها ب ( ثلاث حركات متواليات) أي يقيناً ولو بأعضاء متعددة كأن حرك رأسه ويديه وذهاب الرجل وعودها بعد مرتين مطلقاً سواء حصل اتصال أم لا، بخلاف ذهاب اليد وعودها على الاتصال فإنه يعد مرة واحدة، وكذا رفعها ثم وضعها ولو في غير موضعها، وأما رفع الرجل فإنه يعد مرة ووضعها ولو في غير موضعها مرة، والفرق بين اليدين والرجل أن الرجل عادتها السكوت بخلاف اليد. (ولو سهواً) أي سواء كان عمداً أو سهواً لتلاعبه مع أنه لا مشقة في الاحتراز عنه، أما الحركة القليلة كحركتين فلا تبطل الصلاة بها سواء كان عمداً أو سهواً ما لم يقصد بها اللعب، فإن قصد بها ذلك كأن أقام أصبعه الوسطى في صلاته لشخص لاعباً معه بطلت صلاته، ومنه ما يقع لأهل الرعونة من مد رجله ليضعها على ذيل صاحبه بقصد اللعب ليمنعه من القيام من السجود فتبطل صلاته بمجرد مد رجله، وكثير الفعل كثلاث حركات إذا كان لشدة جرب بأن لا يقدر معه على عدم الحك، أو كان خفيفاً كتحريك أصابعه في سبحة أو حل أو عقد مع قرار كفه لا يبطل الصلاة إذا كان بلا قصد لعب، وكتحريك أصابعه تحريك أجفانه أو أذنه أو ذكره أو أخرج لسانه، ولو نوى ثلاثة أفعال ولاء وفعل واحداً منها ضر لأنه قصد المبطل وشرع فيه كما لو شرع في ثلاثة أفعال ولاء من غير نية، ولو حمل شخص مصلياً ومشى به ثلاث خطوات متواليات لم تبطل صلاة المحمول لأن الخطوات لا تنسب له، لكن إن فعل شيئاً من أركانها حال حمله لم يحسب له حيث لم يمكنه إتمامه حينئذٍ.

[تنبيه] قوله حركات هو بفتح عين الجمع وهو الراء ليس غيرها لأن القاعدة أن ما جمع بالألف والتاء سواء كان مختتماً بالتاء كجفنة وسدرة وغرفة أو مجرداً عنها كدعد وهند وجمل تتبع عينه فاءه في الحركة مطلقاً لكن بشروط ستة، الأول: أن لا يكون معتلاً ولا مضعفاً وأن يكون ثلاثياً واسماً وساكن العين ومؤنثاً فتقول في جمعها جفنات بفتح الجيم والفاء كسجدات وسدرات بكسر السين والدال وغرفات بضم الغين والراء وعدات بفتح الدال والعين وهندات بكسر الهاء والنون وجملات بضم الجيم والميم، ويجوز في عين الجمع بعد الضمة والكسرة التسكين والفتح كغفرات وهندات، ولا يجوز ذلك بعد الفتحة بل يجب الاتباع كركعات فإنه يجب فتح الكاف لاتباعه فاء الجمع وهو الراء، قال ابن مالك في الخلاصة:

والسالم العين الثلاثي اسماً أنل ** اتباع عين فاءه بما شكل
إن ساكن العين مؤنثاً بدا ** مختتماً بالتاء أو مجردا
وسكن التالي غير الفتح أو ** خففه بالفتح فكلا قد رووا

قوله: والسالم مفعول أول بأنل والعين مضاف إليه والثلاثي نعت للسالم عند الصبان وبدل منه عند الشيخ خالد، واسما حال من الثلاثي واتباع مفعول ثان لأنل وهو مصدر مضاف لمفعوله الأول وفاءه مفعوله الثاني، وشكل بالبناء للمفعول بمعنى حرك والباء في بما بمعنى في، والمعنى: أعط الاسم الثلاثي السالم العين اتباعك عينه لفائه في الحركة التي شكلت بها الفاء. قوله: إن حرف شرط وساكن العين مؤنثاً حالان من فعل بدا العائد على اسم ومختتماً حال ثالثة. وقوله: وسكن فعل أمر والتالي مفعوله غير الفتح بالنصب على المفعولية أو الجر على الإضافة. وقوله: فكلا مفعوله مقدم برووا.

[تنبيه] قوله: متواليات إنما جمعها المصنف لكونها صفة لحركات وهي جمع أيضاً ليطابق الصفة الموصوف وهو الأفصح لأن حركات جمع قلة بناء على مذهب سيبويه أن جمعي السلامة للقلة، والأفصح في جمع القلة من جموع ما لا يعقل، وفي جمع العاقل مطلقاً المطابقة نحو: الاجذاع انكسرت ومنكسرات والهندات والهنود انطلقن ومنطلقات، والأفصح في جمع الكثرة مما لا يعقل الإفراد نحو الجذوع انكسرت ومنكسرة، قال الإسقاطي:

في جمع قلة لما لا يعقل ** تطابق الوصف لديهم أمثل
ومطلق الجمع لذي عقل كذا ** وغيره في كثرة بعكس ذا

والمراد بقوله أمثل أي أفضل وأتبع للقاعدة، والمراد بقوله بعكس ذا هو عدم التطابق وهو الإفراد، والمراد بالوصف المعنوي فدخل الخبر والضمير في غيره عائد على ذي عقل وفي كثرة أي جمع كثرة انتهى. (و) ثامنها: (الوثبة الفاحشة) أي بالنطة التي تجاوز الحد، وكذا تحريك كل البدن أو أكثره ولو من غير نقل قدميه، قوله الوثبة بفتح الواو لأنه للمرة وإنما بطلت الصلاة بذلك لأنه يقطع نظمها كالفعل الكثير قاله السويفي نقلاً عن الشوبري. قوله: الفاحشة لا حاجة إليه لأن الوثبة لا تكون إلا فاحشة إلا أن يقال: إن الفاحشة كالصفة الكاشفة للإشارة إلى أن كل ما فحش كتحريك جميع بدنه حكمه حكم الوثبة. (و) تاسعها ب (الضربة المفرطة) بسكون الفاء اسم فاعل من أفرط أي مجاوزة الحد، قوله الضربة بفتح الضاد للمرة. (و) عاشرها ب (زيادة ركن فعلي عمداً) وإن لم يطمئن لتلاعبه،

نعم القعود وهو قدر الطمأنينة لا ما زاد عليه كأن جلس بعد قيام ثم سجد لا يفسد الصلاة لأنه معهود في الصلاة في جلسة الاستراحة، وكذا لو جلس عن سجود تلاوة للاستراحة قبل قيامه، ومثل الجلوس الانحناء إلى حد الراكع من قعود ليتورك في أثناء التشهد الأخير أو ليفترش في الأول أفاده الشرقاوي. قوله: فعلى قيد أول وقوله عمداً قيد ثان، ويزاد على ذلك قيد ثالث وهو أن لا يكون خفيفاً عهد في الصلاة، وقيد رابع وهو أن يكون عالماً بالتحريم، وقيد خامس وسادس وهما كون الزيادة لغير المتابعة ولغير عذر فخرج بكونه لغير المتابعة ما إذا كان لها كأن ركع أو سجد قبل إمامه ثم عاد إليه أو رفع من ركوعه فاقتدى بمن لم يركع ثم ركع معه لم تبطل صلاته بذلك لتأكد المتابعة، وخرج بكونه لغير عذر ما لو رفع من سجوده إلى حد الراكع فزعاً من شيء، وما لو هوى من قيامه إلى ذلك الحد لقتل نحو حية فإنه لا يضر، ولا يضر دفعها بفعل كثير لو صالت عليه وتوقف دفعها على ذلك وما لو قتل نحو قملة وإن أصابه قليل من دمها حيث لم يحمل أو يمس جلدها وهي ميتة قاله الشرقاوي، وقال أحمدبن عماد الدين في منظومته من بحر البسيط:

ودم قمل كذا البرغوث منه عفوا ** عن القليل ولم يسمح بجلدته
فإنها نجست بالموت ما عذروا ** من حملها ناسكاً صلى بصحبته

قوله: البرغوث بضم الباء وقوله: عفوا أي أصحاب المذهب، وقوله: عن القليل أي مطلقاً ولو أصابه بفعله لأنه مما تعم به البلوى ويشق الاحتراز عنه، وقوله: ناسكاً أي عابداً مفعول عذروا، وقوله بصحبته أي بمصاحبة الجلد حال صلاته فلا تصح لأنها نجاسة غير معفو عنها لعدم المشقة في التحرز عنها، هكذا قال شهاب الدين الرملي في الشرح عليها. (و) حادي عشرها: (التقدم) أي السبق (على إمامه بركنين فعليين) سواء كانا طويلين أم لا، وكان التقدم على التعاقب بأن ركع المأموم فلما أراد إمامه أن يركع رفع، ولما أراد الإمام أن يرفع سجد فبمجرد سجوده تبطل صلاته هكذا في المنهج القويم، قال النووي والرافعي: فيجوز أن يقدر مثله في التخلف، ويجوز أن يخص ذلك بالتقدم لأن المخالفة فيه فحش اهـ. أما تقدمه بأقل منهما فليس مبطلاً وإن حرم ولو ببعض ركن كأن ركع قبل الإمام ولم يعتدل قاله الشرقاوي، لكن قال ابن حجر في المنهج القويم: التقدم ببعض ركن كهذا المثال مكروه، وأما التقدم بركن فعلي تام فحرام كأن ركع والإمام قائم.

(والتخلف بهما) أي بركنين فعليين تامين ولو غير طويلين كأن ركع الإمام واعتدل وهوى للسجود وإن كان إلى القيام أقرب والمأموم قائم، أو سجد الإمام السجدة الثانية وقام وقرأ وهوى للركوع والمأموم جالس بين السجدتين هكذا في المنهج القويم. (بغير عذر) أي في ذلك التقدم والتخلف فالعذر في التقدم هو النسيان أو الجهل فقط، فإن تقدم على إمامه بهما ناسياً أو جاهلاً لم تبطل صلاته لكن لا يعتد بتلك الركعة ما لم يعد بعد التذكر أو التعلم فيأتي بعد سلام إمامه بركعة والعذر في التخلف إحدى عشرة صورة الأول أن يكون بطيء القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة ثقيلة والإمام معتدلها والبطء الخلقي وهو الذي لا يمكنه تركه، أما الوسوسة الثقيلة فليست بعذر، فلو تخلف لتلك الوسوسة فإن أتم الفاتحة قبل أن يهوي الإمام للسجود أدرك الركعة وإلا لزمه المفارقة وإلا بطلت صلاته، وتلك الوسوسة هي التي مضى فيها زمن يسع القيام أو معظمه، وهذا ما نقله الشرقاوي عن الحلبي، لكن نقل الشيخ عثمان السويفي عن القليوبي أنها بقدر ما يسمع ركناً قصيراً، ثم نقل السويفي والشرقاوي عن الحلبي أنها بحيث يكون زمنها يسع ركنين فعليين ولو طويلاً وقصيراً من الوسط المعتدل لكن ضعفه الشرقاوي، وأما الوسوسة التي مضى فيها زمن لا يسع ذلك فهي وسوسة خفيفة. الثانية: أن يكون عالماً أو شاكاً قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة. الثالثة: أنه نسي الفاتحة حتى ركع إمامه وتذكر قبل أن يركع.

الرابعة: أنه موافق واشتغل بسنة كدعاء افتتاح وتعوذ وكذا إذا سكت. الخامسة: أنه انتظر سكتة إمامه المسنونة بعد الفاتحة لقراءته السورة فركع عقب الفاتحة أو قرأ ما لا يمكن المأموم معه الفاتحة. السادسة: أنه نام في التشهد الأول متمكناً فما انتبه من نومه إلا وإمامه راكع أو في آخر القيام. السابعة أنه اشتبه عليه تكبير الإمام بأن سمع تكبيرة الإمام للقيام بعد الركعة الثانية فظنها تكبيرة التشهد فجلس وتشهد فإذا هي تكبيرة قيام، ثم قام فرأى الإمام راكعاً الثامنة أنه كمل التشهد الأول بعد قيام الإمام عنه عمداً أو سهواً سواء كمل الإمام ذلك التشهد أو أتى ببعضه التاسعة أنه نسي كونه مقتدياً وهو في السجود مثلاً، أو نسي أنه في الصلاة فلم يقم من سجدته إلا والإمام راكع، أو قارب أن يركع. العاشرة أنه شك هل هو مسبوق أو موافق فالموافق هو من أدرك زمناً يسع الفاتحة بالنسبة للوسط المعتدل بعد تحرمه وقبل ركوع الإمام، ولا عبرة بقراءة نفسه ولا بقراءة إمامه سواء حضر تحرم الإمام أم لا، والمسبوق هو من لم يدرك ذلك وإن أحرم عقب تحرم الإمام الحادي عشر أنه طول السجدة الأخيرة فما رفع منها إلا والإمام راكع أو قرب إلى الركوع،

وإذا وجد واحد من هذه الأمور وجب التخلف لإتمام قراءته ثم يسعى خلف إمامه على نظم صلاته ويغتفر له تخلفه بالأركان الثلاثة الطويلة وهي الركوع والسجودان فلا يحسب منها الاعتدال ولا الجلوس بين السجدتين لأنهما ركنان قصيران، فإن فرغ من الفاتحة قبل أن يتلبس الإمام بالركن الرابع وهو التشهد الأخير والقيام أو ما هو على صورة الركن وهو قعود التشهد الأول ركع وأدرك الركعة ومشى على ترتيب صلاة نفسه، وإن أدرك الإمام بالركن الرابع بأن وصل إمام إلى محل تجزىء فيه القراءة للقيام أو بأن جلس للتشهد قبل أن يتم المأموم فاتحته فالمأموم مخير إن شاء تابع إمامه فيما هو فيه من القيام أو القعود ويأتي بركعة بعد سلام إمامه كالمسبوق، وإن شاء فارقه بالنية ومضى على ترتيب صلاة نفسه لكن المتابعة أفضل، وإن شرع الإمام في الخامس وهو الركوع قبل أن يتم المأموم قراءته ولم ينو المفارقة بطلت صلاته.

(و) ثاني عشرها ب (نية قطع الصلاة) كأن ينوي في الركعة الأولى الخروج منها في الثانية فيضر ذلك كما لو نوى أن يكفر غداً إلا لعذر كسهو وخرج بنية القطع نية فعل المبطل فلا تبطل بها صلاته حتى يشرع فيه لأنه قبل الشروع جازم والمحرم عليه إنما هو فعل المنافي بخلاف نية الخروج فإنه غير جازم معها. (و) ثالث عشرها ب (تعليق قطعها بشيء) وإن لم يحصل ولو محالاً عادياً كعدم قطع السكين لا علقياً لأن التعليق به لا ينافي الجزم بخلاف الأول وسواء كان التعليق بقلبه أو باللفظ. (و) رابع عشرها (التردد في قطعها) ومثله التردد في الاستمرار فيها فتبطل حالاً لمنافاته الجزم المشروط دوامه كالإيمان، والمراد بالتردد أن يطرأ شك مناقض للجزم ولا عبرة بما يجري في الفكر فإن ذلك مما يتبلى به الموسوس بل قد يقع في الإيمان بالله تعالى.

[فرع] بقي من مفسدات الصلاة أشياء منها فعل ركن من أركانها مع الشك في النية أي في أصل الإتيان بها أو بكمالها وإن لم يطل شكه ولو كان مع الجهل، ومثل الشك فيها الشك في الشروط كالطهارة، وما لو شك في المنوي كما لو شك هل نوى ظهراً أو عصراً، ومثل ذلك في تكبيرة الإحرام، ومنها طول زمن مع الشك في النية وإن لم يفعل ركناً وضابط طوله أن يكون بقدر ما يسع ركناً ولو قصيراً كالطمأنينة وهي بقدر التلفظ بسبحان الله، أما إذا لم يطل بأن مضى زمن لا يسع ذلك كأن خطر له خاطر وزال سريعاً بأن تذكر قبل طول الزمن وإتيانه بركن فإن صلاته لا تبطل، ومنها صرف نية وهو أربع صور: الأول صرف نية فرض إلى فرض آخر. والثاني: صرف نية فرض إلى نفل. والثالث: صرف نية نفل إلى فرض. والرابع: صرف نية نفل إلى نفل آخر. نعم إن كان منفرداً وأدرك جماعة سن صرف فرضه إلى نفل مطلق دون نفل معين ليدرك فضيلتها أما لمعين كركعتي الضحى فلا يصح القلب إليه لافتقاره إلى التعيين حال النية محل سنية صرف ذلك إذا وجدت ستة شروط،

الأول: أن يكون في ثلاثية أو رباعية. الثاني: أن لا يقوم لثالثة فإن كان في ثنائية أو قام لثالثة أي شرع فيها لم يسن القلب بل يجوز فيسلم في الركعة الأولى ليدرك الجماعة لأن النفل المطلق يجوز فيه الاقتصار على ركعة. الثالث: أن يتسع الوقت بأن يتحقق تمامها فيه لو استأنفها فإن علم وقوع بعضها خارجه أو شك في ذلك حرم القلب. الرابع: أن لا يكون الإمام ممن يكره الاقتداء به لبدعة أو غيرها كمخالفة في المذهب، فإن كان بدعياً كفسقه أو مخالفاً في المذهب كحنفي فلا يسن القلب بل يكره وكان الانفراد أفضل من الاقتداء بذلك عند شيخ الإسلام كالروياني كما قال أبو إسحاق أيضاً إن الصلاة منفرداً أفضل من الصلاة خلف الحنفي. الخامس: أن لا يرجو جماعة غيرها وإلا جاز القلب. السادس: أن تكون الجماعة مطلوبة فلو كان يصلي فائتة والجماعة القائمة حاضرة أو فائتة ليست من جنس التي يصليها حرم القلب، وكذا لو وجب قضاء الفائتة فوراً أو من جنسها كظهر خلف ظهر جاز ولم يندب، فإن خشي في الفائتة فوت الحاضرة وجب القلب، وكذا إذا كانت الجماعة في جمعة. ومنها ردة ولو صورية كالواقعة من الصبي وهي قطع استمرار الإسلام ودوامه بقول كأن يقول: الله ثالث ثلاثة أو بفعل كأن يسجد لصنم أو بعزم كأن يعزم على الكفر أو باعتقاد كأن فكر في الصلاة في هذا العالم بفتح اللام فاعتقد قدمه وما أشبه ذلك فيكفر في الحال قطعاً وتبطل صلاته، وكذا لو اعتقد عدم وجوب الصلاة لاختلال النية وما أشبه ذلك كما قال الحصني. ومنها: تقديم الركن الفعلي عمداً على غيره كأن سجد قبل ركوعه أو ركع قبل قراءته الفاتحة فإنها تبطل لأنه يخل بصورة الصلاة،

أما تقديم القولي غير السلام عمداً على غيره كأن كرر الفاتحة أو قدم الصلاة على النبي على التشهد أو كرره أو تشهد قبل السجود فلا تبطل صلاته لكن لا يعتد بما قدمه بل يجب عليه إعادته في محله. ومنها ترك ركن ولو قولياً عمداً بخلاف تركه سهواً لعذر فيتداركه إن لم يفعل مثله من ركعة أخرى وإلا قام مقامه ولغا ما بينهما وأتى بركعة. ومنها: اقتداء بمن لا يقتدى به لكفر أو حدث أو غيرهما بأن اقتدى به بعد تحرم صحيح منه. ومنها: تطويل ركن قصير عمداً بأن يزيد في الاعتدال على الدعاء الوارد فيه بقدر الفاتحة وفي الجلوس بين السجدتين على الدعاء الوارد فيه بقدر التشهد فإن نقص عن ذلك ولو كلمة لم يضر ولا يعتبر مع التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم، نعم لا يضر تطويل الاعتدال في الركعة الأخيرة من سائر الصلوات لأنه معهود في الصلاة في الجملة أي في بعض الصور كما في صلاة النازلة، ولا تطويل الجلوس بين السجدتين في صلاة التسبيح خاصة. ومنها: وجوده في الصلاة ثوباً بعيداً منه بأن احتاج في المضي إليه إلى أفعال كثيرة أو طالت مدة الكشف، أما لو كان قريباً بأن استتر به حالاً بلا أفعال كثيرة دامت صلاته على الصحة وإلا بطلت. ومنها ظهور بعض ما يستر بالخف من الرجل أو الخرق بكسر الخاء وفتح الراء جمع خرقة بسكون الراء.

ومنها: خروج وقت مسح الخف لبطلان بعض طهارته وهو طهارة رجليه حتى لو غسلهما في الخف قبل فراغ المدة لم يؤثر إذ مسح الخف يرفع الحدث فلا تأثير للغسل قبل فراغ المدة.

ومنها: ترك توجه للقبلة حيث يشترط بأن كان في غير شدة خوف ونفل السفر لانتفاء الشرط.

فصل الصلاة التي تلزم فيها نية الجماعة

(فصل): في بيان الصلاة التي تلزم فيها نية الجماعة قال (الذي يلزم فيه نية الإمامة) أي على الإمام مع الإحرام (أربع) من الصلوات وهي كل صلاة لا تصح فرادى أحدها: (الجمعة) فلو ترك نية الإمامة مع الإحرام لم تصح نيته سواء كان من الأربعين أو زائداً عليهم وإن لم يكن من أهل وجوبها، نعم إن لم يكن من أهل الوجوب ونوى غير الجمعة لم تجب عليه نية الإمامة. (و) ثانيها: (المعادة) وهي المكتوبة المؤداة أو النافلة التي تسن فيها الجماعة اللتان تفعلان في وقت الأداء ثانياً جماعة لرجاء الثواب ومن صلى صلاة صحيحة ولو في جماعة ثم أدرك في الوقت من يصليها ولو منفرداً سن له إعادتها معه ويحرم قطعها لأن لها حكم الفرض إلا في جواز تركها قبل الشروع وفي جواز جمعها مع الأصلية بتيمم واحد وذلك للأمر بتلك الإعادة في خبر أبي داود وغيره وصححه الترمذي وهو قوله صلى الله عليه وسلّم: "ذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلياها معهم فإنها لكما نافلة" قال صلى الله عليه وسلّم ذلك بعد صلاته الصبح لرجلين لم يصليا معه وقالا صلينا في رحالنا أي بيوتنا. وقوله صلى الله عليه وسلّم: مسجد جماعة ليس بقيد بل هو للأغلب. وقوله: صليتما يصدق بالانفراد والجماعة سواء استوت الجماعتان أم زادت إحداهما بفضيلة ككون الإمام أعلم أو أورع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف.

(ثم اعلم) أن شروط الإعادة اثنا عشر، الأول: أن تكون الأولى مكتوبة مؤداة أو نافلة تسن فيها الجماعة ما عدا وتر رمضان ولو منذورة كعيد نذره، أما الوتر فلا يعاد على المعتمد لحديث: "لا وتران في ليلة" والثاني: أن تكون صحيحة وإن لم تغن عن القضاء كصلاة المتيمم لبرد أو بمحل يغلب فيه وجود الماء، نعم يستثنى من ذلك صلاة فاقد الطهورين فإنها وإن كانت صحيحة لكنها لا تعاد لأنها لا يتنفل بها فإن لم تكن صحيحة وجبت إعادتها. والثالث: إعادتها مرة واحدة فقط على المعتمد، وقال المزني: تعاد خمساً وعشرين مرة وكان يفعلها كذلك. وقال الشيخ أبو الحسن البكري: تعاد من غير حصر ما لم يخرج الوقت. والرابع: نية الفرضية والمراد أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة حتى لا تكون نفلاً مبتدأ لا إعادتها فرضاً، أو أنه ينوي ما هو فرض على المكلف لا الفرض عليه، فلو نوى الفرض عليه حقيقة بطلت صلاته.

والخامس: أن تقع كلها جماعة من أولها إلى آخرها فالجماعة فيها كالطهارة لكن يكفي الاقتداء بالراكع لأن ذلك أول صلاته فالشرط موجود، فلا يكفي وقوع بعضها في جماعة حتى لو أخرج نفسه فيها من القدوة بنية المفارقة، وإن اقتدى بآخر فوراً أو سبقه الإمام ببعض الركعات لم تصح، وفهم من ذلك أنه لو وافق الإمام أولها لكن تأخر سلامه عن سلامه بحيث عد منقطعاً عنه بطلت صلاته وأنه لو كان المعيد إماماً فتباطأ المأموم عن إحرامه بطلت صلاة الإمام، وأنه لو رأى جماعة وشك هل هم في الركعة الأولى أو فيما بعدها امتنعت الإعادة معهم، نعم لو لحق الإمام سهو فسلم ولم يسجد كان للمعيد أن يسجد إن لم يتأخر كثيراً بحيث يعد منقطعاً عنه، ولو شك المعيد في ترك ركن لم تبطل صلاته بمجرد ذلك بل حتى يسلم الإمام لاحتمال أن يتذكر قبل سلامه عدم ترك شيء فلا يحتاج للانفراد بركعة بعد سلام الإمام، أما إذا علم ترك ركن وعدم ترك الإمام لمثله فتبطل صلاته حالاً.

والسادس: أن تقع في الوقت ولو ركعة فيه على المعتمد. والسابع: أن ينوي الإمام الإمامة كالجمعة. والثامن: أن تعاد مع من يرى جواز الإعادة أو ندبها فخرج ما لو كان الإمام المعيد شافعياً والمأموم حنفياً أو مالكياً لأنه يرى بطلان الصلاة فلا قدوة، بخلاف ما لو كان المقتدي شافعياً خلق من ذكر فهي صحيحة. والتاسع: حصول ثواب الجماعة حالة الإحرام بها فلو انفرد عن الصف مع إمكان الدخول فيه لم تصح إعادته لكراهة ذلك المفوتة لفضيلة الجماعة، وكذا لا تصح إعادة العراة إذا لم يكونوا عمياً أو في ظلمة لعدم حصول ثواب الجماعة حينئذٍ. والعاشر: القيام فيها. والحادي عشر: أن لا تكون إعادتها للخروج من الخلاف فإن كان إعادتها لذلك كأن يصلي وقد مسح بعض رأسه في الوضوء أو صلى في الحمام أو مع سيلان دم من بدنه فإن الأولى باطلة عند مالك والثانية عند أحمد والثالثة عند أبي حنيفة رضي الله عن الجميع سنت إعادتها في هذه الأحوال ولو منفرداً لأن هذه ليست هي الإعادة المرادة فلا يشترط لها جماعة. والثاني عشر:أن تكون في غير صلاة شدة الخوف فإنها لا تعاد على الأوجه لأن المبطل احتمل فيها للحاجة فلا تكرر، ونظم العلامة عبدالوهاب الطنطاوي المصري سبعة من هذه الشروط من بحر الكامل فقال:

شرط المعادة أن تكون جماعة ** في وقتها والشخص أهل تنفُّلِ
مع صحة الأولى وقصد فريضة ** ينوي بها صفة المعاد الأول
فضل الجماعة سادس أو غيره ** قيل ونفل مثل فرض واجعل
كالعيد لا نحو الكسوف فلا تعد ** وجنازة لو كررت لم تمهل
ومع المعادة أن تعد بعدية ** تقبل ولا وتر إن صح فعول
ومتى رأيت الخلف بين أئمة ** في صحة الأولى أعدها تجمل
لو كنت فرداً بعد وقت أدائها ** فاتبع فقيهاً في صلاتك تعدل

والشخص أهل تنقل أي والشرط الثالث أن يكون المعيد مستحقاً للزيادة بتلك الإعادة، بخلاف فاقد الطهورين فإنه لا يتنفل بالإعادة على صلاته، وكذا من بان فساد صلاته الأولى فلا تقع الثانية عنها بل تجب إعادتها على الصحيح وقيل لا تجب لتبين أن الفرض حينئذٍ هو الثانية. قوله: أو غيره قيل ونفل مثل فرض أي وغير ما تقدم من السنة المذكورة أن تكون الصلاة الأولى فرضاً مؤدى أو نفلاً تسن فيه الجماعة غير الكسوف فالمراد به بيان الشرط السابع وليس المراد به بيان الخلاف في الأقوال كما قد يتوهم. قوله: وجنازة لو كررت لم تمهل أي إن صلاة الجنازة يسن تكريرها لكن لا تؤخر بالانتظار، أما إعادتها فلا تسن لأنه لا يتنفل بها ومع ذلك تقع نفلاً هكذا في شرح المنهج عن المجموع، قال الشوبري: ويجوز تكريرها ثانياً وثالثاً وأكثر من ذلك تقع نفلاً ولا ثواب فيها، والقاعدة عند الفقهاء أن كل شيء منهي عنه لا ينعقد بخلاف هذه الصورة فإنها مستثناة انتهى.

قوله: ولا وتر إن صح أي أن الوتر في رمضان لا يصح إعادته وإن كانت الجماعة فيه مسنونة لحديث: "ولا وتران في ليلة" قوله: فعول أي فاعتمد على هذا القول. قوله: تجمل فعل أمر معطوف على أعد بحذف حرف العطف أي تزين وتحسن بهذه الإعادة لأنه تسن الإعادة للخروج من خلاف الأئمة ولو كنت منفرداً. قوله: تعدل أي ترشد وتصب الصواب. (و) ثالثها: (المنذورة جماعة) فإن لم ينو الإمامة مع الإحرام فيها انعقدت صلاته فرادى مع الإثم. (و) رابعها: (المتقدمة في المطر) أي المجموعة بالمطر جمع تقديم، ومثل المطر الثلج والبرد فإن ترك نية الإمامة فيها مع الإحرام لم تنعقد صلاته قطعاً وتختص رخصة اجمع بمن يصلي جماعة بمكان بعيد يتأذى بالمطر في طريقه بخلاف من يصلي فرادى فلا يجمع، ومن يمشي في كن فلا يجمع أيضاً لانتفاء التأذي أو من بابه عند المسجد، نعم للإمام الراتب أن يجمع تبعاً للمأمومين وإن لم يتأذ بالمطر وليس مثله المجاورون في المسجد، ولا يشترط وجود المطر في مجيئه من بيته إلى المسجد بل يكفي ما لو اتفق وجوده وهو بالمسجد.

والحاصل أن الشروط سبعة، أحدها: أن يوجد المطر عند التحرم بالصلاتين وعند تحلله من الصلاة الأولى وبينهما. وثانيها: أن يصلي جماعة ولا بد أن لا يتباطأ المأمومون عن الإمام بإحرام فإن تباطؤوا ولكن أدركوا بعد إحرامهم معه زمناً يسع الفاتحة قبل ركوعه صحت صلاتهم وإلا فلا كالإمام لعدم الجماعة. وثالثها: أن تكون الصلاة بمصلى بعيد عرفاً. ورابعها: أن يتأذى بالمطر في طريقه. وخامسها: الترتيب. وسادسها: الولاء. وسابعها: نية الجمع ففي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلّم صلى بالمدينة سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً والعصر والمغرب والعشاء. وفي رواية لمسلم: من غير خوف ولا سفر، قال الإمام مالك ووافقه الشافعي: أرى ذلك بعذر المطر، ولا يجوز الجمع له تأخيراً لأن المطر قد ينقطع قبل أن يجمع فيؤدي إلى إخراج الصلاة عن وقتها من غير عذر.

(ثم اعلم) أن نية الاقتداء أو الائتمام أو المأموم أو الجماعة واجبة على المأموم إن أراد المتابعة مطلقاً ولو في أثناء صلاته من غير تلك الأربع، أما فيها فتجب هذه النية عليه مع الإحرام كالإمام، فلو تابع في فعلي ولو واحداً أو سلام بعد انتظار كثير عرفا للمتابعة ولم ينو هذه النية أو شك فيها بطلت صلاته لأنه ربطها على صلاة غيره بلا رابط بينهما متيقن بخلاف ما لو تابع في قولي غير سلام أو تابع في فعلي اتفاقاً من غير انتظار أو بعد انتظار يسير أو كثير لا للمتابعة، لكن لو نوى المأموم الائتمام في أثناء صلاته صح مع الكراهة ولا يحصل في فضيلة الجماعة حتى فيما أدركه مع الإمام على المعتمد لأنه صير نفسه تابعاً بعد أن كان مستقلاً فالأولى الاقتصار على ركعتين ويسلم ثم يقتدي خلف ذلك الإمام، وكما أن إدخال نفسه مع الإمام في أثناء صلاته مكروه كذلك قطعها بغير عذر، بخلاف ما إذا كان به كتطويل الإمام فلا يكره ولا يفوت ثوابه لأن المفارقة لعذر لا تفوت فضيلة الجماعة، ويجوز الانتقال لجماعة أخرى إلا في الجمعة لما يلزم من إنشاء جمعة بعد أخرى، ولو علم الأجير أن المستأجر يمنعه من الجماعة وكان شعار الجماعة يتوقف على حضوره حرم عليه إيجار نفسه بعد دخول الوقت، وكذا إن علم أنه يمنعه من الجمعة فيحرم عليه إيجار نفسه بعد الفجر هذا إن لم يضطر لذلك وإلا جاز، وأن نية الإمامة أو الجماعة مندوبة للإمام في غير ذلك لينال فضل الجماعة من حين وجودها لأنه لا يحصل إلا بها، ولا يكره وجود هذه النية عليه في أثناء صلاته لأنه لا يصير تابعاً بخلاف المأموم ولا تنعطف نيته على ما قبلها.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية