الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

باب الصيام صوم ومضان وصوم التطوع

باب الصيام صوم ومضان وصوم التطوع


كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي

محتويات

باب الصيام

[فائدة]: ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي" ومعناه أن الله تعالى يتجلى على عباده بالعفو والغفران في رجب من غير توسط شفاعة أحد، وفي شعبان بتوسط شفاعته، وفي رمضان بواسطة شفاعة الأمة اهـ حف. قال في التحفة: وما قيل إن التبعات لا تتعلق به أي الصوم يرده خبر مسلم أنه يؤخذ مع جملة الأعمال فيها، وبقي فيه سبعة وأربعون قولاً لا تخلو عن خفاء وتعسف، نعم قيل: إن التضعيف في الصوم وغيره لا يؤخذ لأنه محض فضل الله تعالى، وإنما يؤخذ الأصل وهو الحسنة الأولى، وإنما يتجه إن صح عن الصادق عليه الصلاة والسلام، وإلا وجب الأخذ بعموم الخبر من أخذ حسنات الظالم ووضع سيئات المظلوم عليه اهـ.

[فائدة]: ترائي هلال رمضان كغيره من الشهور فرض كفاية لما يترتب عليها من الفوائد الكثيرة اهـ شوبري، ولا أثر لرؤيته نهاراً، فلا يكون لليلة الماضية فيفطر، ولا للمستقبلة فيثبت رمضان، ومن اعتبر أنه للمستقبلة فصحيح في رؤيته يوم الثلاثين لكن لا أثر له لكمال العدة، بخلاف اليوم التاسع والعشرين فلا يغني عن رؤيته بعد الغروب للمستقبلة كما توهمه بعضهم اهـ ب ر. وهل يقاس عليه لو رؤي ليلة التاسع والعشرين فلا يثبت عليها حكم أو تثبت الرؤية بذلك، ويجب قضاء يوم لم أر من تعرض لذلك، وقال المدابغي: والمعنى في ثبوت رمضان بالواحد الاحتياط للصوم، ومثله سائر العبادات كالوقوف بالنسبة لهلال ذي الحجة اهـ، ورجح ابن حجر اختصاص ذلك برمضان فقط قال: ولا بد أن يقول الحاكم: ثبت عندي هلال رمضان أو حكمت بثبوته وإلا لم يجب الصوم اهـ.

(مسألة: ك): لا يثبت رمضان كغيره من الشهور إلا برؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين بلا فارق، إلا في كون دخوله بعدل واحد، وأما ما يعتمدونه في بعض البلدان من أنهم يجعلون ما عدا رمضان من الشهور بالحساب، ويبنون على ذلك حل الديون والتعاليق، ويقولون اعتماد الرؤية خاص برمضان فخطأ ظاهر، وليس الأمر كما زعموا وما أدري ما مستندهم في ذلك.

(مسألة: ي): إذا ثبت الهلال ببلد عم الحكم جميع البلدان التي تحت حكم حاكم بلد الرؤية وإن تباعدت إن اتحدت المطالع، وإلا لم يجب صوم ولا فطر مطلقاً، وإن اتحد الحاكم ولو اتفق المطلع ولم يكن للحاكم ولاية لم يجب إلا على من وقع في قلبه صدق الحاكم، ويجب أيضاً ببلوغ الخبر بالرؤية في حق من بلغه متواتراً أو مستفيضاً، والتواتر ما أخبر به جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب عن أمر محسوس، ولا يشترط إسلامهم ولا عدالتهم، والمستفيض ما شاع بين الناس مستنداً لأصل.

(مسألة: ب): شهد اثنان برؤية الهلال، فلم ير الليلة القابلة بأن كذبهما قطعاً كما قاله في التحفة فيما لو ذكرا محله فبان الليلة الثانية بخلافه ولم يمكن عادة انتقاله فيجب قضاء ما أفطروه، فإذا كان هذا في صفة الهلال مع الاتفاق عليه في منزلته ودرجتها فلأن نجزم بكذبه، ووجوب القضاء إذا لم ير الليلة الثانية أصلاً أولى، إذ لا يمكن شرعاً ولا عقلاً ولا عادة أن يراه أول ليلة اثنان، ثم لا يراه جميع أهل الجهة ممن تعرض له في الليلة الثانية، وفي التحفة كالإمداد، ووقع تردد فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية، والذي يتجه منه أن الحساب إن اتفق أهله أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا اهـ.

ومن المعلوم لدى كل أهل هذا الفن اتفاق أهل الحساب قاطبة على أن مقدماته قطعية، وعلى عدم إمكان الرؤية في مسألتنا، والمخبرون هم ومن تلقى عنهم بإجماع فضلاً عن عدد التواتر وكتبهم مصرحة بذلك، ومن أثناء جواب لعبد العزيز الزمزمي إذا أخبر عدد التواتر برؤيته القابلة في الجانب البحري ولم يمكن عادة انتقاله لذلك المحل تبين خطأ من شهد به الليلة الماضية في الجانب النجدي وحكم ببطلان ما بني على شهادتهم، إذ شرط المشهود به إمكانه شرعاً وعقلاً وعادة، لكن لا بد من إخبار عدد التواتر من الحساب بعدم إمكان الانتقال، ومثل ذلك لو حكم برؤيته ليلة الثلاثين بشهادة الشهود، ثم أخبر برؤيته يوم التاسع والعشرين عدد التواتر، فيجب على القاضي الرجوع عن حكمه حينئذ لتحقق بطلانه اهـ. فظهر أن معتمد ابن حجر والزمزمي رد الشهادة وما ترتب عليها، وإن كان الشهود عدولاً فضلاً عن الأماثل، وفي إيضاح الناشري وتحرير أبي زرعة: إذا أجمع أهل الميقات على عدم الرؤية لم يصح حكم بخلافهم، وقد أجمعوا على عدم انخساف القمر ليلة ست عشرة، وكذا مغيب الهلال ليلة الثالثة قبل الشفق الأحمر فيتبين بطلان الشهادة.

(مسألة): ومن أثناء كلام للعلامة علوي بن أحمد الحداد في رؤية الهلال قال: وأفتى الزمزمي ونقله أحمد مؤذن باجمال عن ابن علان بردّ الشهادة إذا شهد بطلوع الشهر صباحاً قبل الشمس عدد التواتر قالوا: لاستحالة الرؤية حينئذ، نعم قد تمكن رؤيته في طرفي النهار كما قاله العلامة القريعي، وذلك في غاية طول النهار، وهو من نصف الجوزاء إلى نصف السرطان، يعني من ثاني أيام القلب إلى ثمان في النعائم إلى آخر ما قال.

(مسألة: ش): إذا لم يستند القاضي في ثبوت رمضان إلى حجة شرعية، بل بمجرد تهوّر وعدم ضبط، كان يوم شك وقضاؤه واجب إذا بان من رمضان حتى على من صامه، إلا إن كان عامياً ظن حكم الحاكم يجوز، بل يوجب الصوم فيجزيه فيما يظهر اهـ. قلت: وقال ابن حجر في تقريظه على تحرير المقال: وأفتى شيخنا وأئمة عصره تبعاً لجماعة أنه لو ثبت الصوم أو الفطر عند الحاكم لم يلزم الصوم ولم يجز الفطر لمن يشك في صحة الحكم، لتهوّر القاضي أو لمعرفة ما يقدح في الشهود، فأداروا الحكم على ما فيه ظنه ولم ينظروا لحكم الحاكم، إذ المدار إنما هو على الاعتقاد الجازم اهـ.

(مسألة: ب): مجرد وصول الكتاب من الحاكم إلى حاكم آخر لا يلزم به ثبوت للشهر إلا على من صدقه فقط، ثم إن العمل جار على أن الحاكم الذي لا يعرف تهوّره في قبول الفاسق هو الذي انشرح به الصدر بالمصادقة، فإذا جاء كتاب حاكم إلى حاكم آخر أخبر الناس به وصدقوه مرة واحدة، أما من عرف تهوّره فلا يجوز لنائب آخر وصل إليه خطه أن يعلم الناس، لأن المصادقة اختل شرطها شرعاً حينئذ حتى يثبت الشهر بموجبها، وعند تساهل الحكام يناقش على صحة الثبوت وإظهار عين الشهود، قاله أحمد مؤذن باجمال.

(مسألة: ب): مطلع تريم ودوعن واحد بالنسبة للأهلة والقبلة إلا بتفاوت يسير لا بأس به، وقال أبو مخرمة: إذا كان بين غروبي الشمس بمحلين قدر ثمان درج فأقل فمطلعهما متفق بالنسبة لرؤية الأهلة، وإن كان أكثر ولو في بعض الفصول فمختلف أو مشكوك فيه فهو كالمختلف، كما نص عليه النووي، فعدن وزيلع وبربرة وميط وما قاربها مطلع، وعدن وتعز وصنعاء وزبيد إلى أبيات حسين وإلى حلى مطلع وزيلع وواسة وهرورة وبر سعد الدين وغالب بر السومال فيما أظن إلى بربرة وما هناك مطلع، ومكة والمدينة وجدة والطائف وما والاها مطلع، وصنعاء وتعز وعدن وأحور وحبان وجردان والشحر وحضرموت إلى المشقاص مطلع، ولا يتوهم من قولنا الشحر وعدن مطلع مع قولنا عدن وزيلع مطلع أن تكون الشحر وزيلع مطلعاً، بل إن عدن وسط، فإذا رؤي فيها لزم أهل البلدين، أو في أحدهما لزم أهل عدن، وقول السبكي: يلزم من الرؤية في البلدة الشرقية الرؤية في الغربية منتقد لا يوافق عليه اهـ. وواعجباً من تقصير الحكام وتساهلهم وتهوّرهم، فإنهم يقبلون من لا يقبل بحال، ويلزمون الناس بشهادته الفطر والصيام مع عدم وجود الهلال بعد الغروب فضلاً عن إمكان رؤيته اهـ. قلت: وذكر العلامة طاهر بن هاشم أن مطلع تريم ومكة واحد، لأن غاية البعد بينهما في الميل الجنوبي سبع درج الخ اهـ. واعتمد كلام السبكي ابن حجر في الفتاوى ورده في التحفة.

(مسألة: ي ك): يجوز للمنجم وهو من يرى أن أوّل الشهر طلوع النجم الفلاني، والحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره العمل بمقتضى ذلك، لكن لا يجزيهما عن رمضان لو ثبت كونه منه، بل يجوز لهما الإقدام فقط، قاله في التحفة والفتح، وصحح ابن الرفعة في الكفاية الإجزاء وصوبه الزركشي والسبكي، واعتمده في الإيعاب والخطيب، بل اعتمده (م ر) تبعاً لوالده الوجوب عليهما وعلى من اعتقد صدقهما، وعلى هذا يثبت الهلال بالحساب كالرؤية للحاسب ومن صدقه، فهذه الآراء قريبة التكافؤ فيجوز تقليد كل منها، والذي يظهر أوسطها وهو الجواز والإجزاء، نعم إن عارض الحساب الرؤية فالعمل عليها لا عليه على كل قول.

(مسألة: ي ش): يلزم العبد كالمرأة والفاسق العمل برؤية نفسه، كما يلزم من أخبره برؤيته أو برؤية من رآه، أو ثبوته في بلد متحد المطلع إن غلب على ظنه صدقه، وهو المراد بقولهم الاعتقاد الجازم، فإن ظن صدقه من غير غلبة جاز الصوم، وإن شك حرم، وسواء أخبر من ذكر عن دخول رمضان أو خروجه، زاد ي: أو غيره من الشهور كشعبان فيجب صوم رمضان بتمامه بخبر من ذكر بالقيد المذكور، وإن كان شعبان كشوال لا يثبت إلا بشاهدين، لأن هذا من باب الرؤية وهي أوسع من باب الشهادة اهـ. وزاد ش: كما يلزمه اعتماد العلامات بدخول شوّال إذا حصل اعتقاد جازم بصدقها، ومتى بان أن ذلك من رمضان أجزأهم ولا قضاء، إذ وجوبه ينافي وجوب الصوم، وإذا كان من صام يوم الشك لظنه صدق مخبره يجزيه عن رمضان لو بان منه، ويحكم بأنه كان يوم الشك باعتبار الظاهر فأولى مسألتنا، وهل يسوغ الإفطار بعد الثلاثين للمعتقد المذكور وإن لم ير الهلال؟ إن كان ثم ريبة بأن لم ير مع الصحو فلا، وإلا وجب اهـ. قلت: وقوله وهل يسوغ الإفطار الخ اعتمد في التحفة عدم جواز الفطر احتياطاً، وخالفه (م ر) فقال: يفطر في أوجه احتمالين.
[فائدة]: الحاصل أن صوم رمضان يجب بأحد تسعة أمور: إكمال شعبان، ورؤية الهلال، والخبر المتواتر برؤيته ولو من كفار، وثبوته بعدل الشهادة، وبحكم القاضي المجتهد إن بين مستنده، وتصديق من رآه ولو صبياً وفاسقاً، وظن بالاجتهاد لنحو أسير لا مطلقاً، وإخبار الحاسب والمنجم، فيجب عليهما وعلى من صدّقهما عند (م ر): والإمارت الدالة على ثبوته في الأمصار كرؤية القناديل المعلقة بالمناير اهـ كشف النقاب.

[فائدة]: يجب إمساك يوم الشك إذا تبين كونه من رمضان في الأظهر، والثاني لا يجب للعذر كمسافر قدم مفطراً، قاله في المهذب والتنبيه اهـ.
(مسألة: ش): قول العباب: إذا صمنا بشهادة عدل أو عيدنا بعدلين ولم نر الهلال بعد الثلاثين أفطرنا في الأولى ولم نقض في الثانية ولو مع الصحو، المراد بعدم رؤية الهلال أي هلال شوال في الأولى والقعدة في الثانية، كما أن قوله بعد ثلاثين يعني من رمضان من الأولى ومن شوال في الثانية، وقوله: أفطرنا أي على الأصح لكمال العدد، ولا نظر لكون شوال لم يثبت حينئذ بعدلين، إذ الشيء يثبت ضمناً ما لا يثبت أصلاً، كثبوت النسب والإرث بثبوت الولادة بشهادة النساء، وقوله: ولم نقض في الثانية أي على المذهب، وقوله: ولو مع الصحو إشارة إلى وجه قال به ابن الحداد ونقل عن شريح: أنا لا نفطر مع الصحو في الأولى.

(مسألة: ش): رأى هلال شوّال وحده لزمه الفطر، ويسن له إخفاؤه للتهمة، وتندب له صلاة العيد، وهل يعدها مع الناس الأقرب؟ نعم، ولا يصلي معه ما لم ير الهلال، بل لا تصح إن علم وتعمد، وإلا وقعت نفلاً مطلقاً، وحرم على غيره الفطر وإن وقع في قلبه صدق رائيه، وأول شوال يكون يوم عيد الناس في جميع الأحكام، فإن ثبت هلاله قبل الزوال فظاهر أو بعده وجب الفطر وفاتت صلاة العيد، وندب قضاؤها بقية اليوم حيث أمكن، وإلا فمن الغد أو بعد الغروب من قابل ثبت كون اليوم الماضي من شوال بالنسبة لغير الصلاة وتوابعها كالفطرة والتكبير فتصلى من الغد أداء اهـ. قلت: وقوله وحرم على غيره الفطر الخ تقدم في مسألة نحو العيد أنه يلزمه ومن صدقه الفطر فضلاً عن الجواز فتأمله.

(فرع): يسنّ أن يقول عند رؤية الهلال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله، الله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وأعوذ بك من شر القدر، ومن شرّ المحشر، هلال خير ورشد مرتين، آمنت بالذي خلقك ثلاثاً، الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا للاتباع اهـ إمداد. قال في العباب: ويقول عند رؤية القمر: أعوذ بالله من شرّ هذا الغاسق اهـ.

شروط الصوم

(مسألة: ش): لا يكفي في رمضان أن يقول: نويت صوم غد فقط، بل لا بد من التعرض لرمضان لأنه عبادة مضافة إلى وقت فوجب التعيين، والمعتمد عدم وجوب نية الفرضية، لأن صوم رمضان من المكلف لا يكون إلا فرضاً بخلاف الصلاة فإن المعادة نفل.
[فائدة]: ابتلى بوجع في أذنه لا يحتمل معه السكون إلا بوضع دواء يستعمل في دهن أو قطن وتحقق التخفيف أو زوال الألم به، بأن عرف من نفسه أو أخبره طبيب جاز ذلك وصح صومه للضرورة، اهـ فتاوي باحويرث.

(مسألة: ب): اقتلع سنه الوجعة وهو صائم لم يعف عن الدم ولا الريق المختلط به وإن صفا، بل لا بد من غسل فمه، نعم إن عمت البلوى بالدم ولم يمكنه التحرز عنه عفي عنه، كَدَمِ اللثة الذي يجري دائماً يتسامح بما يشق الاحتراز عنه بأن يبصق حتى يبيض ريقه، إذ لو كلف غسل فمه في أكثر نهاره لشق، بل ربما زاد جريانه بذلك، وكالصوم الصلاة، نعم يعفى فيها عن القليل في الفم إذا لم يبتلعه كما رجحه ابن حجر اهـ. قلت: واعتمد (م ر) عدم العفو عن ذلك في الصلاة مطلقاً كبقية دم المنافذ، أما في الصوم فلا يضر إبقاؤه في الفم مطلقاً اتفاقاً حتى يبتلعه بشرطه، وفي التحفة، وباعشن: ولنا وجه بالعفو عنه أي الريق المختلط بدم اللثة مطلقاً إذا كان صافياً، زاد باعشن: وفي تنجس الريق به إشكال لأنه نجس عم اختلاطه بمائع، وما كان كذلك لا ينجس ملاقيه، كما في الدم على اللحم إذا وضع في الماء للطبخ فإن الدم لا ينجس الماء اهـ.

(مسألة: ك): يعفى عن دم اللثة الذي يجري دائماً أو غالباً، ولا يكلف غسل فيه للمشقة، بخلاف ما لو احتاج للقيء بقول طبيب فالذي يظهر الفطر بذلك نظير إخراج الذبابة، ولو ابتلي بدود في باطنه فأخرجه بنحو أصبعه لم يفطر إن تعين طريقاً قياساً على إدخاله الباسور به.

(مسألة): حاصل ما ذكره في التحفة في مقعدة المبسور أنه لا يفطر بعودها، وإن أعادها بنحو أصبعه اضطراراً، ولا يجب غسل ما عليها من القذر على المعتمد، وأفتى محمد صاح بأنه لو تغوّط فخرج شيء إلى حد الظاهر ثم عاد من غير اختيار لنحو يبوسة الخارج ولم يمكنه قطعه لم يفطر قياساً على ما ذكر.

[فائدة]: لا يضر وصول الريح بالشم، وكذا من الفم كرائحة البخور أو غيره إلى الجوف وإن تعمده لأنه ليس عيناً، وخرج به ما فيه عين كرائحة النتن، يعني التنباك لعن الله من أحدثه لأنه من البدع القبيحة فيفطر به، وقد أفتى به زي بعد أن أفتى أوّلاً بعدم الفطر قبل أن يراه اهـ ش ق. وقال بخ: لو وصل ماء الغسل إلى الصماخين بسبب الانغماس، فإن كان من عادته المتكررة وصول الماء إلى باطن الأذن بذلك أفطر وإلا فلا، ولا فرق بين الغسل الواجب والمندوب لاشتراكهما في الطلب بخلافه من غسل تبرد وتنظيف لتولده من غير مأمور به اهـ.

[فائدة]: قال الشوبري: محل الإفطار بوصول العين إذا كانت من غير ثمار الجنة جعلنا الله من أهلها، أما هي فلا يفطر بها اهـ. ولو رأى صائماً أراد أن يشرب مثلاً، فإن كان حاله التقوى وعدم مباشرة المحرمات فالأولى تنبيهه، وإن كان غالب حاله ضد ذلك وجب نهيه قاله الحباني، اهـ مجموعة بازرعة اختصار فتاوى ابن حجر.

(مسألة: ج): شرب شخص بعد أذان المؤذن الصبح ظاناً غلط المؤذن لم يحكم ببطلان صومه، إذ الأصل بقاء الليل غاية الأمر أن المؤذن المذكور مجتهد ولا يجب الأخذ بقوله، نعم إن أخبره عدل بطلوعه بمشاهدة لزمه الأخذ بقوله إن لم يعارضه ظن قوي أو أقوى.
(مسألة: ب): المرض الذي لا يرجى برؤه المبيح لنحو الفطر عام في جميع الأمراض مطلقاً، نعم قد تفترق أنواع المرض بالنسبة للأحكام كمن به فالج وأمكنه الصوم دون القيام في الصلاة، أو مرض لا يمكنه معه الصوم ويمكنه الصلاة قائماً فيلزمه الممكن منهما، ولا يثبت المرض المذكور إلا بقول طبيب، نعم إن قطعت العادة بأن هذا لا يرجى برؤه بالتواتر والتجربة كالسل والدق والفالج عمل بمقتضاه وإن برىء بعد، وقد يكون المرض مخوفاً ويرجى برؤه كالحمى المطبقة والغب، وقد يعكس كالسل، وقد يجتمعان كالدق فلا تلازم حينئذ، وإذا وجب المد لم تلزم الفورية في إخراجه، كما صرح به ابن حجر في الإتحاف، قال: ولا يستقر بذمة العاجز حالاً، وقال (م ر) والخطيب: يستقر ولو قدر على الصوم بعد لم يلزمه، وتجب النية في إخراج المدّ على المخرج ولو عن الميت.

(مسألة): المرض المبيح للفطر في رمضان نوعان، ما يرجى برؤه فواجبه القضاء إن تمكن منه كالمسافر ونحو الحامل، فإن لم يتمكن فلا قضاء ولا فدية، وما يرجى برؤه وهو كما في النهاية كل عاجز عن صوم واجب، سواء رمضان وغيره لكبر أو زمانة، أو مرض لا يرجى برؤه أو مشقة شديدة تلحقه، قال (ع ش): ولم يبين هنا المشقة المبيحة للفدية، وقياس ما مر في المرض أنها المبيحة للتيمم اهـ. فهذا في حقه الفدية واجبة ابتداء لا الصوم، فلو قدر عليه بعد لم يلزمه بل لا يجزئه كما قاله أبو مخرمة، نعم لو تكلفه حال أدائه أجزأه، وفي ع ش عند قول (م ر): من فاته شيء من رمضان أو غيره فمات قبل التمكن فلا تدارك ولا قضاء، هذا يخالف ما يأتي من أنه من أفطر لمرض لا يرجى يرؤه، أو زمانة وجب عليه قدّ، وقد يجاب بأن ما يأتي فيمن لا يرجو البرء وههنا خلافه، وفي بج على الإقناع قوله بأن استمر مرضه أي المرجو برؤه حتى مات فلا فدية، وحينئذ فلا منافاة بين ما هنا وما يأتي أن المريض يفطر ويطعم عن كل يوم مداً إذ ذاك في المريض غير المرجو برؤه، فهو مخاطب بالفدية ابتداء، وأما المريض المذكور هنا فهو مخاطب بالصوم ابتداء، وإنما جاز له الفطر لعجزه، فإذا مات قبل التمكن فلا تدارك عنه اهـ. إذا تأملت ذلك علمت أنه لو مرض شخص في رمضان مرضاً خفيفاً ثم اشتد به المرض حتى لا يرجى برؤه ثم مات في رمضان أو بعده قبل التمكن من القضاء لزم في تركته الفدية لأيام المرض الذي لا يرجى برؤه لا فيما يرجى برؤه لعدم تمكنه.

(مسألة): لا يجوز الفطر لنحو الحصاد وجذاذ النخل والحراث إلا إن اجتمعت فيه الشروط. وحاصلها كما يعلم من كلامهم ستة: أن لا يمكن تأخير العمل إلى شوّال، وأن يتعذر العمل ليلاً، أو لم يغنه ذلك فيؤدي إلى تلفه أو نقصه نقصاً لا يتغابن به، وأن يشق عليه الصوم مشقة لا تحتمل عادة بأن تبيح التيمم أو الجلوس في الفرض خلافاً لابن حجر، وأن ينوي ليلاً ويصحب صائماً فلا يفطر إلا عند وجود العذر، وأن ينوي الترخص بالفطر ليمتاز الفطر المباح عن غيره، كمريض أراد الفطر للمرض فلا بد أن ينوي بفطره الرخصة أيضاً، وأن لا يقصد ذلك العمل وتكليف نفسه لمحض الترخص بالفطر وإلا امتنع، كمسافر قصد بسفره مجرد الرخصة، فحيث وجدت هذه الشروط أبيح الفطر، سواء كان لنفسه أو لغيره وإن لم يتعين ووجد غيره، وإن فقد شرط أثم إثماً عظيماً ووجب نهيه وتعزيره لما ورد أن: "من أفطر يوماً من رمضان بغير عذر لم يغنه عنه صوم الدهر".

[فائدة]: يسنّ لمن لم يفطر على تمر أن يفطر على الماء، وكونه ماء زمزم أولى، وبعده الحلو وهو ما لم تمسه النار كالزبيب والعسل واللبن وهو أفضل من العسل، واللحم أفضل منهما، ثم الحلوى المعمولة بالنار، ولذلك قال بعضهم
:
فمن رطب فالبسر فالتمر زمزم ** فماء فحلو ثم حلوى لك الفطر

اهـ باجوري. وقال عبد الرحمن الخياري في حديث: "من فطر صائماً فله مثل أجره" هل المراد إن كان له أجر أو مطلقاً حتى لو بطل أجر الصائم لغارض وقع للمفطر بتقدير أن للصائم أجراً، تردد فيه ابن حجر والظاهر الثاني اهـ.
[فائدة]: ذكر بعضهم ضابطاً لليلة القدر على القول بأنها تنتقل، ونظمها عبد المعطي أو ق ل فقال:

يا سائلي عن ليلة القدر التي ** في عشر رمضان الأخير حلت
فإنها في مفردات العشر ** تعرف من يوم ابتداء الشهر
فبالأحد والأربعا فالتاسعة ** وجمعة مع الثلاثا السابعه
وإن بدا الخميس فهي الخامسة ** وإن بدا بالسبت فهي الثالثة
وإن بدا الاثنين فهي الحادي ** هذا عن الصوفية الزهاد

وظاهر كلام الباجوري على هذا القول أنها تكون ليلة الجمعة الكائنة في أوتار الشهر بعد النصف.

صوم التطوّع

(مسألة): يسن صوم عرفة لغير حاج ومسافر، نعم إن أخر الوقوف إلى الليل سنّ صومه كما في التحفة، ومحل ندبه حيث لم يحصل شك في كونه تاسعاً أو عاشراً، وإلا حرم صومه ولو عن قضاء وكفارة كما اعتمده (م ر) واعتمد الجوجري جواز صومه حينئذ قاله الباجوري، وفي فتاوى أبي مخرمة مسألة: تحدّث الناس برؤية ذي الحجة أو شهد به من لا يقبل سنّ صوم التاسع ولا نظر لاحتمال أنه عاشراهـ.

(مسألة: ك): ظاهر حديث: "وأتبعه ستاً من شوّال" وغيره من الأحاديث عدم حصول الست إذا نواها مع قضاء رمضان، لكن صرح ابن حجر بحصول أصل الثواب لإكماله إذا نواها كغيرها من عرفة وعاشوراء، بل رجح (م ر) حصول أصل ثواب سائر التطوعات مع الفرض وإن لم ينوها، ما لم يصرفه عنها صارف، كأن قضى رمضان في شوّال، وقصد قضاء الست من ذي القعدة، ويسنّ صوم الست وإن أفطر رمضان اهـ. قلت: واعتمد أبو مخرمة تبعاً للسمهودي عدم حصول واحد منهما إذا نواهما معاً، كما لو نوى الظهر وسنتها، بل رجح أبو مخرمة عدم صحة صوم الست لمن عليه قضاء رمضان مطلقاً.

[فائدة]: رجح في التحفة كالقلائد وأبي مخرمة ندب قضاء عاشوراء وغيره من الصوم الراتب إذا فاته تبعاً لجماعة وخلافاً لآخرين، وفي التحفة أيضاً ظاهر كلامهم أنه لو وافق يوماً يسنّ صومه كالاثنين والخميس لمن اعتاد صوم يوم وفطر يوم يكون فطره فيه أفضل ليتم له صوم يوم وفطره الذي هو أفضل من صوم الدهر، لكن بحث بعضهم أن صومه لهما أفضل اهـ.
(فرع): لو وافق أيام الزفاف صوم تطوع معتاد ندب الفطر لأنها أيام بطالة كأيام التشريق اهـ سم وب ر.
[فائدة]: نظم بعضهم ما يطلب يوم عاشوراء فقال:

بعاشورا عليك بالاكتحال ** وصوم والصلاة والاغتسال
زيارة صالح وسؤال ربّ ** وعد مرضى ووسع للعيال
تصدق واقرأ الإخلاص ألفاً ** على رأس اليتيم المسح تالي
وأعظم آية فاقرأ مئينا ** ثلاثاً بعد ستين توالي
وإحياء لليلته وشيع ** لميت فالتزم فعل الخصال

[فائدة]: يكره إفراد الجمعة والسبت والأحد بصوم، وخرج به جمع اثنين منها ولو الجمعة مع الأحد كجمع أحدهما مع آخر اهـ ش ق.
(مسألة): نذر الاعتكاف وأطلق كفاه زيادة على الطمأنينة، فلو أطاله كان الكل فرضاً، يعني يثاب عليه ثواب الفرض، قاله ع ش فارقاً بينه وبين إطالة نحو الركوع ومسح جميع الرأس، بأن هذين خوطب فيهما بقدر معلوم وهو الطمأنينة وبعض شعره، فما زاد عليهما متميز يثاب عليه ثواب المندوب، وما هنا خوطب فيه بالاعتكاف المطلق، وهو كما يتحقق في اليسير يتحقق فيما زاد، ونظر باعشن في ذلك ورجح هو والشبشيري وغيرهما أن الثلاثة المذكورة ونظائرها من كل ما يتجزأ على حد سواء يثاب على الأقل ثواب الواجب، وما زاد ثواب المندوب، كما نص عليه في مسح الرأس وغيره، ولم يستثن إلا بغير الزكاة عن دون خمس وعشرين، وعلى مرجح ع ش لو خرج من المسجد بنية العود وعاد أثيب بعوده ثواب الواجب أيضاً، إذ النية الأولى لم تنقطع.

[فائدة]: نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريق ساعاته من أيام، بل يلزمه الدخول فيه قبل الفجر، بحيث تقارن نيته أوّل الفجر ويخرج منه بعد الغروب، فلو دخل الظهر ومكث إلى الظهر ولم يخرج ليلاً لم يجزه كما رجحاه وإن نوزعا فيه اهـ إمداد وتحفة. واعتمد الخطيب و (م ر): الإجزاء، ولو نذر يوماً معيناً ففاته أجزأ عنه ليلة، كما قاله في شرح المنهج والتحفة والنهاية والمغني والإمداد.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية