الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

باب الدعوى والبينات

باب الدعوى والبينات

بابُ الجهاد
كتاب فتح المعين للميباري في الفقه الشافعي

محتويات

باب الدعوى والبينات

الدعوى لغةً، الطلبُ وألِفُها للتأنيثِ وشرعاً: إخبارٌ عَنْ وجوبِ حقّ على غيرِهِ عند حاكمٍ. وجمعُها دعاوي بفتحِ الواوِ وكسرِهَا كفتاوى. والبينةُ شهودٌ سموا بها لأنَّ بهم يتبينُ الحقُّ وجمعوا لاختلافِ أنواعِهِم. والأصلُ فيها خبرُ الصحيحين: وَلو يُعطى الناسُ بدعواهُم لادَّعى أناسٌ دماءَ رِجالٍ وأموالِهم لكنَّ اليمينَ على المدعى عليه. وفي روايةٍ: البينةُ على المُدعي واليمينُ عَلَى مَنْ أنكرَ (المُدعي مَنْ خَالفَ قولُهُ الظاهر) وهُوَ براءةُ الذِمَّةِ (والمُدَّعى عَليهِ مَنْ وافقَهُ) أي الظاهرُ. وشَرطُهُما تكليفٌ والتزامٌ للأَحكامِ فليسَ الحربيُ مُلتزماً للأحكامِ بخلافِ الذمي. ثمَّ إن كانت الدعوى قَوداً أو حَدَّ قذفٍ أو تعزيراً وجبَ رفعُها إلى القاضي ولا يجوزُ للمستحقّ الاستقلالُ باستيفائِها لعظمِ الخطرِ فيها وكذا سائرَ العقودِ والفسوخِ كالنكاحِ والرجعةِ وعيبِ النكاحِ والبيعِ.

واستثنى الماورديُ مَنْ بَعُدَ عنِ السلطانِ فلهُ استيفاءُ حدِّ قذفٍ أو تعزيرٍ (ولَهُ) أي للشخصِ (بلا خوفِ فتنةٍ) عليهِ أو على غيرِهِ (أخذُ مالِهِ) إستقلالاً للضرورةِ (منْ) مالِ مُدينٍ لهُ مقرّ (مماطلٍ) بهِ أو جاحدٍ لَهُ أو مُتوارٍ أو متعززٍ وإن كانَ على الجاحِد بينةٌ أو رجا إقرارُهُ لو رفعَهُ للقاضي لإِذنِهِ لهندٍ لما شكَتْ إليهِ شحَّ أبي سفيانَ أن تأخذ ما يكفيها وولدَهَا بالمعروفِ ولأنَّ في الرفعِ للقاضي مشقةً ومؤنةً وإنما يجوزُ لهُ الأخذُ من جنسِ حقّهِ ثمَّ عِندَ تعذرِ جنسِهِ يأخذُ غيرَهُ. ويتعينُ في أخذِ غيرِ الجنسِ تقديمُ النقدِ على غيرِهِ ثم إن كانَ المأخوذُ من جنسِ مالِهِ يتملكُه ويتصرفُ فيه بدلاً عنْ حقّهِ فإِنْ كانَ مِنْ غيرِ جنسِهِ فيبيعُهُ الظافرُ بنفسِهِ أو مأذونِهِ للغيرِ لا لنفسِهِ إتفاقاً ولا لمحجورِهِ لإمتناعِ تولي الطرفين وللتهمةِ. هذا إن لم يتيسر علمُ القاضي بهِ لعدمِ علمِهِ ولا بينةٍ أو مع أحدِهما لكنهُ يحتاجُ لمؤنةٍ ومشقةٍ وإلا اشترطَ إذنُهُ ولاببيعُهُ إلا بنقدِ البلدِ (ثم إن كانَ جنسُ حقّهِ تملكَهُ) وإلا اشترطَ جنسُ حقّهِ وملكِهِ ولو كانَ المدينُ محجوراً عليهِ بفلسٍ أو ميتاً وعليهِ دَينٌ لم يأخذ إذ قدّرَ حصتِهِ بالمضاربةِ إن عِلمَها وإلا احتاطَ ولهُ الأخذُ من مالِ غريمِ غريمِهِ إن لم يظفرْ بمالِ الغريمِ وجحدَ غريمُ الغريمِ أو ماطل وإذا جازَ الأخذُ ظَفراً جازَ له كسرُ بابٍ أو قفلٍ ونقبُ جدارٍ للمُدينِ إنْ تعينَ طريقاً للوصولِ إلى الأخذِ وإن كانَ معهُ بينةً فلا يضمنهُ كالصائلِ وإن خافَ فتنةً أي مفسدةَ تفضي إلى مُحرمٍ كأخذِ مالِهِ لو اطلعَ عليهِ وجبَ الرفعُ إلى القاضي أو نحوِهِ لتمكنَهُ مِنَ الخلاصِ بهِ ولو كانَ الدَّينُ على غيرِ ممتنعٍ من الأداءِ طالبَهُ ليؤدِي ما عليهِ فلا يحلُّ أخذُ شيءٍ له لأنَّ لهُ الدفعُ من أي مالِهِ شاءَ فإِنْ أخذَ شيئاً لَزمَهُ ردُّهُ وضَمنَهُ إن تلفَ ما لم يوجدْ شرطُ التقاصِ.

[فرع]: له استيفاءُ دَينٍ لهُ على آخر جاحدٍ له بشهودِ دينٍ آخرَ لهُ عليهِ قضى من غيرِ علمهِم ولهُ جحدُ من جحدَهُ إذا كانَ له على الجاحدِ مثلَ مالِهِ عليهِ أو أكثرَ فيحصلُ التقاصُ للضرورةِ فإِن كانَ لهُ دونَ ما للآخرِ عليهِ جُحِدَ مِن حقّهِ بقدرِهِ (وشُرِط للدعوى) أي لصحتِها حتى تسمعَ وتحوجَ إلى جوابٍ (بنقدٍ) خالصٍ أو مغشوشٍ (أو دَينٍ) مثلي أو متقومٍ (ذِكرُ جنسٍ) مِنْ ذهبٍ أو فِضةٍ (ونوعٍ) وصحةٍ وتكسرٍ إن اختلفَ بهما غرضٌ (وقدرٌ) كمائةِ درهمٍ فضةٍ خالصةٍ أو مغشوشةٍ أشرفيةٍ أطالبُهُ بها الآنَ لأنَّ شرطَ الدعوى أنْ تكونَ معلومةً وما عُلِمَ وزنُهُ كالدينارِ لا يُشترطُ التعرضَ لوزنِهِ ولا يشترطُ ذِكرُ القيمةِ في المغشوشِ ولا تُسمعُ دعوى دائنٍ مفلسٍ ثبتَ فلسُهُ أنه وجدَ مالاً حتى يبينَ سببُهُ كإِرثٍ واكتسابٍ وقدره (و) في الدعوى (بعينٍ) تنضبطُ بالصفاتِ كحبوبٍ وحيوانٍ ذكرُ (صِفَةٍ) بأنْ يَصفَها المدَعي بصفاتِ سلمٍ ولا يجبُ ذكرُ القيمةِ فإِن تلفتِ العينُ وهي متقومةٌ وَجَبَ ذكر القيمةِ معَ الجنسِ كعبدٍ قيمتُهُ كذا (و) في الدعوى (بعقارٍ) ذكرُ (جهةٍ) ومحلةٍ (وحدودٍ) أربعةٍ فلا يكفي ذكرُ ثلاثةٍ منها إذا لمْ يُعلم إلا بأربعةٍ فإِن عُلم بواحدٍ منها كفى بل لو أغنَتْ شهرتُهُ عن تحديدِهِ لم يجبْ (و) في الدعوى (بنكاحٍ) على امرأةٍ ذِكرُ صحتِهِ وشروطِهِ مِنْ نحوِ (وليٍ وشاهدينِ عُدولٍ) ورضاها إن شرط بأن كانتْ غيرَ مُجبرةٍ فلا يكفي فيهِ الإطلاقُ فإِنْ كانت الزوجةُ أمةً وجبَ ذِكرُ العجزِ عن مهرِ حرةٍ وخوفِ العنتِ وأنه ليسَ تحتَهُ حرةً

(و) في الدعوى (بعقدٍ مالي) كبيعٍ وهبةٍ ذكرُ صحتِهِ ولا يحتاجُ إلى تفصيلٍ كما في النكاحِ لأنه أحوطُ حُكماً منهُ (وتلغو) الدعوى (بتناقضٍ) فلا يُطلبُ من المُدَّعى عليه جوابَهَا (كشهادةٍ خالَفتِ) الدعوى كأن ادعى مُلكاً بسببٍ فذكَر الشاهدُ سبباً آخرَ فلا تسمعُ لمنافاتِها الدعوى وقضيتُهُ أنهُ لو أعادَها على وفقِ الدعوى قُبلتْ وبهِ صرَّح الحضرمي واقتضاهُ كلامُ غيرِهِ ولا تُبطلُ الدعوى بقولِهِ شُهودي فسقةٌ أو مبطلونَ فلهُ إقامةُ بينةٍ أخرى والحلفُ (ومَنْ قامَتْ عليهِ بينةٌ) بحقّ (لَيسَ لهُ تحليفُ المُدَّعِي) على استحقاقِ ما ادَّعاهُ بحقّ لأنهُ تكليفُ حجةٍ بعدَ حجةٍ فهو كالطعنِ في الشهودِ نعم له تحليفُ المُدينِ مَعَ البينةِ بإِعسارِهِ لجوازِ أنَّ لهُ مالاً باطناً ولو ادعى خصمُهُ مُسقِطاً له كأداءٍ لَهُ أو إبراءٍ منهُ أو شرائِهِ منهُ فَيَحلفُ على نفي ما ادعاهُ الخصمُ لاحتمالِ ما يدعيهِ وكذا لو ادّعَى خصمُهُ عليهِ عِلمَهُ بفسقِ شَاهدِهِ أو كذبِهِ ولا يتوجهُ حلفٌ على شاهدٍ أو قاضٍ ادَّعَى كذبُهُ قطعاً لأنه يؤدي إلى فسادٍ عامٍ.

ولو نكَل عَنْ هذِهِ اليمين حلفَ المُدّعى عليهِ وبَطلتِ الشهادةُ (وإذا) طلبَ الإِمهالَ مَنْ قامتْ عليهِ البينةُ (أمهلَهُ) القاضي وجوباً لكن بكفيلٍ وإلا فبالترسيم عليهِ إن خيفَ هربُهُ (ثلاثةً) من الأيامِ (ليأتي بدافعٍ) من نَحوِ أداءٍ أو إبراءٍ ومُكنَ من سفرِهِ ليحضرَهُ إنْ لم تزدْ المدَّةُ على الثلاثِ لأنها لا يعظمُ الضررُ فيها (ولو ادّعى رقَّ بالغٍ) عاقلٍ مجهولِ النسبِ (فقالَ أنا حرٌ أصالةً) ولم يكنْ قَد أقرَّ لَهُ بالملِكِ قبلُ وَهو رشِيدٌ (حَلَفَ) فَيصدقُ بيمينِهِ وإِن استخدمَهُ قبلَ إنكارِهِ وَجَرى عليهِ البيعُ مراراً أو تداولتْهُ الأيدي لموافَقَتِهِ الأصلَ وَهُوَ الحريةُ ومِنْ ثُمَّ قُدمتْ بينةُ الرقِّ على بينةِ الحريةِ لأنَّ الأولى معها زيادةُ علم بنقلِها عنَ الأصلِ وخَرجَ بقولي أصالةً ما لو قال أعتقتني، أو أعتقني مَنْ باعني لكَ فلا يُصدَّقُ إلا ببينةٍ وإذا ثبتَتْ حريتُهُ الأصليةُ بقولِهِ رجَعَ مشتريه على بائِعِهِ بثمنِهِ وإن أقرَّ لهُ بالملكِ لأنهُ بَنَاهُ على ظاهرِ اليدِ (أو) ادعى رقَّ (صبيّ) أو مجنونٍ كبيرٍ (ليسَ في يدِهِ) وَكَذبَهُ صاحبُ اليدِ (لمْ يُصدَّقْ إلا بحجةٍ) من بينةٍ أوْ علمِ قاضٍ أو يمينٍ مردودةٍ لأنَّ الأصلَ عَدَمَ المُلكِ. فلو كانَ الصبيُّ بيدِهِ أو بيدِ غيرِهِ وَصَدَّقَهُ صاحبُ اليدِ حَلَفَ لخطرِ شأنِ لحريةِ ما لم يَعرف لَقطه ولا أثرَ لإِنكارِهِ إذا بَلغَ لأنَّ اليدَ حجةٌ فإِن عرفَ لَقطَه لَمْ يُصدَّقْ إلا ببينةٍ.

[فرع]: لا تُسمعُ الدعوى بِدَينٍ مؤجلٍ إذ لمْ يتعلقْ بها إلزامٌ ومطالبةٌ في الحالِ وَيُسمعُ قولُ البائعِ المبيعُ وَقْفٌ وكذا ببينة. إن لم يصرْح حالَ البيعِ بملكِهِ وإلا سُمِعتْ دعواهُ لتحليفِ المشتري أنه باعَهُ وهو ملكَهُ.
(فصل): في جوابِ الدعوى وما يتعلقُ بِهِ (إذا أقرَّ المُدعى عَلَيهِ ثَبتَ الحقُّ) بلا حُكمٍ (وإنْ سَكَتَ عن الجوابِ أمرَهُ القاضي بِهِ) وإنْ لم يسألْ المُدعي (فإِنْ سكتَ فكمنكرٍ) فَتُعرضُ عليهِ اليمينُ، (فإِنْ سَكَتَ) أيضاً ولم يُظهر سبَبَهُ (فناكِلٌ) فيحلفُ المُدعي وإنْ أنكرَ اشترطَ إنكارَ ما ادعى عليهِ وأَجزائِهِ إنْ تَجزأَ (فإِنّ ادَّعى) عليهِ (عَشرَةً) مثلاً (لم يكفِ) في الجوابِ (لا تلزمني) العَشَرةُ (حتى يقولَ ولا بعضها وكذا يَحلِفُ) إنْ توجَّهَتِ اليمينُ عليهِ لأنَّ مُدَّعيها مُدَّعٍ لكلِ جزءٍ منها فلا بدَّ أنْ يطابقَ الإِنكارَ واليمينَ دعواه، فإِنْ حلَفَ على نفي العَشَرَةِ واقتصرَ عليهِ فناكلٌ عما دونِها فيحلفُ المُدَّعي على استحقاقِ ما دونَ العشرةِ ويَأخذَه لأَنَّ النكولَ عنِ اليمينِ كالإِقرارِ (أو) ادَّعى (مالاً) مضافاً لسببٍ كأقرضتُكَ كذا (كفاهُ) في الجوابِ (لا تَستَحِقُّ) أنتَ (عليَّ شيئاً) أو لا يلزمُني تسليمُ شيءٍ إليكَ، ولو اعترفَ بهِ وادّعى مُسقطاً طَولِبَ بالبينةِ. ولو ادَّعى عليهِ وَديعةً فلا يكفي في الجوابِ لا يَلزمني التسليمُ بلْ لا تستحقُّ عليَّ شيئاً ويحلفُ كما أجابَ ليطابقَ الحلفُ الجوابَ. ولو ادَّعى عليهِ مالاً فأنكَرَ وَطَلَبَ منهُ اليمينَ فقالَ لا أحلفُ وأَعطى المالَ لم يلزمْهُ قبولَهُ من غيرِ إقرارٍ وَلهُ تحليفَهُ.

[فرع]: لو ادَّعى عليهِ عيناً فقالَ ليستْ لي أو هي لرجلٍ لا أعرفهُ أو لإبني الطفل أو وقفٌ على الفقراءِ أو مسجدِ كذا وهوَ ناظرٌ فيهِ فالأصحُّ أنهُ لا تنصرفُ الخصومةُ عنهُ ولا تُنزَعُ العينُ منهُ بلْ يحُلفهُ المُدعي أنهُ لا يلزمهُ التسليمُ للعينِ رجاءَ أنْ يقرَّ أو ينكلَ فيحلفُ المُدَّعي وتثبتُ لهُ العينُ في الأولينِ والبدلُ للحيلولة في البقيةِ أو يقيمَ المُدعي بينةً أنها لهُ. ولو أصرَّ المُدعى عليه على سكوتٍ عن جوابٍ للدعوى فناكلٌ إن حَكَمَ القاضي بنكولِهِ (وإذا ادَّعيا) أي إثنانِ أي كلٌ منهما (شيئاً في يدِ ثالثٍ) لم يُسندْهُ إلى أحدِهما قبلَ البينةِ ولا بعَدَها (وأَقاما) أي كلٌ منِهما (بينة) به (سَقَطتا) لتعارضِهِما ولا مُرجِّحُ فكانَ كما لا بينة فإِنْ أقرَّ ذو اليدِ لأحدِهما قبلَ البينةِ أو بَعدهَا رُجِّحتْ بينتُهُ (أو) ادَّعيا شيئاً (بيدِهِما) وأقاما بينتينِ (فهوَ لهما) إذ ليسَ أحدُهُما أولى بهِ مِنَ الآخرِ أما إذا لم يكُنْ بيدِ أَحدٍ وَشَهِدَتْ بينةُ كلّ لَهُ بالكلّ فَيُجعلُ بينهما. وَمحلُّ التساقطِ إذا وقعَ تعارضٌ حيُث لم يتميز أحدُهُما بمُرجحٍ وإلا قدَم وهُوَ بيانُ نقلِ الملكِ ثم اليدُ فيهِ للمُدعي أو لمنْ أقرَّ لهُ بهِ أو انتقلَ لهُ منه ثم شاهدان مثلاً على شاهِدٍ ويمينٍ ثم سبَقَ مُلكُ أحدِهِما بذكرِ زمنٍ أو بيانِ أنهُ وُلِدَ في مُلكِهِ مثلاً ثُمَّ بذكرِ سببِ الملكِ (أو) ادعيا شيئاً (بيدِ أَحَدِهِما) تصرفاً أو إمساكاً (قُدِمتْ بينتُهُ) مِنْ غيرِ يمينٍ وإنْ تأخرَ تاريخُها أو كانَتْ شاهداً ويميناً وبينةُ الخارجِ شَاهدينِ أو لم تُبيَّن سببَ الملكِ مِنْ شِراءٍ وغَيرِهِ ترجيحاً لبينةِ صاحبِ اليدِ بيدِهِ ويُسمَّى الداخلُ وإن حكم بالأولى قبلَ قيامِ الثانيةِ أو بينت بينةُ الخارجِ سبَبَ مُلكِهِ. نَعمْ لو شهَدَتْ بينةُ الخارجِ بأنَّهُ أشتراهُ مِنهُ أو مِنْ بائِعِهِ مثلاً قُدِّمتْ لبطلانِ اليدِ حينئذٍ ولو أقامَ الخارِجُ بينةً بأنَّ الداخلَ أقرّ لهُ بالملكِ قُدِّمتْ ولم تنفعْهُ بينتُهُ بالمُلكِ إلا إنْ ذكرتْ إنتقالاً ممكناً من المقرِّ لهُ إليهِ (هذا إنْ أقامَها بعدَ بينةِ الخارجِ) بخلافِ ما لو أقامَها قَبْلَها لأنها إنما تُسمعُ بعدَها لأنَّ الأصلَ في جانبِهِ اليمينَ فلا يعدلُ عَنْها ما دامتْ كافيةً.

[فروع]: لو أزيلتْ يدُهُ ببينةٍ ثمَّ أقامَ بينةً بملكِهِ مستنداً إلى ما قبلَ إزالةِ يدِهِ واعتذرَ بغيبةِ شهودِهِ أو جهلِهِ بِهِم سُمِعَتْ وقُدّمَتْ إذْ لمْ تزلْ إلا لِعَدَمِ الحجةِ وقد ظَهرتْ فينقضُ القضاءُ، لكنْ لو قالَ الخارِجُ هو مُلكي اشتريتُهُ منكَ فقالَ الداخلُ بلْ هوَ ملكي وأقاما بينتين بما قالا قُدم الخارجُ لزيادةِ علم بينتِهِ بانتقالِ الملكِ وكذا قُدِّمت بينتُهُ لو شَهِدَتْ أنهُ ملكهُ وإنما أودَعَهُ أو أجرَهُ أو أعارَهُ للداخل أو أنهُ أو بائعُهُ غصبَهُ منهُ وَأُطلِقتْ بينةُ الداخلِ. ولوْ تَدَاعيا دابةً أو أرضاً أو داراً لأحدهِما متاعٌ فيها أو الحملُ أو الزرعُ قدمتْ بينتُهُ على البينةِ الشاهدةِ بالملكِ المطلقِ لإنفرادِهِ بالإنتفاعِ فاليدُ لَهُ فإِن اختصَّ المتاعُ ببيتٍ فاليدُ لَهُ فيهِ فقط. ولو اختلفَ الزوجانِ في أمتعةِ البيتِ ولو بَعدَ الفُرقةِ ولا بينةَ ولا اختصاصَ لأحدِهما بيدٍ فلكلّ تَحلِيفُ الآخر، فإِذا حَلفا جُعِل بينهُما وإنْ صلحَ لأحدِهِما فقط أو حَلَفَ أحدُهُما قضَى لَهُ كما لو اختصَّ باليدِ وحَلَفَ (وتُرجحُ) البينةُ (بتاريخٍ سابِقٍ) فلو شَهَدتْ البينةُ لأَحدِ المتنازِعَينِ في عينٍ بيدِهِما أو يدِ ثالثٍ أو لا بيدِ أحدٍ بملكٍ مِنْ سنةٍ إلى الآنَ وَشَهدتْ بَينةٌ أُخرى للآخر بملكٍ لها مِنْ أكثرَ مِنْ سنةٍ إلى الآن كسنتينِ فترجِعُ بينةُ ذي الأكثرِ لأنها أَثبتَتِ الملكَ في وقتٍ لا تُعارضُهَا فيه الأخرى ولصاحبِ التاريخِ السابقِ أجرةٌ وزيادةٌ حادثةٌ من يومِ ملكِهِ بالشهادةِ لأنها فوائدُ ملكِهِ وإذا كانَ لصاحبِ متأخرةِ التاريخِ يدٌ لم يُعلمْ أنها عادية قُدمتْ على الأصحِ.

ولو ادَّعى في عينٍ بيدِ غيرِهِ أنهُ اشتراها مِنْ زيدٍ مِنْ منذُ سنتينِ فأقامَ الداخلُ بينةً أنهُ اشتراهَا مِنْ زيدٍ منْ منذُ سَنةٍ قُدمِتْ بينةُ الخارجِ لأنها أَثبتَتْ أنَّ يدَ الداخلِ عادِيةٌ بِشرائِهِ مِنْ زيدٍ ما زالَ ملكَهُ عنهُ ولو اتحدَ تاريخُهُما أو أُطلِقَتَا أو إحداهُما قُدِّمَ ذو اليدِ ولو شهدتْ بينةً بملكٍ أمسَ ولم تتعرضْ للحالِ لم تُسمَعْ كما لا تُسمَعُ دعواهُ بذلكَ حَتَى نقولَ ولم يزلْ ملكُهُ أو لا نعلمُ لَهُ مُزيلاً أو تَبينَ سَبَبُهُ كأن تقولَ اشترَاهَا مِنْ خصمِهِ أو أقرَّ لَهُ بهِ أمسُ لأنَّ دعوى المُلكِ السابقِ لا تُسمَعُ فكذا البينةُ. ولو قالَ مَنْ بيدِهِ عَينٌ اشتريتُها مِنْ فلانٍ منْ منذُ شهرٍ وَأقامَ بهِ بينةً فقالتْ زوجةُ البائِعِ مِنهُ هي ملكي تَعوضتُها منهُ من منذُ شهرينِ وأقامتْ بهِ بينةً، فإِن ثبتَ أَنها بيدِ الزوجِ حالَ التعويضِ حُكِمَ بها لها وإلا بقيتْ بيدِ مَنْ هي بِيدهِ الآنَ (و) ترجحُ (بشاهدينِ) وشاهدٍ وامرأتينِ وأرَبع نِسَوةٍ فيما يُقبَلنَ فيهِ (على شاهدٍ مَعَ يمينٍ) للإِجماعِ على قبولِ مَنْ ذُكِرَ دُونَ الشاهِدِ واليمين (لا) تُرجَّحُ (بزيادةٍ) نحوَ عدالةٍ أو عَدَدِ (شُهودٍ) بل تتعارضانِ لأنَّ ما قدَّرَهُ الشرعُ لا يختلفُ بالزيادةِ والنقصِ ولا برجلينِ على رجلٍ وامرأتينِ ولا على أربعِ نِسوةٍ (ولا) بينةٍ (مؤرخةٍ على) بينةٍ (مُطلقةٍ) لم تَتَعرْض لزمنِ الملكِ حيثُ لا يدَ لأحدِهِما واستويَا في أنَّ لكل شاهدينِ ولم تُبينْ الثَانيَة سَبَبَ الملكِ فتَتَعارضانِ. نعم لو شَهِدَتْ إحداهُما بدَينٍ والأُخرى بالإِبراءِ رُجحَتْ بينةُ الإِبراءِ لأنها إنما تكونُ بعدَ الوجوبِ. والأصلُ عدمَ تعددِ الدَّين ولو شَهدَتْ بينةٌ بألفٍ وَبينَةٌ بألفَينِ يَجِبُ ألفَانِ ولو أثبتَ إقرارُ زيدٍ لَهُ بدَينٍ فأثبَت زَيدٌ إقرارَهُ بأنه لا شيءَ لَهُ عليهِ لم يؤثرْ لإحتمالِ حدوثِ الدَينِ بعدُ.

[فروع]: لو أقامَ بينةً بملكِ دَابةٍ أو شجرةٍ مِنْ غيرِ تعرضٍ بملكٍ سابقٍ بتاريخٍ لم يستحَقَّ ثمرةً ظاهرةً ولا ولداً منفصلاً عِندَ الشهادةِ ويستحقُّ الحَملُّ والثَمَر غيرَ الظاهرِ عِندَها تبعاً للأم والأصلِ، فإِذا تَعرضَتْ لملكٍ سابقٍ على حُدوثِ ما ذُكرَ فيستَحقُهُ ولو اشترى شيئاً فأخذَ منهُ بحجةٍ غيرَ إقرارٍ رجع على بائعِهِ الذي لم يُصدِقهُ ولا أقامَ بَينةً بأنهُ اشتراهُ مِنَ المُدعي ولو بَعدَ الحُكمِ بِهِ بالثمنِ بخلافِ ما لو أخَذَ مِنهُ بإِقرارِهِ أو بحلفِ المدعي بعدَ نكولِهِ لأنهُ المقصرُ ولو اشترى قِناً وأقرَّ بأنهُ قنٌّ ثم ادَّعى بحريةِ الأصلِ وحُكمَ لَهُ بها رجعَ بثمنِهِ على بائعِهِ ولم يضرّ اعترافُهُ برقّهِ لأنهُ مُعتمدٌ فيهِ على الظاهِرِ. ولو ادعى شراءَ عينٍ فشهَدَتْ بَينةٌ بملكٍ مطلقٍ قُبِلتْ لأنها شَهدتْ بالمقصودِ ولا تناقضَ على الأصحّ. وكذا لو ادَّعى ملكاً مُطلقاً فشهدَتْ لهُ بهِ معَ سَبَبِهِ لمْ يَضُرَّ وإنْ ذكرَ سبباً وَهُمْ سبباً آخرَ ضرَّ ذلك للتناقضِ بينَ الدعوى والشهادةِ.

[فرع]: لو باعَ داراً ثم قامتْ بينةٌ حسبةٌ أنَّ أباه وَقَفها عليهِ ثم على أولادِهِ انتزعَتْ مِنَ المُشتري وَرجعَ بثمنِهِ على البائعِ ويصرفُ لهُ ما حصلَ في حياتِهِ مِنَ الغلةِ إِن صدَقَ البائعُ الشهودَ وإلاَ وُقِّفَتْ، فإِنْ ماتَ مُصرّاً صُرِفَتْ لأقربِ الناسِ إلى الواقفِ. قَالَهُ الرَافعي كالقفالِ.
[فرع]: تجوزُ الشهادةُ بل تجبُ إن انحصرَ الأمرُ فِيهِ بملكٍ الآنَ للعينِ المدعاةِ استصحاباً لما سبَقَ منْ إرثٍ وشراءٍ وغيرِهِما إعتماداً علي الإستصحابِ لأنَّ الأصلَ البقاءَ وللحاجةِ لذلكَ وإلا لتعسرَتْ الشهادةُ على الأملاكِ السابقةِ إذا تطاولَ الزمنُ ومحلُّهُ إن لم يُصرحْ بأنهُ اعتمدَ الإِستصحابَ وإلا لم تسمع عندَ الأكثرينَ (ولو ادعيا) أي كلٌ مِن اثنينِ (شيئاً بيدِ ثالثٍ) فإِنْ أقرَّ بهِ لأحدِهما سُلّمَ إليهِ وللآخرِ تحليفَهُ (و) إنْ ادعيا شيئاً على ثالثٍ و (أقامَ كلٌ) مِنهُما (بينَةً أنهُ اشتراهُ) مِنهُ وسلمَ ثمنَهُ (فإِنْ اختلِفَ تاريخَهُما حُكِمَ للأَسبقِ) مِنهُما تاريخاً لأنَّ مَعَها زيادة علمٍ (وإلا) يختلفُ تاريخُهُما بأَنْ أُطلِقتا أو إحداهُما أو أرِّخَتا بتاريخٍ مُتحدٍ (سَقَطتا) لإستحالةِ أَعمالهُما ثُمَّ إنْ أقرَّ لهما أو لأحدِهِما فواضحٌ وإلا حلفَ لِكُلٍ يميناً ويرجعانِ عليهِ بالثمنِ لثبوتِهِ بالبينةِ ولو قالَ كُلٌّ منهُما والمبيعُ في يدِ المدعى عليهِ بعِتَكَهُ بكذا وهو ملكي وإلا لم تُسمعْ الدعوى فَأَنكرَ وأقاما بينتنِ بما قالاه وطلباهُ بالثمنِ فإِن اتحدَ تاريخُهما سقَطَتَا وإنْ اختلفَ لزمَهُ الثمنانِ. ولو قالَ أجرتُكَ البيتَ بعشرةٍ مثلاً فقالَ بلْ أجرتَني جميعَ الدارِ بعشرةٍ وأقاما بَينتينِ تَساقطَتا فيتحالفانِ ثمَّ يُفسخُ العقدُ.

[تنبيه]: لا يكفي في الدعوى كالشهادةِ ذِكرُ الشراءِ إلا معَ ذِكرِ ملكِ البائعِ إذا كانَ غيرَ ذي يدٍ أو مَع ذَكرِ يدِهِ إذا كانتِ اليدُ لهُ ونُزعَتْ مِنهُ تَعدياً (ولو ادعُوا) أي الورثةُ كلُّهُم أو بعضُهُم (مالاً) عيناً أو ديناً أو منفعةً (لمورثِهِم) الذي ماتَ (وأقاموا شاهداً) بالمالِ (وحَلفَ) معهُ بعضُهُم على استحقاقِ مورثِهِ الكُلَّ (أَخَذَ نَصِيبَهُ ولا يُشارِكُ فيهِ) مِنْ جهةِ البقيةِ لأنَّ الحجَّةَ تمت في حقّهِ وحدهُ وغيرِهِ قادرٌ عليها بالحلفِ وأن يمينَ الإِنسانِ لا يُعطى بها غيرُه فلو كانَ بعضُ الورثَةِ صبياً أو غائباً حَلفَ إذا بلغَ أو حضرَ وأخذَ نصيبَهُ بلا إعادةِ دعوى وشهادةٍ ولو أقرَّ بدَينٍ لميتٍ فأخذ بعضُ ورثتِهِ قدَر حصتِهِ ولو بغيرِ دعوى ولا إذنَ منْ حاكمٍ فللبقيةِ مشاركتَهُ ولو أخذَ أحدُ شُركائِهِ في دارٍ أو منفَعتِها ما يخصُّهُ من أجرتِها لم يشاركهُ فيهِ بقيةُ الورثَةِ كما قالهُ شيخُنا.

(فَصلٌ): في الشهاداتِ جَمعُ شَهادةٍ. وهي إخبارُ الشخصِ بحقٍ على غيرِهِ بلفظٍ خاصٍ. (الشهادةُ لرمضانَ) أي لثبوتِهِ بالنسبةِ للصومِ فقط. (رَجُلٌ) واحِدٌ لا امرأةٌ وخُنثى (ولزِنا) ولواطٍ (أربعةٌ) مِنَ الرجالِ يشهدونَ أنهُم رأوهُ أدخلَ ملكفاً مختاراً حشَفَتَهُ في فَرجها بالزِنا. قَالَ شَيخُنَا: والذي يتجهُ أنهُ لا يُشترطُ ذِكرُ زمانٍ ومكانٍ إلا نْ ذَكَرَهُ أحدَهُم فيجبُ سؤالُ الباقينَ لإِحتمالِ وقُوعِ تناقضٍ يُسقطُ الشهادةَ ولا ذكَرَ رَأينَا كالمرودِ في المكحلةِ بل يُسنُّ ويكفي للإِقرارِ بهِ إثنانِ كغيرِهِ (ولمالٍ) عيناً كانَ أو ديناً أو منفعةً (وما قُصِدَ بهِ مالٌ) من عقدٍ مالي أو حَقّ مالي (كبيعٍ) وحَوَالةٍ وَضَمانٍ وَوَقفٍ وقَرضٍ وإبراءٍ (وَرَهنٍ) وَصُلحٍ وخيارٍ وأَجَلٍ (رَجلانِ أو رجلٌ وامرأتانِ أو رجلٌ ويمينٌ) ولا يثبتُ شيءٌ بامرأتينِ ويمينٍ (ولغيرِ ذلكَ) أي ما ليسَ بمالٍ ولا يُقصدُ منهُ مالٌ من عُقوبةٍ للَّهِ تعالى كحدِّ شُربٍ وسَرِقةٍ أو لآدمِيٍ كَقَودٍ وحدِّ قدفٍ ومنعِ إرثٍ بأنِ ادَّعَى بقيةُ الورثَةِ على الزوجةِ أن الزوجَ خَالَعَها حتى لا تَرثَ منهُ (ولما يظهرُ للرجالِ غالباً كنكاحٍ) ورَجعةٍ (وطلاقٍ) مُنجزٍ أو مُعلقٍ وَفسخِ نكاحٍ وبلوغٍ (وعتقٍ) وموتٍ وإعسارٍ وقراضٍ ووكالةٍ وكفالةٍ وشركةٍ ووديعةٍ ووصايةٍ وردةٍ وانقضاءِ عدّةٍ بأشهرٍ ورؤيةِ هلالٍ غير رمَضانَ وَشَهادة على شهادةٍ وإقرارٌ بما لا يثبتُ إلا برجلينِ (رَجُلانِ) لا رجلٌ وامرأتانِ لما روى مالكٌ عنِ الزُهري: مَضتِ السُنةُ مِنْ رسولِ اللَّهِ أنهُ لا يجوزُ شهادةُ النساءِ في الحدودِ ولا في النكاحِ ولا في الطلاقِ وقِيسَ بالمذكوراتِ غَيرَها مما يُشاركُها في المعنى (ولما يظهرُ للنساءِ) غالباً (كوِلادةٍ وحَيضٍ) وبَكارةٍ وثيابةٍ ورضاعٍ وعيبِ امرأةٍ تحتَ ثيابِها (أربعٌ) مِنَ النساءِ (أو رَجُلانِ أو رجلٌ وامرأَتانِ) لما روى ابنُ أبي شَيبةَ عنِ الزُهري: مَضَتِ السنةُ بأنهُ يجوزُ شهادةُ النساءِ فيما لا يطلعُ عليهِ غيرهُنَّ من ولادَةِ النساءِ وعيوبِهِن وقِيسَ بذلكَ غيرَهُ ولا يثبتُ ذلكَ برجلٍ ويمينٍ.

(وسُئِلَ) بعضُ أصحابنا عمَّا إذا شهدَ رَجُلانِ أنَّ فلاناً بلغَ عمرُهُ ستَ عَشَرَةَ سنةً فشهدَتْ أربعُ نسوةٍ أنَّ فلانةَ يتيمةً وُلِدتْ شهرَ مولِدِهِ أو قبلَهُ أو بعدَهُ بشهرٍ مثلاً فهل يجوزُ تزويجُها إعتماداً على قولهنَّ أو لا يجوزُ إلا بعدَ ثبوتِ بلوغِ نفسِهَا برَجُلَينِ. (فأجاب) نَفَعَنَا اللَّهُ بهِ: نعم يثبتُ ضمناً بلوغُ منْ شَهدنَ بولادَتِها كما يثبتُ النسبُ ضمناً بشهادةِ النساءِ بالولادَةِ فيجوزُ تزويجُها بإِذنِها للحكمِ ببلوغِها شرعاً. اه.

[فرع]: لو أقامَتْ شاهداً بإِقرارِ زوجِها بالدُخولِ كَفى حَلفُها مَعَهُ ويثبتُ المهرُ أو أقامَهُ هُوَ على إقرارِها بهِ لم يكفِ الحلفُ معهُ لأن قصدَهُ ثُبوتَ العدةِ والرجعةِ وليسا بمالٍ (وشُرِطَ في شاهِدٍ تَكليفٌ وحُريةٌ ومُروءةٌ وعدالةٌ) وتيقظٌ فلا تُقبلُ مِنْ صَبي ومجنونٍ ولا ممنْ بهِ رِقٌ لنقصِهِ ولا مِنْ غَيرِ ذي مروءةٍ لأنهُ لا حياءَ لهُ وَمَنْ لا حَياءَ لَهُ يقولُ ما شاءَ وهي توقى الأدناسُ عُرفاً فيُسقِطُها الأكلَ والشُّربَ في السوقِ والمشيَ فيهِ كاشفاً رأسَهُ أو بَدَنَهُ لغيرِ سُوقِي وَقِبلةَ الحليةِ بِحضرةِ الناسِ وإكثارَ ما يُضحكَ بينهُم أو لعبَ شطرنجٍ أو رقصٍ بخلافِ قليلِ الثلاثةِ ولا مِنْ فَاسقٍ واختارٍ جمعٌ مِنهُمْ الأذرعي والغزي وآخرون قولَ بعضَ المالكيةِ إذا فقدتِ العدالةُ وعمَّ الفسقُ قضى الحاكمُ بشهادةِ الأمثلِ فالأمثلِ للضرورةِ والعدالةُ تتحققُ (باجتنابِ) كُلِ (كبيرةٍ) مِنْ أنواعِ الكبائرِ كالقتلِ والزِنا والقذفِ بِهِ وَأَكلِ الرِبا ومالِ اليتيمِ واليمينِ الغموسِ وشَهادةِ الزُورِ وَبُخسِ الكيلِ أوِ الوزنِ وقطعِ الرَّحمِ والفَرارِ مِنَ الزَحفِ بلا عُذرٍ وعُقوقِ الوالدينِ وغَصبِ قدرَ رُبعِ دينارٍ وتفويتِ مَكتوبةٍ وتأخيرِ زكاةٍ عدواناً ونميمةٍ وغيرِها من كُلِّ جريمةٍ تُؤذنُ بقلةِ اكتراثِ مُرتكِبِها بالدِينِ وَرَقَةِ الديانةِ (و) اجتنابِ (إصرارٍ على صغيرةٍ) أو صغائرٍ بأن لا تغلُبَ طاعاتُهُ صغائرَهُ فمتى ارتكبَ كبيرةً بطلَتْ عدالتُهُ مطلقاً. أو صغيرةً أو صغائرَ دَاومَ عليها أولاً خِلافاً لمن فرَّقَ. فإِنْ غلبتْ طاعَتُهُ صغائِرَهُ فهوَ عدلٌ، ومَتَى استوَيا أو غَلَبَتْ صغائرُهُ طاعاتَهُ فهوَ فاسقٌ. والصغيرةُ كنظَرِ الأجنبيةِ ولمسِها ووطءِ رجعيةٍ وهجرِ المسلمِ فوقَ ثلاثٍ وبيعِ خمرٍ ولبسِ رجُلٍ ثَوبَ حريرٍ وكذبٍ لا حدَّ فيهِ وَلَعْنٍ ولو لبهيمةٍ أو كافرٍ وبَيعِ مَعيبٍ لا ذكرِ عيبٍ وبيعِ رقيقٍ مُسلمٍ لكافرٍ ومحاذاةِ قاضي الحاجهة الكعبة بفرجِهِ وكَشْفِ العورةِ في الخَلوةِ عبثاً وَلَعِبٍ بنردٍ لحصةِ النهي عنهُ وغيبةٍ وسكوتٍ عليها.

ونقلَ بعضُهُم الإِجماعَ على أنَّها كبيرةٌ لما فيها مِنَ الوعيدِ الشَديدِ محمولٌ على غيبةِ أهلِ العِلمِ وَحَملةِ القرآن لعمومِ البَلوى بها، وهي ذِكرُكَ ولو نحو إشارة غيرُكَ المحصورُ المعَيَّنُ ولو عِندَ بعضِ المخاطبينَ بما يَكرَهُ عرفاً. واللعبُ بالشطرنجِ بِكسرِ أوله وفتحه معجماً ومهملاً مكروهٌ إنْ لمْ يكنْ فيهِ شرطُ مالٍ مِنَ الجانبينِ أو أحَدِهِما أو تَفويتُ صلاةٍ ولو بنسيانٍ بالاشتغالِ بهِ أو لعبٌ معَ مُعتقدٍ تحريمَهُ وإلا فحرامٌ، وَيُحملُ ما جاءَ في ذمّهِ مِنَ الأحاديثِ والآثارِ على ما ذُكِرَ وتسقُطُ مروءةُ منْ يداومْهُ فتُردُّ شهادتُهُ وهو حرامٌ عندَ الأئمةِ الثلاثةِ مُطلقاً. ولا تُقبلُ الشهادةُ مِنْ مُغفَّلٍ ومُختَلّ نظرٍ ولا أَصمّ في مسموعٍ ولا أعمى في مُبْصَرٍ كما يأتي. ومن التيقظِ ضَبط ألفاظِ المشهودِ عليهِ بحروفِها من غيرِ زيادةٍ فيها ولا نقصٍ. قال شيخُنَا: ومِنْ ثم لا تجوزُ الشهادةُ بالمعنى. نعم: لا يبعدُ جوازُ التعبيرِ بأحدِ الرديفينِ عنِ الآخرِ حيثُ لا إبهامَ (و) شُرِطَ في الشاهدِ أيضاً (عدمُ تهمةٍ) بجَرِّ نفع إِليهِ أو إلى مَنْ لا تُقبلُ شهادتُهُ لهُ أو دفعِ ضرّ عنهُ بها (فتُردُّ) الشهادةُ (لرقيقِهِ) ولو مكاتباً ولغريمٍ لهُ ماتَ وإنْ لمْ تَسغرقْ تركتُهُ الديونَ بخلافِ شهادتِهِ لغريمِهِ الموسرِ وكذا المعسَرِ قبلَ موتِهِ فتَقبلُ لهُما (و) تُردُّ (لبعضِهِ) من أصلٍ وإنْ عَلاَ أو فرع له وإن سفلَ. (لا) تُردُّ الشهادَةُ (عليهِ) أي لا على أحدِهما بشيءٍ إذ لا تُهمةَ. ولا على أبيهِ بطلاقِ ضرةِ أمّهِ طلاقاً بائناً وأمُّهُ تحتَهُ، أما رجعيٌ فتُقبلُ قطعاً. هذا كُلُه في شهادةِ حسبةٍ أو بَعدَ دعوى الضُرةِ.

فإِن ادعاهُ الأبُ لعدمِ نفقةٍ لم تُقبلْ شهادتُهُ للتهمةِ وكذا لو ادعتْهُ أمُّهُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: لو ادعى الفرعُ على آخر بدَينٍ لموكلِهِ فأنكرَ فشهَدَ بِهِ أبو الوكيلِ قُبِلَ وإن كانَ فيهِ تصديقُ ابنِهِ. وتُقبلُ شهادة كُلّ مِنَ الزوجينِ والأَخوينِ والصَديقينِ للآخَرَ (و) تُردُّ الشهادةُ (بما هُوَ محلُّ تصرُّفِهِ) كأنْ وكَّلَ أو أوصَى فيهِ لأنهُ يثبتُ بشهادَتِهِ ولايةٌ لهُ على المشهودِ بهِ نعم: لو شهدَ بهِ بعدَ عزلِهِ ولم يكنْ خاصَمَ قبلَهُ قُبلتْ، وكذا لا تُقبَلُ شهادَةُ وديعٍ لمودعِهِ ومرتهنٍ لراهنِهِ لتهمةِ بقاءِ يدِهما. أما ما ليسَ وكيلاً أو وَصيِّاً فيهِ فتقبلُ. وَمِنْ حِيَلِ شهادةِ الوكيلِ ما لو باعَ فأَنكَر المشتري الثمننَ أو اشترى فادَّعى أجنبيٌ بالمبيعِ فلهُ أنْ يَشهدَ لموكلِهِ بأَن له عليهِ كذا أو بأنَّ هذا ملكَهُ إن جازَ لهُ أَنْ يَشهَد بهِ للبائعِ ولا يذكُر أنهُ وَكيلٌ وصوّبَ الأذرعي حلَّهُ باطناً لأنَّ فيهِ توصلاً للحقّ بطريق مُباحٍ. وكذا لا تُقبلُ ببراءةِ مَنْ ضمنَهُ الشاهدُ أو أصلُهُ أو فرعُهُ أو عبدُهُ لأنَّهُ يدفعُ بهِ الغرمَ عن نفسِهِ أو عمَّن لا تُقبلُ شَهَادَةٌ لهُ (و) تُردُّ الشهادةُ (من عدوَ) على عدوّهِ عَدواةً دُنيويةً لا لهُ. وهوَ من يَحزَنُ بفرحِهِ وعكسَهُ. فلو عادَى من يُريدُ أن يَشهدَ عليهِ وبالِغَ في خُصومتِهِ فلم يجْبهُ قُبِلتْ شهادتُهُ عليهِ.

[تنبيه]: قالَ شيخُنا ظَاهرُ كلامِهِ قبولُها من ولدِ العدوِّ ويوجَّهُ بأنهُ لا يلزمُ مِنْ عَداوةِ الأبِ عداوةُ الإبنِ.

[فائدة]: حَاصلُ كلامِ الروضةِ وأصلِها أنَّ منْ قذفَ آخرَ لا تُقبلُ شهادةُ كلٍ مِنهُما على الآخرِ وإن لمْ يطلبِ المقذوفُ حدَّهُ وكذا من ادَّعى على آخرٍ أنهُ قطعَ عليهِ الطريقَ وأخذَ مالَهُ فلا تُقبلُ شهادةُ أحدِهِما على الآخرِ. قالَ شيخُنا: يُؤخذُ من ذلكَ أنَّ كلَّ مَنْ نَسَبَ آخَر إلى فسقٍ اقتضى وُقُوعَ عداوةٍ بينهما فلا تُقبلُ الشهادةُ من أحدِهِما على الآخرِ. نعم يَترددُ النظرُ فيمن اغتابَ آخرَ بمفسقٍ يجوزُ لهُ غيبتُهُ بهِ وإن أثبتَ السبَبَ المجوّزَّ لذلكَ.

[فرع]: تُقبلُ شهادةُ كلِّ مبتدعٍ لا نُكفِرُهُ ببدعَتِهِ وإنْ سبَّ الصحابةَ رضوانُ اللَّهِ عليهم كما في الروضةِ وادَّعى السُبكيُ والأذرعيُ أنهُ غلطٌ. (و) تُردُّ (مِنْ مُبادِرٍ) بشهادتِهِ قبلَ أن يسألَها بَعدَ الدعوى لأنهُ مُتَّهمٌ نعم لو أعادَها في المجلسِ ولو بعدَ الإستشهادِ قُبلتْ (إلا) في شهادة حسبةٍ وهي ما قُصِدَ بها وجهَ اللَّهِ فتُقبلُ قبلَ الإستشهادِ ولو بلا دعوى (في حقٍ مؤكدٍ للَّهِ) تعالى وهُوَ ما لا يتأثرُ برضا الآدمي (كطلاقٍ) رَجعيٍ أو بائنٍ (وعتقٍ) واستيلادٍ ونَسبٍ وعفوٍ عن قودٍ وبقاءِ عدةٍ وانقضائِها وبلوغٍ وإسلامٍ وكفرٍ ووصيةٍ ووقفٍ لنحوِ جهةٍ عامةٍ وحقٍ لمسجدٍ وتَركِ صلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ بأن يشهدَ بتركِها وتحريمِ رضاعٍ ومصاهرةٍ.

[تنبيه]: إنما تُسمعُ شهادةُ الحسبةِ عندَ الحاجةِ إليها فلو شهدَ إثنانِ أن فلاناً أعتقَ عبدَهُ أو أنهُ أخو فلانةٍ منَ الرضاعِ لم يكفِ حتى يقولا أنه يَسترقُّهُ أو أنهُ يريدُ نكاحَها. وخَرجَ بقولي في حقٍ للَّهِ تعالى حَقُّ الآدمي كقَودٍ وحدّ قذفٍ وبيعٍ فلا تُقبلُ فيهِ شهادةُ الحسبةِ وتُقبلُ في حدّ الزنا وقطعِ الطريقِ والسَرِقةِ (وتُقبلُ) الشهادةُ (مِنْ فاسقٍ بَعدَ توبةٍ) حاصلةٍ قبلَ الغَرغرةِ وطلوعِ الشمسِ مِنْ مَغرِبِها (وهي ندمٌ) على معصيةٍ مِنْ حيثُ أنها معصية لا لخوفِ عقابٍ ولو اطلعَ عليهِ أو لغرَامةِ مالٍ (ب) شرطِ (إقلاعِ) عنها حالاً إن كانَ متلبساً أو مُصرّاً على معاودَتِها. ومن الإِقلاعِ ردُّ المغصوبِ (وَعَزمٍ أنْ لا يعودَ) إليها ما عاشَ (وخروجٍ عن ظَلامةِ آدميّ) مِنْ مالٍ أو غيرِهِ فيؤدي الزكاةَ لمستحقيها ويَردُّ المغصوبَ إن بقيَ وبدَّلَهُ إن تلفَ لمستحقِهِ ويُمكَّنُ مُستحقُ القَودِ وحدّ القذفِ منَ الإستيفاءِ أو يُبرئُهُ منهُ المستحقُ للخبرِ الصحيحِ: "مَنْ كانت لأَخِيهِ عندَهُ مظلمَةٌ في عُرضٍ أو مالٍ فليستحلُهُ اليومَ قبلَ أن لا يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ، فإِن كانَ لَهُ عملٌ يؤخذُ منهُ بقدرِ مظلمتِهِ وإلا أَخذَ من سَيئاتِ صاحبِهِ" فحملَ عليهِ وشَمَلَ العملُ الصومَ كما صرّحَ بهِ حديثُ مُسلمٍ خلافاً لمن استثناهُ، فإِذا تَعَذَّرَ ردُّ الظلامةِ على المالكِ أو وارثِهِ سلمَها لقاضٍ ثقةً، فإِن تعذَّر صرفُها فيما شاءَ مِنَ المصالحِ عندَ انقطاعِ خَبرِهِ بنيةِ الغرمِ لهُ إذا وجدهُ فإِنْ أعسرَ عزمَ على الأَداءِ إذا أَيسرَ فإِنْ ماتَ قبلَهُ انقطعَ الطلب عنهُ في الآخرةِ إن لم يَعصِ بالتزامِهِ. فالمرجو من فضلِ اللَّهِ الواسعِ تعويضُ المستحقّ.

ويُشترطُ أيضاً في صحةِ التوبةِ عن إخراجِ صلاةٍ أو صومٍ أو وقتِهما قضاوهما وإنْ كثر وعن القذفِ أن يقولَ القاذفُ قذفي باطلٌ وأنا نادمٌ عليهِ ولا أعودِ إليهِ وعَنِ الغيبةِ أن يستحلَّها مِنَ المغتابِ إن بلغَتْهُ ولم يتعذّرْ بموتٍ أو غيبةٍ طويلةٍ وإلا كفى الندمُ والإستغفارُ لهُ كالحاسِدِ واشترَطَ جمَعٌ مُتقدِمونَ أنهُ لا بدَ في التوبةِ منْ كلِّ معصيةٍ مِنَ الإستغفارِ أيضاً واعتمدَهُ البلقيني. وقالَ بعضُهُم يتوقفُ في التوبةِ في الزنا على استحلالِ زوجِ المزني بها إن لم يخفْ فتنةً، وإلا فليتضرّعْ إلى اللَّهِ تعالى في إرضائِهِ عنهُ. وجَعلَ بعضُهُم الزِنا مما ليس فيهِ حقُّ آدمي فلا يُحتاجُ فيهِ إلى الإستحلالِ والأوجهُ الأولَ. وَيُسنُّ للزاني ككلِ مرتَكِبِ معصيةٍ السترُ على نفسِهِ بأن لا يُظهرها ليحدَّ أو يعزّرَ لا أن يتحدثَ بها تفكهاً أو مجاهرةً فإِنَّ هذا حرامٌ قطعاً، وكذا يسنُّ لمن أقرَّ بشيءٍ من ذلكَ الرجوعُ عن إقرارهِ بِهِ قالَ شيخُنا: مَنْ ماتَ ولهُ دَينٌ لم يستوفِهِ وَرَثَتهُ يكونُ هوَ المطالبُ في الآخرةِ على الأصح (و) بعدَ (استبراءِ سَنَةٍ) من حينِ توبةِ فاسقٍ ظهرَ فسقُهُ لأنَّها قَلبيةٌ وهو متهمٌ لقبولِ شهادتِهِم وَعودُ ولايتِهِ فاعتُبِرَ ذلكَ لتقوّي دَعواهُ، وإنما قدَّرهَا الأكثرونَ بسنَةٍ لأنَّ الفصولَ الأربعَةَ في تهييجِ النفوسِ بِشَوَاتِها أثراً بيناً فإذا مَضَتْ وهُوَ على حالِهِ أشعَرَ بذلكَ بحُسنِ سَريرتِهِ، وكذا لا بدَّ في التوبةِ من خَارمِ المروءة الإستبراءُ كما ذكرَهُ الأصحابُ.

[فروع]: لا يَقدحُ في الشهادةِ جهلَهُ بفروضٍ نحوَ الصلاةِ والوضوءِ اللذينِ يوءَديهما ولا توقفَهُ في المشهودِ بهِ إن عادَ وجزمَ بهِ فيُعيدُ الشهادةَ ولا قولُهُ لا شهادةَ لي في هذا إن قالَ نسيتُ أو أمكنَ حدوثَ المشهودِ بهِ بعدَ قولِهِ وقدْ اشتهرتْ ديانتُهُ ولا يلزمُ القاضي استفسارَهُ إنْ اشتهرَ ضبطُهُ وديانتُهُ بَلْ يُسَنُّ كتفرقةِ الشُهودِ وإلا لزمَ الإستفسارُ (وشُرطَ لشهادةٍ بفعلٍ كزِنا) وغَصبٍ ورضاعٍ وولادةٍ (إبصارٌ) لهُ معَ فاعلِهِ فلا يكفي فيهِ السماع مِن الغيرِ ويجوزُ تعمدُ نظرِ فرجِ الزانيينِ لتحملِ شهادةٍ، وكذا امرأةٍ تلدُ لأجلِها (و) لشهادةٍ (بقولٍ كعقدٍ) وفسخٍ وإقرارٍ (هُوَ) أي إبصارٌ (وسمعٌ) لقائِلِهِ حالَ صدورِهِ فلا يُقبلُ فيهِ أصمٌّ لا يسمَعُ شيئاً ولا أعمى في مرئيٍ لانسدادِ طُرقِ التمييزِ معَ اشتباهِ الأصواتِ ولا يكفي سَماعُ شاهدٍ منْ وراءِ حجابٍ وإنْ عُلِمَ صوتُهُ لأن ما أمكنَ إدراكُهُ بإِحدى الحواسّ لا يجوزُ أن يُعملَ فيهِ بغلبةِ ظَنٍ لجوازِ اشتباهِ الأصواتِ قالَ شيخُنا: نعم لو علمهُ ببيتٍ وحدَهُ وعُلِمَ أن الصوتَ ممنْ في البيتِ جازَ اعتمادُ صوتِهِ وإن لم يرَهُ وكذا لو عَلِمَ اثنينِ ببيتٍ لا ثالثَ لهما وسَمِعُهما يتعاقدانِ وعَلِمَ الموجبَ منهما مِنَ القابِل لعلمِهِ بمالكِ المبيعِ أو نحوِ ذلكَ فلَهُ الشهادةُ بما سمعَهُ منهُما. اه. ولا يَصحُ تحملُ شهادةٍ على منتقبَةٍ إعتماداً على صوتِها كما لا يتحملُ بصيرٌ في ظلمةٍ اعتماداً عليهِ لاشتباهِ الأصواتِ. نعم، لو سمعَهَا فتعلقَ بها إلى القاضي وشَهدَ عليها جازَ كالأعمى بشرطِ أنْ تَكشفَ نقابَهَا ليعرفَ القاضي صورتَها.

وقال جَمعٌ لا ينعقدُ نكاحُ مُنَقَبَةٍ إلا إن عرفَها الشاهدان إسماً وَنَسباً وصورةً (ولهُ) أي للشخصِ (بلا معارضٍ شهادةٌ على نسبٍ) ولو مِنْ أمّ أو قبيلةٍ (وعَتْقٍ) وَوَقفٍ ومَوتٍ ونكاحٍ (وملكٍ بتسامعٍ) أي استفاضةٍ (مِنْ جمعٍ يؤمنُ كذبُهُم) أي تواطؤهُم عليه لكثرتِهِم فيقعُ العلمُ أو الظنُّ القويّ بخبرِهِم ولا يُشترطُ حريتُهُم ولا ذكورتُهُم ولا يكفي أن يقولَ سمعتُ الناسَ يقولونَ كذا بل يقولُ أَشهدُ أنهُ ابنَهُ مثلاً (و) لَهُ الشهادةُ بلا معارضٍ (على ملكٍ بهِ) أي بالتسامخِ ممن ذُكِر (أو بيدٍ وتصرُّفٍ تصرُّفَ مَلاكٍ) كالسُكنى والبناءِ والبَيعِ والرهنِ والإِجارةِ (مدةً طويلةً) عرفاً فلا تكفي الشهادةُ بمجردِ اليدِ لأنها لا تستلزمُهُ ولا بمجردِ التصرفِ لأنَّهُ قَدُ يكونُ بنيابةٍ ولا تصرفَ بمدّةٍ قصيرةٍ نعم إن انضمَ للتصرفِ استفاضةٌ أَنَّ الملكَ لَهُ جازَتِ الشهادةُ بهِ وإنْ قصرتِ المدّةُ ولا يكفي قولُ الشَاهدِ رأيتُ ذلكَ سِنينَ. واستثنوا مِنْ ذلكَ الرقيقُ فلا تجوزُ الشهادةُ بمجردِ اليدِ والتصرُّفِ في المدةِ الطويلَةِ إلا إن انضمَّ لذلكَ السماعُ من ذي اليدِ أنهُ لهُ كما في الروضةِ للإحتياطِ في الحريةِ وكثرةِ استخدامِ الأحرارِ واستصحابٍ لما سبقَ مِنْ نحوِ إرثٍ وشراءٍ وإن احتمل زوالَهُ للحاجةِ الداعيةِ إلى ذلِكَ ولأن الأصلَ بقاءُ الملكِ، وَشَرَطَ ابنُ أبي الدمِ في الشهادةِ بالتسامعِ أن لا يصرحَ بأنَّ مستندَهُ الإستفاضةُ، ومثلُهُا الإستصحابُ ثمَّ اختارَ وتبِعَهُ السُبكيُ وغيرُهُ أنهُ إن ذكَرَهُ تقويةً لعلمِهِ بأنْ جزمَ بالشهادةِ. ثُمَّ قالَ مُستندي الإستفاضةُ أوِ الإستصحابُ سُمعتْ شهادتُهُ وإلا كأن قالَ شَهدتُ بالإستفاضَةِ بكذا فلا، خلافاً للرافعي واحترزَ بقولي بلا مُعارضٍ عما إذا كانَ في النسبِ مثلاً طعنٌ منْ بعضِ الناسِ لم تجزْ الشهادةُ بالتسامعِ لوجودِ معارضٍ.

[تنبيه]: يتعينُ على المؤدي لفظَ أَشهدُ فلا يكفي مرادفُهُ كأَعلمُ لأنهُ أبلغِ في الظهورِ ولو عَرف الشاهدُ السببَ كَالإِقرارِ هلْ لَهُ أنْ يَشهدَ بالإستحقاق؟ وَجهانِ أشهرهُما لا، كما نقلَهُ ابنُ الرفعةِ عنِ ابنِ أبي الدَمِ. وقالَ ابنُ الصباغِ كغيرِهِ تُسمَعُ وهوَ مُقتضى كلامِ الشيخين (وتُقبلُ شهادةٌ على شهادةِ) مقبولٍ شهادتِهِ (في غير عقوبةٍ لله) تعالى مالاً كانَ أو غيرَهُ كعقدٍ وفسخٍ وإقرارٍ وطلاقٍ ورجعةٍ ورضاعٍ وهلالِ رَمضانَ ووقفٍ على مسجدٍ أو جهةٍ عامةٍ وقودٍ وقذفٍ بخلافِ عقوبةٍ للَّهِ تعالى. كحدّ زِناً وشربٍ وسرقةٍ وإنما يجوزُ التحملُ (ب) شروطِ (تَعَسُّرِ أداءِ أصلٍ) بغيبةٍ فوقَ مسافةِ العدوى أو خوفِ حبسٍ مِنْ غريمٍ وهوَ مُعسرٍ أو مرضٍ يشقُّ مَعَهُ حضورُهُ وكذا بتعذرِهِ بموتٍ أو جنونٍ (و) ب (استرعائِهِ) أي الأصل أي التماسه منهُ رعايةَ شهادتِهِ وضبطَها حتى يؤديَها عنهُ لأنَّ الشهادةَ على الشهادةِ نيابةً فاعتُبِرَ فيها إذنُ المنوبِ عنهُ أو ما يقومُ مقامَهُ (فيقولُ أنا شاهدٌ بكذا) فلا يكفي أنا عالمٌ بِهِ (وأُشهدُكَ) أو أَشهدتُكَ أو أُشهدُ (على شَهَادتي) بهِ فلو أهملَ الأصلُ لفظ الشهادةِ فقالَ أُخبرُكَ أو أُعلِمُكَ بكذا فلا يكفي كما لا يكفي ذلك في أداءِ الشهادةِ عند القاضي، ولا يكفي في التحمُّلِ سماعُ قولِهِ لفلانٍ على فلانٍ كذا أو عندي شهادةٌ بكذا (و) ب (تبيين فرعٍ) عندَ الأداءِ (جهةً تحملٍ) كأَشهِدُ أنَّ فلاناً شَهدَ بكذا وأَشهدَني على شهادتِهِ أو سمعتُهُ يشهدُ بهِ عندَ قاضٍ، فإِذا لم يبينْ جهةَ التحملِ ووثقَ الحاكمُ بعلمِهِ لم يحبْ البيانُ فيكفي أَشهدُ على شهادةِ فلانٍ بكذا لحصولِ الغَرضِ (وبتسميتِهِ) أي الفرعُ (إياه) أي الأصلُ تسميةً تميزُهُ وإنْ كانَ عدلاً لتعرفَ عدالتُهُ، فإِنْ لمْ يُسمِهِ لم يكفِ لأنَّ الحاكِمَ قد يعرفُ جرحَهُ لو سمَّاهُ. وفي وجوبِ تسميةِ قاضٍ شهدَ عليهِ وجهانِ، وصَوَّبَ الأذرعيُ الوجوبَ في هذهِ الأزمنَةِ لما غلبَ على القضاةِ مِنَ الجهلِ والفسقِ. ولو حدثَ بالأصلِ عداوةٌ أو فِسقٌ لم يشهدِ الفَرعُ. فلو زالتْ هذهِ الموانعُ احتيجَ إلى تحمُّلٍ جديدٍ.

[فرع]: لا يصحُ تحملُ النسوةِ ولو على مثلهنَّ في نحوِ ولادةٍ لأن الشهادةَ مما يطلعُ عليهِ الرجالُ غالباً (ويكفي فرعانِ لأصلينِ) أي لكلٍ منهُما فلا يُشترطُ لكلٍ منهُما فرعانِ، ولا تكفي شهادةُ واحدٍ على هذا وواحدٍ على آخرَ، ولا واحدٍ على واحدٍ في هلالِ رمضان.

[فرع]: لو رجعوا عنِ الشهادةِ قَبلَ الحُكمِ منعَ الحكمُ أو بعدَهُ لم ينقضْ ولو شهدوا بطلاقٍ بائنٍ أو رضاعٍ محرمٍ. وَفَرَّقَ القاضي بينَ الزوجينِ فَرجعوا عن شهادتِهِم دامَ الفراقُ لأنَّ قولَهُما في الرجوعِ مُحتملٌ والقضاءُ لا يُردُّ بمحتملٍ ويجبُ على الشُهودِ حيثُ لم يصدقهُم الزوجُ مهرَ مثلٍ ولو قبلَ وَطءٍ أو بَعدَ إبراءِ الزوجةِ زوجَها عنِ المهر لأنهُ بدلُ البضعِ الذي فَوَّتُوهُ عليهِ بالشهادةِ إلا أن ثبتَ أن لا نِكاحَ بينهُما بنحوِ رضاعٍ فلا غرَم إذْ لمْ يُفوتُوا شيئاً ولو رجَع شهودُ مالٍ غُرِموا للمحكومِ عليهِ البدلَ بعد غرمِهِ لا قبلَهُ وإنْ قالوا أخطأنا مُوزعاً عليهم بالسوية.

[تتمة]: قالَ شيخُ مشايخِنا زكريا كالغزي في تلفيقِ الشهادةِ لو شَهِدَ واحدٌ بإِقَرارِهِ بأنهُ وكلَّهُ في كذا وآخرَ بأنهُ أذنَ لَهُ في التصرفِ فيهِ أو فوّضَهُ إليهِ لُفقتِ الشهادتانِ لأنَّ النقلَ بالمعنى كالنقلِ باللفظِ، وبخلافِ ما لو شهد واحدٌ بأنهُ قالَ وَكَّلْتُكَ في كذا وآخرٌ قالَ بأنهُ قالَ فوضتَهُ إليكَ أو شهدَ واحد باستيفاءِ الدَّينِ والآخرُ بالإِبراءِ منهُ فلا يلفقانِ. انتهى. قالَ شيخُ مشايخِنَا أحمدُ المزجدِ: لو شهدَ واحدٌ ببيعٍ والآخرُ بإِقرارٍ بِهِ أو واحدٌ بملكِ ما ادعاهُ وآخرٌ بإِقرار الداخلِ بهِ لم تلفقْ شهادَتُهُما، فلو رَجِعَ أحدُهُما وشَهدَ كالآخرَ قُبِلَ لأنهُ يجوزُ أنْ يحضُرَ الأَمرَينِ. ومن ادعى ألفينِ وأطلقَ فشهِدَ لهُ واحدٌ وأَطلَق وآخرٌ أنهُ مِنْ قَرضٍ ثبتَ أو فشهدَ لهُ واحدٌ بألفٍ ثمنَ مبيعٍ وآخر بألفٍ قرضاً لم تلفقْ ولهُ الحلفُ معَ كل منهما. ولو شهدَ واحدٌ بالإِقرارِ وآخرٌ بالإستفاضةِ حيثُ تُقبلُ لفقَا. انتهى.

(وسُئلَ) الشيخُ عطية المكي نفعنَا اللَّهُ بهِ عنِ رجلينِ سمعَ أحدُهُما تطليقَ شخصٍ ثلاثاً والآخرُ الإقرارَ بهِ فهلْ يلفقانِ أو لا؟. (فأجابَ) بأنهُ يجبُ على سامعي الطلاقَ والإِقرارَ بهِ أن يشهدا عليهِ بالطلاقِ الثلاثِ بتاً ولا يتعرضا لإِنشاءِ ولا إقرارٍ وليسَ هذا من تلفيقِ الشهادةِ منْ كل وجهٍ، بلْ صورةُ إنشاءِ الطلاقِ والإِقرارِ بهِ وَاحِدة في الجملةِ والحكم يُثبتُ بذلكَ كيفَ كانَ وللقاضي بل عليهِ سماعُها. انتهى.

[خاتمة]: في الأَيمانِ. لا ينعقدُ اليمنُ إلا باسمٍ خاصّ باللَّهِ تعالى أو صفةٍ من صفاتِهِ: كوَاللَّهِ والرَحْمَنِ والإلهِ وربِ العالمين وخالِق الخلَقِ. ولو قالَ وكلامِ اللَّهِ أو وكتابِ اللَّهِ أو وقرآنِ اللَّهِ أو والتوارةِ أو والإِنجيلِ فيمينٌ. وكذا والمصحفِ إنْ لم ينوِ بالمصحفِ الورقِ والجلدِ. وإن قالَ وربي وكانَ عرفُهُم تَسمِيَةُ السيدِ رباً فكنايةٌ، وإلا فيمينٌ ظاهراً إنْ لم يردْ غيرَ اللَّهِ ولا ينعقدُ بمخلوقٍ كالنبي والكَعبةِ للنهي الصحيحِ عن الحلفِ بالآباءِ وللأمرِ بالحلفِ باللَّهِ وروى الحاكمُ خبراً: "من حَلفَ بغيرِ اللَّهِ فقدْ كَفَر" وحملُوهُ على ما إذا قصدَ تعظيمَهُ كتعظيمِ اللَّهِ تعالى، فإِنْ لمْ يقصدْ ذلكَ أَثمَ عندَ أكثرِ العلماءِ أي تبعاً لنصّ الشافعي الصريحِ فيهِ كذا قالَهُ بعضُ شراحِ المنهاجِ. والذي في شرحِ مُسلمٍ عنْ أكثر الأصحابِ الكراهة، وهُوَ المعتدُّ، وإن كانَ الدليلُ ظاهراً في الإِثمِ. قالَ بعضهُمُ وهو الذي ينبغي العملُ بهِ في غالبِ الأعصارِ لقصدِ غالبهم بهِ إعظام المخلوقِ بهِ ومضاهاتِهِ للَّهِ تعالى اللَّهُ عنْ ذلكَ علوّاً كبيراً وإذا حَلَفَ بما ينعقدُ بهِ اليمينُ ثم قالَ لم أردْ بهِ اليمينَ لم يقبلْ، ولو قالَ بعدَ يمينِهِ إن شاءَ اللَّهُ وقصدَ اللفظَ والإستثناءَ قبلَ فراغِ اليمينِ واتصلَ الإستثناءُ بها لم تنعقدِ اليمينُ فلا حنث ولا كفارةَ. وإن لم يتلفظْ بالإستثناءِ بل نَواهُ لم يندفعْ الحنثُ ولا الكفارةُ ظاهراً بل يُدين.

ولو قال لغيرِهِ أقسمتُ عليكَ باللَّهِ أو أَسألُكَ باللَّهِ لتفعلنَّ كَذَا وأرادَ يمينَ نفسِهِ فيمينٌ ومتى لم يقصد يمينَ نفسِهِ بل الشفاعةَ أو يمينَ المخاطبِ أو أطلَقَ فلا تنعقدُ لأنهُ لم يحلفْ هُوَ ولا المخاطبُ ويُكرَهُ ردُّ السائلِ باللَّهِ تعالى أو بوجهِهِ في غيرِ المكروهِ وكذا السؤالَ بذلكَ ولو قالَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديٌّ أو نَصرانيٌ فليسَ بيمينٍ لإنتفاءِ إسمِ اللَّهِ أو صِفتِهِ ولا كفارةٌ وإن حَنَثَ نعمْ يحرمُ ذلكَ كغيرِهِ ولا يَكفُرُ بل إنْ قصدَ تبعيدَ نفسِهِ عن المحلوفِ أو أطلقَ حَرُمَ ويلزمَهُ التوبةَ فإِنْ علقَ أو أرادَ الرضا بذلكَ إنْ فعلَ كَفَرَ حالاً وحيثُ لم يَكفْر سُنِّ لهُ أن يستغفر اللَّهَ تعالى ويقولُ لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ اللَّهِ وأوجبَ صاحبُ الإستقصاءِ ذلكَ ومَنْ سبقَ لسانُهُ إلى لفظِ اليمينِ بلا قصدٍ كلا واللَّهِ وبلا واللَّهِ في نحو غضبٍ أو صلةِ كلامٍ لم ينعقدْ والحلفُ مكروهٌ إلا في بيعةِ الجهادِ والحثّ على الخيرِ والصادقُ في الدعوى ولو حلفَ في تركِ واجبٍ أو فعلِ حرامٍ عصَى ولزِمَهُ حنثٌ وكفارةٌ أو تركِ مستحبّ أو فعلِ مكروهٍ سُنَّ حنثُهُ وعليهِ كفارةٌ أو على تركِ مُباحٍ أو فعلِهِ كدخولِ دارٍ وأكلِ طعامٍ كلا آكله أنا فالأفضلُ تركُ الحنثِ إبقاءاً لتعظيمِ الإِسمِ.

[فرع]: يُسنُّ تغليظُ يمينٍ مِنَ المُدعي والمُدعَى عليه وإن لم يطلبْهُ الخصمُ في نكاحٍ وطلاقٍ ورجعةٍ وعتقٍ ووكالةٍ وفي مالٍ بلغَ عشرينَ ديناراً لا فيما دونَ ذلكَ لأنهُ حقيرٌ في نظرِ الشرعِ نعمْ لو رآهُ الحاكمُ لنحوِ جراءةِ الحالفِ فعلَهُ. والتغليظُ يكونُ بالزمانِ وَهُوَ بعدَ العصرِ وعصرِ الجمعةِ أولى وبالمكانِ وهوَ للمسلمينَ عندَ المنبرِ وصعودِهِما عليهِ أولى وبزيادةِ الأسماءِ والصِفاتِ ويُسنُّ أنْ يقرأَ على الحالِفِ آيةَ آلِ عِمرانَ: {إنَّ الذينَ يَشترونَ بعهدِ اللَّهِ وأيمانِهِم ثمناً قليلاً}. وأنْ يوضعَ المصحفُ في حجرِهِ ولو اقتصرَ على قولِهِ وَاللَّهِ كفى. ويعتبرُ في الحلفِ نيةُ الحاكمِ المستحلِفِ فلا يدفعُ إثمَ اليمينِ الفاجرةِ بنحوِ توريةٍ كاستثناءٍ لا يَسمعُهُ الحاكِمُ إن لم يظلمْه خصمَهُ كما بحثَهُ البلقيني أما منْ ظلمَهُ خصمُهُ في نفسِ الأمر كأنْ ادّعى على معسر فيحلف لا تَستحقُّ عليَّ شيئاً أي تسليمهُ الآنَ فتنفعُهُ التوريةُ والتأويلُ لأنَّ خصمَهُ ظالمٌ إن علمَ أو مُخطِيءٌ إن جهلَ فلو حلفَ إنسانٌ ابتداءً أو حلفَهُ غيرُ الحاكمِ اعتبرَ نيةُ الحالِفِ ونفعته التورية وإنْ كانت حراماً حيثُ يبطلُ بها حقُّ المستحقِ واليمينُ يقطعُ الخصومةَ حالاً لا الحقَّ فلا تَبرأُ ذمتَهُ إن كانَ كاذِباً فلو حَلفَّهُ ثم أقامَ بينةً بما ادعاهُ حكمَ بها كما لو أقرَّ الخصمُ بعدَ حلفِهِ والنكولُ أن يقولَ أنا ناكلٌ أو يقولُ لهُ القاضي إحلفْ فيقولُ لا أحلفُ. واليمينُ المردودةُ وهي يمينُ المدعي بعدَ النكولِ كإِقرارِ المدعَى عليهِ لا كالبينةِ فلو أقامَ المدعَى عليهِ بعدَهَا بينةً بأداءٍ أو إبراءٍ لم تُسمعْ لتكذيبِهِ لها بإِقرَارِهِ وقالَ الشيخانِ في محلٍ تُسمعُ وصححَ الإِسنوي الأولُ والبلقيني الثاني وقالَ شيخُنَا والمتحه الأولُ.

[فرع]: يتخيرُ في كفارةِ اليمينِ بينَ عتقِ رَقبةٍ كَامِلةٍ مُؤمِنةٍ بلا عيبٍ يخلُّ بالعَملِ أو الكَسْبِ ولو نحوَ غَائبٍ عُلمِتْ حياتُهُ. أو إطعامِ عشرةِ مَساكين كلُّ مسكينٍ مدَّ حبَ من غالبِ قوتِ البلدِ. أو كسوتِهِم بما يُسمى كسوةً كقميصٍ أو إزارٍ أو مقنعةٍ أو منديلٍ يُحملُ في اليدِ أو الكُمِّ لا خفَ فإن عجزَ عن الثلاثةِ لزمهُ صومُ ثلاثةِ أَيامٍ ولا يجبُ تَتَابُعَها خِلافاً لكثيرين.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية