الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الباب العاشر وختم القرآن كتاب التمهيد في علم التجويد للجزري

الباب العاشر وختم القرآن كتاب التمهيد في علم التجويد للجزري

الباب العاشر و في معرفة الظاء من الضاد وفي ختم القرآن
كتاب التمهيد في علم التجويد للجزري

محتويات

الباب العاشر : الوقف و الابتداء

اعلم أن علماءنا اختلفوا في أقسام الوقف، والمختار منه بيان أربعة أقسام: تام مختار، وكاف جائز، وحسن مفهوم، وقبيح متروك. وقد صنف العلماء في ذلك كتباً مدونة، وذكروا فيها أصولاً مجملة، وفروعاً في الآي مفصلة، فمنها ما أثروه عن أئمة العربية في كل مصر، ومنها ما استنبطوه وفاق الأثر وخلافه، ومنها ما اقتدوه فيه بالأثر فقط، كالوقف على رؤوس الآي، وهو وقف النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة ، رحمهما الله تعالى، إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام والكافي والحسن والقبيح وتسميته بذلك بدعة، ومسميه بذلك ومتعمد الوقف على نحوه مبتدع. قال: لأن القرآن معجز، وهو كله كالقطعة الواحدة، وبعضه قرآن معجز، وكله تام حسن، وبعضه تام حسن.

قال المحققون: وليس الأمر كما زعم أبو يوسف، لأن الكلمة الواحدة ليست من الإعجاز في شيء، وإنما المعجز الوصف العجيب والنظم الغريب، وليس ذلك في بعض الكلمات. وقوله: إن بعضه تام حسن كما أن كله تام حسن، فيقال له: إذا قال القارئ: (إذا جاء) ووقف، أهذا تام وقرآن؟ فإن قال: نعم، قيل إنما يحتمل أن يكون القائل أراد إذا جاء الشتاء، وكذلك كلما افرد من كلمات القرآن وهو موجود في كلام البشر، فإذا اجتمع وانتظم وانحاز عن غيره وامتاز ظهر ما فيه من الإعجاز.
ففي معرفة الوقف والابتداء، الذي دونه العلماء، تبيين معاني القرآن العظيم وتعريف مقاصده وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفوائده، فإن كان هذا بدعة فنعمت البدعة هذه.

واعلم أنه يجب على القارئ أن يصل المنعوت بنعته، والفعل بفاعله، والفاعل بمفعوله، والمؤكد بمؤكده، والبدل بالمبدل منه، والمستثنى بالمستثنى منه، والمعطوف بالمعطوف عليه، والمضاف بالمضاف إليه، والمبتدآت بأخبارها والأحوال بأصحابها، والأجوبة بطالبها، والمميزات بمميزاتها، وجميع المعمولات بعواملها، ولا يفصل شيئاً من هذه الجمل إلا في بعض أجزائها.

فصل في الوقف التام

وهو الذي قد انفصل مما بعده لفظا ومعنى . أخبرنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن اللبان ، قال أخبرتني الشيخة الصالحة زين الدار أم محمد الوجيهية بنت علي بن يحيى بن علي الصعيدي ، قالت : اخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن وثيق ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن زروق ، قال : أخبرنا الخولاني قال : أخبرنا أبو عمرو الداني ، قال أخبرنا أبو الفتح فارس بن أحمد ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد وعبيد بن محمد، قالا: أخبرنا علي بن الحسين القاضي، قال: أخبرنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، وسمعته منه، قال: أخبرنا علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، أن جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل استزده، ( فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده )، حتى بلغ سبعة أحرف، كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب. وفي رواية أخرى ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب بمغفرة.

فقال أبو عمرو: هذا تعليم الوقف التام من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة أو الثواب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر العقاب، وكذلك ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار أو العقاب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر الجنة أو الثواب.

واعلم أن هذا القسم من الوقف، وهو التام، لا يوجد إلا عند تمام القصص و انقضائهن ويكثر أيضاً وجوده في الفواصل، كقوله: وأولئك هم المفلحون ، ثم الابتداء بقوله: إن الذين كفروا وأنهم إليه راجعون ثم الابتداء بقوله: يا بني إسرائيل .
وقد يوجد التام قبل انقضاء الفاصلة ( كقوله: لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني هذا آخر قول الظالم، وتمام الفاصلة ) من قول الله تعالى: وكان الشيطان للإنسان خذولاً .

وقد يوجد التام بعد انقضاء الفاصلة بكلمة، كقوله: لم نجعل لهم من دونها سترا * كذلك ، آخر الفاصلة (ستراً)، والتمام (كذلك). وقوله: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل آخر الآية (مصبحين)، والتمام (وبالليل)، لأنه عطف على المعنى، تقديره مصبحين ومليلين، ومثله قوله: وسررا عليها يتكئون * وزخرفا .

وقد يوجد التام أيضاً في درجة الكافي من طريق المعنى لا من طريق اللفظ، كقوله: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه الوقف هنا، ويبتدأ بقوله: وتسبحوه بكرة وأصيلا ، لأن الضمير في وتوقروه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وفي وتسبحوه لله عز وجل، فحصل الفرق بالوقف. وكذا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً وقف تام، ثم يبتدأ ما لهم به من علم . وكذا القطع على ولا لآبائهم ويبتدأ كبرت كلمةً وما أشبه ذلك، مما يتم القطع عليه عند أهل وقد يكون الوقف تاماً على قراءة وحسناً على غيرها، نحو إلى صراط العزيز الحميد هذا تام على قراءة من رفع الجلالة بعده، وهو الله الذي ، وعلى النعت حسن. وكذا واتخذوا وكاف على القراءة الأخرى.

وقد يوجد التام على تأويل، وغير تام تأويل آخر، كقوله: وما يعلم تأويله إلا الله وقف تام على أن ما بعده مستأنف، وإلى هذا الوقف ذهب نافع ، و الكسائي ويعقوب، و الفراء ، و الأخفش ، و أبو حاتم ، ابن كيسان ، و ابن اسحاق و الطبري ، و أحمد بن موسى اللؤلؤي وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأبو عبيدة، و محمد بن عيسى الأصفهاني ، و ابن الانباري ، و أبو القاسم عباس بن الفضل . وهذا ظاهر ما يقتضيه تفسير مقاتل، وإلى معناه ذهب مالك بن أنس وغيره.

ومعنى الراسخون في العلم يقولون آمنا به أي يسلمون ويصدقون به، في قول ابن عباس وعائشة وابن مسعود، وقال عروة بن الزبير: الراسخون في العلم لا يعلمون التأويل ولكن يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وعلى هذا أكثر المفسرين.
وقال آخرون: لا يوقف على إلا الله لأن والراسخون في العلم معطوف عليه، وهذا القول اختاره الشيخ أبو عمرو بن الحاجب وغيره، وعلى قول هؤلاء المتشابه يحتمل التأويل، وذكر الشيخ عبد الله المرسي أن أقوال هذه الفرقة تزيد على الثلاثين.

فصل في الوقف الكافي

وهو الذي انفصل مما بعده في اللفظ، وله به تعلق في المعنى بوجه، وبالإسناد إلى الداني قال: حدثنا محمد بن خليفة الإمام، قال حدثنا محمد ابن الحسين، قال أخبرنا الفرياني، قال أخبرنا محمد بن الحسين البلخي ، قال أخبرنا عبد الله بن المبارك ، قال حدثنا سفيان عن سليمان، يعني الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة عن ابن مسعود، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اقرأ علي فقلت له: اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً قال: فرأيته وعيناه تذرفان دموعاً، فقال لي: حسبك قال الداني : وهذا دليل على جواز القطع على الوقف الكافي، لأن (شهيداً) ليس من التام، وهو متعلق بما بعده معنى، لأن المعنى: فكيف يكون حالهم إذا كان هذا، يومئذ يود الذين كفروا فما بعده متعلق بما قبله، والتمام (حديثاً) لأنه انقضاء القصة، وهو آخر الآية الثانية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه دونه، مع تقارب ما بينهما، فدل ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الكافي.

مثال ذلك قوله تعالى: والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هذا كلام مفهوم كاف، والذي بعده كلام مستقل مستغن عما قبله في اللفظ، وإن اتصل به في المعنى.
والكافي يتفاضل أيضاً في الكفالة كتفاضل التام، فمن المقاطع التي بعضها أكفى من بعض قوله تعالى: وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم القطع ( على بكفرهم كاف و إن كنتم مؤمنين أكفى منه، وكذا القطع على ) ربنا تقبل منا كاف، إنك أنت السميع العليم أكفى منه.
وقد يكون القطع كافياً على قراءة، ويكون موضع القطع موصولا على أخرى، كقوله: ويكفر عنكم من سيئاتكم من قرأ بالرفع قطع على قوله: فهو خير لكم ومن جزم لم يقطع. وكذا قوله: يستبشرون بنعمة من الله وفضل من كسر الهمزة من قوله: وأن الله قطع، وابتدأ به ومن فتحها وصلهما.

وقد يوجد الكافي على تأويل، ويكون موضع القطع غير كاف على تأويل آخر، كقوله تعالى: يعلمون الناس السحر من جعل وما أنزل نفياً قطع على (السحر)، ومن جعلها بمعنى الذي وصل، وبالنفي أقول. وكقوله: فأنزل الله سكينته عليه إذا جعلت الهاء للصديق قطع عليها، وكان كافياً، وهو قول سعيد بن جبير ، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم [ لم تزل السكينة معه، ومن جعلها للنبي صلى الله عليه وسلم ] لم يكن الوقف عليه كافياً، ووجب الوصل. ومنه قوله: حريص عليكم القطع عليه كاف، على قول من جعله متصلا بما قبله، وهو خطاب لأهل مكة، ثم ابتدأ فقال بالمؤمنين رؤوف رحيم والأوجه الوصل.

فصل في الوقف الحسن

وهو الذي يحسن الوقف عليه، لأنه كلام حسن مفيد، ولا يحسن الابتداء بما بعده، لتعلقه به لفظاً ومعنى.
أخبرنا الشيخ الجليل أبو حفص عمر بن حسن بن أميلة المزي، قال أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن البخاري، قال أنبأنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال أنبأنا أبو نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي و أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي ، و أبو بكر أحمد ابن عبد الصمد الفورجي قالوا أنبأنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، أنبأنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن أبي عيسى الترمذي، أنبأنا علي بن حجر، أنبأنا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن جريح، عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقطع قراءاته، يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف، ثم يقول: الرحمن الرحيم . ثم يقف. قالوا: وهذا دليل على جواز القطع على الحسن في الفواصل، لأن هذا متعلق بما قبله وما بعده لفظاً ومعنى.

وهذا القسم يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده، إلا في رؤوس الآي، فإن ذلك سنة. وحكى اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء، أنه كان يسكت على رؤوس الآي،ويقول إنه أحب إلي. مثال الحسن إذا لم يكن رأس آية قوله: الحمد لله هذا كلام حسن مفيد، وقوله بعد ذلك رب العالمين غير مستغن عن الأول.
وقد يحتمل الموضع الواحد أن يكون الوقف عليه تاما على معنى، وكافياً على غيره، وحسناً على غيرهما، كقوله تعالى: هدىً للمتقين يجوز أن يكون تاماً إذا كان الذين يؤمنون بالغيب مبتدأ وخبره أولئك على هدى من ربهم .

ويجوز أن يكون كافياً إذا جعلت الذين يؤمنون بالغيب على معنى هم الذين، أو منصوباً بتقدير أعني الذين. ويجوز أن يكون حسناً إذا جعلت الذين نعتاً للمتقين .

فصل في الوقف القبيح

وهو الذي لا يجوز تعمد الوقف عليه إذا غير المعنى أو نقصه، كقوله: (باسم) هذا لا يفيد معنى، وكقوله: فويل للمصلين ، و إن الله لا يهدي ، و إن الله لا يستحيي ، و إن كانت واحدةً فلها النصف ولأبويه ، إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى و ما من إله و لا إله ، و أصحاب النار * الذين يحملون العرش ، ونحو ذلك، فيجب أن يحذر منه.
وكذلك عند انقطاع النفس، على ما لا يوقف عليه إذا رجع إلى ما قبلهن فإن كان بشعاً لا يبتدأ به، مثل الوقف عند انقطاع النفس على عزير ابن ، فلا يبتدأ بـ (عزير) ولا بسم الله الرحمن الرحيمـ (ابن) بل بسم الله الرحمن الرحيمـ وقالت اليهود ، فقس على هذه الأمثلة ما شاكلها.

أخبرنا الشيخ عمر بن أميلة، قال أنبأنا ابن البخاري، قال أنبأنا ابن طبرزد، قال أنبأنا أبو البدر إبراهيم بن محمد الكرخي، أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، أنبأنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال أنبأنا مسدد، قال أنبأنا يحيى، عن سفيان بن سعيد، قال أخبرني عبد العزيز بن رفيع، عن تميم الطائي، عن عدي بن حاتم، قال: جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد أحدهما فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما، ووقف، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم قم واذهب، بئس الخطيب.

قالوا وهذا دليل على أنه لا يجوز القطع على القبيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أقامه لما وقف على المستبشع، لأنه جمع بين حالي من أطاع الله ورسوله ومن عصى، والأولى أنه يقف على رشد، ثم يقول: ومن يعصهما فقد غوى.
قلت: وقد بينت معنى هذا الحديث، وكيف روي، في كتابي المسمى بـ ( التوجيهات في أصول القراءات ) فأغنى عن إعادته هنا، فاطلبه تجده

فصل في القول في كلا

وهي ثلاثة وثلاثون موضعا، في خمس عشرة سورة، لم تقع في سورة إلا وهي مكية، وقد اختلف في الوقف عليها والابتداء بها، وذلك مبني على اعتقاد أهل العربية.

فذهب قوم إلى أنها رد لما قبلها، وردع له وزجر، وهذا مذهب الخليل ، و سيبويه و الأخفش و المبرد ، الزجاج ، و أحمد بن يحيى .
وذهب قوم إلى أنها بمعنى ( حقا ). وعلى هذا المذهب تكون اسماً، لأنها بمعنى المصدر، والتقدير أحق ذلك حقاً، وهذا مذهب الكسائي وغيره، قال ابن الأنباري : قال المفسرون معناها حقاً. وقال الزجاج : حقاً توكيد، والتوكيد إنما يقع بعد تمام الكلام.
وذهب قوم إلى أنها بمعنى (ألا) التي لاستفتاح الكلام، وهذا مذهب أبي حاتم وغيره.

وقال الفراء (كلا) بمنزلة (سوف) لأنها صلة، وهي حرف رد، فكأنها (نعم) و (لا) في الاكتفاء، قال: جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها، كقولك: كلا ورب الكعبة. قال الله تعالى: كلا والقمر فالوقف على كلا قبيح، لأنها صلة لليمين. وتابع الفراء محمد ابن سعدان الضرير ، و أبو عبد الرحمن بن اليزيدي .

وقال أحمد بن يحيى ، فيما ذكره مكي ، إن أصل كلا (لا) التي للنفي، دخلت عليها كاف التشبيه،فجعلتها كلمة واحدة، وشددت لتخرج الكاف عن معنى التشبيه، فهي عنده رد لما قبلها.
ثم إن علماءنا اختلفوا في الوقف عليها، فكان بعضهم يجيز الوقف عليها مطلقاً، وبه قرأت على شيخنا أمين الدين عبد الوهاب الشهير بابن السلار، ومنهم من منع الوقف عليها مطلقاً، وهو اختيار شيخنا سيف الدين بن الجندي.

ومنهم من فصل، فوقف على بعضها لمعنى، ومنع الوقف على بعضهما لمعنى آخر، وهو اختيار عامة أهل الأداء كمكي ، وعثمان بن سعيد، وغيرهما، وبه قرأت على بقية شيوخي.
فمن وقف عليها كلها كانت عنده بمعنى الردع والزجر، أي ليس الأمر كذلك، فهو رد للأول، وأنشدوا على ذلك قول العجاج إستشهاداً:
قد طلبت شيبان أن ننسا كم كلا ولما يصطفق مآتم

والمعنى: لا ما لا يكون الأمر على ما ظنوا، وليس كما ظنوا حتى تصطفق المآتم، والمأتم النساء المجتمعات في خير أو شر.
ومن منع الوقف عليها واختار الابتداء بها مطلقاً كانت عنده بمعنى ألا التي للتنبيه، يفتتح بها الكلام، كقوله تعالى: ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم ، وأنشدوا على ذلك قول الأعشى بن قيس إستشهاداً:
كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم إنا لأمثالكم يا قومنا قتل

واجتمعوا أيضاً بقول العرب: ( كلا زعمتم أن العير لا يقاتل ) وهو مثل للعرب، قال ابن الأنباري : وهذا غلط منه، وإنما معنى ذلك ليس الأمر كذلك، قلت: وما قال ابن الأنباري ظاهر.

ومن فصل كانت عنده في مكان بمعنى ( ألا ) وفي مكان بمعنى ( حقا ) وفي مكان للرد والزجر. وسأبين ذلك موضعاً موضعاً إن شاء الله تعالى.
فأول ما وقع من ذلك موضعان في سورة مريم عليها السلام عند الرحمن عهدا * كلا ، ليكونوا لهم عزا * كلا قال الداني : الوقف عليهما تام عند القراء. وقال بعضهم كاف، لأنهما بمعنى ليس الأمر كذلك، فهو رد للكلام المتقدم قبلهما. وقد يبتدأ بهما على قول من قال إنهما بمعنى حقاً أو ألا.

وفي سورة المؤمنون فيما تركت كلا الوقف عليها تام، وقيل كاف، ويبتدأ بها بمعنى ألا. وأما من قال إنها بمعنى حقاً فقد أجازه بعض المفسرين، وهو هم، لأنها لو كانت بمعنى ألا. وأما من قال إنها بمعنى حقاً لفتحت ( إن ) بعدها، وكذا كل ما يقال فيها أنها بمعنى حقاً فإنها تفتح بعد ( حقاً ) وبعد ما هو بمعناها، وأنشدوا:
أحقاً أن جيرتنا استقلوا فنيتنا ونيتهم فريق

قال سيبويه : إذا قلت: أما أنك منطلق، إن جعلت أما بمعنى ( حقاً ) فتحت أن، وإن جعلتها بمعنى ( ألا ) كسرت.
وهكذا الكلام في الثاني من الشعراء، وموضعي المعارج والأولان في المدثر، والأول في عبس، والأول والثالث والرابع في المطففين، والأول في العلق، لأن (أن) مكسورة في كل هذه المواضع بعد كلا، فلا تكون بمعنى حقاً، ويبتدأ بــ(كلا) فيهن بمعنى (ألا).
وفي الشعراء موضعان فأخاف أن يقتلون * قال كلا الوقف عليها على مذهب الخليل وموافقيه ظاهر قوي، وعلى ذلك جماعة من القراء منهم نافع ونصير، أي ليس الأمر كذلك، لا يصلون إلى قتلك، فهو رد لقول موسى عليه السلام: فأخاف أن يقتلون، ولا يبتدأ بكلا في هذا الموضع، ولكن يجوز الوقف على (يقتلون) ويبتدأ (قال كلا) على معنى ألا أو حقا.

قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا الوقف على كلا، وهو حكاية عن قول موسى لبني إسرائيل، أي ليس الأمر كما تظنون من إدراككم، ويجوز أن يبتدأ بـ (قال كلا) على معنى ألا فقط. قال الداني : ولا يجوز الوقف على (قال) ولا يبتدأ بكلا، وهذا ظاهر.
وفي سبأ موضع شركاء كلا الوقف عليها مثل ما تقدم، والابتداء بها جائز.
وفي المعارج موضعان ينجيه * كلا ، جنة نعيم * كلا الوقف عليهما كما تقدم، والابتداء بهما جائز.
وفي المدثر أربعة مواضع أن أزيد * كلا ، صحفا منشرة * كلا الوقف عليهما كما تقدم، والابتداء بهما حسن. ذكرى للبشر * كلا لا يحسن الوقف عليها لأنها صلة اليمين، والابتداء بها حسن بالمعنيين. بل لا يخافون الآخرة * كلا لا يوقف عليها، ويبتدأ بها.
وفي القيامة ثلاثة مواضع أين المفر * كلا ، فاقرة * كلا ، لا يوقف عليهن. ويبتدأ بهن على المعنيين.

وفي النبأ موضعان هم فيه مختلفون * كلا سيعلمون * ثم كلا لا يوقف عليهما، ويبتدأ بهما.
وفي عبس موضعان تلهى * كلا الوقف عليها كاف، وهو رد وزجر لما قبله، ويبتدأ بها بمعنى ألا. أنشره * كلا لا يوقف عليها، والابتداء بها جائز.
وفي الانفطار موضع ركبك * كلا لا يوقف عليها، وفي المطففين أربعة مواضع لرب العالمين * كلا ، تكذبون * كلا ، يكسبون * كلا لا يوقف عليهن، ويبتدأ بهن. أساطير الأولين * كلا الوقف عليها كاف، لأنها رد لما قبلها، ويبتدأ بها.

وفي والفجر موضعان أهانن * كلا ، جما * كلا الوقف عليهما كاف، والابتداء بهما حسن. وفي العلق ثلاثة مواضع ما لم يعلم * كلا ، يرى * كلا ، الزبانية * كلا لا يوقف عليهن، ويبتدأ بهن، بمعنى ألا وحقاً، إلا الأول فقط.
وفي التكاثر ثلاثة مواضع المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لا يوقف عليهن، ويبتدأ بهن.
وفي الهمزة أخلده * كلا الوقف عليه تام، وقيل كاف لأن معناه لا ليس الأمر كذلك، فهو رد أي لم يخلده ماله، ويبتدأ بها على المعنيين. والله سبحانه أعلم.

فصل في الفرق بين بلي و نعم

قال الكوفيون: أصل بلى بل زيدت عليها الألف، دلالة على أن السكوت عليها ممكن، وأنها لا تعطف ما بعدها على ما قبلها، كما تعطف بل، فبل دالة على الجحد، والألف المزيدة التي تكتب ياء دالة على الإيجاب لما بعدها، وهي ألف التأنيث، ولذلك أمالتها العرب والقراء كما أمالوا سكرى وذكرى.

اعلم أن جواب لكلام فيه جحد، ويكون قبلها استفهام، وقد لا يكون قبلها استفهام، فإذا جاوبت ببلى بعد الجحد نفيت الجحد ولا يصلح أن تأتي بنعم في مكانها، ولو فعلت ذلك كنت محققاً الجحد، وذلك نحو قوله ألست بربكم قالوا بلى ، ونحوه فألست وألم من حروف الجحد فلو جئت بنعم كنت محققاً للجحد، وبلى نافيه له.

ونعم تكون تصديقا لما قبلها في الكلام وإيجابا له، تقول: هل زيد في الدار؟ فيقول الراد: نعم، إن كان في الدار، ولا إن لم يكن فيها. ولا تدخل هنا بلى، لأنه لا نفي فيها، فنعم مخالفة لبلى، إن كانت رداً لما قبلها، ( كانت نعم إذا وقعت موقعها تصديقا لما قبلها )، تقول: ما أكلت شيئاً. فيقول الراد بلى، فيزيل نفيه والمعنى بلى، أكلت، فإن قال الراد نعم فقد صدقه في نفيه عن نفسه الأكل، ويصير المعنى نعم لم تأكل شيئاً.

فصل في القول في بلي

وقد اختلف النحويون والقراء في الوقف عليها في مواضع، وأنا أذكر ما يختار من ذاك، مع ذكري جملة ما ورد منها في القرآن الكريم موضعاً موضعاً.

اعلم أن جملة ما في القرآن من لفظ بلى اثنان وعشرون موضعا، ( في ست عشرة سورة ). فمن القراء من يمنع الابتداء بها مطلقا، لأنها جواب لما قبلها، وهذا مذهب نافع بن أبي نعيم وغيره. ومنهم من يختار الابتداء بها مطلقا، وهذا غريب لا نعرفه، وهو ضعيف، لأن الاستفهام متعلق بما هو جواب له كجواب الشرط ونحوه.ومنهم من لا يقف عليها ولا يبتدئ بها، بل يصل.
فأول ذلك في سورة البقرة ثلاثة مواضع أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى ، إن كنتم صادقين * بلى جوز الوقف عليهما الداني في كتابه المسمى بالاكتفاء، وقال: لأنها رد لقول اليهود والنصارى. ووافقه على ذلك مكي .

ومنع الوقف عليهما العماني، وغلط من قال به. الثالث قال أولم تؤمن قال بلى قال الداني : الوقف عليها هنا كاف، وقيل تام لأنها رد للجحد، انتهى. قلت: والوقف مذهب أحمد بن جعفر الدينوري و ابن الأنباري وغيرهما، ومنعه العماني وخطأ من أجازه، وليس كما زعم، لكن الاختيار الوقف على قوله: قلبي .

وفي آل عمران موضعان وهم يعلمون * بلى وقف تام عند إبراهيم بن السري، لأنها رد للمعنى الذي تقدمها، وما بعدها مستأنف. وأجاز الوقف عليها مكي و الداني . منزلين * بلى وقف تام عند نافع، كذا قال الداني ، لأنها رد للجحد وهي عند الداني و مكي وقف حسن.
وفي الأنعام موضع قالوا بلى وربنا الوقف على و (ربنا) ولا يوقف على بلى هنا، ولا يبتدأ بها، لأنها والقسم بعدها جواب الاستفهام الداخل على النفي في أليس هذا بالحق ؟

وفي الأعراف موضع ألست بربكم قالوا بلى وقف تام أو كاف، لأنها رد للنفي الذي تقدمها، وكلام بني آدم منقطع عندها، وقوله: (شهدنا) من كلام الملائكة، كذا قال أكثر المفسرين كمجاهد , الضحاك و السدي لأن بني آدم أقروا بالعبودية له بقولهم بلى، قال الله تعالى للملائكة: اشهدوا، فقالت الملائكة: (شهدنا). وقال قوم: الوقف على (شهدنا) على معنى بلى شهدنا أنك ربنا، وهذا بعيد لأن ( أن ) تبقى لا ناصب لها، وهي متعلقة بـ ( شهدنا ) أو بـ ( أشهدهم ).

وفي النحل موضعان من سوء بلى وقف حسن عند الداني و مكي ، قال مكي : وهو قول نافع، لأنها جواب للنفي الذي قبلها، وهو قولهم: ما كنا نعمل من سوء أي ما كنا نعصي الله في الدنيا. لا يبعث الله من يموت بلى أجاز الوقف عليها نافع و مكي و الداني ، لأنها رد للنفي الذي قبلها، ثم يبتدأ وعداً عليه حقاً بمعنى وعدهم الله ذلك وعداً حقاً، قال مكي : ولا يجوز الابتداء ببلى لأنها جواب لما قبلها.
وفي سبأ موضع وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم قد أوضحت الكلام على هذا الموضع وبسطته في كتاب ( التوجيهات )، لكن نذكر هنا بعض شيء، فنقول: قال نافع : الوقف عليها تام، وهو كاف على قراءته، لأنه يرفع ( عالم ) وكذا ابن عامر، فمن قرأ بالرفع على ( لتأتينكم )، وبالخفض وقف على ( بلى ) لأنها رد لنفي الساعة، ويبتدأ بما بعده لأنه قسم على إتيانها، ولا يبتدأ ببلى هنا لأنها جواب لقولهم.

وفي يس موضع أن يخلق مثلهم بلى قال الداني وقف تام عند نافع و محمد بن عيسى و ابن قتيبة قال : وهو عندي كاف ، لأنها رد للنفي الذي قبلها ، والمعنى وهو يخلق مثلهم ، انتهى ولا يحسن الابتداء ببلى ، وأجازه أبو حاتم وهو ضعيف .
وفي الزمر موضعان فأكون من المحسنين * بلى ( يجوز الوقف عليها ، وقيل التمام ( من المحسنين ) )
وبلى في هذا الموضع من المشكلات ، لأنها لا تأتي إلا بعد نفي ظاهر ، ولا نفي هنا إلا من جهة المعنى ، إذ كان معنى قوله لو أن الله هداني : ما هداني ، فقال بلى ، أي بلى قد هداك . الثاني وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى الوقف عليها عند الداني كاف ، وعند مكي حسن ، وقيل وقف تام ، لأنها رد للجحد الذي قبلها ، وقال بعضهم : الوقف على (الكافرين) لأن بلى وما بعدها من قول الكفار، فلا يفرق بين بعض القول وبعض ، ومن جعل ولكن حقت من قول الملائكة جاز له الوقف عليها .

وفي المؤمن موضع بالبينات قالوا بلى قيل الوقف عليها تام ، وقال مكي حسن ، وقال الداني كاف ، لأنه رد للجحد قبله .
وفي الزخرف موضع ونجواهم بلى وقف كاف ، لأنها رد ، والمعنى بلى نسمع ذلك .
وفي الأحقاف موضعان أن يحيي الموتى بلى وقف كاف ، والمعنى ظاهر . أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا

الوقف على (وربنا) .
وفي الحديد موضع ألم نكن معكم قالوا بلى وقف كاف ، لأنها رد ، وفي التغابن موضع زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن الوقف هنا ، وحكى الداني عن نافع أن الوقف على بلى تام . واختار السخاوي الوقف عليها ، والابتداء بما بعدها ، لأنها رد لنفي البعث ، وما بعدها قسم عليه ، وكذا في سبأ .
وفي الملك موضع ألم يأتكم نذير * قالوا بلى منع الوقف عليها مكي ، وأجازه الداني ، وقال لأنها رد للجحد الذي قبلها.
وفي القيامة موضع عظامه * بلى منع مكي الوقف عليها، وأجازه الداني ، وقال: الوقف عليها كاف، وقيل تام، ثم يبتدأ ( قادرين )
على معنى بلى نجمعها قادرين، فينصب قادرين على الحال، وفي تعليل أبي عمرو نظر، لأنه إذا كان قادرين منصوباً على الحال كيف يحسن

الوقف على بلى؟
وفي انشقت موضع أن لن يحور * بلى أجاز الوقف على ( بلى ) مكي ، وكذا الداني ، وقال: الوقف عليها كافي والمعنى بلى ليرجعن إلى ربه حياً كما كان قبل مماته، وقيل تام

فصل في القول في لا

اختلف في قوله تعالى: لا جرم ، فقال الزجاج : إنها نفي لما ظنوه أنه ينفعهم، فكان المعنى لا ينفعهم جرم أنهم في الآخرة، أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران. وأن عنده في موضع بصب، فعلى قوله هذا يوقف على ( لا ) ويبتدأ بجرم. وجرم عند الخليل و سيبويه بمعنى حق دون لا. و لأبي محمد مكي مصنف في الرد على من جوز الوقف على ( لا ) دون ( جرم ) وألزمه بأشياء من اعتقدها فهو كافر. واختلفوا أيضاً في قوله: لا أقسم بيوم القيامة ، و لا أقسم بهذا البلد ونحوه، فقال البصريون و الكسائي معناه أقسم بكذا. وقال الزجاج : لا خلاف في أن معناه أقسم، وإنما الخلاف في ( لا ) فهي عند البصريين و الكسائي وعامة المفسرين زائدة، وقال الفراء : هي رد لكلام تقدم من المشركين، كأنهم جحدوا البعث فقيل لهم ليس الأمر كذلك، ثم أقسم ليبعثن، فعلى هذا يحسن الوقف على ( لا ).

وأما قوله تعالى: أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً الوقف هنا كاف، لأنه كلام مفيد والذي بعده متعلق به من جهة المعنى. وكان أبو القاسم الشاطبي يختار الوقف عليه، كذا حكاه السخاوي .
قال العماني : وزعم بعضهم أن الوقف عند قوله: ( فاسقاً )، قال: والمعنى لا يستوي المؤمن والفاسق، قال: وليس هذا الوقف عندي بشيء، ثم قال: والمعنى الذي ذكره هذا الزاعم هو الذي يوجب الوقف على قوله: ( لا يستوون )، انتهى.

قلت: وهذا الذي قاله العماني ليس بشيء، والصواب هو الذي ذكرته أولاً. وأي فرق بين هذا وبين الذي في براءة وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله ، وقد أجاز العماني الوقف على ( في سبيل الله )، فإذا جاز الابتداء هنا بقوله: ( لا يستوون عند الله ) جاز هناك، إذ لا فرق بينهما. وأظنه نسي ما قاله في التوبة.

وأما قوله تعالى في القصص: قرة عين لي ولك قال السخاوي : وقف تام في قول جماعة، منهم الدينوري ومحمد بن عيسى ونافع القارئ و ابن قتيبة انتهي. وزعم قوم أن الوقف على ( لا ) أي هو قرة عين لي، ولك لا، أي دونك، قال: وهذا فاسد، أن الفعل الذي هو ( تقتلوه ) مجزوم، فأين هو جازمة إذا كانت ( لا ) للنفي لا للنهي؟ قلت: وما قاله السخاوي ظاهر. وإني رأيت بعض الشيوخ يقف عليه

فصل في القول في ثم

كان بعض الشيوخ يقف على ما قبلها في جميع القرآن، ويقول إنها للمهملة والتراخي. قلت: ولا تطرد هذه القاعدة، وإنما تتجه في بعض الأحوال، كقوله تعالى: ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا ، وكقوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه ، وكذا قوله تعالى: إنما أمرهم إلى الله ثم ، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ثم ، و ثم آتينا موسى وكذا في آل عمران يولوكم الأدبار ثم هذا كله وقف كاف متعلق بما بعده من جهة المعنى فقط، و البداءة بثم.

وأما قوله تعالى في براءة: أو مرتين ثم وفي الإسراء لمن نريد ثم ، و بما كفرتم ثم و ضعف الممات ثم ، بالذي أوحينا إليك ثم كل هذا لا يتعمد الوقف عليه، لأنه لا يتم المعنى إلا به، ولا يقع المراد بدونه.

فصل في القول في أم

وهي تكون للمعادلة، وهي في المعادلة على وجهين: أحدهما أن تكون معادلة لهمزة الاستفهام. والثاني أن تكون معادلة لهمزة التسوية. ومعنى المعادلة أن أحد الاسمين المسؤول عنهما جعل معه الهمزة ومع الآخر أم، وكذلك إذا كان السؤال عن الفعل. مثال الأول مع الاسم قولك: أشرب زيد أم عمرو؟ ومعناه أيهما شرب؟ ومع الفعل قولك: أصرفت زيداً أم حبسته؟ جعلت الهمزة مع أحدهما و ( أم ) مع الآخر. ومثال الثاني مع التسوية، وهو أن تكون ( أم ) مساوية لهمزة الاستفهام، نحو: سواء علي أزيد في الدار أم عمرو
واعلم أن التسوية لفظها لفظ الاستفهام وهي خبر، كما جاء الاختصاص بلفظ لا نداء وليس بنداء. ومعنى التسوية أنك تخبر باستواء الأمرين عندك، كأنك تقول سواء علي أيهما قام، واستوى عندي عدم العلم بأيهما في الدار.
قال الله تعالى: سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ، سواء علينا أجزعنا أم صبرنا .

واعلم أنها تكون في قسمي المعادلة عاطفة، وقد تكون منقطعة بمعنى بل. وإنما سميت منقطعة لانقطاع ما بعدها مما قبلها، لأنه قائم بنفسه، سواء كان قبلها استفهاماً أو خبراً، وليست في هذا الوجه بمعنى ( الوجه الأول، لأنها في الوجه الأول بمعنى (أي) وهي في هذا المعنى بمعنى ) بل، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالاً
قال أبو عبيدة: لم يستفهم، إنما أوجب أنه رأى.
( وفي كونها عاطفة أم غير عاطفة خلاف، فالمغاربة يقولون ليست عاطفة، لا في جملة ولا في غيرها، وقال ابن مالك : قد تعطف المفرد، كقول العرب: إنها لإبل أم شاء، قال فأم هنا مجرد الإضراب، عاطفة ما بعدها على ما قبلها ).

فإذا كانت منقطعة جاز الوقف قبلها والابتداء بها. وقوله تعالى: قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون يجوز الابتداء بأم إذا جعلت منقطعة، ولا يجوز إذا جعلت للمعادلة. تعليل الوجهين ذكرته في التوجيهات فاطلبه تره.
وقوله: أم تريدون أن تسألوا رسولكم قال السخاوي : الظاهر أنه منقطع ويجوز الابتداء به. قلت: قول السخاوي جيد، لكن قول أبو محمد مكي : هذا بعيد، لأن المقطع لا يكون في أكثر كلام العرب إلا على حدوث شك دخل على المتكلم، قال: وذلك لا يليق بالقرآن. قلت: والذي قاله لا يقدح في كلام السخاوي لأن أم المنقطعة ترك الكلام لكلام آخر، وهي بمعنى بل، ولا يلزم أن يكون بعد شك ولا بد.
وقوله: وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول يجوز الابتداء ( بأم ) الأولى لأنها المنقطعة، و ( سموهم ) وقف كاف، وقيل تام، والوقف على ( الأرض ) حسن، ولا يبتدأ بما بعده لتعلقه بما قبله لفظاً ومعنىً.

وقوله: أفأنت تكون عليه وكيلاً قيل: وقف كاف، و ( أم ) بعده منقطعة يجوز الابتداء بها.
وقوله: تجري من تحتي أفلا تبصرون قيل: المعنى أفلا تبصرون أم أنتم بصراء، وإلى ذلك ذهب الخليل و سيبويه ( لأن الاستفهام عندهما فيها تقرير، والتقرير خبر موجب، فامتنع عندهما جعلها متصلة، لأن أم المتصلة لا تكون مقررة ). فعلى هذا يوقف على أم، ويبتدأ ( أنا خير ). قال أبو زيد : أم زائدة، فعلى هذا يوقف ( تبصرون ).

وقيل هي أم المنقطعة، والتقدير بل أنا خير، فعلى هذا يبتدأ بأم على معنى بل.
قال الهروي : في قوله تعالى: تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون ، إن أم بمنزلة همزة الاستفهام، ( والتقدير أيقولون افتراه )، فعلى هذا يبتدأ بأم، وكذا قال في قوله تعالى: أم تريدون أن تسألوا رسولكم ، وكذا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون ، أم له البنات ، أم لهم نصيب من الملك ، أم تقولون إن إبراهيم ، أم يقولون شاعر ، أم اتخذ مما يخلق بنات ، أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، قال: معنى أم في ذلك كله همزة الإستفهام، لأنها لم يتقدمها استفهام.
و الهروي -رحمه الله تعالى- كان في علم العربية متسعاً، وعلى غرائبها مطلعاً، وما قاله ظاهر، لأنهم قالوا في قوله تعالى: أم زاغت عنهم الأبصار إنها بهذا المعنى، أي أزاغت عنهم الأبصار

وأجاز أن تكون هي المعادلة لهمزة الاستفهام في قوله: اتخذناهم سخرياً على قراءة القاطع، وأجازوا أن تكون مردودة على قوله تعالى: ما لنا لا نرى على قراءة الواصل. وذهب البصريون إلى أن أم في كل هذه المواضع هي المنقطعة، لأنهم يقولون في أم المنقطعة إن فيها معنى بل والهمزة، تقول بل أتقولون افتراه ونحو ذلك.

فصل في القول في بل

اعلم أن بل تأتي في القرآن على ضربين: ضرب تكون فيه حرف إضراب، وضرب تكون فيه حرف عطف، كقولك قام زيد بل عمرو.
ويجوز الابتداء بها إذا كانت بمعنى الإضراب، ومعنى الإضراب ترك الكلام وإضراب عنه، وهي أكثر ما تقع في القرآن بهذا المعنى، قال الله تعالى: ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون ، ثم أخذ في كلام آخر فقال: بل قلوبهم في غمرة من هذا ، وكذا فأنى تسحرون * بل أتيناهم بالحق ، وكذا قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم ، ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين ونحو ذلك، الوقف عليه كاف، لأنه خروج من كلام إلى كلام آخر لا تعلق بينهما من جهة اللفظ

فصل في القول في حتى

يجوز الابتداء بها إذا كانت هي التي يحكى بعدها الكلام، كقوله تعالى: حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ، حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ، و حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وكذا التي بعدها، و حتى إذا ما جاؤوها في فصلت، و حتى إذا جاءنا ونحو ذلك.
قال الداني ، وفي قوله تعالى: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون هو وقف تام، وقال العماني هو كاف، وهو الظاهر

فصل في ذكر المشددات و مراتبها

اعلم أن المشدد في القرآن كثير، وكل حرف مشدد بمنزلة حرفين في الوزن واللفظ، الأول منهما ساكن والثاني متحرك، فينبغي للقارئ أن يبين المشدد حيث وقع، ويعطيه حقه ليميزه من ضده.
ذكر صاحب التجريد، فيما حكاه عن أبي إسحاق إبراهيم بن وثيق، أن المشددات على ثلاث مراتب:
الأولى: ما يشدد بخطرفة وهو ما لا غنة فيه.
الثانية: ما يشدد بتراخ، قال: وهو ما يشدد فيه غنة مع الإدغام، وهو إدغام الحرف الأول بكمالهن وذلك لأجل الغنة.

الثالثة: ما يشدد بتراخي التراخي، وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء، انتهى.
قلت: وهذا قول حسن، وتظهر فائدته في نحو قوله: إن ربي على صراط مستقيم * فإن تولوا فأبلغ التشديد على الباء ثم الميم ثم الفاء. وقال مكي في الرعاية: الحروف المدغمات على ثلاثة أضرب :
الأول : مدغم فيه زيادة مع الإدغام، وذلك ننحو الراء المشددة، فيها إخفاء تكريرها مع الإدغام الذي فيها، قال: فهو زيادة من الإدغام وزيادة من التشديد.

والثاني : إدغام لا زيادة فيه، فهو كل ما أدغم لا إخفاء معه، ولا إظهار غنة، ولا إطباق ولا استعلاء معه، نحو الياء من ذرية ، والياء والجيم من لجي . قال: فهذا تشديد دون الراء المشددة لأجل زيادة الإخفاء للتكرير في الراء.
والثالث : مدغم فيه نقص من الإدغام، وذلك نحو ما ظهرت معه الغنة والإطباق والاستعلاء نحو من يؤمن و أحطت و ألم نخلقكم قال: فهذا التشديد دون تشديد الثاني الذي لا نقص معه في إدغامه ولا زيادة، انتهى.

قلت: وما قاله مكي ظاهر قوي، وتظهر في نحو قوله: إن الله غفور رحيم فالتشديد على الراء أبلغ من اللام، وعلى اللام أبلغ من النون، ولكن لا بأس في الجمع بين القولين. وتظهر فائدة ذلك في نحو قوله: سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا فأقوى التشديد على الراء ثم اللام ثم على الميم ثم على الواو. غير أن اختياري في هذه القاعدة مطلقاً التشديد على كل حرف مشدد بحسب ما فيه من الصفات القوية والضعيفة
التشديد ينقسم على أقسام، منها ما هو مشدد ليس أصله حرفين منفصلين في الوزن، وإنما هو حرف مشدد في الوزن، فشدد في اللفظ كما يشدد في الوزن، وذلك نحو ( زين ) و ( بين ) و ( علم ). وأكثر ما يقع هذا في عين الفعل.

ومنها ما أصله حرفان منفصلان في الوزن، وإنما شدد ذلك للإدغام، نحو عتياً و ولياً ، ومن ذلك ما يكون من كلمتين نحو قل رب ، و قل لهم .
فينبغي للقارئ المجود أن يشدد الحرف من غير لكز ولا ابتهار ولا تشدق ولا لوك خصوصاً الياء والواو، نحو لياً و أواب فكثير من يشددها بتراخ ولوك، ولا يأخذ الشيوخ بمثل ذلك.

فصل

فان اجتمع حرفان مشددان في كلمة أو كلمتين كقوله: اطيرنا و ازينت و يصعد ، و ذرية و قل للذين ، و أنصار * ربنا ونحو ذلك، فينبغي على القارئ أنيبين ذلك في اللفظ، ويعطي كل حرف حقه من التشديد البالغ والمتوسط، ونحو ذلك.

‏فصل

وإن اجتمع ثلاث مشددات متواليات، ولا يكون ذلك إلا من كلمتين أو أكثر، كقوله: دري يوقد في قراءة من قرأ ( يوقد ) بالياء، وكقوله: وعلى أمم ممن معك ونحو ذلك، فينبغي للقارئ أن يبين ذلك في لفظه، ويعطي كل حرف حقه من التشديد حسبما فيه.

فصل في الوقف على المشدد

اعلم أن الوقف على الحرف المشدد فيه صعوبة على اللسان، فلا بد من إظهار التشديد في الوقف في اللفظ وتمكين ذلك حتى يسمع، نحو من ولي و من طرف خفي و النبي عند غير الهامز، و مستمر و صواف يقصد كمال التشديد في هذا ونحوه، فاعلم.

فصل في الوقف علي أواخر الكلم

ويجوز الوقف على أواخر الكلم بالإسكان، وهو الأصل في كل حرف موقوف عليه. وإن كان قبل الحرف الموقوف عليه ساكن صحيح أو عليل فلك الجمع بين الساكنين إلا ما فيه عليل و هتوف ولك الوقف بالإشارة فيما يرام أو يشم، كل جائز مروي. والروم هو اختلاس الحركة. والإشمام ضم الشفتين بعد سكون الحرف.
والروم يدخل في القسمين من الحركات إلا المفتوح والمنصوب عند القراء، والإشمام يدخل في المضموم والمرفوع لا غير، وقد تقدم ذلك. والله تعالى الميسر.

باب في معرفة الظاء من الضاد

وهذا الباب يحتاج القارئ إليه، ولا بد من معرفته. وقد عمل المتقدمون فيه كتباً نثراً ونظماً، ومن أحسن ما نظم فيه ما أخبرني به الشيخ عبد الكريم التونسي ، قراءة مني عليه، قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بزال الأنصاري ، قال أخبرنا ابن الغماز ، قال أخبرنا ابن سلمون ، قال أخبرنا ابن هذيل قال أخبرنا أبو داود، قال أملى علينا الشيخ أبو عمرو الداني من نظمه:
ظفرت شواظ بحظها من ظلمنا فكظمت غيظ عظيم ما ظنت بنا
وظعنت أنظر في الظـهيرة ظلةً وظلـلت أنتظر الظلال لحفظنا
وظمئت في الظما ففي عظمي لظى ظهر الظهار لأجل غلظة وعظنا
أنظرت لفــظي كي تيقظ فظه وحظرت ظهر ظهيرها من ظفرنا

ذكر هذه الأبيات الأربعة جميع ما وقع في القرآن من لفظ الظاء، وميزه مما ضارعه لفظا، وهي اثنتان وثلاثون كلمة، وقيل جميع ما في القرآن من ذلك ثمانمائة وأحد عشر موضعا. ولنتكلم الآن على هذه الأبيات كلمة كلمة، ونذكر وقوع كل في القرآن ومعناه بالإيجاز والاختصار، فمن أراد الإحاطة بالظاءات فعليه بـ ( رفع الحجاب عن تنبيه الكتاب ) الذي ألفه شيخنا الإمام أبو جعفر نزيل حلب فأقول مستعيناً بالله:

أما قوله: ( ظفرت ) أي فازت، يقال ظفر الرجل بحاجته يظفر ظفراً إذا فاز بها، والظافر الغالب. والذي وقع في القرآن من هذا اللفظ موضع واحد في سورة الفتح: من بعد أن أظفركم عليهم .
وأما الشواظ فهو اللهب الذي لا دخان معه، وقيل الذي معه دخان، وفيه لغتان: ضم الشين وكسرها، و قرئ بهما. ووقع في القرآن في موضع واحد في سورة الرحمن: يرسل عليكما شواظ من نار .

وأما الحظ فهو النصيب، وهو بالظاء، وضارعه في اللفظ الحض الذي معناه التحريض، يقال حضضت فلانا على الشيء، [ أحضه أي ] أحرضه عليه. قال الخليل : الفرق بين الحث والحض، الحث يكون في السير والسوق وكل شيء، والحض لا يكون في سير ولا في سوق. فأما الأول ففي القرآن منه ستة مواضع، والثاني ثلاثة مواضع في الحاقة والماعون ولا يحض على طعام المسكين وفي الفجر ولا تحاضون هذه الثلاثة بالضاد.

وأما الظلم فهو وضع الشيء في غير موضعه، ووقع في القرآن في مائتي موضع واثنين وثمانين موضعاً متنوعاً.
وأما الكظم فهو مخرج النفس، والكظيم مجترع الغيظ، ووقع منه في القرآن ستة ألفاظ.
وأما الغيظ فهو الامتلاء والحنق، وهو شدة الغضب، فهو بالظاء، ووقع في القرآن في أحد عشر موضعاً.
وضارعه في اللفظ الغيض الذي معناه التفرقة، ووقع في موضعين وغيض الماء في هود، و ما تغيض الأرحام في الرعد.
وأما العظيم فهو الجليل أي الكبير، وأعظم الأمر أكبره، ووقع في القرآن في مائة موضع وثلاثة مواضع.

وأما الظن فهو تجويز أمرين أحدهما أقرب من الآخر، يقال ظن يظن ظناً، ويكون شكاً ويقيناً، فالشك نحو: وظننتم ظن السوء ، و تظنون بالله الظنونا ، واليقين نحو: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ، فظنوا أنهم مواقعوها ووقع منه في القرآن سبعة وستون لفظاً،
وضارعه في اللفظ قوله تعالى: وما هو على الغيب بضنين ، وفيه خلاف، فقرأه بالظاء ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي بمعنى متهم، والباقون يقرؤونه بالضاد بمعنى بخيل.

وأما الظعن فهو السفر والشخوص، يقال ظعن يظعن ظعناً إذا شخص أو سافر، ووقع منه في القرآن لفظ واحد في سورة النحل يوم ظعنكم .
وأما النظر فهو من نظرت الشيء أنظره فأنا ناظر، قال المجنون:
نظرت كأني من وراء زجاجة إلى الدار من ماء الصبابة أنظر
والنظير المثيل، وهو الذي إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء، ووقع في القرآن منه ستة وثمانون موضعاً. وضارعه في اللفظ النضر الذي معناه الحسن، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها ، ووقع في القرآن منه ثلاثة مواضع، في القيامة وجوه يومئذ ناضرة ، وفي الإنسان ولقاهم نضرةً وسروراً ، وفي المطففين تعرف في وجوههم نضرة النعيم .
وأما الظهيرة فسيأتي الكلام عليه عند قوله ظهر ظهيرها.
وأما الظلة فهو كل ما أظلك ووقع في القرآن منها موضعان كأنه ظلة في الأعراف، و يوم الظلة في الشعراء.

وأما ظللت فهو من قولك ظل فلان يفعل كذا إذا دام على فعله نهاراً، وهو من ظل يظل وهي أخت كان، ووقع في القرآن منه تسعة ألفاظ فظلوا فيه يعرجون بالحجر، ظل وجهه مسوداً في النحل والزخرف. ظلت عليه في طه.
فظلت أعناقهم ، فنظل لها كلاهما بالشعراء. لظلوا من بعده في الروم. فيظللن رواكد بالشورى، فظلتم تفكهون في الواقعة. وظلت و فظلتم أصله بلامين، لكن خفف مثل مست ومسست. وضارع هذا اللفظ في اللفظ الضلال الذي هو ضد الهدى، نحو وضل عنهم ما كانوا يفترون وكذا ما معناه البطانة والتغيب نحو أإذا ضللنا في الأرض أي غبنا وبطننا فيها، فكذلك عيناه في مواضعه ليمتاز من هذا فاعلمه.
وأما الانتظار فهو التوقع، تقول: انتظرت كذا، أي توقعته، وأتى في أربعة عشر موضعاً.

وأما الظلال بكسر الظاء فهو جمع ظل، وهو معروف، كظل الشجرة وغيرها، ويقال له ظل في أول النهار، فإذا رجع فهو فيء، والظل الظليل الدائم، فهو وما اشتق منه بالظاء، نحو مد الظل و ظللنا عليهم ، يتفيأ ظلاله ، في ظل ، من فوقهم ظلل .
وتقدم ذكر الظلة، وجمعها ظلل أو ظلال كخلة وخلل، وبرمة وبرام، ووقع منه في القرآن اثنان وعشرون موضعاً.
وأما الحفظ فهو ضد النسيان، وهو بالظاء كيف تصرف، نحو على كل شيء حفيظ و حافظات و حفظة و محفوظ و يحفظونه . وقع في اثنين وأربعين موضعاً.

وأما الظمأ بالهمز فهو العطش، ووقع في ثلاثة مواضع، في براءة لا يصيبهم ظمأ ، وفي طه تظمأ ، وفي النور الظمآن .
وأما الظلماء فهي من الظلمة، وجمعها ظمأت ووقعت في ستة وعشرين موضعاً.
وأما العظم فهو معروف، وجمعه عظام، ووقع في أربعة عشر موضعاً جمعاً وفرداً.

وأما لظى فأصله اللزوم والإلجاج تقول: ألظ بكذا، أي ألزمه ولج به، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ألظوا بياذا الجلال والإكرام أي ألزموا أنفسكم و ألجوا بكثرة الدعاء بها، وسميت بعض طباق النار به للزومها العذاب، قال الله تعالى: وما هم منها بمخرجين ، ووقع في القرآن منه موضعان إنها لظى في المعارج فأنذرتكم ناراً تلظى في والليل.
أما الظهار فيأتي الكلام عليه عند قوله ظهر ظهيرها.
وأما الغلظ فهو معروف، وفي القرآن منه ثلاثة عشر موضعاً.

وأما الوعظ فهو التخويف من عذاب الله، والترغيب في العمل القائد إلى الجنة. قال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، انتهى فهو بلا ظاء كيف تصرف، وجمع الموعظة مواعظ، وجمع العظة عظات.
وضارعه في اللفظ قوله تعالى: جعلوا القرآن عضين في الحجر، وهو بالضاد، ومعناه أنهم فرقوه، وقالوا: هو سحر وشعر وكهانة ونحو ذلك.
وأما الإنظار فهو التأخير والمهلة، تقول أنظرته أي أمهلته، وهو اثنان وعشرون موضعاً.
وأما اللفظ فهو الكلام، وهو مصدر من لفظ يلفظ، وهو موضع واحد ما يلفظ من قول في ق .
وأما الإيقاظ فهو من اليقظة، وهو ضد الغفلة أو النوم، وهو موضع واحد في الكهف وتحسبهم أيقاظاً .

وأما الفظ فقيل هو الرجل الكريه الخلق، مشتق من فظ الكرش وهو ماؤه، وهو موضع واحد في آل عمران ولو كنت فظاً .
وضارعه في اللفظ الغض الذي معناه الفك والتفرقة، تقول فضضت الطابع أي فككته، وانفض الجماعة أي تفرقوا، قال الله تعالى: لانفضوا من حولك ، انفضوا إليها أي تفرقوا.
وأما الحظر فمعناه المنع والحيازة، لأن كل حائز لشيء مانع غيره منه، وهو موضعان: في الإسراء وما كان عطاء ربك محظوراً أي ممنوعاً، وفي القمر كهشيم المحتظر و المحتظر الذي يعمل الحظيرة. وضارعه في اللفظ الحضر الذي هو ضد الغيبة، ومعناه الإتيان إلى المكان، ولا معنى فارق بينهما، فافهم.

وأما قوله ظهر ظهيرها، وقوله في الظهيرة، وقوله ظهر الظهار، فنتكلم عليهن الآن. فالظهيرة هي شدة الحر، ومنه قوله: وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة . وأما الظهر فهو خلاف البطن، ومنه قوله: إلا ما حملت ظهورهما .
والظهار هو من ظاهر الرجل من زوجته، وهو أن يقول لها أنت علي كظهر أمي، ومنه قوله تعالى: الذين يظاهرون منكم من نسائهم الآية. وأما قوله ظهر هو بضم الظاء، وهو اسم لوقت زوال الشمس، وهو وقت صلاة الظهر، تقول أظهرنا أي صرنا في وقت الظهر، قال الله تعالى: وعشياً وحين تظهرون .

وأما الظهير فهو المعين، والتظاهر التعاون، ومنه قوله تعالى: وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير . فإذا علم ذلك ففي كتاب الله تعالى منها وما تصرف منها سبعة وخمسون موضعاً، والله أعلم.
وأما الظفر فهو الذي بالأيدي والأرجل، قال أبو حاتم: يقال ظفر وظفر بضمة واحدة وبضمتين، ولا يقال بالكسر كما تقول العامة، وقد يقال للظفر أظفور، قالت أم الهيثم:

ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت وبين أخرى تليها قيد أظفور
وجمع الظفر أظفار وأظافيرن وقيل أظافير جمع الجمع، كما قيل أقوال وأقاويل، وقيل جمع أظفور. والتظفير هو أخذك الشيء بأطراف أظفارك وتخديشك إياه بها. ووقع في موضع في الأنعام قوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر والله أعلم.
وهذا آخر ما قصدته من ترجمة هذا الكتاب، وكنت قبل أن أكتب هذا التأليف بدأت في تأليف كتاب سميته التوجيهات على أصول القراءات ، ثم رأيت الحاجة داعية إلى تأليف هذا المختصر، فانثنيت عن ذلك حتى كمل تأليفي لهذا الكتاب، وأنا إن شاء الله عازم على ذلك بإرشاده وتيسيره، إن تأخر الأجل، ونلت بلوغ الأمل حتى أكمله.

خاتمة في ختم القرآن

وأحببت أن أختم هذا الكتاب بأدعية رواها الخلف عن السلف عند ختم القرآن، لأن بركة الدعاء عظيمة ومنافعه عميمة عند نزول الرحمة في وقت ختم القرآن الكريم، قال الله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني . وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أفضل العبادة الدعاء.

أخبرنا شيخنا شمس الدين أبو عبد الله الصفوي قال أخبرنا الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مروان البعلبكي ، قال أخبرنا السخاوي قال شيخنا أبو القاسم، يعني الشاطبي يدعو عند ختم القرآن بهذا الدعاء:
اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك، وأبناء إمائك نواصينا بيدك ، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في شيء من كتبك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، وجلاء أحزاننا وهمومنا، وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

برحمتك يا أرحم الراحمين. وهو مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لتفريج الهم.
قال السخاوي : وأنا أزيد عليه: اللهم اجعله لنا شفاء وهدىً وإماماً ورحمة، وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا، ولا تجعل لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عدواً إلا كفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا عاصياً إلا عصمته، ولا فاسداً إلا أصلحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عيباً إلا سترته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها في يسر منك وعافية، برحمتك يا أرحم الراحمين.

قلت: وأنا أزيد عليه: اللهم انصر جيوش المسلمين نصراً عزيزاً، وافتح لهم فتحاً مبيناً، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، اللهم افتح لنا بخير، واختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، اللهم إنا نعوذ بك من فواتح الشر وخواتمه، وأوله وآخره وباطنه وظاهره. اللهم لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحداً سواك، واجعلنا أغنى خلقك بك، وأفقر عبادك إليك، وهب لنا غنى لا يطغينا، وصحة لا تلهينا، وأغننا عن من أغنيته عنا، واجعل آخر كلامنا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان، واجعلنا في موقف القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وروى عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش قال : قرأت القرآن كله، في المسجد الجامع بالكوفة، على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فلما بلغت الحواميم قال : يا زر قد بلغت عرائس القرآن، فلما بلغت رأس العشرين من حم عسق والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير بكى حتى ارتفع نحيبه، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: يا زر أمن علي دعاءي، ثم قال: اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص المؤمنين، ومرافقة الأبرار، واستحقاق حقائق الإيمان، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك، وعزائم مغفرتك، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.

ثم قال: يا زر إذا ختمت فادع بهذه الدعوات فإن حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن.
انتهى ما أردت ذكره من الدعاء، وهو كاف، واسأل الله تعالى أن ينفع به، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم.
قال المؤلف: فرغت من تحريره آخر ثلث ساعة مضت من استوائه، من يوم السبت، خامس ذي الحجة الحرام، من سنة تسع وستين وسبعمائة، بالمدرسة الظاهرية من بين القصرين، بالقاهرة المحروسة، لا زالت معمورة وسائر بلاد المسلمين. وأجزت لجميع المسلمين روايته عني، راجياً ثواب الله تعالى ومغفرته ورحمته. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية