الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

مبحث الهدي والحج عن الغير

مبحث الهدي والحج عن الغير

مبحث الهدي والحج عن الغير
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

مبحث الهدي

تعريفه

* هو ما يهدي من النعم للحرم، ويكون من الإبل والبقر والغنم، وهي على هذه الترتيب في الأفضلية: الإبل، ويليها البقر، ثم الغنم، ولا يجزئ من الإبل إلا ما أكمل خمس سنوات ودخل في السادسة، ولا يجزئ من البقر إلا ما له سنتان كاملتان - ودخل في الثالثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: لا يجزئ من البقر إلا ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة دخولاً ما، ولو بيوم)، أما ما يجزئ من الغنم ضأناً ومعزاً، ففيه تفصيل المذاهب المذكور تحت الخط (الشافعية قالوا: يجزئ من الضأن الجذع، وهو ما له سنة كاملة على الأصح، أو ماله ستة أشهر إذا سقطت مقدم أسنانه، ومن المعز المثنى، وهو ما له سنتان.
الشافعية قالوا: يجزئ من الضأن ما أكمل سنة ودخل في الثانية دخولاً ما، ولو بيوم، ومن المعز ما أكمل سنة، ودخل في الثانية دخولاً بيناً بشهر ونحوه.
الحنابلة قالوا: يجزئ من الضأن ما له ستة أشهر، ومن المعز ما له سنة واحدة.
الحنفية قالوا: لا يجزئ من الغنم إلا ما له سنة كاملة، سواء كان من الضأن أو من المعز، إلا إذا كان الضأن سميناً، فإنه يجزئ منه ما زاد عن نصف سنة إذا كان لا يفرق بينه وبين ما له سنة لسمنه).

أقسام الهدي

* ينقسم الهدي إلى ثلاثة أقسام: الأول: واجب لعمل في الحج والعمرة، كهدي التمتع والقران ويسميه الحنفية دم شكر، وكالهدي اللازم لترك واجب من الواجبات، كما تقدم، والثاني: منذور وهو واجب أيضاً لكن بالنذر، الثالث: تطوع، وهو ما تبرع به المحرم.

وقت ذبح الهدي ومكانه

* وفي وقت ذبح الهدي ومكانه تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط

وقت ذبح الهدي ومكانه عند الحنابلة

(الحنابلة قالوا: ابتداء وقت ذبح الهدي بجميع أنواعه يوم العيد بعد الصلاة، ولو قبل الخطبة، والأفضل أن يكون بعدها. وآخره آخر اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو الثالث من يوم النحر؛ فأيام النحر ثلاثة: يوم العيد، وتاليه، ويكره ذبحه ليلة الثاني والثالث من أيام العيد، والأفضل ذبحه في اليوم الأول، وإن ذبح قبل وقته لم يجزئه ووجب عليه بدله وإن فات وقته، فإن كان تطوعاً سقط عنه، وإن كان واجباً ذبحه قضاء؛ وأما مكان ذبحه فهو الحرم، فيجزئ نحره في أي ناحية منه، إلا أن الأفضل للمعتمر أن ينحره عند المروة، وللحاج أن ينحره بمنى، فإن نحره في غير الحرم فلا يجزئ إلا إذا عطب قبل الوصول، فينحره في مكان عطبه.

وقت ذبح الهدي ومكانه عند الحنفية

الحنفية قالوا: تتعين أيام النحر الثلاثة: يوم العيد، وتاليه، لذبح هدي القران والتمتع؛ ويكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة؛ كما تقدم، فإن ذبح قبل أيام النحر لم يجزئه وإن ذبح بعدها أجزأه، وعليه هدي لتأخير الذبح عن أيام النحر، أما غير هدي القران والتمتع فلا يتقيد ذبحه بزمان، وأما مكان ذبح الهدي مطلقاً فهو الحرم، ويسن ذبحه بمنى إن كان الذبح في ايام النحر، وإن كان في غيرها فمكة أفضل، إلا البدنة المنذورة، فلا يتقيد ذبحها بالحرم.

وقت ذبح الهدي ومكانه عند الشافعية

الشافعية قالوا: يدخل وقت ذبح الهدي الواجب النذر، أو الهدي المندوب بمضي زمن يسع صلاة العيد، وخطبتين معدلتين بعد طلوع الشمس يوم العيد، ويمتد ذلك الوقت إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق، ويجوز ذبحه ليلاً ونهاراً في ذلك الوقت، إلا أنه يكره ذبحه ليلاً إلا لضرورة؛ كما إذا حضر مساكين محتاجون للأكل من الهدي ليلاً، فإن فات الوقت المذكور - بأن مضت أيام التشريق - لزمه ذبح الهدي قضاء إذا كان منذوراً، وإلا فات وقته فإذا ذبحه كان مجرد لحم لا هدياً؛ أما الهدي الواجب بسبب فعل محظور من أفعال الحج، فإن وقته يكون بعد وقوع سببه. إلا دم الفوات فإنه يكون في حجة القضاء، وأما الهدي الواجب على المتمتع فوقته إحرامه بالحج، ويجوز تقديمه على الإحرام بالحج إذا فرغ من عمرته، ولا آخر لوقته، والأفضل ذبحه يوم النحر. وأما مكان ذبحه فهو الحرم بالحج إذا فرغ من عمرته، ولا آخر لوقته. والأفضل ذبحه يوم النحر. وأما مكان ذبحه فهو الحرم فلا يجوز ذبحه بغيره، فحيث نحر الهدي أجزأه في أي جزء من أجزاء الحرم إلا أن السنة للمعتمر أن ينحره بمكة. لأنها موضع تحلله. والأفضل عند المروة. ومكان ذبح هدي المحصر هو المحل الذي أحصر فيه. والأفضل أن يبعثه إلى الحرم. والسنة للحاج أن ينحره بمنى، لأنها موضع تحلل الحاج.

وقت ذبح الهدي ومكانه عند المالكية

المالكية قالوا: ابتداء نحر الهدي يوم العيد، ويندب أن يكون بعد رمي جمرة العقبة. ويدخل وقت الرمي من طلوع فجر يوم النحر: ويندب تأخيره إلى أن تطلع الشمس. كما تقدم. في "مندوبات الحج" ويمتد وقته إلى آخر اليوم الثالث من أيام العيد. فأيام النحر ثلاثة: يوم العيد، وتاليه ولو فاتت هذه الأيام الثلاثة ذبحه أيضاً، وأما مكان ذبحه فهو منى. بشروط ثلاثة: الأول: أن يكون مسوقاً في إحرام الحج، الثاني: أن يقف بالهدي بعرفة جزءاً من ليلة يوم النحر أو يوقف الهدي بغير عرفة من الحل. كالتنعيم ويقوم وقوف نائبه به مقام وقوفه. الثالث: أن يريد نحره في يوم من الأيام الثلاثة السابقة، فإن انتفى شرط من هذه الشروط. كأن ساقه في حال إحرامه بالعمرة أو اشتراه من مكة. أو لم يقف به لا هو ولا نائبه بعرفة ليلة النحر، أو أراد نحره بعد الأيام الثلاثة، فمحل ذبحه مكة لا يجزئ ذبحه بغيرها. وكل نواحي مكة صالحة للذبح فيها. لكن الأفضل أن يكون عند المروة، ولو ذبح ما استوفى الشروط السابقة بمكة أجزأ مع الإثم لتركه الواجب، وهو ذبحه بمنى).

مبحث الأكل من الهدي ونحوه

* ويجوز لرب الهدي أن يأكل منه؛ على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط

أكل الهدي عند الحنفية

(الحنفية قالوا: هدي القران والتمتع، ويسمى هدي الشكر، كما تقدم؛ يندب لربه أن يأكل منه، كما يندب الأكل من هدي التطوع، إلا إذا عطب في الطريق؛ فذبحه قبل أن يبلغ محله فإن الواجب حينئذ تركه في محل عطبه مذبوحاً بعد أن يلطخ قلادته بدمه، ليعلم الفقراء أنه هدي تطوع؛. أما هدي النذر فلا يجوز الأكل منه، لأنه صدقة؛ فهو الحنفية قالوا: للفقراء. فإذا أكل ضمن منه قيمته؛ وهدي الكفارات، وهو ما وجب جبراً لنقص، ومثله هدي الإحصار لا يجوز الأكل منه أيضاً، فلو أكل ضمن القيمة، وحيث جاز له الأكل من الهدي، فيستحب أن يجعله أثلاثاً، فيأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، كالأضحية؛ ويتصدق المهدي بجلال الهدايا وعظامها وجلدها، ولا يعطي الجزار أجرته من لحمها؛ ولا يجوز لرب الهدي أن ينتفع بلبنه، فلو انتفع به ضمن قيمته للفقراء.

أكل الهدي عند المالكية

المالكية قالوا: ما يذبح في الحج أو العمرة من الهدايا وجزاء الصيد، وفدية الأذى بعضها يجوز لربه أن يأكل منه، وبعضها لا يجوز له الأكل منه، وهي بالنسبة لذلك تنقسم أربعة أقسام: القسم الأول: ما لا يجوز الأكل منه مطلقاً، أي سواء بلغ محل الذبح المعتاد - منى أو مكة، كما تقدم - سليماً ثم ذبح، أو حصل له عطب قبل بلوغ المحُل، فذبح في الطريق، وذلك القسم هو ثلاثة أشياء: الأول؛ النذر المعين المجعول للمساكين باللفظ أو النية، كأن يقول: هذا الحيوان نذر للّه علي للمساكين، أو يقول: هذا الحيوان نذر للّه علي ونوى أنه للمساكين، الثاني؛ هدي التطوع إذا جعله للمساكين، الثالث: فدية الأذى إذا لم ينو بها الهدي: فهذه الثلاثة يحرم على ربها الأكل منها مطلقاً، وإنما حرم عليه الأكل من النذر المعين الذي جعله للمساكين، لأنه بالتعيين لا يلزم بدله إذا عطب قبل بلوغ محله، فلذا جاز له الأكل منه إذا عطب قبل المحل؛ ولا يجوز له الأكل منه إذا وصل محله سالماً، لأنه جعل للمساكين، كما أن هدي التطوع نظراً لجعله للمساكين يحرم الأكل منه مطلقاً: وأما فدية الأذى إذا لم تجعل هدياً فهي عوض عن الترفيه الذي حصل للمحرم بإزالة الشعث ونحوه، فذلك لم يجز له الأكل منها:

القسم الثاني: ما يجوز الأكل منه إذا عطب قبل بلوغ الحل، ولا يجوز الأكل منه إذا بلغ المحل سالماً؛ وهذا القسم هو النذر غير المعين إذا جعله للمساكين، كأن يقول؛ للّه علي هدي للمساكين. وفدية الأذى إذا نوى بها الهدي؛ وجزاء الصيد، فهذه الثلاثة يجوز لربها الأكل منها إذا عطبت قبل المحل، لأن عليه بدلها؛ ولا يجوز الأكل منها إذا بلغت سالمة، لأنه حَق للمساكين بالنسبة إلى النذر، وبدل من الترفه بالنسبة إلى الفدية، وقيمة للصيد بالنسبة إلى الجزاء؛ القسم الثالث: ما لا يجوز الأكل منه قبل المحل، ويجوز الأكل منه بعده، وهو هدي التطوع والنذر المعين إذا لم يجعل كل منهما للمساكين، فلا يجوز الأكل منهما قبل المحل، لأنه لا يجب عليه بدلهما، فلو جاز له الأكل لاتهم بأنه هو الذي تسبب في عطبهما قبل أن يبلغا محل الذبح أو النحر ليأكل منهما، وأما بعد المحل فله أن يأكل منهما، لأنهما لم يعينا للمساكين،

القسم الرابع: ما يجوز لربه الأكل منه مطلقاً قبل المحل وبعده: وذلك هو ما عدا الأقسام الثلاثة المتقدمة، كالهدي الواجب عليه لترك واجب من واجبات الحج، والنذر غير المعين إذا لم يجعله للمساكين، وهدي القران والتمتع، فله أن يأكل من ذلك مطلقاً، وحيث جاز له الأكل، فله أن يتزود، ويطعم الغني والفقير، وإذا أكل رب الهدي من الممنوع أن يأكل منه، فإنه يضمن بدل ما أكله هدياً كاملاً، إلا إذا أكل من النذر المعين المجعول للمساكين، فإنه يضمن قدر ما أكله فقط على المعتمد، وحكم زمام الحيوان وجله، وهو ما يجعل على ظهره، حكم اللحم فما لا يجوز له الأكل منه لا يجوز له أخذ زمامه ولاجله، بل يدعه للفقراء، كاللحم، فإن أخذ شيئاً من ذلك رده للفقراء إن بقي، فإن أتلفه ضمن قيمته لهم، وما يجوز له الأكل من لحمه يجوز له أخذ زمامه وجله، ويكره الانتفاع بلبن الهدي بعد تقليده أو إشعاره، لأنه خرج قربة للّه تعالى بالتقليد أو الإشعار، ومحل الكراهة ما لم يضر أخذ اللبن بالفصيل، أو بأمه، وإلا كان حراماً، ويكره أيضاً ركون الهدي، والحمل عليه لغير ضرورة.

أكل الهدي عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: يندب للمهدي أن يأكل من هدي التطوع، ويهدي للغير منه، ويتصدق بأن يأكل الثلث: ويهدي أهله الثلث، ويعطي المساكين الثلث، كالأضحية، فإن أكل الكل ضمن للمساكين الثلث، أما الهدي الواجب فلا يجوز الأكل منه، سواء كان وجوبه بالنذر أو بالتعيين، بأن قال؛ هذا هدي، أو بتقليده أو بإشعاره، ويستثنى من ذلك هدي التمتع والقران، فإنه يجوز الأكل منه وإن كان واجباً، فإن أكل مما لا يجوز له الأكل منه ضمن مثله لحماً للمساكين، ويحرم على المهدي بيع جلود الهدايا وجلالها ولكن يجوز الانتفاع بها، كما يحرم إعطاء الجزار أجرته منها، ويجوز له أن ينتفع بلبنها، بشرط أن يكون فاضلاً عن أولادها، ويحرم شرب ما لم يفضل عنها وضمنه.

أكل الهدي عند الشافعية

الشافعية قالوا: لا يجوز للمهدي أن يبيع شيئاً من الهدي، سواء كان واجباً أو تطوعاً، ويجب ان يتصدق بجميع الهدي الواجب حتى جلده، ولا يجوز أخذ شيء منه، وإن كان تطوعاً جاز الانتفاع بجلده وادخار الشحم وبعض اللحم للأكل والهدية، ويجب أن يتصدق ببعض اللحم، ولو قليلاً، بشرط أن لا يكون، ؟؟هاً عرفاً، وأن يكون نيئاَ، فالذي يجوز الأكل منه هو هدي التطوع، والذي لا يجوز الأكل منه هو الهدي ؟؟جب).

ما يشترط في الهدي

* يشترط فيه أن يكون سليماً من العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية، فلا يجزئ الأعور، ولا الأعمى، ولا العجفاء: وهي الهزيلة التي لا مخ في عظامها، ولا العرجاء التي لا تسير بسير الصحيح من جنسها، ولا المريضة التي مرضها بين ونحو ذلك مما هو مبين في "مباحث الأضحية" الآتية.

إذا امتنع من الحج أو فاته ويقال له: الإحصار والفوات

الإحصار في اللغة المنع، وفي الشرع منع المحرم عن إتمام ما يوجبه الإحرام قبل أداء ركن النسك؛ والفوات هو أن يفوته الوقوف بعرفة، وفي أحكامها تفصيل المذاهب مذكور تحت الخط

(الحنفية قالوا: أسباب المنع من إتمام النسك تنقسم إلى شرعية وحسية: فالشرعية هي أن تفقد المرأة زوجها؛ أو محرمها بعد الدخول في الإحرام بموت أو طلاق، مثل ذلك ما إذا منعها زوجها من حج التطوع، وكذا إذا فقد نفقة، وكان لا يقدر على المشي، والحسية هي كأن يوجد عدو آدمي أو غيره يحول بين المحرم وبين المضي في النسك، أو يعرض له مرض أو حبس، وحكم الإحصار هو أن يبعث المحصر بالهدي أو بثمنه ليشتري به هدي يذبح عنه في الحرم، ولا يجوز له أن يتحلل حتى يذبح الهدي ويجب أن يتفق على يوم معين يذبح فيه الهدي ليكون على بينة منه، فلا يطول عليه الإحرام، ولو فعل شيئاً من محظورات الإحرام قبل ذبح الهدي، فإنه يجب عليه بسببه ما يجب على المحرم إذا لم يكن محصراً، وإن حل في يوم وعده على ظن أن الهدي قد ذبح ثم تبين أنه لم يذبح كان محرماً؛ وعليه دم لإحلاله قبل وقته. أما لو ذبح الهدي قبل يوم الوعد. فإنه يجوز. ولا يشترط في التحلل الحلق ولو حلق فحسن ثم إذا تحلل المحصر بالهدي فإن كان مفرداً بالحج فعليه قضاء حجة وعمرة من قابل إذا لم يرتفع الإحصار قبل فوات حج عامه. وإن كان مفرداً بالعمرة فعليه عمرة مكانها. وإن كان قارناً فإنما يتحلل بذبح هديين. وعليه عمرتان وحجة.

هذا إذا تحلل بالهدي. أما إذا تحلل بالعمرة فإن كان مفرداً فليس عليه سوى قضاء الحج فقط وإن كان قارناً فعليه حج وعمرة؛ وإذا زال الإحصار بعد أن بعث بالهدي فلا يخلو إما أن يتمكن من إدراك ما أحرم به. وإدراك الهدي معاً. أو يتمكن من إدراك أحدهما. أو لا يتمكن من إدراك شيء. فإن كان الأول لزمه أن يمضي في إتمام نسكه. وله أن يفعل بهديه ما يشاء. وإن كان الثاني. فإن كان متمكناً من إدراك الهدي فقط، فلا يلزم الذهاب لفوات المفصود، وله أن يتحلل بعمرة، وإن كان متمكناً من إدراك النسك جاز له أن يمضي في إتمامه، وجاز له أن يتحلل، وإن كان الثالث يتحلل، وله أن يتحلل بعمرة، ومن فاته الحج بأن وقف في غير زمان الوقوف فعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل، ويقضي من قابل، ولا دم عليه.

الحنابلة قالوا: إذا طلع فجر يوم النحر على من أحرم بالحج ولم يقف بعرفة في وقته لعذر أو لغير عذر فاته الحج في ذلك العام، وتحول إحرامه إلى عمرة إن لم يختر بقاؤه على إحرامه ليحج من العام القابل بذلك الإحرام؛ ولا تجزئ هذه العمرة التي انقلب إليها إحرامه عن عمرة الإسلام، وعلى من فاته الحج قضاء هذا الحج الفائت، ولو كان نفلاً: وعليه هدي من الفوات يؤخر ذبحه إلى حجة القضاء فإن عدم الهدي وقت الوجوب، وهو طلوع فجر يوم النحر صام كما يصوم المتمتع، ومن منع من الوصول إلى البيت الحرام، ويسمى محصراً، سواء منع بعد الوقوف بعرفة أو قبله، أو كان منعه في إحرام العمرة، وجب عليه ذبح هدي بنية التحلل، فإن لم يجده صام عشرة أيام بنية التحلل، وقد حل بذلك من إحرامه، ويباح التحلل من الإحرام لحاجة، كأن احتاج إلى بذل مال كثير لمسلم أو كافر، أو لقتال، أو بذل مال يسيرلكافر لا مسلم، ولا قضاء على من تحلل قبل فوات الحج، وكذلك من جن أو أغمي عليه، فإن لم يتحلل المحصر إلا بعد فوات الحج لزمه القضاء، ومن منع عن طواف الإفاضة وقد وقف بعرفة ورمى وحلق لم يتحلل حتى يطوف طواف الإفاضة، ويسعى إذا لم يكن سعى، وكذا لا يتحلل إن حصر عن السعي فقط، وذلك لأن الشرع جاء بالتحلل من إحرام تام يحرم جميع المحظورات: وهذا لا يحرم إلا النساء فقط، ومن حصر عن واجب أو رمي جمار لم يتحلل، وعليه دم لترك الواجب، كما لو تركه اختياراً، ومن كان محرماً بالحج ولم يتمكن من الوقوف بعرفة أو أمكنه الوصول إلى مكة تحلل بعمل عمرة، ولا شيء عليه، فإن كان من فاته الوقوف بعرفة وأحصر قد طاف وسعى قبل ذلك وجب أن يتحلل بطواف وسعي آخرين، ومن أحصر بمرض، أو بفقد نفقة، أو بعدم اهتدائه إلى الطريق بقي محرماً حتى يقدر على البيت الحرام، لأنه لا يستفيد بالتحلل انتقالاً من حال إلى أحسن منها، فإن فاته الحج تحلل بعمرة، ولا ينحر هدياً كان معه إلا بالحرم، فليس كمن حصره عدو، والصغير كالبالغ في جميع ما تقدم، ومن قال في أول إحرامه: نويت الإحرام بالسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فله أن يتحلل مجاناً في جميع ما تقدم ولا قضاء عليه.

الشافعية قالوا: إذا طلع فجر يوم النحر قبل حضور المحرم في جزء من أرض عرفة فاته الحج، ويجب به الدم على من كان محرماً بالحج فقط، أو كان قارناً، ويجب على من فاته الوقوف بعرفة أن يتحلل بعمل عمرة بأن يأتي بالأعمال الباقية من أعمال الحج غير الوقوف بنية التحلل، فيطوف ويسعى إن لم يكن سعى، ويسقط عنه بفوات الحج المبيت بمنى وبمزدلفة ورمي الجمار، ويحلق من غير نية العمرة، ولا تغني هذه العمرة عن عمرة الإسلام، وعليه القضاء فوراً من قابل، ولو فاته بعذر ولو كان الحج نفلاً، ولو كان غير مستطيع؛ ولو كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر، ويلزمه مع القضاء دم كدم التمتع، وقد تقدم، ولا يصح ذبحه في سنة الفوات، فإن كان قارناً وفاته الوقوف لزمه ثلاثة دماء: دم للفوات، ودم للقران، ودم له أيضاً في القضاء، وإن أفرد في القضاء لأنه التزم القران بالإحرام؛ أما لو نشأ الفوات عن حصر، كمن أحصر عن إتمام نسك من حج أو عمرة بعدوٍّ، أو حبس من أمير ونحوه ظلماً، أو بدّين لا يتمكن من أدائه، وليس له بينة تشهد بإعساره، ولم يغلب على ظنه انكشاف المانع في مدة يمكنه إدراك الحج فيها إن كان حاجاً، أو في ثلاثة أيام إن كام معتمراً، فإنه إذا أراد التحلل تحلل بالذبح؛ ثم الحلق بنية التحلل بهما إن كان واجداً للدم، وبالحلق فقط إن لم يجد دماً، ولا طعاماً لإعسار أو غيره بنية التحلل، والأولى للمحصر المعتمر الصبر عن التحلل، وكذا للحاج إن اتسع الوقت، وإلا فالأولى التعجيل لخوف الفوات، نعم يمتنع تحلله إن كان في الحج، وغلب على ظنه زوال الحصر في مدة يمكنه إدراك الحج بعدها، أو في العمرة وتيقن قرب زوال المانع في ثلاثة أيام، ومن الأعذار المجوزة للتحلل المرض. فإنه إن شرط التحلل بذلك عند ابتداء الإحرام. كأن قال في حال النية: إذا مرضت فأنا حلال، يصير حلالاً بمجرد المرض، وأما إن قال: إن مرضت تحللت فإن كان شرطه في تحلله الهدي تحلل بذبح، ثم حلق بنية التحلل فيهما، ونفاذ النفقة، ويذبح المحصر حيث أحصر ولو في غير الحرم، أو يرسل إلى الحرم ليذبح فيه لكنه لا يتحلل حتى يعلم بنحره؛ ولا يرسل الدم إلى غير الحرم، فلو أحصر في الحرم تعين الذبح فيه، ثم إن كان نسكه تطوعاً فلا قضاء عليه، وإن كان فرضاً بقي في ذمته على ما كان عليه من قبل، وإن أحصر ومنع من عرفة دون مكة وجب عليه دخولها، والتحلل بعمرة، وإن منع من مكة دون عرفة وقت وتحلل، ولا قضاء فيهما على الأظهر، والواجب بالإحصار شاة تجزئ في الأضحية؛ فإن عجز حساً أو شرعاً أخرج بقيمة الشاة طعاماً تجزئ في الفطرة، وفرقه على مساكين ذلك المحل، فإن عجز عنه صام عن كل مدّ يوماً، ولا تجب الفدية لعدم تعديه.

المالكية قالوا: الإحصار هو المنع من أداء النسك، كأن يمنع المعتمر من دخول مكة كما وقع عام الحديبية حين صد المشركون النبي صلى اللّه عليه وسلم ومنعوه من دخول مكة بعد أن أحرم بالعمرة، وكأن يمنع الحاج من الطواف بالبيت. أو السعي بين الصفا والمروة، أو من الوقوف بعرفة، أو من جميع ذلك سواء كان المنع ظلماً كأن يحول الكفار بين المسلمين وبين مكة، أو تقع فتنة بين المسلمين بعضهم مع بعض، فتتغلب الفئة الباغية وتحول بين الناس وبين الأرض المقدسة - مكة وما حواليها من مواطن النسك - أو كان المنع بحق، كأن يماطل المدين في أداء ما عليه من الدين مع القدرة عليه؛ فيحبس ليؤدي ما عليه، والفوات هو عدم أداء الحج بعدم التمكن من عرفة لمرض منعه من الوقوف بها، أو لخطأ أهل الموسم، كأن يقفوا في اليوم الثامن من ذي الحجة، ولم يعلموا خطأهم حتى مضى وقت الوقوف، وهو ليلة العاشر؛ كما سبق، ولا يتأتى فوات الحج إلا بذلك، لأن الحاج متى أدرك عرفة فقد أدرك الحج فإن ما يبقى بعد الوقوف من الطواف والسعي يصح في كل وقت، وليس له وقت معين من كان معتمراً ومنع عن مواضع النسك، أو كان محرماً بالحج ومنع من البيت الحرام وعرفة معاً؛ فإن كان المنع ظلماً فالأفضل له أن يتحلل من إحرامه بالنية، بأن ينوي الخروج من الإحرام، ومتى نوى ذلك صار حلالاً، فلا يحرم عليه مباشرة النساء، ولا التعرض للصيد، ولا التطيب؛ ولا غير ذلك مما يحرم على المحرم، ويسن للمتحلل أن يحلق، وإن كان معه هدي فينحره بمكانه الذي هو به إن لم يتيسر له بعثه بمكة؛ وإلا بعثه؛ وإن لم يكن معه هدي فلا يجب عليه، وقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} محمول على ما إذا كان الهدي مع المحصر من قبل، كأن ساقه تطوعاً، إنما يباح له التحلل بثلاثة شروط: الأول: أن لا يعلم المانع قبل الإحرام عند المنع، بل يتعين البقاء على إحرامه حتى يؤدي نسكه، ولو ثاني عام؛ لأنه داخل على ذلك، الثاني: أن ييأس من زوال المانع قبل فوات الحج، بأن يعلم أو يظن أنه لا يزول المانع قبل فوات الوقوف بعرفة، فإن لم ييأس انتظر لعله يزول، الثالث: أن يكون الوقت متسعاً لإدراك الحج عند الإحرام به، بحيث إذا لم يمنع يتأتى له إدراكه، أما إذا لم يتمكن من إدراك الوقوف على فرض عدم وجود المانع؛ ثم حصل المنع، فليس له أن يتحلل؛ لأنه داخل من أول الأمر على البقاء للعام القابل، وأما إذا كان المنع لحق، كأن يحبس المدين حتى يؤدي دينه، فإن كان قادراً على دفعه فلا يباح له التحلل، لأنه متمكن من التخلص والسير في نسكه فإذا لم يفعل فهو باق على إحرامه ما شاء اللّه، وإن كان عاجزاً عن دفعه فهو كالممنوع ظلماً، والأفضل له التحلل بالنية وله أن يبقى على إحرامه، ويكون قد خالف الأفضل،

ومن وقف بعرفة ومنع من البيت الحرام وما بعده من مواضع النسك: كمزدلفة، ومنى، ومكان السعي، فقد تم حجه، ولكن لا يحل من إحرامه حتى يطوف للإفاضة، ويسعى بعده إن لم يكن قدم سعيه عقب طواف القدوم، فإن بقي محصراً حتى فاته النزول بمزدلفة، ورمي الجمار والمبيت بمنى ليالي الرمي فعليه هدي واحد لفوات الجميع؛ وإن كان كل منهما واجباً مستقلاً، ولا فرق في هذا القسم بين أن يكون المنع حبساً أو غيره، وسواء كان الحبس ظلماً أو بحق؛ ويبقى على إحرامه حتى يتمم حجه؛ ولو بقي سنين، وأما من منع من عرفة لأي مانع كان، وكان متمكناً من البيت الحرام، فله أن يتحلل من إحرامه، وله البقاء إلى العام القابل، والأفضل له التحلل إن كان بعيداً عن مكة، فالبقاء على الإحرام خلاف الأولى، فإن كان قريباً من مكة، أو دخلها، كره له البقاء، ثم إن التحلل في هذا القسم يكون بفعل عمرة حيث لم يكن بعيداً عن مكة، فإن كان بعيداً منها تحلل بالنية، ولا يكلف فعل العمرة، ثم إذا تحلل بالعمرة وكان إحرامه بالحج أولاً من الحرم فعليه أن يخرج إلى الحل حال إحرامه بالعمرة، لأن كل إحرام يجب فيه الجمع بين الحل والحرم، ولا يسقط عن المحصر نسك الإسلام من حج أو عمرة، فلو منع من الحج أو العمرة ثم تحلل منهما فعليه القضاء بعد وجوباً في الحج، واستناناً في العمرة، وعليه هدي لأجل الفوات يؤخره إلى القضاء، وكذا لا يسقط عنه النذر الذي لم يعينه، بخلاف المعين، فلا يجب قضاؤه متى منع عن إتمامه لفوات وقته، ولو نوى حين الإحرام بالنسك التحلل منه إن حصل مانع، كما لو قال: اللّهم محلي حيث حبستني فلا ينفعه ذلك، ولا بد من التحلل عند حصول المانع بنية جديدة؛ أو بعمرة على التفصيل المتقدم، وإذا طلب المانع مالاً في مقابلة إخلاء الطريق جاز الدفع له؛ ولو كان كافراً، لأن ذل منع الحج أشد من ذل دفع المال؛ والمحصر المحرم بالحج متى رمى جمرة العقبة يوم النحر حل له كل شيء مما كان محظوراً في الإحرام، إلا قربان النساء والتعرض للصيد، فيحرمان، وإلا من الطيب، فيكره وهذا هو التحلل الأصغر، أما الأكبر الذي يحل به كل شيء حتى النساء والصيد، فيحصل بطواف الإفاضة؛ إن كان قدم السعي عقب طواف القدوم، وإلا فلا يتحلل إلا بعد السعي عقب الإفاضة فمتى أفاض وسعى حل له كل شيء إن كان قد حلق ورمى جمرة العقبة، أو فات وقتها، وهو يوم النحر؛ فإن وطئ قبل الحلق أو الرمي، فعليه دم؛ وإن صاد فلا شيء عليه، وإن فعل غير ذلك لا شيء عليه أيضاً).

مبحث الحج عن الغير

* تنقسم العبادات إلى ثلاثة أقسام: بدنية محضة: كالصلاة، والصوم، فإن القصد من كل منهما التذلل والخضوع للّه سبحانه وتعالى بالنفس، ولا دخل للمال فيهما، ومالية محضة: كالزكاة، والصدقة؛ فإن القصد منهما نفع المتصدق عليهم بالمال، ومركبة منهما: كالحج؛ فإن فيه الخضوع للّه تعالى بالطواف والسعي وغيرهما من الأعمال، وفيه أيضاً إنفاق المال في هذا السبيل، أما القسم الأول فلا يقبل النيابة مطلقاً، فلا يجوز للمرء أن يستنيب من يصلي عنه أو يصوم، ولو فعل ذلك فلا ينفعه، وأما القسم الثاني فيقبل النيابة، فيجوز لمالك المال أن يوكل من يخرج عنه زكاة ماله، أو يدفع صدقة للغير، وأما القسم الثالث - وهو الحج - ففي كونه يقبل النيابة أو لا يقبلها تفصيل المذاهب، فانظر مذاهبهم تحت الخط

الحج عن الغير عند المالكية

(المالكية قالوا: الحج وإن كان عبادة مركبة من بدنية ومالية؛ لكنه غلب فيه جانب البدنية، فلا يقبل النيابة، فمن كان عليه حجة الإسلام، وهي حجة الفريضة، فلا يجوز له أن ينيب من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً ترجى صحته، ولو استأجر من يحج عنه حجة الفريضة كانت الإجارة فاسدة، وإذا حج الأجير وأتم عمله كان له أجرة المثل؛ أما إذا لم يتم عمله بأن فسخ الحاكم الإجارة حين الاطلاع عليها فلا شيء له من الأجرة أصلاً، ومن استأجر غيره للحج عنه تطوعاً، كالمريض الذي لا يرجى برؤه وكمن حج حجة الإسلام فإن الإجارة مكروهة لكنها تصح، ومثل ذلك الاستئجار على العمرة فتكون الإجاربة مكروهة وتصح لأن العمرة سنة لا فرض، ومن ع جز عن الحج بنفسه، ولم يقدر عليه في أي عام من حياته، فقد سقط عنه الحج بتاتاً، ولا يلزمه استئجار من يحج عنه إذا كان قادراً على دفع الأجرة، وإذا استأجر الشخص من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً.

وسواء كان الحج الذي استأجر عليه فرضاً أو نفلاً؛ فلا يكتب له أصلاً، بل يقع الحج نفلاً للأجير وإنما يكون للمستأجر ثواب مساعدة الأجير على الحج، وبركة الدعاء الذي يدعو به، كما أنه إذا أوصى الشخص قبل موته بالحج عنه، وحج عنه بعد الموت، أو فعلت ذلك ورثته بدون إيصاء منه؛ بأن استأجروا له بعد موته من يحج عنه؛ فإنه لا يكتب للميت أصلاً؛ لا فرضاً، ولا نفلاً. ولا يسقط به عنه حجة الإسلام إذا كان لم يؤدها حال حياته، وهو مستطيع قادر عليها، وإنما يكون للميت ثواب مساعدة الأجير على الحج، كما تقدم، وتكره الوصية بالحج، ولكن يجب على الورثة بعد موت الموصي أن ينفذوها من ثلث التركة إذا لم يعارضها وصية أخرى غير مكروهة، بحيث لا يسع ثلث التركة إلا إحدى الوصيتين فتقدم الوصية الأخرى في التنفيذ؛ وتلغى الوصية بالحج، مثال ذلك: أو يوصي بالحج عنه، ويوصي بخمسين جنيهاً للفقراء، وكانت أجرة الحج عنه خمسين جنيهاً، وثلث التركة خمسين جنيهاً ففي هذه الحالة لا يسع الثلث إلا إحدة الوصيتين - الحج عنه، والصرف على الفقراء - فيصرف ثلث التركة للفقراء، وتلغى الوصية بالحج، سواء كان الموصى عليه حجة الإسلام أو لا، على الراجح، ومتى لم يعارض الوصية بالحج وصية أخرى، فإن الوصية بالحج تنفذ، كما تقدم ويستأجر للميت من يحج عنه من بلده الذي مات فيه إذا لم يعين الميت مكاناً غيره، فإن عين مكاناً غيره، كأن قال: حجوا عني من مكة، تعين اتباع شرطه، فيستأجر له من مكة من يحج عنه، ولا يستأجر له من بلده الذي مات فيه،

فإن كان ثلث التركة لا يسع الحج مما عينه، أو من بلده عند عدم التعيين وكان يحتمل الحج به من مكان آخر حج عنه من الممكن تنفيذاً للوصية بقدر الإمكان، ومثل ذلك ما إذا عين مقداراً من المال للحج عنه كثلاثين جنيهاً، وكان الحج بها غير ممكن من بلده الذي مات فيه، أو من المكان الذي عينه، فإنه يحج به من أي بلد يمكن الاستئجار منها بقدر الإمكان، وإذا كان ثلث التركة أو المال الذي عينه المتوفى للحج عنه يسع أكثر من حجة واحدة، فإنه يحج عنه مرة واحدة والباقي من الثلث أو المال المعين يكون ميراثاً، إلا إذا قال: حجوا عني بالثلث أو بهذا المبلغ، كمائة جنيه، فإنه يلزم الورثة أو يستأجروا أشخاصاً يحجون عنه كر واحد حجة بقدر ما يسع الثلث أو المال المخصص للحج، فإذا وسع ما ذكر حجتين استأجر الورثة شخصين يحج كل منهما عن الميت. ويكون ذلك كله في عام واحد على الراجح، فإن بقي بعد الحجتين مقدار لا يسع حجة صار ميراثاً، وهكذا الحكم لو وسع الثلث أو المال المعين للحج ثلاث حجج أو أكثر.

الحج عن الغير عند الحنفية

الحنفية قالوا: الحج مما يقبل النيابة، فمن عجز عن الحج بنفسه وجب عليه أن يستنيب غير ليحج عنه، ويصح عنه بشروط: منها أن يكون عجزه مستمراً إلى الموت عادة؛ كالمريض الذي يرجى برؤه، وكالأعمى والزَّمن، ومتى كان عاجزاً بحيث لا يرجو القدرة على الحج إلى الموت، أنا من يحج عنه وحج عنه النائب فقط سقط الفرض عنه ولو زال عذره وقدر على الحج بعد، المريض الذي يرجى برؤه، والمحبوس فإنه إذا أناب عنه الغير فحج عنه ثم زال عذره بعد، فإن ذلك لا يسقط فرض الحج، ومنها نية الحج عن الأمر، فيقول: أحرمت عن فلان، ولبيت عن فلان؛ وكذا نية القلب. فلو نوى النائب الحج عن نفسه، فلا يجزئ عن المنيب، ومنها أن يكون أكثر النفقة من مال المحجوج عنه، فلو تبرع شخص بالحج عن غيره من ماله، فلا يجزئه ذلك إن كان قد أوصى بالحج عنه، أما إذا لم يوص، وتبرع أحد الورثة أو غيرهم، فإنه يرجى قبول حجهم عنه إن شاء اللّه تعالى، وأما إذا خلط شخص ماله بمال المحجوج عنه، ثم حج، فإنه يجزئ المحجوج عنه، ثم إذا كان المال المدفوع إليه من المحجوج عنه أقل من النفقة عليه رجع بباقي النفقة عليه، ومنها عدم استراط الأجرة للنائب، بل يتكفل بأن ينفق عليه نفقة المثل، فإذا دفع إليه نفقة ليصرفها في الحج عنه، ثم بقيت منها بقية، فعليه أن يردها للمحجوج عنه إلا إذا تبرع له، أو تبرع الورثة، وكانوا أهلاً للتبرع، بأن كانوا راشدين:

أما إذا اشترط الأجرة للنائب، كأن يقول: استأجرك للحج عني بكذا، فإن حجة لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار للحج عني بكذا، فإن حجه لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار على بقية الطاعات، إلا ما استثني للضرورة، كتعليم العلم والأذان والإمامة، ومنها عدم مخالفة ما شرطه المستنيب، فلو أمر بالإفراد، فحج عنه الغائب قارناً أو متمتعاً لم يقع عنه ويضمن النفقة التي صرفت له، أو لو أمره بالعمرة فنفذ أمره واعتمر عنه، ثم حج عن نفسه، أو أمره بالحج فحج عنه، ثم اعتمر عن نفسه، فإن ذلك يجوز، وتجزئ العمرة في الصورة الأولى، والحج في الصورة الثانية عن المستنيب، إلا أن نفقة إقامته للحج عن نفسه في الأولى؛ والعمرة عن نفسه في الثانية تلزمه في ماله؛ فإذا فرغ من العمل المختص به عادت النفقة في مال المستنيب، فلو قدم عمل نفسه على عمل المستنيب، كأن يأمره بالحج عنه، فيعتمر عن نفسه أولاً، ثم يحج عن المستنيب بعد ذلك، فإنه لا يصح، ويضمن النفقة كلها في ماله،

ومنها أن يحرم بحجة واحدة، فلو أحرمبحجة عن الأمر، ثم بأخرى عن نفسه لم يجز، ولا يجزئ عن الأمر إلا إن رفض الثانية، ولو أمره رجلان كل منهما بالحج عنه، فأحرم لهما معاً لم يصح، وضمن النفقة لكل منهما، ومنها أن يكون كل من الأمر والمأمور مسلماً عاقلاً، فلا يصح الحج عن الكافر، ولا عن المجنون، إلا إذا كان جنونه طارئاً بعد أن وجب عليه الحج، فيصح الإحجاج عنه، ومنها أن يكون النائب مميزاً، فلا يصح أن يحج عن الغير صبي غير مميز. أما المراهق فإنه يصح أ يحج عن الغير، كما يصح حج المرأة والعبد عن غيرهما، وكذلك من لم يؤد فريضة الحج عن نفسه؛وهذه الشروط كلها في الحج عن الغير إذا كان فرضاً، أما الحج عن الغير نفلاً، فإنه لا يشترط في صحته إلا الإسلام والعقل فيهما - المستنيب والنائب - وتمييز النائب وعدم الاستئجار.
هذا؛ وإذا فعل المأمور ما يفسد الحج، فإن كان ذلك قبل الوقوف بعرفة فإنه يضمن المال للمنيب، وإن كان ذلك بعد الوقوف فلا يضمن، لأنه أدى الركن الأعظم - وهو الوقوف - وكل كفارة جنابة تجب على المأمور، لأنه سببها؛ وأما هدي الإحصار فعلى المنيب. لأنه الإحصار لا اختيار للمأمور فيه، ومن أوصى بأن يحج عنه بعد موته، فإن عين مالاً ومكاناً وجب تنفيذ وصيته على ما عين، وإن لم يعين وجب أن يحج عنه من بلده إن كان ثلث ماله يكفي، فإن لم يكف وجب أن يحج عنه من المكان الذي يكفي منه المال، فإن لم يكف أصلاً بطلت وصيته، وإن كان الثلث يكفي لأكثر من حجة، فإن عين حجة واحدة فالباقي للورثة، وإلا حج به كله في سنة واحدة حججاً متعددة، هذا أفضل من أن يحج حججاً متعددة في سنين متعددة.

الحج عن الغير عند الشافعية

الشافعية قالوا: الحج من الأعمال التي تقبل النيابة فيجب على من عجز عن الحج أن ينيب غيره ليحج بدله إما باستئجاره لذلك، أو بالإنفاق عليه، والعجز إما أن يكون لعاهة أو كبر سن أو مرض لا يرجى برؤه بقول طبيبين عدلين، أو بمعرفته هو إن كان عارفاً بالطب، وحد العجز أن يكون على حالة لا يستطيع معها أن يثبت على راحلته إلا بمشقة شديدة لا تحتمل عادة؛ وأيس من المقدرة، ثم أو وجوب الإنابة تارة يكون على الفور، وذلك إذا عجز بعد الوجوب والتمكن من الحج، وتارة يكون على التراخي، وذلك إذا عجز قبل الوجوب أو معه أو بعده، وكان غير متمكن من الأداء، ويشترط في العاجز أن يكون بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فإن كان بينه وبين مكة أقل من مرحلتين، أو كان بمكة فلا تجوز له الإنابة، بل يلزمه أن يباشر النسك بنفسه لاحتماله المشقة حينئذ، فإن عجز عن مباشرة الحج بنفسه في هذه الحالة يحج عنه الغير بعد موته من تركته، إلا إذا أنهك المرض قواه، وصار في حالة لا يحتمل معها الحركة، فإن الإنابة تجوز عنه حينئذ، ويشترط أيضاً أن يكون النائب قد أدى فرضه، فلا تجوز إنابة من لم يحج حجة الفرض، وأن يكون ثقة عدلاً،

ويشترط لصحة عقد الاستئجار على الحج والعمرة معرفة العاقدين أعمال الحج فرضاً ونفلاً؛ حتى لو ترك النائب شيئاً من سنن الحج سقط من الأجرة بقدره، وكذلك يشترط لصحة الإجارة أن يكون الأجير قادراً على الشروع في العمل؛ فلا يصح استئجار من لم يمكنه الشروع بعذر ما، ولا يشترط ذكر الميقات؛ نعم يجب على الأجير أن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه أو إلى مثل مسافته إذا عينوا ميقاتاً ليحرم منه. وإذا لم يعينوا ميقاتاً فيجوز للأجير أن يحرم من ميقات غير ميقات المحجوج عنه؛ ولو كان أقصر مسافة منه، ولا يشترط معرفة من استؤجر عنه، ويشترط أن ينوؤ عمن استؤجر عنه؛ وإذا برأ العاجز بعد حج النائب عنه لزمه أن يحج عن نفسه بعد شفائه، لتبين فساد الإجارة، ووقع الحج للنائب، ولا أجرة له؛ بل يسترد منه ما أخذه، وكما تكون الإنابة في الحج عن الأحياء كذلك تكون عن الأموات، فيجب على وصي الميت، فوارثه فالحاكم أن ينيب عنه من يفعله من تركته فوراً؛ فإن لم تكن له تركة، فلا تجب الإنابة، بل يسن للوارث أو الأجنبي - وإن لم يأذن له الوارث - أن يؤديه عنه بنفسه أو بالإنابة،

ويشترط أن يكون الميت غير مرتد، وأن يكون الحج والعمرة واجبين عليه ولو بالنذر فإذا لم يكونا واجبين عليه فلا يحج عنه من تركته، لكن للغير الحج والإحجاج عنه، وإن لم يكن مخاطباً به حال حياته.
هذا كله فيمن لم يحج أصلاً، وأما من أدى الحجة المفروضة ويراد الحج عنه تطوعاً، فلا يجوز الحج والعمرة عنه إلا إذا أوصى به، وإذا أفسد النائب الحج لزمه قضاؤه عن نفسه، ويقع القضاء له، ويلزمه رد ما أخذه من المستأجر له، أو يأتي بالحج عن المنيب في عام آخر غير العام الذي يقضي فيه الحج عن نفسه، أو يستنيب من يحج عنه في ذلك العام.

الحج عن الغير عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: الحج يقبل النيابة وكذلك العمرة، فإذا عجز من وجبا عليه عن أدائهما وجب عليه أن ينيب من يؤديهما عنه وجوباً فورياً، وأساب العجز كبر السن، والعاهة، والمرض الذي لا يرجى برؤه، وثقل الجسم الذي لا يقدر المرء أن يركب معه الراحلة إلا بمشقة شديدة، والهزال الذي لا يستطيع أن يثبت معه على الراحلة إلا بمشقة لا تحتمل بحسب العادة، ومن ذلك ما إذا لم تجد المرأة محرماً تحج معه، ولا يشترط في النائب أن يكون رجلاً، بل تجزئ إنابة المرأة أيضاً، وإذا عوفي العاجز وقدر على الحج أو العمرة بنفسه، فلا يلزم بأدائهما مرة أخرى، سواء كانت قدرته بعد فراغ النائب من أعمالهما أو بعد الشروع وقبل الفراغ، أما إذا عوفي قبل إحرام النائب بهما؛ فلا بد من أدائهما بنفسه، ولا يجزئه حج النائب عنه، ولا عمرته لو فعل، وكذلك العاجز الذي يرجى زوال عجزه لا تجزئه النيابة، ويجب عليه أن يحج ويعتمر بنفسه متى زالت علته وإذا كان العاجز قادراً على الإنفاق على النائب، ولم يجد نائباً لم يجب عليه الحج، فإذا وجد النائب بعد ذلك لم تلزمه الإنابة إلا إذا كان مستطيعاً، ومن توفي قبل أن يحج الحج الواجب عليه، سواء كان ذلك بعذر أو بغير عذر، وجب أن يخرج من جميع ماله نفقة حجة وعمرة، ولو لم يوص، وأن يحج عنه من المكان الذي وجب عليه فيه الحج، لا من المكان الذي مات فيه ويجوز أن يكون الإحجاج عنه من خارج بلده إذا كان بينهما أقل من مسافة القصر، فإن كان أكثر فلا يجوز، ولا يجزئه حج النائب عنه،

ويسقط الحج عن الميت بحج أجنبي عنه، ولو بلا إذن وليه، ويجب أن يكون النائب ليس عليه حجة الإسلام، ولا حجة قضاء، ولا نذر، فإذا استناب من عليه شيء من ذلك فلا يصح حجة عنه، ويجب عليه أن يرد إلى المنيب ما أخذ منه في مقابلة الحج عنه، والعمرة كالحج في ذلك، فلا يصح أن يعتمر الشخص نيابة عن غيره إذا كان لم يعتمر عن نفسه عمرة الإسلام، أو عليه عمرة منذورة أو قضاء؛ ويصح أن ينوب في الحج من أداه عن نفسه، وإن كان عليه العمرة؛ وكذلك يصح أن ينوب في العمرة من لم يحج عن نفسه، ولكنه أدى العمرة الواجبة عليه، ويجب أن يؤدي المأمور ما أمر به؛ فلو أمره بالحج فاعتمر أو بالعكس، فلا يجوز، ولا يجزئ عن الآمر، ويجب على المأمور أن يرد إليه ما أخذه، وهذا في الحج والعمرة عن الحي، أما الميت فيقع عنه ما فعله النائب، حجاً كان أو عمرة، ولا إذان لوارثه؛ ويكفي النائب أن ينوي النسك - الحج والعمرة - عن المستنيب، ولا يشترط التلفظ باسمه؛ وللنائب النفقة المعتادة لأمثاله بحسب العرف، ويرد ما زاد على ذلك، وله نفقة العودة ولو طال مقامه بمكة، إلا إذا اتخذها داراً له، ولو زمناً قصيراً، كساعة، فليس له نفقة في العودة منها، وإذا أفسد النائب حجة فعليه القضاء؛ ويجب عليه أن يرد ما أخذه من المستنيب، لأن الحج لم يقع عنه؛ وكذلك إن فاته الحج بتفريطه، فإن لم يفرط فله النفقة. وإن مرض النائب في الطريق فعاد فله النفقة في رجوعه، ودم القران والتمتع على المستنيب إن أذن فيهما، وإلا فعلى النائب، كما أن كفارة الجنايات تكون على النائب).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية