الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الرجعة عند المذاهب الأربعة

كتاب الرجعة عند المذاهب الأربعة

مباحث الرجعة
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات

مباحث الرجعة

تعريفها

*-الرجعة - بفتح الراء - وروي كسرها أيضاً، ولكن بعض اللغويين أنكر الكسر، وهي اسم للمرة من الرجوع، ولعل هذا هو السبب في إنكار ورودها بالكسر، لأنها بالكسر اسم للّهيئة، كما قال ابن مالك، وفعلة لمرة - كجلسة - وفعلة لهيئة كجلسة - ولا يعقل أن تكون هنا اسم لهيئة الرجوع، ولكن المدار في هذا على السماع، فإذا سمع استعمالها بالكسر في المرة فإنه يكون صحيحاً لغة، وإن خالف القاعدة المذكورة، وقد نقل بعض أئمة اللغة أن استعمالها بالكسر في المرة أكثر من الفتح، أما فعلها، وهو - رجع - فيأتي لازماً ومتعدياً، فيقال: رجع الشيء إلى أهله ورجعته إليهم، وعلى الأول يكون على وزن جلس، فيقال: رجع زيد إلى أهله يرجع رجوعاً، والرجعي بمعنى الرجوع بالضم، ويقال: رجعى - بالكسر - لرجعة امرأته، والمرجع مصدر ميمي، بمعنى الرجوع أيضاً، وهو شاذ، لأنه مصدر فعل يفعل، كقطع يقطع، والمصدر الميمي من فعل يفعل - بالفتح - يكون مفتوح العين، وعلى الثاني يكون على وزن قطع، فيقال: رجع زيد الشيء إلى أهله يرجعه رجعه رجعاً، كقطع الشيء يقطعه قطعاً، فتحصل أن مصدر رجع اللازم الرجوع، والرجعى - بالضم والكسر - والمصدر الميمي المرجع ومصدر رجع المتعدي الرجع - بالفتح - كالقطع، وأن الرجعة - بفتح الراء، وكسرها - في اللغة اسم للمرة من الرجوع، سواء رجع من طلاق أو من طريق أو غيرهما، وأما معناها في اصطلاح الفقهاء، ففيه تفصيل المذاهب (1).

تعريف الرجعة عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: الرجعية هي إبقاء الملك القائم بلا عوض في العدة، فقوله: إبقاء الملك معناه أن ملك عصمة الزوجة يحتمل الزوال بالطلاق الرجعي إذا انقضت العدة، فالرجعة من الطلاق رفع لذلك الاحتمال، وإبقاء لذلك الملك واستدامة له، ولذا قال: الملك القائم، لأن ملك العصمة قائم بالطلاق الرجعي لم ينقطع، وقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} معناه وأزواجهن أحق برجعتهن، فالرد معناه الرجعة، وهي إبقاء الملك القائم، وليس معناه رد الملك الزائل، كما قد يتبادر من الرد يقال على الشيء الذي انعقد زوال ملكه، وإن لم يزل بالفعل، فالطلاق الرجعي سبب في زوال الملك لا حالاً، بل بعد انقضاء العدة، فالرد إبقاء للملك الذي لم يزل بعد، فلا فرق بين قوله: رد الملك القائم، وقوله: إبقاء الملك القائم، قوله: في العدة معناه أن الجعة لا تتحقق إلا إذا كانت العدة باقية لم تنقض، والمراد عدة المدخول بها حقيقة، فإذا طلق امرأته التي وطئها طلاقاً رجعياً، فإن له حق الرجعة مادامت في العدة، أما إذا طلقها بعد الخلوة بدون وطء فإنها تعتد، ولكن لا يكون له عليها حق الرجعة بل تبين منه كما لو كانت غير مدخول بها بالمرة، ولو لمسها، أو قبلها، أو نظر إلى فرجها الداخل بشهوة، وذلك لأن عدة الخلوة شرعت للاحتياط، فليس من الاحتياط أن تعتبر المرأة غير المدخول بها حقيقة كالمدخول بها في الطلاق الرجعي، بل الاحتياط أن تعتبر غير مدخول بها، فيكون طلاقها بائناً.

وبهذا تعلم أن الطلاق الرجعي سبب في زوال الملك بعد العدة، فالرجل يملك الزوجة ما دامت في العدة ملكاً تاماً، فيحل له أن يستمتع بها بدون نية رجعة مع الكراهة التنزيهية، فإذا فعل معها فعلاً يوجب حرمة المصاهرة من لمس بشهوة، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل فرجها بشهوة، أو نحو ذلك مما تقدم، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم يقصد به الرجعة، وكذا إذا فعلت معه ذلك، كأن قبلته بشهوة، أو نظرت إليه، أو نهو ذلك مما يأتي.

تعريف الرجعة عند المالكية

المالكية - قالوا: الرجعة عودة الزوجة المطلقة للعصمة من غير تجديد عقد، فقوله: من غير تجديد عقد خرج به عود الزوجة إلى العصمة في الطلاق البائن بعقد، فإنه لا يسمى رجعة، وإنما يسمى مراجعة، لأنه متوقف على رضا الزوجين، وعرفها بعضهم بأنها رفع الزوج أو الحاكم حرمة متعة الزوج بزوجته بطلاقها، ومعناه أنه إذا طلقها طلاقاً رجعياً حرم عليه الاستمتاع بها بدون نية الرجعة، فإذا نوى الرجعة فقد راجعها ورفع هذه الحرمة، وكذا إذا طلقها طلاقاً بدعياً ولم يرض بردها، فإن الحاكم يردها له قهراً عنه، وبذلك يرفع حرمة استمتاعه بها، وعرفها بعضهم بأنها رفع إيجاب الطلاق حرمة متعة الزوج بزوجته بانقضاء عدتها ومعناه أن الطلاق الرجعي يوجب حرمة استمتاع الزوج بزوجته بعد انقضاء عدتها، فالرجعة ترفع هذا التحريم الذي يحصل بعد انقضاء العدة لا قبله، وعلى هذا التعريف يحل للرجل أن يستمتع بامرأته قبل انقضاء العدة بدون نية الرجعة وهو قول شاذ، والمشهور الأول، وهو أنه لا يحل له الاستمتاع بدون نية الرجعة.

تعريف الرجعة عند الشافعية

الشافعية - قالوا: الرجعة رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة، ومعناه أن الطلاق الرجعي يحرم الزوجة على زوجها بحيث تكون كالأجنبية، فلا يحل له أن يستمتع بها، وإن كان له عليها حق الرجعة بدون رضاها وعلى هذا فيكون ملكه ناقصاً. فالرجعة ترده إلى النكاح الكامل المبيح للاستمتاع بها، فلا يرد أن المطلقة رجعياً لا تزال في النكاح، فما معنى ردها إلى النكاح؟ ويقال في الجواب ما ذكرنا، وهو أن الطلاق جعل نكاحها ناقصاً، فالرجعة تردها إلى النكاح الكامل، وبعضهم يقول: إن معنى ردها إلى النكاح ردها إلى ما يوجبه النكاح، وهو حل الاستمتاع، فكأنه قال: رد المرأة إلى حل الاستمتاع بها، وهو حسن.

والشافعية يقولون: يحرم على المطلق رجعياً أن يطأ المطلقة أو يستمتع بها قبل رجعتها بالقول ولو بنية الرجعة، خلافاً للحنفية الذين يقولون بحل الاستمتاع بالزوجة بالوطء وغيره، ويقولون: إن التلذذ بها بشهوة رجعية ولو لم ينو الرجعة، مع كراهة التنزيه، وخلافاً للمالكية الذين يقولون بجواز الاستمتاع بها بنية الرجعة، وإلا حرم، وخلافاً للحنابلة الذين يقولون إن الرجعة تحصل بالوطء واو لم ينو به الرجعة بدون كراهة.

تعريف الرجعة عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: الرجعة إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد، وهو تعريف لا يرد عليه شيء، ثم إن الحنابلة يقولون: إن إعادة المطلقة طلاقاً رجعياً تارة تكون بألفاظ مخصوصة وتارة تكون بالوطء، سواء نوى به الرجعة أو لا، وسيأتي توضيه).

دليل الرجعة

*-إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً، فإن كان لحاجة شرعية فإنه لا ينبغي له أن يراجعها خصوصاً إذا كان طلاقها واجباً وإمساكها محرماً، فإنه يحرم عليه أن يرجع إليها ثانياً، أما إذا كان طلاقها محرماً، كما إذا طلقها طلاقاً بدعياً، فقد عرفت اختلاف الأئمة في الرجعة، وعرفت أن بعضهم يرى وجوبها عليه، فإن لم يفعل أرغمه الحاكم. أو راجع عنه إن أبى، أما إن طلقها طلاقاً مباحاً، كأن ساءت المعاشرة بينهما مؤقتاً، ولم يستطع أحد أن يصلح بينهما، ثم زالت هذه الشدة بعد الطلاق وصفت القلوب، فإن الرجعة في هذه الحالة تكون مندوبة، إلى غير ذلك من الأحكام المتقدم بيانها في مبحث الطلاق السني.

ثم إن الرجعة ثابتة بالكتاب، والسنة والاجماع، فأما الكاتب فمنه قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أن أرادوا اصلاحاً}، وأما السنة فمنها حديث ابن عمر المتقدم حين طلق امرأته، فإن النبي صله اللّه وعليه وسلم قال لعمر: "مر ابنك فليراجعها"، فدل ذلك على ثبوت الرجعة، على أن النبي صلى اللّه وعليه وسلم قد طلق حفصة، ثم راجعها، وأما الإجماع فقد أجمع أئمة الدين على أن الحر إذا طلق دون الثلاث. والعبد إذا طلق دون اثنتين لهما حق الرجعة في العدة ولم يخالف في ذلك أحد.

أركان الرجعة وشروطها

-للرجعة أركان ثلاثة: صيغة، ومحل، ومرتجع، ولكل واحدة من هذه الثلاثة شروط مفصلة في المذاهب .

أركان الرجعة وشروطها عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: إن ركن الرجعة هو الصيغة وحدها، وأما المحل، والمرتجع فهما خارجان عن الماهية، ثم الصيغة عندهم قسمان: قول، وفعل، والقول إما صريح، أو كناية، فالصريح هو كل ما يدل على الرجعة وإبقاء الزوجية، ونحو: راجعتك، وراجعتك، وراجعتك، إذا كان مخاطباً لها، فإن لم يكن مخاطباً لها، سواء كانت حاضرة أو غائبة، قال: رجعت زوجتي، أو امرأتي الخ، ومن الصريح رددتك، ومسكتك، وأمسكتك. وهذه الألفاظ تحصل بها الرجعة وإن لم ينو، إلا أنه يشترط في الرجعة بقوله: رددتك، أن يقول: إلى أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك لا يكون صريحاً في الرجعة. بل يكون كناية يتوقف على النية، وذلك لأن رددت يحمل رد زواجها فلم يقبلها. ويحتمل رجعتها إليه، فإذا صرح بكلمة إليه، أو إلى عصمته، فقد رفع الاحتمال، ومن الصريح أن يقول لها: نكحتك، أو تزوجتك، وأما الكناية فهي مثل أن يقول لها: أنت عندي كما كنت، أو أنت امرأتي أو أصبحنا من الآن كما كنا، أو نحو هذا، فإن نوى بهذه الألفاظ الرجعة فإنه يصح وإلا فلا، أما الفعل فقد تقدم أنه كل فعل من الزوج أو الزوجة يوجب حرمة المصاهرة من لمس، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل الفرج، ويشترط في ذلك الشهوة، فإن فعل أحد الزوجين مع الآخر شيئاً من هذا بدون شهوة فإنه لا تتحقق به الرجعة، على أن المرأة إذا قبلته، أو نظرت إلى فرجه، أو نحو ذلك بدون أن يشتهي هو فلا بد أن تقول: إنها هي فعلت بشهوة، ولا بد أن يصدقها، أما إذا قال: إنها لم تفعل بشهوة فلا تصح الرجعة إلا إذا قامت قرينة على كذبه وصدقها، أما إذا قبلته فانتشر، أو عانقها وقبل فاها، أو أمسك ثديها. أو نحو ذلك من الأمارات التي تدل على أنه التذ، فغن حصل شيء من ذلك ومات الزوج وادعى الورثة أنها فعلت معه بدون شهوة، فلم ترجع زوجة له وادعت هي أنها فعلت بشهوة، فإن ادعت أنه قد اشتهى هو فإن بينتها على ذلك تسمع، ولا تثبت الرجعة بالنظر إلى الدبر بشهوة إجماعاً، لأنه لا تثبت بذلك حرمة المصاهرة، وهل الوطء في الدبر رجعة أو لا؟ فبعضهم يقول: إنه ليس برجعة، ولكن الصحيح أنه رجعة، لأن فيه المس بشهوة، كما لا يخفى. وإنما لم تثبت به حرمة المصاهرة مع كونه فيه مساً لأنك قد عرفت في مبحثه أن حرمة المصاهرة تثبت بالوطء في الفرج وبالمقدمات المفضية إلى الوطء في الفرج، فإذا وطئها في الدبر ظهر أنه لا يقصد وطأها في الفرج فمقدمات الوطء في الدبر لا قيمة لها بخلافه هنا. فإن الغرض المس بشهوة مطلقاً، وقد تحققت، ولا تصح الرجعة بالخلوة بدون تلذذ، وكما تحصل الرجعة بمقدمات الوطء المذكورة تحصل بالوطء من باب أولى، والوطء كمقدماته جائزان للزوج المطلق طلاقاً رجعياً سواء نوى بهما الرجعة أو لا. ولكن الأولى أن يراجعها بالقول، وأن يشهد على ذلك عدلين ولو بعد الرجعة بالفعل، وإذا راجعها وهي غائبة يندب له إعلامها، وهذه هي الرجعة السنية وأما الرجعة بالوطء ومقدماته فإنها بدعية فإن راجع بها ندب له أن يرجع بالقول ويشهد على قوله وإلا كان مكروهاً تنزيهاً. كما عرفت. وإنما حل وطء المطلقة رجعياً والتلذذ بها، لأن ملك العصمة باق من كل وجه ولا يزول إلا عند انقضاء العدة، كما بيناه. فإن قلت: إذا كانت الزوجية قائمة من كل وجه، فما بالكم قلتم: إنه لا يصح للزوج أن يسافر بزوجته المطلقة طلاقاً رجعياً قبل مراجعتها؟ قلت: إن ذلك ثبت بالنص، وهو النهى عن خروج المطلقة مطلقاً من منزلها، قال تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن}، والنهى عن الإخراج مطلقاً شمل الإخراج من أجل السفر.

ويشترط للرجعة شرط واحد، وهو أن تكون الزوجة مطلقة طلاقاً رجعياً، بحيث لا يكون ثلاثاً في الحرة ولا ثنتين في الأمة. أو واحدة مقترنة بعوض مالي في الخلع، أو موصوفة بصفة تنبئ عن الإبانة. كطلقة شديدة أو مشبهة بما يفيد الإبانة كطلقة مثل الجبل، أو تكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، أو واحدة قبل الدخول.

والحاصل أن الطلاق البائن، هو الطلاق الثلاث، والطلاق الواحد بعوض مالي، والطلاق الواحد الموصوف أو المشبه بما يشعر بالإبانة على الوجه المتقدم في وصف الطلاق، والكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، بخلاف الكنايات التي يقع بها الرجعي، وقد تقدم بيانهما في مبحث الكنايات بالإيضاح التام، والطلاق قبل الدخول، أما الطلاق الرجعي فهو ما ليس كذلك وهو الذي تصح فيه الرجعة، ثم إن الرجعة تصح من المجنون بالفعل، مثلاً إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً، وهو سليم، ثم جن فله مراجعتها بالوطء أو بالتقبيل، أو نحو ذلك، وكذلك تصح رجعة النائم والساهي والمكره، فإذا قبلها بشهوة وهي مكرهة فقد راجعها بذلك، وكذا إذا كانت جالسة متكئة وأمكنه أن ينظر إلى داخل فرجها بشهوة، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم تعلم، وكذا إذا نظرت إلى ذكره بشهوة بدون علمه فإنه يكون رجعة، وتصح أيضاً مع الهزل، واللعب، والخطأ، بأن أراد أن يقول لأخته: اسقني الماء فجرى لسانه يقول: راجعت زوجتي، نعم يشترط في صحة الرجعة أن لا يعلقها على شرط، كأن يقول: إن دخلت الدار قد راجعتك وكذا يشترط أن لا يضيفها إلى وقت في المستقبل كأن يقول: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإذا قال ذلك فإنه لا يكون رجعة باتفاق، على أنهم يعدون ذلك من أحكام الرجعة ويمكن عده في الشروط وكذا لا يصح شرط الخيار في الرجعة، فإذا قال لها: راجعتك على أني بالخيار، فإن الرجعة لا تصح، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن شروط الرجعة أربعة: أحدها: أن يكون الطلاق رجعياً فلا رجعة من الطلاق البائن. ثانيها أن لا يشترط فيها الخيار. ثالثها: أن لا يضيفها إلى زمن. رابعها: أن لا يعلقها على شرط ثم إنه يشترط في الرجعة خمسة شروط، وهي:

1 - وأن لا يكون ثلاثاً.
2 - وأن لا يكون واحدة بعوض، سواء كان بلفظ الخلع ونحوه، أو بلفظ الطلاق.
3 - وأن لا يكون واحدة قبل الدخول.
4 - وأن لا يكون واحدة موصوفة أو مشبهة بما يفيد البينونة.
5 - وأن لا يكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن بالنية أو بقرينة الحال.

فالطلاق الرجعي هو ما توفرت فيه الشروط فإذا ضمت الشروط للشروط المتقدمة كانت شروط الرجعة تسعة، ولا حاجة إلى عد شروط المرتجع من كونه عاقلاً بالغاً الخ، لأن الرجعة لا تتحقق إلا بعد تحقق الطلاق من نكاح صحيح، فالصبي والمجنون لا يتحقق منهما طلاق فلا رجعة، والنكاح الفاسد لا طلاق منه فلا رجعة، فتحصل أن ركن الرجعة شيء واحد، وهو قول مخصوص، أو فعل مخصوص، والأول ينقسم إلى قسمين: صريح، وكناية، والثاني ينقسم إلى قسمين: وطء، وعمل يوجب حرمة المصاهرة، ويصح التعبير عنه بمقدمات الوطء وكلاهما يحل للزوج فعله مع مطلقته الرجعية كما يحل لها مع كراهة التنزيه، فالرجعة السنية التي لا كراهة فيها هي أن يراجعها بالقول، ويشهد على قوله عدلين، ثم إن راجعها في غيبتها يعلمها ولا يدخل عليها إلا بإذنها كي تستعد للقائه، ولهذا قسموا الرجعة إلى قسمين: سنية، وبدعية، أما شروطها فقد عرفت ما فيها.

أركان الرجعة وشروطها عند المالكية

المالكية - قالوا: يشترط في المرتجع شرطان، أحدهما: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي ولا من وليه، وذلك لأن طلاق الصبي غير لازم، وطلاق وليه عنه إما أن يكون بعوض، وهو بائن لا رجعة فيه حتماً، وإما أن يكون بغير عوض، وهو بائن أيضاً، لأنه بمنزلة الطلاق قبل الدخول، لأن وطء الصبي لا يعتبر، فكأنه عدم محض، وهذا بخلاف نكاح الصبي فإنه صحيح، ولكنه يتوقف على إجازة الولي. ثانيهما: أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، ومثله السكران، فإن رجعته لا تصح ولو كان سكره بحلال.
ولا يشترط أن يكون حراً، فإن العبد يصح نكاحه بإذن سيده وإذن السيد بالنكاح إذن بتوابع النكاح، فلا تتوقف رجعته على إذن سيده، ومثل العبد المحجور عليه لسفه أو لفلس، فإن لهما الحق في الرجعة بدون إذن الولي في المحجور عليه لسفه، أو إذن الغريم إذا كان محجوراً عليه لفلس، وكذا لا يشترط أن يكون المرتجع سليماً من المرض، فيصح للمريض أن يراجع زوجته، وليس في رجعته إدخال وارث جديد، وهو لا يجوز، لأن المطلقة رجعياً ترث وهي في العدة على كل حال، وإن لم يراجعها.

وكذا لا يشترط أن يكون الزوجان غير محرمين إحرام النسك، فيصح للمحرم أن يراجع زوجته حال الإحرام، سواء كانت محرمة هي، أو لا؟ فهؤلاء الخمسة تصح رجعتهم، وإن كان لا يصح نكاحهم ابتداء، وهم: العبد، والسفيه، والمفلس، والمريض والمحرم، أما الصبي فإنه وإن كان يجوز نكاحه لا يقع موقوفاً على إذن وليه ولكنه لا يصح طلاقه أيضاً، وطلاق وليه عنه بائن لا رجعي، وأما المجنون والسكران فنكاحهما لم يصح أصلاً، كما أن طلاقهما لم يصح، فلم تصح رجعتهما بحال من الأحوال. وأما المرتجعة وهي الزوجة، فيشترط فيها ثلاثة أمور: أحدها: أن تكون مطلقة طلاقاً غير بائن، والطلاق البائن هو ما كان بالثلاث أو كان واحدة في نظير عوض أو كان واحدة ونوى به طلاقاً بائناً أو حكم به حاكم على الزوج بسبب عيب، أو نشوز، أو إضرار، أو فقد الزوج، أو إسلام، أو كمال عتق الزوجة. إلا إذا حكم به الحاكم بسبب الإيلاء، فإنه يكون رجعياً وكذا إذا حكم به عليه لعسر في النفقة فإنه يكون رجعياً له مراجعتها في العدة، ومثل ذلك ما إذا كان موسراً ولكنه غائب عنها في مكان بعيد لا تصل إليه وليس له مال في بلدها، فإنه إذا طلق عليه القاضي وحضر وهي في العدة كان له مراجعتها، فمتى كانت مطلقة طلاقاً غير بائن فإن له مراجعتها بدون رضاها. ثانيها: أن تكون في عدة نكاح صحيح أما إذا كانت في عدة نكاح فاسد، كما إذا تزوج خامسة ودخل بها، فإن نكاحه فاسد يفسخ بعد الدخول، وعليها العدة ولا تصح رجعتها وهي معتدة، وكذا إذا جمع أختاً مع أختها، ولو ماتت الأولى أو طلقت، لأن النكاح فاسد فلا تصح رجعتها. ثالثها: أن يدخل بها ويطأها وطأً حلالاً، فإذا تزوج امرأة ودخل بها وهي حائض ووطئها في حال الحيض، أو وطئها وهي محرمة بالنسك فقط، ولم يطأها قبل ذلك ولا بعده، ثم طلقها طلقة رجعية فإنه لا يحل له رجعتها، لأن وطأها محرم لا قيمة له في نظر الشرع والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فكأنه طلقها قبل الدخول فتبين منه ولا رجعة له عليها، ولا تصح الرجعة إلا إذا ثبت النكاح بشاهدين، وثبتت الخلوة أيضاً ولو بامرأتين، وتصادق الزوجان على الوطء، فإذا لم تعلم الخلوة بينهما وأراد رجعتها فإنه لا يمكن منها، ولو تصادقا على الوطء قبل الدخول أو بعده من باب أولى، فإن التصادق على الوطء لا ينفع على أي حال عند عدم العلم بالخلوة ومع كون تصادقهما على الوطء لا يعمل به في الرجعة فإنه يعمل في غير الرجعة، فإذا أقر بأنه وطئها لزمه نفقتها وسكناها ما دامت في العدة، وإذا أقرت بأنه وطئها لزمها أن تعتد منه وأن لا تتزوج غيره حتى تنقضي عدتها، على أنه إذا أقر هو بالوطء ولم تصدقه فلا يلزمها شيء، وبالعكس، وأما ما تتحقق به الرجعة فهو أمران:

أحدهما: القول: وهما قسمان: الأول: صريح في الرجعة لا يحتمل غيرها، كرجعت زوجتي إلى عصمتي، وراجعتها، ورددتها لنكاحي، فإذا لم يقل: لنكاحي لا يكون صريحاً إذ يحتمل عدم قبولها، يقال: رد الأمر إذا لم يقبله.
والثاني: كناية يحتمل الرجعة وغيرها، كقوله: أمسكت زوجتي، أو مسكتها، فإنه يحتمل أمسكتها حبستها لأعذبها، وأمسكتها في عصمتي زوجة، ومن ذلك ما إذا قال لها: أعدت الحل، ورفعت التحريم فإنه يحتمل لي، أو لغيري، أو رفعت عني، أو عن غيري، فهو كناية فإن كانت بلفظ صريح لا تحتمل غيره، فإن الرجعة تصح به بدون نية، قضاء لا ديانة، فلا بد من النية لتحل له بينه وبين اللّه، أما المحتمل فإن الرجعة لا تصح به بدون نية مطلقاً، وهل إذا قال قولاً صريحاً هازلاً ينوي به عدم الرجعة يكون رجعة أو لا؟ والجواب: أنها تكون رجعة في الظاهر، فيلزم بنفقتها وكسوتها، وإذا مات ترثه بناء على هذا القول الهزلي، أما بينه وبين اللّه فليست بزوجة له، فلا يحل له وطؤها إلا إذا راجعها بلفظ جدي في العدة. أو عقد عليها إذا انقضت العدة، كما إذا أتى بلفظ صريح بدون نية وبدون هزل. بقي هل تصح الرجعة بالكلام النفسي بينه وبين اللّه أو لا؟ قولان مصححان، ولكن المعول عليه أن الكلام النفسي لا يثبت به يمين، ولا طلاق ولا رجعة، لا في الظاهر ولا في الباطن، على أنه لا خلاف في أنه لا يترتب عليه شيء في الظاهر، فإن القاضي له الظاهر. الأمر الثاني: الفعل، وهو أن يطأ الزوجة بنية مراجعتها، فإن فعل ذلك فإنه يصح وتعود الزوجية بينهما، وإن لم ينو حرم عليه ذلك الوطء ولكن هذا الوطء لا يوجب حداً ولا صداقاً ويلحق به نسب الولد إذا حملت منه، ويجب عليه أن يستبرئها بحيضة بعد هذا الوطء بحيث لا يحل له أن يراجعها بالوطء مع نية المراجعة قبل أن تحيض وتطهر بعد الوطء الأول ولكن يحل له أن يراجعها بالقول: إن كانت باقية في العدة، فإذا انقضت عدتها بعد وطئها ولم يراجعها بالقول لقد بانت منه، ولا يحل له ولا لغيره أن ينكحها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء فإذا عقد عليها قبل انقضاء مدة الاستبراء كان العقد فاسداً فيفسخ، وإذا وطئها في زمن الاستبراء لا يتأبد تحريمها عليه.
*(... 1): - للرجعة أركان ثلاثة: صيغة، ومحل، ومرتجع، ولكل واحدة من هذه الثلاثة

هذا، وإذا وطئها بلا نية مراجعتها ثم انقضت عدتها وطلقها بعد ذلك، فهل يعتبر هذا الطلاق ويلحق بالأول أو لا؟ في ذلك قولان: أحدهما أنه لا يلحق، وذلك لأنك قد عرفت أن المشهور أنه لا يحل للرجل أن يطأ مطلقته رجعياً بدون نية الرجعة، فإذا وطئها كذلك لم يكن مراجعها وعلى هذا إذا انقضت عدتها لا تكون له زوجة، فطلاقها بعد ذلك لم يصادف محلاً، وبعضهم يقول: إن الطلاق الثاني يلحق وذلك لأن الوطء بدون نية الرجعة يعتبر رجعة عند بعضهم فبالنظر لهذا القول ينبغي الاحتياط فتحسب زوجة له بحيث لو طلقها بعد العدة يعتبر طلاقه وهذا القول هو المشهور، ولا مانع عند المالكية أن يبنى قول مشهور على قول ضعيف.

والحاصل أن الرجعة تحصل بالقول مع النية، سواء كان القول صريحاً أو محتملاً، فإذا أتى بالقول الصريح الذي لا يحتمل، فإنه يكون رجعة في الظاهر وإن لم ينو، سواء كان جاداً أو هازلاً، أما بينه وبين اللّه فإنها لا تحل له إلا إذا نوى بلفظ الرجعة وكان جاداً لا هازلاً، وإذا أتى بقول محتمل، فلا تحصل به الرجعة لا قضاء ولا ديانة إلا بالنية، وكما تحصل بالقول تحصل بالفعل مع النية، فإذا وطئها بنية الرجعة صح، وإلا فلا، وحرم عليه ذلك الوطء على الوجه الذي ذكرناه، أما الكلام النفسي بدون لفظ ففيه قولان: وأما النية وحدها بدون أن يتلفظ أو يطأها، فإنها لا تنفع، بلا خلاف.

وبهذا تعلم أن الصيغة إن كانت قولاً صريحاً، أو كناية فيشترط فيها النية، وإن كانت فعلاً، وهو الوطء فيشترط فيه النية، وكذا يشترط أن تكون الرجعة بالقول منجزة غير معلقة على شيء على الراجح، فإذا قال لها: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإن هذا لا يكون رجعة أصلاً لا في الغد ولا الآن، وذلك لأن الرجعة ضرب من ضروب الزواج، فكأنه قد تزوجها بالرجعة، وكما لا يجوز التأجيل في النكاح بحيث لا يصح أن يقول شخص لآخر: زوجني بنتك الآن على أن يحل لي وطؤها فكذا لا يجوز التأجيل في الرجعة، وبعضهم يرى أنه لا يشترط ذلك، فيصح أن يقول لها: إن جاء الغد فقد راجعتك ويكون ذلك رجعة في الغد الآن. فإذا جاء الغد صحت الرجعة من غير أن يأتي برجعة جديدة، أما الآن فيكون حكمها حكم من لم تراجع بحيث لا يحل له أن يطأها بدون نية مراجعتها، وعلى هذا إذا انقضت عدتها قبل مجيء الغد فلا تصح الرجعة وتبين منه.

أركان الرجعة وشروطها عند الشافعية

الشافعية - قالوا: المرتجع هو الزوج أو وكيله إذا وكل عنه من يراجع له زوجته، أو وليه إذا جن بعد أن وقع طلاقاً رجعياً، وهو عاقل فإنه يشترط له سواء كان زوجاً أو وكيله أو وليه ثلاثة شروط: أحدها أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، والصبي الذي لا يميز، كما لا يصح طلاقهما، وإذا طلق المجنون حال إفاقته ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، وكذا إذا علق الطلاق وهو عاقل على شيء ثم وقع بعد جنونه، كما إذا قال: أنت طالق إن دخلت دار أبيك ثم جن فدخلت، فإن الطلاق يقع لأنه صدر منه وهو عاقل، ولكن لا تصح رجعته حال جنونه، إنما لوليه أن يراجع عنه، ولكن يشترط لصحة رجعة الولي الشروط التي يصح للولي أن يزوج بها المجنون، وقد تقدمت في صحيفة 37 و 38، ومنها أنه إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يصح له أن يزوج المجنون إلا إذا كان في حاجة إلى الزواج، وإلا فلا، ومثل المجنون النائم والمغمى عليه، فإنه لا يصح رجعتهما إلا بعد الإفاقة، ثانيها: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي المميز، فإن قلت: إن الصبي المميز لا يقع طلاقه أصلاً، فكيف يتصور رجعته،؟ لأن الرجعة إنما تتصور إذا كانت الزوجة مطلقة، ثم يقال: إنها صحيحة أو فاسدة، أما إذا كانت المرأة غير مطلقة، فما معنى رجعتها صحيحة أو فاسدة؟ والجواب: أن الحنابلة يقولون: أن الطلاق الصبي المميز يقع، فإذا قضى حاكم حنبلي بطلاق صبي، فإنه لا يصح له أن يراجعها عند الشافعية، وأيضاً يمكن أن تتصور رجعة الصبي فيما إذا طلق رجل بالغ امرأته ووكل صبياً مميزاً في رجعتها، فهل تصح رجعته أو لا؟ والجواب: لا تصح، ولا يخفى أن هذه صور فرضية لا تقع في زماننا وإنما الغرض من ذكرها استيفاء البحث العلمي، وهل إذا طلق الصبي المميز وحكم الحنبلي بصحة طلاقه يصح لوليه أن يراجعها له أو لا؟ والجواب: نعم يصح بشرطين: الشرط الأول: أن يكون للولي الحق في زواجه وهو الأب أو الجد بالشروط المتقدمة في صحيفة 37. الشرط الثاني: أن لا يحكم الحنبلي بالطلاق البائن فإن تناول حكمه البينونة، فإنه لا يصح للولي أن يراجع، وإنما يصح أن يعقد عليها عقداً جديداً. وقد ذكر بعض علماء الشافعية بهذه المناسبة مسألة، وهي أن الحنابلة يقولون: إن الصبي المميز الذي لم يبلغ سنه عشر سنين إذا كان ينتصب ذكره ويفهم معنى الوقاع فإنه إذا تزوج امرأة مطلقة ثلاثاً وأولج فيها ذكره ثم طلقها فإن طلاقه يصح بدون الولي، وتحل مطلقته لزوجها الأول بدون أن تعتد من الصبي، لأن المفروض أن سنه لم يبلغ عشر سنين.

والحنابلة يقولون: أن العدة لا تجب إلا إذا بلغ الصبي عشر سنين على الأقل، وبلغت الصبية تسع سنين، لأن ابن العشر يصح أن ينزل، وبنت التسع يصح أن توطأ، والعدة شرعت لرفع احتمال شغل الرحم، فمن كان أقل من عشر أو كانت موطوءته أقل من تسع فإنه لا يتصور منهما حمل وولادة، فلا عدة عليها إذا وطئها غلام أقل من عشر سنين، ولكن الحنابلة يقولون: إذا قصد الزوجان التحليل فإن العقد يقع باطلاً على أي حال، سواء وطئها صغيراً أو كبيراً فهل للشافعية الذين يقولون: أن قصد التحليل جائز لا يترتب عليه فساد العقد ما دام العقد خالياً من اشتراط التحليل لفظاً أن يقلدوا الحنابلة في ذلك، مثلاً إذا طلق شخص زوجته ثلاث مرات انقضت عدتها ثم تزوجت بصبي دون عشر، ووطئها ولم ينزل طبعاً، طلقها طلاقاً بائناً، وقضى حنبلي بصحة طلاقه وعدم وجوب العدة، ثم رجعت لزوجها الأول بعقد صحيح بشهود وولي فهل يصح ذلك؟ والجواب: أن في صحة هذه المسألة خلافاً، والصحيح في الجواب هو ما قدمناه في مبحث المحلل في صحيفة 24، وهو أن ذلك ديانة بينهما وبين اللّه، أما قضاء فإنه لا يصح، وإذا علم القاضي بهما فرق بينهما.

وأقول: أن الناس يمكنهم أن يفعلوا ذلك تقليداً للإمام أحمد بشرط أن يجتنبوا قصد التحليل بقدر الإمكان بقطع النظر عن مذهب الشافعي، وذلك بأن المرأة المطلقة ثلاثاً إذا يئس منها زوجها وذهبت إلى حال سبيلها فإن لها أن تعمد إلى صبي مميز يعرف الزواج والطلاق، وإن كان له ولي تأخذ منه إذناً بزواجها منه، ثم تتزوجه بإيجاب وقبول بولي شاهدين، ثم تمكنه منها ولو بإيلاج رأس ذكره المنتصب في داخل فرجها وبعد ذلك يطلقها بدون أن يعلم بذلك زوجها الأول وبدون أن تتفق مع الصبي على تطليقها، أو مع وليه.
وبالجملة فلا تشير إلى التحليل، وبذلك تحل للأول بدون عدة، فإن قلت: إن ذلك لا يخلو عن قصد التحليل من المرأة وقصد التحليل مفسد للعقد عند الحنابلة، قلت: نعم وللتفادي من ذلك تقلد المرأة في ذلك الإمام أبي حنيفة، لأن قصد التحليل، ولو من المحلل عند الحنفية لا يضر بل قد يكون محموداً إذا ترتب عليه مصلحة، كعدم تضييع الأولاد، أو الجمع بين زوجين متحابين أو نحو ذلك، أما ما يفعله الناس من كون الزوج يجيء بالمحلل ويعطيه نقوداً ويحضره حين يدخل مع مطلقته، فإن هذه الصورة الشنعة لا تصلح في تقليد الحنابلة وقد تقدم تفصيل المذاهب في المحلل، فارجع إليه.

ثالثها: أن يكون المرتجع مختاراً، فلا تصح رجعة المكره.
وبالجملة فكل من كان أهلاً للزواج في ذاته في الجملة، ولو توقف زواجه على الأذن فإنه يصح طلاقه ورجعته، وذلك هو العاقل البالغ، فإذا عرض ما يمنع الأهلية مؤقتاً كالسكر فإنه لا يمنع الرجعة، فتصح رجعة السكران لأن استتار عقله بعارض السكر لا يجعله مجنوناً، فلا يفقد الأهلية بسبب ذلك العارض، وذلك لأنه أهل لمباشرة الزواج في الجملة، أي بعد أن يفيق من سكره، ومثله المحرم بالنسك، فإنه وإن كان لا يصح له أن يباشر عقد الزواج وهو محرم، ولكن الاحرام عارض مؤقت لا يفقده الأهلية، فيصح له أن يراجع وهو محرم، لأنه أهل للزوج وهو غير محرم وكذا السفيه، فإنه وإن كان محجوراً عليه التزوج بسبب السفه، لأن التزوج متوقف على المال ولكن هذا الحجر عارض فإذا كان متزوجاً وطلق زوجته رجعياً، فإن له رجعتها بدون إذن، ومثل السفيه العبد فإنه وإن كان غير أهل للتزوج بنفسه بدون إذن سيده، ولكن إذا أذنه سيده بالزواج فإن له أن يطلق ويراجع بنفسه، إذ المراد بأهلية الزواج أنه يصح منه مباشرة عقد الزواج، وإن توقف على إذن، فمتى أذن الولي السفيه، أو العبد كان أهلاً لتولي الزواج، أما المكروه فإنه وإن كان أهلاً لمباشرة عقد الزواج في الجملة أي بعد الزوال الإكراه، ولكن أعمال المكره غير المعتبرة في نظر الشرع فلهذا اعتبروا الإكراه غير مفيد في الرجعة، فإذا أكره شخص على مراجعة زوجته ولم يقر بها حتى مات بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه.
وهل الردة سبب عارض كالسكر، فيصح للمرتد أن يراجع مطلقته؟ والجواب: لا، وذلك لأن الردة تزيل أثر النكاح فالمرأة ليست محلاً للرجعة رأساً.

فهذا تفصيل شروط المرتجع، وأما المحل، وهي الزوجة فيشترط فيها شروط:
أحدها: أن تكون زوجة معقود عليها بصحيح العقد، فخرجت الأجنبية، فإنها لا تحل بالرجعة طبعاً، سواء كانت غير معقود عليها أصلاً، أو كانت معقوداً عليها وطلقت طلاقاً بائناً كأن طلقها ثلاثاً، أو طلقها قبل الدخول بها، والمراد بالدخول وطؤها ولو في دبرها، كما تقدم في محله، ومثل الوطء ادخال مني الرجل بأنبوبة ونحوها في قبلها أو دبرها، أو طلقها طلقة واحدة على عوض، أو طلقها طلقة واحدة رجعية وانقضت عدتها، فإنها في كل هذه الأحوال تكون أجنبية لا تحل بالرجعة.

ثانيها: أن تكون معينة، فلو كان متزوجاً ثنتين، وقال: إحدى زوجتي طالق، ثم قال: راجعت زوجتي المطلقة إلى عصمتي فإن الرجعة لا تصح فلا بد من أن يقول: زوجتي فلانة طالق، ثم يقول في الرجعة: راجعت زوجتي فلانة أو يخاطبها أو يشير إليها، كما يأتي في الصيغة.
ثالثها: أن تكون الزوجة قابلة للحل، أما إذا كانت غير قابلة للحل كالمرتدة في حال ردتها فإنها في هذه الحالة لا تحل لأحد فهي غير قابلة للحل، فإذا كان زوج المرتدة قد طلاقها طلاقاً رجعياً فإنه لا يصح له رجعتها إلا إذا تابت، وكذا إذا ارتد هو، أو ارتدا معاً فإنه لا يصح له الرجعة في هذه الحالة، لأن الردة تزيل أثر الحل، فلا يحل الاستمتاع حال الردة.

رابعها: أن تكون مطلقة لا مفسوخاً نكاحها، فإنها لا تحل بالرجعة، وإنما تحل بالعقد، كالمطلقة طلاقاً بائناً.
وبعضهم عد شروط الرجعة سبعة: أحدها: أن تكون زوجة، وأراد به إخراج الأجنبية التي لم يعقد عليها أصلاً، ثانيها: أن تكون موطوءة في القبل أو في الدبر، وأراد به إخراج المطلقة قبل الدخول. ثالثها: أن تكون معينة وأراد به إخراج رجعة المبهمة. رابعها: أن تكون قابلة للحل، وأراد به إخراج المرتدة. خامسها: أن تكون مطلقة، وأراد به إخراج المفسوخ عقدها، فإنها لا تحل بالرجعة بل بالعقد كما ذكرنا. سادسها: أن تكون مطلقة طلاقاً مجاناً بدون عوض وأراد به إخراج المطلقة على عوض بائن. سابعها: أن لا يستوفي الزوج عدد طلاقها، هو الثلاث، فإن طلقها ثلاث مرات فلا تحل له إلا إذا نكحت غيره.
ولا يخفى أن المآل واحد، فمن أراد الاختصار فإنه يمشي مع الأول، ومن أراد الإيضاح فإنه يمشي مع الثاني.

وأما الصيغة فيشترط لها شروط: الشرط الأول: أن تكون لفظاً يشعر بالمراد، وهو ينقسم إلى قسمين: صريح وكناية، فالصريح رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، وأرجعتك وأنت مراجعة، ومسكتك، ولكن يشترط في رددت أن يضيف اللفظ إليه،أو إلى النكاح، فيقول: رددتك إلي، أو إلى نكاحي، وإلا لم يكن صريحاً، إذا يحتمل رددتك إلى أهلك، ويشترط في رجعت وأمسكت، وما تصرف منهما أن ينسبه إلى المرأة، أما بكاف الخطاب، بأن يقول: رجعتك وهكذا، وأما بالاسم الظاهر، بأن يقول: رجعت زوجتي أو رجعت فلانة، وأما باسم الإشارة، بأن يقول: رجعت هذه ويشير إليها، فإن لم يقل ذلك، بأن قال: رجعت، أو ارتجعت أو نحو ذلك من غير أن يذكر ما يدل على المرأة من ضمير ونحوه فإنه يكون لغواً، فلا تصح به الرجعة، نعم إذا سأله سائل، فقال له: هل راجعت زوجتك؟ فقال: راجعتها، فإنه يصح، وإن لم يذكر ما يدل على المرأة، لأنها ذكرت في السؤال على أنه يسن مع هذا أن يقول: رجعتك إلى نكاحي، أو راجعتك إلي، أو أمسكتك على نكاحي.
والحاصل أنه يجب في رددت أمران: أحدهما أن يذكر فيه ما يدل على المرأة من كاف الضمير، أو الاسم الظاهر، أو اسم الإشارة، بأن يقول: رددتك، أو رددت زوجتي أو فلانة أو رددت هذه. الأمر الثاني: أن يضيف ذلك إليه أو إلى نكاحه، فيقول: رددت زوجتي إلى نكاحي، أو إلي، أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك، فإنه لا يكون صريحاً لأنه يحتمل ردها إلى أهلها وعدم قبولها، أما غير رددت من صيغ الصريح فإنه يشترط فيه نسبته إلى الزوجة، ويسن فيه نسبته إلى الزوج أو إلى نكاحه، كما يسن أن يشهد على الرجعة، وإنما كانت هذه الألفاظ صريحة في الرجعة لأنها اشتهرت فيها، وقد ذكر بعضها في كتاب اللّه تعالى: فمن ذلك الرد قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} وورود المصدر يدل على صحة استعمال فعله وما اشتق منه. كرددت زوجتي إلي أو أنت مردودة إلي ومن ذلك الإمساك قال تعالى: {فإمساك بمعروف} وهو مثل الرد، ومن ذلك الرجعة قال تعالى{فلا جناح عليهما أن يتراجعا}.
ولهذا، قلنا إن صرائح الرجعة منحصرة فيما ذكر. وتحصل بها الرجعة بدون نية.

: - للرجعة أركان ثلاثة: صيغة، ومحل، ومرتجع، ولكل واحدة من هذه الثلاثة
وأما كناية الرجعة، فهي كأن يقول لها: تزوجتك، أو نكحتك، فإن هذه الألفاظ صريحة في العقد ولا يمكن استعمالها في الرجعة صريحاً، لأن المطلق رجعياً زوجة، فلا معنى لقوله لها: تزوجتك، أو نكحتك، فكل ما كان صريحاً في باله - ولا يمكن أن ينفذ في الموضوع المستعمل فيه - فإنه يكون كناية، وهذا معنى قولهم: ما كان صريحاً في بابه، ولم يجد نفاذاً في موضوعه كان كناية في غيره، وقد يقال: إنه يصح استعمال تزوجت ونكحت في الرجعة بمعنى أعددتك إلى زواج كامل ونكاح كامل، كما قالوا في رددت زوجتي إلى نكاحي، أي إلى نكاحي الكامل الذي لا ينقطع بمضي العدة، ولعل هذا هو السبب في قول بعضهم: إن لفظ التزويج والنكاح استثني من قاعدة ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره، فإن هذا القائل لاحظ أن لفظ التزويج والنكاح يمكن استعمالها في موضوع الرجعة على معنى أنه تزوجها زواجاً كاملاً، وإن كانت زوجة له فلا يصح أن يكون كناية في الرجعة على هذه القاعدة، ولكن الشافعية استثنوا لفظ النكاح والتزويج من هذه القاعدة، فقالوا: إنهما كنايتان، فلا تصح الرجعة بهما إلا بالنية، فالرجعة لا تصح إلا باللفظ، سواء كان صريحاً، أو كناية، ويلحق باللفظ الكتابة فإذا كتب راجعت زوجتي إلى عصمتي ونحوه فإنه يصح، وترجع زوجة له بذلك لأن الكتابة كاللفظ، ومثل الكتابة إشارة الأخرس المفهمة.

فلا تصح الرجعة بالوطء أو بمقدمات الوطء، سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، لأنه لا يدل على الرجعة إلا وطء الكافر، فإنه إذا كان الرجعة عندهم فإننا نقرهم عليه، ويحرم على المطلق رجعياً أن يتمتع بمطلقته قبل أن يراجعها باللفظ لا بوطء ولا بغيره، فإن وطئها كان عليه مهر المثل، لأنه وطء شبهة، لأن الحنفية يقولون بجوازه، وإن راجع بعده لأن فيها تحريم الوطء كالبائن هكذا في المهر، بخلاف ما إذا وطئها وهو مرتد ثم أسلم، فإنه لا مهر عليه، لأن الإسلام يزيل أثر الردة، أما الرجعة فلا تزيل أثر الطلاق.
وإذا وطئها في أثناء العدة فإنها تبتدأ العدة من الفراغ من الوطء بحيث لو لم يراجعها فإنها لا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض بعد فراغه من وطئها أو يمضي عليها أربعة أشهر إن كانت لا تحيض من ابتداء الفراغ، ولا يحسب لها ما مضى، أما إذا أراد مراجعتها هو فإنه ليس له أن يراجعها إلا فيما بقي لها من العدة الأولى، مثلاً إذا حاضت حيضتين بعد طلاقها رجعياً، ثم وطئها بدون رجعة، فبعد الفراغ من وطئها تبتدئ عدة جديدة، فلا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض أخرى غير الحيضتين، أما هو فإنه ليس له مراجعتها إلا في المدة الباقية لها، وهي الحيضة الأخيرة.
هذا إذا لم تكن حاملاً، فإذا كانت حاملاً أو أحبلها بالوطء، فإن عدتها وضع الحمل على كل حال، وله أن يراجعها ما لم تلد.
الشرط الثاني من شروط الصيغة: أن تكون منجزة، فإذا علقها على أمر ووقع، فإنها لا تصح، مثلاً إذا قال لزوجته: راجعتك إن شئت فقالت: شئت، فلا تصح الرجعة.
الشرط الثالث: أن لا تكون مؤقتة بوقت،فإذا قال لها: راجعتك شهراً لم تحصل الرجعة.

أركان الرجعة وشروطها عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: يشترط في المرتجع أن يكون عاقلاً، ولو صبياً مميزاً حراً كان أو عبداً، فإذا طلقها وهو عاقل ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، ولا تصح رجعة المرتد قبل توبته، كما لا يصح تزويجه ذكراً أو أنثى، وإذا طلق في أثناء ردته كان طلاقه موقوفاً، فإن أسلم وقع طلاقه وإن لم يسلم لم يقع، لأنه لم يصادف محلاً، فإن الردة تفسخ النكاح.
ويشترط في المحل، وهي الزوجة أن تكون زوجة بصحيح العقد، فلا تصح رجعة الأجنبية أو المفسوخ عقدها لفساد فيه، وأن يكون قد وطئها أو خلا بها، لأن الخلوة توجب العدة عند الحنابلة، فإن طلقها قبل ذلك فلا رجعة لها، لأن المطلقة قبل الدخول تبين ولا عدة لها، وأن تكون مطلقة طلاقاً رجعياً، فلا رجعة للمطلقة على مال، أو المطلقة ثلاثاً، أو المطلقة قبل الدخول، وأن تكون في العدة، فلا رجعة لمن انقضت عدتها.

أما الصيغة فإنها لفظ وفعل، فأما اللفظ فيشترط فيه شرطان: أحدهما أن يكون صريحاً في الرجعة، وهو رجعتك، ورجعت زوجتي وراجعت زوجتي، وارتجعت زوجتي، وأمسكت زوجتي، ورددتها، فلا يصح الرجعة بقوله: نكحتها أو تزوجتها، فإنه كناية والرجعة لا تصح بالكناية. ثانيهما: أن لا تكون معلقة على شرط كأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد راجعتك فإن ذلك ليس رجعة، وأما الفعل فهو الوطء فيحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته، وإذا فعل فقد رجعت لذلك، ولو لم ينو به الرجعة، أما غير الوطء فلا تحصل به الرجعة، فلو قبلها، أو لمسها أو باشرها أو نظر إلى فرجها بشهوة أو نحو ذلك، فإن ذلك لا يكون رجعة ومثل ذلك ما إذا خلا بها، فإن الخلوة لا تكون رجعة).

مبحث اختلاف الزوجين في انقضاء العدة المبطل للرجعة، وما يتعلق بذلك

*-يبطل حق الزوج في الرجعة بانقضاء عدة الزوجة بالحيض ثلاث مرات، إن كانت من ذوات الحيض، وبوضع الحمل كاملاً أو سقطاً، وبثلاثة أشهر من تاريخ طلاقها إن كانت آيسة من الحيض لكبر أو صغر، وإنما تنقضي العدة بأمارات مفصلة في المذاهب (1).
فإذا اختلف الزوجان في انقضاء العدة، بأن ادعى الزوج أنها باقية، وادعت الزوجة أنها انقضت، ولا حق له في الرجعة، أو ادعى الزوج انه راجعها في العدة قبل أن تنقضي، ولم يخبرها إلا بعد انقضائها، وأنكرت الزوجة ذلك، فإن فيه أيضاً تفصيلاً تعلمه من الاطلاع على المكتوب تحت الخط الموجود أمامك.

انقضاء العدة المبطل للرجعة عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: يبطل حق الزوج بانقضاء العدة بواحد من الأمور الثلاثة المذكورة فأما الحيض، فإن الرجعة تبطل به إذا ادعت أنه انقطع بعد شهرين من تاريخ الطلاق، لأن أقل ما تنقضي به العدة شهران عند الإمام، فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث مرات قبل الشهرين فإنها لا تصدق، وذلك لأنه إذا طلقها في أول مدة طهر لم يطأها فيه، تحتاج إلى ثلاث حيض، وثلاثة أطهار، الطهر الذي طلقها فيه، وطهران بعد الحيضتين، حتى ترى دم الحيضة الثالثة في آخر الطهر الثاني، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، فيكون مجموع الأطهار خمسة وأربعين يوماً، وتحتاج إلى ثلاث حيض، ويعتبر في الحيضة الوسط وهو خمسة أيام، فيكون مجموع الحيض خمسة عشر يوماً، مضافة إلى خمسة وأربعين يوماً، فالمجموع ستون يوماً، وإنما يعتبر في الحيض أقله، وهو ثلاثة أيام، لأن اجتماع أقل الطهر وأقل الحيض في مدة واحدة نادر لا يعول عليه، وبعضهم يبينه بوجه آخر، فيقول: إن المفروض أن يطلقها في آخر الطهر الذي لا وطء فيه،كي لا تطول عليها المدة. فتحيض وتطهر، ثم تحيض وتطهر، ثم تحيض فيتم لها بذلك طهران، وثلاث حيض، لأن الطهر الذي طلقها فيه لم يحسب لأنه طلقها في آخر جزء منه، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، فيكون الطهران ثلاثين يوماً، أما الحيض فيحسب أكثره وهو عشرة أيام، فالثلاثة حيض بثلاثين يوماً أيضاً، وهما الشهران، وإنما اعتبر أكثر الحيض ليتعادل مع أقل الطهر، ولا يخفى أن المآل واحد من الأمرين، وأنه لا فرق بين أن يطلقها في أول الطهر، أو في آخره، بالنسبة لحسبان الشهرين فلا بد من انقضاء الشهرين من تاريخ طلاقها، وإلا فلا تصدق بأن عدتها قد انقضت بالحيض فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض بعد شهرين، فإن حق الزوج في الرجعة يبطل بانقطاع دم الحيضة الأخيرة التي تنتهي بها عدتها، فإن كانت حرة تبطل رجعتها وانقطاع الحيضة الثالثة، وإن كانت أمة تبطل رجعتها بانقطاع دم الحيضة الثانية، لأن عدة الأمة حيضتان، ثم إن الدم لأكثر الحيض، وهو عشرة أيام. فإن عدتها تنقضي وإن لم تغتسل، فإذا مكثت حائضة عشرة أيام ولم ينقطع الدم فإنه ينظر إن كانت لها عادة ينقطع عندها الدم. كان لها حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها، وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة. وإن لم ينقطع عندها الدم، كان له حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها. وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة. وإن لم ينقطع الدم لأن أكثر مدة الحيض عشرة أيام. فعند انقضائها تبطل الرجعة إذا لم توجد لها عادة، أما إذا انقطع دم الحيضة الأخيرة لأقل من عشرة أيام. فإن حقه في الرجعة لا يبطل إلا بأحد أمرين:
الأمر الأول: أن تغتسل بماء طهور، ولو كان مشكوكاً في طهوريته. كما إذا كان الماء سؤر حمار، ولكن إذا اغتسلت به مع وجود الماء المطلق فإنه لا يصح لها أن تصلي به، أو تتزوج فهو يقطع حق الرجعة فقط.

الأمر الثاني: أن يمضي عليها وقت صلاة كامل بعد انقطاع الدم، بحيث تكون الصلاة ديناً في ذمتها، مثلاً إذا انقطع الدم عقب دخول وقت الظهر ولم تغتسل فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر، وكذا إذا انقطع الدم عند شروق الشمس فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر. لأن الوقت من شروق الشمس إلى الظهر مهمل لا تجب عليها فيه صلاة. فمن شروق الشمس إلى العصر لا يجب عليها إلا وقت واحد، وهو الظهر، فإذا انقطع الدم في أخر وقت الظهر، يعني قبل العصر بنصف ساعة مثلاً، فإن كان ذلك الوقت يمكنها أن تغتسل فيه وتكبر تكبيرة الإحرام قبل خروجه فإنه يعتبر وقتاً كاملاً،لأنه بذلك يجب عليها ديناً في ذمتها. أما إن كان ذلك الوقت لا يمكنها أن تغتسل وتكبر فيه، فإن رجعته لا تبطل إلا إذا انقضى الزمن الباقي من وقت الظهر وانقضى زمن العصر بتمامه، ودخل في وقت المغرب، وعلى هذا القياس فإذا لم تجد ماء فإنه يقوم التيمم مقام الغسل، وقيل: لا يكفي التيمم إلا إذا صلت به صلاة كاملة، ولو نفلاً، والراجح الأول: لأن التيمم مقام الغسل، طهارة كاملة عند فقد الماء. هذا إذا كانت مسلمة، أما الكتابية فرجعتها تبطل بمجرد الانقطاع بدون اغتسال أو مضي وقت صلاة، وهل لو انقطع دم حيضها لأقل المدة ثم اغتسلت بماء طهور غير مشكوك فيه، ثم تزوجت بآخر وعاد لها الدم ثانية، يبطل الزواج وتعود الرجعة، أو تبطل الرجعة ويستمر الزوج؟ في هذه المسألة خلاف، فبعضهم يقول: إن بطلان الرجعة منوط بانقطاع الدم، فإذا انقطع لأقله ثم عاد لا يكون قد انقطع حقيقة، فتعود الرجعة ويبطل عقد الزواج. أما الغسل فقد شرط ليقوي الانقطاع لأقل الحيض، على معنى أنه إذا وجد الانقطاع والاغتسال حكم الشارع بطهارتها، فإذا عاد الدم حكم بعدم طهارتها، وبعضهم يقول: إن بطلان الرجعة منوط بالاغتسال بعد انقطاع الدم، فمتى اغتسلت حلت للأزواج وبطلت الرجعة، فإذا تزوجت ثم عاد الدم فإن تزوجها يستمر صحيحاً ولا يبطله عودة الدم.

ومثل ذلك ما إذا انقطع دمها لأقل المدة ولم تغتسل ولكن مضى عليها وقت صلاة كامل بدون دم فإنها تحل للأزواج بذلك، ويبطل حق الزوج في الرجعة، فإذا عاد لها الدم عاد الخلاف المذكور فبعضهم يقول: يعود الحق في الرجعة ويبطل الزواج، لأن مناط بطلان الرجعة انقطاع الدم، وبعودته تبين أنه لم ينقطع، وبعضهم يقول: لا يبطل الزواج ولا يعود الحق في الرجعة، لأن مناط بطلان الرجعة مضي وقت الصلاة بعد انقطاع الدم.

والمعقول الذي تنضبط به الأحكام، هو أن حق الرجعة يبطل وأن الزواج يستمر صحيحاً، ولو عاد الدم، سواء كان ذلك بعد الغسل أو بعد مضي وقت صلاة، إذ لا معنى للحكم بصحة تزوجها عند هذه الأمارة، فإذا تزوجت ووطئها الزوج الجديد مثلاً وعاد الدم فهل يصح أن يقال له: أنها ليست زوجة لك، فإن زوجها القديم قد راجعها؟ إن ذلك ليس من الأمور الهينة التي يسهل على النفوس أن تسيغها، فمتى جعل الشارع هذه الأمارة دليلاً على طهارة الزوجة وأباح لها أن تتزوج بالغير، فلا يصح أن يقال بعد ذلك: أن للشارع إبطال هذه الأمارة وانتزاع الزوجة من حضن القديم، على أن ذلك يفضي إلى تعليم النساء الكذب وعدم الصدق، فإن المرأة التي تتزوج زوجاً جديداً إذا علمت أنها ستنزع منه لا بد أن تكتم الدم الذي عاد لها، وهذا مما لا معنى له، ومن أجل ذلك جرت متون المذاهب على أن الزواج الثاني صحيح، وأن الرجعة لا تعود بعودة الدم نعم لو قالوا: أن الاحتياط أن لا يحل لها التزوج إلا بعد أن ينقطع الدم لأكثر الحيض مع ملاحظة عادتها إن كانت لها عادة بعد مضي أكثر المدة كان ذلك حسناً ولكنهم لم يفعلوا.

وأما وضع الحمل فإنه يبطل حق الرجعة، ثم إن كان كاملاً فإن العدة تنقضي بخروج أكثره، إذ لا يشترط خروجه جميعه على أنها لا يحل أن تتزوج إلا بخروجه جميعه احتياطاً، إذا كانت حاملاً في اثنين، فإن العدة تنقضي بخروج الثاني، وتبطل الرجعة بخروج أكثره، ولا فرق في انقضاء العدة وبطلان الرجعة بين أن تكون حاملاً به من الزوج المطلق أو من غيره، فلو تزوج حبلى من الزنا وهو عالم بها ثم طلقها فولدت بعد الطلاق انقضت عدتها منه، فإذا ادعت أنها ولدت حملها، وأنكر الزوج الولادة فلا يخلو إما أن يكون حملها ظاهراً، بأن كانت بطنها كبيرة مثلاً، ثم صغرت، فإن دعواها يثبت بشهادة القابلة، لأن ظهور الحمل يؤيد شهادتهما، أما إذا لم يكن بها حمل ظاهر فإن الولادة لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، كما سيأتي في المسألة التالية.

ويتعلق بها مسائل: المسألة الأولى: إذا طلق شخص زوجته وهي حامل، ولكنه ادعى أنه لم يطأها أصلاً فلم يحبلها، فهل يصح له أن يراجعها قبل وضع الحمل، أو لا يصح؟ وإذا راجعها فهل تكون الرجعة صحيحة قبل الوضع أو لا؟ والجواب: أنه يصح له أن يراجعها قبل الوضع، ولكن لا تكون زوجة له إلا بعد وضع الحمل في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق وستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج وذلك لأنه ادعى أنه لم يطأها. وهذه الدعوى تفيد أنه طلقها قبل الدخول، وأنه لا عدة له عليها فلا رجعة له، فإذا راجعها قبل وضع الحمل الذي تنقضي به العدة على كل حال كان مكذباً لنفسه، وهذا التكذيب لا يقره الشارع إلا إذا ثبت، وهو لا يثبت إلا إذا ولدت امرأة في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق، لأنها إن ولدت بعد ستة أشهر من تاريخ الطلاق احتمل أن يكون الولد من وطء حديث بعد الطلاق، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فلا يكون منه، وكذا ينبغي أن يكون في مدة ستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج، لأنها إن جاءت به في مدة تقل عن ذلك لا يكون ابنه، بل يكون من غيره لولادته قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الزواج، فإذا ولدته في المدة المذكورة كان ابنه، وكان قوله: أنه لم يطأها كذباً حقاً، أما إذا ولدته في غير هذه المدة فإنه يكون صادقاً في قوله: أنه لم يطأها، وتكون مطلقة قبل الدخول حقيقة، فتبطل رجعته، والحاصل أنه إذا أنكر وطأها وظهر أنها حامل وأراد تكذيب نفسه بمراجعتها، فإن له أن يراجعها قبل وضع الحمل لأنها إذا وضعت فلا حق له في الرجعة على أي حال، لما علمت أن الوضع تنفضي به العدة ولو من غيره، ثم تنتظر بعد الرجعة، فإن ولدت في مدة يثبت فيها نسب الولد منه ظهرت صحة الرجعة، وإلا فلا، على أن المشايخ اختلفوا في هل توصف الرجعة بالصحة قبل الوضع في المدة المذكورة أولا، مع اتفاقهم أنها لا تكون زوجة له بالرجعة إلا بعد ظهور صحتها بالوصف؟ فبعضهم قال: إنها توصف بالصحة. وبعضهم قال: لا. وقد استدل من قال: أنها توصف بالصحة بأمرين: أحدهما أنه لو كان الشخص يملك جارية وباعها وادعى المشتري أنها حامل، كان الحمل عيباً فيها يصح له ردها به، ويثبت حملها بظهوره للنساء التي تعرف الحبل فإذا قالت امرأة خبيرة بالحمل: إنها حامل ثبت الحبل وكان عيباً ترد به. الأمر الثاني أنهم صرحوا في باب ثبوت النسب أن النسب يثبت بالحمل الظاهر وحيث أنه يصح الحكم بظهور الحبل قبل ولادته ويصح ثبوت النسب بظهور الحبل قبل الولادة، فإنه يصح الحكم بصحة الرجعة قبل الولادة، فإذا ولدت فقد ظهرت صحة الرجعة بيقين.

: - يبطل حق الزوج في الرجعة بانقضاء عدة الزوجة بالحيض ثلاث مرات، إن
وقد رد الدليل الأول، بأن الذي قال: ان الجارية ترد بقول امرأة: انها حامل قول ضعيف، لمحمد. ولأبي يوسف فيه روايتان: أظهرهما أنه إذا أخبرت امرأة بأن الجارية حامل، صح للمشتري أن يخاصم البائع، فيحلف البائع على أنها ليس بها حمل وقت البيع، وبذلك لا ترد عليه وإذا نكل عن اليمين، فإنها ترد عليه لنكوله. أما إذا لم يظهر بها حمل ولم تقل امرأة: انها حامل فليس للمشتري الحق في الخصومة مع البائع، وحاصل ذلك أن شهادة المرأة التي تعرف الحبل تجعل للمشتري الحق في الخصومة مع البائع فقط ولا تجعل له الحق في الرد، فظهور الحبل لم يترتب عليه حكم الرد، حتى يقاس عليه الحكم بصحة الرجعة. أما الدليل الثاني فقد رد أيضاً بأنهم لم يقولوا: ان النسب يثبت بظهور الحمل، وإنما الذي قالوه: ان النسب يثبت بالفراش إذا كانت الزوجة غير مطلقة، ويثبت بالولادة إذا كانت مطلقة، والولادة تثبت بقول القابلة - الداية - مثلاً إذا طلق الرجل امرأته الحامل طلاقاً رجعياً وهي حامل ثم راجعها فادعت أنه راجعها بعد أن وضعت وأنكرت ولادتها، فإن ولادتها لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، إلا إذا كان الحبل ظاهراً، كما ذكرنا آنفاً، فإنه حينئذ يكفي لإثبات الولادة شهادة القابلة لأن ظهور الحبل يؤيد شهادة المرأة، فظهور الحبل لم ثبت به الولادة والنسب وإنما ثبت ذلك بشهادة القابلة المؤيد بظهور الحمل، وشهادة القابلة لا تكون إلا بالولادة، فلا من لثبوت النسب من الولادة على كل حال لأنها هي التي تفيد اليقين، يدل لذلك ما ذكره في المبسوط، حيث قال: لو قال رجل لامرأته: إذا حبلت فأنت طالق، فإنها لا تطلق إلا إذا جاءت بولد في مدة أكثر من سنتين، فإذا وطئها مرة احتمل أن تكون قد حملت منه، فالأفضل له أن لا يقربها احتياطاً، ولكن لو وطئها بعد ذلك فإنه يجوز، ولو ظهر حملها فإن ظهور الحمل لا تطلق به لاحتمال أن لا يكون حملاً، وإنما تطلق إذا ولدت بيقين، ومتى تبين أنها طلقت وهي حامل وانقضت عدتها بالوضع، ويشترط لأكثر مدة الحمل من وقت الطلاق، وهي سنتان كما ذكرنا، أما قبل السنتين فإنه يجوز أن تكون قد حملت قبل تعليق الطلاق، فلا يتحقق التعليق، لأن المعلق عليه وهو الحمل كان موجوداً قبل اليمين وهذا كله صريح في أن ظهور الحمل لا يعتبر لا في ثبوت النسب. ولا في رد الجارية بعيب الحبل. ولا في ثبوت طلاق المرأة فكذلك لا يعتبر في مسألة الرجعية، فإذا راجعها قبل الوضع وقعت الرجعة موقوفة لا يحكم بصحتها إلا بعد ولادتها في المدة المعينة، وإلا تبين فسادها، وحاصل هذا الخلاف، أن بعضهم يقول: ان الرجل الذي أنكر وطء زوجته لا يملك رجعتها قبل وضع الحمل، لأن نكران الوطء يقتضي أنها مطلقة قبل الدخول، والرجعة تقتضي أنه وطئها فناقض نفسه، ولا بد لتكذيبه في الدعوى الأولى من أمارة شرعية يقينية، وهي الولادة في مدة يثبت النسب الولد منه. وحيث أنه لا يمكن أن يراجع بعد الوضع، فله أن يراجع رجعة موقوفة قبل الولادة، ولكن لا يترتب على هذه الرجعة حل الاستمتاع بالزوجة قبل أن تلد، لأن الرجعة لا يمكن الحكم عليها بالصحة قبل الولادة المذكورة، وظهور حمل المرأة غير كاف لأن ظهور الحمل أمارة ظنية، وبعضهم يقول: تصح الرجعة بظهور الحمل، ولكن لا تظهر صحتها إلا بالوضع في المدة المعينة، ومعناه أنها لا تكون زوجة له إلا إذا وضعت في المدة المذكورة، وإذاً فليس للخلاف فائدة، لأن كلاً منهما يقول: إن صحة الرجعة موقوفة على الولادة، إلا أن الفريق الأول يقول: إن الرجعة قبل الولادة لا يحكم عليها بالصحة، والفريق الثاني يقول: يحكم عليها بالصحة الموقوفة على الولادة، وتوقف ظهور الصحة على الولادة لا ينافي الحكم بالصحة قبل الولادة.

فإن قلت: ما فائدة هذا الكلام، أليس للزوجين مندوحة عن كل هذا بعمل عقد جديد؟ قلت: فائدته تظهر عند الشقاق فإذا راجعها الرجل قبل وضع الحمل وأشهد على الرجعة ثم جاءت بولد لأقل من ستة اشهر من تاريخ الطلاق، ولستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج، كان ولده، وبذلك يثبت كذبه في دعواه عدم وطئها، وتصح الرجعة وتكون زوجة له، وإن لم ترض فلا يحل لها أو تتزوج غيره، ولها عليه حقوق الزوجية ولكن هذه النتيجة متفق عليها بين الفريقين المختلفين في وصف الرجعة بالصحة وعدمها، وإنما ذكرنا آراءهم تكملة للبحث العلمي، ولأن في أدلة كل واحد منهما فوائد لا تخفى.

المسالة الثانية: رجل تزوج امرأة ثم ادعى أنه لم يطأها أصلاً، ثم ولدت منه ولداً لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج وهي زوجة له، ثم طلقها بعد الولادة، فهل يصح له أن يراجعها قبل انقضاء عدتها، أو لا يصح، فكانت مطلقة قبل الدخول فلا رجعة لها؟ والجواب: أن له الرجعة، لأنها لما ولدت على فراشه وهي زوجة له وكانت ولادتها في المدة المعتبرة شرعاً وهي ستة أشهر من تاريخ الزواج كان كاذباً في ادعائه عدم الوطء شرعاً وعلى هذا تكون زوجة له.

المسألة الثالثة: إذا خلا رجل بامرأته ثم أنكر وطأه إياها ثم طلقها طلقة رجعية، فهل يصح له المراجعة أو لا؟ والجواب: أنه لا حق له في الرجعة، لأنها مطلقة قبل الدخول، وقد عرفت أن الخلوة توجب العدة، ولكن تصح بها الرجعة، فإذا فرض وراجعها ولم تقر بانقضاء العدة، ثم تبين أنها حامل وجاءت بولد لأكثر من سنتين، وهي أكثر مدة الحمل، فإنه يثبت نسبه من المطلق ويتبين صحة رجعته بولادتها، أما إذا ولدت في اقل من سنتين، فإن ولادتها لا تكون رجعة لاحتمال أنها حملت به قبل طلاقها ويثبت نسبه منه متى ولدته لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج وهذا بخلاف المسألة الأولى، فإنه أنكر وطأها ولم يعترف بالخلوة بها، ثم طلقها فكانت مطلقة قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، فلا تثبت الزوجية بينهما إلا إذا وضعت لأقل من ستة أشهر من تاريخ الطلاق ولستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج، أما في هذه المسألة فإن المفروض أنه اعترف بالخلوة فيجب عليها أن تعتد منه، والمطلقة رجعياً ما دامت لم تعترف بانقضاء عدتها فإنها إذا ولدت ثبت نسب الولد من مطلقها، ثم إن راجعها قبل الولادة، فإن كانت الولادة لأكثر من سنتين كانت رجعة، وإلا فلا ، كما بيناه، وأما انقضاء العدة بالأشهر فإنه لليائسة من المحيض لكبر أو صغر والمتوفى عنها زوجها، وسيأتي بيانه في مباحث العدة.

هذا، وإذا اختلف الزوجان، فادعى الزوج الرجعة وأنكرت الزوجة، فإن لذلك صوراً:
الصورة الأولى: أن يدعي أنه راجعها قيل انقضاء عدتها ثم يخبرها بذلك بعد انقضاء العدة، بأن يقول لها: كنت راجعتك قبل انقضاء العدة ولا بينة له، وفي هذه الصورة لا يكون له حق في الرجعة إلا إذا صدقته في دعواه، فإن صدقته فإن الرجعة تصح قضاء، أما إذا كذبته فلا رجعة له عليها، وذلك لأن الزواج يثبت بالتصادق فثبوت الرجعة بالتصادق أولى، لأن الزوجية لم تنقطع، ولكن إن كان كاذباً، فإن الرجعة لا تصح ديانة ولو صدقته فلا يليق بالمسلم أن يقول لها: راجعتك كذباً، ويجعل هذه رجعة كافية لإباحة زوجته بعد انقضاء عدتها، فإنه يحرم عليها أن يطأها إن كان كاذباً، وقد يقال: إذا رغب كل منهما في العودة إلى الزوجية، فأية فائدة في ادعاء الرجعة ومصادقة الزوجة، أو ليس من المعقول البديهي أن تجديد العقد في مثل هذه الحالة أولى وأنزه وأبعد عن الشك والاحتمال ومع هذا، فلا فرق بين الرجعة وبين تجديد العقد من حيث عدد الطلاق. وما وراء ذلك فلا قيمة له عند الاتفاق؟ والجواب: أن العقد قد يكون غير ممكن كما إذا كانا مسافرين في الصحراء وليس معهما شاهدان، ولا يمكنهما الحصول على شاهدين بسهولة، وكان قد راجعها حقاً قبل انقضاء عدتها، فإن التصادق على الرجعة حينئذ أسهل من العقد، وأيضاً قد تكون هذه آخر طلقة، وبانقضاء العدة تحرم مؤيداً، وغير ذلك.

والمفكرون من الفقهاء يفرضون كل ما عساه أن يقع ويذكرون له أحكامه، فإذا ادعى الرجعة ولم تصدقه ولا بينة له فلا رجعة له عليها والقول قولها. وهل له اليمين أولا؟ والجواب: نعم له تحليفها اليمين على المفتى به، وبعضهم يقول: لا يمين له عليها، لأن الرجعة لا تحليف فيها، كبعض أمور أخرى: منها الإيلاء والنسب، والنكاح، والحدود، واللعان، ولكن المفتى به أن فيها الحلف ما عدا الحدود، واللعان.
الصورة الثانية: أن يدعي بعد انقضاء العدة أنه راجعها قبل أن تنقضي ويقيم البينة على أنه قال: راجعت زوجتي فلانة أمام البينة، وفي هذه الحالة تصح الرجعة، وكذا إذا أقر أمام البينة على أنه جامع زوجته أو لمسها بشهوة. أو نظر إلى فرجها بشهوة قبل انقضاء العدة، فإذا شهدت البينة بأنه أقر بذلك لها قبل انقضاء العدة فإن الرجعة تثبت، أما إقراره بعد انقضاء العدة بذلك، فإنه لا قيمة له، لأنه لم يخرج عن كونه دعوى للرجعة بخلاف إقراره به قبل انقضاء العدة، فإنه إقرار بالرجعة. فمتى ثبت ذلك الإقرار ثبتت الرجعة.

الصورة الثالثة: أن يدعي رجعتها في العدة، كأن يقول لها: قد راجعتك أمس، وفي هذه الحالة يصدق. ويكون ذلك رجعة، وإن لم ينشئ رجعة جديدة، فلا يلزم أن يقول لها: راجعتك، لأنه يملك الإنشاء في الحال فيملك الإخبار به في الماضي، ويصح إخباره به. ولكن يشترط أن يقصد بقوله: كنت راجعتك أمس إنشاء رجعتها. أما إذا قصد مجرد الإخبار فإنه يتوقف على تصديقها. فإن صدقته فذاك، ولعل قائلاً يقول: ما فائدة هذا الكلام أيضاً، إذ لا معنى لكونه يخبرها بإنشاء الرجعة أمس يريد به رجعتها، وهو قادر على أن يقول لها: راجعتك من غير لف ولا عناء؟ فماذا يكون الحكم؟

والجواب: أن هذه المسألة قد تقع، وقد يترتب عليها خلف، وذلك لأنه من الممكن القريب أن يقول زوج لمطلقته: قد راجعتك أمس في آخر لحظة من حيضتها الأخيرة ثم ينقطع دم الحيض بعد ذلك فتنقضي عدتها، فتقول له: إن هذا ليس برجعة فلا رجعة لك علي، فماذا يكون الحال؟ أن الشرع في هذه الحالة يقول لها: إن هذه رجعة، فمتى ادعى أنه قصد بذلك إنشاء الرجعة صدق وكان مراجعاً.
الصورة الرابعة: أن يقول لها: رجعتك من غير أن يعلم أن عدتها قد انقضت. وهذه الصورة تحتها حالتان. الحالة الأولى: أن تجيبه فور قوله هذا بقولها: قد انقضت عدتي بحيث يكون كلامها متصلاً بكلامه، وفي هذه الحالة تبطل الرجعة، بشرط أن يكون كلامها في زمن يصح فيه انقضاء العدة، بأن يكون قد مضى شهران إن كانت من ذوات الحيض، إلا أن تدعي الحمل، وأنها أسقطت سقطاً مستبين الخلق، وثبت ذلك. وإلا فلا يعبأ بقولها، وتصح الرجعة، والصاحبان يقولان: تصح الرجعة، ولو قالت له ذلك، لأن العدة كانت قائمة ظاهراً قبل قولها، فقوله: راجعت صادف قيام العدة، ولكن الإمام يقول: إنها أمينة على نفسها، فمتى قالت له: أن عدتي قد انقضت كان معناه أنها انقضت عدتي، فقال لها: راجعتك لا يكون ذلك رجعة باتفاق وللزوج تحليفها بأن عدتها قد انقضت عند إخباره بذلك.
الحالة الثانية: أن يقول لها: راجعتك، فتسكت ولو قليلاً، ثم تقول له: قد انقضت عدتي، وفي هذه الحالة تصح الرجعة باتفاق لأنها متهمة بالسكوت.

الصورة الخامسة: أن تدعي انقضاء عدتها ثم تكذب نفسها، وتقول: إن عدتي لم تنقض، وفي هذه الحالة يصح له أن يراجعها لأنها كذبت نفسها في حق عليها، وهو حق الزوج في رجعتها، فيبقى هذا الحق قائماً، بخلاف ما إذا كذبت نفسها قي حق لها، فإن تكذيبها لا يعتبر.
الصورة السادسة: أن يخلو بها ثم يدعي أنه وطئها وهي تكذبه في دعوى الوطء، وتدعي أنه طلقها قبل الوطء، وبذلك تبين منه، فلا رجعة له عليها، وحكم هذه الصورة أن الرجعة تصح ويصدق هو بلا يمين، لأن الظاهر - وهو الخلوة بها - يؤيده ويكذبها.
الصورة السابعة: إذا لم تثبت خلوته بها، وادعى أنه وطئها فكذبته، وفي هذه الصورة لا رجعة له، لأن الظاهر يكذبه عكس الصورة الأولى.
: - يبطل حق الزوج في الرجعة بانقضاء عدة الزوجة بالحيض ثلاث مرات، إن

خاتمة في أمور: أحدها إذا كان للزوجة مؤجل صداق إلى الطلاق وطلقها رجعياً، فهل لها المطالبة بالمؤجل قبل أن تبين منه بانقضاء العدة أو لا؟ والجواب: أن الصحيح ليس لها المطالبة إلا بعد أن تبين بانقضاء العدة. ثانيها: إذا قال لها: راجعتك على عشرين جنيهاً مثلاً، فطالبته بها، فهل يلزمه المبلغ أو لا؟ خلاف، فبعضهم يرى أنه يلزمه المبلغ ويجعل ملحقاً بالمهر، وبعضهم يرى أنه لا يلزمه، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك، والعوض لا يجب عليه في مقابلة الملك، وهو الظاهر. ثالثها: إذا قال الرجل المطلق رجعياً: أبطلت رجعتي أو لا رجعة لي أو أسقطت حقي في مراجعتك ثم راجعها، فهل لها أن تقول له: إنك أسقطت حقك فلا رجعة لك علي؟ والجواب لا، فإن حقه في الرجعة ثابت بالشرع فلا يملك التنازل عنه ولا اسقاطه.

انقضاء العدة المبطل للرجعة عند المالكية

المالكية - قالوا: تبطل الرجعة بالأمور المذكورة على التفصيل الآتي، فأما الحيض فإن عدتها تنقضي بثلاثة أطهار لا بثلاث حيض، وأقل مدة تنقضي فيها العدة بالإقراء شهر، وذلك لأنه إذا طلقها في أول الشهر وهي طاهرة، ثم حاضت بعد الطلاق بلحظة، فإن هذا الطهر يحسب لها، فإذا كان ذلك بالليل ثم استمر الدم إلى ما قبل الفجر وانقطع، فإنه يحسب لها حيضة، وذلك لأن أقل الحيض في باب العدة. هو أن ينزل يوماً أو بعض يوم، بشرط أن يقول النساء: إنه حيض، فإذا استمرت طاهرة إلى نهاية اليوم الخامس عشر حسب لها ذلك الطهر، لأن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، ويحسب بالأيام لا بالليالي. فإذا حاضت في الليل واستمر الحيض إلى ما قبل طلوع الفجر كان ذلك حيضة. فإذا انقطع واستمرت طاهرة خمسة عشر يوماً ثانية كان ذلك طهراً ثالثاً، وعلى ذلك تكون قد طهرت ثلاثة أطهار. الطهر الذي طلقها فيه - وهو اللحظة التي حاضت بعدها - ثم الطهر الثاني. والطهر الثالث، وهما ثلاثون يوماً ولحظة، فإذا فرض ووقع ذلك في شهر رمضان فإنها تحيض فيه وتطهر وتقضي عدتها بنهايته، ولم تفطر فيه يوماً واحداً.

فإذا قالت له: إن عدتها قد انقضت بالطهر من الحيض ثلاث مرات بعد الطلاق، فإن ذلك يحتمل ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن لا يمكن أن تنقضي فيه العدة مطلقاً، وهي أقل من شهر، فإنها في هذه الحالة لا تصدق في دعواها ولا يسأل في شأنها النساء.
الوجه الثاني: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن يندر انقضاء العدة فيه، وهو الشهر مثلاً لأنه وإن كان يمكن أن تنقضي العدة في شهر ولكنه نادر، وفي هذه الحالة تصدق بشهادة الخبيرات من النساء، فإذا شهدت بأن النساء قد يحضن ثلاث حيض في هذه المدة ويطهرن منها على الوجه المتقدم إذن تصدق بلا يمين، وقيل: بل تصدق إن حلفت بأن عدتها قد انقضت، فإن نكلت عنه صحت الرجعة. الوجه الثالث: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاء العدة فيه غالباً. وفي هذه الحالة تصدق بلا يمين، ولا سؤال النساء.
وإذا أراد رجعتها فقالت له: إن عدتها قد انقضت في زمن يمكن انقضاؤها فيه ثم كذبت نفسها، وقالت: أنها لم تحض، أو لم تلد لا يسمع قولها، حتى ولو شهدت النساء بأن ليس بها أثر حيض أو ولادة، لأنها تبين بمجرد قولها: حضت ثالثة. أو وضعت الحمل.
هذا إذا صرحت بأنها حاضت الثالثة، أما إذا قالت: أنها رأت دم الحيضة الثالثة ثم رجعت، وقالت: إنها رأت الدم ولكنه لم يستمر يوماً أو بعض يوم فلم يكن دم الحيض الذي تنقضي به العدة، ففي هذا خلاف، فبعضهم قال: لا يسمع قولها أيضاً، كالأولى وبعضهم قال: يسمع قولها إن قالت أنها رأت الدم وانقطع، ولم يعد ثانياً، حتى مضى الطهر، أما إن قالت: أنها رأت المد وانقطع حالاً ثم عاد قبل أن تمضي عليه مدة طهر كان حيضاً تنقضي به العدة، وهذا هو الراجح.

وإذا طلقها زوجها طلقة رجعية ثم مات عنها بعد سنة أو اكثر فادعت أنها لم تحض أصلاً، أو ادعت أنها حاضت واحدة أو اثنتين فقط حتى ترث منه لعدم انقضاء عدتها. فإن هذه لا يخلو حالها من أحد أمرين: الأول: أن تكون لها عادة باحتباس دم الحيض عندها، فتمكث مثل هذه المدة بدون حيض ثم تحيض، وقد وقع لها ذلك في زمن أن كانت زوجة للمتوفى، وأخبرت به الناس حتى عرف عنها، وفي هذه الحالة تسمع دعواها ويقبل قولها بيمين، ويكون لها حق الميراث. الثاني: أن لا يظهر منها هذا في حال حياة مطلقها، وفي هذه الحالة لا يقبل قولها ولا ترث، لأنها ادعت أمراً نادراً، أما إذا مات بعد ستة أشهر من يوم الطلاق. أو أكثر إلى سنة، وادعت عدم انقضاء العدة، فإنها ترث بيمين إن لم يظهر منها غيبة دم الحيض واحتباسه مدة حياة المطلق، أما إن ظهر منها ذلك فإنها ترثه بدون يمين، فإن مات بعد الطلاق بأربعة أشهر إلى ستة أشهر فإنها تصدق من غير يمين مطلقاً، ومثل ذلك ما إذا كانت مرضعة فإنها تصدق وترث بلا يمين، ولو مات بعد سنة أو أكثر، وكذا إذا كانت مريضة، وذلك لأن الرضاع والمرض يمنعان الحيض غالباً.

هذا ما يتعلق بالحيض أو الإقراء، وأما الحمل، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل كله، بحيث لو انفصل منها بعضه فإنه يحل للزوج رجعتها.
ولا فرق بين أن يكون الولد كاملاً، أو سقطاً. فإذا ادعى الزوج أنه راجعها في العدة كذبته ولا بينة له، فتزوجت بغيره، ثم وضعت ولداً كاملاً لأقل من ستة أشهر بعد وطء الزوج الثاني فإن الولد يلحق بالأول لظهور كون الحمل منه لا من الثاني، ويفسخ النكاح الثاني، وترد إلى الأول برجعته التي ادعى أنه أنشأها قبل انقضاء العدة، وهل يتأبد تحريمها على الزوج الثاني بحيث لو مات زوجها الأول أو طلقها يحل له أن ينكحها ثانياً أو لا؟ والجواب: نعم يحل له ذلك. لأنها ليست معتدة حتى يقال: إن من نكح معتدة الغير حرمت عليه مؤبداً، وذلك لأن المفروض أن زوجها الأول راجعها، وألحق الولد به، فهي ذات زوج نكحها الثاني نكاحاً فاسداً، على أن بعضهم يقول: من تزوج معتدة بطلاق رجعي لا يتأبد عليه تحريمها، فلو فرض وكانت معتدة فإنه لا يتأبد عليه تحرمها.

وإذا ادعى أنه راجعها في العدة بالوطء بنية الرجعة أو راجعها بالتلذذ بها في العدة وأقر بذلك أمام شهود قبل انقضاء العدة، بأن قال أمامهم: راجعت زوجتي بالوطء مع نية الرجعة. أو تلذذت بها بدون وطء مع نية الرجعة، وأنكرت هي ذلك، وشهدت الشهود بإقراره صحت رجعته ما دامت الخلوة بها ثابتة، ولو بامرأتين، كما تقدم، ومثل ذلك ما إذا ادعى الرجعة، وأتى ببينة شهدت بأنها رأته قد بات عندها، أو رأيته قد اشترى لها أشياء أرسلها لها فإن الرجعة تصح بشرط أن تشهد البينة بأنها عاينت ذلك، أما إذا شهدت بإقراره أمامها قبل انقضاء العدة، فإن الرجعة لا تصح.
وإذا راجعها فقالت: حضت ثالثة، فلا رجعة لك علي، وأتى بشهود شهدوا بأنها أخبرتهم بأنها لم تحض الثالثة، ولم يمضي وقت يمكنها أن تحيض فيه، فإن رجعته تصح، وإن لم تقم البينة على ذلك فلا تصح.
ثالثها: أن تنقضي عدتها بالأشهر. وسيأتي بيان ذلك في مباحث العدة.

انقضاء العدة المبطل للرجعة عند الشافعية

الشافعية - قالوا: تبطل الرجعة بانقضاء العدة وهي تنقضي بثلاثة أمور:
أحدها: وضع الحمل، فإذا ادعت أنها وضعت الحمل ولا رجعة له عليها وأنكر الزوج فإنها تصدق بيمينها بغير بينة. بشروط أن تكون المدة التي مضت بعد طلاقها يمكن أن تضع فيها الحمل ثم إن الحمل الذي تنقضي به العدة ثلاثة أقسام: الأول أن تضعه تام الخلق، فإذا وضعت ولداً تام الخلق في مدة ستة أشهر ولحظتين: لحظة الوطء ولحظة الولادة من وقت إمكان اجتماعهما بعد عقد الزواج. فقد انقضت عدتها بذلك، أما إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت إمكان اجتماعهما، فإن عدتها لا تنقضي ولا يلتفت إليه، لأن الولد يكون من غيره ويكون له الحق في الرجعة بعد ولادته ما دامت في العدة، وعدتها تنقضي بثلاثة قروء - أطهار - بعد انقضاء النفاس، وذلك لأن النفاس كالحيض لا يحسب من العدة، القسم الثاني: أن تضعه سقطاً مصوراً وهذا يشترط في انقضاء العدة به أن يمضي على سقطه مائة وعشرون يوماً ولحظتان من إمكان اجتماعهما، فإن جاءت به لأقل من ذلك مصوراً فلا تنقضي به عدتها. لأنه لا يكون ابنه.

القسم الثالث: أن تضعه مضغة، ويشترط لانقضاء العدة بها أن يمضي على إمكان اجتماعهما ثمانون يوماً ولحظتان، على أنه يشترط لهذا شرط آخر، وهو أن تشهد القوابل أن هذه المضغة أصل آدمي، وإلا فلا تنقضي بها العدة أصلاً.
وقد استدلوا على أن أقل مدة الحمل التام ستة أشهر بقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} فإن مدة الفطام حولان، والباقي - وهو ستة أشهر - مدة الحمل، واستدلوا على أن أقل مدة المصور مائة وعشرون يوماً، وأقل مدة المضغة ثمانون يوماً بحديث الصحيحين.
ثانيها: الإقراء، والقرء: الطهر من الحيض. والعدة تنقضي بثلاثة أقراء، فإذا ادعت أن عدتها انقضت بالإقراء في مدة ممكنة فإنها تصدق بيمينها بدون بينة، وأقل مدة ممكنة في الزوجة الحرة اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان. لحظة للقرء الأول، ولحظة للدخول في الحيض الثالثة، مثال ذلك: أن يطلق زوجته وهي طاهرة في آخر لحظة من ذلك الطهر، بشرط أن يكون طهراً عقب حيض، فتحيض بعد ذلك مباشرة، وترتفع الحيضة في أقل زمن الحيض وهو يوم وليلة، ثم تمكث طاهرة أقل الطهر. وهو خمسة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة أيضاً، ثم تطهر خمسة عشر يوماً ثم تحيض وبذلك يتم لها اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان: لحظة الطهر الذي طلقها فيه ومدة الحيضة الأولى، وهي يوم وليلة - أربعة وعشرون ساعة - ومدة الطهر الثاني الذي يلي الحيضة الأولى، وهو خمسة عشر يوماً بلياليها ومدة الحيضة الثانية التي تلي الطهر الثاني، وهي يوم وليلة أيضاً، ومدة الطهر الثالث الذي يلي الحيضة الثانية، وهي خمسة عشر يوماً ثم لحظة من الحيضة الثالثة التي يتم بها الطهر الثالث، ومجموع ذلك اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان.

هذا إذا طلقها في طهر قبله حيض، أما إذا طلقها وهي طاهر قبل أن تحيض أصلاً، فإن هذا الطهر لا يحسب من العدة لأن الطهر الذي يحسب من العدة هو ما كان بين دمين قبله وبعده، وهذه يمكن أن تنقضي عدتها بثمانية وأربعين يوماً، وذلك بأن يطلقها في آخر لحظة من ذلك الطهر الذي لا يحسب لها، فتحيض أقل الحيض يوماً وليلة، ثم تطهر أقل الطهر خمسة عشر يوماً، ثم تحيض أقل الحيض كذلك ثم تدخل في الحيضة الرابعة بلحظة، فهذه ثلاثة أطهار بخمسة وأربعين يوماً، وثلاث حيض بثلاثة أيام، ولحظة الحيض الرابعة، فالمجموع ثمانية وأربعون ولحظة.
هذا إذا طلقها في الطهر، أما إذا طلقها في آخر لحظة من حيضها فإنها يمكن أن تنقضي عدتها في هذه الحالة بسبعة وأربعين يوماً ولحظة من حيضة رابعة، وذلك لأنها تمكث طاهرة بعد الحيضة التي طلقها فيها خمسة عشر يوماً، ثم تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر خمسة عشر يوماً، ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوماً، هذا هو الطهر الثالث، ثم تحيض الرابعة، ومتى رأت الدم انقضت عدتها ومجموع ذلك ثلاثة أطهار في خمسة عشر يوماً يساوي خمسة وأربعين، وحيضتان بيومين، ولحظة الحيضة الرابعة، وهو العدد المذكور.
هذا إذا كانت حرة، أما إذا كانت أمة فإنها إذا طلقت في آخر طهر انقضت عدتها بستة عشر يوماً ولحظتين، وإذا طلقت في حيض انقضت بأحد وثلاثين يوماً ولحظة، ولا يخفى توجيه ذلك.

واعلم أن اللحظة من الحيضة الأخيرة ليس من العدة فلا تصح الرجعة فيها، وإنما هي معتبرة للاستدلال على تكملة القرء الأخير.
ثالثها: الأشهر فتنقضي عدة الآيسة من الحيض بثلاثة أشهر كما سيأتي إيضاحه في مباحث العدة، وهذه لا يتصور فيها خلاف، فإذا كانت آيسة من الحيض وادعت أن عدتها انقضت بالإقرار وكذبها فإنه يصدق بيمينه، وكذا إذا كانت صغيرة، فإنها إذا ادعت أنها حاضت وانقضت عدتها بالإقراء والواقع أن مثلها لا يمكن أن تحيض، فإن القول قوله، ويصدق بيمينه وقيل: يصدق بدون يمين.
هذا، وإذا ادعى الرجعة وأنكرت فلا يخلو إما أن يكون ذلك في العدة أو بعد انقضائها، فإذا كان في العدة فإنه يصدق بيمينه، فإن قلت: إذا كانت العدة باقية فيمكنه أن يقول: راجعت زوجتي وينتهي بدلاً من الخصومة والحلف، قلت: إن هذا يشمل ما إذا وطئها في العدة وادعى أنه راجعها قبل الوطء بدون بينة وأنكرت الرجعة، لأن لها الحق في المهر بالوطء قبل الرجعة كما تقدم فإذا حلف أنه راجعها قبل الوطء فإنه يصدق، وهل تعتبر دعواه في هذه الحالة إنشاء للرجعة أو إقراراً بها؟ قولان مرجحان. ولكن الأوجه أنها إقرار، إذ لا معنى لكون الدعوى إنشاء للرجعة. أما إذا ادعى الرجعة بعد انقضاء العدة، فإن في ذلك صوراً.
الصورة الأولى: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة، ويختلفا في وقت الرجعة، فتقول: إن عدتها انقضت يوم الجمعة مثلاً، وهو يوافقها على ذلك، ولكن يقول: إنه راجعها يوم الخميس قبل انقضاء العدة، وهي تقول: بل راجعني يوم السبت بعد انقضاء العدة ولم تكن قد تزوجت غيره ولم يكن له بينة على رجعته، وحكم هذه الصورة أن القول للمرأة بيمينها فتحلف على العلم أي تقول واللّه لا أعلم أنه راجع يوم الخميس، وبذلك تصدق، ولا يكون له عليها حق الرجعة.
: - يبطل حق الزوج في الرجعة بانقضاء عدة الزوجة بالحيض ثلاث مرات، إن.

الصورة الثانية: عكس الأولى، وهي أن يتفقا على وقت الرجعة، ويختلفا في وقت انقضاء العدة، والمسألة بحالها، كأن يقول: إنه رجعها يوم الجمعة، وأنها ولدت يوم السبت بعد الرجعة وهي توافقه على أنه راجعها يوم الجمعة، ولكنها ولدت يوم الخميس قبل الرجعة، وفي هذه الحالة يكون القول قول الزوج بيمينه، فيحلف بأن عدتها لم تنقض يوم الخميس وتثبت رجعته، وذلك لأنها في هذه الصورة قد اعترفت بالرجعة، فكان الأصل وجود الرجعة وعدم انقضاء العدة حال الرجعة، فيعمل بالأصل ويكون القول للزوج بعكس الصورة الأولى، فإن الاتفاق فيه على انقضاء العدة فالزوج معترف بانقضاء العدة فكأن الأصل في هذه الحالة حصول انقضاء العدة وعدم الرجعة حال انقضاء العدة، فعمل بهذا الأصل، وجعل القول للزوجة بيمينها.

الصورة الثالثة: أن تدعي أنها ولدت قبل أن يراجعها، وهو قد ادعى أنه راجعها قبل أن تلد، ولم يعين أحدهما وقتاً، وفي هذه الحالة تقبل دعوى السابق منهما، سواء رفعها إلى حاكم أو محكم وذلك لأنها إن سبقت الزوجة، فادعت أن عدتها انقضت وأنه لم يراجعها في العدة، وحضر الزوج فوافقها على انقضاء العدة، ولكنه قال: إنه راجعها قبل انقضائها، فقد اتفقا على الانقضاء واختلفا في الرجعة، وفي هذه الحالة يكون الأصل عدم الرجعة، وإن سبق الزوج فادعى الرجعة كانت الرجعة هي الأصل، لأنه سبق بذكرها قبل أن تدعي المرأة انقضاء عدتها، فتقررت الرجعة وهي موافقة عليها إلا أنها حصلت بقضاء العدة، ولكن الأصل عدم انقضاء العدة في هذه الحالة، وبعضهم يقول: إن حضرت أمام الحاكم من غير تراخ وادعت أنه راجعها بعد العدة كان القول لها، ولكن الراجح الأول.
والحاصل أنها إن حضرت أولاً أمام الحاكم أو المحكم وادعت أن عدتها انقضت قبل الرجعة ثبت قولها، لأن لها الحق فيه ما دام الزمن يسع انقضاء العدة وتقرر أمام الحاكم فإذا حضر بعدها وادعى أنه راجعها قبل العدة كان قوله لغواً، وإذا حضر هو أمام الحاكم وقرر أنه راجعها ثبت قوله، لأن له الحق في ذلك، فإذا حضرت بعده وقالت: إنه راجعها بعد انقضاء العدة كان قولها لغواً.
الصورة الرابعة: أن تتزوج غيره، ثم يدعي أنه راجعها قبل أن تنقضي عدتها، ولا بينة له، وفي هذه الحالة تسمع دعواه وله عليها الحلف، فإن حلفت بأن عدتها قد انقضت فذاك وإن أقرت فإنها تلزم بدفع مهر مثلها لزوجها الأول. ولا يفسخ نكاحها من الثاني لكونه صحيحاً في الظاهر ولاحتمال أنها كاذبة في إقرارها لتتخلص من زوجها الثاني، نعم إذا مات زوجها الثاني أو طلقها فإنها ترجع إلى زوجها الأول بلا عقد جديد عملاً بإقرارها، واستردت منه المهر الذي غرمته له إذا أقام الزوج الأول بينة على أنه راجعها في العدة، فإن عقدها على الثاني يفسخ.

وبهذا تعلم أن إقرارها بأنها تزوجت بالثاني قبل انقضاء عدت الأول لا يعتبر، لأنها كذبت نفسها، فإن إقدامها على التزوج إقرار بانقضاء العدة، فإذا قالت بعد ذلك: إن عدتها لم تنقص احتمل أنها كاذبة في الثاني لتتخلص من زوج الثاني، فلم يعمل به ولكن لما كان يحتمل أنها صادقة فيه من جهة أخرى، وقد ادعى الزوج الأول أنه راجعها، فإنه يعمل به من هذه الناحية إذا طلقت من زوجها الثاني، فتعود إليه بدون عقد جديد، أما البينة فإن الشأن فيها الصدق، ومتى شهدت بأنه راجعها قبل انقضاء العدة، فقد ثبت بطلان العقد الثاني، فيفسخ. الصورة الخامسة: أن يدعي أنه طلقها بعد أن وطئها، فله مراجعتها، وهي أنكرت الوطء وفي هذه الحالة يكون القول لها بيمينها لأن الأصل عدم الوطء، ثم إنه أقر لها بالمهر كاملاً وهي لا تدعي إلا نصفه، فإن كانت قد قبضته فلا رجوع له بشيء عملاً بإقراره وإن لم تكن قبضت فلا تطالبه عملاً بإقراره، فإن أخذت النصف، ثم اعترفت بعد ذلك بوطئه إياها، فهل تستحق النصف الآخر بناء على اعتراف الزوج الأول أو لا بد من ذلك من اعتراف جديد من الزوج؟ والمعتمد أنه لا بد فيه من اعتراف جديد.
الصورة السادسة: أن تنكر الزوجة الرجعة، ثم تعترف بها، وفي هذه الحالة يقبل اعترافها.

انقضاء العدة المبطل للرجعة عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: ينقطع حق الزوج في الرجعة بانقضاء العدة، فإذا انقضت العدة فلا رجعة لمفهوم قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} فإن الرد للموصوف بكونه بعلاً، وهو الزوج، فإذا انقضت العدة لم يكن بعلاً، وتنقضي العدة بأمور.
أحدها: أن تطهر من الحيضة الثالثة إن كانت حرة. أو من الحيضة الثانية إن كانت أمة ومعنى طهرها أن تغتسل بعد انقطاع الدم، فإن لم تغتسل لا تنقضي عدتها ويكون له الحق في رجعتها، ولو مكثت عشر سنين لم تغتسل، وذلك لأن عدم الغسل يحرم على الزوج وطأها كالحيض، وحيث أن الحيض يجعل له الحق في الرجعة، فكذلك عدم الغسل، لأنه كالحيض في منع الزوج من الوطء فكان له حكمه، ولا تحل للأزواج قبل الاغتسال بحال من الأحوال ولكن إذا مات زوجها قبل أن تغتسل فلا ترثه، وكذا إذا ماتت هي لا يرثها، لأن انقطاع الدم كاف في انقضاء العدة بالنسبة للميراث، وكذا بالنسبة للطلاق، فلو طلقها ثانية بعد انقطاع دم الحيضة الأخيرة لا يلحقها الطلاق لأنها تعتبر بائنة وكذا بالنسبة للنفقة وسائر حقوق الزوجية فإنها تنقطع بانقطاع دم الحيضة الأخيرة، ولو لم تغتسل.

والحاصل أن انقطاع دم الحيضة الأخيرة تبطل به حقوق الزوجية، ولو لم تغتسل، ماعدا الرجعة وحلها للأزواج فإنهما لا يبطلان إلا بالغسل.
واعلم أن الحنابلة يقولون: إن القرء هو الحيض، ولا بد أن تحيض الحرة ثلاث حيضات، وأقل مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض تسعة وعشرون يوماً ولحظة، لأن أقل الحيض يوم وليلة، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، فإذا فرض وطلقها في آخر الطهر ثم حاضت عقب الطلاق يوماً وليلة حسبت لها حيضة، فإذا طهرت واستمر طهرها ثلاثة عشر يوماً حسب بها، فإذا حاضت يوماً وليلة حسبت لها حيضة ثانية، فيكون المجموع خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت ثلاثة عشر يوماً حسب له طهر، فإذا حاضت بعده يوماً وليلة حسبت لها حيضة ثالثة وذلك أربعة عشر يوماً، فإذا ضمت إلى خمسة عشر كان المجموع تسعة وعشرين يوماً، أما اللحظة الباقية فهي أن تدخل في الطهر من الحيضة الثالثة، لأن بهذه اللحظة يعرف انقضاء الحيضة، وهي ليست من العدة، فإن ادعت أن عدتها انقضت في اقل من هذه المدة فلا تسمع دعواها، وأما الأمة فيمكن انقضاء عدتها في خمسة عشر يوماً ولحظة.

ثانيها: أن تضع الحمل كله بحيث لو نزل بعضه يكون له الحق في الرجعة، وإذا كانت حاملاً في اثنين ووضعت أحدهما فإن العدة لا تنقضي ما لم ينزل الثاني، ويكون له الحق في الرجعة قبل نزوله، فإن لم يراجعها حتى وضعت الحمل كله فإنه لا يكون له حق في رجعتها، وتحل للأزواج ولو لم ينقطع نفاسها، وكذا لو لم تغتسل منه، لأن العدة تنقضي بوضع الحمل لا بانقطاع النفاس ولا بالغسل منه، وإذا تزوجت المطلقة رجعياً قبل أن تنقضي عدتها فإنها تعتبر في عدة الزوج الأول حتى يطؤها الثاني. مثلاً إذا حاضت الحرة حيضتين، ثم عقد عليها آخر، فإنها تعتبر في عدة الأول بعد العقد عليها، بحيث لو حاضت مرة ثالثة بعد العقد، وطهرت منه، بأن اغتسلت بعد انقطاعها، قبل أن يطأها الزوج الثاني انقضت عدة الزوج الأول، لأن العقد الثاني لا قيمة له، فإذا راجعها قبل ذلك صحت رجعته، أما إذا وطئها الزوج الثاني فإن عدة الزوج الأول تقف عند الوطء بحيث لا يحسب حيضها بعد الوطء من عدة الزوج الأول، فيحل له رجعتها وإذا حملت من الزوج الثاني كان له الحق في رجعتها مدة الحمل وبعد الوضع أيضاً، لأن الوضع ليس منه، فبه تنقضي عدتها من الثاني، أما عدتها من الأول فباقية ولم يقطعها ظاهراً إلا وطء الزوج الثاني، وإذا رجعت إلى الأول فإنه لا يحل له وطؤها إلا بعد أن تضع حملها وتطهر من نفاسها، وإذا أمكن أن تكون حاملاً من الأول ووطئها الثاني فأكمله، فإن للأول رجعتها قبل وضعه، لأنه إن كان من الأول فرجعته صحيحة قبل الوضع، وإن كان من الثاني فالأمر ظاهر، أما إذا راجعها بعد الوضع فإن الرجعة لا تصح إلا إذا كان الولد من الثاني، كما عرفت، أما إذا كان من الأول فالرجعة باطلة، لأن العدة تكون قد انقضت بالوضع.

هذا، وإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل كاملاً ليس سقطاً لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد، لأن ذلك أقل مدة الحمل، أما إن ادعت أنها أسقطت الحمل فإنه لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوماً من إمكان الوطء بعد العقد، لأن العدة لا تنقضي إلا بما يبين فيه الخلق، والجنين لا يبين خلقه إلا بعد هذه المدة.
ثالثها: الأشهر إذا كانت يائسة من الحيض ولم تكن حاملاً.
هذا، وإذا قالت: قد انقضت عدتي، فقال لها: كنت قد راجعتك، ولا بينة له، فالقول قولها، لأنها تملك الادعاء بهذا في الزمن الممكن، وإن بدأ هو فقال: قد راجعتك فقالت له: قد انقضت عدتي فلم يصدقها كان القول قوله، لأنه يملك الرجعة قبل قبولها، وقد صحت في الظاهر، فلا يقبل قولها في إبطالها.
وإذا قال لها: راجعتك أمس، فإن قال لها ذلك وهي في العدة اعتبر رجعة، وإن قال لها ذلك بعد انقضاء العدة، فإن صدقته فذاك، وإن لم تصدقه فالقول لها.

وإن اختلفا في الوطء قبل الطلاق فادعى أنه أصابها أو خلا بها - فله عليها حق الرجعة - وأنكرت كان القول لها، لأن الأصل عدم الوطء فإن ادعت هي بعد الطلاق أنه أصابها أو خلا بها لتستحق كل المهر، وأنكر هو كان القول قوله: لأنه المنكر. وهي لا تستحق في الموضعين إلا نصف المهر، سواء أنكرت الوطء أو ادعته، ولكن إذا ادعى أنه وطئها وأنكرت، وكانت قبضت المهر فلا يرجع عليها بشيء، أما إذا لم تكن قبضته فلا تستحق إلا نصفه، وفي حالة ما إذا ادعت أنه أصابها وأنكر، فإنه يرجع عليها بنصف المهر إذا كانت قد قبضته).

خاتمة في مسألتين

إحداهما: هل يملك الثلاث إذا عادت له بعد التزوج بغيره؟
ثانيهما: هل المطلقة رجعياً زوجة. أو لا؟
1 - إذا طلق الرجل زوجته واحدة. أو ثنتين وانقضت عدتها وتزوجت بغيره ووطئها الزوج الثاني، ثم طلقها وعادت للأول، فهل يملك عليها الطلقات الثلاث. كما لو طلقها ثلاثاً ووطئها زوج غيره، أو تعود له بما بقي من طلقة أو طلقتين؟
2 - وهل المطلقة رجعياً زوجة تعامل معاملة الأزواج قبل الرجعة. أو لا؟

أما الجواب عن المسألة الأولى: فهو أنها تعود بما بقي لها من الطلاق، سواء وطئها زوج آخر أو لا. وذلك لأن الذي يهدم عدد الطلقات هو الطلاق الثلاث فقط، فإذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجت غيره ووطئها، وطلقها وعادت لزوجها الأول فإنه يملك عليها ثلاث طلقات، أما إذا طلقها واحدة أو ثنتين وعاد إليها فإنه يملك ما بقي فقط، سواء وطئها زوج غيره أو لا، وهذا يكاد يكون متفقاً عليه (1) وهو مروي عن عمر، وعلي، وأبي بن كعب وعمران بن الحصين.

وأما الجواب عن المسألة الثانية، فهو أنها زوجة قبل الرجعة في غير الاستمتاع، فيه ترث من زوجها وتورث، ويصح الإيلاء منها، فإذا حلف أن لا يقرب مطلقته رجعياً مدة أربعة أشهر كان مولياً تجري عليه الأحكام الآتية في مبحث الإيلاء: ويصح لعانها، فإذا رمى مطلقته رجعياً بالزنا، ولم يأت بأربعة شهداء، تلاعنا، كما لو كانت غير مطلقة ويصح الظهار منها فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي لزمته كفارة الظهار الآتي بيانها، ويلحقها الطلاق، فلو قال: زوجاتي طوالق، طلقة ثانياً: وإن خالعها صح الخلع، أما الزنية والاستمتاع ففيهما تفصيل المذاهب (2).


إذا طلقها واحدة أو ثنتين وعاد إليها عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: خالف في ذلك أبو حنيفة، وأبو يوسف، فقالا: إذا وطئها زوج آخر بعقد صحيح، وعادت لزوجها الأول يملك عليها الثلاث، كما لو طلقها ثلاثاً بلا فرق وهذا مروي عن ابن عباس، وابن عمر، ولكن محققي الحنفية قالوا: إن قول محمد هو الصحيح، كقول الأئمة الثلاثة، وحجتهم في ذلك أنه مروي عن كبار الصحابة، وليس من السهل مخالفتهم. وبعضهم رجح قول الصالحين، وهو الراجح فيما يظهر، لأنه إن كان الترجيح مبنياً على مجرد الرواية فالصاحبان قد رويا عن فقيهين عظيمين من فقهاء الصحابة، وكفى بابن عباس، وابن عمر حجة في الفقه، وإن كان مبنياً على الدليل، بل المعقول القريب أن وطء الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فإنه يهدم الأقل من باب أولى، وقول محمد: أن قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} جعل غاية للحرمة الكبيرة فهدمها، لا يخفى ضعفه، لأنه لم يتعرض فيها لعدد وإنما بين الحل بنكاح الثاني، ولو سلم، فإنه لم يحصر الهدم على الثلاث، بلا أفاد أنه يهدم الثلاث فغيرها أولى).

الزنية والاستمتاع للمطلقة رجعية عند الحنفية

(2) (الحنفية - قالوا: يجوز للمطلقة رجعية أن تتزين لزوجها الحاضر لا الغائب طبعاً. ويحوم ذلك في الطلاق البائن والوفاة، ولكن بشرط أن تكون الرجعة مرجوة، بحيث لو ظنت أنها إذا تزين له حسنت في نظره فيراجعها فإنها تفعل. أما إذا كانت تعتقد أن الزينة لا فائدة منها وإن طلاقها مبني على أمر آخر فلا تفعل، ويجوز له أن يخلو بها ويدخل عليها من غير استئذان ولكن يندب له إعلامها بأن يشعرها قبل دخوله، فإن لم يفعل كره ذلك تنزيهاً، ولكن يشترط في ذلك أن يكون ناوياً الرجعة، أما إذا كان مصراً على عدم العودة إليها فيكره له الخلوة بها إذا ربما لمسها بشهوة فيكون ذلك رجعة وهو لا يريدها، فيلزمه أن يطلقها ثانياً، فتطول عليها العدة، وهو ليس بحسن فإذا لم يكن قاصداً الرجعة فيكون له تنزيهاً أن بخلو بها وإنما كره تنزيهاً لأن زوجته يباح له وطؤها بلا نية رجعة، لكن ينبغي له أن لا يطيل عليها العدة بالوطء إذا لم يكن عازماً على الرجعة، فإذا كان عازماً فلا كراهة في ذلك مطلقاً، ولها الحق في القسم إن كان لها ضرة ما دام ناوياً على مراجعتها وإلا فلا.
وهل يصح له أن يسافر بها ويخرجها من المنزل الذي طلقت فيه إذا كان ناوياً الرجعة، أو لا؟ والجواب: أن التحقيق لا يصح إخراجها من المنزل مطلقاً قبل الرجعة بالفعل لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية، كما تقدم، وبعضهم يقول: إذا نوى الرجعة فله ذلك.
ويندب للزوج أن يشهد على الرجعة رجلين عدلين، ولو بعد الرجعة بالفعل.

الزنية والاستمتاع للمطلقة رجعية عند المالكية

المالكية - قالوا: إذا كان ناوياً مراجعتها فإنه يحل له أن يستمتع بها بلمس ونظر إلى عورة وخلوة ووطء، فإذا فعل شيئاً من ذلك مقارناً للينة كان رجعة وكان جائزاً وإلا حرم فإذا لم يكن ناوياً على العودة لها يحرم عليه أن يخلو بها أو ينظر إلى زينتها أو يستمتع بها، بل تكون منه في ذلك بمنزلة الأجنبية، أما إذا كان عازماً على العودة، فيه زوجة في الاستمتاع كغيره.

الزنية والاستمتاع للمطلقة رجعية عند الشافعية

الشافعية - قالوا: لا يحل له أن يخلو بها أو يستمتع بها قبل الرجعة بالقول، سواء كان ناوياً مراجعتها أو لا، فهي ليبست زوجة له في الاستمتاع قبل مراجعتها بالقول، وزوجة له فيما عدا ذلك فهي زوجة له في خمسة مواضع فقط، مبنية في خمس آيات من القرآن:
إحداها: قوله تعالى: {الذين يؤلون من نسائهم} والإيلاء يشمل المطلقة رجعياً، فهي من النساء. ثانيها: قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم}، والمطلقة رجعياً ترث وتورث، فهي داخلة في الزوجات.
ثالثها: قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} الخ، والمطلقة رجعياً داخلة في الزوجات إذا رماها زوجها بالزنا كما ذكرنا.
رابعها: قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} والرجعية يصح الظهار منها، كما ذكرنا فهي من نساء الرجل.
خامسها: قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء} والرجعية تطلق، فهي من الزوجات.

الزنية والاستمتاع للمطلقة رجعية عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: للرجعية أن تتزين لمطلقها مطلقاً، وله أن يخلو بها، ويطأها، ويستمتع بها، ويسافر بدون كراهة، سواء نوى الرجعة أو لا إلا أن الاستمتاع بها بغير الوطء لا يكون رجعة، فهي زوجة له بالنسبة للاستمتاع كغيره من الأمور المذكورة).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية